رواية القاتل الراقي كاملة بقلم سارة بركات عبر مدونة دليل الروايات
رواية القاتل الراقي الفصل السادس 6
“بداية الحب إهتمام”
يقف عماد بمكانه وواضح بملامحه الضيق الشديد بسبب ياسين و مما فعله والذي إستنتجه من تلك الدماء التي كانت بملابسه مما يجعله متيقنًأ أنه قتل جمال … هز رأسه بيأس وخذلان ونظر أرضًا يؤنب نفسه تأنيبًا شديدَا لأنه السبب في كل ذلك .. غاب ياسين بالداخل وكل المسموع هو أصوات طلقات النيران المستمرة .. نظر لساعة يده يحسب الوقت الذي تأخره وقلق عليه كثيرًا .. هدأ صوت إطلاق النيران ولكن ياسين لم يخرج .. إنتفض عماد عندما سمع صوت سيارات الشرطة تقترب من المكان وبدون وعي هرول سريًعا نحو ذلك المستودع للبحث عنه تاركًا تلك الفتاة الملقاة بجانب الشجرة وحيدة … عندما دخل ذلك المكان وجده عبارة عن كومة من الجثث وبدأ بالبحث عن ياسين في غرف ذلك المستودع وبين تلك الجثث حتى وجده واقفَا ينظر أمامه بشرود .. شعر عماد بالهلع والفزع مما يراه حوله وكيف يقف ياسين هكذا وكيف فعل كل ذلك؟؟؟!!! …. إلتفت ياسين بهدوء بوجه وملابس مليئة بالدماء ولكن بالتأكيد تلك ليست دمائة، ونظر لعماد الذي ينظر له بخوف ..
عماد بخوف:”إنت عملت كل ده إزاي؟؟؟ … إنت إزاي عرفت تعمل كل ده؟؟؟ … إنت إزاي قتلت دول كلهم؟!!”
تحرك ياسين خطوة نحو عماد الذي إبتعد عشرة مقابلهم .. تحرك ياسين خطوة أخرى ولكنه ركع أرضًا من الألم الذي يشعر به ووضع يده في جنبه ونظر لعماد الذي ينظر له بالمقابل …
ياسين بألم:”كان لازم ياخدوا جزائهم، قصتي ماينفعش تتكرر.”
أغمض ياسين عينيه من الألم الذي يشعر به، هرول عماد نحوه سريعًا ..
عماد:”إسند نفسك عليا.”
وبالفعل إتكأ ياسين على عماد وخرجا من المستودع في نفس الوقت الذي إنتشرت به الشرطة في المكان … حاول عماد الإسراع قليلًا ليصلا إلى سيارته ويتحركا قبل أن تصل الشرطة لهما ولكن كبر سنه لا يساعده وأيضًا جسد ياسين فهو ثقيل بالنسبة لعجوز مثله .. إستفاقت الفتاة الصغيرة ووقفت في مكانها تنظر حولها .. وجدت نفسها وحيدة بالخارج … لا تعلم أين تذهب وأين الشخص الذي حملها للخارج تحركت بتيه لعلها تجده في طريقها ويساعدها في العودة للمنزل .. تحركت عدة مترات بسيطة وتوقفت عندما وجدت أمامها رجال الشرطة والذين هرولوا نحوها سريعًا … وصل عماد لسيارته ووضع ياسين الذي يعي لما حوله بنصف وعي للخلف ثم تحرك بسيارته، كان ياسين مستندًا برأسه على زجاج السيارة وهنا رأى الفتاة من على بُعدٍ وهي تركب إحدى سيارات الشرطة وهناك عددًا من الأطفال يركبون معها أيضًا، وهنا أغلق عينيه بهدوء وإستسلم للنوم … ينظر بشرود من خلال نافذته الزجاجية .. يتذكر ما عانته زوجته ألفت بسبب خوفها من فقدانها إبنها ياسين مرة أخرى .. فقد هرولوا نحو المشفى لإنقاذه سريعًا قبل أن يفقد دماءًا كثيرة وقد أنقذوه … يتذكر جيدًا كم ترجته ألفت ألا يؤذي ياسين .. يتذكر بكائها الشديد بسبب خوفها من فقدانه بأي شكل .. إستسلم لرجاء زوجته وبدأ بمتابعة قضية مقتل جمال دون أن يلاحظ أحد ذلك ولدهشته وصل الشرطة أن الهجوم الذي حصل بالمستودع ماهو إلا هجوم عصابات مما جعل الجميع موتى … يتذكر جيدًا الكوابيس التي حلم بها ياسين بعد ذلك الحادث … يتذكر صراخه بإسم والده ووالدته .. يتذكر صراخه وهو يعزم على قتل جمال في أحلامه .. ظلت كوابيس ياسين تُقلق راحته هو وأُلفت ومما يُدهشهم أيضًا أنه عاد لصمته الذي كان ملازمًا له منذ صغره … وفي يوم ما … خرج من جامعته حاملًا كتبه وبدلًا من أن يتجه لسائق عماد الذي ينتظره إتجه لطريقٍ آخر وتحرك السائق خفية خلفه .. دخل ياسين صالة رياضية كبيرة ولم يُلقِ التحية على أحد كعادته إتجه نحو خزانة ملابس معينة وقام بتغيير ملابسه وإرتدى ملابس رياضية بديلة .. وقام بربط كفي يده جيدا إستعدادًا للملاكمة … وقف عماد أمام الصالة الرياضية التي أخبره بها سائقة ودخل الصالة وبدأ بالسؤال عن ياسين، ثم إتجه لصالة الملاكمة .. كان يتعرق بشده وهو يلكم حقيبة الملاكمة بقوة وكل ما يراه أمامه هو جمال وليس تلك الحقيبة .. يرى جمال أمامه وهو يقوم بإغتصاب والدته … قام ياسين بضرب حقيبة الملاكمة مرة أخرى بغضب … وكل مايسمعه هو صرخات والدته المستمرة … ظل يضرب في حقيبة الملاكمة بكُرهٍ وشرٍ كبير … مما لفت إنتباه جميع من بالصالة ونظروا له بتعجب وهو يضرب الحقيبة بغلٍ ..
عماد:”ياسين.”
توقف عندما سمع صوت عماد ونظر له بنظرات خالية من الحياة…
عماد:”أنا محتاج أتكلم معاك .. لازم نتكلم أنا وإنت، ممكن نطلع بره؟”
تركه ياسين ثم إتجه لغرفة تبديل الملابس .. أما عماد تنهد بيأس وإنتظره بالخارج .. يجلسان بمطعمٍ يطُّل على النيل الذي كان ينظر له ياسين بشرود ..
عماد:”ياسين.”
نظر له ياسين بهدوء منتظرًا حديثه …
عماد:”أنا مقدر إنك واحد خسرعيلته .. وشوفت أهلك بيموتوا قدام عينيك … بس ده مش مبرر للي إنت عملته.”
قلب ياسين عينيه بملل وتأفف من حديثه ..
عماد بضيق حاول إخفاءه:”إحترم كلامي وإسمعني، أنا عارف إنك خايف، واللي بيحصلك ده من الخوف، بس أرجوك إهدى كده وإرجع ياسين إللي أنا عرفته من صغره.”
كان ياسين ينظر لعمق عينيه وهو يتحدث …
عماد:”أرجوك إرجع إبني إللي مسكت إيده وأنا داخل البيت وبقدمه لمراتي على إنه إبننا الجديد.”
وهنا خرج ياسين عن صمته قائلًا ..
ياسين:”إنت عايش في أوهام كبيرة يا عماد.”
عقد عماد حاجبيه بغضب من حديثه …
عماد بغضب:” أنا عايز أعيش وأنا بالي مرتاح، أنا مش عارف أنام بسبب إني عارف إن في قاتل في بيتي، إرجع يا ياسين عن إللي إنت بتعمله، أنا مباقتش مطمنلك، القدر أنقذك من أول جريمة إنت عملتها .. من الآخر .. أنا مباقتش حابب وجود قاتل في بيتي، يا ترجع لعقلك يا تخرج بره بيتي.”
ظل ياسين ينظر له بهدوء … أما عماد كان يتنفس سريعًا نتيجةً لغضبه …
عماد:”قولت إيه؟”
ياسين ببرود:”أنا فعلا واعي للي بعمله.”
عماد برجاء:”يبقى أرجوك أنا محتاج أنام وأنا مرتاح، مش عايز أبقى خايف عشان في قاتل عايش معايا في نفس البيت.”
همهم ياسين موافقا …. إستفاق عماد من شروده في ذكرياته وأغمض عينيه بإرهاق لا يعلم كم من الوقت ظل هكذا … ضغط زر إستدعاء الخدم وقد أتى إثنين منهم، قام أحدهم بتحريكه بالكرسي أم الآخر جهز له الفراش لكي يستريح قليلًا … تجلس بسريرها في غرفتها يملؤها الحزن مما حدث اليوم .. فقد رأت هشام .. رأت من حاولت أن تنساه تلك المدة ولكن رؤيتها له أثبتت أنها لم تنساه … لا زالت تحبه … هبطت دمعة من عينيها ولكنها قامت بمسحها سريعًا؛ فليس ذلك وقت البكاء على الأطلال … عقدت حاجبيها بإصرار على أنها قوية .. “أنتِ قوية مريم، لن يؤثر بك هشام أو غيره .. أنتِ تعيشين لنفسكِ فقط” .. ظلت هكذا تشجع نفسها بالكلام قليلًا .. تسطحت على سريرها تحاول أن تلهي أفكارها عن أحداث اليوم وأتي على تفكيرها .. “ياسين المغربي” .. فهو على الرغم من أنه يبدو شخصٌ شديدٌ قليلًا إلا أنه لطيف بالنسبة إليها .. فقد سعدت اليوم بمحاورتهما .. يبدو أنه شخص مُتفهم، صارم يحب عمله .. يبدو ذكي جدا، كبيرٌ في السن قليلًا يبدو أنه في بداية الأربعينات، لكنه وسيم، و ذو أعين جذابه و……. وسعت عينيها بدهشه عندما إنتبهت لأفكارها السيئة ..
مريم بغضب من نفسها:”إيه إللي بتعمليه ده يا مريم؟؟ فوقي بقا .. فوقي.”
تأففت بضيق وحاولت النوم ولكنها لم تستطع .. وتذكرت عرض ياسين لها … وهو أن تقوم برعاية عماد .. لكنها هزت رأسها بنفيٍ ؛فذلك مستقبلها لن تترك العمل بالمشفى .. سوف تخبر ياسين بقرارها حينما تراه في المرة القادمة … كان هشام يجلس بأحد المطاعم، ينتظر أحدهم طلب لنفسه مشروبًا .. نظر لساعته يحسب الوقت حتى أتت .. نظر لتلك الفتاة التي دخلت المطعم وإبتسمت له إبتسامة كبيرة وبادلها الإبتسامة، وإستقام من مقعده وعندما إقتربت منه..
؟؟ بسعادة:”هشام.”
ضمته بشدة أما هشام بادلها بفتور .. إبتعدت ونظرت له بشكل كلي ..
؟؟:”إنت إتغيرت جدا .. إحنا بقالنا كام سنة ماتقابلناش؟”
هشام:”إقعدي إرتاحي يا رضوى .. إنتي لسه راجعة من السفر، هنتكلم على راحتنا ماتقلقيش، يلا إقعدى.”
إبتسمت له رضوى وجلست قبالته؛ ثم نظرت لملامحه الهادئة أو المرهقة …
رضوى بإستفسار:”مالك يا هشام؟؟ لما كنت بتكلمني كان صوتك باين منه إنك مخنوق، قولت لازم أرجع مصر بسرعة عشان أشوفك لإنك واحشني وتاني حاجة عشان أقدر أتكلم معاك، إحكيلي بقا .. مالك فيك إيه؟”
تنهد هشام ثم نظر لها قليلًا ولكنه لم يتحدث ..
رضوى بإستفسار:”يابني في إيه؟؟ مالك؟؟ ساكت ليه؟”
هشام بتنهيدة:”تتجوزيني؟”
…………………………………………………..
تتقلب بسريرها بإستمرار .. قلقة ولا تستطيع النوم .. لا تعلم لماذا تشعر بالأرق ولماذا تشعر بإنقباضة قلبها .. وضعت يدها على مكان قلبها تحاول أن تهدأ …
مريم بتوتر:”خير … خير.”
ظلت هكذا قليلًا حتى هدأت وغطت في نوم عميق ..
…………………
رضوى بعدم إستيعاب:”نعم؟”
هشام بهدوء وتكرار:”تتجوزيني؟”
ضحكت رضوى ضحكات عالية فهي لا تصدق .. هشام يعرض عليها الزواج؟؟ .. منذ متى وهشام صديق طفولتها يفكر بذلك الأمر نحوها؟؟؟ …. ظلت تضحك لعدة ثوانٍ لكنها صمتت عندما وجدت ملامحه جادة …
رضوى بعدم إستيعاب:”إنت بتتكلم بجد؟؟؟”
هشام بهدوء:”بتكلم بجد … وأتمنى إنك تسعديني بموافقتك .. *أغمض عينيه قليلًا ثم نظر لها* … من صغرنا وأنا بتمنى إننا نكون سوا.”
لا تدري لماذا هي سعيدة هكذا، هل لأنها قد نالت أخيرا ماتريده منذ البداية؟؟ … هشام يريدها زوجةً له!! …
رضوى بإستفسار:” طب إنت فاتحت أونكل طارق و بلقيس في الموضوع ده؟”
هشام بإبتسامة هادئة:”هما عارفينك كويس وبيحبوكي .. لما يلاقوني قررت إننا نتجوز هما أول ناس هيفرحولنا .. إنتي لحد دلوقتي ماقولتيش قرارك يا رضوى.”
رضوى بإبتسامة رقيقة:”موافقة طبعا.”
…………………………………………………..
(رواية/ القاتل الراقي .. بقلم سارة بركات)
في صباح اليوم التالي:
تقف أمام مرآتها تقوم بتجهيز نفسها بكل ثقة لليوم .. خرجت من غرفها وبدأت عملها …. وصل بسيارته أمام المشفى وبجانبه رضوى سعيدة بوجودها معه …
هشام بإبتسامة:”يلا بينا.”
رضوى بإبتسامة:”يلا.”
دخل المشفى ممسكًا بيد رضوى بقوة ويبحث بعينيه عن مريم توقف نحو الإستقبال و قام بجمع أغلب طاقم المشفى هناك .. كانت مريم تسير نحو الإستقبال في ذلك الوقت وهنا تجمدت بمكانها عندما رأتهم نظرت لأيديهما ثم عادت بنظرها لهشام الذي ينظر لرضوى بإبتسامة جميلة وبدأ بالتحدث ..
هشام:”أعرفكم برضوى خطيبتي.”
شعرت بأن الزمن توقف فجأة عندما سمعت تلك الكلمة .. “خطيبته” .. توجهت التهنئة والمباركات لهما … أما هي كانت تشعر بالدوار .. تشعر بأن المكان يدور حولها .. حاولت أن تبتعد عن ذلك التجمع قدر المستطاع حتى لا يرى أحدٌ ضعفها .. تشعر بضيق التنفس بالإضافة إلى ذلك الدوار الذي يجتاحها … تحركت وحاولت أن تتماسك حتى إبتعدت عن ذلك الجمع .. هبطت الدموع من مقلتيها وهي تحاول أن تتماسك وتتغلب على الدوار ولكنها لا تستطيع ألم قلبها يزداد .. يا ليتها لم تحبه .. يا ليتها لم تقابله حتى .. لا تريد أن تبقى هنا بعد اليوم … أثناء سيرها إصطدمت بأحدهم، رفعت رأسها وكان ياسين المغربي ..عاقدًا حاجبيه بتعجب من خطبها ..
مريم بإختناق وبكاء:”خدني من هنا، مش قادرة .. خدني.”
تمسكت بسترة بدلته محاولة التماسك أكثر …
مريم ببكاء شديد:”أنا محتاجة أمشي، مش قادرة أشوفه .. مش قادرة.”
هز رأسه بهدوء وإبتعد عنها قليلًا وأمسك بيدها لكي يذهب بها لمكان تهدأ به ولكنه إنتبه أنها ستقع .. حملها بين يديه متجهًا نحو غرفتها ووضعها فوق سريرها …
ياسين بهدوء:”إنتي محتاجة ترتاحي يا دكتورة، نامي.”
ظلت تنظر إليه وهي تغيب عن الوعي حتى أغمضت عيناها بتعب وإرهاق، أما هو كان ينظر لها بشرود ثم إستقام وخرج من الغرفة متجهًا نحو الإستقبال .. كان هشام يبحث عنها بعينيه .. أين ذهبت؟؟ غابت عن أنظاره .. يتمنى أن تنساه هكذا .. يتمنى .. أخذ الجميع وقت في التهنئة والمباركات لهما وكان طارق يقترب نحوهما وسعيدٌ مما سمعه …
طارق:” ألف مبروك يا حبايبي.”
لم يعره هشام أي إهتمام، ولكن رضوى إقتربت من طارق وقامت بإحتضانه ..
طارق:”اه يا وحشة إنتي … رجعتي مصر من غير ماتقوليلي، وكمان تفاجئوني بخطوبتكم؟!”
رضوى بضحك:” هشام حب يعملهالكم مفاجأة وبالمرة يفاجئ زمايله هنا.”
طارق بحزن مصطنع:”مالوش حق.”
نظر هشام لطارق بكُرهٍ … كان الإستقبال ملئ بصوت الموظفين ووشوشاتهم ولكن تلك الضوضاء إختفت شيئًا فشيئًا …. صمت الجميع في حضور .. “ياسين المغربي” … والذي نظراته لا تبشر بالخير…
ياسين بهدوء:”ممكن أعرف إيه إللي بيحصل هنا؟ وإيه إللي مجمعكم كده؟”
طارق بإبتسامة:”ده الدكتور هشام إبن أختى خطب وزمايله بيباركوله.”
نظر ياسين لهشام ذلك .. ذلك الشاب الذي كان ممسكًا بيد الطبيبة مريم قبل عدة أسابيع .. ظل ياسين واقفا بمكانه نظراته باردة لا يوجد بها أي مشاعر .. ينظر لهشام بلامبالاة .. ثم عاد بنظراته لطارق ..
ياسين:”في إجتماع في مكتبي.”
لم يُعِر هشام أي إهتمام وإتجه لمكتبه منتظرًا طارق … أما الجميع عادوا لعملهم في صمت ..
رضوى بتنهيدة صعبة:”هو في إيه؟؟ مين ده؟؟ أنا كنت خايفه من وجوده معانا، أنا كنت حاسه إنه شويه وهيقتلنا.”
هشام بإبتسامة:”ماتقلقيش ده صاحب المستشفى .. هو دايما كده.”
تحرك طارق خلف ياسين حتى صارا في مكتبه … وقف ياسين أمام نافذته .. أما طارق يقف خلفه ينتظره أن يتحدث ..
ياسين بهدوء:”المستشفى مش هتفضل من غير مدير..عايز حد يحل محل مرتضى.”
طارق:”أكيد .. أنا فعلا بشوف مدير للمستشفى في الفترة الأخيرة.”
همهم ياسين وظل ينظر لحديقة المشفى بهدوء ..
طارق بحمحمة:”حضرتك محتاج حاجة تانية؟”
ياسين:”إستقالة الدكتورة مريم .. تكون موجودة على مكتبي، أنا إللي همضيها.”
طارق بذهول:”نعم؟؟!!! إستقالة؟؟”
إلتفت ياسين له عاقدًا حاجبيه ..
ياسين:”هتقدم إستقالتها وأنا إللي همضيها، تقدر تجهزلها مرتبها عشان هتمشي النهاردة.”
عقد طارق حاجبيه بتعجب من حديث ياسين .. ولكنه حاول أن يبدو أن طبيعيا ..
طارق:”حضرتك طيب تؤمر بخدمة تانية؟”
ياسين:” ذكرى إفتتاح المستشفى هيكون بعد شهر .. هنجهز حفلة لطاقم المستشفى كله وللمتبرعين … زي كل سنة.”
طارق بتفهم:”تمام.”
ياسين:”تقدر تمشي.”
خرج طارق من الغرفة متعجبًا لما يحدث؛ يتعجب لصيغة حديث ياسين عن تلك الطبيبة التي تدعى مريم .. تنهد بضيق ثم قام بإستكمال عمله .. أما ياسين؛ فقد إتجه لغرفة مريم والتي كانت نائمة كما تركها .. جلس بكرسى بجانب سريرها منتظرًا إستيقاظها.
……………………..
بالقصر:
ينظر لصورة زوجته باكيًا ويتمنى لو يعود به الزمن إلى الوراء وألا يأتي بياسين أبدًا … ولكن ما حصل قد حصل .. جاء ياسين وحول حياتهما إلى الجحيم .. يتذكر كيف مرضت زوجته كثيرًا بعد أن رحل ياسين وإبتعد عنهما وعاش وحده … يتذكر كم ترجته باكية أن يعيد ياسين لها مرة أخرى ولكن تلك المرة رفض بشدة … حيث أن جرائم القتل وقتها كانت إنتشرت في الفترات الأخيرة وخاصة من بعد إختفاء ياسين من حياتهما .. علم أنه القاتل .. علم جيدًا من الجملة التي قالها له ياسين أن قصته لا يجب أن تتكرر؛ فكل الضحايا في الآونة الأخيرة كانوا رجالًا إما متهربين من العدالة أو قد برأتهم العدالة في جرائم قاموا بإرتكابها بالفعل … علم أن ياسين لن يصمت … علم تمام المعرفة أن تلك أصبحت حياة ياسين، والتي بدونها لن يكون حي؛ فهو يعيش على القتل … قاتل .. مجرم .. يستحق الموت … حاول أن يغير منه ومن سلوكه وأن ينقذه ولكن ياسين لم يسمع سوى صوت الإنتقام الذي بداخله … قتله لجمال لم يُفِد بشئ لأن نشوة الإنتقام لم تقل أبدًا بل بالعكس زادت بداخله أكثر؛ فكان يرى جمال في كل مجرمٍ هارب من العدالة … توفت زوجته من حزنها على إختفاء ياسين من حياتهما، أما هو الحزن تملكه وقد شاب مبكرًا … وقف ياسين في عزائها بجانب عماد الذي كان يجلس بكرسي ولا يستطيع الوقوف وساءت حالته حتى أُصيب بذبحة صدرية في ذلك اليوم، ومن هنا تولى ياسين رعايته رغمًا عنه … يتذكر كم حاول عدة مرات الهروب منه ولكن كل محاولاته باءت بالفشل .. كم مرة حاول الإنتحار ولكنه فشل أيضًا … ترجى ياسين أن يقتله ولكنه لم يفعل .. رآه يتعذب فقط … لم يفعل له أي شئ …
………………………………………………
إستفاقت مريم من إغمائها شاردة لما حصل لها، لا تصدق ما فعله هشام، لماذا يُصِّر على جرحها؟ .. ماذا فعلت له؟؟؟ … إستفاقت من شرودها على صوت أحدٍ بغرفتها ..
ياسين:”مساء الخير يا دكتورة.”
نظرت له بعدم إستيعاب … جالس بغرفتها وهي نائمة .. كيف؟؟ .. إنتفضت فزعة وحاولت الإعتدال وحمحمت بإحراج …
مريم بتوتر:”مساء النور.”
ياسين بإستفسار:”بقيتي كويسه؟”
نظرت له بإستفسار وتحاول تذكر ماذا يقصد .. و عندما تذكرت أنها ظلت ممسكةً به وتبكي وحمله لها حتى غرفتها … إحمر وجهها بشدة من الخجل والإحراج في آن واحد … كيف يراها الآن يا تُرى؟؟ …
ياسين بهدوء:”دكتورة مريم.”
نظرت له بتوتر:”أنا كويسه … أنا كويسه.”
إستقام ياسين من مقعدة وإرتدى سترة بدلته الراقية التي لفتت إنتباه مريم وقام بإرتدائها برُقيّ وهدوء ..
ياسين بإبتسامة هادئة جعلتها تتوتر أكثر:”أتمنى تكوني فعلا كويسه، بعد إذنك.”
كاد أن يتحرك خارج الغرفة ولكنها أوقفته …
مريم:”أنا موافقة أمشي، موافقة إني أكون موجودة عند حضرتك في القصر، أنا هكتب إستقالتي دلوقتي وهاجي لحضرت.”
ياسين بهدوء:”أنا مش هكون موجود هنا، هبعتلك السواق يوصلك، وهشوفك بكرة هناك .. بعد إذنك.”
مريم بإحراج:”إتفضل.”
خرج ياسين من الغرفة … أما مريم ظلت بمكانها لا تدري هل كانت تحلم أم أن ياسين ظل معها في غرفتها حتى إستفاقت … هل يُعقل؟؟ … عادت بذاكرتها نحو ما جعلها تنهار هكذا … كان يجب أن تتوقع هذا من هشام .. فهو حقير .. يومٌ يكون معها والآخر يكون مع غيرها … عقدت حاجبيها بغضب … كيف إنهارت هكذا … ولكن لحسن الحظ أنه لم يراها في حالتها تلك .. ولكنها في الحقيقة تشعر بالإحراج مما حدث .. فلم تكُن تتوقع أن يراها ياسين في تلك الحالة .. ولم يكن ذلك فقط .. لقد حملها إلى هنا .. إلى سريرها كالطفلة الصغيرة .. تذكرت نظراتها المشوشة له وهو ينظر بعينيها ويخبرها أن تنام فهي تحتاج للراحة … تتذكر كيف إستسلم جسدها وخارت قوته .. كأنها ستجد الراحة فعلا في النوم .. إستفاقت من شرودها وتنهدت بقوة ؛ فالآن ستقوم بكتابة إستقالتها والرحيل من هنا .. نعم يجب أن ترحل ولا ترى هشام مرة أخرى؛ فقد أصبح هذا المكان يحبس أنفاسها … لا تريد البقاء فيه بعد اليوم … بعد مرور وقت ليس بقصير … طرقت غرفة طارق وسمح لها بالدخول ..
مريم بهدوء:”مساء الخير يا دكتور.”
رفع طارق حاجبيه وتحدث بسخرية:”مساء النور يا دكتورة، أفندم؟”
مريم:”إتفضل حضرتك.”
قدمت له إستقالتها أما هو قام بتمثيل اللامبالاه وهو ينظر للورقة ..
طارق بسخرية:”ليه كده؟؟ ده إحنا هنخسر دكتورة شاطرة زيك.”
مريم بهدوء:”دي رغبتي.”
طارق بهمهمة:”طبعا … لقيتي الطريق مقفول ناحية هشام فقولتي تنسحبي.”
مريم بغضب مكتوم:”أنا مسمحلكش تتكلم معايا كده.”
طارق مكملًا حديثه:”وأكيد برده معرفتيش توقعي ياسين المغربي؛ فعشان كده قدمتي إستقالتك و..”
مريم بغضب مقاطعةً له:”إنت مين إنت عشان تحكم عليا؟”
طارق بشفقة:”يا خسارة ماحدش هيبصلك.”
حاولت أن تتحكم في غضبها …
مريم:”أنا جايه هنا عشان أدي لحضرتك إستقالتي وأمشي.”
طارق برجاء مصطنع:”مش هنقدر نكمل من غيرك يا دكتورة .. المستشفى هيقف حالها من بعدك … *عقد حاجبيه وتحدث بجدية أكثر* … إستقالتك مقبولة طبعًا.”
مريم عاقدة حاجبيها بغضب:”مش مستنيه رأيك بخصوصها، أنا كده كده ماشية.”
خرجت من الغرفة صافعة الباب خلقها .. أما طارق حاول كتم غضبه، ولكنه أمسك الكوب الموجود على مكتبه ورماه أرضًا … بعد مرور وقت قصير كانت عند الإستقبال تقوم بتسجيل خروجها وتحمل بيدها ظرف به دخلها الخاص بهذا الشهر وهنا قابلت هشام الذي إتجه للإستقبال أيضًا … حاولت أن لا تعيره أي إهتمام وترحل سريعًا دون أن تلتفت له .. قامت بتسجيل الخروج ثم حملت حقائبها والذي جعل هشام ينتبه لهم … سجل خروجه أيضًا وخرج خلفها …
هشام:”مريم.”
تجمدت بمكانها عندما سمعت صوته وإلتفتت له بهدوء ..
هشام بإبتسامة وإستفسار:”إنتي مباركتليش؟”
مريم بلامبالاة مصطنعة:”اه ألف مبروك، معلش كنت مشغولة.”
هشام:”تمام … لو تقدري تيجي الخطوبة ياريت هفرح جدا، هتكون بعد يومين في الفيلا عندنا وأكيد تعرفي العنوان.”
حاولت أن تتماسك أكثر من ذلك … حاولت أن لا تبكي أمامه …
مريم بإبتسامة مصطنعة:”هشوف كده.”
كادت أن تذهب من أمامه ..
هشام بإستفسار:”رايحه فين كده؟”
حاولت أن تتحدث بلامبالاة مذكرة نفسها أنه أكبر وغد قابلته بحياتها ..
مريم بإبتسامة مصطنعة:”قدمت إستقالتي وخلاص ماشيه.”
هشام بإستفسار وإنتباه:”ليه كده؟؟ في إيه؟ إيه إللي حصل؟؟”
مريم بإبتسامة:”جالي عرض أحسن .. رعايه طبية في قصر ياسين المغربي.”
عقد هشام حاجبيه بإستفسار، أما هي حاولت إغاظته أكثر …
مريم بإبتسامة وكذب:”أصل ما أقولكش … إتحايل عليا أكتر من مرة إني أجي أراعي عماد .. بس أنا كنت بقوله شغلي هنا في المستشفى أهم .. حياتي هنا أحسن، بس صعب عليا من كتر ما بيتحايل عليا قولت خلاص أهو أجرب حاجة جديدة.”
هشام بإستفسار وتعجب:”وإنتي من إمتى في بينك وبين ياسين المغربي كلام؟؟ إللي أعرفه إنه مش بيتعامل مع حد غير دكتور طارق ومرتضى قبل ما يتسجن.”
مريم بضحكة مصطنعة:”أنا مش أي حد.”
حرك هشام رأسه لليمين بتعجب من حديثها .. أما هي شعرت أنها ستُفضح أكثر من ذلك …
مريم بتلقائية:”تقدر تقول في إهتمام متبادل بينا إحنا الإتنين، إعجاب يعني.”
حاول هشام أن يكتم ضحكاته فمن الواضح أنها تكذب فعلاً .. حاولت أن تتحكم في غضبها منه فمن الواضح أنه كشف كذبتها … كادت أن تتحدث ولكن الإثنان إنتبها لتلك السيارة السوداء الفاخرة التي وقفت بجانبهما … تم إنزال زجاج السيارة للمقعد الخلفي والذي ظهر خلفه ياسين المغربي الذي ينظر لهما بهدوء … تعجبت مريم لوجودة فقد أخبرها أنه لن يكون متواجد وسيقابلها غدا هناك .. لماذا غير رأيه؟؟ ..
ياسين بإبتسامة هادئة:”دكتورة مريم .. أنا إنتظرتك كتير .. يلا بينا نتحرك.”
نظرت مريم لياسين معقودة اللسان ثم تحركت دون وعي منها وركبت السيارة دون أن تنظر لهشام حتى … تم إغلاق الزجاج الخلفي بعدما ركبت مريم بجانب ياسين وتحركت السيارة .. أما هشام كان يقف بمكانه يحاول التحكم بغيرته التي شعر بها … كيف؟؟؟ متى حدث ذلك؟؟ .. كيف لها أن تفعل ذلك؟؟؟ … كيف تخُنه؟؟؟ … عقد حاجبيه بغضب .. كان يعتقد أنها تكذب … ولكن إنتظار ياسين لها يعني أن هناك شيئًا بينهما … لا يستحيل أن تحب مريم أحدًا غيره …
……………………………………………
تجلس بجانب ياسين وتشعر بالذهول مما حدث نظرت بطرف عينيها لياسين الهادئ بجانبها والذي ينظر أمامه بنظرته الخالية من الحياة تلك … نظرت حولها فالسيارة كبيرة وفاخرة بالفعل رائحتها جميلة ولكن رائحة ياسين تطغى عليها .. رائحته كانت جميلة جدًا … أغمضت عينيها تستنشق رائحته وهنا ياسين إنتبه لها عندما سمع صوت إستنشاقها …
ياسين:”دكتورة.”
لم تنتبه له وظلت تستنشق رائحتة وبدون وعي منها إقتربت منه وإستنشقت رائحته من خلال سترته .. عقد حاجبيه بتعجب …
ياسين:”دكتورة مريم.”
وهنا إستفاقت وفتحت عينيها ورفعت رأسها ووجدت أنها بموضع غير لطيف وهي أنها منحنية على سترته وأيضا تقوم بإستنشاقها ..
إعتدلت سريعًا وحمحمت بإحراج به بعض الخجل ولم تتحدث …
هز رأسه بيأس ثم عاد بنظره للأمام … ولكنها تحدثت …
مريم:”حضرتك إستنيتني.”
نظر لها ياسين بإستفسار …
مريم بتوضيح:”قصدي إن حضرتك قولت إنك مش هتكون موجود وهنتقابل بكرة، فأنا مستغربه إن حضرتك موجود.”
لم يُجبها وعاد بنظره للأمام …
مريم:”أنا بتكلم على فكرة.”
أغمض ياسين عينيه بغضب ..
مريم:”تعرف إن ريحة البرفيوم بتاعتك حلوة، عجبني إسمه إيه؟”
لم يُجبها أيضًا …
مريم بتنهيدة بسيطة و إستسلام من تجاهله:”طيب .. عموما شكرا إنك إستنيتني أنا كنت في ورطة وحضرتك إللي أنقذتني منها.”
نظرت له قليلًا ولم تجد أي ردٍ منه … نظرت أمامها بضيق ولا تعلم سبب رغبتها الشديدة في الحديث معه .. فهي منذ أن جلست بجانبه وهي تشعر أنها ترغب بالحديث بشكل مستمر معه …
ياسين بهدوء:”خططي إتغيرت؛ عشان كده إستنيتك.”
نظرت له مريم بإبتسامة كبيرة؛ ثم تحدثت بإمتنان ..
مريم:”شكرا مرة تانية، حضرتك زوق جدا.”
نظر لها بطرف عينيه ثم تحدث بصوت هادئ يكاد يكون مسموعًا..
ياسين:”وإنتي رغاية جدا.”
ظلا هكذا طوال الطريق هي تحاول التحدث ولكنه صامت كعادته حتى وصلا لمدخل قصر “ياسين المغربي” ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية القاتل الراقي ) اسم الرواية