رواية المعلم كاملة بقلم تسنيم المرشدي حصريا للقراءة والتحميل
رواية المعلم (حلقات خاصة) الحلقة الثالثة 3
انتبهت على رنين الهاتف فأسرعت في إغلاق الموسيقى لتجيب على عزيزها الغالي، بدأن الفتيات في الهتاف بمزاح على تصرفها العفوي فمنهم من أصدرت صافرات بفمها وأخريات ألقين الدعابات مثل:
الله يسهلوا
أيوة بقا يا عروسة
يا بخته
ومنهن من أطلقت ضحكات بميوعة شديدة وهي تردد:
كلها يوم وتبقوا مع بعض يا عريس مستعجل على إيه؟
رمقتهن هالة بغيظ ثم انسحبت من بينهن وولجت لغرفتها، أوصدت الباب خلفها مانعة أي دخيلة من التطفل عليها ثم بنبرة حماسية حدثته:
وحشتني يا يويا
بلطاقة أردف يحيى:
وأنتِ كمان، بتعملي إيه؟
أخبرته هالة بما تفعله ساخرة:
برقص هكون بعمل إيه يعني؟
مازحها يحيى بقوله:
طب ابقي سيبي لي شوية
_ قهقهت هالة عالياً وأجابته بدلع:
الدلع كله متقلقش
_ حك يحيى مؤخرة رأسه ثم أردف:
ماشي لما نشوف ؛ المهم ريان باعت واجبات وحلويات العربية كلها خمس دقايق اتلمي أنتِ وصحابك ومتظهريش لغاية ما يحطوا الحاجة ويمشوا، طنط اللي تقابلهم فاهمة!
_ ابتهجت هالة من غيرته الواضحة ورددت بسعادة مبالغة:
فاهمة
_ صغت إلى رنين الباب فهتفت بتلهف:
شكلهم وصلوا، اقفل لما ألحق البنات قبل ما يفتحوا، سلام
_ أغلقت الهاتف وخرجت راكضة لكي تمنعهم من فتح الباب بتلك الحالة التي جميعهن عليها، لكنها لم تلحق بهن وقد فتحت إحداهن، تنهدت براحة حين رأتها هاجر شقيقة يحيى.
_ تقوس ثغرها بإبتسامة تلقائية فور رؤيتها، اقتربت منها ورحبت بها بحفاوة شديدة ثم عاتبتها بلُطف:
ما بدري لسه جاية يا هانم؟
_ أخذت هاجر تضبط من أنفاسها المتهدجة ثم أردفت:
أنتِ عارفة عندنا مدراس وحوارات، كويس إني جيت
_ انضمت إليهم عنود ورحبت بها فلقد إشتاقت إليها كثيراً:
وحشتيني يا جوجة أوي
_ لكزتها هاجر بخفة في كتفها ورددت مستاءة:
يا ندلة يلي معتيش بتسألي فيا
_ زمت عنود شفتيها بندم وبندم قالت:
انا كنت معتزلة العالم كله، بجد حالتي كانت حالة
_ تدخلت هالة مانعة أي نقاش قد يطول الحديث به قائلة:
لا مفيش النهاردة كلام فيه رقص وبس
وجهت نظرها إلى هاجر وغمزت إليها بمرح:
يلا ادخلي نقي لك بدلة رقص واخرجي
كادت أن تعارضها هاجر إلا أن هالة منعت أي سبيل للرفض أمامها فاضطرت هاجر إلى الموافقة تحت ضغط هالة عليها، سارت نحو دينا حين لمحتها ورحبت بها وكذلك سألتها عن أحوالها ثم انسحبت إلى غرفة هالة لكي تبدل ثيابها.
طُرق الباب مرة ثانية فلحقت هالة بهن قبل أن يفتحن معللة:
استنوا، دا راجل
صوبت نظرها إلى زوجة عمها وتابعت موضحة:
طنط هيام ريان باعته لو سمحتي قابليه أنتِ
_ أماءت لها هيام بقبول ثم انسحبن الفتيات إلى الغرفة واحدة تلو الاخرى حتى بات المكان خالياً إلا من والدة هالة والعاملين.
_ انتهوا من وضع الوجبات ثم انصرفوا سريعاً، خرجن الفتيات وهللت إحداهن بمشاكسة:
يحيا ريان أخو يحيى
_ هتفت أخرى:
هو اللي مدلعنا
_ رددنا الأخريات خلفها عالياً:
هو
_ إنفجرن جميعهن ضاحكين ثم بدأت هالة في توزيع الوجبات عليهن بمساعدة عنود وهاجر بينما لم تبرح دينا مكانها وفضلت رمقهن باستحقار بدلاً عن مساعدتهن.
_ انتبهت هالة لكيس بلاستيكي بعيداً عن بقية الوجبات، تفحصته جيداً فرأت إسم "عنود" مُدون على العُلبة، ابتسمت وبنبرة مرتفعة هللت:
عنود دا فيه واجبة خاصة هنا ليكي
_ أسرعت عنود نحوها بسعادة ثم تناولت عُلبتها فوجدت عُلبة أخرى مدون عليها إسم "دينا"، التفتت ولم تعيرها إهتمام بينما أخذتها هالة وقامت بإعطائها لدينا التي انعكست تقاسيمها حين شعرت بأن ريان قد تذكر عنود فقط، على الرغم من أنه لم ينساها وأحضر لها طعاماً صحياً كما اعتادت في الأوانِ الأخيرة إلا أن عينيها لم تُرفع من على عنود التي لم تفارق الإبتسامة شفتيها، تطالعها ببغض شديد لا تريد لها السعادة ؛ تتمنى زوالها من بين يديها، ربما ستشعر بالراحة إن اختفت تلك البسمة وتعكر صفوها وهذا لن يحدث دون أن تفعلها هي.
_ بدأت في تناول طعامها سريعاً ثم نهضت من مقعدها، إلتقطت حقيبتها اليدوية ووجهت حديثها إلى زوجة عم هالة بأسف زائف:
معلش بقا يا طنط لازم استأذن، أكيد ريان رجع الفيلا ولازم أكون هناك عشان لو أحتاج حاجة
قابلتها الأخرى ببسمة لطيفة وبنبرة حنونة أردفت:
لسه بدري يا بنتي، بس طلاما جوزك محتاجك مش هقدر أقولك حاجة، في رعاية الله
_ أظهرت دينا ابتسامة لم تتعدى شفاها ثم ودعت هاجر وهالة وتابعت سيرها نحو الباب، توقفت حين أوقفتها عنود بحديثها:
استني شوية ونمشي مع بعض
_ قلبت دينا عينيها كما زمت شفتيها بتزمجر لكلمات عنود التي لم تأتي على هواها، سحبت نفساً ثم إستدارت إليها وبنبرة ساخرة ألقت حديثها:
لا مش ضروري تروحي بدري، كده كده صلاحياتك منتهية النهاردة
_ شكلت بسمة متهكمة على ثغرها ثم غادرت المنزل دون إضافة المزيد، لم تُرفع عيون ثلاثتهم من على باب الشقة بصدمة اعتلت وجوهم بسبب ردها الذي أفحهم ألسنتهم.
_ نظرت هالة ومن ثم هاجر إلى عنود التي لم يصدر منها ردة فعل، لم يتفاجئوا بملامحها التي احتدت ومازالت عينيها مُعلقة على الباب حيث اختفت خلفه دينا.
"سيبك منها ولايهمك"
هتفت بهم هالة لعلها تصغي إليها، انتبهت عنود لها فطالعتها لبرهة ثم وجهت بصرها على الجميع فتفاجئت بأعينهن يخترقنها ناهيك عن الهمسات الجانبية التى تشكلت فور إلقاء دينا لكلماتها، على ما يبدوا أنهم يشرحون للبعض أنها زوجة ثانية!
لم تتحمل نظراتهم وانسحبت بهدوء من بين الجميع وعادت إلى غرفة هالة التي تبعتها وكذلك هاجر، تفاجئت هالة بتبديل عنود لثيابها، أسرعت نحوها في محاولة منها على إيقافها مبررة الأمر:
يا بنتي سيبك منها الموضوع مش مستاهل
_ ابتلعت عنود ريقها ورددت وهي تتابع ارتدائها للثياب:
مفيش حاجة يا هالة بس لازم امشي وبليز متضغطيش عليا
_ أشارت هالة إلى هاجر بعينيها لتحاول هي الأخرى معها فتدخلت هاجر قائلة:
أنا لسه جاية يا دودو هتسبيني وتمشي
_ تبسمت لها عنود بخفة وقالت بهدوء:
إحنا قعدنا مع بعض شوية حلوين تتعوض في الفرح
حاولت هالة الضغط عليها فلحقت بها عنود قبل أن تردف كلماتها هباءً:
Please,
هالة سبيني أمشي
_ تركت لها هالة الحرية حين رأت إصرارها على الذهاب فلم تحب أن تضغط عليها يكفي تلك البغيضة التي عكرت صفو اليوم، انسحبت هالة إلى الخارج بحزن قد تشكل على تعابيرها فلقد فقدت شهيتها في مواصلة اليوم بينما مكثت هاجر برفقة عنود التي انتهت للتو من تبديل ثيابها وهاتفت سائقها وأخبرته أن يأتي في أقرب وقت.
"لسه متعودتيش؟"
بتردد سألتها هاجر خشية أن تحزنها، تنهدت عنود بحرارة ثم جلست إلى جوارها وأجابتها بنبرة مستاءة:
لو عليها فاتعودت على تصرفاتها، لكن نظرة الناس اللي لسه متعودتش عليها ومش قادرة أتخطاها، كون إني أقابل ناس مختلفة بنفس النظرات والتُهم اللي بتتوجه لي في عيونهم والمفروض عليا أتغاضى كل مرة صعب فبقيت بهرب ودا الحل اللي قدامي!!
أخفضت هاجر بصرها بشفقة ثم قالت وهي على نفس وضعها:
والله أنتوا الاتنين وضعكم صعب لا يحسد عليه
_ أغلقت عنود عينيها لبرهة ثم هتفت بتهكم:
ودا اللي بيخليني أعدي ليها، عشان زي ما أنا بغير على ريان أكيد هي زيي، بس الموضوع مش سهل برده أنا مش بعمل مشاكل ولا بحاول أحاربها زي ما هي بتعمل ودا بيأثر على نفسيتي إني باجي على نفسي طول الوقت أنا لولا ريان وتمسكه بيا كنت مشيت من زمان أوي.
_ انتبهت عنود لرنين الهاتف وإذا به سائقها، نهضت عن مقعدها وودعت هاجر قائلة:
السواق جه أشوفك بكرة
_ ودعن بعضهن ثم غادرت عنود بعد أن ودعت بقية الفتيات، استقلت في السيارة وأمرت السائق بالعودة إلى الفيلا على مضضٍ
______________________________________
بعد مدة، صف السائق السيارة أمام باب الفيلا وانتظر ترجل عنود لكنها لم تفعل، التفت برأسه ليعلم ما الأمر فإذا بها شاردة ولا تنتبه لوجهتهم.
أصدر صوت عالٍ لكي يجذب انتباهها وقال بعملية:
وصلنا يا باشمهندسة
انتبهت له عنود وطالعته بغرابة فأعاد السائق تكرار ما قاله للتو:
وصلنا..
_ رمقت عنود المكان من حولها بتعجب، فلم تشعر بالوقت الذي مر، أخرجت تنهيدة بتمهل ثم سحبت حقيبتها وترجلت من السيارة، استقبلها صغيرها بالعناق الحار:
نود
جست عنود على ركبيتها ورحبت به في حضنها فتبادلا عناق دافئ كان كليهما بحاجة إليه، حملته بين ذراعيها وتابعت سيرها للداخل، أشار لها الصغير بيده على الحديقة الخلفية مردداً بإصرار:
بولين، بولين
قطبت عنود جبينها فهذا ليس بوقت لعب الآن، أزفرت أنفاسها بملل ورددت مستاءة:
ترامبولين إيه دلوقتي يا تميم أنت يدوب تنام
_ صاح بها الصغير غاضباً:
No sleep، بولين
قلبت عينيها بضجر لكونه مُصراً إلى ذاك الحد، ولم يكن أمامها سوى الخروج إلى الحديقة والإقتراب من اللعبة التي تريد تجربتها، رافقته داخلها لكنها فضلت الجلوس بينما تشاهده يقفز لكنه كان له رأي آخر.
أمسك بيدها وظل يُشد عليها يريدها أن تشاركه المرح، رمقته عنود بنظرات متعبة وبنبرة مرهقة هتفت:
يا تميم ألعب أنت،
I don't want to play ( لا أريد اللعب )
بعينين لا تسمح للنقاش ونبرة آمرة صاح تميم:
Play mom
ضاقت عنود ببندقتيها عليه ولبت أمره على الرغم من عدم تقبلها لعمل أي شيئ في تلك الأثناء، انتبهوا بعد مدة على حضور سيارة ريان، هرول الصغير إلى شِباك اللعبة وهتف بسعادة:
بابي
_ ترجل ريان من سيارته وتوجه نحوهم مباشرةً مشكلاً بسمة عذبة على محياه، ساعد تميم على النزول ثم وضع كلتى يديه في منتصف خِصر عنود وقام بإنزالها بحذر وتسائل بفضول:
بتعملوا ايه هنا متأخر كدا
_ صوبت عنود بصرها تلقائياً على تميم وأجابته موضحة:
استاذ تميم بقا بيأمرني كمان!!
_ قهقه ريان عالياً ثم انحنى عليه وردد بفخر:
أيوة كدا خليك راجل، إبن أبوك يالا جدع
_ رفعت عنود حاجبيها بغيظ ورددت:
والله بجد!
_ عاد ريان لوقفته وغمز إليها بتعالي:
إحنا رجالة أوي على فكرة
كادت أن ترد عليه لكن قاطعة الملذات كما تلقبها عنود انضمت إليهم، قبلت ريان من وجنته مرحبة به:
حمدالله على سلامتك يا حبيبي
_ تعجب ريان من هدوء أسلوبها وتحول تعاملها معه فلم تكن هكذا في الصباح، تنهد وأجابها:
الله يسلمك، البنات فين؟
_ ناموا من بدري
_ ظهرت إبتسامة متهكمة على شفتي ريان، فهي تتحجج دوماً بعدم انتظام نومهم إلا في الأيام الخاصة بهما، لم يعقب وتوجه إلى الداخل برفقة تميم بينما تبعته دينا وخلفهما عنود التي تعمدت التمهل في حركتها لكي لا تختلط بها.
جذب انتباه الجميع رنين هاتف عنود، سحبته من حقيبتها ورددت بعفوية:
دي هالة
أجابت على الفور ولم تنتظر:
لحقت أوحشك؟
صغت عنود إلى ما تخبرها به هالة، انعكست تقاسميها بغرابة ثم إلى الذهول تحت نظرات ريان ودينا عليها، بعد دقائق مرت دون نطق عنود لشيئ أغلقت الهاتف وأعادته في حقيبتها ووجهت نظرها إلى ريان وبنبرة هادئة تماماً أردفت:
انا حامل!
صعقت دينا مما قالته، فلم تعلم أنها ستعلم بتلك السرعة بينما تفاجئ ريان بهذا الخبر السار واقترب منها مرددا بعدم استعياب بعد:
دا بجد؟
_ بذهول تام مرسوم على تقاسيم عنود أكدت له:
أيوة عملت اختبار حمل هناك وظهر إني حامل
_ إلتوى ثغر ريان بإبتسامة عريضة مشرقة، عانقها بحب وبارك لها في سعادة بالغة:
مبروك يا حبيبتي
"مبروك علينا يا حبيبي"
_ هتفت بهم عنود معدلة على حديثه بينما تدخلت دينا بنبرة حادة قاسية:
كنتي عارفة إنك كامل وقعدتي ترقصي طول الوقت والوقتي كنتي بتتنططي على الترامبولين!!
وزعت أنظارهت بينهم وواصلت خُبثها:
معتيش عايزة عيال من ريان تاني ولا إيه؟
_ الصدمة دون غيرها حلت على وجه عنود، ماذا تهذي هذه حباً في الله، بأعين جاحظة ونبرة غير سامحة للنقاش هتفت عنود بحدة:
ايه اللي أنتِ بتقوليه دا؟
وجهت عنود بصرها على ريان الذي لا يدافع عنها كعادته ربما تستشف أي شيئ من وراء تعابيره لكنه كان جامداً خالياً من المشاعر، لا يعلم أي شعور انتبابه لحظتها لكنه ربط بين كلمات دينا وطلب عنود للطلاق منه، لم يتعمد الترابط بينهما لكنه شعر بالضيق يجتاحه وظل يطالع عنود موحياً إليها بإشارات معاتبة دون حديث.
حركت عنود رأسها يميناً ويساراً مستنكرة أنه صدق كلمات تلك الحقيرة، لن تصمت هذه المرة فلتكف عن سخافتها التي لا تنتهي، انفعلت عنود فلقد بلغت ذروة تحملها وصاحت غاضبة:
أنا اللي مش عايز أحمل ولا أنتِ اللي مش عايزة الحمل يتم!! أنتِ بنفسك شوفتي الإختبار لما الشرطتين اكتملوا ومتعبتيش نفسك إنك تعرفيني ومتحاوليش تنكري عشان مرات عم هالة بنفسها اللي شافتك!
_ أفحمتها عنود بحديثها وألجمت لسانها فلم تعرف للإجابة سبيل، وجهت عنود بصرها على ريان وبخذي واضح رددت:
مكنتش أعرف إن الثقة معدومة بينا للدرجة دي!
_ حملت الصغير بين يديها ثم أولاته ظهرها وصعدت للأعلى ناهية الحوار، لكن هناك شيئ ما قد كُسر داخلها تكاد تجزم بأنها استمعت إلى خاطرها الذي كُسر وتحطم.
أوصدت باب غرفة تميم لكي تمنعه من محاولاته التي لن تجدي نفعاً معها، وقفت خلف الباب محاولة السيطرة على عبراتها لكنها لم تنجح وسقطت بعض العبرات على مقلتيها بحزن شديد قد سكن قلبها.
______________________________________
شعر ريان لوهلة بمدى غبائه، لقد صدق عنها ما ليس فيها، أغلق عينيه لبرهة يكظم غضبه داخله حتى لا يقلب المكان رأساً على عِقب، شعر بالنفور الشديد لهذا المكان الذي لم يعد فيه سوى المشاكل التي لا يظهر ميعاد نهايتها بعد.
هرب من المكان سريعاً وقاد سيارته مبتعداً عن الفيلا وأجوائها المشحونة، بينما ظلت دينا مكانها لا تستطيع الحركة، فلم يكن الحظ حليفها تلك المرة، لم يمر دهائها كما رتبت له بل انقلب ضدها، حركت ساقها بصعوبة ثم صعدت للأعلى وكلمات عنود تتردد في عقلها كما تزيدها حُنقاً منها.
دلفت لغرفتها وألقت بجسدها على الفراش الذي سيبيت وحيداً تلك الليلة بفضلها، أوصدت عينيها لاعنة سذاجتها ثم حاولت النعاس بقدر المستطاع حتى لا تفكر كثيراً فى الأمر وتزداد ضيقاً.
لم يشعر ريان بنفسه سوى وهو يصف سيارته في منطقته الحبيبة أسفل البناية التي تعود إليهم، استقل المصعد الكهربي وضغط زر الطابق الأول
_ فتح الباب بمفتاحه فتفاجئ بالهدوء الذي يسكن المكان، أدلف بخطاه باحثاً عن ساكني المنزل فإذا بصوت والده يصدر من غرفته وهو يصلي قيامه.
_ ولج ريان للغرقة وجلس أعلى الفراش في إنتظار تسليم والده من الصلاة، بعد دقائق معدودة كان قد انتهى ماهر من صلاته، التفت برأسه حيث الصوت الذي سمعه من برهة وردد:
بقالك كتير أوي مجتش هنا متأخر كدا؟
_ ابتسم له ريان ثم اقترب منه وجلس القرفصاء أمامه، تنهد بتعب وهتف مازحاً:
أنت شكلك كدا بتضحك علينا ومفهمنا أنك مش شايف!
_ قهقه ماهر عالياً وأردف من بين ضحكاته:
مش عايزني أعرف ولادي كمان؟
كل واحد ليه ريحة غير التاني، دخلة وطلة مختلفة، كل واحد منكم له أسلوبه اللي بعرفه بيه
_ ربت ريان على فخذه وقال بحنو:
ربنا يبارك في عمرك يارب، أومال فين هاني ويحيي؟
_ أخبره ماهر بمكانهم بنبرة هادئة:
فوق بيتمموا على الشقة يا حبيبي اطلع لهم
_ أماء له ريان بقبول ثم أنتبه لسؤال والده:
مش هتقول إيه اللي مضايقك؟
_ تعجب ريان من سؤاله وقابله بسؤال آخر:
أنت عرفت منين؟
_ حرك ماهر رأسه مستنكراً سذاجة ريان وأعاد ما قاله للتو:
ما قولت حافظكم قولي بقا مين فيهم اللي ضايقتك المرة دي؟
ارتفعت ضحكات ريان فوالده على علم بشتى الأمور ولا داعي لأن يشرح تفاصيل دقيقة للمشكلة لربما يكون على علم بها أيضاً، أزفر أنفاسه وبمزاح قال:
يعني جت على دي ومش عارفها يا حاج؟
_ لكزه ماهر في ذراعه بخفة وباستخفاف للأمر هتف:
هيكون إيه يعني غير غيرة ستات!!
أصاب ماهر تلك المرة كسابق مراته، أخرج ريان تنهيدة مهمومة وقال:
آه من الغيرة والقرف
_ بدأ يقص عليه مقتطفات مما يعيشه معهم فكان رد والده كالتالي:
افصل بينهم يابني، خلي كل واحدة في بيت هترتاح
_ كنت فاكر إنهم لما يعيشوا في بيت واحد هخلي علاقتهم تقوى، وقعدت سنين غفلان على اللى جواهم لحد ما طلع بسواد من دينا وقلب بطلاق مع عنود
_ الحل زي ما قولتلك افصل بينهم، مفيش ست هتتقبل تشوف راجلها مع ست غيرها، أنت كنت غلطان من البداية لما عيشتهم في بيت واحد، الغيرة ملت قلوبهم وكله طلع عليك في الآخر
_ بإرهاق واضح في نبرته هتف:
هفكر في كدا إن شاء الله، هقوم اطلع ليحيى يمكن يكون محتاج حاجة
_ ساعد والده على النهوض ثم استأذن وغادر المنزل وتابع صعوده للطابق الرابع حيث شقة يحيى، لم يتعب في رن الجرس فكان الباب مفتوحاً، حمحم قبل دخوله لكي ينوه عن وجوده.
_ ابتهج يحيى برؤيته وكذلك هاني ورحبوا بيه بحفاوة، هلل يحيى عالياً حين علم منه أنه سيقضي الليلة معهم:
إذا كان كدا نطلب عشا السهرة طويلة
_ أسرع ريان في إبداء رفضه:
لا بلاش انا متعملش حسابي مش جعان
_ رفض يحيى أي اعتراض منهم معللاً:
لا بقولكم ايه انا بودع عزوبيتي النهاردة يعني لازم نسهر ونعمل أي حاجة كدا
_ ضحكوا على أسلوبه ووافقوه فيما يريد فعله، طلب لهم يحيى عشاء فاخر وكذلك من الحلويات أصناف مختلفة ولم ينسي المياه الغازية المفضلة لكلاً منهم.
_ تلقى مكالمة من قِبل هالة فور إنتهائه من طلبه للطعام فأجاب بتلهف:
حبيبي لسه صاحية؟
_ أجابته بنعاس:
هموت وأنام بس مش قادرة يا يحىي بطني بتوجعني ومتوترة أوي
_ أخفض يحيى من نبرته وهمس لها بمكر:
متوترة ليه بس ده انا حتى حنين أوي
_ أغلقت هالة المكالمة فتفاجئ يحيى من فعلتها وأعاد مهاتفتها وردد بإقتضاب:
لولا إن فرحنا بكرة ومينفعش عكننة كنت زعلتك، يلا اقفلي بقا عشان اخواتي معايا سلام
_ لحقت به هالة قبل أن يغلق:
إخواتك مين؟
_ بنبرة مستاءة أجابها:
هاني وريان هيكونوا مين يعني؟
"ريان!! بيعمل ايه عندك في وقت زي دا؟"
هتفت بهم هالة متسائلة، رد عليها يحيى بتهكم:
أكيد مش هسأله جاي ليه في وقت زي دا يعني
_ وضحت له هالة سبب سؤالها:
شكلهم كدا مسكوا في بعض بعد اللي حصل!
_ قطب يحيى جبينه بغرابة وسألها بفضول:
هو إيه اللي حصل؟
_ تنهدت هالة ثم أخبرته ما حدث كاملاً، حرك الآخر رأسه بتفهم ثم قال:
الله أعلم إيه اللي حصل
أنتبه يحيى لرنين عامل التوصيل عليه فأنهى معها المكالمة حتى يجيب عليه، أخبره العامل بوقوفه أسفل البناية فهبط إليه يحيى فور علمه بوصوله وأخذ منه الطلبات ثم عاد إلى أشقائه مرة أخرى.
قضي ثلاثتهم وقتاً ممتعاً تناولوا فيه الطعام الشهي ولم يكفوا عن الثرثرة والضحك، ناهيك عن ذكرياتهم التي حضرت في أذهانهم حينها ولم يُغلَق فاههم من فرط الضحك.
انعكست حالة ريان تماماً عن وقت مجيئه، شعر بالهدوء داخله وتبخُر حزنه كأنه لم يحدث، انسحب من بينهم وتوجه نحو الشرفة التي تتوسط المنزل وهاتف صغيرته الحبيبة.
لم تدعه ينتظر كثيراً وأجابته بصوت متحشرج حتماً لم تتوقف عن البكاء، تنهد ريان قبل أن يردف بنبرته الرخيمة:
متزعليش أنا آسف، انا غلطت حقك عليا
_ جهشت عنود باكية فتابع ريان متوسلاً:
بلاش عياط عشان خاطري، اهدي كدا وردي عليا
حاولت تهدئة روعها ورددت قائلة:
نعم؟
"بحبك"
صرح بحبه لعله يصلح ما اقترفه في حقها وكما توقع ردها تماماً:
وأنا كمان بحبك
_ تسامروا لبضعة من الوقت قد نجح فيهم ريان بمصالحتها ثم أخبرها بمكوثه تلك الليلة في منزل والده، لم تمانع هي فهما بحاجة إلى هُدنة يعيدان فيها حساباتهم أولاً.
عاد ريان إلى أشقائه بمزاج سوي قد لاحظه يحيي وكذلك هاني لكنهما لم يعقبَ، واصلوا سهرتهم المليئة بالمرح والضحك وإعادة الذكريات وكانت الأجواء مشحونة بطاقة إيجابية على الجميع.
______________________________________
صباحاً،
استيقظ يحيى على رنين هاتفه، فرك عينيه بكسل، طقطق عنقه ثم أجاب بصوت ناعس:
إيه يا حبيبي
"أنت فين يا يحيى؟ اتاخرنا يا يحيى"
انتفض ريان وهاني مذعورين بسبب نبرة هالة الغاضبة، تبادلا الإخوة النظرات ثم انفجر هاني وريان ضاحكين على حالة يحيى التي لا يرثى لها.
_ أغتاظ يحيى من ضحكهم ثم انسحب من بينهم وابتعد عنهم قدر المستطاع لكي يلقن تلك الفتاة درساً، صاح بها يحيى متذمراً:
ايه يا هالة اخواتي صحوا بسبب صوتك يا هالة براحة شوية
_ "شوف كدا الساعة كام وبعدين اتكلم"
أبعد يحيى الهاتف عن أذنه ليعلم كم الساعة، شهق حين رآها الحادية عشر صباحاً ومن المفترض أن ميعادهم في الفندق التاسعة صباحاً، أعاد وضع الهاتف على أذنه وهتف بنبرة سريعة:-
اقفلي جاي لك حالاً
_ أنهى المكالمة ثم هرول نحو أشقائه وهو ملهوفاً على الذهاب:
أنا اتاخرت على معاد الفندق همشي أنا حصلوني ومحدش يتأخر عليا
_ التقط مفاتيح سيارته من على الكومود ثم ترجل سريعاً إلى أن وصل إلى سيارته الذي تحرك بها متجهاً إلى هالة لكي يصطحبها إلى الفندق المُقام فيه الزفاف.
تثائب ريان ولازال أثر النُعاس مسيطر عليه، وقع بصره على هاني وتذكر وقوفه مع إبنة عم أبيهم وبالتأكيد لن يرمق الفرصة من تحت يديه ولن يصمت قبل أن يكون مُلِم بكل شيئ.
" بس إيه حوار دعاء دا؟"
هتف بهم ريان بمكر أخوي، ذُهل هاني من معرفته بالأمر وحاول نفيه بحرج:
دعاء!! مالها؟
_ غمز إليه ريان وتابع حديثه بنفس نبرته الماكرة:
الحارة كلها عارفة مقابلاتكم وبيتكلموا...
_ قاطعه هاني بحُنق:
قطع لسان اللي يتكلم عليها كلمة كدا ولا كدا
_ صمت هاني حين لاحظ ثورته المبالغة التي أثبتت الأمر عليه، أخفض بصره بحرج فحاول ريان التخفيف من عليه بقوله:
يا سيدي مالك خدتها على صدرك أوي، محدش يقدر يتكلم أصلا انا قولت كدا عشان أشوف رد فعلك وأديني شوفت وعرفت اللي فيها كمان
_ اقترب ريان منه وهمس بخبث:
هنسمع الزغاريط امتى طيب؟
_ رفع هاني بصره عليه ولم يكن هناك مفر يهرب إليه، لماذا الهرب إذاً هو في الأساس بحاجة إلى التحدث مع أحدهم لعله يُفِهمِهُ لخبطة عقله الحادثة.
حمحم بإرتباك خجِل قبل أن يوضح له حقيقة مشاعره:
الموضوع معقد أوي بس من نحيتي أنا بس، يعني أنا شايف القبول عندها من زمان أوي ويمكن زيارتها لعمها كترت عشان أتكلم وأقولها حاجة، بس أنا مش عارف، خايف إنها تطلع زي..
_ لم يستطيع نُطق إسمها فعقب ريان على تشبيه:
دي لا زيها لا من قريب ولا بعيد، دعاء محترمة ومتربية وكفاية إنها بتشتغل وبتعتمد على نفسها يعني بـ ١٠٠ راجل ووقت ما تطلب منها تقعد مش هتتردد لأنها شقت وهتبقى عايزة ترتاح وتعيش لبنتها وجوزها وبس، خد الخطوة ومتقلقش أنا وراك
_ ظهرت إبتسامة خجولة على محيا هاني، ربت على قدم أخيه ثم تنهد وحاول توضيح صعوبة الأمر:
الموضوع مش سهل كدا، دي فيها ترتيبات كتيرة وأنا بصراحة حاسس إني مش عارف أبدأ إزاي
_ وضع ريان يده على يد شقيقه ليكون له عوناً وقال بحماس:
جهز نفسك أنت بس وسيب كل حاجة عليا متقلقش
_ عقد هاني ما بين حاجبيها متعجباً من كلماته المبهمة فلم يفهم منها شيئاً وسأله في فضول:
أجهز نفسي إزاي؟
_ ضحك ريان وأوضح له ما يقصده:
يعني جهز نفسك يا عريس، شوف العرسان بيجهزوا إزاي واعمل زيهم والباقي كله سيبه عليا، هيأ نفسك إنك عريس ودا كل اللي أنا عايزه
_ نهض ريان عن مقعده وردد وهو يبتعد عنه:
هالة لو جت شافتنا وإحنا مبهدلين الشقة كدا هتقتل يحيى، قوم نظبط المكان قبل ما ننزل
بالفعل نهض هاني وساعد ريان على جمع ما استعملوه البارحة حتى عاد المكان نظيفاً وأفضل مما كان عليه، استأذن ريان للمغادرة فهو يريد عمل فحص طبي سريع لعنود قبل أن يصطحبهم إلى الفندق.
عاد إلى الفيلا ودخلها بخطوات مهرولة فالوقت ليس في صالحهم، قابلته دينا على السُلم وأرادات التحدث معه قائلة:
ريان عايزة أتكلم معاك
_ أجابها بإقتضاب دون أن يتوقف عن صعوده للأدراج:
مش الوقتي، الفرح يخلص الأول وأكيد هنتكلم بعدها
توجه إلى غرفة عنود مباشرةً مما زادها غضباً منه، اختفى طيفه خلف باب الغرفة وظلت هي واقفة مكانها تطالعه بغيظ، وأخيراً حركت قدميها وعادت إلى غرفتها لتحضر مستلزماتها التي ستحتاج إليها في الفندق.
_ داخل الغرفة، لم يكن لها أثراً في الأرجاء، كاد أن يعود للخارج إلا أنه تريث حين صغى لصوت فتح باب المرحاض، تفاجئت عنود بوجوده أمامها، رسمت إبتسامة عفوية فور رؤيته.
بنبرة ملهوفة حثها ريان على الإسراع:
البسي بسرعة هنروح نطمن عليكي قبل ما نروح الفندق
_ خلينا بكرة أحسن لما....
هتفت بهم بينما قاطعها هو بقوله:
لا نعمل فحص الأول عشان أبقى مطمن لو اتحركتي، وبعدين مضعيش وقت ويلا
إمتثلت عنود لما يريد وبدلت ثيابها في وقت قياسي ثم خرجت معه ومنه إلى الطبيبة الخاصة بها..
بعد فحص كامل أجرته الطبيبة لها نظرت إلى عنود باستغراب شديد، تعجبت الأخرى من نظراتها وتسائلت بقلق:
في حاجة يا دكتور؟ ولا الحمل مش باين؟ أكيد هتقوليلي اعملي تحليل دم زي في تميم كدا صح؟
"تحليل دم إيه؟ حضرتك في الرابع ازاي مش حاسة بدا؟"
أردفتهم الطبيبة بنبرة مستاءة من تهوينها للأمر بينما ذُهلت عنود وكذلك ريان لم أقل منها ذهولاً، تدخل ريان متسائلاً:
في الرابع إزاي؟ وإزاي محستش؟
_ تراجعت الطبيبة برأسها للخلف ونظرت إليه وهي ترفع كتفيها:
الأسئلة دي تسئلها للمدام مش ليا!
_ حاولت عنود شرح الأمر لهم:
انا بجد محستش، انا الفترة اللي فاتت دي كنت في حالة اكتئاب وخمنت إن الهرمونات عندي ملخبطة بسبب نفسيتي بس متوقعتش أبدا أنه يكون حمل!!
وزعت أنظارها بينهم وتابعت ما لم تنهيه بدهشة مُشكلة على تقاسيمها:
يعني كل اللي فات دا كان بسبب الحمل مكنش اكتئاب بالمعني الفعلي!!
_ أوصدت عينيها لبرهة تهضم الأحداث الجديدة، انتبهت لصوت الطبيبة وهي تقول:
الحمل كويس الحمدلله، حابين تعرفوا النوع؟
_ تبادلا ريان وعنود النظرات، مزيج من اللهفة والسعادة ظاهران في عينيهم استشفته الطبيبة ولم تطيل عليهم إخفاء جنس الجنين وقالت بنبرة عملية:
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية المعلم) اضغط على أسم الرواية