رواية القاتل الراقي كاملة بقلم سارة بركات عبر مدونة دليل الروايات
رواية القاتل الراقي الفصل الخامس 5
“جميعهم يرحلون”
مُلقى على الأرض في غرفة مظلمة بوجه ملئ بالكدمات ويتنفس بصعوبة نظرا لضرب الواقف أمامه له وينظر له بشرٍ …
شادي بصوت متقطع:”أنا آسف.”
لم يسمع ياسين أية كلمة مما قال؛ فكل مايراه الآن هو والدته فريدة التي أغتُصِبت من قِبَلِ ذلك الحقير جمال .. ذلك اليوم بالتحديد لم ولن ينساه أبدًا .. فريدة التي صرخت بكل ما أوتيت من قوة ولم يستطع والده إنقاذها لأنه كان بين الحياة والموت … قام بركل شادي بقوة وإستمر في ضربه له وصرخات فريدة مستمرة في مسمعه …
……………………..
في صباح اليوم التالي:
تقف تنظر لوالدة روان التي تُطعم إبنتها بحنان فيه دفئ الدنيا بأكمله، أما أباها قد دخل وإرتسم إبتسامة لطيفة على الرغم من القهر الذي يشعر به .. إبتسمت مريم بحزن على الدفئ العائلي الذي كانت تتمنى أن يدوم للأبد ولكنه القدر .. إستفاقت عندما تحدث والد روان بقهر ..
؟؟ بغضب:”أه لو قابله بس، كنت قتلته بإيدي الإتنين دول، حسبي الله ونعم الوكيل.”
هبطت دموعه من مقلتيه وهو ينظر لروان التي بدأت تبكي مرة أخرى هي ووالدتها أيضًا … حاولت مريم أن تتماسك وتمنع دموعها من الهطول وخرجت من الغرفة زافرةً بعمق، إستندت على حائط بجانب الغرفة تنظر أمامها بشرود .. تشعر بالحزن الشديد على ما يحدث حولها … كَثٌر الظُلم وإختفى العدل، لا تدري ماذا حدث يهذه الحياة؟، ماذا حدث بهذا الزمن؟ .. هي أيضًا أحد ضحايا الفساد .. لا تدري متى سينتهي كل ذلك؟؟ .. إنتبهت لهؤلاء الشرطيان اللذان إقتربا نحوها، عقدت حاجبيها بغضب لأنها تذكرتهم .. الشرطيان اللذان حاولا إلقاء القبض عليها منذ عدة أيام والذي أنقذها من تلك الواقعة كان “ياسين المغربي” .. وقفت مريم أمام باب غرفة روان مانعة إياهما بالدخول ..
مريم:”جايين ليه؟؟ مش كفاية إللي قولتوه آخر مرة؟”
تحدث أحد الشرطيين بهدوء:”بعد إذنك يا دكتورة إحنا جايين للآنسة روان، عندنا أخبار حلوة ليها.”
نظرت لهم مريم قليلا ثم سمحت لهم بالمرور ودخلت الغرفة خلفهم …. بعد مرور القليل من الوقت … نظرت مريم وروان ووالديها للشرطيين بعدم إستيعاب..
مريم:”إعترف؟؟ّ!!”
هز أحدهما رأسه بموافقة وتحدث بجدية ..
؟؟:”لقيناه مرمي عند باب القسم وملامحه لا تبشر بالخير يعني كان مضروب بشكل مبالغ فيه وعنده كسور في جسمه .. بس كان كل إللي بيقوله إنه إغتصبها وقعد يترجانا إننا نحبسه … الشاب حالته صعبه و……..”
تحدث والد روان بغضب شديد:”إن شاء الله يموت هو إيه إللي حالته صعبة دي؟؟؟!! إزاي ده يصعب عليكم؟؟، وبعدين تحبسوه إيه؟؟؟ ده يتعدم في ميدان عام إبن ال**** ده.”
رد الشرطي بهدوء:”أنا متفهم موقفك .. بس أنا محتاج أكمل كلامي .. الشاب بعد ما أعترف فقد الوعي بسبب إللي حصله، معرفناش ناخد أي أقوال تانية منه، بس بعدها بساعتين قبضنا على الدكتور إللي زور التقرير بعد ما عرفنا مكانه وإعترف إنه زوره وإتحبس، … كده الحمدلله بنتكم هتاخد حقها .. وبنتمنى إنها تقوم بالسلامة عشان تشوف حقها بيتاخد.”
كانت مريم تنظر لهم بسخرية فهي لم تتعجب من ما يحدث .. فبالطبع وراء كل ذلك أحد له سلطة ونفوذ قام بكشف الحقيقة وبالتالي سوف يصدقونه … ومن غيره بالطبع “ياسين المغربي” …
تحدث والد روان بضيق:”الواد ده فين؟؟”
؟؟:”مرمي في القسم ولحد ما يفوق تكون النيابة حكمتله بالحكم إللي يستحقه وإنتوا طبعا عارفين إيه هو؟ الموضوع ده بقا قضية رأي عام.”
والد روان:”لازم أحضر تنفيذ الإعدام بتاعه، لازم أشفي غليلي منه.”
؟؟:”هننفذ الإجراءات دي وهنطالب بحضور الضحية وأهلها، نستأذن إحنا.”
خرج الشرطيان من الغرفة، ونظرت مريم لروان ووالديها الذين شعروا بالأريحية قليلاً من ذلك الخبر..
مريم بهدوء وإبتسامة:”أقولك مبروك طيب ولا إيه؟”
إبتسمت روان إبتسامة بسيطة وإحتضنتها مريم ثم إستأذنت بالخروج لإستكمال عملها ولكنها في الحقيقة تريد أن تهرب بتفكيرها قليلًا، أخذت تمشي بين ممرات المشفى بشرود، حقًا إنتشر الظُلم والفساد .. لا توجد سوى كلمة واحدة هي الفيصل بين كل مايحدث وهو النفوذ أو السُلطة … لولا تدخُل ياسين، كان سيُهدر حق روان وكانت ستظل حالتها سيئة هكذا حتى من الممكن أن تتطور حالتها وتحاول الإنتحار .. ولكن! .. أنقذها ياسين بشكلٍ آخر .. أعليها أن تكون ممتنة له؟؟ أو أن تكون مستاءة منه لأنه من ذوي السُلطة والنفوذ وكلمته سيف على الجميع؟؟ .. إستفاقت من شرودها على صوت التلفاز العالي بالإستقبال ..
؟؟:”في تلك الفترة الأخيرة قد زادت حالات القتل التي لا نعرف سببها حتى الآن، حيث أنه قد تم إكتشاف عدة جثث لبعض رجال الأعمال وبجانب كل شخص دليل يثبت إدانته بقضايا كانت مرفوعة عليه مسبقًا وقد نجا منها، ومن الواضح أنه في كل مرة القاتل هو نفس الشخص عن المرة التي تسبقها، حيث أنه قد نصَبَ نفسه قاضيًا و يظن أن دافعه الوحيد هو إظهار الحقيقة، ولكننا لم نستطع حتى الآن الوصول لهذا القاتل ليأخذ عقابه لقتله كل هؤلاء الضحايا …………..”
نظرت مريم بلامبالاة إلى الأخبار ثم هزت رأسها بيأس على مايحدث في هذه الحياة، عادت بتفكيرها لياسين مرة أخرى؛ فمن الواضح تلك المرة أنها يجب عليها أن تشكره بشدة لمساعدتة لروان … نعم ستنتظر قدومه للمشفى وستشكره … مرت الأيام ومريم في إنتظار قدوم ياسين للمشفى ولكنه لم يأتِ، إختفى مثلما يختفي الجميع .. تم تنفيذ حكم الإعدام وقد حضرت روان ووالديها التنفيذ وذلك أراح قلبهم كثيرًا لأنه يستحق … حزنت مريم لذهاب روان والذي كان وداعهما لبعضهما مؤثرًا، ولكن مريم كانت تقوم بتهدئ نفسها دائمًا أنهم في النهاية جميعًا يرحلون، حتى ذلك الطفل الذي قامت بإجراء عمليته لم تستطع التحدث معه كثيرًا لأن رجال ياسين أخذوه من المشفى بعد أن تم شفاءه … كل هذا وياسين لم يظهر بعد ولا تعرف كيف ستقابله .. في أحد الأيام .. كانت مستلقية بسريرها بغرفتها ممسكة هاتفها تبحث عن غرفة للإيجار بمكان قريب من المشفى حتى لا تبتعد كثيرًا .. تبحث وتبحث لكنها لم تجد شيئًا، تنهدت تنهيدة بسيطة ثم جاء في خاطرها هشام الذي إختفى نهائيا من حياتها … وضعت يدها على مكان قلبها تُكابر وتعاند الشعور الذي تشعر به وهو الإشتياق واللهفة، ثم وبضعف قامت بإلغاء الحظر له وفتحت صفحته الشخصية على ذلك التطبيق الذي تستخدمه، وجدت أن آخر ظهور له كان قبل دقائق، وآخر منشوراته كانت صورًا له منذ يوم وهو يضحك على الشاطئ بسعادة، وصورة أخرى له وهو يقود يختًا وسط البحار، ويقوم بنشر النكات التي عليها تفاعل كبير على صفحته … أخذت دموعها تهطل بغزارة دون أن تشعر … يعيش سعيدًا، أما هي وحيدة وحزينة ليس لها أحد، لا أحد يبقى معها، ندمت كثيرا على إلغاءها الحظر وتتمنى أنها لم تلغيه وتريد أن تُرجعه مرة أخرى وللأسف يجب أن تنتظر أربعة وعشرون ساعة لتفعيل الحظر له مرة أخرى، خرجت من صفحته وأخذت تتصفح هاتفها بشرود على ذلك الموقع ولا تعلم كم مر من الوقت على ذلك، تمر المنشورات أمامها حتى قابلها خبر على أحد الصفحات الإخبارية جعلها تعقد حاجبيها بتعجب ..
“إلقاء القبض على سيدة تتهرب من الضرائب منذ سنوات عديدة تُدعى “ميرفت محمود عباس” ..
توقفت أمام ذلك الخبر قليلا لا تصدق ماتراه أمامها .. هل حقًا أخذت العدالة مجراها تلك المرة؟؟؟ أم أنها تحلُم؟؟ .. تنهدت مريم بشفقة على تلك المرأة ثم أغلقت هاتفها .. لا تستطيع أن تقول أنها تستحق .. ولكن لا أحد يقف أمام العدالة .. هذا إذا كانت فعلا العدالة … أغمضت عينيها بهدوء تحاول النوم وبالفعل أخذها النوم إلى أجمل الأحلام التي تهرب بها من الواقع .. أحلامها بذلك الفارس المجهول ولكن تلك المرة ليست كَكُلِ مرة .. تلك المرة تحلم بضمةٍ دافئةٍ تحتويها بقوة .. تستند برأسها على صدر أحدٍ وهي نائمة وكل ماتشعر به هو الراحة والهدوء كأنها تعيش في عالمٍ آخر، عالم خالٍ من ضغوط الحياة … تتنهد بإرتياح وهو يداعب شعرها الأسود المموج برقة … تتمنى لو تظل هكذا في أحضان من يحتويها ولا تبتعد عنه أبدًا … إبتسمت مريم أثناء حلمها في غرفتها المظلمة .. هكذا هي دائمًا .. تعيش مع أحلامها الغريبة هربًا من واقعها المحتوم ..
…………………………………………
في صباح اليوم التالي:
تتابع المرضى بالمشفى بكل نشاط وحيوية وإبتسامة جميلة بها أمل فيما هو قادم، لا تعلم ماذا سيحدث يومًا ما .. بعد ذلك الحلم الذي أشعرها بالراحة النفسية قليلًا شعرت أنها أصبحت بخير … لا تعلم من ذلك الفارس الذي كان في حلمها، ولكن! .. أيتحكم المرء بأحلامه؟؟؟ .. إبتسمت إبتسامة خجولة وهي تمارس عملها بإتقان، ثم عادت لجديتها مرة أخرى تحاول نسيان ذلك الحلم الرائع ..
…………..
بعد الظهيرة:
تنظر في بعض الملفات بيديها وتقرأها بحرصٍ وهدوء وهي تسير بأحد ممرات المشفى .. ثم تنهدت تنهيدة عميقة وأغلقت الملفات وأكملت سيرها وهي تقوم بتعديل شعرها الأسود ورميه للخلف لأنها كان يغطى وجهها وفي تلك الأثناء ظهر ياسين في الممر وهنا تجمدت مريم بمكانها متفاجئة بوجوده .. لا تستطيع تفسير نبضات قلبها السريعة عندما تراه في كل مرة .. ولكن تفسيرها الوحيد هو الخوف … كانت تظن أنه سيُكمل سيره ولكنه توقف .. وبالتحديد توقف أمامها ينظهر لها بهدوء ..
ياسين بهدوء:”مساءالخير يا دكتورة.”
رمشت مريم سريعًا بعدم إستيعاب تحاول إيجاد الحديث ولكنها تشعر أن لسانها قد شُلَّ تمامًا .. ظلت تتهته قليلا تحاول التحدث ثم وأخيرًا إستطاعت الحديث ..
مريم:”مم..مساء الخير حضرتك.”
نظر ياسين للملفات بيدها ثم أعاد نظره لها .. وتوسعت عينيها بذهول عندما تحدث ..
ياسين:”أنا منتظرك في مكتبي.”
تركها .. نعم تركها وذهب .. ظلت تتسائل، هل حقًا تحدث معها؟؟ … هل حقًا تحلم أنه أتى؟؟ لماذا لا تصدق؟؟ هل لأن عينيها كانت تبحث عنه في الفترة الأخيرة وتوقعت غيابه وتفاجئت لوجوده؟؟ .. إستيقظت من خيالاتها تلك وهزت رأسها بعنف .. ثم أخذت نفسها عميقًا وإتجهت نحو مكان مكتبه .. أو بالأحرى المكتب الوحيد الذي يطل على الحديقة بنافذه زجاجية كبيرة .. وأثناء سيرها تفكر بما يمكن أن يتحدث فيه معها .. وهنا تذكرت أنها تريد أن تشكره على ما فعله لروان .. توقفت وذهبت سريعًا نحو أي غرفة يوجد أمامها باقات ورود تأتي للمرضى بالمشفى بها أمنيات الشفاء العاجل .. إقتطفت وردة بيضاء جميلة تعتذر بها له عن مافعلته بالمرة الأخيرة وأخذت نفسا عميقًا ثم تحركت نحو مكتبه … وقفت أمام المكتب تشاور عقلها هل تدخل أم لا؟؟ ولكنها قررت أن تطرق على الباب وتدخل .. وبالفعل طرقت على الباب ودخلت ولا تعلم لماذا شعرت بالإرتياح عندما دخلت تلك الغرفة ولكن دون أن تشعر أغلقت الباب خلفها أخذت تبحث عنه بعينيها حتى وجدته يقف أمام تلك النافذة الكبيرة، يعطيها ظهره … نظرت لسترته المعلقة بإنتظام على كرسي مكتبه الضخم … نظرت بدون وعي لهيئته .. قميصه الأبيض المتناسق على جسده الملئ بالعضلات كأنه صمم خصيصًا له … تنظر لتلك التحفة الفنية الموجودة أمامها .. ولا تدري لماذا إتجهت أفكارها نحو شئ خاطئ وهنا إستفاقت على صوته العميق وهو مازال معطيًا ظهره إياها ..
ياسين:”إتفضلي يا دكتورة، ماتقفيش كتير.”
حمحمت بإحراج وجلست على كرسي أمام مكتبه محتضنة الوردة بيديها المستندة على ركبتيها .. إلتفت بهدوء وجلس على كرسيه .. نظر ياسين لها وتحدث بهدوء …
ياسين:”عندك إيه محتاجة تقوليه يا دكتورة؟”
نظرت له بتعجب؛ فكيف علم أنها تريد التحدث إليه … هل قرأ أفكارها؟؟ هل فُضِحَ أمرُها؟ .. نظرت أرضًا بإحراج ضاغطة على الوردة التي بيدها وتحدثت …
مريم:”أنا بس كنت محتاجة أعتذر عن إللي حصل مني، أنا عارفة إن مكنش ينفع أزعقلك قدام حد .. أو إني أزعق بشكل عام .. بس غصب عني .. أنا إنفعلت لإنها كانت مظلومة..”
رفعت رأسها ونظرت لعيني ياسين التي تنظر لها بهدوء في المقابل … شردت بعينيه التي تنظر لها بعمق .. لماذا في تلك اللحظة شعرت بالهدوء والراحة الشديدة .. شعرت بالإحتواء .. قشعر جسدها وعادت بنظرها أرضًا وقامت بإرجاع خصلة من شعرها خلف أذنها بتوتر، تشعر انها كالطفلة الصغيرة التي إرتكبت خطأ ما وتقوم بإصلاحه بإعتذارها .. لأول مرة تشعر بذلك .. تحدثت بهدوء..
مريم:”أنا آسفة.”
عم الهدوء في المكتب هي تنظر أرضًا بإحراج طفلة صغيرة .. أما هو ينظر لها بهدوء .. عكف حاجبيه بضيق فكيف صار هادئًا هكذا بعد أن أقسم لنفسه كثيرًا أنه سوف يريها جميع ألوان العذاب بعد ما فعلته به أمام الجميع وليس هكذا فقط .. بعد أن أمرته بإبقاء عماد في المشفى كأنها مالكة المشفى الآمرة وليس هو .. إستفاق من تفكيره عندما ظهرت تلك الوردة البيضاء أمامه .. كانت تنظر للأرض رافعة يدها تقدم له تلك الوردة البيضاء ..
مريم:”أتمنى تقبل إعتذاري.”
ياسين بصوت رخيم:”النقاء والسلام والهدوء والطمأنينة.”
رفعت مريم رأسها متفاجئة من حديثه .. تنهد ياسين آخذًا منها الوردة البيضاء ثم أعاد نظره لها ..
ياسين بهدوء:”أتمنى تكوني عرفتي غلطتك .. ياريت ماتتكررش تاني.”
كادت أن تتحدث ولكنها عقدت حاجبيها بضيق عندما إستأنف حديثه ..
ياسين بهدوء:”عشان ماقطعش لسانك المرة الجاية.”
كادت أن تتحدث ولكن نظرته لها كانت جدية، نظرته أسكتتها من الرد والتحدث بوقاحة ..
ياسين بإستفسار:”حاجة تانية؟”
مريم:”اه، في …*تحدثت بإبتسامة هادئة* … عماد أخباره إيه؟ هو كويس؟”
ياسين ببرود ونظرة ثليجية:”كويس.”
تنهدت مريم بإرتياح وإستقامت من كرسيها ..
مريم:”شكرا لحضرتك، آسفة لو سببت ليك أي إزعاج.”
لم يجبها وظل ينظر لها بهدوء .. تفهمت صمته بأنه يريدها أن تذهب وعندما إتجهت نحو أوقفها صوته ..
ياسين:”عماد محتاج رعاية طبية.”
إلتفتت مريم له سريعًا متفاجئة من حديثه وتحدثت بقلق …
مريم:”ماله عماد؟؟ مش حضرتك قولت إنه كويس؟؟”
ياسين بهدوء:”هو كويس، بس محتاج رعايتك إنتي، مش متقبل رعايه أي حد غيرك.”
مريم بتفكير:”هو حضرتك ماينفعش تجيبه هنا؟؟”
نظرته لها كانت ردًا على إستفسارها وهو الرفض .. توترت مريم قليلا لا تعرف ما الحل، تشتاقه كثيرًا … إستفاقت على صوته ..
ياسين:”تقدري تنوريني في القصر بتاعي يا دكتورة مكانك موجود.”
نظرت له بعدم فهم وتحاول إستيعاب ما قاله ..
ياسين برُقيّ:”مش هجبرك على حاجة، فكري كويس .. تقدري تتفضلي.”
ظلت واقفة بمكانها لعدة ثوانٍ تنظر له تائهة بحديثه ولكنها إستفاقت وخرجت من مكتبه .. تمشي تائهة .. هل ما قاله حقيقيّ؟؟ يريدها أن تعمل لصالحه؟؟ .. هي بالفعل تعمل لصالحه فهو مالك المشفى .. لكن مستقبلها؟؟ أحلامها؟؟ أغبية أنتي مريم؟؟ كيف لم تردي عليه؟؟ تكونين أمامه مثل “الكتكوت المُبلل” … جبانه … لا .. لا لست كذلك .. هو يفعل شيئًا ما يجعلني خاضعة له بهذا الشكل .. يسحرني بعمق عينيه؟؟؟!! هزت رأسها بعنف وغضب من تفكيرها الغريب ذاك .. ظلت تشاجر نفسها وهي تسير في ممر المشفى بغضب ولم تنتبه للمتجه نحوها حتى إصطدمت به وأمسكها بكتفيها ينقذها من أن تقع أرضًا …
مريم بغضب:”مش تفتح ي……..”
إتسعت عينيها عندما رأته …إنه هو … الذي أرهق قلبها عشقًا وكانت نتيجته ألمًا شديدًا … ولكنه الآن يظهر على حقيقته أمامها .. نظراته الباردة لها، الخالية من الحب والعشق الذي عهدته دائما منه … إبتعدت عنه سريعًا كأن لدغها عقرب .. أما هو ظل واقفًا ينظر لها بأعين خالية من المشاعر .. ثم مر بجانبها كأنه لم يقابلها .. كُسِرَت؟! .. ذلك وصف للشعور الذي شعرت به عندما تجاهلها هكذا … حاولت أن تمنع دموعها من الهطول محدثة نفسها “إستفيقي مريم إنه كاذب ومخادع، يلعب بقلوب النساء” … أكملت سيرها بحزن .. مقابلتها له أماتت الشغف في قلبها … الشغف الذي تطلعت له ليالٍ حتى أتى هذا الصباح ولم يبقى لساعات كثيرة فقد تدمر بسبب رؤيتها إياه .. يستند على حائط أحد الممرات بعد أن مثّل تجاهله لها .. ملامحه حزينة جدًا بسبب مافعله لها … قلبه يدق بعنف كم يتمنى أن يضمها بقوة ويذهب الجميع للجحيم، ولكنه خائف عليها .. يعلم أنه آلمها بقوة ولكن ذلك لأجلها وليس لأجله …
هشام بحزن شديد:”إنسيني يا مريم .. إنسيني.”
ذهب في طريقه معلنًا إنسحابه من طريق مريم نهائيًا، عازمًا على جعلها تنساه …
………………………………………………
(رواية/ القاتل الراقي .. بقلم سارة بركات)
في القصر:
يجلس على كرسيه المتحرك أمام النافذة الزجاجيه بغرفته محتضنًا إطارٍ زجاجي به صورة بالأبيض والأسود لفتاة شابة بمنتصف العشرينات، يبكي وهو يُملس على صورتها بيديه ..
عماد ببكاء:”وحشتيني يا ألفت، ياسين بقا وحش أوي، إبنك بقا وحش أوي.”
عاد بذكرياته للماضي وهو ينظر لعمق عينيها بصورتها … زوجته الراحلة ألفت .. أجمل من رزقه الله بهذه الحياة … كانت من ألطف الفتيات اللواتي قابلهن أثناء شبابه … يتذكر كم تعب للحصول على حبها .. ويتذكر كم كانا سعيدين جدا بحياتهما حتى حينما رزقهما الله بمولودهما الوحيد ولكن تلك السعادة لم تدم .. فقد توفي إبنهما وهو بالخامسة عشرة من عمره بمرض خطير …. وقد مرت ألفت بصدمة نفسيه صعبة .. فقد كانت ترى ولدها حولها في كل مكان وتصرخ بإسمه … “ياسين” … المراهق الذي كان سر سعادتهما في هذه الحياة ولكن مع وفاته كان الحزن هو المنتشر في حياتهما .. وياليته لم يأتِ ذلك اليوم .. اليوم الذي ذهب فيه بزيارةٍ لإحدى دار الأيتام لحضور حفلٍ ما … وهنا قابله … طفل ينظر بعينين تائهتين للجميع ومن حوله .. هادئ وصامت تمامًا لا يُصدر أي ضجة على عكس الأطفال الباقين .. وجهه منطفئ لا يبتسم .. فقط شارد وتائه .. كان يجلس وحيدًا لا يشارك الأطفال الإحتفال … ولا يتحدث مع أي أحد … ترك عماد الإحتفال وذهب للجلوس بجانب ذلك الطفل الشارد …
عماد بإستفسار ومزاح:”الحفلة مش حلوة صح؟”
لم يجبه الطفل وظل ينظر أمامه بشرود … حاول عماد أن يلطف حديثه قليلًا .. وضع يديه على ظهر الطفل وكاد أن يتحدث ولكن إنتفض الطفل بألم ونظر لعماد بفزع ثم فرّ من الحفل صاعدًا لغرفته بالدار … تعجب عماد من حال ذلك الطفل ولكنه أكمل الإحتفال مع باقي رجال الأعمال المتبرعين لتلك الدار … ولكن من بعدها لم يخرج الطفل من مخيلته وظل يفكر به لعدة أيامٍ حتى قرر أن يذهب هناك مرة أخرى … ذهب للدار ووجد ذلك الطفل يجلس بعيدًا عن الأطفال ينظر للكراس التي بيده ويرسم بهدوء كأنه في عالمٍ آخر … إقترب عماد منه بهدوء ونظر لما يرسم .. كانت رسمة طفولية غريبة … شخصٌ يقف ممسكًا بسكين ويوجد شخصان ملقيان أرضًا وتقطر منهما الدماء … عقد عماد حاجبيه بتعجب، لأن الطفل يرسم شئ مثل ذلك … وما إنتبه إليه هو دموع ذلك الطفل المستمرة في الهطول وهو يرسم .. ولكن على رغم ذلك فهو هادئ ..
؟؟:”براء.”
إنتفض براء واقفًا عندما سمع صوت تلك السيدة التي تناديه .. نظر عماد للسيدة التي تقترب نحوهما حيث قامت بإمساك ذلك الطفل المدعو براء وتحدثت بغضب ..
؟؟:”مش أنا قولت ماترسمش الحاجات دي تاني؟؟؟ يلا ورايا.”
ثم نظرت لعماد الذي كان يقف بجانب براء ..
؟؟:”أنا آسفة إنك شوفت المناظر دي.”
أمسكت ببراء عنوة عنه وسحبته خلفها وصعدت به إلى غرفته ورمته أرضًا … أخذت أحد الأحزمة الجلدية وهو إبتعد إلى ركن بالحائط وكادت أن ترفع الحزام لتبدأ في ضربه ولكن منعتها يد شخص ما .. نظرت لذلك الشخص الذي ينظر لها بغضب شديد …
عماد بغضب:”إنتي إزاي تضربيه؟؟”
؟؟:”إسكت إنت، أنا بشوف شغلي.”
ألقى ذلك الحزام أرضًا ممسكًا إياها من ذراعها بقوة ..
عماد:”أنا مش هسكت على كده، أنا هوديكي في داهية … إنتي إزاي تتعاملي كده مع طفل؟”
؟؟:”ده طفل متخلف عقليًا، مش فاهم حاجة ولازم يتربى.”
قام عماد بصفعها بقوة:”إنتي إللي عايزة تتربي.”
صرخت بألم من صفعته لها ثم تركها وإتجه نحو براء الذي إحتضن نفسه وبدأ بهز جسده بهيستيريا ناظرًا أمامه بشرود … إتجه عماد نحوه وإحتضنه ولكنه إنتفض بفزع وإبتعد عن عماد الذي عقد حابيه بتعجب مرة أخرى من ذلك الطفل .. ولكنه حاول أن يجعله يشعر الأمان ولكن تلك المحاولات بائت بالفشل … قام عماد برفع قضية على تلك الدار وأثبت أن الطفل يتم تعذيبه بشكل مستمر بسبب أثار الضرب الموجودة على ظهره … وقرر أن يكفله لعل الطفل يجد الأمان معه ويُسعد زوجته الحزينة قليلًا .. لعلها تنسى موت إبنهما الوحيد به … دخل عماد منزله ممسكًا بيد براء صاحب النظرات التائهة والشاردة أو الخالية من الحياة كما هو الواضح .. وقف أمام زوجته الذي تجلس بالحديقة تقوم بعمل ثوبٍ لطفل بالتريكو وتدندن بأغنية للمغنية … “شادية” … ولكنها إلتفتت له عندما سمعت صوته …
عماد:”ألفت.”
نظرت له بهدوء ولفت نظرها ذلك الطفل الواقف بجانبه … إهتزت مقلتيها بإشتياق عندما نظرت في عينيه وإقتربت منه بهدوء وهبطت لنفس مستواه تنظر له بحنان أمومي، ملست على وجهه برقة ..
ألفت بحب:”ياسين؟ إنت جيت يا روح ماما؟”
عماد بهدوء:”إسمه براء .. بس نقدر نسمية ياسين مافيش مشكلة، بيقولوا إنه عنده 12 سنة .. أنا راجعت أوراقة إسمه بإسم العيلة بتاعه كان لطفل مات وهو عنده أربع سنين يعني هو مالوش أوراق، ممكن يكون هو إللي إختار الإسم ده، لو كده ممكن نعمله ورق قانوني ونسميه فيه بإسم ياسين ونشوف لقب ليه سوا … لم تنتبه ألفت لحديثه فكل ماكانت تفعله وهو أنها تلتمس وجنتي براء الناعمة .. أما براء ينظر لها بهدوء في المقابل … مرت السنوات مع وجود براء في حياتهما … كان قليل التحدث وهذا كان يقلقه، ولكن ألفت لم تلتفت لكل ذلك .. كل ماكان يهمها أن إبنها ياسين قد عاد إلى أحضانها مرة أخرى .. يتذكر ذلك جيدا .. إختفاء ياسين بشكل متكرر بعد إنتهاء وقت الجامعة .. لا يعلم أين يذهب وماذا يفعل ولكن غيابه ملحوظٌ في الفترة الأخيرة … حتى قرر أن يقوم بمراقبته ويعلم بما يفعل … وبالفعل قام بمراقبته ووجد أن ياسين يتتبع ويراقب أحدهم .. أحد رجال الأعمال .. ومن الواضح أن ذلك الشخص له سُلطة ونفوذ وذلك واضح من الحرس حوله .. لا يدري لماذا ياسين يراقب ذلك الشخص بإستمرار لأنه ظل يراقبه في الفترات الأخيرة .. حتى قرر أن يواجهه ويعلم السبب منه .. إستدعاه في مكتبه في الفيلا التي يسكنون بها … يقف ياسين بهدوء وبرود ناظرًا لعماد الجالس أمامه ولم ينتبها أن ألفت تستمع لحديثهما …
عماد بإستفسار:”أنا عايز أعرف إنت بتروح فين في الفترة الأخيرة دي؟؟؟ إختفائك بقا ملحوظ يا ياسين ومحتاج أعرف منك الصراحة ومش عايزك تكذب.”
عقد ياسين حاجبيه بغضب من تلك الكلمة ولكنه ظل صامتًا…
عماد:”بتروح فين؟؟”
ياسين ببرود ولا مبالاة:”أنا مش في إستجواب .. أنا أروح في أي مكان أنا عايزه.”
عماد بغضب:”رد عليا بإحترام يا ولد، أنا باباك.”
ياسين ببرود:”إنت مش بابايا … ومش هتحل مكان بابايا أبدًا.”
حزن عماد كثيرًا بسبب حديثه ولكنه حاول التماسك ..
عماد بحزن:”طب ممكن نتكلم سوا زي أي إتنين صحاب، أنا نفسي أنا وإنت نتصاحب وتكون أسرارنا مع بعض.”
ياسين بهدوء:”أنا معنديش أسرار.”
عماد بغضب:”لا عندك، وبطل تكذب عليا.”
إقترب منه ياسين بغضب وأمسكه من تلابيبه ..
ياسين:”أنا قولت إني معنديش أسرار .. إنت إللي مسألتش أنا عندي إيه أحكيه عشان أحكيه .. أنا بكره الكذب والخيانة وبكره إللي يجيب سيرتهم.”
كادت أن تدخل ألفت المكتب لمنع ذاك النقاش الحاد بينهم ولكنها أرادت أن تظل هكذا لتعرف المزيد عن ياسين … إبتعد عماد عن ياسين بصعوبة وبدأ بالتحدث …
عماد:”قول طيب وإحكيلي مين إللي بتراقبه ده؟ ممكن اساعدك لو حكيتلي.”
نظر ياسين له قليلًا ثم إبتسم إبتسامة مخيفة بالنسبة لعماد ..
ياسين بهدوء:”ده إللي نصب على بابايا وسرق منه كل إللي هو فيه ده، ده حقي ودي فلوسي ..و….*قبض يديه بقوة عندما تذكر مقتل والديه محاولا التحكم بأعصابة وأخفى كل ذلك الألم بداخله ولم يُكمل حديثه بإستفاضه ولكنه لم يكذب* …. و أخد مني كل حاجة .. ماتوا بقهرتهم.”
عماد بحزن على حاله:”طب أخد منهم كل حاجة إزاي؟؟؟ ممكن أعرف؟”
ياسين وهو يمط شفتيه متذكرًا أحداث ماضيه الأليم:”كانوا أصحاب وكذب عليه وخانه.”
عماد:”أنا مصدقك يا ياسين وعارف إنك مش ممكن تكذب أبدًا، وآسف لو ضايقتك بكلامي.”
ياسين بلامبالاة:”ماطلبتش منك تصدقني بس ماتكذبنيش.”
تنهد عماد بتفكير وتحدث ..
عماد:”لازم تنسى يابني وتعيش حياتك، الراجل ده مسيره هياخد جزاءه، لكن إنت ذنبك إيه إنك تفضل حاطه في دماغك .. صدقني هتتعب.”
ياسين بغضب:”وحقي؟؟ إنت بتتكلم كده ليه إن عادي حقي يروح؟؟”
عماد بتوضيح:”مش قصدي بس…….”
قاطعه صوت ألفت التي ركضت لياسين الغاضب تربت على كتفيه بحنان أمومي …
ألفت:”يا عماد يا حبيبي، ماتزعلش إبننا عشان خاطري … إعمله إللي هو عايزه، عايز ياخد حقه ساعده ياخده، لكن ماتعاملوش كده أبدًا، ده مهما كان إبننا.”
نظر عماد لها قليلًا وكاد أن يتحدث ..
ياسين ببرود:”أنا مش إبنكم، أنا بابايا إسمه مصطفى ومامتي إسمها فريدة .. وأنا مش محتاج مساعدتكم .. أنا هاخد حقي بإيدي.”
تركهما ببرود وإتجه لغرفته … تنهدت ألفت بحزن وهي تنظر في أثره إستفاقت على صوت عماد ..
عماد:”شوفتي قلة الأدب؟؟؟ أدي آخرة دلعك ليه، سبتيه يعمل إللي هو عايزه ويعيش حياته براحته ومانتحكمش فيه، جيل مش متربي.”
ألفت بتبرير:”يا عماد أرجوك ماتزعلش منه، هو بس أكيد متضايق بسبب الموضوع ده ومش هيرتاح غير لما ياخد حقه بإيده، *إقتربت منه برجاء* عشان خاطري ساعده وغلاوتي عندك يا عماد.”
زفر بعمق يهزر رأسه موافقًا على حديثها .. أما ياسين يجلس بغرفته يخطط لما سيفعله بذلك المدعو “جمال صدقي”… بدأ عماد بمساعدة ياسين وبما أنه رجل أعمالٍ أيضًا ولكن ليس بنفس نفوذ جمال، قرر أن ينضم لأحد المشاريع الخاصة بشركة جمال … وبدأت إجتماعاته المتكررة مع جمال محاولًا كسب ثقته .. وكان من الواضح أن جمال شخص خبيث جدا .. ونوعيته من الأشخاص الذين يلقون بنقودهم بأي مكان .. رجل ذو علاقات متعددة … كل ذلك كان مايعرفه عماد عن جمال في الفترة الأخيرة .. أما ياسين يعلم شيئًا آخر، يعلم مايقوم به جمال والذي يخالف القانون .. وفي يومٍ ما … كان عماد في إجتماع بينه وبين جمال والذي يبدو من الواضح أنه أسرف في الشرب قليلًا …
عماد:”كنت محتاج إنك توقع على الورق ده.”
كان يمسك بيده أوراقًا وكان يحاول إخفاء إرتجافه الذي بدأ أن يظهر بسبب توتره … تحدث جمال بسُكر ..
جمال:”شغل إيه دلوقتي يا عماد؟؟ الحياة حلوة وجميلة، ليه نبوظها بالشغل والمسئوليات؟؟ .. إحنا جايين الدنيا عشان ننبسط .”
ضحك على إثر سُكره، أما عماد حاول أن يُخفى توتره … وقدم له تلك الأوراق ..
عماد:”يا جمال بيه عايزين نخلص المشروع ده على خير .. هنكسب ماتقلقش.”
تأفف جمال أخذًا من الورق موقعًا بغضب .. ثم ألقى بالورق في وجهه متحدثا بضيق ..
جمال:”يلا إمشي مش ناقص قرف”
خرج عماد سريعًا من غرفة مكتب جمال الذي رفع سماعة هاتف المكتب وبدأ بالتحدث مع إحدى فتيات الليل …
جمال:”أنا جايلك يا جميل.”
…………………………
يقف عماد أمام ياسين الذي ينظر له ببرود ويقوم بتقديم تلك الأوراق له …
عماد:”دي الأوراق إللي تقدر تاخد بيها حقك … ده كده تنازل من جمال ليك عن كل ممتلكاته، ناقص بس توقيعك.”
أخذ ياسين الورق منه ثم نظر له يتمعن يقوم بقراءته .. ثم إبتسم بهدوء وقام بتوقيع الورق وهنا تنهد عماد بإرتياح شديد ..
عماد:”الحمدلله، حقك رجع أهوه، يلا يا إبني سيبك من إللي إنت فيه ده وركز في مستقبلك، عايزك تبقى أحسن شخص في البلد دي وتفرح ألفت بيك.”
هز ياسين رأسه موافقا وإتجه لغرفته ممسكًا ذلك الورق بقوة … أما عماد توجه لزوجته ألفت وحدثها عما فعله …
ألفت بهدوء:” المهم إن ياسين يكون مرتاح.”
عماد بهدوء:”أتمنى.”
…………………………..
مرت الأيام وجمال لم يعلم بأمر تلك الأوراق وحتى الآن ياسين لم يفعل بها أي شئ ومازال يراقب جمال وكل ذلك تحت أعين عماد الذي عاد لمراقبة ياسين مرة أخرى، ولا يعلم لماذا يستمر ياسين بمراقبته فقد أخذ حقه منه … وفي يومٍ ما … خرج جمال من شركته ولحقه ياسين مما جعل عماد يلاحقه أيضًا … توقفت سيارة جمال أمام مستودع كبير .. خرج من سيارته ودخل ذلك المستودع وتحرك ياسين خلفة ولكن عماد لم يستطع اللحاق به لوجود ذلك العدد الكبير من الحرس … وقف ياسين على بُعد من جمال وبعيدًا عن أعين حراسه، يراقب مايحدث وإنتبه لصوت صرخات في المكان ومن الواضح أنها صرخات أطفال… سمع حديث جمال مع أحدهم …
جمال:”الأطفال دول لازم يخرجوا من هنا بسرعة وأهم حاجة ياخدوا المخدر عشان نقدر ناخد منهم كل حاجة.”
؟؟:”ماتقلقش يا بيه، كله تحت التخطيط.”
دخل جمال الغرفة ناظرًا للأطفال الموجودين بها … نظر لهم بتشفي .. فأغلبهم أطفال شوارع أما الباقون تم خطفهم من عائلاتهم … خرج من تلك الغرفة وتوجه لغرفة أخرى خاصة به … ياسين بقوة:”جمال.”
تسمر جمال في مكانه عندما سمع صوته … هذا الصوت يعلمه جيدًا … أيُعقل؟؟؟… كيف؟؟؟!!! …. إلتفت جمال بعدم إستيعاب مما سمعه … رآه .. إنه هو .. مصطفى صديقه القديم ولكنه ممسكًا بعيارٍ ناري .. كاد أن يتحدث جمال ولكن قاطع حديثه ذلك الطلق الناري الذي أصاب صدره … إقترب ياسين من جمال بغضب وهبط لمستواه على الأرض ممسكا إياه بقوة ..
ياسين:”مش هسيبك ترتاح، لازم تتعذب.”
جمال:”مم…مصط ..فى.”
بدأت أصوات الطلقات النارية بالإنتشار وذلك بسبب رجال جمال الذين إنتشروا بالمكان بسبب صوت الطلق الناري …
ياسين بغضب وصراخ ممسكًا بتلابيبه:”ليه؟؟َ!! ليه قتلتهم؟؟؟ ليه؟!!!! ليه قتلت مصطفى وفريدة؟؟؟ ليه قتلت بابا وماما؟؟؟”
سأل ياسين آخر سؤال والدموع تهبط من مقلتيه … نظر له جمال بعينين مفتوحة على مصراعيهما … ولكنه تحدث …
جمال وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة:”كانوا يستاهلوا.”
عمى الغصب بصيرة ياسين أكثر وهنا أخذ السكين الذي كان يخفيه وقام بطعن جمال عدة طعنات ويتسائل بهيستيريا عن السبب …
ياسين بصراخ:”ليه؟؟؟!!!”
دخل رجال جمال المستودع وبدأوا بإطلاق النار ولكن إستطاع ياسين أن يبتعد عن جمال سريعًا … وإختبأ بأحد أركان الغرفة … وهنا فقد إنتبه لهؤلاء الأطفال الخائفون بالغرفة الأخرى ويحاولون الإختباء … كان يحمل سكينه الملئ بدماء جمال وينظر أمامه بشرود ونظرات خالية من الروح … تذكر كل شئ أسوأ اللحظات بحياته .. موت والديه، الذي أشعل الغضب بداخله أكثر وزاد رغبة الإنتقام أكثر، على الرغم من أنه قام بقتل جمال ولكن الغضب بداخله ينمو بشكل بشكل أكبر … رمى سكينه أرضا وإلتقط مسدسه وبدأ بإطلاق النار على رجال جمال واحدًا يلي الآخر … وبعد أن إنتهي من الأعداد التي دخلت فقط تنفس بصعوبة وذلك نظرًا للمجهود الذي قام به … وضع سلاحه بجيبه وخرج من الغرفة التي قتل بها جمال، وكاد أن يتحرك نحو بوابة الخروج أمسك أحد بقدمه … نظر ياسين للذي أمسك به وإذ بها طفلة تبدو في العاشرة من عمرها تبكي بكاءًا شديدًا ويبدو أنها شبه فاقدة للوعي لأن رأسها ينزف يبدو أن رأسها إرتطم بشئ … كاد أن يتركها ولكنها وقعت أرضًا وفقدت الوعي، نظر ياسين لها ثم عاد بنظره نحو بوابة الخروج من المستودع وباقي رجال جمال أصبحت تتضح أصواتهم شيئًا فشيئًا مما يدل على أنهم قادمين … حملها بقوة بين يديه ثم عاد بنظره نحو الأطفال الموجودين بالمكان ولحسن الحظ أنهم أحياء، إنتشرت الطلقات النارية مرة أخرى وفزعت الفتاة التي يحملها بخوف ورفعت رأسها كأنها تحاول النظر إليه ولكنها فقدت الوعي مرة أخرى مستندة برأسها على صدره .. إتجه بها ياسين نحو الخارج من مخرجٍ آخر وهنا قابل عماد الذي ينظر له بغضب …. لم ينظر له ياسين وألقى تلك الفتاة بجوار شجره تستند عليها … وقام بالربت على شعرها يحاول إيقاظها …
ياسين:”أنا هدخل هناك آخد الباقيين … هرجعلك، ماتخافيش.”
هزت رأسها بتيه أما هو إستقام في مكانه وأخذ مسدسه وعاد للمستوع بثبات وقوة متجاهلًا نداء عماد له …
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية القاتل الراقي ) اسم الرواية