Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل العاشر 10 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

  رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل العاشر 10

تأملته حياة بقلق وهي تلاحظ تغضن ملامحه ما إن رد على المتصل …

أغلق الهاتف معتصرا إياه داخل كفه وعيناه بدتا كجمرتين مشتعلتين …

سألته بخوف جلي :-

” ماذا حدث نديم بك …؟!”

بالكاد أستطاع التظاهر بالثبات أمامها رغم النيران المتأججة داخل صدره ليجيب بهدوء يحسد عليه :-

” لا شيء مهم .. فقط يجب أن أذهب الآن …”

ثم سارع بالتحرك خارج المكان دون أن ينتظر منها ردا …

اندفع خارج المشفى وأنامله تعبث في هاتفه بحثا عن إسم غالية .. رن عليها وهو يركب سيارته لتتجاهل إتصالاته تماما …

أغلق الهاتف ورماه على المقعد جانبه ثم إستمر في قيادة سيارته متجها الى الفيلا …

بعد مدة قصيرة وصل الى هناك فهبط من السيارة ودلف الى الداخل وهو يرد على تحية الحراس بإيماءة مختصرة ..

فتحت له الخادمة الباب ليندفع الى الداخل وهو يسأل :-

” أين أمي …؟!”

وقبل أن تجيب الخادمة كان يتجه نحو الطابق العلوي نحو غرفة والدته التي يعلم جيدا إنها تستريح في غرفتها في هذا الوقت تحديدا …

فتح الباب ودخل الى الغرفة دون إستئذان لتنهض والدته من مكانها بسرعة تتقدم نحوه تسأله بقلق بديهي :-

” نديم بني ، ماذا تفعل هنا ..؟! هل حدث شيء معك يا بني ..؟!”

” ليلى حاولت الإنتحار ، أليس كذلك ..؟!”

سألها بسكون مريب لتسأله بصدمة :-

” من أخبرك بهذا …؟! ”

رد وهو يكز على أسنانه :-

” ليس مهما .. المهم إنها حاولت الإنتحار ولا أحد أخبرني بذلك ..”

قالت بصباح بصوت تقصدت أن تسيطر على هدوء نبرته مع إستنكار واضح لما يتفوه به :-

” ولمَ سأخبرك ..؟! ”

في تلك اللحظة جاءت غالية التي علمت بقدومه من الخادمة فإتخذت موقعها بجانب الباب تسمعه يهتف بصوت بدء يفقد ثباته :-

” لإنني يجب أن أعلم بذلك .. يجب أن أعلم بما حدث معها وكيف إنها حاولت قتل نفسها … ”

لم تتحمل صباح ما يقوله وهي التي تجاهد لإبعاد ليلى عن حياته وتفكيره كليا فهدرت بقوة قاصدة أن تجعله يتذكر حقيقة وضعهما الجديد :-

” كلا لا يجب … ليس من الضروري أن تعلم بما يحدث معها لإنها لا تعني لك شيئا … لإنها لم تعد خطيبتك … لم تعد ملكا لك بل هي ملكا لآخر .. آخر هو وحده من له الحق بكل شيء يخصها … يكفي يا نديم … استوعب حقيقة الوضع الجديد وإخرج ليلى من حياتك تماما …”

تشنجت ملامح غالية بأسى على حال أخيها وعلى قسوة الكلمات التي يسمعها من والدتها رغم إدراكها جيدا إن ما تقوله والدها هو الشيء الذي يجب أن يسمعه نديم ويلتزم به …

” ليلى كانت ستموت يا أمي … حاولت قتل نفسها … هل تدركين معنى هذا ..؟!”

سألتها بصوت بدأ يضعف قليلا فردت بنبرة صادقة :-

“أنا حزينة جدا لأجلها وكنت سأموت من قهري لو كان حدث لها شيئا لا سامح لها وسعدت كثيرا بعودتها للحياة سالمة ولكن هذا لن يغير حقيقة كلامي … إنسى ليلى يا نديم .. إنساها كي تستقيم حياتك …”

” هي فعلت ذلك بسببي … أنا حطمتها …”

خرجت منه بائسة وعذاب الضمير بدا واضحا عليه فتحدثت صباح بسرعة معترضة على ما يقوله بشدة :-

” ما هذا الهراء ..؟! ما تقوله ليس صحيحا … لا تفكر هكذا من فضلك ولا تحمل نفسك ما يفوق طاقتها .. ليلى فعلت هذا لإنها لا تطيق حياتها مع عمار … لإنها لا ترغب بالإستمرار معه فهي تزوجته مجبرة وفشلت في تقبل زيجتها منه والتعايش معه…”

إلتقت نظراتها بنظرات غالية التي أشاحت بوجهها بعيدا فعادت تنظر الى ملامح ولدها التي يسيطر عليها الوجع لتضيف بلهجة جادة :-

” يكفي يا نديم .. يكفي تعذيبا لنفسك .. لا تفعل بنفسك هذا يا بني … ارجوك …”

تأملها بعينين تائهتين وكلماتها زادت من تشويشه فلا يعرف إذا ما كان يصدق كلماتها ويسير على نهجها أم يلجأ لتفكيره المختلف والذي يخبره إنه المتسبب بمحاولة إنتحارها وإنه قسى عليها كثيرا في آخر مقابلة بينهما ..!!

هز رأسه بتعب يحاول نفض كافة الأفكار عنه ليجد والدته ترجوه :-

” اسمع كلامي يا بني .. أنا أريد مصلحتك يا حبيبي …”

منحها نظرة يائسة معذبة وهو يشعر إن لا خلاص له من كل هذه الأشياء المحيطة به ثم ترجل بخطواته خارجا من الغرفة مارا بجوار غالية دون أن يحييها حتى …

تقدمت غالية نحو والدته تهمس بصوت حزين :-

” ماذا سيحدث الآن ..؟! أنا خائفة حقا ..”

جلست صباح على كرسيها تهتف بوهن :-

” لا أعلم يا غالية … لا أعلم حقا ماذا سيحدث …”

” نحن يجب أن نفعل شيئا ..؟! انا خائفة على نديم وخائفة على ليلى أيضا … ”

رفعت صباح نظراتها القلقة هي الأخرى نحوها لتخبرها بعد لحظات :-

” اذهبي الى المشفى يا غالية وابقي بجانب ليلى فإذا حاول نديم زيارتها سوف تمنعينه أنتِ … لا أريد أن تحدث أي مشكلة بينه وبين ذلك النذل ولا أريد أي تواصل يجمعه بليلى … هل فهمت …؟!”

أومأت غالية برأسها ونهضت من مكانها بسرعة مقررة الذهاب الى المشفى والحرص على مراقبة الوضع خوفا من تهور نديم وقدومه لزيارة ليلى بينما رفعت صباح وجهها نحو الأعلى تدعو ربها أن يمر هذا الوضع على خير وتنتهي هذه الفترة الصعبة بأقرب وقت ..

…………………………………………………………….

خرج من الفيلا متشنج الأعصاب تماما يشعر بالإختناق الشديد والرغبة في الصراخ مرارا بأعلى صوت ممكن …

كل شيء من حوله يخنقه دون رحمة ويحرق روحه بنيران صارمة مخيفة لا نهاية لها …

لمَ عليه أن يمر بكل هذا ولمَ يعاني هو دونا عن غيره بهذا الشكل …؟!

هل كُتِب عليه الشقاء بعدما إعتاد رفاهية العيش منذ ولادته ..؟! هو الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقولون حيث عاش بأفضل شكل والرفاهية تحيطه من جميع النواحي … هو مدلل والديه المميز بين أقرانه في كل شيء فقد منحه الله الوسامة والذكاء والواجهة الإجتماعية والشخصية الجذابة المنمقة ..

وفجأة حدث ما أفقده كل هذا فبات ضائعا منهكا يستجدي الراحة بأي طريقة ممكنة …

وقف في منتصف الشارع يرفع بصره نحو السماء التي أظلمت تماما فلا تضيئها سوى بضعة نجوم لامعة …

تأمل تلك النجوم بقنوط يتمنى لو يصبح مكانها حيث يسمو بنفسه بعيدا عن كل هذا الخراب الذي يحيطه …

أخفض بصره مجددا معتصرا قبضتي يديه بقوة وحقيقة إن الخلاص من كل هذا مستحيلا بدت له قاتلة …

سار بخطواته المتخاذلة نحو سيارته حيث ركبها وقادها متجها الى شقته كالعادة فلا مكان آخر يذهب إليه ولا يوجد شخص يمكن أن يشاركه عذابه الأبدي …

……………………………………………………….

في المشفى …

اتجه أكرم نحو مريم مبتعدا عن عمه وزوجته اللذين يجلسان أمام غرفة العناية ينتظران خروج ليلى من هناك بلهفة …

وقف بجانبها يسألها بضيق :-

” ماذا لو جاء نديم الآن ..؟! ماذا لو تهور وفعلها ..؟! ماذا سيحدث …؟!”

ردت ببرود :-

” ليته يفعلها حقا …”

عاد يسألها بضيق أكبر :-

” وماذا لو جاء عمار في نفس وقت مجيئك وتقاتلا هنا ..؟!”

نظرت إليه تجيب بتمني وقد أعجبتها الفكرة :-

” ليت هذا يحدث حقا … ليتهما يتشاجرا حتى يقتل أحدهما الآخر ونرتاح من كل هذا …”

صاح أكرم مستنكرا ما تقوله :-

” حسنا أفهم سبب كرهك الشديد لعمار ولكن ماذا عن نديم ..؟! مالذي فعله الرجل لكِ كي تكرهيه هكذا ..؟! ألا يكفيه ما مر به ..؟!”

” ومالذي فعلته ليلى لتستحق كل هذا …؟! هي تدفع ثمن تضحيتها لأجله … هو السبب في كل شيء .. انا لا أكرهه أبدا بل كنت متعاطفة معه كثيرا لكن تعاطفي هذا لن يكون على حساب أختي يا أكرم ..”

كانت تتحدث بقوة وثبات وهي تفكر إن لا أحد يفهمها مثلما لا أحد يدرك حجم معاناة ليلى بسبب نديم ..

سألها أكرم بصوت جاد مستغربا حديثها :-

” لكن ليلى هي من تخلت عنه يا مريم .. لمَ تلقين اللوم عليه لا أفهم ..؟!”

سكتت ولم تجيبه بينما أصر هو على سؤاله :-

” لماذا تصرين على إلقاء اللوم كاملا عليه وكأن ليلى لم تختر طريقها بنفسها ..؟!”

أرادت أن تخبره الحقيقة لكن قلقها من ردة فعل ليلى إذا ما كشفت سرها جعلتها تتراجع عن ذلك فهي لم يسبق لها أن تحدثت معها بشأن هذا الموضوع وضرورة كشفه للجميع …

نعم هي وعدت نفسها بكشف كل شيء لنديم خاصة في أقرب وقتها لكن عليها التريث قليلا وعدم الإستعجال خاصة بسبب وضع أختها المزري ..

وجدت غالية تتقدم نحوهم فشعرت بالراحة وهي تتحرك بعيدا عنه ترحب بها مستغلة قدومها للهرب منه لتسألها غالية :-

” متى ستخرج ليلى من غرفة العناية يا مريم ..؟!”

أجابت مريم بجدية :-

” من المفترض أن تخرج بعد أقل من ساعة الى غرفة عادية …”

” هل دخل أحدكم إليها …؟!”

هزت مريم رأسها نفيا وهي تجيبها :-

” كلا لم يدخل أحدا …”

هتفت غالية بنبرة جادة رغم هدوئها :-

” نديم علم بما حدث يا مريم …”

أضافت تسألها بترقب :-

“من أخبره بذلك ..؟!”

أجابت مريم بصوت عادي :-

” انا من إتصلت به وأخبرته …”

اتسعت عينا غالية قليلا وهي تردد بدهشة :-

” أنتِ من إتصلتِ به يا مريم ..!!”

قاطعتها مريم ببرود :-

” هل يوجد مانع يا غالية ..؟!”

هتفت غالية بصوت خرج مشحونا قليلا :-

” لماذا يا مريم …؟! لم يكن عليكِ فعل ذلك … ماذا لو تهور وجاء إلى هنا…؟! ماذا لو إلتقى بعمار ..؟! كيف تفعلين هذا يا مريم …؟؟”

ردت مريم بقوة وحدة :-

” أنا لم أفعل شيئا خاطئا يا غالية وأخوكِ إذا كان رجلا بحق سيأتي ويراها ويطمئن عليها لأجل العشرة الطويلة التي بينهما على الأقل ..”

نظرت غالية إليها تردد بعدم تصديق :-

” تصرفك بأكمله خاطئ يا مريم … أنت تثيرين المشاكل بتصرفك هذا ..”

هدرت مريم ساخرة :-

” لا يجب أن أثير المشاكل بين أخويكِ المصونين وهما فالأساس يتقاتلان منذ أن كانا طفلين صغيرين ولكن طبيعي جدا أن تعاني أختي لسنوات مع أخيك الكبير الحقير لأجل أخيك الأصغر .. من الطبيعي أن تنتحر لأجل أخيك المصون لكن ليس من الصحيح أن يتشاجر حضرة جنابه مع عمار وتحدث مشكلة بينهما …”

امتعضت ملامح غالية وهي تهتف بإستياء :-

” لم أكن أتصور يوما إنكِ بهذا الكم من التفاهة وقلة الادب …”

جحظت عينًا مريم مما سمعته فهتفت وهي تشير بإصبعها نحوها بتحذير :-

” إلزمي حدودك يا غالية وأشكري ربكِ إننا في المشفى وأختي بوضع لا يسمح لي للشجار معك ..”

قالت غالية بنبرة ساخرة :-

” ولو يا مريم .. تعالي وإضربيني هيا ، ماذا تنتظرين …؟! ”

ثم تأملتها من رأسها حتى أخمص قدميها بنظرة هازئة مقصودة قبل أن تشمخ برأسها وهي تتحرك خارج المكان متجاهلة وجود الباقية مقررة العودة من حيث أتت فهي إن بقيت مع تلك المخبولة أكثر لن تضمن ما سيصدر منها …

………………………………………………………..

في صباح اليوم التالي ..

فتح عينيه على صوتها الرقيق حيث توقظه برفق في نفس الساعة التي حددها مساءا لإيقاظه …

إعتدل في جلسته يمسح وجهه بكفيه ثم ينهض من فوق سريره متجها الى الحمام بخطوات بطيئة …

خرج بعد مدة وهو يلف المنشفة حول خصره ويجفف شعره بالأخرى عندما وقفت بوسي بجواره وهو يمسك المشط ويسرح شعره الغزير تسأله بإهتمام :-

” ألن تخبرني ما يحدث معك ..؟! منذ أن أتيت مساء البارحة وأنت ملتزم الصمت التام وملامحك تنطق بالكثير…”

رد بصوت مقتضب :-

” أخبرتك إنه لدي مشاكل في العمل … لا تستمري في إلحاحك الممل يا بوسي …”

زمت شفتيها بعبوس بينما اتجه هو نحو الخزانة يخرج ملابس الخروج له …

رن هاتفه الموضوع على الطاولة جانب السرير فإتجهت إليه مسرعة بفضول شديد لمعرفة هوية المتصل في هذا الصباح الباكر ..

” جيلان …”

نطقتها بغضب مكتوم وهي تفكر في هوية جيلان تلك والتي بالتأكيد ستكون صديقته الجديدة …

تخصرت تسأله بنبرة مستاءة وهي ممسكة بالهاتف :-

” من جيلان تلك يا عمار …؟!”

اتجه نحوها وهو يغلق أزرار قميصه ليسحب الهاتف من يدها بعدما إنتهى مما يفعله ثم رد بصرامة :-

” هذا ليس من شأنك يا بوسي …”

ثم ضغط على زر الإجابة بعدما عاودت الإتصال به مجددا ليأتيه صوت جيلان تهتف به :-

” عمار !! كيف حالك ..؟!”

ردت بفتور :-

” اهلا جيلان … ماذا هناك ..؟!”

ردت تخفي ضيقها وألمها من تجاهله وبروده معها :-

” أتصل بك لأخبرك إنني أريد الذهاب الى منزل عمي حيث أرغب بقضاء بعض الوقت مع أبناء عمومي ..”

” من صاحب هذا الإقتراح يا جيلان ..؟!”

سألها بهدوء مريب لترد بصدق :-

” هم من إتصلوا بي ودعوني عندهم …”

هتف بصوت جاد قوي :-

” أخبريهم أن يأتو هم عندك فأنتِ لن تذهبي الى هناك …”

” لماذا ..؟!”

سألته بصوت حزين وقد ترقرقت الدموع داخل عينيها ليجيب بحزم منهيا الحوار :-

” لا تسألي كثيرا .. إذا كانوا يريدون رؤيتك فليأتوا هم لزيارتك في منزلك وبإمكانهم البقاء عندك عدة أيام أيضا …”

أغلق الهاتف في وجهها ثم اتجه يحمل سترته وخرج من الغرفة تاركا بوسي تتطلع في آثره وعقلها يحاول ترجمة حديثه مع تلك الفتاة التي يقتلها فضولها لمعرفة هويتها …

جحظت عيناها بعد لحظات وهي تفكر إنها من الممكن أن تكون زوجته الجديدة ولكن هل يفعلها عمار ويتزوج ..؟! وإن فعلها وتزوج مجددا فلمَ لم يتزوجها هي كونها معه منذ سنوات وأولى من الأخريات به ..؟!

…………………………………………………………

جلست مريم على الكرسي بجانب السرير تنظر الى ليلى الشاردة منذ إستيقاظها مساء البارحة حيث إستقبلت لهفتهم عليها وأسئلتهم عن حالها بأجوبة خافتة مختصرة لا توحي بشيء …

هتفت تسألها :-

” هل تحتاجين شيئا يا ليلى ..؟!”

هزت رأسها نفيا دون رد لتعاود سؤالها :-

” لماذا لا تقولين شيئا ..؟! صمتك هذا يقلقني للغاية ..؟!”

همست بصوت مبحوح مرهق :-

” لا رغبة لي بالحديث مع أي أحد يا ليلى …”

زفرت مريم أنفاسها ثم قالت بتردد :-

” لماذا فعلتِ هذا يا ليلى …؟! ”

أضافت بحاجبين معقودة ونبرة خرجت متوعدة :-

” هل أذاكِ ذلك الحقير مجددا …؟! مالذي فعله بكِ وجعلك تطعنين نفسك …؟!”

نطقت ليلى بصعوبة :-

” أرجوكي لا أرغب بتذكر أي شيء مما حدث … ”

هتفت ليلى بإستسلام :-

” حسنا ، كما تشائين …”

نهضت مريم تهم بالخروج من الغرفة عندما فُتحت الباب ودلف عمار الى الداخل لتتسع عيناها بعدم تصديق من مجيئه فتهتف وهي تتقدم نحوه بتوعد :-

” ماذا تفعل هنا أيها …”

لكن صوت ليلى الضعيف قاطعها :-

” اتركيه يا مريم …”

إلتفتت مريم نحو أختها تحدق بها بذهول بينما حاولت ليلى الإعتدال في جلستها لكنها عجزت عن ذلك فأشارت الى مريم :-

” تعالي وساعديني كي أجلس …”

تقدمت مريم منها وساعدتها في الجلوس بعدما تحاملت ليلى على ألم جرحها وجلست بوضعية معتدلة بصعوبة شديدة …

أشارت الى مريم مجددا :-

” اتركينا لوحدنا يا مريم …”

نظرت مريم لا إراديا نحو عمار ثم عادت تنظر إليها تخبرها برفض :-

“لن أفعل .. لن أتركك لوحدكِ معه وأنا لا أضمن ما يمكن أن يفعله بكِ..”

تنهدت ليلى بصعوبة فزاد ذلك من وجعها للحظات لتعاود الحديث مجددا :-

” اتركينا من فضلك يا مريم ولا تجادليني كثيرا .. وضعي لا يسمح بالجدال معك …”

إضطرت مريم الى الخروج أمام إصرار أختها الشديد ليتقدم عمار نحو ليلى ويقف بجانبها يهتف :-

” الحمد لله على سلامتك عزيزتي …”

حدقت به بنظرات شديدة الحقد ثم سألته :-

” لماذا جئت يا عمار ..؟! مالذي تريده مني بعد كل ما فعلته ..؟! ألم تكتفِ بعد ..؟!”

رفع حاجبه مرددا :-

” ومالذي فعلته أنا يا زوجتي …؟! طالبت بحقوقي الزوجية ..؟! طالبت بأبسط حقوقي عليكِ .. ”

إبتسمت بتهكم رغم ألمها وضعفها وردت :-

” حقوقك ..؟! أية حقوق بالضبط …؟! تتحدث عن حقوقك يا عمار وأنت لم تكتفِ بحقوقك فقط بل سرقت حقوق غيرك أيضا …”

أضافت وعينيها تلمعان بقسوة مريرة :-

” إتخذتني قربانا لتحقيق إنتقامك الحقير… جعلتني أعايش العذاب لسنوات … تحطم كل شيء داخلي … أصبحت حطام إمرأة … بعد كل هذا وتطالبني بحقوقك وأنت جعلتني أطعن نفسي بكل تجبر فقط كي أتخلص من حياة أنت موجود فيها …”

إشتعلت نيران القوة داخل عينيها ولأول مرة تشعر إنها عادت لسابق عهدها … ليلى القوية الواثقة… عادت حيثما كانت وكأنها ولدت من رحم الموت الذي كاد يخطفها قبل يوم من جديد ..

” لكن كل هذا إنتهى يا عمار … لم يعد بإمكانك تعذيبي أكثر … لن تستطيع إيلامي مجددا لإنني سأتطلق منك يا عمار .. ”

قالتها بصوت قوي ثابت كثبات ملامحها وثقتها وهي تتحدث …

وجدته ينظر إليها بجمود للحظات قبل أن ترتسم إبتسامة واسعة على شفتيه …

إبتسامة لم تطل كثيرا وهو يكشر عن نظرات حادة قاسية ولسانه يخاطبها بتحدي :-

” لن يحدث هذا سوى في أحلامك يا ليلى … لن أطلقك حتى أريد أنا ذلك …”

وهي تتحداه بدورها :-

” سأتطلق يا عمار .. سأتحرر منك حتى لو كان آخر يوم في عمري …”

إستهزء بها قائلا :-

” لقد أصبح لديك مخالب تقاتلين بها يا ليلى ..”

منحته نظرة كارهة وهي ترد بإشمئزاز :-

” أنت لمَ ترَ شيئا بعدا .. من الآن فصاعدا توجد ليلى جديدة تختلف تماما عن تلك التي اعتدت عليها ….”

اقترب منها قليلا ثم هتف وهو يقرص أنفها بخفة :-

” يفرحني هذا كثيرا حيث سيجعل اللعبة أكثر متعة يا لولا …”

أبعدت وجهها بعيدا عنه بنفور بينما إنطلقت ضحكاته الصاخبة عاليا ليتراجع الى الخلف خارجا من المكان وصدى ضحكاته الحقيرة ما زال يتردد داخل أذنها ..

………………………………………………….

خرجت غالية من غرفتها بملامح شديدة الوجوم فهي منذ الصباح تحاول الإتصال بأخيها لكن هاتفه مغلق …

تضاعف شعور القلق داخلها بسبب عدم قدرتها على التواصل معه ففكرت في الذهاب إليه بعد الظهر للإطمئنان عليه …

هبطت درجات السلم متجهة الى صالة الجلوس عندما قابلت لطيفة وهي كبيرة الخدم في الفيلا التي إستقبلتها بإبتسامة واسعة :-

” مساء الخير غاليتنا … لم تستيقظي مبكرا كعادتك …”

بادلتها غالية إبتسامتها وهي ترد :-

” مساء الورد خالتي لطيفة … لقد تأخرت في السهرة البارحة … ”

سألتها لطيفة بإهتمام :-

” هل أعد لك طعام الإفطار ..؟!”

” أي أفطار يا خالتي …؟! لقد تعدت الساعة الثانية عشر ظهرا .. سأنتظر حتى الغداء ..”

قالتها غالية بجدية ثم سألتها عن والدتها :-

” هل ماما في صالة الجلوس …؟!”

أومأت لطيفة برأسها وهي تجيب :-

” نعم ومعها السيدة رحاب زوجة عمك ..”

أومأت غالية برأسها ثم هتفت وهي تتجه إليهما :-

” سأذهب لألقي التحية إذا ..”

تقدمت غالية من صالة الجلوس حيث رحبت بزوجة عمها قبل أن تجلس بجانب والدتها تسمع زوجة عمها تسألها عن أحوالها فترد عليها وهي ما زالت تحتفظ بإبتسامتها …

عادت زوجة عمها تسأل والدتها عن نديم وأحوالها لتخبرها صباح ببعض ما حدث متغاضية عن بعض الأمور الخاصة ..

هتفت رحاب بشفقة على حال صباح ووضعها القلق على إبنها :-

” كان الله في عونك يا صباح … ما مر به ابنك ليس هينا والقادم لا يقل صعوبة عما مضى …”

تنهدت صباح وردت :-

” لا أعلم ماذا أفعل ..؟! الفيلا وتركها ووضعه مزري … أحاول مساندته لكنني أشعر إنني عاجزة عن فعل أي شيء ..”

سألت رحاب بإهتمام :-

” الى متى سيبقى الوضع هكذا …؟! كان من المفترض أن يبقى هنا معكِ ومع أخته في نفس المكان .. على الأقل لا يشعر بالوحدة وعدم الانتماء …”

” كيف سيبقى هنا بوجود عمار وليلى يا رحاب …؟! أخبريني …”

قالتها صباح بحنق وهي تلعن عمار في داخلها لتؤيدها رحاب :-

” معك حق يا صباح .. وجوده معهما في نفس المكان خطأ كبير .. لكن الى متى …؟! نديم يجب أن يتجاوز ماضيه مع ليلى … يجب أن يمحيها من حياته تماما ويبدأ من جديد … تجنب رؤيتها هي وعمار ليس حلا أبدا .. عمار يبقى أخيه وليلى مهما حدث ستظل ابنة خالته … ”

” وما الحل برأيك يا رحاب …؟!”

سألتها صباح بقهر وهي تدرك إن رحاب معها كل الحق فيما تقوله لتجيب رحاب بجدية :-

” يجب على نديم تقبل هذه الحقيقة والأهم إن عليه أن يسارع للحصول على بداية جديدة … ”

صمتت قليلا ثم قالت بعدها :-

” لمَ لا تفكري بتزويجه يا صباح ..؟!”

نظرت إليها صباح بدهشة بينما هتفت غالية بلا وعي :-

” تزويجه ..؟! هل تمزحين يا خالتي …؟!”

ردت رحاب توضح وجهة نظرها :-

” ولم سأمزح يا ابنتي …؟! انا أتحدث بجدية تامة .. أخوكِ وحيد تماما ويحتاج الى من تؤنسه وحدته وتخفف عليه ما يمر به … ربما دخول إمرأة جديدة حياته يجعله ينسى ليلى تدريجيا … إمرأة تخفف عليه معاناته وتنسيه حبه القديم … ”

إسترلست في حديثها :-

” ألا تتذكرين منير ابن أختي يا صباح …؟! كاد أن يجن بعد وفاة زوجته .. كان مرتبطا بها بسنوات قبل زواجهما ويجمعه بها قصة حب طويلة … عندما رأت والدته حاله وما أصبح عليه سارعت لتزويجه ورغم رفضه الشديد وموافقته مرغما تعايش مع مرور الوقت مع زوجته الجديدة وتقبلها بل بدأ يستعيد نفسه تدريجيا وها هو الآن ماشاءالله سعيد في حياته معها وقد أنجب منها طفلين … ”

نظرت إليها صباح بتفكير لكن غالية نطقت بضيق :-

” يا خالتي ، منذ متى والزواج كان حلا ..؟! هل سنجلب عروسا له ونجبره على الزواج منها عل وعسى تنسيه ماضيه … ومن يضمن إنها ستفعل ذلك وتنسيه الماضي …؟! من يضمن إنها ستكون جيدة معه من الأساس …؟! برأيي إذا كان هناك شيئا يساعد نديم في التعايش وتجاوز ما حدث فسيكون العمل …أليس كذلك يا أمي ..؟!”

نظرت صباح الى غالية دون رد بينما هتفت رحاب بإصرار :-

” أنتِ مخطئة يا غالية .. دعينا نتحدث في المنطق .. شاب في وضع أخيكِ .. وحيد يائس يرفض حتى التعاطي مع أي أحد حيث يكتفي بوحدته وبعده عن الجميع … شاب في مثل وضعه سيزيده العمل إنغلاقا على نفسه … انا لم أقل إن العمل ليس مهما .. بالطبع كلا .. دخوله مجال العمل من جديد سيخفف عنه الكثير ولكن دخول إمرأة في حياته تحبه وترعاه سيخفف من قسوة حياته … الرجل في العادة يحتاج الى وجود إمرأة في حياته تشاركه ما يعيشه وتبدد وحدته فكيف إذا كان بوضع أخيكِ… ؟!”

نظرت غالية إليها بعدم إقتناع بينما تأملت رحاب صباح ويبدو إنها تفكر في حديثها بشكل جدي..

إبتسمت رحاب داخلها وهي تتذكر نانسي صديقة ابنتها والتي تعرف بحبها الشديد لنديم منذ سنوات حيث جائتها تخبرها إنها ما زالت تحبه وتتمنى أي طريقة مناسبة لقربه ثم طلبت منها بتردد وخجل أن تلقي هذا الحديث على مسامع والدته بعدما تسألها عن أحوالها ولم تمانع هي بدورها خاصة إن الفتاة تحبه بصدق ودخولها حياة نديم ربما يساعده حقا ..

هتفت رحاب أخيرا :-

” ماذا قلتِ يا صباح …؟!”

هتفت صباح بجدية :-

” في الحقيقة أعجبني كلامك حقا يا رحاب ولكن الأمر صعبا للغاية … نديم لن يقبل أبدا إضافة الى صعوبة إيجاد الفتاة المناسبة له …”

قاطعتها رحاب بسرعة :-

” الفتاة موجوده يا صباح … أما عن نديم فأنتِ تستطعين إقناعه حتى لو إضطررتِ لإجباره بالقوة وتهديده بمقاطعته …”

نظرت إليها غالية بعدم تصديق بينما سألتها صباح :-

” ومن تلك الفتاة الموجوده يا رحاب ..؟!”

هتفت رحاب بإبتسامة واسعة :-

” نانسي مختار … إبنة ألفت صديقتنا …”

” مستحيل …”

قالتها غالية بصوت عالي قليلا ثم أضافت أمام نظراتهما المندهشة :-

” نانسي بالذات مستحيل …نديم لن يقبل بها مهما حدث ..”

” لماذا ..؟! الفتاة تحبه حقا …”

قالتها رحاب بأسى بينما هتفت صباح بجدية :-

” حتى لو كانت تحبه يا رحاب … ماذا عن ألفت ..؟! هل ستوافق على نديم بوضعه الحالي ..؟!”

هدرت ليلى بإنفعال :-

” مالذي تقولينه يا ماما … تتحدثين وكأنكِ تنوين حقا خطبتها ..”

أشارت اليها صباح بحزم :-

” اصمتي انتِ الآن يا غالية …”

ثم عادت تسأل رحاب :-

” هل ستوافق ألفت على إبني يا رحاب ..؟!”

ردت رحاب :-

” ستوافق حتى لو مضطرة … نانسي تعشق نديم ولن ترفضه مهما حدث .. ”

” نانسي لا تناسب نديم ..”

قالتها غالية بصوت جاد قوي لترد صباح بجدية :-

” لمَ لا تناسبه يا غالية …؟! الفتاة جميلة وابنة عائلة معروفة وألف شاب يتمناها .. تناسبنا تماما وتعشق أخيكِ وهذا يجعلها تقف معه دائما وتسعى دوما لإسعاده وهذا أكثر ما يحتاجه نديم الآن …”

” هذا مستحيل ماما … تلك الفتاة لا تناسبه … اسمعي كلامي …”

نظرت إليها رحاب بضيق بينما لم تهتم صباح لحديثها وهي تعاود التحدث مع رحاب تستفسر منها عن المزيد لتنهض غالية من مكانها بضيق وتندفع خارجة من المكان وهي تتمتم ببعض الكلمات الغير راضية ..

…………………………………………………………….

وقف أمام المرآة يتأمل ملامحه الجامدة بصمت تام وفي داخل رأسه ضجيج لا ينتهي …

منذ البارحة ولم يستطع النوم وملايين الأفكار تتصادم داخل رأسه …

لا يعلم بما عليه أن يفكر وعلامَ يحزن ..؟!

يشعر بالحيرة مما يجب أن يفعله ..

هل يذهب إليها …؟! أم يتجاهل ما عرفه ..؟!

هل يسير وراء قلبه الذي يحثه على الذهاب إليها والإطمئنان على وضعها أم يلتزم بحديث عقله الذي يخبره بأن ذهابه خطأ كبير سيزيد الوضع سوءا …

وأمام معركة القلب والعقل وقف هو عاجزا لا يعرف ماذا يفعل …

هل يقسو عليها ويقسو على نفسه قبلها ولا يذهب …؟!

هو يعلم إنها تنتظره وتأمل قدومه …

يدرك ذلك جيدا دون أن تخبره هي أو أي أحد …

أغمض عينيه للحظات قليلة ثم فتحها عاقدا العزم على الذهاب إليها ورؤيتها وليحدث ما يحدث بعدها …

ارتدى ملابسه واتجه الى المشفى حيث وصل الى هناك بعد مدة وهبط من السيارة متجها الى الداخل ..

سأل موظفة الإستعلامات عن مكان غرفتها ليذهب إليها منهيا أي تردد داخله …

سار داخل الممر الذي توجد به الغرفة وهو يتمنى ألا يرى أحدا …

وقف أمام باب الغرفة يحاول السيطرة على أنفاسه المضطربة حيث طرق على الباب بخفة لتخرج إليه مريم بعد لحظات وقد بقيت معها الليلة …

ورغما عن كل شيء شعرت مريم بالسعادة من قدومه وهي تعلم مدى تأثير ذلك على نفسية أختها …

فسحت له المجال الدخول دون أن تنطق بكلمة واحدة فتقدم هو الى الداخل وأغلقت هي الباب خلفه ..

إلتفتت ليلى اتجاهه لا إراديا ما إن سمعت صوت إغلاق الباب لتتطلع إليه بعدم تصديق من وجوده أمامها …

لقاءا جديدا يجمعهما …

لقاء حلمت به طويلا ولو كانت تعلم إن محاولتها قتل نفسها ستجلبه إليها لكانت فعلتها منذ زمن …

” نديم ..”

همستها بشوق وهي تتأمل ملامحه الهادئة ونظراته المليئة بالقلق خاصة بعدما رأى ذلك الشحوب الشديد المسيطر على وجهها والضعف المحيط بها من جميع النواحي …

وقف بجانبها وهو لا يعلم بعد إذا كان قدومه إليها تصرفا صحيحا لكن لم يستطع تجاوز ما علمه وتجاهل حقيقة وجودها في المشفى حيث كانت تصارع الموت في الليلة السابقة وربما كانت سترحل الى الأبد من هذا العالم لذا وجد نفسه يذهب إليها رغم محاولات والدته المستميتة لمنعه ..

نظر إلى يدها التي إمتدت نحو كفه تقبض عليه برفق رغم ضعفها الواضح ..

لمست كفه وفي داخلها خوفا شديدا من أن يعترض ويبعد يده عن يدها المتشبثة به كغريق وجد أخيرا طوق نجاته …

لكنه لم يفعل ذلك بل رفع يده فوق يدها المتشبثة بها وأخذ يربت عليها برفق لتنتشر الفرحة في قلبها بسعادة لا إرادية وهي تفكر إنه ما زال الأمل موجود … ما زال يحبها … ما زال يخشى عليها والدليل وجوده هنا عندها …

تأمل نديم نظراتها الدامعة المتلهفة ليهتف بصوت هادئ بعدما سحب يده من فوق يدها أخيرا :-

” كيف حالك يا ليلى …؟!

أجابت بصوت مبحوح ودموعها أغرقت وجنتيها :-

” انا بخير … بخير طالما أنت هنا بجانبي ..”

لم يعرف ماذا يفعل وهو يرى دموعها أمامه فحاول أن يزيلها وهو يمد أنامله نحوها لكن أنامله توقفت في منتصف الطريق معلقة لا تستطيع التقدم أكثر ..

قبض على كفيه وهو يهمس بصوت خافت مترجي :-

” امسحي دموعك يا ليلى .. ”

ثم انتبه الى علبة المناديل جانبه فسحب العديد منها وأعطاها لها لتأخذها وهي تكفكف دموعها ..

توقفت عما تفعله حيث وضعت المناديل جانبا وعادت تمسك يده وكأنها تخشى رحيله تتشبث به قائلة بلهفة :-

” اجلس يا نديم … اجلس من فضلك …”

جلس على الكرسي جانبها ويده ما زالت في قبضة يدها ليتأمل الإثنان بعضيهما بصمت والشوق داخلهما تضاعف تدريجيا …

سيطر نديم على مشاعره بسرعة وهو يبعد يده عن يدها بتمهل ويخاطبها قائلا :-

” لماذا حاولتِ الإنتحار يا ليلى ..؟! لماذا فعلتِ بنفسكِ هكذا ..؟!”

ترقرقت الدموع داخل عينيها من جديد وهي تردد بألم وضعف :-

” لإنني خسرت كل شيء … خسرتك يا نديم وخسرت نفسي … شعرت إن وجودي في الحياة لم يعد له داعي… وجودي لم يجلب لي سوى العذاب …”

” هذا كله ليس سببا كي تفعلي بنفسك هذا … ”

قالها بنبرة قوية ثم أضاف مشيرا الى نفسه بقليل من التهكم :-

” ها أنا أمامك خسرتُ كل شيء بالفعل ولم يتبق لي أي مستقبل ورغم كل يأسي وعذابي لم أفكر مطلقا بالإنتحار ..”

أخفضت نظراتها بخجل بينما تنفس هو بصعوبة وقال :-

” لا تفعليها مرة أخرى يا ليلى فلا يوجد أحد يستحق أن تخسري حياتك لأجلك ..”

رفعت نظراتها الملتهبة نحوه بينما أضاف هو :-

” أتمنى ألا تكرريها حقا …؟!”

هزت رأسها نفيا تجيب بسرعة :-

” لن أكررها مهما حدث .. هل تعلم لماذا ..؟!”

سألها بترقب :-

” لماذا ..؟!”

منحته إبتسامة غريبة متأملة وهي تجيب :-

” لإن ما حدث جعلني أولد من جديد وغير داخلي الكثير … جعلني أتأكد إن القادم سيكون بإختياري أنا طالما حافظت على قوتي وصمودي في وجه كل شيءٍ يمنعني عما أريد … ”

قبضت على كفه تسترسل بقلب خافق :-

” كل شيء سيعود مثل السابق وقريبا جدا بإصراري وعزيمتي .. انا واثقة من هذا جدا … لن أيأس بعد الآن ولن أضعف مهما حدث … سأحارب بكل قوتي ليعود كل شيء كالسابق وتعود لي …”

نظر إليها بنظرات غير مستوعبة ما تتفوه به…

ود لو يخبرها بإستحالة هذا لكنه تذكر وضعها الصحي والنفسي وما تمر به لذا فضل السكوت …

ربت على كفها الممسك بكفه مجددا ثم هتف وهو ينهض من مكانه بعدما سحب كفه من أسفل كفها :-

” المهم إنكِ بخير … سأذهب الآن …”

نظرت إليه بحزن ولم تعلق ليمنحها نظرة أخيرة موجوعة على حالها وهو يقول :-

” الحمد لله على سلامتك يا ليلى …”

وخرج من المكان سريعا تلاحقه نظراتها الحزينة قبل أن تهمس لنفسها بصبر :-

” لا بأس يا ليلى … المهم إنه جاء .. جاء كي يطمأن عليك وملامحه تنطق بمدى قلقه ووجعه عليك … هذه ليست سوى البداية والقادم أفضل بكثير …”

( الجزء الثاني )

جلست حياة بملامح واجمة أمام مي التي سألتها بتوجس ما إن رأت ملامحها تلك :-

” ماذا يحدث يا حياة …؟! تبدين منزعجة للغاية … ”

أجابت حياة بضيق جلي :-

” كل شيء يسير ضدي يا مي … لا أعلم مالذي فعلته لأستحق كل هذه المعاناة …”

” هل تقصدين موضوع الدكتور ثامر …؟!”

زفرت حياة أنفاسها ثم هتفت بنبرة حزينة متعبة :-

” لا أعلم ماذا سأفعل .. من جهة والدي ووضعه ومن جهة أخرى عدم رغبتي بالموافقة ..”

قالت مي بنبرة هادئة متعقلة :-

” لا تلومي والدك يا حياة … هو معه كل الحق فيما يريده … أخبريني يا حياة … ألا تفكرين حقا بوضعكِ وما ستكونين عليه إذا فقدتِ والدك لا سامح الله .. ؟! هل ستعيشين لوحدك في منزلك الصغير في تلك الحارة الضيقة ..؟! كيف ستؤمنين على نفسك وتحميها من مصاعب الحياة الكثيرة …؟!”

ردت حياة بجدية :-

” اولا تلك الحارة الضيقة أعرف جميع من بها … الجميع فيها طيبون ويساعدون من يحتاج إليهم فورا دون تردد …أما بالنسبة لمصاعب الحياة فهذا واقع حال والمصاعب موجوده سواء تزوجت أم بقيت لوحدي ..”

أضافت بنفس الجدية :-

“ماذا لو لم يتقدم الدكتور ثامر لي ..؟! هل سأبحث عن عريس كي لا أبقى وحيدة …؟! ومن قال إن زواجي من دكتور ثامر او غيره سيمنحني الراحة والأمان …؟! ما بالكم تتحدثون جميعا وكأن وجود رجل في حياتي هو من سيحميني من كل شيء ..؟!”

ردت مي توضح لها وجهة نظرها :-

” حسنا ما تقولينه صحيح … ربما أنتِ بالفعل تستطيعين حماية نفسك بنفسك ولكن دعينا ننظر للأمر من جانب مختلف .. مثلا سبب رفضك للدكتور ثامر … أنت ترفضينه فقط لإنكِ معجبة بآخر لا يناسبك مطلقا …”

هتفت حياة معترضة :-

” لا تخلطي هذا بذاك .. ”

رددت مي تسألها بقوة :-

” هل تنكرين إن سبب رفضك لعرض الدكتور ثامر هو ذلك المدعو نديم …؟! ”

أشاحت حياة وجهها نحو الناحية الأخرى بضيق بينما قالت مي :-

” يا حياة راجعي نفسك وستجدين إن معي كل الحق فيما أقوله .. لا تربطي مصيرك بشخص لمجرد إنكِ معجبة به …”

نظرت حياة إليها تهدر بقوة :-

” من قال إنني معجبة فقط ..؟!”

سألتها مي بتردد :-

” ماذا تقصدين ..؟! هل تودين القول إنكِ تحبينه …؟! هل أحببتهِ يا حياة …؟!”

لم تجب حياة عليها بل أشاحت بوجهها مجددا نحو الناحية الأخرى لتسمع مي تقول بنبرة مستنكرة :-

” يا إلهي لا أصدق .. هل وقعتِ في حبه حقا ..؟! ”

عادت حياة تنظر إليها دون أن تنبس بحرف فتردف مي :-

” كيف حدث هذا …؟! وهل أنتِ متأكدة من مشاعرك …؟!”

أجابت حياة بهدوء وثبات :-

” الشيء الوحيد المتأكدة منه هو إنني لن أرتبط برجل وقلبي مع غيره …”

ثم حملت حقيبتها وخرجت من المكان دون أن تنتظر ردا …

سارت في الشوارع المؤدية الى المشفى وعقلها شاردا يفكر بمشاعرها التي تأكدت منها وما ستفعله بعد ذلك

..

تفكر وتفكر دون أن تصل الى أي نتيجة ..

وصلت الى المشفى أخيرا فصعدت الى غرفة والدها حيث إطمأنت عليه وجلست جواره لمدة قبل أن تسمع صوت طرقات على باب الغرفة …

نهضت من مكانها واتجهت نحو الباب لتفتحها …

فتحت الباب لتتفاجئ بشابة جميلة تقف أمامها تحمل باقة ورد وتبتسم بخجل واضح …

نظرت حياة الى الفتاة بإستغراب قبل أن تهتف بها :-

” اهلا .. تفضلي …”

إبتسمت الفتاة وهي تحييها :-

” مرحبا حياة .. كيف حالك …؟!”

ثم أضافت اعرف عن نفسها :-

” انا حنين … أختك …”

تجمدت حياة لثواني ما إن سمعت ما نطقت به الفتاة قبل أن تنطق أخيرا بصوت خرج مبحوحا :-

” حنين ..!!”

أومأت حياة برأسها وهي تمد يدها لها :-

” نعم حنين أختك … ”

ثم همست بحرج وهي تتأمل جمودها أمامها :-

” ألن تقولي شيئا ..؟! تدخليني الى الغرفة …”

نظرت حياة خلفها لا إراديا فوجدت والدها نائما ..

جذبتها الى الخارج وهي تغلق الباب خلفها ثم قالت بجدية :-

” لا يمكنك الدخول .. أعتذر ولكن والدي نائم و …”

قاطعتها حنين بإبتسامة هادئة :-

” لا عليكِ … انا فقط جئت لرؤيتك والتعرف عليك والإطمئنان على والدك أيضا …”

ثم مدت يدها لها بالباقة وهي تقول بلباقة :-

” تفضلي .. اتمنى لوالدك الشفاء العاجل والخروج من المشفى في أقرب وقت ..”

شعرت حياة بالحرج منها ومن لطافتها معها رغم جمودها الواضح ما إن عرفت هويتها فرسمت إبتسامة خافتة لا تخلو من التصنع وهي تتناول الباقة منها وتشكرها :-

” أشكرك يا حنين … ”

قالت حنين بنبرة صادقة :-

” أنا سعيدة للغاية لإنني إستطعت رؤيتكِ أخيرا … كنت أود التعرف عليكِ منذ سنوات طويلة … ”

أضافت وهي تبتسم بسعادة :-

” لا تصدقين مدى سعادتي برؤيتك أخيرا … أنتِ حقا جميلة وأجمل من الصور بكثير .. ”

إسترسلت دون إنقطاع غير منتبهة بملامح حياة الباهتة :-

” كان من المفترض أن نلتقي منذ أعوام .. ربما منذ يوم ولادتي … لكن لا بأس .. المهم إننا إلتقينا …”

إبتلعت حياة ريقها وقالت أخيرا :-

” أنا لا أعرف ماذا يجب أن أقول …؟؟”

قاطعتها حنين بسرعة :-

” لا تقولي شيئا .. يعني ليس مهما بعد الآن سوى إننا إلتقينا أخيرا … وأتمنى أن نتعرف على بعضنا جيدا ونقترب من بعضنا فنحن في النهاية ومهما حدث سنظل أختين وحيدتين نحتاج لبعضنا … أليس كذلك ..؟!”

لم تعرف حياة بمَ تجيب ولكنها بالطبع لن تحرج تلك الفتاة التي تتأملها بفرحة صادقة لا شك فيها ويبدو إنها كلها أمل ببناء علاقة وطيدة مع أختها الوحيدة …

هزت حياة رأسها وهي تبتسم بخفة :-

” بالطبع يا حنين …”

ضحكت حنين وقالت بعفوية :-

” جيد .. وبهذه المناسبة هل تسمحين لي بدعوتك لنتناول طعام العشاء في أي مطعم قريب منها …؟! ”

نظرت حياة إليها بتردد ثم قالت تعتذر عن القبول :-

” أعتذر حقا يا حنين ولكن … ”

صمتت للحظة ثم قالت تبرر رفضها :-

” ربما يستيقظ والدي ولا يجدني بجانبه …”

” حسنا .. ماذا عن الغد ..؟! ألا يمكننا تناول الغداء سويا ؟؟”

شعرت حياة بتأنيب الضمير تجاهها خاصة عندما وجدتها ترجوها قائلة :-

” ارجوكِ لا ترفضي …”

إضطرت حياة الى الموافقة حيث هزت رأسها موافقة لتقفز حنين بسعادة قبل أن تهتف وهي تقبض على كفها الغير ممسك بالباقة :-

” رائع … إذا سأمر عليكِ غدا في حدود الساعة الواحدة ظهرا كي نذهب سويا الى المطعم .. جيد ..؟!”

أجابت حياة بخفوت :-

” جيد يا حنين …”

إبتسمت حنين بحبور ثم ودعتها بعدما أكدت عليها موعد الغد ورحلت لتبقى حياة وحدها تنظر الى الباقة في يدها بضياع …

هذا ما لم يكن في الحسبان …

تنهدت بقلة حيلة وهي تفكر إن الفتاة لا ذنب لها بأفعال والدتها لذا هي مضطرة لمعاملتها بشكل جيد فهي تبدو لطيفة وعفوية ..

حملت باقة الورد ودخلت الى الغرفة مجددا حيث جلست على السرير الإضافي ووضعت الباقة جانبها …

حملت هاتفها تعبث به دون تركيز وهي تتذكر رحيله السريع صباح اليوم وهي شبه متأكدة إن هناك شيء سيء ما حدث معه …

تمددت على ظهرها تنظر نحو السقف بصمت وهي تعاود التفكير بكل ما يحدث معها من جديد حتى غفت دون وعي منها …

………………………………………………………………

دلفت حنين الى منزلها لتجد والدتها تتقدم نحوها بسرعة ويبدو إنها كانت تنتظرها بفارغ الصبر …

إستقبلتها تسألها بلهفة وترقب :-

” ماذا حدث يا حنين..؟! أخبريني بسرعة …”

سمعت صوت والدها يهتف وهو يتقدم منهما :-

” دعيها ترتاح اولا يا أحلام وستخبرك بكل شيء …”

” مساء الخير اولا …”

قالتها حنين بخفة ثم قبضت على يد والدتها تدفعها أمامها وهي تهتف :-

” دعينا نجلس أولا وسأخبرك بكل شيء …”

ثم جلس الثلاثة في صالة الجلوس فبدأت حنين تسرد لهما ما حدث …

هتفت أحلام تسألها بسرعة ما إن أنهت حنين حديثها :-

” ستلتقيان غدا إذا …؟!”

أومأت حنين برأسها وهي تجيب :-

” نعم .. ”

أضافت بجدية :-

” هي وافقت على مضض لكن المهم إنها وافقت وهذه بداية مبشرة برأيي …”

” هل تظنين إنكِ تستطيعين جعلها تتقبلني يوما ما …؟!”

سألتها أحلام بملامح مهمومة ونبرة حزينة فألقت حنين نظرة على والدها الصامت ثم عادت تنظر الى والدتها تخبرها بثقة :-

” سأفعل … اعتمدي علي ماما .. وأعدكِ إنني لن أخذلكِ مهما حدث …”

ربتت أحلام على كفيها تبتسم لها بحب لتنهض حنين من مكانها وهي تردد بحماس :-

” غدا لدي موعد مهم لذا يجب أن أنام مبكرا كي أستعد له جيدا …تصبحان على خير …”

ثم إنطلقت الى الطابق العلوي حيث غرفتها بينما نظرت أحلام الى زوجها الذي إبتسم لها مرددا بهدوء :-

” سيتحسن كل شيء … لا تقلقي …”

بادلته إبتسامته بأخرى متأملة خيرا بما هو قادم ..

………………………………………………………………

وقف نديم في الشرفة يحمل كوب قهوته ينظر الى الظلام السائد وتفكيره منشغل بما حدث اليوم ولقائه بليلى …

ليلى التي ما زالت تؤثر به رغما عنه وهو يعرف داخله إن لا خلاص من تأثيرها هذا مهما حدث ..

هي يعلم إنها تخطط للإنفصال من عمار مثلما يعلم إنها تسعى للعودة إليه بعد الإنفصال …

لا ينكر إن داخله رغبة خفية بإعادة الماضي حيث كانت هي حبيبته وكان هو كل شيء لها لكنه يدرك إن هذا من سابع المستحيلات …

هو لن يعود إليها وهي يجب أن تدرك ذلك …

بعد كل ما حدث عودتهما باتت مستحيلة …

هو لن يتخطى تخليها عنه ، هجرانها له في ذروة أزمته …

هو لن يتخطى تلك المشاعر التي عاشها وهو يعايش زواجها من أخيه .. تخيلاته المؤلمة وعذابه الصامت وهو محبوس بين أربع جدران لا حول له ولا قوة …

تنهد بحسرة على حب لم يدم طويلا .. حب تزعزع من أول عاصفة أطاحت به … حب بات من الماضي الذي لا يرغب أن يتذكره رغم إنه ما زال يعبث بروحه وقلبه دون توقف …

إرتشف قليلا من كوب قهوته وهو يخبر نفسه إنه سيتخطاها … سيتخطى ليلى ويتخطى حبها …

نعم لن يتوقف عن حبها ربما لكنه سيتناسى وسيبدأ من جديد … سيتجاوز الماضي مجبرا لا مخيرا …

أغمض عينيه مستمتعا للحظة بنسمات الهواء الباردة قليلا والتي تلقحه بخفة …

وفجأة ظهرت صورتها أمامه وهو ما زال مغمض عينيه …

تذكرها لا إراديا بكل ما تحمله من روح حلوة وبراءة محببة …

ثمة بها شيء غريب يجذبه للتفكير به بل ورؤيتها والحديث معها …

فتح عينيه متذكرا كيف تركها ورحل بسرعة وغرابة ما إن علم ما أصاب ليلى ..

يشعر إنه تركها بطريقة غير لطيفة ولا يتذكر حتى إذا ما ودعها قبل رحيله …

نظر الى هاتفه متأملا الساعة التي تجاوزت الواحدة صباحا ليقرر رؤيتها غدا دون أن يفكر في سبب ذلك ..

سيراها فقط ، هذا ما يدركه وسيفعله …

وضع كوبه جانبا على الطاولة ثم اتجه الى الداخل مقررا النوم …

………………………………………………………

في صباح اليوم التالي …

هبط من سيارته ووقف بجانبها يتأمل الطلبة الخارجين من بوابة الجامعة منتظرا خروجها هي الأخرى بعدما علم إن آخر إمتحاناتها سيكون اليوم …

أخرج علبة سجائره من جيبه ثم سحب إحدى سيجاراته وبدأ يدخنها وينفث دخانها عاليا عندما وجدها تخرج أخيرا تسير بجانب شاب وسيم الطلعة تحمل كتبها وتبتسم له بخفة ثم تضحك بعدها ويبدو إنه يخبرها بشيء ما مثير للضحك …

نيران ضارمة ملأت صدره وهو يراها تضحك معه بهذه البساطة …

لحظات ووجد الشاب يربت على كتفها بطريقة لم تعجبه ثم تنزلق يده نحو جسدها تتحسسه بنعومة فتنتفض مريم من مكانها وتحاول دفعه بملامح هائجة …

لم ينتظر لحظة واحدة حيث رمى السيجارة على الأرضية داعسا عليها بقدمه مارا من فوقها نحويهما …

” ماذا تفعل أنت …؟!”

صدح صوته عاليا مخيفا لتلتفت مريم بسرعة نحوه فتنظر له بعينين متسعتين والخوف من حدوث فضيحة هنا سيطر عليها ..

وقف عمار أماميهما ثم في لمح البصر كان يقبض على ياقة قميصه صائحا به :-

” كيف تجرؤ أن تلمسها بيدك القذرة أيها الحقير …؟!”

بدأت الأنظار تتجه نحوهم بينما اقترب البعض منهم لتهتف مريم بلهجة ثائرة تحاول إبعاد الشاب عنه :-

” يكفي يا عمار .. لا تفتعل فضيحة لي هنا …”

ألقى عليها نظرة عابرة ثم عاد ينظر الى ملامح الشاب المتوترة فيهمس له بإبتسامة شيطانية :-

” طالما إنك جبان الى هذا الحد فلم تتصرف بما لا يناسب جبنك …؟!”

وفي لحظة كان يحرر ياقته ويقبض على ذراعه يلويها خلف ظهره …

” مالذي تفعله …؟! هل جننت ..؟!”

صرخت به وهي تحاول إنتزاع ذراع الشاب من قبضته فهدر بها :-

” عليه التعلم ألا يلمس شيئا لا يخصه مرة أخرى …”

” اتركه يا عمار … ستكسر يده … ”

قالتها بنفاذ صبر بينما عينا عمار الخضراوين إشتعلتا بنيران الغضب والتوعد ..

وفي لمح البصر كانت قبضته تضغط على يد الشاب بكل قوة تملكها لينكسر عظمه على يده وينطلق صوت صراخ الشاب عاليا من شدة الألم الذي شعر به …

شهقت برعب بينما سقط الشاب أرضا وهو يصرخ بوجع مرعب …

” ماذا فعلت ..؟! ماذا فعلت ..؟!”

رددتها بملامح غير مصدقة مذعورة قليلا لتتفاجئ به يقبض على ذراعها ويجرها معه كخرقة بالية …

لم تستطع منعه كي لا تحدث فضيحة أكبر في المكان …

فتح باب السيارة وألقاها في الداخل ثم أغلق الباب جيدا …

اتجه نحو الجهة الأخرى وركب في كرسيه وشغل السيارة ثم بدأ في قيادتها …

ما إن إبتعدت السيارة عن الصرح الجامعي حتى صرخت مريم بكل قوتها :-

” توقف حالا … انزلني فورا …”

وعندما وجدته لم يهتم بما تقوله بل لم ينظر إليها حتى إنقضت على ذراعه تقبض عليها فدفعها عمار بقسوة نحو الجانب الآخر عندما فقط سيطرته على المقود ليرتطم جسدها الى الخلف بقوة …

أوقف عمار سيارته بسرعة على جانب الطريق ثم إلتفت نحوها يهدر بها :-

” هل جننتِ…؟! ما هذه التصرفات …؟!”

ردت ساخرة :-

” انظروا من يتحدث … ملك التصرفات المجنونة … أكبر مخبول رأيته في حياتي …”

تقدم بجسده نحوها لتنكمش لا إراديا في مكانها وقلبها أخذ ينبض بعنف من حقيقة إنه سيفعل بها شيئا لا إخلاقيا ..

قال أخيرا وهو منحنيا نحوها :-

” لا تتجاوزي حدودك يا مريم كي لا ترين مني ما لا يعجبك …”

سارعت بمحاولة فتح الباب لكنها لم تستطع فصرخت به :-

” افتح الباب حالا … ”

أمرها ببرود :-

” اعتدلي في جلستك يا مريم … سأخذك الى المنزل .. وصدقيني أي تصرف مجنون لن يكون في مصلحتك .. كوني هادئة كي تصلي الى المنزل بسرعة …”

نظرت إليه بحقد شديد لكنها قررت السكون فلا حل آخر لديها …

إلتزمت الصمت طوال الطريق حتى أوصلها الى المنزل دون أن ينبس بكلمة واحدة …

خرجت من سيارته بسرعة حيث ركضت نحو المنزل …

فتحت الخادمة لها الباب فسارعت للصعود الى غرفتها ..

هناك في غرفتها رمت حقيبتها على السرير ثم جلست عليه وخلعت حذائها ورمته على الأرض بإهمال …

جذبت حقيبتها تخرج منها هاتفها وإتصلت بأكرم الذي أجابها بعد لحظات :-

” حبيبتي .. كيف كان امتحانك ..؟!”

” متى ستخطبني يا أكرم …؟!”

جاء سؤالها غريبا مفاجئا لأكرم الذي يدرك إنها لا ترغب بالزواج قبل التخرج …

” ما هذا السؤال يا مريم ..؟! أنت تعلمين إنني أريد خطبتك اليوم قبل الغد لكنكِ تمانعين ذلك بسبب دراستك …”

قاطعته مريم بجدية :-

” لن أمانع بعد الآن … تحدث مع والدي بشأن خطبتنا ما إن تخرج ليلى من المشفى …”

رد أكرم بهدوء :-

” سأفعل بالطبع فأنا أنتظر هذا اليوم منذ زمن لكن أخبريني ، ما سبب تغيير رأيكِ فجأة ..؟!”

ردت بفتور :-

” لقد وجدت إنه لا داعي من التأجيل … يعني خطبتنا لن تؤثر على دراستي فنحن بكل الأحوال نلتقي شبه يوميا ونتحدث طوال الليل …”

لم يقتنع بحديثها لكنه آثر الصمت وهو يفكر إنها مضطربة للغاية هذه الفترة بسبب مشاكل أختها ربما او لأسباب أخرى عليه أن يعلمها …

أخبرها إنه سيتحدث مع والدها ما إن تخرج ليلى من المشفى ثم تحدثا قليلا قبل أن يودعها على وعد باللقاء مساءا …

نظرت مريم أمامها بجمود وهي تفكر إن هذا الحل المناسب مبدئيا لكل ما يجري معها ..

……………………………………………………….

كانت تجلس في كافيتريا المشفى تذاكر المادة الأخيرة المتبقية لها في الإمتحانات النهائية …

رن هاتفها فجأة فحملته لتجده يتصل بها …

خفق قلبها بعنف دون إرادة منها لتحمل الهاتف وتجيب بصوت خافت متردد :-

” اهلا نديم بك ..”

على الجانب الآخر كان يستمع الى صوته ا الذي بدا مضطربا قليلا .. سمعها تناديه بكلمة “بك ” فشعر بالإنزعاج مجددا من رسميتها تلك لسبب لم يفهمه …

” اهلا حياة … كيف حالك ..؟!”

سألها بهدوء لتجيب بنبرتها الهادئة المعتادة :-

” انا بخير .. وانت ..؟!”

” بخير …”

صمت للحظة مترددا في سؤاله لكنه قال أخيرا وقد نحى تردده جانبا :-

” أين أنتِ الآن ..؟!”

أجابت سؤاله :-

” في المشفى … ”

” جيد … سآتي إليك …”

قالها بجدية لتشعر بالإستغراب من ذلك لكنها هتفت بجدية :-

” ستجدني في الكافيتريا …”

” حسنا ..”

أغلق الهاتف معها واتجه نحو الكنبة حيث حمل سترته الخفيفة وإرتداها فهو يشعر بالبرد منذ إستيقاظه والقليل من الصداع …

حمل هاتفه ومفاتيح سيارته واتجه خارج الشقة …

بعد مدة وصل الى المشفى وصعد للكافيتريا حيث وصل الى هناك وبدأ يبحث بعينيه عنها عندما وجدها أخيرا تجلس على إحدى الطاولات منكبة على مجموعة من الأوراق وتبدو في أشد تركيزها …

تأملها للحظات بهيئتها شديدة البساطة وملامحها التي بدت جادة زيادة عن المعتاد …

سار نحوها أخيرا ووقف أمامها لترفع وجهها نحوه وتبتسم بهدوء مرددة :-

” اهلا يا بك …”

سحب كرسي له وجلس أمامها يهتف بضيق بدا واضحا :-

” إذا انتِ مصرة على إستخدام الألقاب الرسمية يا آنسة حياة ..؟!”

حدقت به للحظات خفق بها قلبها كالعادة لكنها تغاضت عن ذلك وهي تهز رأسها مؤكدة حديثه :-

” نعم مصرة فهذا أفضل ..”

أطلق تنهيدة خافتة ثم قال بجدية رغم تجهم ملامحه قليلا :-

” لقد تركتك البارحة فجأة دون حتى وداع .. أعتذر عن تصرفي هذا لكنني سمعت خبرا سيئا وإضطررت للمغادرة بهذه السرعة ..”

سألته بقلق :-

” عساه خيرا ..؟! هل الخبر يخص أحد أفراد عائلتك ..؟!”

أجاب بصوت مقتضب :-

” نعم …”

شعرت إنه لا يرغب أن يتحدث بهذا الأمر فهتفت منهية الحوار بنفسها :-

” خير ان شاءالله …”

نظر إليها مفكرا إنه بالفعل يرغب أن يتحدث معها بإستمرار .. ينظر إليها ويستمع إلى حديثها …

وجودها يمنحه شعورا من الراحة والهدوء … شعورا افتقده طويلا … شعورا وجده معها دون أن يعرف لمَ هي بالذات من منحته هذا الشعور ..؟! لمَ هي دونا عن الجميع …؟!

لم يكن يدرك إن مشاعرنا تتأرجح من شخص لآخر دون سبب … نرتاح لوجود شخص معين دونا عن غيره دون سبب .. نحب شخصا زيادة عن البقية دون سبب ..

الله من يخلق داخلنا هذه المشاعر إتجاه أشخاص معينين لذا لا تسأل عن سبب شعورك إتجاه شخص معين أيا كان هذا الشخص ..

أفاق من أفكاره قائلا :-

” آية مادة تدرسين …؟!”

أجابته تخبره بإسم المادة فوجدته يجذب إحدى الملازم ويبدأ في قراءتها …

تأملته وهو يتمعن القراءة قبل أن يرفع بصره فجأة فتتوتر ملامحها وهي التي كانت تتأمله بهيام ..

سألها بصوت جاد ويبدو إنه لم ينتبه لملامحها تلك :-

” هل تعانين من هذا الموضوع …؟!”

سحبت الورقة تنظر إليها للحظة ثم ترفع وجهها نحوه تردد بجدية :-

” كثيرا .. لكن كيف علمت …؟!”

أجاب بهدوء :-

” الجميع يعاني من هذا الموضوع …”

سحب الورقة مجددا من يدها ونهض من مكانه وجلس على الكرسي جانبها ..

أخذ القلم وقال بجدية :-

” ركزي معايا وستفهمين الموضوع بأكمله في أقل من نصف ساعة …”

هزت رأسها متفهمة وقررت بالفعل أن تضع كل تركيزها معه عله يساعدها في انهاء هذا الموضوع المزعج …

بدأ نديم يشرح لها المادة بطريقته السلسة المعتادة وحياة وضعت جل تركيزها وإنتباهها معه …

بعد حوالي نصف ساعة أنهى نديم شرحه فوضع القلم جانبا ونظر الى حياة حيث سألها بإهتمام :-

” هل فهمتِ المادة الآن …؟!”

وجدها تضحك لا إراديا وهي تردد :-

” هل تمزح …؟! أنت رائع …”

قالتها بعفوية لتتشنج ملامحه لا إراديا بعدما إخترقت الكلمة روحه بشكل غريب رغم عفويتها الواضحة ..

أكملت حياة تثرثر بنفس العفوية وهي تحمل الملزمة وتقلب فيها بينما نديم يتأملها بتركيز شديد حيث كانت ملامحها تنطق بالفرحة المدهشة :-

” أنت أفضل من جميع الدكاترة عندنا .. طريقتك في الشرح سلسة ومبسطة .. ”

نظرت إليه أخيرا تشكره بإبتسامة صادقة :-

” أشكرك كثيرا …”

وكأن عدوى إبتسامتها إنتقلت إليه فإبتسم بدوره مرددا بهدوء :-

” لا شكر على واجب يا حياة … عفوا آنسة حياة …”

إحمرت وجنتيها وهي تعاود النظر الى الملزمة والتقليب فيها بينما شرد هو للحظات في إبتسامتها الصادقة وخجلها الذي ظهر بوضوح على وجهها …

لا يعلم لماذا شعر في تلك اللحظة بشيء غريب … ؟! شيء أنكره بسرعة فلا يمكن أن يكون هذا صحيح …

هل بات يتوهم شيئا ليس حقيقيا …؟! شيئا لا وجود له …

أخذ يراجع كل اللقاءات التي جمعته بها …

حديثها معه الذي كانت تمنحه من خلاله أملا بالحياة والمستقبل …

يراجع نظراتها وخجلها و ….

توقف عن أفكاره هذه ناهيا هذه الأفكار في مهدها ليستمع الى رنين هاتفه فوجد والدته تتصل به …

أجاب على الهاتف فجاءه صوتها المشتاق يسأل عنه وعن أحواله …

ثم أخبرته أن يأتي لزياراتها فهي تريد رؤيته …

أخبرها إنه سيأتي بالطبع ثم ودعها وأغلق الهاتف معها لينظر الى حياة فتتعلق أنظاره لا إراديا بأنظارها التي كانت تتأمله أثناء حديثه مع والدته …

أشاحت بوجهها فورا وعاد الخجل يغزوها من جديد حيث وضعت تركيزها على الملزمة أمامها …

هز رأسه محاولا نفض أفكاره تلك بقوة …

يعلم إنه ليس غبيا وإنه يستطيع تمييز مشاعر الناس بسهولة كما كان يفعل دوما ..

أليس هو من أدرك مشاعر ليلى في يوم من الأيام قبل أن تعترف هي له أو تسعى لذلك …؟!

أوقف أفكاره تلك مخبرا نفسه إن هذا غير حقيقي وإنه يتوهم ..

هتف أخيرا مشيرا إليها :-

” هل تحتاجين الى مزيد من الشرح …؟!”

أجابت بجدية :-

” كلا ، يعني لا تتعب نفسك معي فأنت بالتأكيد لديك أشغال أيضا …”

رد عليها :-

” لا يوجد تعب … يمكنني شرح المزيد لكِ … ”

ثم أردف بتهكم :-

” كما إنه كما ترين أنا عاطل عن العمل يعني لا يوجد ما سوف تشغليني عنه ..”

نظرت اليه تسأله بإستغراب :-

” ولماذا لا تعمل ..؟! يعني أليس من المفترض أن تبدأ في العمل بعد الآن …؟!”

اوما برأسه وقال :-

” من المفترض ذلك …!!”

” إذا ماذا تنتظر …؟! فلتبدأ …”

رفع حاجبه مرددا :-

” هكذا بسهولة … يجب أن أجد عملا مناسبا … لا تنسي إنني لا يمكنني العمل في مجال دراستي بعد الآن …”

شعرت بالألم الذي ظهر على ملامحه قليلا فهتفت تحاول أن تبث به العزيمة على البدء من جديد :-

” ليس مهما … فكر أن تعمل في مجال مختلف … ”

سألها بإهتمام:-

” أي مجال مثلا …؟!”

أجابت بعد تفكير لحظي :-

” التجارة مثلا … إفتح مشروعا خاصا بك .. يعني هناك مجالات كثيرة أمامك … ابحث وستجد ما يناسبك … لكن لا تقف مكتوف الأيدي هكذا ..!!”

هز رأسه بتفهم ثم قال بجدية :-

” معك حق … سأبحث عن مجال مناسب .. فكرت أكثر من مرة أن أفتتح شركة متخصصة في الإستيراد والتصدير .. يعني لدي صديق يمكن أن يساعدني في هذا المجال وربما يدخل شريكا معي ..”

قالت بحماس :-

” هذا رائع … إذا كان المجال يناسبك وتحبه نوعا ما فعليك التفكير بشكل جدي فيه … ”

نظر إليها للحظات ثم قال أخيرا :-

” أنت تثيرين رغبة شديدة داخلي بالنهوض والبدء في العمل حالا بحديثك هذا وطريقتك وأنت تتحدثين بشكل يجعلني متحمسا لفعل أي شيء تتحدثين عنه …”

خرجت كلماته صادقة صريحة فمنحته إبتسامة خجولة ونظرات متوترة ليبتسم بهدوء وهو يضيف :-

” أخبريني ما تحتاجينه أيضا كي أشرحه لكِ …”

………………………………………………………….

خرجت حياة مع نديم من المشفى حيث ستذهب للقاء حنين في المطعم الذي أخبرتها عنه بعدما طلبت منها حياة أن تسبقها هناك بدلا من مجيئها الى المشفى …

وقفت حياة أمامه تبتسم له وتقول :-

” سأذهب الآن …”

هتف بها بجدية :-

” ألن تغيري رأيك وتسمحين لي بإيصالك الى وجهتك …؟!”

ردت بسرعة :-

” لا داعي لهذا … المطعم قريب أساسا …”

اومأ برأسه متفهما وأضاف :-

” لا تنسي ما قلته .. اذا إحتجتِ أي شيئ أخبريني …”

” أشكرك حقا…”

قالتها ممتنة ليتنهد ويقول :-

” لا تشكريني يا حياة …كم مرة سأقول هذا …؟!”

منحته إبتسامة خافتة وهمت بالحديث عندما صدح صوت أنثوي يقول :-

” نديم .. أنت هنا …”

إلتفت نديم نحوها يقول بدهشة :-

” غالية … ماذا تفعلين هنا ..؟!”

ضحكت وهي تنقل بصرها بينه وبين حياة قبل أن تقول بخفة :-

” هل هذه الطريقة المناسبة لإستقبال أختك …؟!”

ثم اتجهت نحوه تقبله من وجنتيه تحت أنظار حياة المحرجة ليبتسم وهو يقول بعدما إبتعدت عنه قليلا :-

“إستغربت من وجودك هنا في المشفى …”

أجابته :-

” كنت في زيارة لصديقة لي …”

ثم نظرت الى حياة وهي تبتسم بهدوء وتقول :-

” ألن تعرفنا …؟!”

قال نديم بسرعة :-

” صحيح … هذه حياة ابنة العم فاضل وهذه غالية أختي …”

مدت غالية يدها نحوها ترحب بها :-

” اهلا حياة .. سعدت بلقائك …كيف حال عمي فاضل …؟! هل أصبح أفضل الآن …؟!”

إلتقطت حياة كفها ترد عليها بإبتسامة هادئة :-

” اهلا بك … أنا الأسعد … الحمد لله هو أفضل الآن ..”

ردت غالية بجدية :-

” شافاه الله وعافاه ..”

ثم أضافت وهي تتأملها :-

” لم أكن أعلم إنك في العشرينات من عمرك .. يعني كنت أعلم بوجود ابنة للعم فاضل لكنني ظننتك أصغر قليلا … ”

أردفت تسألها بإهتمام :-

” أنت ما زلتِ طالبة جامعية .. أليس كذلك ..؟!”

أومأت حياة برأسها لتسألها غالية مجددا :-

” ماذا تدرسين …؟!”

أجابت حياة :-

” أدرس الصيدلة …”

قالت غالية بسرعة :-

” مثل نديم …إنه تخصص رائع …”

ابتسمت حياة وهي تقول :-

” نعم إنه كذلك …”

ثم أضافت :-

” أنا يجب أن أذهب الآن … تشرفت بمعرفتك … ”

“الشرف لي …”

قالتها غالية وهي ما زالت تحتفظ بإبتسامتها لتودعهما حياة وترحل بينما إستدارت غالية نحو أخيها لتجده ينظر

نحو حياة وهي ترحل قبل أن يستدير نحوها فيجد نظراتها الفضولية تلاحقه فيسألها مستفهما :-

“ماذا هناك …؟!”

إبتسمت بغموض ثم لفت ذراعها حول ذراعه وهتفت بجدية :-

” فلنذهب الى شقتك أولا وستخبرني بعدها بكل شيء …”

……………………………………………………………

وضعت غالية كوبي القهوة على الطاولة ثم جلست على الكنبة المقابله لأخيها وهي تحمل كوبها ..

سألته بعدما إرتشفت القليل من قهوتها :-

” إذا أخبرني الآن … ماذا يحدث بالضبط ..؟! ماذا كنت تفعل مع حياة ابنة العم فاضل يا نديم ..؟!”

وضع كوبه على الطاولة وقال بجدية :-

” ما بالك تسألين وكأنكِ تحققين معي يا غالية ..؟؟ ”

منحته غالية إبتسامة خبيثة ليسألها بجدية :-

” بمَ تفكرين يا غالية …”

إرتشفت القليل من قهوتها بتلذذ ثم هتفت بنبرة ماكرة :-

” يعني رأيتك مع شابة جميلة لطيفة تقفان سويا وتتحدثان …”

قاطعها :-

” ما تفكرين به غير صحيحا يا غالية ..”

رفعت حاجبها تسأله بدهشة :-

” لماذا تقول هذا …؟! ”

أجاب بهدوء :-

” انا اتواصل معها لأجل العم فاضل … أحاول الإطمئنان عليه بين الحين والآخر …”

ضحكت غالية وهي تردد :-

” إذًا أنت تتواصل معها دائما …”

نظر إليها بضيق وقال :-

” انسي هذا الموضوع تماما يا غالية .. ما تفكرين به لن يحدث … ”

” هل تحاول إقناعي إن تواصلك مع تلك الفتاة لأجل والدها فقط …؟! إذا لماذا شعرت أنا إن هناك شيئا مختلفا عما تقوله …؟! الفتاة كانت تبتسم لك بطريقة غريبة وأنت كنت تتبع آثرها بنظراتك ..”

إنتفض من مكانه صائحا بلا وعي :-

” يكفي … هل أنتِ واعية لما تقولينه ..؟! أنا وحياة ..؟! بالطبع لا ..”

نهضت من مكانها هي الأخرى تسأله :-

“لماذا ..؟! لإن والدها كان عاملا لدينا …؟!”

بهتت ملامحه لوهلة وهو يردد :-

” ماذا ..؟!”

ثم أردف بعدها بذهول :-

” ما علاقة هذا الأمر بحديثي ..؟! منذ متى وأنا أفكر هكذا أصلا يا غالية …؟! لم أفكر بهذه الطريقة عندما كنت في أفضل حالاتي فهل تظنين إنني سأفعل ذلك الآن ؟!”

” إذا ما بالك غضبت بهذه السرعة من حديثي ..؟!”

أجاب بتلقائية :-

” لإن ما تقولينه لا وجود له من الأساس …”

نظرت إليه بعدم إقتناع ليشيح وجهه بعيدا فتسأله وداخلها مصرة على معرفة ما يدور داخله :-

” هل تعني إن علاقتك بها وحديثك معها يقتصر على حالة والدها فقط ..؟! هل تحاول إقناعي بذلك ..؟! ”

وجدته يسعل بقوة فسألته بقلق :-

” نديم .. هل أنت بخير ..؟!”

توقف عن سعاله وهو يشعر بألم جسده الذي بدأ منذ مدة يزداد …

جلس على الكنبة بوهن يقول :-

” يبدو إنني سأصاب بالإنفلاونزا ..”

” يا إلهي … الإنفلونزا عندما تصيبك تكون قوية للغاية وفوق هذا كله في الصيف …”

عاد يسعل مجددا فهتفت به بسرعة :-

” سأجلب لك دواءا من الصيدلية …”

هتف بسرعة :-

” لا داعي لذلك .. ”

ثم نهض من مكانه واتجه الى غرفته تتبعه هي ..

سحب قرصا من الدواء الموجود على الطاولة جانب السرير ثم فتح الدرج يبحث عن دواء آخر يفيد في حالته هذه …

أخذ الدواء أخيرا وتناوله ثم أشار إليها وهو يعاود الجلوس على الكنبة بعدما عادا الى صالة الجلوس :

” اجلسي يا غالية … لا تقلقي انا بخير .. مجرد انفلاونزا …”

جلست غالية بجانبه تخبره بقلق :-

” هل أستدعي الطبيب ..؟!”

إبتسم بخفة وقال :-

” انا بخير … لا تقلقي …”

أضاف بعدها يسألها :-

” قولي ما تريدين يا غالية .. أسمعك …”

سألته بإستغراب :-

” كيف علمت إنني أريد قول شيئا ما …؟!”

ابتسم مرددا :-

” ملامحك تنطق بذلك ..”

تنحنت وهي تقول بتردد :-

” ماما … ترغب بتزويجك..”

فلتت ضحكة خافتة منه وهو يقول :-

” قولي إنكِ تمزحين يا غالية …”

” أنا لا أمزح يا نديم .. كما إنها اريد تزويجك من نانسي …”

اعتدل في جلسته بعدما كان عائدا بظهره الى الخلف قليلا وقال :-

” ما هذا الهراء …؟! نانسي ..؟! ماذا يحدث بالضبط ..؟! هل أصبحت لعبه في يد والدتي تزوجني لمن تشاء ..؟!”

قالت غالية بنبرة جادة :-

” والدتي تفعل ذلك رغبة منها للإطمئنان عليك .. انظر الى نفسك يا نديم … أنت ترفض كل شيء … اخترت البقاء لوحدك والإبتعاد عنا ونحن تفهمنا رغبتك هذه ولم نعارض … ”

قاطعها متسائلا بضيق :-

” هل تقصدين إنك موافقة على ما تفعله..؟!”

هزت غالية رأسها نفيا ترد بسرعة :-

” بالطبع لا .. لكنني أتفهم مخاوفها لإني موجودة عندي أيضا …”

” وماهي مخاوفها …؟!”

سألها بتجهم لتجيب بنبرة مترددة :-

” هي تخاف عليك من وحدتك .. من ضياعك والأهم من حبك لليلى …”

منحها نظرات غاضبة وقال :-

” ليلى انتهت من حياتي …ما تفكرون لن يحدث .. إطمئنوا …”

” ليلى ستتطلق من عمار …”

قالتها فجأة وهي تتمعن النظر في ملامحها التي تجمدت تماما وهو يجيب :-

” ليلى حرة فيما تفعله … وانا لا علاقة لي بهذا الأمر …”

” هي تأمل أن تعود إليها بعد طلاقها …”

رمقها بنظرات ثابتة وقال :-

” هي حرة في تأملاتها مثلما أنا حر في قراراتي … ليلى انتهت من حياتي يا غالية … صدقوا هذا …”

أردف بعدما أطلق تنهيدة طويلة :-

“‘نعم ما زلت أحبها وربما لن أنسى حبها ولكنني لن أعود إليها مهما حدث …”

نظرت إليه بصمت بينما أشاح هو وجهه نحو الجهة الأخرى مغمضا عينيه بقوة وهذا الحوار رغم قصره لكنه أرهقه كثيرا ..

………………………………………………………..

في صباح اليوم التالي …

فتحت غالية عينيها على صوت رنين هاتفها فحملته لتجد والدتها تتصل بها ..

ردت على الهاتف وهي تقول :-

” صباح الخير ماما … ما بالك تتصلين بي مبكرا هكذا …؟!”

” ما به نديم يا غالية ..؟! لم تنطلي حجتك علي … لماذا قررت المبيت معه البارحة..؟!”

كانت تتحدث بقلق على ابنها …منذ أن اتصلت بها غالية تخبرها إنها ستقضي الليلة مع نديم وهي تشعر بقلق شديد من أن يكون إبنها يعاني من شيء ..

” يا إلهي يا صبوحة … لا يفوتكِ شيء … على العموم نديم مريض قليلا … إنفلاونزا عادية لكنكِ تعلمين إن جسده يتعب بسرعة من الإنفلاونزا كما إن الإنفلاونزا في الصيف تكون صعبة للغاية ..”

” هل أعطيته الدواء …؟! هل هو بخير …”

أجابت غالية بسرعة تحاول طمأنتها :-

” لا تقلقي يا ماما … هو بخير وأنا أطمئن عليه بإستمرار طوال الليل .. ”

” حسنا سآتي انا أيضا وأجلب معي الغداء لكم …”

” ننتظرك حبيبتي ..”

أغلقت غالية الهاتف ثم نهضت من فوق سريرها تتجه خارج غرفتها حيث غرفة نديم …

دلفت الى هناك فوجدته ما زال نائما وجسده متعرق ويبدو إن حرارته إرتفعت مجددا …

سارعت لتجلب الكمادات له عندما سمعت رنين هاتفته فحملته لتجد حياة تتصل به ..

ألقت عليه نظراتها للحظات ثم ردت على حياة ترحب بها :-

” اهلا حياة …”

تلعثمت حياة وهي تقول :-

” اهلا .. هل نديم موجود ..؟!”

أجابتها غالية :-

“انا غالية يا حياة .. نديم مريض قليلا ..”

سألتها حياة بلهفة واضحة :-

” مريض ..؟! ما به ..؟!”

ابتسمت غالية بخفة وهي تتجه نحو المطبخ كي تجلب الكمادات :-

” إنفلاونزا قوية … ”

” وكيف أصبح الآن ..؟!”

سألتها بقلق لتجيب غالية :-

” حرارته ارتفعت مجددا وأنا أحاول السيطرة عليه …”

” هل أعطيته خافض للحرارة ..؟!”

قالت غالية بسرعة :-

” لقد تناول حبتين ، إحداهما للصداع وأخرى خافضة للحرارة ..؟!”

هتفت حياة :-

” هناك خافض للحرارة جيد جدا سيساعد في خفض حرارته بسرعة .. يمكنني أن أرسل لك إسمه ..”

قاطعتها غالية بضيق :-

” في الحقيقة لا أستطيع الخروج الآن ..انا مع نديم لوحدي في الشقة ولا أستطيع تركه فربما يستيقظ ويحتاجني …”

هتفت حياة بجدية :-

” يمكنني أن أجلبه أنا …”

قالت غالية بلهفة :-

” حقا يا حياة ..؟! ألن نتعبكِ معنا …؟!”

ردت حياة بجدية :-

” أبدا .. سأجلبه هو ودواء آخر يساعد في تخفيف حالته ..”

” جيد أنتظرك ولكن دعيني أعطيكِ عنوان الشقة ..”

أعطتها غالية عنوان الشقة ثم أغلقت الهاتف بعدما ودعتها وهي تهمس بسخرية :-

” صوت الفتاة لوحده كافي ليخبرني بمدى قلقها عليه وهو مصر على عدم وجود شيء …”

ثم حملت الكمادات وعادت الى غرفته حيث جلست جانبه تضع كفها على جبينه للحظات قبل أن تتأمله قليلا قبل أن تسمع صوت هذيانه …

أبعدت كفها قليلا وهي تسمعه يهذي بكلمات مختلفة لم تميز من بينها سوى اسمها الذي أخذ يردده بمناجاة …

google-playkhamsatmostaqltradent