رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثامن عشر 18
كلماتها كانت تقتله دون رحمة …
مشاعره متخبطة وأفكاره مشتتة ..
عقله يحاول أن يستوعب .. أن يفهم … هل كانت زيجتهما على الورق طوال تلك السنوات …؟! هل حافظت على نفسها لأجله ..؟! هل حاولت أن تتخلص من حياتها بسبب ذلك ..؟!
أغمض عينيه بقوة وهو يعتصر كلتا قبضتيه بينما يشعر بروحه تحترق بعذاب لا يظن إنه سينتهي يوما ..
” نديم ..!!”
همست بها بضعف وهي تمد يدها محاولة لمس جانب وحهه لكنه كان أسرع منها وهو يفتح عينيه ويصيح بها بصوت يحمل الكثير من الآلم والعذاب .. وربما العشق ..
“يكفي …”
تراجعت الى الخلف تضع كفها على فمها تكتم شهقة باكية ستخرج منها في لحظة بعدما صرخ بها بتلك الطريقة وبعدما رأت تلك النظرات داخل عينيه ..
تقدم نحوها يقبض على ذراعيها الاثنتين يهزها بعنف وهو يردد بلا وعي :-
” ماذا تريدين مني ..؟! لماذا تفعلين هذا ..؟! لماذا ..؟! هل تذكرتِ الآن أن تخبريني بهذه الحقيقة ..؟! ما غايتك من إخباري بكل هذا ..؟! ماذا تريدين من ذلك ..؟! “
أغمض عينيه يأخذ نفسا عميقا وكفيه ما زالا يعتصران ذراعيها بقسوة مؤلمة :-
” لقد عشت سنوات من الجحيم وأنتِ بعيدة عني .. سنوات تمنيت بها الموت في كل لحظة وكل ثانية ..، سنوات وأنا أكره نفسي أكثر وأكثر … سنوات كنت أتخبط بها بين مستقبلي وحياتي التي تدمرت كاملا وبين خيانتك لي وهجرانك بتلك الطريقة الحقيرة … “
أضاف وعيناه تحاصران عينيها الباكيتين بقوة :-
” هل تظنين إنك عانيت لوحدك في زيجة لم ترغبيها يا ليلى ..؟! هل تظنين إنك الضحية الوحيدة في هذه القصة ..؟! “
صرخ بوجع وعيناه تذرفان دموعا تصدر لأول مرة منه فرغم كل ما مر به لم يبكي أبدا حتى جاءت هذه المواجهة وحررت كل أوجاعه دفعة واحدة :-
” انا عانيت أضعف معاناتك … أنا تألمت أضعاف ألمك … أنا تدمرت .. مت وأنا حي … “
أنهى كلماته فدفعها بقسوة لتتراجع الى الخلف تترنح في وقفتها للحظات قبل أن تهتف أخيرا وهي تسيطر على أعصابها التي تدمرت تماما في تلك اللحظة :-
” وهذا هو السبب الي جعلك تخطب أخرى ..؟! ما غايتك من هذه الخطبة ..؟! ماذا تريد أن تثبت لنفسك …؟! “
احتقنت ملامحه كليا وقد أغضبته تلميحاتها الصريحة فأجاب بقوة وثبات لا يشبه إنهياره وثورانه منذ لحظات :-
” السبب الذي جعلني أخطب حياة هو إنني وجدت فيها كل ما أريده وأتمناه … وجدت بها ما فقدته منذ أعوام … حياة هي شعلة الأمل التي أضاءت ظلام حياتي يا ليلى .. حياة هي الأمل الوحيد المتبقي لي .. معها سأبدأ من جديد وأنا أثق بشدة إنها ستكون أكبر عون وسند لي .. “
ترقرقت الدموع داخل عينيها فسألته بصوت متردد بطيء :-
” والحب ..؟! ماذا عنه ..؟!”
أجاب بمرارة :-
” لقد جربت الحب مسبقا ولم أجنِ منه سوى العذاب … أنا الآن لم أعيد أريد الحب يا ليلى … ليس هو ما أحتاجه … تجربتي معك أثبتت لي إن هناك أشياء أهم بكثير من الحب … أشياء وجدتها معها هي دونا عن غيرها ..”
” إذا أنا لم أمنحك ما تحتاجه .. لم أكن سندا لك يوما .. انا لم أمنحك سوى العذاب لا غير ..”
نبرتها وهي تتحدث كانت مثقلة بالألم والخذلان … الأسف ظهر في عينيها العسليتين بوضوح عندما رددت وهي تمسح دموعها بخفة :-
” الآن فقط أدركت مدى خطأي .. اخطأت في حق نفسي عندما منحتك مكانة داخل قلبي لا يصل إليها أحد .. عندما عانيت وتعذبت لسنوات من أجلك .. الآن فقط أدركت إنك لا تستحق … لا تستحق أي شيء … “
سحبت نفسا عميقا ثم قالت وهي تحاول السيطرة على دموعها التي تهدد بالظهور :-
” أشكرك يا نديم … هذه المواجهة كانت لصالحي حقا .. بهذه المواجهة أدركت مدى أنانيتك وسلبيتك .. أدركت إنك لم تكن تستحق مشاعري يوما فأنت لا تهتم سوى بنفسك ومستقبلك ولا تنظر للأمور سوى من جانبك وصالحك .. لكن الحمد لله فهمت وإستوعب أخيرا وإن جاء هذا متأخرا ..”
شمخت برأسها عاليا وقد لمعت عيناها بنظرات قوية ثابتة :-
” أعدك من الآن فصاعدا سأخرجك من قلبي وعقلي يا نديم .. من الآن فصاعدا انت ابن خالتي فقط لا غير … ومهما حدث وحتى لو جئت وبكيت وترجيت أن أسامحك فلن أفعل يا نديم لإنني تعلمت الدرس جيدا وهذا كله بفضلك ..”
اندفعت خارج الغرفة بعدما أنهت كلماتها تاركة إياه خلفها يراجع كلماتها بمشاعر مختلطة …
………………………………………………………….
اندفعت داخل منزل عائلتها ترتقي درجات السلم بخطوات سريعة تحاول السيطرة على دموعها التي تهدد بالهطول …
دلفت الى غرفتها أخيرا تغلق بابها خلفها بعنف قبل أن تسقط باكية على أرضية الغرفة والدموع اللاذعة تغطي وجنتيها …
كانت تنتحب حبا خسرت لأجله سنوات .. حبا ظنت إنه كل شيء وأهم من أي شيء لتظهر اليوم الحقيقة كاملة وبوضوح .. هو لا يستحق … هكذا فقط …
نديم لم يكن يستحق حبها ولا تضحيتها ولا أي شيء ..
لقد حطمها بكل أنانية وقسوة رغم يقينه من عشقها الخالص له ..
بينما كانت هي تعاني وتبذل الغالي والنفيس لأجله كان هو يبحث عن أخرى تداويه من ألامه .. أخرى يرى فيها ما يحتاجه وما عجزت هي عن منحه وكأنها لم تمنحه عشق وتضحية وأخلاص وسنوات من عمرها ذاقت فيها كل معاني الألم والخذلان ليأتي هو ويفضل أخرى عليها .. أخرى تقسم إنها لو كانت محلها ما كانت لتدمر حياتها ومستقبلها لأجله ..!!
ارتفع صوت نحيبها وهي تلوم نفسها هذه المرة ..
ما كان عليها أن تفعل ذلك .. ما كان عليها أن تمنحه كل شيء بسخاء مبالغ .. ما كان عليها أن تهين كرامتها مرارا وهي ترجوه أن يسامحها ويعود إليها ..
صرخت وهي تضرب على الأرض بكفيها :-
” اللعنة عليك يا نديم ..اللعنة عليك وعلى قلبي الذي أحبك يوما …”
توقفت عن نحيبها المؤلم وقد ظهرت قسوة مريبة داخل عينيها حيث أخذت تهمس بنبرة مشحونة :-
” لم أظن طوال حياتي إنني أراك بهذه الصورة لكنني اليوم تأكدت إنك أضعف بكثير مما ظنت … إنك أناني لا تفكر سوى بنفسك … “
ترقرقت الدموع الحارقة داخل عينيها مجددا وهي تغمغم :-
” أنت ضعيف يا نديم .. مثير للشفقة وعاجز … عاجز حتى أن تحافظ على حبك وتدافع عنه … أناني لا يهمك سوى راحتك وسعادتك .. “
مسحت وجهها بكفيها وهي تضيف بإصرار وعزيمة :-
” لكن لا بأس …كل شيء سيتغير بعد الآن … كل شيء يا نديم .. ليلى القديمة ماتت بفضلك والآن هناك ليلى جديدة ولدت .. ليلى لا تهتم بك ولا تمثل أنت لها شيئا من الأساس ..”
نهضت أخيرا من مكانها وسارت نحو طاولة التجميل خاصتها … وقفت تتأملها ملامحها الحزينة للحظات قبل أن تحسم أمرها …
اتجهت نحو خزانة ملابسها تفتحها وتخرج منها صندوقا صغيرا .. فتحت الصندوق حيث وضعت داخله خاتم خطبتها منه … أول هدية منحها لها بعد إعترافه بعشقه .. صورة خاصة تجمعهما ليلة خطبتهما … وباقة زهور التوليب التي أهداها لها في نفس اليوم …
أغلقت الصندوق مجددا ثم حملته ووضعته فوق السرير ثم عادت نحو الخزانة وقد أخرجت منها هذه المرة فستان خطبتها التي ما زالت تحتفظ به ككنز ثمين …
وضعته بجانب الصندوق وعادت وأخرجت ألبوم الصور الذي يحوي صورا لهما في مختلف مراحلهما العمرية …
اتجهت أخيرا خارج الغرفة وهي تحمل الصندوق ومعه ألبوم الصور في يد والفستان في يدها الأخرى ..
وصلت حيث سلة المهملات الموضوعة في الحديقة الخارجية فنظرت الى ما تحويه يديها بتردد وتسلل الألم داخلها من جديد لكنها سرعان ما تذكرت قرارها فأزاحت ترددها جانبا و تجاهلت ألمها وهي ترمي الأغراض داخل سلة المهملات وهي تدرك جيدا كم تقسو على نفسها بما تفعله …
امتدت يدها تلمس القلادة التي أهداها لها في يوم ميلادها العشرين حيث تحمل اول حرف من إسميهما ..
تلك القلادة التي لم تخلعها يوما حتى عندما هددها عمار أكثر من مرة يأمرها بضرورة خلعها ..
شعرت بأناملها ترتجف لا إراديا وهي تقبض على القلادة .. لحظات مرت عليها كالدهر قبل أن تحسم أمرها وتسحبها من فوق رقبتها بعنف ثم ترميها مع المهملات وقد تأكدت في تلك اللحظة إن هناك شيئا ما تحطم داخلها لا يمكن أن يعود ..
……………………………………………………………
” تتزوج ..!! تتزوج يا مهند …”
صرخت بها بعدم تصديق بعدما أخبرها بضرورة زواجه من إبنة عمه ليتنهد بتعب وهو يجيب :-
” نعم سأتزوج يا تقى .. سأتزوج لإني مجبر على هذا .. سأتزوج لأجلي وأجلك …”
” لأجلي أنا .. “
هتفت بها ساخرة قبل أن تضيف بضيق :-
“هل تعي ما تقوله يا مهند ..؟! هل تستوعب ما أنت مقبل عليه ..؟! أنت ستتزوج أخرى غيري بينما أنا زوجتك عرفيا منذ عامين يا بك … “
انتفض من مكانه يردد بعصبية :-
” وماذا أفعل لك ..؟! ليس أمامي حل سوى هذا … زواجي من ابنة عمي هو الحل الوحيد المتبقي لي .. افهمي هذا …”
سألته بعدم تصديق تحاول فهم ما يجري :-
” ماذا تقصد بكلامك هذا ..؟! كيف سيكون زواجك منها حلا ..؟!”
أخبرها بإتفاقه مع راغب حيث يتزوج جيلان مقابل أن يمنحه جزءا من ميراثه ليستطيع العيش في الخارج كما خططا سويا ..
أنهى حديثه ليجدها تردد بفتور :-
” ما تقوله ليس مقنعا ابدا .. “
صاح مستنكرا :-
” هل تقصدين إنني أكذب عليكِ ..؟!”
ردت بسرعة تنفي ما آل تفكيره إليه :-
” بالطبع لا … أنا لا أشك فيك أبدا لكنني لا أثق بكلام أخيك .. لا أصدق إنه سيمنحك حريتك بل يقبل بزواجنا أيضا ..”
” هو لن يقبل بالمعنى الحرفي يا تقى .. هو سيضطر لذلك ..”
تجهمت ملامحها لكنها قالت بجدية :-
” مع هذا أنا لا أستطيع الوثوق به …انا متأكدة إنه يخطط لشيء ما يا مهند … “
هتف بنبرة متعبة :-
” إلامَ يخطط مثلا يا تقى ..؟! الأمر لا يحتاج الى كل هذا القلق .. سأتزوج الفتاة لعامين ثم أطلقها ونرحل بعدها دون رجعة ..”
صاحت بعدما سمعت ما قالته :-
” عامان ..؟!! ماذا تقول انت ..؟! ستتزوجها لعامين كاملين … وانا في المقابل سأنتظر لعامين … نحن متزوجان عرفيا منذ عامين يا مهند … هل سأنتظر عامين آخرين لنتزوج رسميا..؟!”
رد ببرود وقد شعر بالملل من حديثها :-
” أنتِ قلتيها بنفسك يا تقى … نحن متزوجان عرفيا منذ عامين .. لن يتغير الكثير اذا انتظرنا عامين آخرين … “
سألته بملامح شاحبة :-
” ماذا تقصد ..؟!”
رد بقسوة تدرك جيدا إنها جزء من شخصيته التي لا تتغير مهما حدث :-
” قصدي واضحا يا تقى … لا داعي للمراوغة .. الأمر برمته لا يستعدي كل هذه الدراما ..”
” وزواجك من غيري لا يستدعي هذا أيضا …؟! ماذا لو تركتني لأجلها ..؟! “
تجهمت ملامحه وهو يجيب :-
” أترككِ لأجل من …؟! يا تقى افهمي … تلك الفتاة زواجي منها لسبب محددا … زواج سينتهي بعد عامين … زواج أبيض سيكون على الورق فقط ..”
قالت معترضة :-
” هراء … كل ما تتفوه به مجرد هراء … عندما تصبح زوجتك وتحت سقف غرفتك سيتغير كل هذا … انت لست قديس يا مهند … “
هدر بغضب :-
” الفتاة ما زالت في الثانوية .. هل تستوعبين ذلك ..؟! هل تظنين إنني سألمس فتاة لم تصل سن البلوغ بعد … ؟! لست مريضا لأفعل ذلك ..”
ردت بقوة :-
” هناك من يتزوجن في سنها بل وأصغر أيضا .. كونها في الثانوية فهذا لا يغير من حقيقة كونها أنثى .. أنثى تحمل لقب زوجتك وربما تنجذب إليها مع مرور الوقت وترغب بها … ماذا سيحدث بي حينها ..؟! أخبرني هيا ..”
زفر أنفاسه بقوة ثم ردد بنفاذ صبر :-
” لن يحدث .. اقسم لك بهذا …انا لن ألمسها مهما حدث … اطمئني .. كلامك عني بهذه الطريقة يزعجني حقا يا تقى فلا تغضبيني منك اكثر ..”
ابتلعت ريقها وهي تهمس بحشرجة :-
” حسنا لا تغضب مني من فضلك ..”
صمتا قليلا ثم سألته بغيرك خفية :-
” هل هي جميلة ..؟!”
رد بلا مبالاة وهو يصب لنفسه القليل من مشروبه الكحولي المفضل :-
” لا أعلم ..”
” كيف لا تعلم ..؟! أليست ابنة عمك ..؟!”
قاطعها بنفاذ صبر :-
” لم أرها منذ سنوات يا تقى … آخر مرة رأيتها كانت طفلة صغيرة تلعب في حديقة المنزل .. حتى جنازة عمي لم أحضرها بسبب خلافي مع العائلة ولهذا لم أرها أبدا ولا أعرف كيف هو شكلها ..”
زمت شفتيها بعبوس بينما بلع هو شرابه دفعه واحدة
ليسمعها تقول أخيرا بتردد:-
” مع هذا أشعر إن هناك شيئا ما يحدث في الخفاء .. أخوك يخطط لشيء ما .. حاول أن تبحث عن السبب الحقيقي وراء طلبه هذا … ربما تجد شيئا مفيدا …”
” سأفعل ..”
قالها بإقتضاب لتهمس برجاء :-
” لا تنزعج مني ولكنني لا أصدق إن أخيك تنازل حقا ووافق على زواجك مني .. هل نسيت ما فعله بكِ عندما علم بإرتباطنا ورغبتك بالزواج مني …؟! هل نسيت كيف ..”
قاطعها بعصبية :-
” لم أنسَ يا تقى ولا داعي لتذكيري بهذا مجددا ..”
اتجهت نحوه مسرعة تجلس بجواره حيث لمست كفه بأناملها تخبره بهدوء :-
” انا أهتم لأمرك كثيرا وأخشى عليك حقا يا مهند .. أخوك ظالم وقد يفعل أي شيء ليؤذينا ..”
قاطعها بحزم :-
” راغب ليس ظالما يا تقى .. ربما يكون قاسيا ومتسلطا لكنه ليس ظالما … “
أضاف بتحذير مهيب :-
” إياكِ أن تتحدثي عنه بهذه الطريقة مرة أخرى .. مهما حدث بيننا يظل راغب أخي الأكبر وفي مقام والدي … بل هو كبير العائلة الذي يحمينا ويهتم بنا جميعا … هو من نلجأ إليه في أي مشكلة ونحن على ثقة إنه سيساعدنا دون تردد … مهما بلغت الخلافات بيننا سيظل هو أخي الكبير وله كل التقدير والإحترام ..”
أنهى كلماته ونهض من مكانه خارجا من الشقة بأكمله لتتابعه بعينيها حتى أختفى فتزفر أنفاسها بضيق مفكرة بما يحدث وما ينتظرها في المستقبل …
تعلم داخلها إن ذلك المدعو راغب يخطط لشيء ما فهو لن يقبل بها زوجة لأخيه مهما حدث ..
تمتمت من بين أسنانها :-
” اللعنة عليك يا راغب .. انت سبب كل هذا … متى سأتخلص منك ومن وجودك في حياتي لا أعلم ..؟!”
…………………………………………………………….
تجلس على سريرها بملامح شاردة حيث لا يتوقف عقلها عن التفكير به وبما عرفته عنه ..
لا تنكر إنها شعرت بالإنجذاب نحوه .. إنجذاب تشعر به لأول مرة إتجاه رجل وهي التي لم تهتم يوما بأي شاب ولم يلفت أنظارها أحدهم أبدا …
أفرحتها هديته لها كثيرا مما جعلها توافق على رؤيته في اليوم التالي ..
كانت تشعر برغبة شديدة في رؤيته والتحدث معه والتعرف عليه عن قرب لكن كل شيء تحطم عندما علمت إنه كان متزوجا في السابق بل ولديه طفلا أيضا …
بالكاد تجاوزت صدمتها وقتها وهي تدعي عدم المبالاة بما علمته بل وتستمر في حديثها معه ..
كانت تتجاوب معه بينما ذهنها ما زال شاردا وفي داخلها تعد الدقائق كي ينتهي هذا اللقاء وتعود الى منزلها حيث تنفرد بنفسها وتنظم أفكارها من جديد …
وهاهي منذ البارحة بوضع غير مستقر حتى إن والدتها شعرت بها وإن لم تسألها صراحة لكن نظراتها كانت تخبرها بما تفكر به …
نهضت من فوق سريرها وهي تحمل هاتفها معها حيث وقفت أمام المرآة تتأمل نفسها قليلا قبل أن تخرج من الغرفة متجهة الى الأسفل ..
وجدت والدتها في الطابق السفلي تتناول قهوتها بصمت كعادتها في هذا الوقت من الصباح …
ألقت التحية بخفوت ثم جلست على الكرسي المقابل لها لتسألها والدتها بعدما وضعت فنجان قهوتها على الطاولة أمامها:-
“هل أخبر الخادمة أن تجلب لكِ فنجانا ..؟؟”
ردت بسرعة ورفض :-
” كلا شكرا .. لا أرغب بتناول القهوة الآن …”
هزت والدتها رأسها بتفهم قبل أن تعاود إرتشاف قهوتها وعيناها لا تفارق ملامح ابنتها التي رغم هدوئها الظاهري تحمل الكثير خلفها …
تنهدت صباح بصوت مسموع ثم قالت :-
” ألن تخبريني بما يحدث معك ..؟!”
نظرت إليها غالية لثواني قبل أن تهتف بجدية :-
” لا يوجد شيء مهم يستدعي إخبارك به ..”
لم تهتم والدتها بما قالته حيث إسترسلت تقول :-
” هل الأمر يتعلق بشاب معين ..؟!”
ضمت غالية شفتيها قبل أن تومأ برأسها فهي لا تكذب بطبيعتها بل تتحدث دوما بصراحة :-
” نعم … “
” من هو ..؟!”
سألتها والدتها بإهتمام لتجيب بجدية :-
” سأخبرك عندما يحين الوقت المناسب هذا لو حدث شيء بيننا من الأساس …”
” لا أفهم ما تقصدينه … ماذا يعني لو حدث شيء ..؟!”
أجابتها غالية بتروي :-
” لم ألتقِ به سوى مرات قليلة ولم يجمعنا حدث حقيقي سوى البارحة ..”
أضافت بخيبة ظهرت بوضوح :-
” ولا أظن إننا سنجتمع مجددا ..”
سألتها صباح بإستغراب :-
” لماذا ..؟! ماذا حدث البارحة ..؟!”
أجابتها غالية بإختصار :-
” هناك شيء ما يخصه لا يناسبني .. لذا أظن إنني سأقطع علاقتي به قبل أن تتطور … “
رغبت والدتها أن تعرف ما هو هذا الشيء لكنها أدركت من طريقة حديث ابنتها إنها لا ترغب بالتحدث عن ذلك …
ابتسمت بهدوء وهي تقول :-
” كما تريدين يا غالية .. فقط لا تتسرعي بقرارك يا ابنتي .. راجعي نفسك واذا وجدت إنه لا يناسبك اتركيه فورا … بكل الأحوال أنا أثق بحكمتك ورزانة عقلك …”
منحتها غالية نظرة ممتنه قبل أن تعود بأفكارها مجددا نحوه وقرارها هذه المرة كان واضحا للغاية ..
ستقطع علاقتها به فهو لا يناسبها من جميع النواحي وهي لن ترتبط به بعدما أدركت زواجه مسبقا بل ووجود طفل ثمرة هذا الزواج ..
قد يكون تفكيرها متخلف من وجهة النظر البعض لكنها لا تريد الدخول في علاقة مصيرها مجهول … لا تريد أن تتورط بينما يمكنها أن ترتبط برجل تكون هي الأولى في حياته وأم أبنائه الوحيدة ..!!
……………………………………………………….
في منزل أشرف مختار …
كان الجميع يجلس على مائدة الطعام حيث أشرف يترأس طاولة تجلس جانبه من جهة اليمين أحلام وجانبها حياة بينما في الجهة المقابلة يجلس نضال وبجانبه حنين …
حياة كانت شاردة في أفكارها وهي تتذكر حديث نديم عن ضرورة مغادرة منزل زوج والدتها بسبب وجود نضال .. في الحقيقة هي أيضا تريد الرحيل ولكن بالطبع ليس بسبب نضال فقط بل لعدم رغبتها في ترك منزلها أكثر فرغم معاملة الجميع الطيبة لها إلا إنها لن ترتاح سوى في منزلها ولن تشعر بالألفة في أي منزل آخر سواه …
تشعر بالحيرة وهي تفكر كيف ستخبر والدتها بهذا القرار وهي تشعر إنها لا تمتلك الطاقة للتحدث بل شرح أسبابها والدخول في نقاش ربما سيأخذ وقتا طويلا منها ..!!
ألقت نظرة عابرة على أمها مفكرة إنها لم تتحدث معها في موضوع نديم بعدما أخبرتها بوضعه بل ورغبتها في الزواج منه ..
عادت تنظر الى طبقها مجددا وهي تشعر إنها تمر في أصعب فترات حياتها فهذه المرة الأولى التي تكون بها مشتتة وحائرة لهذه الدرجة …
رفعت حياة وجهها من فوق طبقها عندما سمعت صوت نضال يسألها بهدوء :-
” أنتِ في سنتك الأخيرة ، ألستِ كذلك ..؟!”
أومأت حياة برأسها وهي تجيب :-
” نعم .. سأتخرج الصيف القادم بإذن الله ..”
هتف نضال بجدية :-
” لدي صديق يمتلك شركة ادوية معروفة في البلاد .. يحتاج الى متدربين من خريجي وطلاب كلية الصيدلة .. إذا أردت يمكنك العمل عنده حيث ستعلمين لعدة أشهر حتى تثبتين نفسك فيتم تعيينك بشكل رسمي …”
هتف أشرف بسرعة :-
” إنها فكرة جيدة يا نضال … “
إلتفتت نضال نحوه للحظة قبل أن يعاود النظر الى حياة حيث سألها :-
” ما رأيك يا حياة ..؟!”
نظرت حنين بإستغراب الى أخيها مما يقوله وقد بدأ شعور عدم الراحة يتسلل داخلها فمالذي يجعل نضال يهتم بحياة ويعرض عليها عملا كهذا وهو الذي لا يطيق والدتها بل يتجنبها كمرض معدي منذ أن كان صغيرا في السن بل إن كرهه لوالدتها جعله يجافيها هي الأخرى ويعاملها ببرود مؤلم وكأنها ليست أخته من والده لذا فمن الغريب جدا أن يهتم بحياة وهو الذي يتعامل مع الجميع ببرود وصلابة مغيظة حتى والده كان جفاءه معه صريحا ..
تبادلت النظرات مع والدتها التي بدت غير مرتاحة مما حدث قبل أن ترميها بنظرات ذات مغزى لتهز حنين رأسها بإيماءة خفيفة تخبرها إنها تشاركها شعورها هذا ..
” موافقة بالطبع .. إنها فرصة رائعة بالنسبة لي ..”
استدارت أحلام على الفور نحو ابنتها ما إن سمعت موافقتها السريعة وذلك الحماس الواضح في نبرتها لتعاود النظر الى حنين بعدم رضا فتضع الأخيرة كافة تركيزها على طبقها تهرب من نظرات والدتها التي تضاعف قلقها بينما داخلها تعد نفسها أن تفهم ما يحدث وما سبب تصرفات نضال الغير طبيعية …
اما نضال فمنح حياة إبتسامة هادئة قبل أن يقول بجدية :-
” اذا اتفقنا .. سأرسل لك عنوان الشركة وموعد المقابلة لكن بعدما تعطيني رقمك …”
هزت حياة رأسها وقالت بجدية :-
” بعد الغداء اذا …”
ثم عادت تتناول طعامها وسعادة حقيقية تسللت نحوها ففرصة العمل في شركة ادوية كانت مهمة جدا بالنسبة لها …
انتهى الجميع من تناول الغداء لتنعزل حياة بعدها في غرفتها تفكر بخطوتها القادمة وكيف ستخبر والدتها بضرورة رحيلها ..
سمعت طرقات على صوت الباب فإتجهت نحوه تفتحه لتتفاجئ بنضال أمامها والذي منحها إبتسامة هادئة قبل أن يرفع هاتفه في وجهها قائلا :-
” أريد رقم هاتفك ..”
ابتسمت بهدوء ثم خرجت من الغرفة بعدما أغلقت الباب خلفها لتعطيه رقم هاتفها ..
سجل الرقم في هاتفه قبل أن يخبرها :-
” سأرسل لك كافة المعلومات … لا تقلقي أبدا فأنا أخبرته عنك ..”
قاطعته بجدية :-
” لا داعي لذلك … يعني انا لا أريد أن يقبلني بناء على توصيتك … “
أضافت بجدية :-
” كما إنني متفوقة في مجال دراستي وأظن إنه سيقبلني بإذن الله …”
تأملها للحظات قبل أن يقول بخفة :-
” إنه صديقي يا حياة ولا أجد مشكلة في توصيته عليك .. كما إن التوصية تقتصر على فترة التدريب فقط أما تثبيتك في الشركة من عدمه يعتمد عليك وعلى مدى اتقانك لعملك …”
أومأت برأسها رغم عدم شعورها بالرضا قبل أن تشكره بهدوء :-
” على العموم شكرا لك ..”
ابتسم مرددا :-
” على الرحب والسعة يا حياة …”
غادر بعدها لتعود الى غرفتها تجلس على سريرها مجددا ..
مر القليل من الوقت لتسمع رنين هاتفها فتجد إسمه يظهر على الشاشة …
دق قلبها لا إراديا وهي تتذكر إنه لم يتصل بها البارحة ولا لمرة واحدة فسارعت تجيبه وهي تقول :-
” مرحبا ….”
جاءها صوته يقول :-
” اهلا حياة .. كيف حالك ..؟!”
ابتسمت بخفوت وهي ترد :-
” انا بخير .. ماذا عنك ..؟!”
بدا صوته غير طبيعيا رغم محاولاته لإخفاء ذلك فأجاب :-
” بخير …”
اكتفى بهذه الكلمة فقط فشعرت بالإستغراب لتسأله بجدية :-
” هل انت بخير ..؟!”
سمعت صوت تنهيدته من خلال الهاتف قبل أن يجبيها بخفوت .-
” لا أعلم ..”
عقدت حاجبيها تسأله :-
” هل حدث شيء ما يا نديم ..؟! هل هناك مشكلة ما ..؟!”
أجابها بنفس الخفوت :-
” مشاكلي لا نهاية لا يا حياة … “
سألته مجددا بقلق ظهر في نبرتها بوضوح :-
” ماذا يحدث معك يا نديم …؟! أخبرني من فضلك …”
تنهد مجددا ثم قال :-
” ليس مهما يا حياة .. انا فقط اتصلت بك لإنني إشتقتِ إليك كثيرا وشعرت بالحاجة الشديدة لسماع صوتك …”
أضاف مسترسلا في حديثه :-
” هل يمكننا أن نلتقي مساءا على العشاء …؟!”
صمت قليلا ثم قالت بجدية :-
” لا مشكلة .. “
هتف بلهجة جادة :-
” إذا سأمر عليك في تمام الساعة السابعة مساء … “
” سأنتظرك …”
قالتها بجدية لتسمعه يودعها فتغلق الهاتف وهي تتنهد بصمت وعقلها يحاول تفسير سبب ما قاله ..
…………………………..،……………………………..
قبل السابعة مساءا بدقائق …
ألقت حياة نظرة أخيرة على نفسها بالمرآة قبل أن تخرج من غرفتها متجهة الى الطابق السفلي ومنه خارج المنزل حيث ستنتظر نديم الذي سيصل بعد دقائق بناء على موعدهما المتفق …
هبطت نحو الطابق السفلي ومنه الى الحديقة حيث قابلت نضال الذي وصل الى المنزل بدوره ليتأملها وهو يتقدم بخطواته نحوها بينما تقف هي في منتصف الحديقة قريبة من الباب الخارجي ..
تأملها بإهتمام حيث فستانها الحريري البسيط بألوانه المتداخلة من الأخضر والبني والقليل من الازرق حيث تتخطى حافة الفستان ركبتيها قليلا …
ترتدي فوقه سترة من الجينز ذات أكمام طويلة وحذاء رياضي مسطح في قدميها …
شعرها القصير مصفف بعناية كالعادة وملامحها لا تضع عليها شيئا سوى القليل من المكياج الذي يكاد لا يظهر مما يجعل طلتها تبدو طبيعية للغاية ..
بسيطة المظهر هي ورقيقة الملامح ورغم هذا تبدو مميزة …
وصل إليها فوجدها تبتسم له بهدوء قبل أن تهتف به :-
” مساء الخير ..”
رد بهدوء :-
” مساء النور .. هل تنتظرين أحد ..؟!”
أجابته بعفوية :-
” نعم .. أنتظر نديم .. هو سيصل بعد قليل …”
سألها مدعيا اللامبالاة رغم كونه يحترق فضولا ليفهم ما يجمعها بالضبط بذلك النديم الذي رآه لمرة واحدة فقط :-
” تقصدين الشاب نفسه الذي رأيته في المشفى …”
أومأت برأسها ليسألها بجرأة لطالما عرف بها ؛-
” هل هو خطيبك حقا ..؟! لا أقصد بالتطفل بالطبع ولكنني لم أرَ خاتما في يدك … “
أجابته حياة رغم شعورها بالإحراج مما قاله :-
” نعم هو يعتبر خطيبي ..”
عقد حاجبيه مرددا بإستغراب مصطنع :-
” يعتبر …”
عضت شفتيها ثم قالت :-
” نعم .. هو خطبني منذ فترة وانا وافقت … لكننا أجلنا إعلان الخطبة وإرتداء الخواتم بسبب وفاة والدي منذ مدة قصيرة ..”
أضافت بعدها :-
” من المفترض أن تكون خطبتنا بعد أيام حسب ما قررنا انا وهو …”
ورغم إنها لم تكن مقتنعة تماما بسرعة إقامة حفل الخطبة لكنها إضطرت الى قول هذا أمامه …
نظر إليها نضال للحظات بملامح لا يظهر عليها شيئا قبل أن يهز رأسه وهو يردد ببرود لم تلحظه :-
” مبارك مقدما …”
ابتسمت وهي تجيبه :-
” شكرا ..العقبى لك …”
تركها متجها الى الداخل بينما سمعت هي صوت رنين هاتفها حيث نديم يتصل بها يخبرها إنه وصل بالفعل …
اتجهت بسرعة خارج المنزل وهي ترسم على شفتيها إبتسامة عريضة …
ركبت السيارة جانيه وهي ما زالت تحتفظ بإبتسامتها ليبادلها الإبتسامة لا إراديا وهو يسألها :-
” كيف حالك ..؟!”
أجابته بسرعة :-
” بخير ، وانت ..؟!”
رد بصدق :-
” أصبحت بخير عندما رأيتك ..”
تنحنحت بخجل قبل أن تقول :-
“ماذا سنفعل الآن …؟!”
هتف بسرعة :-
” ماذا تحبين أن تفعلي أنت ..؟!”
تأملته قليلا قبل أن تقول :-
” من المفترض أن نتناول العشاء لكن ما رأيك أن نقوم بشيء آخر قبلها ..”
سأل بإهتمام :-
” ماذا تريدين مثلا ..؟!”
ابتسمت وهي تقول :-
” انت تبدو منزعجا من أمر ما وهذا كان واضحا في نبرة صوتك ظهر اليوم … “
صمتت لوهلة ثم قالت :-
سنذهب الى البحر … سيساعد في تحسين مزاجك …”
وجدته يتطلع إليها بنظرات غريبة لم تفهما قبل أن يقول بسرعة :-
” أنتِ فقط قرري وأنا معك ..”
ابتسمت ليبادلها إبتسامتها قبل أن يدير مقود سيارته متجها الى البحر كما تريد هي ..
…………………………………………………………………….
كانت حياة تجلس على احدى المسطبات الموضوعة قرب البحر عندما تقدم نديم نحوها وهو يحمل بيديه قدحين من القهوة …
تناولت حياة القدح منه وهي تشكره ليجلس هو جانبها حاملا قدحه بين يديه …
ارتشف قليلا منه ثم أخذ يتأمل مياه البحر الهادئة بصمت وحياة تفعل نفس الشيء ..
” هل ستبقين صامتة ..؟!”
سألها بعدما مر بعض الوقت وكلاهما صامتا شاردا في ملكوته …
إلتفتت نحوه وقالت بجدية :-
” أحب مراقبة البحر بصمت … أحب أن أتأمله وأشرد به حتى أنسى كل شيء حولي ..”
ابتسم بهدوء قبل أن يسألها :-
” أنتِ معتادة على جلوسك هنا ومراقبة البحر طويلا ، أليس كذلك ..؟!”
أومأت برأسها وهي تجيب :-
” هنا فقط كنت أشعر بالراحة بل أشعر بالإستقرار أيضا ..هنا جلست مرارا وفكرت مرارا بل واتخذت العديد من القرارات المهمة في حياتي … “
سألها فجأة بفضول :-
” هل كان أحد تلك القرارات هو قرار إرتباطك ..؟!”
صمتت قليلا ثم قالت بصدق :-
” كلا .. قرار ارتباطي بك جاء بسرعة … على عجلة ودون تفكير …”
عاد يسألها بجدية :-
” وهل هذا شيءٍ سيء ام جيد بالنسبة لك …؟!”
ردت بصراحة :-
“ليس جيدا بالطبع ..، قرار كهذا يحتاج الى وقت وتفكير كافي …”
صمتت للحظة تتأمل جمود ملامحه فتضيف بنبرة رقيقة :-
” لكنني أتأمل حقا أن يكوني قراري في محله … ألا يقول البعض إن أفضل القرارات وأنجحها هي التي تتخذ دون تفكير مسبق … “
ابتسم قائلا :-
” نعم الكثير يقول هذا …”
أضاف يلهجة جادة :-
” إذا كنت تشعرين إنني ضغطت عليك ..”
قاطعته بسرعة :-
” كلا ، الأمر ليس كذلك ..”
تنهدت ثم قالت :-
” لقد قررت خوض التجربة وانتهى الأمر .. أعلم إن النهاية مجهولة لكنني أثق بنفسي وقدرتي على تخطي أي شيء … “
أضافت بلهجة حازمة رغم جديتها :-
” ولكن تأكد إنني لن أتهاون في كرامتي وحق نفسي مهما حدث .. سأكون معك دائما وأبدا .. سأتحمل أي شيء لأجلك لكن عندما يصل الأمر الى كرامتي وحقوقي فلن أسمح لأي أحد أن يمسها بسوء …”
أنهت كلماتها وعادت تلتفت نحو البحر مجددا تتأمله بنفس الهدوء وهي تتمنى حقا أن يوفقها الله بما هو قادم ..
…………………………………………………………..
بعد جلوسهما لفترة عند البحر اتجها الى احد المطاعم القريبة حيث جلسا على احدى الطاولات ثم اختارا ما يرغبانه من الطعام ..
هتفت بعدما ابتعد النادل :-
” هناك شيء هام سأخبرك به ..”
سألها نديم مندهشا من ذلك الحماس الذي شع في عينيها بل والفرحة الواضحة على ملامح وجهها :-
” ماذا حدث ..؟! أخبريني ..”
ابتسمت وقالت :-
” وجدت فرصة عمل في احدى شركات الادوية … الشركة تحتاج الى مدربين حيث سنتدرب لمدة قبل أن يختاروا الأفضل بيننا ليصبح موظف دائم عندهم …”
” رائع .. انها فرصة جيدة ..”
قالها بصدق لتبتسم بحماس وهي تثرثر بعفوية :-
” نعم ، انها فرصة جيدة للغاية .. انا كنت أرغب في العمل في احدى شركات الادوية منذ مدة ولكن هذا الأمر صعبا بالطبع لذا عملت في احدى الصيدليات لكن نضال هو من أخبرني عن هذه الشركة …”
قاطعها بتجهم :-
” قلت من ..؟! نضال ..؟!”
ارتبكت للحظات من وجومه الصريح لكنها أومأت برأسها وهي تقول :-
” نعم ، مدير الشركة صديقه أصلا “
سألها بملامح حانقة :-
” وكيف علم نضال بدراستك الصيدلة بهذه السرعة بل ووجد لك وظيفة في شركة صديقة ايضا ..؟!”
ابتلعت ريقها قبل أن تسأله بصوت متحشرج :-
” ما بالك يا نديم ..؟! لماذا تبدو غاضبا …؟! أنا لا أعلم كيف علم لكن بالتأكيد حنين من أخبرته او ربما والده او حتى والدتي … “
” يبدو إنه مهتما بك لدرجة معرفته مجال دراستك بهذه السرعة بل وإيجاد وظيفة لك أيضا …”
كانت يتحدث بلهجة عدائية لتتجمد ملامحها وهي تقول :-
” لماذا تتحدث بهذه الطريقة ..؟! هو لم يفعل شيئا سيئا يا نديم .. “
قاطعها بسرعة يسألها بقليل من الحدة :-
” متى ستعودين الى منزلك ..؟!”
أجابته بخفوت :-
” قريبا جدا .. سأتحدث مع ماما اولا .. “
” لا يعجبني وجودك مع شاب غريب في نفس المنزل .. عودي الى منزل والدك من فضلك ..”
قالت بجدية :-
” أخبرتك إنني سأفعل .. فقط امهلني بعض الوقت ..”
” مالذي تنتظرينه ..؟! وكم من الوقت تحتاجين ..؟! الأمر بسيط جدا .. إجمعي اغراضك وغادري ..”
كان يتحدث بإنفعال لم يعجبها فهتفت به بضيق :-
” ما بالك يا نديم ..؟! لماذا تتحدث بهذه الطريقة معي ..؟!”
أجابها بغضب :-
” لإنك تماطلين دون داعي … أخبرتك منذ أكثر من يومين بضرورة مغادرتك ولم تفعلي …”
قاطعته بقوة :-
” اولا أنت قلتها بنفسك .. أخبرتني منذ يومين فقط يا نديم .. ثانيا انا أجبتك حينها بإنني لا أرى أي مشكلة في وجودي هناك ولكنني في نفس الوقت أريد ترك المنزل لكن بالطبع ليس لإنك أردت هذا بل لإنني لا أشعر بالراحة خارج منزلي ..”
أزعجه ما قالته عن عدم إهتمامها برغبته هو فسألها بغضب مكتوم ؛-
” وماذا تنتظرين لتغادري ..؟!”
أجابته :-
” أخبرتك إنني أحاول إيجاد الطريقة المناسبة للمغادرة دون إزعاج والدتي … لا أريد أن أتسبب لها بأزمة صحية جديدة .. سأتحدث معها بتأني شديد وأحاول إقناعها دون أن أزعجها ..”
هز رأسه بعدم إقتناع قبل أن يردد بسخط :-
” لا أفهم متى أصبحت مشاعر والدتك تهمك لهذا الحد .. أليست والدتك نفسها التي كنتِ لا تطيقين رؤيتها كونها تركتك وأنت صغيرة بل كنت ترفضين حتى سماع صوتها .. الآن أصبحت والدتك تمثل كل هذه الأهمية بالنسبة لك ..”
توقف عن كلماته وهو يلاحظ جمود ملامحها فهم بالإعتذار لكنها سارعت تجذب حقيبتها وتندفع خارج المكان ..
لحقها بسرعة مناديا عليها محاولا إيقافها وقد أدرك مدى غبائه فهو تحدث بأكثر المواضيع حساسية بالنسبة لها ..
” حياة ..”
قالها وهو يجري خلفها قبل أن يجذبها من ذراعيها لينصدم من ملامحها الغاضبة ونظراتها القاسية الموجهة نحوه قبل أن تصيح به بإنفعال مخيف وهي تحرر ذراعها من قبضته :-
” لا تلمسني .. ابتعد عني يا نديم لإني في هذه اللحظة لا أطيق النظر في وجهك حتى …”
ثم ركضت بعيدا عنه وهي تشير الى احدى سيارات الأجرة لتسارع نحوها وتركب السيارة لتسمح أخيرا لدموعها بالتحرر ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية