Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

  رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل التاسع و العشرون 29


في احد ارقى المطاعم في البلاد والذي يقع في أطراف العاصمة حيث لا يوجد سوى القليل من الزوار الذي ينتمي جميعهم للطبقة العليا كان يجلس على احدى الطاولات المعزولة تماما ينتظر قدومها بفارغ الصبر بعدما دعاها على العشاء منذ يومين وقبلت هي دعوته برحابة صدر ..!!

وجدها تتقدم نحوه أخيرا بعدما أرشدها النادل الى مكان الطاولة المحجوزة بإسمه ليتأملها بتمعن من رأسها حتى أخمص قدميها فتجذبه خصلات شعرها التي صبغت معظمها باللون الأشقر فأصبح شعرها مزيج بين لونه البني الأصلي واللون الأشقر مما منحها جاذبية لا تقاوم .. كانت ترتدي فستانا كريمي اللون كلاسيكي التصميم يلتصق بجسدها حتى أسفل ركبتيها بحمالات رفيعة أبرز قدها الرشيق الجذاب رغم نحافتها بشكل عام ..

أسفل قدميها كانت ترتدي حذاء بتصميم كلاسيكي ايضا لونه مقارب للون الفستان ذو كعب رفيع للغاية طويل نسبيا ..

كانت طلتها مبهرة وجمالها لا يختلف عليه اثنان ..

كل شيء بها جذاب ومبهر …

جمالها دوما كان واضحا للجميع وجاذبيتها لا خلاف عليها ..

لقد منحها الله الحسن والبهاء الذي تحتاجه أي أنثى …

وأخيرا وصلت أمامه فألقت التحية بنبرتها الناعمة لينهض من مكانه بعدما أوقفها بإشارة منه ثم سحب الكرسي لها لتمنحه إبتسامة مميزة وهي تجلس على الكرسي بينما يعود هو الى مكانه مبتسما نصف إبتسامة وملامحه هادئة تماما ..

هتف وهو يتأملها مجددا :-

” تبدين مذهلة ..”

ابتسمت وهي ترد :-

” شكرا على هذا الإطراء ..”

أضاف وهو يتأمل خصلاتها الشقراء :-

” وغيرتِ لون شعرك ايضا ..؟!”

ردت وهي تلامس أطراف خصلاتها الشقراء بأناملها :-

” لقد إعتدت على تغيير نمط مظهري الخارجي بإستمرار .. وهذه المرة اخترت اللون الأشقر ..”

ابتسم مرغما وهو يقول :-

” لم تكونِ كذلك .. دائما ما كنت تحبين أن تكوني بنمط واحد سواء في شعرك او حتى ملابسك ..”

قاطعته بجدية :-

” لقد تغيرت .. أصبحت أميل الى التغيير دائما ..”

أضافت مازحة :-

” تغيير وليس تجميل بالطبع .. فأنا لم أقم بعمليات تجميل كي لا تظن إنني لجأت الى هذا النوع من التغيير ايضا ..”

رد بجدية :-

” وهل من مثلك تحتاج الى عمليات تجميل يا شيرين ..؟!”

ردت بجدية :-

” الأمر أصبح لا يتعلق بالجمال فقط .. يعني التجميل أصبح موضة لدى الجميع … الأغلبية تلجأن إليه بغض النظر عن شكلهن ومقدار جمالهن ..”

هتف بنفس الجدية :-

” إياكِ أن تفعيلها يوما .. انت لا تحتاجين الى اي عملية من أي نوع .. كل شيء بكِ متكامل ..”

ابتسمت وهي تقول :-

” لن أفعلها .. اطمئن .. انا أساسا لا أحب هذه العمليات والأهم إنني أخاف للغاية من هذه العمليات ولا يمكنني أن أسمح لأي طبيب أن يلمس وجهي من شدة خوفي ..”

توقفت عن حديثها وهي ترى النادل يتقدم نحويهما ويحمل قنينة من احد ارقى المشروبات الكحولية الذي يفضله عمار وخلفه نادل يحمل صينية موضوع عليها كأسين ..



وضع أمام كلا منهما كأسه وبدأ يصب النبيذ عندما أشارت له شيرين أن يتوقف مرددة بجدية :-

” شكرا لكنني لا أشرب هذا النوع من المشروبات ..”

هتف عمار بسرعة :-

” هات للمدام ما تفضله ..”

ردت بتجهم :-

” سأقرر أولا ثم أخبرك بما أرغب ..”

انسحب النادل بعدها لتتأمله شيرين وهو يسحب الكأس ينوي ارتشاف البعض مما يوجد داخله عندما همست بجدية :-

” انا لا أجلس على طاولة يوجد عليها هذا النوع من المشروبات ..”



توقف بدهشة والكأس ما زال في يده عندما وضعه على المائدة مرددا بإستغراب :-

” عفوا ..؟! ماذا تعنين بهذا ..؟!”

ردت ببرود :-

” لست معتادة على الجلوس مع أشخاص يتناولون الخمر .. انا اسفة لكن اذا لن تشرب شيئا آخر غير الخمر فسأضطر الى مغادرة المكان ..”

كتم غيظه بقوة وهو يلاحظ نظرة الإصرار في عينيها وملامحها التي بدت جادة للغاية فأشار الى النادل الذي تقدم بسرعة فعمار الخولي من أشهر زبائن المحل …

هتف عمار وهو يسألها بجدية :-

” ماذا تحبين أن تشربي قبل العشاء ..؟!”

ابتسمت وهي ترد :-

” عصير التفاح من فضلك ..”

هز النادل رأسه مبتسما برسمية بينما زفر عمار أنفاسه مرددا من بين أسنانه :-

” وانا هات لي عصير برتقال ..”

هتفت شيرين مشيرة الى النادل :-

” من فضلك لا نريد قنينة المشروب هذه ولا الكؤوس خاصتها ..”

” حاضر يا هانم ..”

قالها النادل بنفس الرسمية قبل ان ينسحب طالبا من زميله ان يسارع ويحمل قنينة المشروب والكأسين بعيدا عن الطاولة ..

بعدما حمل النادل القنينة والكأسين هتف عمار من بين أسنانه :-



” عمار الخولي يطلب عصير البرتقال .. لم أفعل شيئا كهذا منذ أن تجاوزت العشرين من عمري ..”

ضحكت وهي تردد بلا مبالاة :-

” لم أجبرك على تناوله .. كان بإمكانك أن تستمر في تناول مشروبك وتتركني أغادر ..”

“يبدو إن هناك أشياء لم تتغير فيكِ .. عصير التفاح مثلا والهوت شوكليت ..”

ابتسمت تردد :-

” ما زلت تتذكر إنه عصيري المفضل اذا ..”

” بالطبع ..”

قالها وهو يتراجع الى الخلف بأريحية قبل أن يضيف ببرود :-

” والمثاليات الفارغة ..”

رمشت بعينيها تسأله بصوت جاف :-

” عفوا ..!!

رد بإبتسامة ملتوية :-

” أتحدث عن المثاليات الفارغة يا شيرين .. عندما رأيتك بعد هذه السنوات ولاحظت كم تغيرت في طريقة لبسك بل شخصيتك تغيرت تماما لم أظن إنك ما زلت تحملين الكثير من تحفظ الماضي ..”

سألته بإقتضاب :-

” وما علاقة رفضي لوجود الخمر بتحرري الجديد يا عمار ..؟!”

رد بقليل من الإستهزاء :-

” يعني ملابسك مثلا … أتحدث عن تلك الملابس في النادي .. ووجودك هنا معي .. تصرفات كهذه تناقض رفضك لوجود الخمر على طاولتك ..”

منحته إبتسامة هادئة فاجئته وهو الذي ظن إنها ستغضب قبل أن تهتف بجدية لا تخلو من الحكمة :-



” انا لست متدينة يا عمار .. لست كذلك ولن أدعي ذلك .. ملابسي متحررة وربما شخصيتي تحررت قليلا .. وجودي معك هنا يدل على نوع من التحرر أيا كان ..”

أخذت نفسا عميقا ثم قالت مضيفة :-

” لكن هناك أشياء لا يتدخل تحرري بها .. الخمر مثلا شيء محرم علي .. انا لم أعتد على وجوده في منزلي ولا مع من أشاركهم جلساتي .. هكذا تربيت وعلى هذا الأساس كبرت … انا لست ملتزمة بما فيه الكفاية لكنني لست متحررة الى الدرجة التي أتقبل بها وجود الخمر كأمر عادي .. ليس الخمر فقط بل هناك أشياء أخرى أيضا ووجودك هنا معك هو بسبب دعوتك لي والتي من وجهة نظري لا يوجد بها اي مشكلة .. دعوة عشاء في مكان عام وحولنا العديد من الناس .. أين الخطأ في ذلك ..؟!”

تقدم النادل ووضع العصير الخاص بكل منهما أمامهما ثم انسحب بعدها ليحمل عمار عصيره ويرتشف منه القليل قبل أن يقول ببرود :-

” أصبحت فيلسوفة يا شيرين ..”

ردت ببرود :-

” لم أعهد نفسي ذات شخصية سطحية او تافهة يوما لتعتبر كلامي هذا فلسفة ..”

ابتسم مرغما وهو يقول :-

” حسنا لا تغضبي .. انا احترمت مبادئك وشربت العصير بدل الخمر .. ”

أضاف بعدها:-

” اتركينا من هذا الموضوع الآن ودعينا نتحدث في اشياء أهم ..”

” أشياء مثل ماذا ..؟!”

سألته وهي ترتشف رشفة صغيرة من عصيرها ليسألها بإهتمام :-

” ماذا تفعلين في الوقت الحالي ..؟! أقصد على المستوى المهنى ..”

ردت ببساطة :-

” لا شيء حتى الآن .. لكنني سأفعل قريبا بالطبع ..انا عدت للبلاد منذ فترة قصيرة وفضلت أن أستمتع عدة أشهر قبل أن أفكر في العمل وما سأفعل هنا بعد إستقراري مجددا …”

” هل هناك شيء ما في عقلك .؟!”

سألها بجدية لترد بصدق :-

” لا يوجد شيء محدد … أفكر في مشروع يناسبني .. مشروع أستمتع به وليس أعمل فقط ..”

هتف ممازحا :-

” كنت سأطلب منك أن تعملي معي في مجموعة شركاتي لكن بالطبع هذا لن يناسبك طالما تبحثين عن المتعة ..”

سألته بجدية :-

” انت تدير مجموعة شركات والدك ، أليس كذلك ..؟!”

رد وهو يهز رأسه :-

” نعم ، انا المدير العام لمجموعة شركات الخولي …”

” وماذا عن أخوانك ..؟! نديم وغالية ..؟!”

سألته وهي ترتشف من عصيرها مجددا ليرد ببرود وملامحه سيطر عليها الوجوم لا إراديا عندما ذكرتهما :-

” غالية تعمل معي ضمن فريق الإدارة اما الآخر فهو لا يفهم عملنا من الأساس …”

” لكنه أصبح بلا شهادة جامعية .. ومنطقيا هو مجبر على العمل في شركات والده بدلا من البقاء هكذا دون عمل ..”

رد بإقتضاب :-

” هو حر فيما يفعله .. انا لا علاقة لي به ..”

هتفت بهدوء لا يخلو من التأنيب :-

” كيف إستطعت فعل هذا ..؟! كيف غدرت به هكذا ..؟! ألم تشعر بالتردد للحظة ..؟! ألم يؤنبك ضميرك ولو قليلا حتى ..؟!”

تجهمت ملامحه بقوة وهو يتسائل بصوت جاف :-

” مالذي يجعلك متأكدة إنني السبب فيما حدث له ..؟؟”

ردت وهي تبتسم رغم ضيقها الشديد الذي يسيطر علها كلما تتذكر حقارته مع أخيه :-

” لإنني كنت أنتظر إنتقامك هذا يا عمار .. كنت أنتظر اليوم الذي ستنتقم به من نديم .. مثلما كنت أنتظر اليوم الذي سوف تسيطر به على كل شيء .. ”

أضافت وعيناها تسيران حول ملامح وجهه الجامدة بحنو سلب لبه :-

” أنا أعرفك أكثر من نفسك .. أفهمك لدرجة لا تتخيلها … نظرة واحدة منك اتجاه أخيك جعلتني أدرك ما تضمره له .. جعلتني أفهم كم تكرهه وتحقد عليه .. ”

” كنت تعلمين منذ ذلك الوقت ..؟!”

سألها بعدم إستيعاب لترد بجدية :-

” وكنت أنتظر مجيء هذا اليوم حتى إنني حذرت ليلى منك ومن حقدك عليه .. هل تعلم ..؟! لو كان لدي أمل ضئيل حتى بإنه يمكنني جعلك تتراجع عن إنتقامك المنتظر لما تركتك .. كنت سأتمسك بك حتى أثنيك عما تنتويه .. لكنني أدركت إن إنتقامك اللعين أكبر من أي شيء … أكبر مما بيننا ومن حبنا حتى ..”

” إذا هذا هو سبب ترككِ لي ..؟!”

سألها بجمود لترد وهي تومأ برأسها :-

” لم أستطع الإستمرار معك وبداخلك كل هذا الكره والحقد نحو أقرب الناس لك … كنت أعلم إن الغدر قادم وانا كنت سأتركك عاجلا أم أجلا لإنني لم أكن أستطيع التعايش مع هذا الكم من الحقد والسواد داخلك .. كنت صغيرة وأبرأ من أن أستوعب كل ما تحمله روحك وكل ما هو مزروع داخل قلبك لذا إخترت الرحيل او بالأحرى الهرب .. وموضوع تلك الفتاة كان حجة لا أكثر فأنا أعلم إنك لم تخني يوما لكنني أتخذت الأمر حجة ليس إلا لإنني لم أكن مستعدة لشرح كل هذا لك خاصة وأنا أدرك إن كلامي لن يجد صداه داخلك …”

منحها إبتسامة جامدة وهو يشيح بوجهه بعيدا لتضيف بألم :-

” لكنني رغم كل هذا لم أتخيل أن يكون إنتقامك بهذا الكم من البشاعة .. لم أتخيل إنك تدمره تماما وتجرده من كل شيء حتى حب حياته ..”

استدار نحوها مرددا بصوت قاسي رغم خفوته وقد بدت عيناه الخضراوان غامقتان للغاية :-

” يكفي ، انت بالذات لا يمكنك أن تقولي هذا .. انت بالذات لا يحق لك قول وهذا انت تدركين جيدا ما عايشته انا ووالدتي بسبب صباح وأبنائها ..”

ردت بقوة :-

” صباح ربما لكن أبنائها لا .. لا يا عمار .. أخوك لا ذنب له في أفعال والدك ولا في نهاية والدتك ولا في كل هذا ..”

صاح بعدم وعي :-

” يكفي ..”

ابتلعت ريقها وهي تردد بتريث :-

” حسنا لا ترفع صوتك لإنك ستجذب الأنظار إلينا ..”

جذب عصيره يرتشف منه عدة رشفات دفعة واحدة ليسمعها تقول بأسف :-

” انا اسفة يا عمار .. لم يكن علي التحدث بأمر هكذا الآن ..لكنني حقا لم أتحمل … كلما أتذكر ما فعلته أشعر بحرقة في صدري .. هذا الكلام كنتِ أريد قوله منذ أن علمت بما حدث ..”

” من فضلك يكفي .. انا انتقمت بالشكل الذي أراه مناسبا .. لست نادما أبدا ولو عاد بي الزمن الى الوراء سأنتقم منه بنفس الطريقة بل لو وجدت شيئا أسوء لفعلته دون تردد ..”

ملامحه المليئة بالقسوة والتي عكست السواد داخله بدت مخيفة للغاية ..

همت بالتحدث وقد سيطر الغضب عليها من هذا السواد والجنون الذي يتحدث به لكن صوت رنين هاتفه أوقفها ..

تابعته وهو يجيب على المتصل ليهب من مقعده بعد ثواني متسائلا بملامح مذعورة :-

” كيف يعني ..؟! ماذا حدث لها ..؟!”

وجدت يطبق شفتيه بقوة قبل أن يهتف بوجوم ونبرة بدت مخيفة :-

” انا قادم حالا ..”

أغلق الهاتف وأشار لها بجدية :-

” يجب أن أغادر حالا .. اختي في حالة سيئة ويجب أن أذهب لها ..”

قالت بسرعة :-

” سائقي ينتظرني في الخارج .. اذهب انت وانا أيضا سأغادر معه ..”

هز رأسه بعدم استيعاب وهو يسارع للمغادرة والقلق ينهشه .. كل ما يريده أن يصل إليها في هذه اللحظة ولا يريد شيئا سوى هذا ..


كانت تصرخ بلا وعي وهي تحطم كل شيء تراه أمامها ..

عقلها لم يكن يستوعب ما سمعته وروحها كانت محطمة كليا …

كانت محاطة براغب الذي يرجوها أن تهدأ ويجاوره والده الذي يتوسلها بكلماته ألا تفعل ما يضرها لكنها لم تأبه فظلت ترمي ما في وجهها على الأرض وهي تصرخ بلا وعي وكلمات غير مفهومة قبل أن تنكمش على الحائط جانبا تردد بصوت باكي :-

” اريد عمار .. اريده حالا…”

دخل راجي الى الغرفة بعدما انهى إتصاله بعمار يخبرها بتوسل :-

” اتصلت به وهو قادم حالا .. فقط اهدئي ارجوكِ ..”

” اريده حالا .. اريد عمار .. عمار ..”

وظلت تردد اسم أخيها بعدما انهارت في بكاء يمزق القلب عندما هتف عمها عابد بصوت متوسل وقلبه يأن ألما عليها :-

” اهدئي يا حبيبتي .. سنجلبه لك حالا ..”

” جيلان تعالي واجلسي..”

قالها راجي وهو يحاول التقدم نحوها لكنها صرخت من بين بكائها وهي تبكي أكثر :-

” لا تقترب .. ابتعدوا جميعكم عني .. أريد أخي .. أريد عمار …”

اما في الخارج فكان يقف مهند مستندا بظهره على الحائط وجانبه يقف فيصل بملامح متوترة بينما الجمود يحتل ملامح مهند ..

زهرة تتحرك داخل الممر بعصبية وهي تريد أن تفهم ما يحدث وهمسة تتآكل خوفا على الفتاة لكنها لا تستطيع الدخول بعد تحذير راغب للجميع من عدم الدخول حالا ..

بجانبها تقف توليب المرتعبة مما تسمعه من صوت صياح وبكاء وهي بدورها لا تفهم ما يحدث …

كان مهند يقف بجمود يستمع الى صوت صراخها الذي بدأ يخفت وعقله يراجع ما حدث عندما استمعت هي الى حديثه وانتبه هو وأخيه لها لتسقط هدية أخته من بين يديها بينما تنطلق هي بسرعة مخيفة الى الطابق العلوي حيث غرفتها يلحقها فيصل بينما بقي هو جامدا مكانه لم يعرف ماذا يفعل حتى وجد راغب يتقدم نحوه يتسائل مستغربا وقوفه هكذا عندما صدح صوت صرخة جيلان من الأعلى فإندفع كلاهما بلا وعي الى الطابق العلوي وهب والداه مع همسة واخته ايضا الى الاعلى بينما خرج راجي من جناحه متجها الى نفس المكان بعدما أخذ فيصل ينادي برعب من الحالة الهيستيرية التي أصابتها على الجميع وهو الذي ركض خلفها محاولا التحدث معها ..

اندفع راغب ومعه والده الى الداخل بينما سارع راجي يتصل بأخيها الذي هددهم بصراحة إنه يجب أن يعلم بأي شيء تمر به أخته وقد قرر الإتصال بعدما فهم من فيصل ما حدث وهو يخبره معرفة جيلان بأمر الزواج خفية عن البقية وبصوت متلعثم بينما انتقل الخبر الى راغب ووالده وها هما يحاولان احتواء الموقف دون فائدة ..

” ماذا يحدث بالضبط ..؟! ماذا فعلتما بالفتاة ..؟!”

سألتهما زهرة بقوة هما الاثنان لينظر فيصل الى مهند الجامد بتردد بينما هتفت توليب بصوت مبحوح :-

” الفتاة ستموت من البكاء والصياح .. ماذا فعلتما لها ..؟!”

” انا لن أتحمل .. سأدخل إليها ..”

قالتها زهرة وهي تندفع الى الداخل متجاهلة زوجها وابنيها مرددة وهي تحاول التقدم نحوها :-

” جيلان صغيرتي .. اهدئي يا روحي .. اهدئي وأخبريني ما حدث …”

هتفت جيلان باكية وهي تشير بلا وعي الى الجميع حولها :-

” يقولون إنني زوجته .. إنه زوجي .. انا لست متزوجة .. لم أتزوج ابدا ..”

” من قال هذا ..؟! ومتزوجة ممن ..؟!”

سألتها زهرة بعدم تصديق فعادت تبكي مجددا لتلتفت نحو راغب الذي سيطر الجمود على ملامحه وعابد الذي أخفض رأسه بقهر فسألتهما بنبرة متهمة بينما انسحب راجي خارجا ؛-

” ماذا يحدث بالضبط ..؟! مالذي تقوله جيلان ..؟! من أخبرها بهذه الخرافات ..؟!”

رد راغب بجدية والجمود ما زال يحتل ملامح وجهه :-

” هذه ليست خرافات .. طالما هي سمعت وأدركت كل شيء يجب أن يعرف الجميع .. ”

أضاف وهو ينظر الى والده الواجم :-

” جيلان تزوجت .. تزوجت مهند ..”

شهقت زهرة بعدم تصديق بينما صرخت جيلان بصوت وصل الى الخارج :-

” هذا كذب .. انا لست متزوجة .. انا لم أتزوج أبدا .. أنتم تكذبون .. ”

في تلك اللحظة اندفع مهند الى الداخل بعدما سمع ما قالته فهتف بنبرة قوية متسلطة :-

” ما يقوله راغب صحيح .. جيلان زوجتي .. زوجتي على سنة الله ورسوله ..”

” كلا انت لست زوجي .. انت كاذب ..”

قالتها وهي تنتفض في مكانها قبل أن تبكي بعنف مخيف فجاء دور همسة التي كانت قد دخلت تتبع مهند تحاول إيقافه حيث سارعت تحتضنها تحاول تهدئتها لتنهار جيلان باكية بين أحضانها …

هتفت زهرة بأولادها الثلاثة وزوجها بعدم تصديق وإنفعال شديد :-

” اللعنة عليكم جميعا .. ماذا فعلتم ..؟! ماذا فعلتم بالفتاة ..؟! لا سامحكم الله ولا وفقكم .. كيف تفعلون هذا ..؟! كيف .،؟!”

شعرت بدوار يسيطر عليها فتقدم راجي نحوها يحاول لمسها لكنها دفعته وهي تتماسك بقوة :-

” ابتعد عني .. لا تلمسني .. أنت شريكهم بهذه الجريمة ..”

التفتت الى زوجها تهتف به بحدة ولا وعي :-

” وانت ..؟! كيف رضيت بهذا ..؟! كيف سمحت بشيء كهذا ..؟!”

أضافت وهي تحرك رأسها بلا وعي :-

” يا إلهي ، انها فتاة صغيرة .. قاصر .. قاصر أيها الحمقى ..”

” أمي يكفي ..”

قالها راغب من بين أسنانه بينما كان كلا من توليب وفيصل واقفين عند الباب يتابعان الموقف برعب وعدم تصديق ..

” اخرس .. انت بالذات لا تتكلم ..”

صاحت في راغب بقسوة ليضم راغب شفتيه بقوة بينما التفتت هي نحو جيلان تتقدم نحوها تهتف برجاء :-

” اهدئي يا صغيرتي .. اهدئي وأعدك إن كل شيء سيكون بخير ..”

وعندما وجدت الفتاة مستمرة في بكائها الموجع وهي تتمسك بأحضان همسة التي هطلت دموعها لا إراديا على حالة الفتاة أدمعت عينا زهرة ايضا فإلتفتت نحو ابنائها الثلاث تصيح بهم :-

” حسبي الله ونعم الوكيل فيكم .. ماذا فعلتم أيها المجرمون ..؟!”

أضافت بغضب :-

” هذه جريمة يا ملاعين .. الفتاة قاصر .. قسما بربي سأبلغ عنكم بتهمة تزويج قاصر ..”

هتف راجي بنفاذ صبر :-

” يكفي بالله عليكِ .. أساسا عمار الخولي في طريقه الى هنا وسيقيم حفلة فوق رؤوسنا بعدما يعلم ما حدث ويرى أخته بهذا الوضع … ”

ردت بتحدي وعصبية :-

” بل انا من ستقيم حفلة فوق رأسك انت وأخوانك بل وأبيك أيضا وسأجعلكم ترقصون بها جميعا ..”

” زهرة ..”

نهرها عابد بضيق لتهتف بحسرة :-

” انت يا عابد .. انت تفعل بإبنة أخيك هذا ..”

عادت شهقات جيلان تعلو فهتف مهند بنفاذ صبر :-

” ما بالك تتحدثين وكأن زواجها مني عقوبة ..؟! تتحدثين وكأنها تزوجت بوحش ..”

اندفعت جيلان وهي تبتعد من بين أحضان همسة تصرخ بلا وعي :-

” انت لست زوجي ولن تكون .. هل تفهم ..؟!”

” زوجك غصبا عنك ، شئتِ أم أبيت ..”

صاح بها بقسوة ليتوقف وهو يستمع الى صوت أحدهم يصيح به بصوت جهوري مخيف :-

” لا ترفع صوتك عليها ..”

استدار الجميع ليجدوا عمار الخولي أمامهم فإندفعت جيلان راكضة وهي تتعثر في ركضتها قبل أن تلقي نفسها بين أحضانه وهي تبكي بفرحة وألم في آن :-

” عمار ، أخيرا أتيت ..”

إحتضنها بقوة وهو يرمي مهند بنظرات حارقة قابلها الأخير بنظرات لا مبالية بينما هتفت زهرة بصوت جاد :-

” ها قد وصل شريككم في الجريمة ..”

تأمل عمار المرأة التي بدت في منتصف الخمسينات بملامح متجهة دون رد عندما ابتعدت جيلان عن أحضانه تخبره وهي تشير نحوهم بإتهام :-

” تخيل يا عمار .. هؤلاء يقولون إنني متزوجة من هذا ..”

توقفت بيدها نحو مهند الذي كتم غضبه بصعوبة لتضيف وقد توقفت عن البكاء :-

” خذني من هنا يا عمار .. هؤلاء كاذبون .. لا تتركني هنا .. قد يزوجوني إليه غصبا ..”

” جيلان صغيرتي اهدئي من فضلك ..”

قالها بصوت حانِ قبل أن يحتضن وجهها بين كفيه وهو يقول :-

” سأتحدث وتسمعيني اولا ولن تنهاري مهما حدث ..”

ابتعدت عنه خطوتين وهي تردد :-

” هم يكذبون .. لماذا لا تحاسبهم ..؟! لماذا لا تصرخ بهم وتأخذني من يدي خارج هذا المكان ..؟!”

أغمض عمار عينيه بعجز بينما بالكاد سيطرت زهرة على دموعها من منظر الفتاة المؤلم …

” اتركونا لوحدنا من فضلكم ..”

قالها عمار بعدما فتح عينيه لتسارع زهرة بالخروج وهي تشعر بعدم قدرتها على التحمل يتبعها الجميع …


اندفعت زهرة خارج المكان يتبعها الجميع لتتوقف بعد مسافة قليلا مستديرة نحوهم فيتوقف الجميع لا إراديا ..

أشارت تسأل همسة :-

” انت كنت تعلمين ، أليس كذلك ..؟!”

ردت همسة بصوت مبحوح من آثر البكاء :-

” خالتي انا ..”

تدخل راغب يهتف فورا :-

” همسة لا علاقة لها بالأمر .. ”

” انت بالذات اصمت ..”

قالتها بقوة قبل أن تشير إليه بصوت ضعيف مؤنب :-

” انت صاحب هذه الفكرة .. بالطبع أنت .. كيف فكرت بشيء كهذا ..؟! كيف إستطعت إستغلال قاصر بهذه الطريقة المشينة ..؟!”

هتف راغب بعدم تصديق :-

” أمي انتِ فهمتِ الأمر بطريقة مختلفة ..”

” اهدئي يا ماما ارجوك ودعينا نفهم ..”

قالتها توليب بترجي وهي تقبض على ذراع والدتها لتصرخ زهرة بعصبية :-

” ماذا نفهم ..؟! مهند بك تزوج ابنة عمك القاصر .. القاصر يا توليب .. وأخوكِ كبير العائلة الموقر هو من قرر هذا ونفذه .. ”

أضافت وهي تشير الى زوجها بضعف :-

” أما أنت يا عابد … ”

توقفت للحظات قبل أن تأخذ نفسها وتهتف بصوت شبه باكي متحسر :-

” انت خذلتني يا عابد .. لا أصدق إنك توافق على شيء كهذا … ابنة اخوك اليتيمة الوحيدة .. كيف تفعل بها هذا ..؟!”

” يكفي يا زهرة من فضلك ..”

قالها عابد بتوسل وتعب ليهتف راجي بتعقل :-

” افهمي أسباب هذا التصرف قبل الحكم على الجميع يا أمي ..”

لكن زهرة ردت بقوة وإصرار :-

” مهما حدث وأيا كانت الأسباب .. لا يحق لأي أحد تزويج فتاة قاصر لم تتجاوز عامها السادس عشر ودون علمها .. أنتم إرتكبتم جريمة إنسانية شارك بها كل من علم بهذه الزيجة ووافق عليها ..!!”

أشارت بعدها الى راغب بصوت متسلط :-

” اتبعني الى جناحي … اريد التحدث معك على انفراد …”

أضاف وهي تشير الى مهند :-

” وانت اذهب الى جناحك وانتظرني .. سآتي إليك بعد قليل …”

سار راغب خلفها على مضض عندما فتحت له باب الجناح وفسحت له المجال للدخول تتبعه هي والتي أغلقت الباب وتوقفت أمامه ترمقه بنظراتها الثاقبة القوية ..

كان راغب يعلم مدى قوة والدته وسيطرتها ..

لطالما كانت إمرأة صلبة قوية رغم حنانها الشديد وطيبتها وتواضعها لكن وقت اللزوم تتحول الى إمرأة حادة مخيفة ..!!

” الآن ستخبرني .. ما سبب هذه الزيجة ..؟! ”

” سأتحدث بإختصار .. ما حدث هو مجرد اتفاق …اتفاق بيني وبين عمار .. وجدت إن مكان جيلان بيننا أفضل من وجودها مع أخيها الذي لا يستطيع الإهتمام بها وهو يعمل بإستمرار ويدير شركات ضخمة وفوق هذا عازب ايضا أي لا توجد حتى زوجة له تكون معها ..”

تنهد مضيفا :-

” طلبت منه بقاء الفتاة معنا وحصلت بعض الإتفاقيات الخاصة بأملاك عمي رحمه الله وعلى أساسها وافق عمار على تزويجها من مهند و …”

قاطعته بقوة :-

” ما علاقة بقائها هنا بتزويجها من مهند ..؟! ”

رد بهدوء :-

” وجدتها فرصة للتحكم بمهند قليلا وإعادته الى رشده … أنت تعلمين جيدا علاقته بتلك الفتاة و ..”

قاطعته بعدم تصديق :-

” أي تحكم بالله عليك ..؟! ما هذا الهراء الذي تتفوه به ..؟! وجيلان المسكينة هي من ستعيده لرشده .. ألم تجد سوى تلك البريئة الصغيرة لتزوجها لمهند ..؟! مهند يا راغب ..؟! كيف إستطعت فعل هذا ..؟! كيف سمح لك ضميرك بهذا ..؟!”

” أمي افهميني ..”

” انت تكذب يا راغب .. هناك سبب ما أهم من كل هذا الكلام الفارغ .. ماذا يعني تزوجها مهند كي تعيده لرشده وتبعده عن تلك الفتاة كما تريد ..؟! ولماذا جيلان بالذات ..؟! وكيف وافق أخيها على هذه المهزلة ..؟!”

أضافت بتهكم :-

” هل تظن إني ساذجة لأصدق كلام كهذا … ؟! ربما يكون جزء من كلامك صحيحا … ربما أردت بالفعل من خلال هذه الزيجة السيطرة على أخيك رغم إن جيلان لا تستحق أن تدخل في معركة كهذه ومع شخصية كمهند بالذات ولكن هذا ليس السبب الأساسي .. هناك سبب آخر يا راغب ..”

رد راغب بصراحة :-

” حتى لو كان هناك سبب آخر .. لا يمكنني إخبارك بكل شيء … ”

” راغب .!!!”

صاحت به والدته بقوة ليرد بصلابة :-

” أريدك فقط ان تعلمي شيئا واحد .. جيلان أمانة في رقبتي قبلكم جميعا وانا لن أسمح لأي شخص أن يؤذيها .. ما فعلته هو لمصلحتها هي قبل مصلحة مهند ومصلحتنا جميعا .. فقط ثقي بي كما تفعلين دوما ..”

” لا أستطيع .. لا أستطيع تقبل الأمر .. إنها صغيرة وساذجة .. يتيمة مسكينة ..”

قالتها بقهر ليهتف راغب بتوسل :-

” ثقي بي من فضلك .. ثقي بي وانا لن أخذلك كالعادة ..”

انهى كلماته وخرج من الغرفة لتغمض زهرة عينيها بتعب وهي تجلس على الكنبة جوارها وألم شديد يسيطر عليها وعقلها لا يتقبل فكرة ما علمته مهما حاول الجميع إقناعها بصحة الأمر ..


كانت تقف أمامه تتطلع الى نظراته التي بدت غريبة على غير العادة .. تنتظر منه أن ينكر ما سمعته .. أن يكذبه ويخرج ويحاسبهم جميعا .. لكنه لم يفعل .. لم يكذبهم ولم يحاسبهم ..

” عمار …!!”

همست بها بصوت مرتجف ليهتف بجدية ؛-

” اسمعيني يا جيلان .. انتِ تعلمين جيدا ما تعرضتِ له … لم يكن أمامي حلا سوى هذا .. الأمر يتعلق بشرفكِ .. كان علي إستعادة شرفكِ والحفاظ على سمعتك بأي طريقة..”

” عمار ..”

كررتها بصوت باكي تتوسله أن يكذب ما تسمعه رغم إدراكها إن ما سمعته صحيح ..

تقدم نحوها يحتضن وجهها الباكي بين كفيه يخبرها :-

” فترة مؤقتة يا جيلان .. مجرد ورقة زواج تعيد لكِ شرفك .. صدقيني كل هذا لأجلك .. أريدك أن تعيشي مرفوعة الرأس وتستطيعي مستقبلا أن تعيشي حياتك دون خوف او تردد بل وتتزوجي من الشخص الذي تريدينه ..”

همست بصعوبة :-

” انت زوجتني له .. ”

اومأ برأسه وهو يهتف بجدية :-

” نعم ولكن على الورق فقط .. لن يلمسك بأي شكل من الأشكال ولن يمسك بسوء مهما حدث .. ستظلين أمام عيني وتحت حمايتي ولن أسمح له ولا لغيره أن يؤذيك بأي طريقة ..”

” أنت أذيتني …. أنت من أذيتني يا عمار ..”

قالتها وهي ترمقه بنظرات باكية قبل أن تضيف بدموع لاذعة :-

” انت زوجتني له وانا أخبرتك إنني لا أريد .. أخبرتك إنني لا أريد يا عمار ..”

” فعلت هذا لأجلك … لإجلك يا جيلان ..”

قالها وهو يحتضنها بين ذراعيه لتدفعه وهي تردد بعدم تصديق :-

” كيف فعلت بي هذا ..؟! كيف دمرتني بهذا الشكل ..؟! ألا يكفي ما حدث معي …؟!”

أضافت وهي تتحرك داخل الغرفة بلا وعي :-

” جميعكم دمرتموني … حطمتموني … جميعكم … انتم لماذا تفعلون بي هذا ..؟! ماذا فعلت لكم ..؟!”

استدارت نحوه تصرخ به بدموع حارقة :-

” لماذا تفعلون بي هذا ..؟! ماذا فعلت لكم …؟! لماذا تؤذوني ..؟! لماذا ..؟!”

صرختها أخيرا قبل أن تسقط على ارضية الغرفة باكية وهي تضرب جسدها بلا وعي …

لحظات قليلة وفقدت وعيها تماما ليحملها عمار بسرعة ويخرج بها من الغرفة راكضا الى الخارج بسرعة متجاهلا صراخ فيصل وتوليب اللذين رأوه وتبعوه والخادمات اللواتي سارعن يخبرن البقية بما حدث ..

بعد مدة من الزمن وقف عمار على الجانب يعقد ذراعيه أمام صدره وملامحه جامدة مبتعدا عن بقية العائلة حيث جاء الجميع من عابد وزهرة وراغب وراجي ومهند ومعهم همسة بينما بقي فيصل وتوليب مع الصغار في المنزل …

انتفض من مكانه عندما وجد الطبيب يخرج متقدما نحوهم ليسارع نحوه يسأله عن وضعها فيخبرهم إنها أصيبت بإنهيار عصبي حاد جعلها على هذا النحو وبالتالي ستبقى في المشفى الليلة حتى يأتي الصباح وتستيقظ ويرون حالتها حينها ويقررون القادم مع تأكيده بضرورة إحالتها للعلاج النفسي ..

غادر الطبيب بعدها لتهمس همسة بسرعة :-

” انا سأبقى معها .. انتم غادروا اذا أردتم ..”

رد عمار بجمود :-

” انا لا يمكنني تركها ..”

قاطعه راجي بجدية :-

” برأيي أن تذهب انت وراغب ومهند تحديدا لإنها ربما لن تتحمل رؤيتكم أمامها عندما تستيقظ وخاصة انت يا عمار بعدما علمت إنك فعلت هذا بها .. همسة ستبقى معها فهي علاقتها بها جيدة وصباحا سنأتي ونسأل عن وضعها كي نقرر إذا ما كان الأفضل أن نراها أو لا ..!!”

” وهذا رأيي ايضا …”

قالها راغب بجدية ليهز عمار رأسه قبل أن يهتف بثبات :-

” سأبقى في الخارج .. عندما تستيقظ غدا واطمأن عليها سأغادر بعدها … لكنني لن أتحرك من هنا قبل أن أطمئن عليها ..”

اومأ الجميع برأسهم موافقين ليغادروا الأخوة الثلاثة بعد مدة بينما دخلت همسة الى جيلان وبقي عمار خارج الغرفة لوحده …

قرر الخروج قليلا الى حديقة المشفى حيث جلس على احد المقاعد هناك يتأمل الظلام حوله بصمت ..

أخرج هاتفه من جيبه وعبث به حيث بحث عن صورة والدته ليتأملها بصمت للحظات قبل ان يهتف بخفوت :-

” انتِ تدركين إني فعلت ذلك لأجلها … لم يكن أمامي خيار آخر .. ”

أضاف وهو يحرك أنامله فوق ملامح وجهها بإبتسامتها المشرقة :-

” ما كان يجب أن تتركيها يا أمي .. كان عليكِ أن تبقي بجوارها لمدة أطول .. جيلان تحتاجك يا ديانا وأنت تخليتِ عنها .. لا أعلم اذا ما كان علي أن ألومكِ أم ألوم من جعلكِ تفعلين بنفسك هذا وتحرمين صغيرتك من حبك وحنانك .. لا يوجد بوسعي شيء سوى أن أحاول دعمها مجددا .. أن أتمسك بها وبوجودها مجددا فهي آخر ما تبقى لي منكِ ….”

توقف عن حديثه الهامس على صوت اهتزاز هاتفه ليجد شيرين تتصل به ..

أجاف بخفوت :-

” اهلا شيرين ..”

جاءه صوتها الناعم يرد تحيته ثم يتسائل بقلق :-

” كيف هي أختك ..؟! انتظرت يمر بعض الوقت قبل أن أتصل بك واطمأن عليها ..؟! ما بها وهل هي بخير الآن ..؟!”

ابتلع ريقه مرددا بصوت متحشرج :-

” ليست جيدة ابدا يا شيرين .. أصيبت بإنهيار عصبي حاد وانا ..”

صمت قليلا ثم هتف بنبرة عاجزة تصدر منه لأول مرة :-

“انا لا أعرف ماذا أفعل ..”

قالت بسرعة :-

” كن جانبها ولا تتركها مهما حدث .. انت كل ما تبقى لها … ”

أضافت برقة :-

” ماذا كان إسمها ..؟؟ جيلان أليست كذلك ..؟! دائما كنت تتحدث عنها .. أنت تحبها كثيرا .. كان ذلك واضحا عليك .. هي تحتاج حبك الآن يا عمار .. لا عليك سوى أن تظهر حبك وحنانك لها … لا تبخل بحنانك على أختك يا عمار .. إمنحها كل شيء ولا تبخل عليها بأي شيء تملكه ..”

وجدته يبوح وكأنه وجد ملاذه بحديثها :-

” أشعر إنني لا يمكنني منحها أي شيء .. انا لا أستطيع أن أكون حنون ولا محب بالطريقة التي تتحدثين عنها ..”

” أنت تحبها يا عمار ..”

قالتها شيرين بتأكيد ليهتف بدوره :-

” بالتأكيد أحبها .. هي أكثر شخص أحبه في الحياة والوحيدة التي أحبها دون شروط .. يكفي إنها ابنة ديانا … وانت تعلمين قيمة ديانا بالنسبة لي …”

” اعترافك هذا لوحده يكفي لمساعدتها .. أخبرها دائما إنك تحبها .. أخبرها دائما إنها أحب شخص لقلبك .. الأفعال وحدها لا تكفي يا عمار .. الكلام أحيانا يساعدنا كثيرا خاصة بوضع يشبه وضع جيلان ..”

” سأحاول …”

سألته بتردد :-

” هل يمكنني زيارتها ..؟! يعني اقصد اذا أصبحت أفضل غدا ..”

قاطعها بسرعة :-

” بالطبع يا شيرين .. لكن اتصلي بي قبلها لإنني لا أضمن أن تكون الزيارة مسموحة لها غدا ..”

هتفت بجدية :-

” بكل الأحوال سأتصل غدا لأطمئن عليها منك واذا كانت الزيارة مسموحة سأزورها ان شاءالله ..”

أضافت تتسائل :-

” أخبرني هل تشبه والدتك إذا ..؟!”

رد مبتسما بشرود :-

” أخذت لون عينيها وبشرتها وشعرها لكن بملامح مختلفة .. ”

” حقا ..؟! لكنها تمتلك روحها بالطبع ..”

هتف بتمنى :-

” اتمنى أن تصبح يوما ما قوية مثلها … ”

أضاف وكأنه يرى والدته أمامه :-

” عيناها خضراوان كديانا وشعرها بني ناعم كشعرها تماما .. لون بشرتها خمري ليس أبيضا مثلها … ومثلك انتِ ايضا …”

ابتسمت تسأله :-

” هل أنا جميلة كوالدتك ..؟!”

رد بصدق :-

” لكل منكما جمالها الخاص بها .. لكنكما تمتلكان نفس المواصفات .. العيون الخضراء والشعر البني والبشرة الخمرية الفاتحة لكن رسم الملامح يختلف كجيلان تماما ..”

تنهد وهو يضيف بصدق :-

” أنت رائعة الجمال .. كنت ولا زلت أراكِ جميلة بشكل مبهر لكن بالنسبة لي تظل والدتي هي أجمل إمرأة في عيني …”

” والدتك محظوظة بحبك وستكون محظوظة اكثر إذا منحت حبك وحنانك هذا لإبنتها ..”

قالتها بجدية ليبتسم بخفوت ويغمض عينيه مستمتعا بنسيم الهواء البارد الذي أحاط به وصوت شيرين حوله بكلماتها تلك يمنحه سكينة لا مثيل لها ..


” غالية توقفي من فضلك …”

قالها فراس وهو يقف في وجهها بعدما كان يركض خلفها لتصرخ بلا وعي :-

” دعني أغادر .. لا تقف في وجهي ..”

هتف بعدم تصديق :-

” كيف ستغادرين لوحدك في هذا الوقت ..؟! فقط دعيني أوصلك الى المنزل …”

هتفت من بين أسنانها :-

” الآن تحديدا لا أريد أن أراك أبدا ..”

تقدم فادي نحويهما تتبعه لوجين التي سألت بتوتر :-

” ماذا يحدث يا فراس ..؟! ما بها غالية ..؟!”

هتف فراس بغضب مكتوم :-

” لا أعلم مالذي فعله تميم وجعلها تغادر بهذه الطريقة .. إنها ترفض حتى أن أوصلها ..”

” سأخذ تاكسي ..”

قالتها وهي تتجه خارج المكان ليتبعها هو مرددا بعصبية :-

” غالية انتظري ..”

ذهب فادي خلفهما عندما وجد فراس يجذبها من ذراعها بقوة فتصرخ به :-

” هل جننت ..؟! كيف تجذبني بهذه الطريقة ..؟! كيف تتعامل معي هكذا ..؟! من تظن نفسك ..؟!”

” لا ترفعي صوتك في وجهي …”

قالها فراس بعصبية ليصدح صوت فادي بتحذير :-

” فراس يكفي ..”

أضاف بعدها مشيرا الى غالية :-

” غالية هانم ، اهدئي من فضلك …”

ثم أردف بجدية :-

” فراس فقط خائف عليك .. من غير اللائق أن تعودي لوحدك في سيارة اجرة ..”

” يخاف علي ..؟! هل أنا صغيرة يا هذا ..؟! ”

هتفت بإستنكار ليكتم فادي ضيقه بصعوبة وهو يهتف بدبلوماسية :-

” فقط من غير اللائق أن تغادري منزلنا بسيارة أجرة …”

أضاف وهو يشير الى فراس بعينيه :-

” إذا كنت ترفضين المغادرة مع فراس يمكنني توصيلك ..”

نظر اليه فراس بعدم رضا بينما قالت غالية بإصرار :-

” لا أحتاج لأيا منكما سأغادر لوحدي ..”

هتف فادي وهو يشير بعينيه لأخيه أن يصمت :-

” يا انسة ، بكل الأحوال كنت أنوي المغادرة .. سأوصلك بطريقي الى المنزل فلا تمانعي من فضلك لإنني كما أخبرتك مسبقا من غير اللائق أن تغادري منزلنا بسيارة أجرة …”

زفرت أنفاسها وردت على مضض وفي تلك اللحظة لم ترغب بشيء سوى المغادرة :-

” حسنا سأغادر معك ..”

” تفضلي معي الى الكراج … سيارتي هناك ..”

سارت معه بذقن مرفوع متجاهلة نظرات فراس الحارقة وغضبه الجارف من إسلوبها معه ..

ضغط فادي على مفتاح السيارة الالكتروني قبل أن يفتح لها الباب فترمقه بنظرات مترفعة وهي تتذكر حديث الصغير عن رفضه هو الآخر لها ثم تركب سيارته بينما اتجه فادي نحو الجهة الأخرى وركب في كرسي السائق ..

حرك مقود سيارته متجها خارج الفيلا حيث الطريق العام …

كان يقود سيارته بتركيز شديد بينما غالية تتطلع الى الشارع من النافذة بشرود وهي تتذكر الموقف السخيف الذي تعرضت له وكلام الطفل عن رفض الجميع لوجودها ..

سمعت صوت فادي يتحدث فجأة :-

” تميم ما زال صغيرا .. يتحدث بلا وعي .. هو لا يستوعب ما يقوله لإنه طفل ولا يعرف كيف ينتقي كلماته …”

ردت بجفاء :-

” على العكس هو يعرف جيدا كيف ينتقي كلماته وكيف يشرح الوضع بوضوح تام .. ”

أضافت بسخرية متعمدة :-

” أساسا لست منزعجة منه .. على العكس تماما .. انا ممتنة له لإنه شرح لي ما كنت غافلة عنه وأوضح الصورة الكاملة لي ..”

” انا لا أفهم عم تتحدثين بالضبط .. لكنه طفل صغير ولا يؤخذ على كلامه ..”

هتفت بصوت ثابت قوي :-

” من فضلك فادي بك .. لا داعي للتمثيل مجددا .. لقد أخبرني تميم بكل شيء … لا داعي أن تدعي اللطف أمامي بينما أنت ترفض وجودي في الواقع ..”

استدار نحوها مرددا بدهشة :-

” أرفض وجودك ..؟! من قال هذا ..؟!”

أردف وهو يعاود النظر أمامه :-

” أظن إنك فهمت الأمر بشكل خاطئ .. او فسرتي كلام تميم بشكل غير صحيح … ”

ردت بقوة :-

” بل فهمته جيدا ..، كلامه واضح وصريح ولا يحتاج الى تفسير ..”

تنهد بصمت ثم قال :-

” لا يهمني ما قاله .. ”

قاطعته بتحدي :-

” كن صريحا معي سيد فادي ..”

أوقف سيارته أمام إشارة المرور الحمراء والتفت نحوها مرددا بحزم :-

” انا صريح دائما انسة غالية .. انا لا أرفض وجودك .. أساسا كيف أرفض وجود إنسانة لا أعرفها حتى .. الأمر وما فيه إننا نرفض هذه الزيجة لإنها غير مناسبة من وجهة نظرنا .. بالطبع ليس لعيب فيك .. بل لدينا أسباب أخرى لا تتعلق بك أساسا ..”

” حقا ..؟! أسباب لا تتعلق بي ..؟! كلامك مقنع للغاية ..”

كانت تتحدث بتهكم ليرد بنفس الحزم :-

” هذه الحقيقة .. وانتِ حرة في تصديق كلامي من عدمه ..”

توقف عن كلماته وهو يرميها بنظرات ثابتة قابلتها هي بنظرات متحدية استمرت للحظات قبل أن تهتف به :-

” وتصرفات والدتك ..؟! هل هذا أيضا لا يدل على رفضها لي …؟! اذا كانت ترفض هذه الزيجة لأسباب لا تتعلق لي فلا يحق لها أن تتعامل معي بهذه الطريقة أبدا ..”

زفر أنفاسه وهو يلتفت أمامه ويقول :-

” معك حق .. الفكرة إن والدتي تحب عهد كثيرا … عهد زوجة فراس السابقة .. وهي لديها أمل كبير أن يجتمعا مجددا ..”

” ووجودي أنا قطع هذا الأمل عندها فقررت أن تعاملني بهذه الطريقة ..”

قالتها بعصبية قبل أن تضيف بثبات :-

” اذا طمأن والدك يا فادي بك لإنني تراجعت عن هذه الزيجة كليا .. ”

حرك مقود سيارته بعدما تحول لون إشارة المرور الى الأخضر وقال بجدية :-

” انسة غالية لا داعي لكل هذا .. لا تبالغي في ردود افعالك ..”

” عفوا ..”

قالتها بعدم إستيعاب قبل أن ترد بإستنكار :-

” هل تعتبر ردود أفعالي مبالغ فيها ..؟! اسمعني جيدا .. انا غالية الخولي .. اذا كنت لا تعرف من أنا فهذه ليست مشكلتي .. ليست أنا من أرتضي برجل ترفضني عائلته .. ”

أضاف بقوة وغرور :-

” وضع في بالك إن عائلتي كانت ترفض أخيك بقوة … والدتي لم توافق بشكل كامل حتى الآن وأخي ما زال يرفض الموضوع بشكل تام .. يعني الرفض ليس من والدتك فقط .. ”

” لا داعي لتضخيم الأمور واذا كنتِ غالية الخولي فأخي فراس خليل وهو لا يقل عنك في أي شيء ..”

قالها بصوت حانق مدافعا عن أخيه بعدما شعر بمحاولاتها للتقليل منه فهدرت بقوة :-

” هنيئا لك به .. أخبره إنني لا أريد رؤيته مجددا .. فأنا لا أرتبط برجل والدتي تعاملت معي هكذا .. انا من أتزوج به سيكون رجلا يمتلك عائلة تستحق كنة مثلي …”

أوقف السيارة أمامه بقوة لتندفع الى الامام لا إراديا ..

استدار نحوها مرددا بقوة وتحذير :-

” الى هنا وتوقفي .. عائلتي فخر لكل من يرتبط إسمه بها … ومن تنتمي لنا ستكون فخورة بذلك ..”

ردت بتحدي :-

” مهما بلغت مكانة عائلتك وسمعتها الجيدة فهذا لن يغير ما رأيته اليوم … تصرفات والدك لا تليق بإمرأة من عائلة كبيرة وابن أخيك قليل تربية .. ”

أضافت وهي تحاول فتح الباب :-

” وانا سأنزل من هنا حالا قبل أن يأخذ الحديث منحى آخرا لن يعجبنا نحن الاثنان ..”

” توقفي ..”

قالها بصرامة قبل ان يضيف :-

” توقفي عن كلامك المستفز وسنصل الى منزلك بسلام ..”

ردت وهي تتحداه بعينيها :-

” لو كنت مكاني وتعرضت الى هذا الكم من السخافات كنت ستفعل أكثر من ذلك ..”

توقف للحظات يتأمل لون عينيها الذي بدا مموجا بين الأخضر الغامق والزيتوني ليشيح بصره بعد لحظات مرددا بقوة :-

” لم يتبقَ سوى القليل ونصل الى منزلك … لن نتحدث نهائيا حتى نصل الى هناك ..”

ثم حرك مقود سيارته مجددا متجها الى منزلها بعدما علم عنوانه منها ..


كانت تقود سيارتها بملامح جامدة .. أناملها تضغط على المقود بقسوة بينما أختها جانبها ملامحها متحفزة تماما تكاد تنفجر من شدة الغضب ..

تحدثت بعصبية شديدة وهي لا تستوعب بعد ما فعلته أختها :-

” لا أصدق ما قمتِ به .. رجال عصابات .. هل وصل الأمر بك الى هنا ..؟! ”

أضافت وهي تلتفت نحوها تصرخ بها :-

” كيف تفعلين هذا ..؟! وكيف تتعاملين مع هذا النوع من الناس ..؟! هل مجرمة انتِ ..؟! كيف تتعاملين مع حثالة كهؤلاء …؟!”

ردت مريم بقوة :-

” الحثالة هي زوجة والدتك التي ضربتني لأجلها ..”

” انا لم أضربك لأجلها بل لأجل تصرفاتك الحمقاء ….”

قالتها ليلى بعصبية عندما أضافت بقوة :-

” قسما بربي لن أفوت ما فعلته هكذا .. ستعاقبين يا مريم كي تتعلمي جيدا أن تحكمي عقلك قبل أي تصرف مجنون يصدر منك ..”

أضافت بجدية :-

” إذا كنتِ تظنين إنني سأمرر فعلتك هذه بسهولة فأنت مخطئة ..”

التفتت مريم نحوها تهتف بتحدي :-

” واذا كنت تظنين إنني سأمرر صفعتك لي هذه ببساطة فأنت مخطئة يا ليلى .. قسما بالله سأخذ حقي منك ..”

” انت جننتِ تماما ..”

قالتها ليلى بغضب لترد مريم بضحكة ساخرة :-

” انتم من جننتم ولستُ انا .. ها أنتِ تتعاملين مع عمار بل وتخططين معه لصالحك بعدما كان ألد أعدائك وهاهو والدك تزوج بهذا العمر وأنجب طفل وسيحصل على آخر قريبا .. من المجنون فينا بالله عليكِ ..؟!”

هتفت ليلى بضيق :-

” لا تهذي يا مريم .. انا مضطرة على تحمل عمار وقرفه لأجلنا …”

” وهل تظنين إن عمار يفعل كل هذا دون مقابل .. ؟! هناك ومقابل ومقابل كبير يا ليلى ..”

قالتها بغموض لم تنتبه له ليلى التي دخلت الى الفيلا بسيارتها وهي تهتف :-

” مهما كان ما يريده فأنا أعرف كيف أتصرف معه .. اطمئني ..”

اندفعت مريم خارج السيارة متجهة بخطوات عصبية الى الداخل تتبعها ليلى وهي تصيح عليها :-

” مريم انتظري .. لم ننهِ حديثنا بعد ..”

التفتت مريم نحوها ما إن دلفت ليلى الى الداخل تصيح بلا وعي :-

” ماذا تريدين ..؟! عن أي شيء سنتحدث ..؟! ألم تستوعبِ بعد إنه لا يوجد شيء نتحدث عنه ..؟! ألم تفهمي بعد إن كل شيء تدمر وانتهى… ”

أضافت بحسرة ظهرت على ملامحها القوية الشرسة :-

” كل شيء تدمر .. كل شيء انتهى يا ليلى .. نحن انتهينا … العائلة التي عاشت قوية متينة لسنوات تدمرت … والدك دمرها بزيجته تلك وديونه الثقيلة …”

” سأحل كل هذا يا مريم .. أعدك ..”

قالها ليلى بجدية لتصرخ مريم بإنفعال :-

” لا تعديني بشيء لا يمكنك فعله .. كيف ستحليها مثلا …؟! هل ستجعلين والدي يطلق سهام …؟! واذا طلقها ..؟! ماذا عن الصبي الذي أنجبه ..؟! هل تستطيعين إعادته الى رحم أمه ..؟! هل يمكنك إلغاءه من حياتنا ..؟!”

” كلا بالطبع .. ولكن سأحاول أن أصلح أغلب الأمور .. ”

” يكفي يا ليلى … انا بالنسبة لي كل شيء انتهى … والدي لا يمكنني تقبله بعد الآن … وجوده أصبح كريها بالنسبة لي .. لا أريده أن يعود هنا … والدتي محطمة تماما وانا عاجزة عن دعمها بأي طريقة .. وانت …”

توقفت للحظات قبل أن تهتف بصوتها المبحوح :-

” انتِ تقاومين وتحاربين عدة اطراف لوحدك … تحاربين قلبك المتيم برجل لا يستحق من جهة .. وتحاربين زوجة أبيكِ الحقيرة من جهة اخرى .. وتحاربين انهيار والدتك وسقوطي من جهة ثالثة وتحاربين نفسك كي لا تنهاري ايضا .. لكنكِ يوما ستنهارين … لإنك بشر لديكِ طاقة ستنتهي عاجلا أم أجلا ويا خوفي من ذلك اليوم الذي ستنفذ به طاقتك ..”

ألقت كلماتها الأخيرة واندفعت الى الطابق العلوي باكية تاركة ليلى لوحدها وصدى كلماتها يتردد داخل عقلها :-

( ستنفذ طاقتك يوما .. يا خوفي من ذلك اليوم …)


في صباح اليوم التالي ..

حملت هاتفها تتصل بوالدها تحاول الاطمئنان عليه فقد مر حوالي يومين على مغادرته المنزل كانت تطمئن عليه خلالهما من الخادمة ..

توقفت أمام المرآة تعدل خصلات شعرها الشقراء وهي تستمع الى رنين هاتفها عندما صدح صوته بعد لحظات يهتف مرحبا :-

“اهلا ليلى .. كيف حالك يا ابنتي ..؟!”

ردت بجدية :-

” انا بخير بابا .. وانت كيف حالك ..؟! ”

رد بصوت ضعيف :-

” لست بخير ابدا ولن أكون بخير مجددا ..”

ردت بسرعة :-

” لا تقل هذا .. ستكون بخير ان شاءالله ..”

هتف يتسائل بقلق :-

” كيف هي فاتن ..؟! هل أصبحت أفضل الآن ..؟! هل خف غضبها قليلا ..؟!”

ردت بتردد :-

” يعني هي صامتة اغلب الوقت ..”

سمعته يتنهد بتعب قبل أن يرجوها بشدة :-

” تحدثي معها يا ليلى .. إطلبي منها التراجع عن أمر الطلاق .. توسليها إذا أردت ..”

ردت بجدية :-

” سأفعل يا بابا .. سأحاول قدر المستطاع .. انت اهتم بصحتك جيدا وكن بخير ..”

” سأكون بخير عندما تسامحني فاتن وتتراجع عن قرار الطلاق ..”

قالها بجدية لتتنهد بتعب وهي تردد :-

” سأتحدث معها في هذا الأمر وأحاول إقناعها … أعدك بهذا ..”

ودعته بعدها ثم ألقت نظرة أخيرة على المرآة قبل أن تخرج من غرفتها وتهبط درجات السلم متجهة الى الطابق السفلي لتتفاجئ بوالدتها تجلس على طاولة الطعام تتناول فطورها بصمت …

ألقت تحية الصباح بخفوت وهي تتجه وتجلس على الكرسي المقابل لها عندما هبطت مريم بعد قليل وألقت تحية الصباح بتعجب قبل ان تسارع وتجلس بجانب اختها تتأمل والدتها التي تتناول طعامها بكل هدوء وملامحها بدت عادية بل ترتدي ملابس الخروج ايضا …

سألت مريم بفضول :-

” هل ستخرجين اليوم يا ماما ..؟!”

ردت فاتن بجدية :-

” اليوم لدي موعد مع الجمعية … ”

هزت مريم رأسها بتفهم ثم عادت وسألت :-

” هل يمكنني أن آتي معك ..؟!”

” لم لا ..؟! تعالي ..”

ابتسمت مريم بينما هتفت فاتن بتحذير :-

” خالتك صباح ستكون هناك .. هي لا تعلم عما حدث بيني وبين والدك حتى الآن .. أساسا لا أحد سيعلم فأنا أريد أن يتم الطلاق بهدوء اولا ..”

” حسنا ..”

قالتها مريم بطاعة بينما ارتشفت ليلى القليل من قهوتها قبل أن تهتف بجدية :-

” سأحتاج الى توقيعكما لأجل نقل ملكية الأملاك إليكما … ”

” كنت أنوي التحدث معك بهذا الموضوع أساسا ..”

قالتها فاتن بهدوء قبل ان تضع شوكتها جانبا وتقول :-

” لماذا تصرفت هكذا ..؟! لماذا أجبرت والدكِ على التنازل عن أغلب أملاكه وأسهم شركاته لنا ..؟!”

ردت ليلى بملامح باهتة :-

” لأجلنا .. لأجل حماية أملاكنا من زوجته … ”

قاطعتها فاتن بجدية :-

” اذا كنت تريدين أن تحفظي حقوقك فحقوقك لا تتعدى ربع اسهم الشركة هذا قبل ولادة الطفل القادم ..”

هتفت مريم معترضة :-

” ماذا تحاولين ان تقولي يا ماما .. ؟! انظري انا حاليا لا أطيق ليلى فعليا بسبب تصرفاتها معي لكن ما فعلته منطقي للغاية ..”

هتفت ليلى بتهكم :-

” أشكرك يا مريم لإنك قلت الحق رغم كونك لا تطيقيني حاليا ..”

هتفت فاتن بعصبية خفيفة :-

” أي حق بالضبط ..؟! أنتما لديكما أخ وسيأتي أخ آخر او حتى أخت ثالثة لكما ..”

انتفضت مريم مرد بعصبية :-

” لا تقولي أخ وأخت .. نحن ليس لدينا أي أخوة ..”

” اجلسي .. اجلسي مكانك ولا ترفعي صوتك في وجهي …”

قالتها فاتن بصرامة لتقول بجدية :-

” أيا كان رأيكما ومهما كانت مشاعركما فأنتما لديكما أخ صغير وسيأتي أخر أيضا .. أخوكما لديه ضعف حقكما في أملاك أبيكِ يا ليلى هانم .. أملاك أبيكِ التي تريدين أن تجعلها ملكك انت واختكِ وانا ايضا وتناسيت إن هذا التصرف حرام وسوف تحاسبين عليه لاحقا لإنه ظلم وهذه حقوق وميراث لا يمكننا التغاضي عنها ..”

” حسنا هل انتهيت ..؟! هل سوف تمنحيني الفرصة التحدث ..؟!”

سألتها ليلى بجدية لترد فاتن بهدوء :-

” تفضلي يا ليلى ..، انا أسمعك …”

ردت ليلى بجدية :-

” مبدئيا انت لديك حق كبير فيما يمتلكه والدي فيوما ما قمت ببيع اكثر من نصف ما تملكينه لإنقاذه من الإفلاس … لذا فما سجله والدي بإسمك هو أقل مما منحتيه انتِ إياه بكثير …”

أضافت وهي تتنهد بصوت مسموع :-

” انا عن موضوع الشركة والأسهم والعمارات فكوني واثقة إنني لن أظلم احدا .. انا لست طامعة في املاك والدي كما تظنين ولست أسعى ليكون كل شيء ملك لي ولمريم .. انا فقط أنقذ أملاك أبي من يد سهام .. أسيطر على الوضع قبل ان تسبقنا هي وتفعل الكثير بنا وبوالدي .. تأكدي إن أخي الحالي والقادم سواء كان صبي او بنت فسيأخذان حقهما كاملا ويوما ما سيأخذان نصيبهما الحقيقي من اسهم الشركة وحتى العمارات … انا إضطررت لفعل ذلك بعدما أدركت كم الديون التي غرق بها والدي فقررت أن أسيطر على الوضع وأدير الأمور بنفسي قبل ان نخسر كل شيء تدريجيا .. انا أخاف الله يا ماما ولا يمكنني أن أسرق حق أحد …”

” كم ديون والدك ..؟!”

سألتها فاتن بجدية لترد ليلى بخفوت :-

” ليس مهما .. سأسعى لتسديدها بأسرع وقت ..”

نظرت اليها فاتن بعدم اقتناع قبل ان تهتف :-

” يمكنني المساعدة .. يمكنني بيع الاراضي خاصتي …”

قاطعتها ليلى بحزم :-

” لن تبيعي اي شيء .. انا سأدبر كل شيء .. اطمئني ..”

نهضت من مكانها تهتف بجدية :-

” سأذهب الى الشركة الآن فلدي مواعيد هامة .. أراكما مساءا ..”

غادرت المكان بعدها وعقلها يفكر لا اراديا في الحل المناسب لتسديد الديون بأسرع وقت ..!!


فتح عينيه على صوت رنين هاتفه لينتبه الى الساعة التي تجاوزت العاشرة صباحا ..

توقف الهاتف عن الرنين قبل أن يحمله ويعرف المتصل فزفر أنفاسه وهو يتراجع الى الخلف بتعب مفكرا بما حدث البارحة ونتيجته إنه لم ينم حتى ساعات الفجر الأولى .. كان بحاجة لإن يعترف بما فعله يوما لها … لم يكن يستطع الزواج منها دون إخبارها بما حدث ذلك اليوم .. دون أن تعلم خطأه الكبير في حق نفسه قبل الجميع …

مسح على وجهه بتعب وهو يتذكر رغبتها بالمغادرة والإنفراد بنفسها قليلا ..

صمتها طوال الطريق حتى وصلا الى منزلها ليقبض على كفها قبل المغادرة يخبرها بنبرة صادقة وملامح راجية :-

” أعلم إن ذنبي عظيم لكنني أعلم إن قلبك قادر أن يعفو عن ذنوبي واخطائي مهما كثرت … انا طلبت العفو من الله مرارا وأشعر داخلي إنه عفى عني .. يكفي إنه كافئني بك فدعي قلبك يعفو عني يا حياة .. لا تحرميني منك بالله عليك ..”

غادرت بعدها وعاد هو الى منزله ليقضي ليلته يتقلب في الفراش ويفكر فيما سيحدث وظل على وضعه هذا حتى ساعات الصباح الاولى ..

جذب هاتفه كي يرى المتصل ليتفاجئ إنها من كانت تتصل به ..

اعتدل في جلسته يجري اتصالا بها عندما جاءه صوتها الرقيق مرحبا فرد تحيتها بخفوت فسمعها تسأله :-

” هل أيقظتك من النوم ..؟!”

رد كاذبا :-

” كلا ، انا مستيقظ منذ مدة ..”

” اذا هل يمكننا أن نلتقي ..؟!”

سألته بجدية ليشعر بالقلق من طلبها فهتف بتساؤل قلق شعرت هي به :-

” ما سبب هذا اللقاء في هذا الوقت ..؟!”

ردت ضاحكة :-

” ألم نتفق البارحة أن نتحدث اليوم بشأن الزواج والسفر …؟!”

نهض من فوق سريره يسألها بعدم تصديق :-

” هل انت واعية لما تقولينه …؟!”

سألته بخفوت :-

” هل تراجعت عن قرارك ..؟!”

رد بسرعة :-

” أتراجع عن أي شيء إلا عن قراري هذا تحديدا ..”

ابتسمت وهي تقول :-

” اذا أنتظرك في مكاننا المعتاد على البحر …”

ودعها بفرحة وهو يتجه ليأخذ حماما سريعا قبل ان يغير ملابسه متجها اليها عندما قابلها بإبتسامة واسعة قبل أن يطلب منها الذهاب الى احد المقاهي القريبة لتناول شيئا دافئا ونوعا من المعجنات ويتحدثان هناك في نفس الوقت ..

بعد مدة من الزمن وفي المقهى تحديدا هتف نديم بجدية :-

” صديقي سيبدأ بترتيب الأمور قبل وصولنا .. أهم شيء أوراقك .. سوف تسحبين جميع اوراقك بعدما يحدث تواصل بين الجامعة هنا والجامعة هناك .. سيتم بعدها التقديم على إكمال دراستك في الجامعة هناك .. الأمر سوف يستغرق وقتا طويلا قليلا لكن بكل الأحوال ستنتهي كافة الإجرائات قبل بدء العام الدراسي …”

” كم ستكلف الدراسة هناك ..؟!”

سألته بجدية ليرد بعدم اهتمام :-

” لا أعلم ولا يهمني مهما كانت الكلفة ..”

أضاف بعدها :-

” يفضل أن نسافر قريبا كي نستقر هناك ونرتب أمورنا ونشرف على أمر قبولك في الجامعة بنفسنا بمساعدة صديقي حتى عندما تبدئين الدراسة ستكونين مستقرة تماما واعتدت قليلا على الوضع هناك …”

” متى قريبا يعني ..؟!”

سألته بجدية ليجيب :-

” بعد إسبوعين مثلا ….”

أضاف بنفس الجدية :-

” من الممكن أن يتم عقد القران بعد عشرة أيام ونسافر بعدها بأربعة أيام …”

أضاف مبررا :-

” هذا افضل لك انت .. كي تتهيأي لبداية العام الجديد …”

وجدها صامتة فسألها مهتما :-

” ماذا حدث ..؟! ألستِ راضية عن الموعد ..؟!”

ردت بجدية :-

” كلا ، الأمر ليس كذلك .. انا فقط مستغربة كم التغييرات التي أمر بها هذه الفترة … ”

” هي صعبة قليلا ولكنكِ ستعتادين ،،.”

أضاف وهو يقبض على كف يدها :-

” ولا تنسي إنني معك .. سأكون جانبك بكل خطوة …”

ابتسمت وهي تضع يدها الاخرى فوق كفه تردد بدوها :-

” وانت أيضا سأكون معك دائما وبجانبك …”


جلست ليلى أمامه بملامحها الجادة تستمع الى ما يقوله بشأن احدى الصفقات المشتركة بين مجموعة الخولي وشركة احمد سليمان …

كانت المرة الأولى التي يجتمعان بها كشريكين وقد بدت جادة للغاية وتركز على كل التفاصيل بإهتمام ودقة أثارت إعجابه ..

غريب كيف كان يظنها حالمة ساذجة ليتبين العكس فهي إمرأة قوية وذكية ولكن كل هذا يكلله هدوء ما زالت تمتلكه رغم كل ما مرت وما زالت تمر به ..

” هذه الصفقة ستدر عليكِ الكثير ..”

قالها بجدية وهو يغلق الملف لتهتف بنفس الجدية :-

” أرباح هذه الصفقة ستأخذها كاملة انت … جزء من الدين ..”

ابتسم مرددا بخفة :-

” أخبرتك إن أمر الدين ليس مهما الآن …”

ردت ببرود :-

” سيبقى مهما لي حتى أنتهي منه … ”

” إذا وماذا عن إتفاقنا ..؟! هل تنوين إكماله ..؟!”

سألها بإهتمام لترد بجدية :-

” بالطبع أريد … ماذا عنك ..؟! هل تراجعت ..؟!”

رد ببساطة :-

” ولم سأتراحع .. أبدا لن أفعل … انا مستعد وأنتظر عودة والدك لأساومه كما اتفقنا ..”

هتفت بجدية :-

” جهز الشيكات التي ستكون بإسمي .. عندما يعود سأوقع الشيكات الجديدة أمامه وتمزق الشيكات باسمه … ”

” اتمنى فقط أن ينجح مخطط ويصب في صالحك ..”

قالها بجدية لتبتسم بتحفظ دون رد ..

نهضت من مكانها تلملم أغراضها عندما سمعته يهتف متسائلا :-

” صحيح ، هل ستحضرين الزفاف ؟!”

توقفت للحظة تسأل بعدم فهم :-

” زفاف من ..؟!”

ابتسم مجيبا :-

” زفاف نديم وحياة … حسب ما سمعت سيكون بعد عشرة ايام من الآن .. ”

أخفى إبتساماته بصعوبة متأملًا جمود ملامحها مفكرا في المفاجأة التي أعدها لها في ذلك اليوم ..

سارعت تلملم أغراضها بسرعة بينما أكمل بتحفز :-

” سيسافران الى الخارج .. الى كاليفورنيا.. نديم قرر الإستقرار هناك وهي معه ..”

تجمعت الدموع داخل عينيها فحملت حقيبتها وملفاتها وردت بصوت مخنوق :-

” هنيئا لهما .. وفقهما الله …”

ثم انسحبت خارج المكان تسير بخطوات سريعة حيث هبطت الى الطابق الارضي ومنه الى خارج الشركة ..

رمت حقيبتها وملفاتها في المقعد الخلفي ثم سارعت تركب في المقعد الأمامي وتبدأ القيادة ..

كانت تقود سيارتها والدموع تتساقط من عينيها بغزارة ..

ألم حارق يعصف بكيانها ..

سيتزوج .. ويسافر ايضا .. سيرحل بلا عودة ..

إزدادت شهقات بكائها وهي تضغط على مكابح السيارة بقوة عندما تشوشت الرؤية أمامها فأخذت تمسح دموعها بأناملها عندما فوجئت بسيارة تأتي من حيث لا تعلم بسرعة فائقة فحاولت أن توقف سيارتها في نفس اللحظة لتشعر بنفسها تفقد سيطرتها على المقود عندما أطلقت صرخة فزعة وصوت اصطدام قوي دوى في المكان ..


دلف الى احد النوادي الليلة التي يعتاد السهر فيها ..

أخذ يحيي بعضا من أصدقائه ومعارفه قبل ان تقع عيناه عليها وهي تجلس على احدى الطاولات لوحدها ترتشف مشروبا كحوليا ..

تقدم نحوها بعدم تصديق من وجودها فهي مختفية عن الأوساط من فترة ..

” نانسي هنا .. يا اهلا وسهلا …”

رفعت وجهها نحوه فردت بخفوت :-

” اهلا صلاح .. عتفضل اجلس … “”

ابتسم وهو يجلس جانبها متسائلا :-

” اين كنت طوال الفترة السابقة ..؟!

ردت ساخرة :-

” كنت في سجن تهاني هانم …”

” نعم ..!!”

رددها بتعجب لترد بنفس التهكم :-

” تهاني هانم .. والدتي … حبستني خوفا علي لكنني هربت اليوم لإنني أردت الهروب …”

أشارت الى النادل أن يجلب لها المزيد من المشروب فهتف مستغربا :-

” ماشاءالله ما زلتِ تريدين المزيد… ارحمي نفسك يا نانسي …”

” اريد أن أشرب كثيرا يا صلاح .. أريد أن أنسى …”

هتف بجدية :-

” ماذا تريدين أن تنسي بالضبط ..؟! لا تخبريني إنك ما زلتِ تفكرين بنديم ..”

ضحكت وهي تردد بنبرة مخمورة :-

” نديم الآن يعيش احلى حياة مع ابنة الحارس … تخيل حتى ابنة الحارس فضلها علي .”

جذبت الكأس تشربه دفعه واحدة ليهتف بجدية وهو يجذب الكأس منها :-

” حسنا يكفي ..”

لكنها عاندته وسحبت الكأس منه تصب فيه المزيد وهي تردد :-

” لا أحد يريدني … لا أحد يحبني .. يبدو إنني بشعة لدرجة إن لا أحد يرغب بي …”

هتف بجدية :-

” انتِ جميلة للغاية يا نانسي .. هناك الف شاب يتمناكِ .. انت من تربطين نفسك بنديم بناء على اوهام في خيالك ..”

ضحكت بسكروقالت :-

” اوهام واحلام وجنون … هل تعلم ..؟! انا اكره نفسي … أكرهها كثيرا … ليتني مت في ذلك الحادث … ليتني رحلت بعيدا …”

سحب الكأس من يدها عندما عادت تسحبه منه بعنف وتشرب المزيد قبل ان تشير اليه تخبره :-

” اشرب انت ايضا ..”

زفر أنفاسه وهو يبدأ في ارتشاف بعض الكؤوس من المشروب ذاته .. بعد حوالي ساعة شعر صلاح بتدهور وضعه وبداية سكره فهتف بنانسي التي بالكاد كانت مستيقظة :-

” دعينا نذهب يا نانسي ..”

” اذهب انت … ”

قالتها بلا مبالاة ليجذبها من كفها ويسحبها خلفه مرددا بجدية :-

” لا يمكنني تركك هنا … ”

أضاف وهو يغمز لها بعبث :-

” أخاف أن يخطفك أحدهم …”

ثم جذبها يعناقها وهو يشعر بإرتفاع نسبة الأدرينالين داخله مما جعلها تضحك بلا وعي وهي تردد :-

” ماذا تفعل يا صلاح .. ؟!”

ابتعد عنها قليل مرددا بملامح راغبة ووعيه لم يفقده تماما :-

” صلاح يحترق يا نانسي ..”

هتفت بغنج :-

” هل أجلب ماء لك كي أطفيك …”

” ولماذا سأجلب ماء وانت هنا ..؟!”

قالها وهو يجذبها نحوه لتضحك بلا وعي وهي تبادله قبلاته وعناقه ..

ابتعد عنها بعد لحظات وهو يقول :-

” ليس هنا .. تعالي معي …”

جذبها وهي مخمورة تماما الى سيارته الواسعة حيث دفعها الى داخل الكرسي الخلفي من السيارة لتسقط عليه بكامل جسدها بينما شعرت بجسده فوق جسدها تماما وفي تلك اللحظة إختلط عليها كل شيء ولم تعد تفهم ما يحدث سوى إن صلاح يقبلها ويحتضنها برغبة شديدة وهو الآخر لم يكن بكامل وعيه …

وبعد مدة من الزمن انتهى كل شيءٍ وابتعد عنها ويبدو إنه إستوعب ما فعله بينما سقطت هي نائمة لا تعي ما حدث حتى ..!!


شهقت بفزع بعدما استوعبت ما حدث .. لقد فقدت سيطرتها كليا على مقود سيارتها حتى اصطدمت بإحدى السيارات القادمة اتجاهها .. كانت الدموع ما زالت تغطي وجهها والرؤية مشوشة قليلا عندما تمالكت أعصابها أخيرا وحاولت أن تسيطر على الوضع وترى ما أصاب سيارتها ..

فتحت الباب بخفة وهمت بالنزول عندما وجدت شخصا يندفع نحوها بملامح غاضبة مخيفة ..

من ملامح وجهه فهمت إنه صاحب السيارة التي صدمتها او هو صدم سيارتها لا تعلم لإنها كانت فاقدة لتركيزها تماما …

ظلت متجمدة مكانها عندما وقف أمامها يصيح بغضب :-

” ماذا فعلتِ ..؟! إذا لا تجيدين القيادة فلماذا تقودين سيارة من الأساس ..؟! هل أعجبكِ ما حدث ..؟! لقد دمرتِ سيارتي … انا لا أفهم كيف تقودين بهذه الطريقة ومن هو الغبي الذي منحك شهادة قيادة من الأساس ..”

في تلك اللحظة تحديدا لم تتحمل حديثه وكلماته التي شعرت بها مهينة مع نبرة صوته الغاضبة وملامحه العصبية للغاية ..

انتفضت من مكانها تصرخ به وقد فقدت كل هدوئها وتعقلها في تلك اللحظة :-

” كيف تسمح لنفسك أن تتحدث معي هكذا ..؟! انا لا اسمح لك ، هل فهمت ..؟!”

رد بعجرفة جعلتها ترغب في تهشيم ملامحه الوسيمة :-

” بسببك سيارتي تدمرت كليا .. هذه السيارة التي دفعت بها ثمنا لا أظن إنك تمتلكين عشره حتى … لقد جلبتها خصيصا من الخارج وانا الوحيد الذي أمتلكها في هذه البلاد وبسببك وسبب تهورك تحطم جزئها الأمامي كليا ..”

” عفوا ..؟! من تلك التي لا تمتلك عشر مبلغها ..؟! هل تعرف مع من تتحدث ..؟!”

رد بعدم اهتمام :-

” لا يهمني أن أعرف .. ما يهمني هو ما حدث بسبب ”

صمت قليلا يردد من بين أسنانه :-

” يا إلهي .. لا أريد أن أتحدث بكلمات مسيئة …”

صاحت بتحدي :-

” بل تحدث .. قل ما تريد من كلمات مسيئة وحينها ستجد الرد المناسب ..”

” اسمعي يا مدام او انسة لا أعلم ..”

توقف قليلا عندما لاحظ شحوب وجهها بعدما شعرت أخيرا بسائل في الجزء العلوي من رأسها فمدت أناملها تلمس المكان لتتفاجئ بالدماء تغطي المكان وهو بدوره انتبه أخيرا الى الدماء التي تدفقت فوق شعرها الأشقر من الأعلى ..

هتف بضيق :-

” يجب أن تذهبي الى المشفى حالا كي تتأكدي من عدم إصابتك بأي ضرر في رأسك ..”

ردت بسخط :-

” لا تتدخل فيما لا يعنيك .. ”

هتف بعدم تصديق :-

” عفوا ..!!”

أضاف بقوة وهيمنة :-

” معك حق ، لن أتدخل فيما لا يعنيني لكنني سأطالب بحقي .. ”

” ماذا تعني ..؟!”

سألته بعدم إستيعاب ليرد بفظاظة:-

” تفضلي معي الى مركز الشرطة لأقدم بلاغا فيك وليكن بعلمك لن أرتاح حتى يتم سحب شهادة السواقة منك بل وتدفعين التعويضات الكاملة لسيارتي هذا اذا كنتِ تمتلكين المبلغ من الأساس …انت للإسف لا تعرفين مع من تتعاملين لكنكِ ستعرفين بالتأكيد عندما نذهب الى هناك ..”

” هل تهددني ..؟!”

سألته بعصبية لكنه تجاهلها وهو يجري اتصالا مختصرا بأحدهم بعدما ابتعد عنها قليلا قبل أن يشير إليها مجددا متجاهلا نظراتها المشتعلة :-

” هيا يا انسة ، الى مركز الشرطة من فضلك …”

أضاف فجأة :-

” انتظريني لحظة ..”

تأملته بأعصاب على وشك الإنفجار عندما وجدته يتجه نحو سيارته ويفتحها لتتأمل السيارة والتي إستوعبت نوعها والتي تدل على مكانة صاحبها ومدى ثراءه الفاحش ..

أفاقت من تأملها لسيارته عندما وجدته يتقدم نحوه وفي يده علبة مناديل جلبها من سيارته ليمدها نحوها يخبرها :-

” رأسك ينزف … هذه المناديل ربما تساعد في توقيف النزيف قليلا ..”

همت بالرفض لكنها تراجعت وهي تسحب العلبة وتأخد منها عدة مناديل تضعها فوق المنطقة العلوية من رأسها تضغط عليها بخفة لتشعر بألم متوسط هناك ..

ظلت تضغط عليها بخفة بينما يتأمل وجهها وهو يقف أمامها مباشرة عاقدا ذراعيه أمام صدرها حيث بدت ملامحها أوضح وقد لاحظ آثار الدموع التي ما زالت واضحة على وجهها ويبدو إنها سبب الحادث ..

” هل ما زلت تصرين على عدم الذهاب الى المشفى ..؟!”

ردت وهي تعيد العلبة له :-

” أخبرتك مسبقا ، لا تتدخل فيما لا يعنيك ..”

” اذا هيا بنا الى مركز الشرطة ..؟!”

قالها بتحدي لتشمخ برأسها وهي تهتف بقوة بينما كفها ما زالت تضغط على قمة رأسها من الأمام :-

” وانا مستعدة لذلك ..”

………………………………………………………..

دلفت ليلى الى مركر الشرطة بشموخ يتبعها هو بملامح جامدة عندما تقدم نحو احد الضباط يسأله :-

” أين يمكنني تقديم بلاغ من فضلك ..؟!”

كانت ليلى تتأمل المركز الذي دخلته منذ أيام معدودة بضيق بينما سأل الضابط :-

” بلاغ بخصوص ماذا ..؟!”

أجاب الشاب بضيق :-

” أين الضابط المسؤول هنا ..؟! أريد التحدث معه ..”

علا صوته قليلا عندما صدح صوت من خلفه يهتف ببرود وقوة :-

” انا الضابط المسؤول هنا .. نعم تفضل ..”

التفتت ليلى بسرعة كما التفت الشاب لتتأمله ليلى بتجهم فيهتف فادي بعفوية :-

” انتِ مجددا ..”

سأل الشاب بتهكم :-

” يبدو إنها معتادة على ارتياد مراكز الشرطة … ”

هتفت تحذره بحنق :-

” انا لا اسمح لك .. انا لم أدخل مركز شرطة في حياتي سوى مرتين وهذه المرة الثانية ..”

هتف فادي بغلظة :-

” تفضلا الى المكتب لأفهم ما يحدث بالضبط ..”

ثم تقدم قبلهما يسير نحو مكتبه تتبعه ليلى وخلفها الشاب ..

جلس فادي على مقعده بينما هتف الشاب بجدية :-

” الانسة صدمت سيارتي … وانا أريد تقديم بلاغ ضدها ..”

هتفت ليلى بحنق :-

” مدام ولست آنسة ..”

” عفوا ..؟!!”

هتف بها الشاب بعدم استيعاب قبل أن يهتف بتهكم وبخفوت :-

” ومدام أيضا .. كان الله في عون زوجك عليك ..”

استدارت نحوه بنظرات حارقة بينما هتف الشاب مشيرا الى فادي :-

” اريد تقديم بلاغ من فضلك .. السيارة تدمرت تماما وعليه يجب أن تتم معاقبتها وسحب رخصة القيادة منها ..”

” لم كل هذا ..؟! سأدفع لك ثمن تصليح السيارة ..”

قاطعها بنزق :-

” تتحدثين وكأنكِ تمتلكين ثمن تصليحها اصلا ..؟!”

ردت من بين أسنانها :-

” أمتلك أضعافه … انت لا تعرف مع من تتحدث ..”

صاح فادي بصرامة :-

” حسنا يكفي ..”

قال الشاب بحنق :-

” لا ترفع صوتك من فضلك .. انا لا أقبل أن يرفع أي أحد صوته في وجهي ..”

رفع فادي حاجبه مرددا بتهكم :-

” انت هنا تقف امام ضابط تتشاجر مع الآنسة عفوا المدام وكأنكما في الشارع ويزعجك ارتفاع صوتي .!!”

” يا سيادة المقدم ، انا اريد تقديم بلاغ وانت تماطل ..”

قالها الشاب بجدية ليصيح فادي بإنفعال :-

” أنا من أماطل أم أنتما من تماطلان بما تفعلانه ..؟!”

أضاف بنبرة آمره بعدما أشار لأحد الضباط أن يدخل لتسجيل البلاغ :-

” هاتا هوياتكما ..!!”

زمت ليلى شفتيها بعبوس قبل ان تفتح حقيبتها لتخرج الهوية بينما تقدم الشاب وأعطى الهوية لفادي الذي ما إن قرأ الإسم حتى قال بدهشة خفية :-

” أثير حاتم محمود الهاشمي …؟!!!”

أضاف يسأله بتدقيق :-

” حاتم محمود الهاشمي ..؟! هل هو نفسه ..؟؟”

قاطعه أثير ببرود :-

” نعم هو …”

وضعت ليلى هويتها أمام فادي الذي حملها يتأملها قبل أن يهتف بجدية :-

” إذا أنت مصر على تقديم البلاغ يا أثير بك مع إنه يمكنك أن تكتفي بدفع التعويضات ..”

قاطعه أثير بجدية :-

” التعويضات لا تهمني .. انا إشتريت السيارة منذ أيام قليلة والمدام بسبب مشاكلها الشخصية وعدم تركيزها أثناء القيادة دمرت السيارة تماما ..”

إندفعت ليلى تصيح بغضب :-

” انا لا اسمح لك أن تتحدث عني هكذا .. ولا علاقة لك بمشاكلي التي لا وجود لها من الأساس .. ما حدث شيء عادي يحدث مع الكثير …”

أضافت تشير الى فادي بتحدي :-

” سجل البلاغ سيادة المقدم من فضلك وانا سأتحمل كافة العواقب ..”

تنهد فادي ثم أشار لأثير بجدية :-

” أرى إنه لا داعي لتقديم البلاغ من الأساس … حينها ربما يتم سحب الرخصة منها ومن الظلم حدوث ذلك .. قد تكون اخطأت لكن الجميع يخطأ يا أثير بك ..”

زفر أثير أنفاسه بضيق بينما هتفت ليلى معترضة :-

” من فضلك سجل البلاغ .. انا لا أريده أن يتنازل ..”

” حسنا لا تسجل شيئا .. انا لن أقدم بلاغا فيها ..”

قالها أثير فجأة لتلتفت ليلى نحوه تردد بتحدي :-

” وانا أريدك أن تقدم بلاغ ولن أرضى بتنازلك ..”

ضرب فادي على سطح المكتبة بعصبية قائلا :-

” حسنا يكفي .. أثير بك تراجع عن البلاغ وانتهى الأمر الى هنا .. يتبقى فقط أمر التعويض وهذا يتم تسويته بينكما ..”

رد أثير بلا مبالاة :-

” حتى التعويض لا أريده ..”

استدارت نحوه تسأله بحدة :-

” طالما لا تريد أي شيء ، لماذا أتيت بنا الى هنا ..؟!”

أجاب ببرود :-

” كي تتعلمي من اخطائك وتتعلمي احترام الشارع الذي تقودين فيه و الناس بسيارتهم حولك …”

” انا سأدفع التعويض كاملا حتى لو رفضت ..”

قالتها بإصرار ليضحك بإستخفاف ويقول :-

” انا بإمكاني أن أجلب غدا صباحا نفس السيارة التي رأيتها دون الحاجة الى اصلاح الحالية ..”

التفت نحو فادي يخبره :-

” سآخذ هويتي وأغادر يا سيادة المقدم ..”

حمل فادي هويته وأعطاها له ليستدير أثير نحو ليلى يمنحها إبتسامة سخيفة قبل أن يغمز لها بخفة وهو يغادر ليشتعل غضبها اكثر ..

هتف فادي بجدية وهو يرفع هويتها :-

” هل تتفضلين وتأخذين هويتك وتغادرين أنتِ الأخرى أم تفضلين الإتصال بزوجك اولا ليأتي ويأخذك ..؟!”

ردت وهي تسارع تلتقط الهوية منه :-

” في هذه اللحظة كل ما أريده المغادرة من هنا قبل أن أنفجر في جميع من حولي ..”

” أتمنى ألا نراكِ مجددا في المركز يا مدام … حاولي السيطرة على مشاكلك كي لا تزورينا إسبوعيا ..”

ردت بتجهم :-

” بالطبع لست سعيدة لدخولي هذا المكان أساسا ..”

هتف فادي بإستخفاف :-

” بالطبع فهو مكان المجرمين والسرقة والقتلة ..”

استدارت بجسدها تهم المغادرة عندما عادت تلتفت نحوه تسأله بجدية :-

” ذلك الشاب .. ماذا كان إسمه ..؟!”

رد بهدوء :-

” أثير حاتم الهاشم .. والده سيادة الوزير حاتم الهاشمي ..”

رددت بدهشة :-

” وزير ..!!”

ابتسم فادي بطريقة مستفزة وهو يردد :-

” نعم وزير ولا داعي أن يؤنبك ضميرك بشأن ما أصاب سيارته بسببك فهو يستطيع شراء ثلاثة غيرها ..”

منحته نظرة جامدة وهي تستدير مجددا متحركة خارج المكان تتابعها نظرات فادي الساخرة والذي أخذ يهز رأسه بتعب مما أصبح يراه في عمله في الآونة الأخيرة ..

…………………………………………………….


خرج من السيارة وهو يغلق أزرار قميصه وملامحه ما زالت تحتلها الصدمة …

كيف فعل شيء كهذا ومع نانسي تحديدا ..؟! نانسي تلك التي فتاة التي يعرفها عن طريق علاقة الصداقة التي تجمع بين عائلته وعائلتها .. نانسي التي تجمعه بها صداقة خفيفة فيتحدثان أحيانا عندما يلتقيان في احد النوادي الليلة ..!!

نانسي التي لطالما سخر من تعلقها بإبن عمه نديم وجريها خلفه بشكل سخيف بل هي نفسها اعترفت له إنها تعشق نديم ليخبرها مسبقا ان نديم يحب ليلى بقوة وينصحها بأخوية خالصة ألا تعيش في أوهام لن تحدث مطلقا ..

استند على سيارته وأخذ يضرب وجهه بعدم تصديق وهو يردد :-

” اللعنة .. اللعنة عليك يا صلاح .. ألم تجد سوى نانسي ..؟!”

أضاف بقلة حيلة :-

” كيف فعلت هذا ..؟! كيف سيطر الخمر علي لهذه الدرجة ..؟! ”

أغمض عينيه بقوة ما زال غير مصدقا لما فعله …

كيف غرر بنانسي ..؟! هو معتاد على هذا النوع من العلاقات مع العديد لكن يكون ذلك وهن بكامل وعيهن أما نانسي ..!!

توقف وهو يشعر بالغثيان كليا وفكرة إنها لم تكن تعي ما تفعله أصابته بالإشمئزاز من نفسه قبل أي أحد ..!!

انتبه الى خروج بعض الزبائن من المكان فتذكر ان سيارته ما زالت في الكراج ..!!

اتجه نحو الباب الخلفي للسيارة وفتحه يتأملها وهي نائمة بلا وعي شبه عارية ..!!

زفر أنفاسه بقوة وهو يقرر أن يبقيها نائمة ويخرج من هذا المكان متجها الى مكان مناسب ثم يفكر كيف يتصرف بعدها ..!!

اتجه نحو الباب الأمامي لسيارته وفتحها قبل ان يركب السيارة ويبدأ في قيادتها مقررا التوجه حيث مقر شقته التي لا يعلم عنها سوى القليل من أصدقاؤه فهذه الشقة مخصصة لسهراته الخاصة جدا ..

بعد مدة اوقف سيارته أمام العمارة التي تقطن بها شقته …

خرج من السيارة بعدما انتبه الى الساعة التي تجاوزت الثانية صباحا …

فتح الباب الخلفي وتأمل نانسي للحظات لينحني فوقها يحاول تغطية جسدها بفستانها مجددا والذي انخلع عن معظم جسدها قبل أن يحملها بين ذراعيه متجها بها الى شقته في الطابق العلوي بينما أخذت نانسي تتململ بين ذراعيه ويبدو إنها بدأت تستفيق أخيرا ..!!

ارتقى بها درجات السلم بدلا من المصعد وقد كانت بين ذراعيه خفيفة كالريشة عندما فتحت عينيها أخيرا بتعب ورأس مشوش للغاية ..

” وأخيرا استيقظتي ..”

قالها بفتور وهو يضيف بعدما وقف أمام الشقة :-

” سأنزلك هنا فحافظي على توازنك حتى ندخل …”

حررها من بين ذراعيه ليجدها تنكمش على الحائط خلفها مغمضة عيناها ويبدو إنها قررت العودة الى النوم ولم تستوعب بعد ما حدث ..

فتح باب الشقة ثم جذبها من ذراعها وسحبها خلفه وهي تسير خلفه بوعي غير كامل حيث أخذها الى الحمام وأوقفها أمام المغسلة ليفتح صنبور المياه ثم يجذب رأسها ويضعه أسفل الصنبور لتشهق وهي تبتعد عنه بعنف …

أخذت تلهث بقوة ليهتف متسائلا بحنق :-

” هل عاد إليك وعيك كاملا أم بعد ..؟!”

تراجعت الى الخلف بخطوات ضعيفة وهي تمسح وجهها بكفيها لتجده يرمي نحوها المنشفة فتلتقطها وهي تجفف وجهها قبل أن تنظر الى ملامحه التي لم ترها مسبقا عليه فتسأله بتوجس دون أن تستوعب ما حدث بعدها :-

” ماذا حدث ..؟!”

” لم تستوعبي بعد إذا ..؟!”

قالها متهكما لتبتلع ريقها وقد بدأت ذكريات مشوشة تتسرب الى عقلها بينما انزلقت بعينيها تتأمل فستانها الذي بدأ مختلفا قليلا و …

توقفت تهز رأسها بقوة تحاول أن تستوعب بالضبط ما حدث عندما هتف بقوة :-

” لقد كنا سويا يا نانسي … كنا سويا في السيارة وحدث ما حدث ..”

إبتلعت ريقها تسأله بتوجس :-

” ماذا تعني بحدث ما حدث ..؟!”

تنهد بتعب وهو يخفض رأسه أرضا وينحني بجسده مستندا على ركبتيه بكفيه فتسأله بعينين بدئتا تهتزان بتوتر :-

” ماذا حدث يا صلاح ..؟! انا لا أفهم شيئا..”

رفع وجهه بعدما اعتدل في وقفته يتأمل ملامحها التي بدت مذعورة تماما وبريئة للغاية … بريئة في هذه اللحظة بشكل مؤلم ..!!

لقد فهمت ما يحدث بالطبع لكنها ترفض التصديق ..

شعر بتأنيب ضميره مجددا فقال بتروي :-

” كنا مخمورين تماما ومارسنا علاقة …”

توقف عن حديثه بعدما استمع الى شهقتها ليضيف بإنفعال مكتوم :-

” علاقة كاملة …”

” لقد انتهيت ..”

هتفت بها بصوت غير مصدق وملامح محطمة قبل أن تشهق باكية وهي تنكمش على جسدها :-

” يا إلهي ، لقد انتهيت .. كل شيء انتهى ..”

لم يعرف ماذا يقول فهو الآخر لم يكن بكامل وعيه لكنه يتحمل جزءا من مسؤولية ما حدث ..

” نانسي اهدئي ..”

قالها وهو يحاول التقدم نحوها لكنها صرخت بقوة وهي تضرب جسدها لا إراديا :-

” كيف فعلت هذا ..؟! كيف منحتك جسدي ..؟! كيف حدث يا هذا ..؟!”

أكملت باكية بدموع حارقة :-

” انا انتهيت .. كل شيء انتهى ..”

قبض على ذراعيها يمنعها من السقوط أرضا وهو يهتف بها بتوسل :-

” توقفي من فضلك .. لا تفعلي هذا .. سنجد حلا لما حدث .. بالتأكيد سنجد ..”

هتفت من بين بكائها :-

” ماذا سنجد ..؟! أي حل سنجده ..؟! وماما ..؟! ماما إذا علمت بما حدث سوف تقتلني لا محالة .. ”

” اهدئي يا نانسي …”

صاح بها بصرامة مخيفة قبل أن يشعر بها تفقد توازنها فعاد يسندها بذراعيه وهو يهمس مترجيا :-

” اهدئي قليلا من فضلك ..”

لكنها لم تتحمل اكثر ما حدث فسيطر عليها الدوار للحظات مع شعور مقيت بالغثيان ..

ابتعدت عنه مسرعة نحو المغسلة تفرغ ما في جوفها داخلها ليشيح وجهه بعيدا بنفور ..

ظلت تتقيأ حتى شعرت إنه لم يعد هناك شيء في معدتها ففتحت صنبور المياه وتوقفت مكانها للحظات بدت طويلة وعقلها بدأ يتذكر لقطات غير واضحة تماما مما حدث بينهما وكيف منحته جسدها بلا وعي فشعرت بالغثيان يعود إليها مجددا ..

أخذت ترمي على وجهها المياه بقوة وبدأت تبكي في نفس الوقت مع المياه التي ترميها هي فوق وجهها ..

أغلقت الصنبور أخيرا وخرجت من الحمام بعد مغادرة صلاح دون أن تجفف وجهها حتى لتجلس بتعب شديد على احد الكراسي الذي وجدته أمامها والمياه تتساقط من فوق وجهها وبعض خصلات شعرها ممتزجة بدموعها الحارقة ..

شعرت به يتقدم نحوها مجددا يمنحها قنينة مياة باردة فرفعت وجهها نحوه ليشاهد إحمرار عينيها الخضراوين بشكل جعلها تبدو مخيفة قليلا من شدة الإحمرار …!!

جذبت منه قنينة المياه الباردة بعد لحظات وفتحتها ترتشف الكثير منها دفعة واحدة حتى توقفت ولم تستطع تناول المزيد فسحبها منها وأغلقها قبل أن يجلس جوارها بصمت لتهمس متسائلة بضعف مؤلم :-

” ماذا سأفعل ..؟!”

تأملها قليلا يتأمل وجهها المنهك تماما ونبرتها المنهزمة كليا ليهتف بعدم استيعاب :-

” لا أعلم .. لكننا سنفعل شيئا .. بالتأكيد سنفعل .. حاولي أن تهدئي فقط ..”

التفتت نحوه تهتف ببكاء صامت :-

” أنت هل تستوعب ما حدث معي ..؟! لقد فقدت عذريتي .. لقد تحطمت حياتي وتدمر كل شيء ..”

قاطعها بقوة وثبات :-

” سأجد حلا لهذا .. بالتأكيد سأفعل ولن أتركك هكذا ..”

” ماذا ستفعل مثلا .. ؟! ”

سألته بصياح باكي ليرد بتجهم :-

” إذا لزم الأمر فسأتزوجك ..”

توقفت عن بكائها تستوعب ما تفوه به بينما أضاف هو بنفس الملامح المتجهمة :-

” فأنا مسؤول أيضا عما حدث حتى لو لم أكن بكامل وعيي ..!!”

أغمضت عينيها بألم لتتراجع بجسدها الى الخلف وهي تتنهد بإرهاق شديد فتسمعه يسألها بعد لحظات :-

” أليس من الأفضل أن تعودي الى منزلك ..؟!”

فتحت عيناها الخضراوان لتلتقي بعينيه البنيتين بنظرة طويلة قبل أن تهمس بنبرة معذبة :-

” سأعود .. بالطبع سأعود .. أين سأجد مكانا أذهب إليه أساسا سوى ذلك المنزل اللعين ..!!”

……………………………………………………….

في صباح اليوم التالي

فتحت عينيها وهي تشعر بتعب لا مثيل له ..

كل جسدها كان يأن ألما وألمها النفسي لم يكن أقل من ألمها الجسدي ..

اعتدلت في جلستها وهي تتأوه بتعب قبل أن تلمس حافة رأسها بعدما ضمدتها لها الخادمة البارحة بعد عودتها الى المنزل وقد شكرت ربها إن والدتها وأختها كانتا غير متواجدتين في الطابق السفلي فهي لم تكن في مزاج يسمح لها بتحمل أي حديث او تساؤل من أي أحد ..!!

ما حدث البارحة كان يفوق قدرتها بمراحل شديدة ..

بدءا من خبر زواج نديم والذي جاء كصفعة قوية على وجهها .. رغم كل شيء ما زالت مشاعرها كما هي ورغم إدراكها إن تلك الفتاة حتما ستتزوجه وسيأتي اليوم الذي يتزوج به غيرها إلا إن وقع الخبر كان صادما مؤلما بقوة ..!!

ما حدث بعدها وذلك الحادث اللعين والشاب وتصرفه الغبي معها ..

هتفت بتشنج وغضب عندما تذكرت عجرفته معها :-

” مغرور وأحمق ..”

ثم ذلك الضابط السخيف والذي لا يقل سماجة عن ذلك الشاب الذي صدمت سيارته وكأن جميع الرجال في حياتها من نفس الصنف المغرور الغبي فيكفي وجود عمار في حياتها الذي لا تعرف كيف ستتخلص منه يوما وهي تدرك إن لا خلاص منه بعد الآن خاصة بتلك الشيكات التي يحملها ضد والدها فحتى وإن تخلصت منه كزوج لن تتخلص من وجوده في حياتها كليا ..!!

توقفت عن أفكارها المتعبة لتغمض عينيها وهي تتراجع بإرهاق الى الخلف مستندة برأسها على ظهر السرير لدقائق معدودة قبل أن تفتح عينيها مجددا وتسحب هاتفها لتجد الساعة تعدت الثانية عشر ظهرا فشهقت بعدم تصديق وهي تتذكر أمر الشركة التي باتت مسؤولة عن إدارتها ..

أجرت إتصالا سريعا بالسكرتيرة تخبرها بعدم قدرتها على المجيء اليوم وحمدت ربها إنه لم يكن لديها مواعيد مهمة اليوم ثم اتصلت بعدها على والدها تطمئن عليه كعادتها يوميا قبل أن تنهض من مكانها وتقرر أخذ حماما دافئا طويلا يساعدها في الإسترخاء ويقلل من آثار تعبها ..!!

بعد حوالي نصف ساعة خرجت بروب الإستحمام وهي تجفف شعرها الطويل بالمنشفة عندما سمعت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول عندما وجدت مريم تدلف الى الداخل تهتف بصوت بارد :-

” صباح الخير .. ماما تسأل عنك منذ الصباح .. طلبت مني أن آتي وأرى لماذا لم تستيقظِ بعد ..؟!”

ردت ليلى وهي ما زالت توليها ظهرها بعدما حملت الكريم الخاص بترطيب بشرتها بعد الإستحمام :-

“ما زلتِ غاضبة مني إذا ..؟!”

ردت مريم بجفاف :-

” سأخبرها إنك بخير ..”

استدارت ليلى تهتف بسرعة :-

” مريم انتظري ..”

لكنها توقفت على شهقة مريم بعدما رأت الضمادات الموجودة في قمة رأسها حيث تقدمت لا إراديا تسألها بخوف :-

” ما هذه الضمادات ..؟! ماذا حدث معك ..؟!”

ردت ليلى بسرعة تحاول تهدئتها :-

” اهدئي يا مريم .. مجرد حادثة بسيطة .. لا تقلقي ..”

” كيف يعني ..؟!”

رددتها مريم بذهول قبل أن تسألها بجدية :-

” ماذا حدث أخبريني ..؟!”

زفرت ليلى أنفاسها ثم سردت عليها بشكل مختصر ما حدث من إصطدام سيارتها وما تبعه من أحداث ..

تنهدت مريم وقالت :-

” غريب حقا .. أنت تتقنين القيادة منذ أيام الثانوية .. كيف إصطدمتِ بسيارته ..؟!”

” قدر وحدث …”

قالها ليلى بتهرب وهي تسحب المشط تاركة الكريم جانبا وتبدأ بتسريح شعرها لتهتف مريم بجدية :-

” الحمد لله إنك بخير ، لكن ألن تذهبي للمشفى للتأكد من سلامتك تماما ….؟! قد يكون الحدث تسبب لك بشيء تظهر آثاره فيما بعد لا سامح الله ..”

” انا بخير يا مريم .. لا داعي للقلق ..”

هزت مريم رأسها ثم نهضت تهتف :-

” سأخبر ماما إنك بخير وأخبرها بشكل مختصر عما حدث البارحة كي لا تفزع عندما تراكِ ..”

ردت ليلى بجدية :-

” سأنتهي من تصفيف شعري ثم أغير ملابسي وأنزل إليكما ..”

خرجت مريم بعدها تاركة ليلى تنتهي من تصفيف شعرها عندما رن هاتفها بإسم المحامي فأجابته ترحب به ليخبرها بعدما رد تحيتها :-

” كل شيء تم يا ليلى .. لقد تم نقل ملكية كل شيء لكِ ولفاتن هانم ومريم رسميا ..”

تنهدت ليلى براحة وقالت ممتنة :-

” أشكرك حقا يا عمي … أشكرك على تعبك ومساندتك لي ..”

” انتِ بمثابة ابنتي يا ليلى .. لا داعي للشكر أبدا ..”

ابتسمت بينما أضاف بجدية :-

” سأذهب الى الشرطة وأتنازل عن البلاغ بحق سهام …”

ردت بجدية :-

” كنت سأطلب منك هذا أصلا .. ”

” حسنا انا في طريقي الى هناك .. سأصل بعد قليل ..”

أضاف بعدها :-

” يجب أن ألتقي بك وأمنحك اوراق الاملاك رسميا .. سآتي الى الشركة ..”

قاطعته بجدية:-

” انا في المنزل .. إذا تستطيع تأتي الى هنا او يمكنني الإنتظار الى الغد ..”

رد بجدية :-

” سآتي ولكن عصرا ان شاءالله ..”

” سأكون في انتظارك ..”

أغلقت الهاتف بعدها وهي تتنهد وقد بدأت تشعر بالراحة نوعا ما ..

اتجهت نحو خزانة ملابسها وأخرجت فستانا أنيقا وبسيطا في نفس الوقت وسارعت في ارتدائه ..

هبطت بعدها الى الطابق السفلي لتجد والدتها في صالة الجلوس مع مريم حيث اندفعت نحوها تهتف بلهفة :-

” حبيبتي ، هل انت بخير ..؟! أخبرتني مريم بما حدث … عليكِ أن تنتبهي جيدا وأنتِ تقودين سيارتك يا ليلى ..”

أضافت تسألها بقلق وهي تتأمل الضمادات :-

” هل تؤلمك حبيبتي ..؟! هل أجلب الطبيب لك ..؟!”

ابتسمت ليلى وهي تحتضنها بخفة :-

” انا بخير يا ماما .. لا تقلقي يا روحي .. مجرد حادثة بسيطة .. ولا يوجد شيء يؤلمني الحمد لله ..”

هتفت فاتن بحنان :-

” سأعد لكِ الفطور بنفسي ..”

قاطعتها ليلى بجدية :-

” كلا توقفي ، سأنتظر حتى موعد الغداء ونتناول الطعام نحن الثلاثة سويا ..”

” إذا سأعد لك العصير ..”

قالتها فاتن بجدية وقبل أن ترفض أردفت بصرامة :-

” ستتناولين كوبا كاملا من عصير العنب فالله وحده يعلم كم فقدتِ من الدماء البارحة وسوف أحرص على تغذيتك بأشياء تساعدك في تعويض ما فقدته من دماء …”

ثم خرجت مسرعة تاركة ليلى تتابع بإبتسامة خافتة عندما رن جرس الباب فهتفت مريم تتسائل :-

” من أتى الآن ..؟!”

تحركت مريم تتبعها ليلى عندما فوجئتا بسهام تقف في باب المنزل بملامح حادة لتشتعل ملامح مريم غضبا وهي تندفع نحوها تصيح بقوة :-

” ماذا تفعلين هنا أيتها الحية الماكرة ..؟! كيف أتتكِ الجرأة وأتيتِ الى هنا ..؟!”

ردت سهام من بين أسنانها :-

” أتيت لأرى فاتن هانم وأخبرها بتصرفات ابنتها الصغرى ..!!”

قاطعتها ليلى بصرامة :-

” الزمي حدودك يا سهام وغادري حالا .. لسانك خرج الآن عندما تنازلت عن الشكوى ضدك …”

هتفت مريم وهي تتأمل سهام بقرف :-

” كان عليكِ أن تسجنيها يا ليلى لعدة سنوات فواحدة كهذه السجن هو المكان الوحيد الذي يصلح لها بين المجرمين والحثالة أمثالها ..”

” انا لا أسمح لك ..”

قالتها سهام بعصبية وهي تنوي الإنقضاض عليها عندما صدح صوت فاتن الصارم يهتف :-

” ماذا يحدث هنا ..؟!”

ثم تقدمت لتجد ابنتيها تقفان امام سهام التي تخصرت أمامها بملامح متحدية قابلتها فاتن بملامح جامدة كلية لا توحي بشيء محدد ..

شعرت ليلى بالقلق على والدتها فهمست لسهام :-

” غادري فورا قبل أن ..”

لكن فاتن قاطعت ابنتها :-

” اتركيها يا ليلى .. من غير اللائق أن تطردي زوجة والدك بهذه الطريقة ..”

” منذ متى وبناتك يعرفن التصرفات اللائقة يا فاتن ..؟!”

هتفت ليلى بحزم :-

” فاتن هانم يا سهام .. لا تنسي نفسك ولاحظي إنك تتحدثين مع فاتن حمدان … فاتن هانم يا سهام …”

بينما هتفت مريم بعصبية :-

” احترمي نفسك وإلا ..”

قاطعتها فاتن بهدوء :-

” لحظة يا مريم من فضلك …”

أكملت بنفس الهدوء لكن ملامحها كانت صامدة قوية :-

” ابنتاي دائما تصرفاتهما لائقة يا سهام ولا أسمح لأي شخص أن يقلل منهما او من تصرفاتهما … ”

هتفت سهام بتهكم :-

” نعم فعلا والدليل ما فعلته ابنتك الصغرى .. مريم هانم …”

” هانم غصبا عنك يا سهام ..”

قالتها مريم بحدة لتهتف فاتن بجدية :-

” توقفي يا مريم .. ”

تحدثت سهام بعصبية :-

” ابنتك جائت الى منزلي ومعها رجال عصابات وحطمت كل شيء هناك ..”

” تقصدين منزل والدي ..”

قالتها مريم بسخرية بينما ردت فاتن بجمود :-

” لقد علمت بذلك .. كان تصرفا خاطئا بالطبع لكن مريم ما زالت صغيرة ولا تعي ما تفعله ..”

استدارت مريم نحو والدتها تهتف بعدم تصديق :-

” ماما ..!!”

لكن فاتن أوقفتها بحزم :-

” لا تقاطعيني وانا أتحدث ..”

أضافت تشير الى سهام :-

” تصرف مريم كان خاطئا وأنت من حقك أن تعترضي وتدافعي عن نفسك ..”

تطلعت مريم الى والدتها بحنق بينما ليلى تتابع الحديث بصمت تام لتضيف فاتن بجدية :-

” لماذا لم تخبري أحمد بما حدث بدلا من أن تأتي إلي هنا ..؟! هو والدها وأفضل من يعرف كيف يتصرف معها ويحاسبها ..”

قالت ليلى وهي تبتسم بمكر :-

” لإنها لم ترَ والدي منذ عدة أيام … لو كانت رأته لما ترددت في إخباره .. يبدو إنه لم يتصل بها حتى والدليل إنه عندما يتحدث معي يبدو واضحا عدم علمه بأي شيء …”

احتدت ملامح سهام وهي تهتف بها :-

” أيتها اللعينة .. انت ووالدتك وأختك السبب .. ماذا فعلتم معه لتجعلوه ينفر مني بهذا الشكل ..؟!”

قالت فاتن بحدة :-

” احترمي نفسك ولا تتجاوزي حدودك .. اذا تعاملت معكِ بإحترام لأجلي ولأجل ما إعتدت عليه وتربيت فهذا لا يعطيكِ الحق أن تتجاوزي حدودك معي او مع ابنتي … نحن لا علاقة لنا بأي شيء .. انا أساسا لا أتواصل معه بل سأرفع دعوة طلاق خلال أيام ..”

قالت مريم بدورها :-

” وانا قاطعته كليا ..”

تحدثت ليلى بجدية :-

” انا فقط من أتواصل معه كي اطمئن عليه .. ”

” أين هو ولماذا لا يتصل بي ..؟!”

سألتها سهام بحنق لترد ليلى بجدية :-

” لا يمكنني إخبارك عن مكان تواجده لإنه يرفض أن يعلم أحد بمكانه سواي .. لماذا لا يتصل بك فأنا لا أعلم لكن يمكنني أن أخبره إنك تريدينه أن يتصل بك إذا أردت ..”

” شكرا ، لا حاجة لخدماتك .. انا سأعرف كيف أتواصل مع زوجي ..”

قالت فاتن بجدية :-

” جيد إذا .. عندما تتواصلين معه أخبريه بما فعلته مريم ودعيه هو يتصرف معها .. الآن هل هناك شيء آخر تودين قوله ..؟!”

” كلا ، لقد قلت ما لدي ..”

قالتها سهام بملامح ممتعضة لتهتف فاتن بهدوء وإبتسامة رسمية :-

” كان بودي أن أطلب منكِ الدخول وضيافتك عندنا لكن للأسف نحن نتجهز للخروج وتناول الطعام في الخارج ..”

” لم أكن لأدخل أساسا ..”

قالتها سهام بتجهم وهي تتحرك خارج الفيلا لتتجه ليلى وتغلق الباب خلفها فتستدير فاتن نحو مريم التي تلعثمت قائلة :-

” ماما أنا ..”

لكن فاتن قاطعتها بقوة وحدة :-

” اخرسي .. لا أريد سماع صوتك .. ”

أضافت بعدم تصديق :-

” انا لا يمكنني تصور ما فعلتيه .. لأي مستوى هبطتِ في تصرفاتك ..؟! أخبريني كيف تفعلين تصرفات كهذه لا يفعلنها سوى بنات الشوارع …؟!”

” ماما اهدئي من فضلك ..”

قالتها ليلى بتروي لتهتف فاتن بعصبية :-

” لن اهدأ ولن أتسامح بأي تصرف أحمق يصدر منكما أنتما الإثنتان..”

أضافت تشير الى مريم بجدية :-

” لقد تصرفت وكأنني أعلم ما حدث ولم أحاسبك أمامها كي لا أقلل من شأنك وتركت الأمر لوالدكِ حجة مني فقط .. لكنني لن أمرر تصرفك هذا بهدوء كما تظنين ولن أتغاضى عنه …”

أضافت وهي تشير الى ليلى هذه المرة :-

” كما لن أنسى إخفائك أمر الزيجة عني وإجبار والدك عن التنازل عن أملاكه لي ولكما بهذه الطريقة المهينة أيا كانت أسبابك ..”

هتفت أخيرا تشير إليهما بنفس الوقت :-

” من الآن فصاعدا سيكون هناك نظام جديد وطريقة جديدة للتعامل معكما .. يبدو إن معاملتي اللطيفة وتعاملي معكما كصديقة لا أم لم تكن صحيحة إطلاقا …”

أنهت كلماتها تتجه الى الطابق العلوي حيث غرفتها بعصبية تاركة ابنتيها تتطلعان الى آثرها بأسف وندم شديد ..

……………………………………………………

تقدمت نحو والدتها التي تأملتها وهي بكامل أناقتها كعادتها لكنها لم تذهب الى الشركة كالعادة ..

سألتها والدتها بإهتمام :-

” لماذا لم تذهبي الى الشركة اليوم يا غالية ..؟!”

ردت غالية بجدية :-

” مساء الخير اولا .. ثانيا انا في اجازة اليوم …”

” هل ستخرجين مع صديقتك ..؟!”

سألتها والدتها لترد غالية بصدق :-

” بل سألتقي بفراس .. لقد دعاني على الغداء ..”

قالت صباح بجدية :-

” متى سيأتي ويخطبك ..؟! نديم ووافق عليه .. ماذا ينتظر بعد ..؟! اسمعيني انا لا يعجبني مقابلتكِ له بإستمرار هكذا دون رباط رسمي ..”

ردت غالية بجدية :-

” سيأتي قريبا … هو يريد أن يأتي لكنني أجلت الموعد بعد زواج نديم …”

” نديم سوف يسافر بعد زواجه بأيام معدودة …”

قالت غالية بجدية :-

” سيأتي مع عائلته خلال أحد هذه الأيام المعدودة هذا إذا لم يحدث تغيير ما ..”

” تغيير مثل ماذا ..؟!”

سألتها صباح بإستغراب لترد غالية بصراحة :-

” انا مترددة قليلا في أمر الخطبة .. أحتاج أن أفكر مجددا قبل إتخاذ قرار نهائي وحاسم ..”

” سيكون افضل بالطبع .. انا معك في أي قرار تتخذينه ..”

قالتها صباح بدعم صريح لها لتبتسم غالية وتنحني نحوها تقبلها بخفة ثم تهتف بإمتنان :-

” شكرا حقا … شكرا على كل شيء .. شكرا على وجودك في حياتي ..”

ابتسمت صباح بحنو وهي تربت على وجنتها لتودعها غالية وتغادر متجهة لمقابلة فراس الذي أصر على مقابلتها …

بعد مدة من الزمن جلست أمام فراس الذي كان ينتظرها على أحر من الجمر ..

ألقت التحية بفتور ليرد عليها بهدوء مريب قبل أن يشير الى النادل ويسألها عما تحب تناوله فتجيب بنفس الفتور إنها ستكتفي بشرب العصير ولن تستطيع تناول شيء لإنها مرتبطة بموعد آخر مع صديقة لها ..

كتم فراس غضبه من تصرفاتها الباردة وجمودها الواضح فطلب من النادل أن يجلب لهما العصير حيث اختارت هي عصيرها المفضل وكذلك هو ..

هتف هو أخيرا بلهجة جادة متأسفة :-

” اولا انا أعتذر منك عما حدث في منزل عائلتي وعن تصرفات تميم وما قاله لك ..”

رفعت غالية حاجبها تسأله :-

” وهل أخبرك تميم بكل ما قاله ..؟!”

هز رأسه وهو يجيب :-

” نعم ، أنا بدوري عاقبته على تصرفه ..”

قاطعته بجدية :-

” لماذا عاقبته ..؟! ”

رد بهدوء :-

” لإنه تحدث بطريقة غير لائقة معكِ ولم يحترم كونكِ شابة كبيرة وعليه التعامل بإحترام وطريقة لائقة معكِ …”

ابتسمت غالية تردد ببساطة :-

” في الواقع انت لا يمكنك محاسبته … ”

سأل بتعجب :-

” لماذا يعني ..؟! مالذي تقصدينه بالضبط من كلامكِ هذا ..؟!”

ردت وهي تبتسم بهدوء :-

” انت تعاقب ابنك الذي يعيش بعيدا عن والدته على تصرفاته الغير اللائقة بدلا من أن تبحث عن سبب تصرفاته تلك …”

احتقنت ملامحه وهو يسأل بعصبية خفيفة :-

” غياب والدته هو السبب من وجهة نظرك ، أليس كذلك ..؟!”

ردت بجدية :-

” بالطبع ، وجود الأم هو أهم عنصر في تربية الأطفال وغيابها يؤثر بطريقة كبيرة عليهم وعلى نشأتهم لذا لا يحق لأي أحد أن يحاسب طفل صغير على تصرفاته الخاطئة وهو ينشأ دون وجود أم في حياته توجهه وتجيد تربيته بالشكل المناسب ..”

” ابني ليس وحيدا .. والدتي تهتم به وكذلك لوجين ..”

قاطعته بقوة :-

” لا أحد يمكنه أن يأخذ مكان والدته … لا أحد يستطيع تعويض الطفل عن أمه … لو جلبت عشرة نساء معا لن يعوضن مكانها أبدا ..”

ضحك مرددا بإستخفاف :-

” غريب أمرك .. ماذا عن اليتامى ..؟! عمن يفقدون أمهاتهم ويعيشون بدونهم بعدما إختارهن الموت ..؟؟”

ردت بتعقل :-

” هذا وضع مختلف تماما .. لا يمكنك أن تربط بين الوضعين نهائيا .. أسوء شعور يمر به الطفل او المرء عموما هو نشأته بلا أم رغم وجودها على قيد الحياة …”

أضافت :-

” وإسمح لي أن أخبرك إنك كلامك وتصرفاتك بحرمان ابنك من والدته خطأ كبير يبدو إنك لا تدرك تبعاته جيدا .. واسمح لي أيضا أن أخبرك إن أكبر دليل على كلامي هو تصرفات ولدك وطريقته في التعامل مع من يكبره سنا رغم وجود والدتك دائما معه وكذلك اختك كما تدعي وهذا يدل على إنهما لم ينجحا في سد الفراغ الذي تركته والدته ..”

تغضن جبينه وهو يتذكر حديثه مع طفله الذي أخبره بكل جرأة ولا مبالاة عما قاله لغالية بالحرف الواحد وعندما سأله من أين جاء بهذا الكلام أخبره بصراحة إنه سمع جدته تتحدث مع عمته في هذا الأمر وتخبرها عن رفضها لتلك الزيجة ولغالية وحتى عمه يبدو رافضا وعمته حزينة لأجل والدته ليتأكد إن والدته لم تلقن طفله هذا الكلام وهو الذي شك إنها وراء ذلك لكن والدته فقط أدركت إن تميم سيتصرف بفظاظة مع غالية دون أن تهتم بنوع تصرفه لذا تعمدت أن ترسلها إليه وهو بدوره فعل ما لا يمكن تصوره ..

أفاق من أفكاره على صوت غالية الذي بدا يحمل في نبرته حزن غريب :-

” حاول أن تصلح ما أفسدته يا فراس قبل أن تخسر ابنك كليا وتحطمه بأنانيتك …”

سأل بحدة :-

” ومالذي يجعلك متأكدة إنه يحتاج لوجود والدته الى هذه الدرجة بل تثقين أيضا بقدرتها على تربيته بطريقة صحيحة …؟!”

” هذا ما يقوله المنطق ..”

قالتها ببساطة ليرد ببرود :-

” أمر ولدي ووضعه مع والدته أمر خاص جدا لا أحب أن أتحدث به مع أي أحد ..”

ابتسمت بتهكم ثم قالت :-

” انت حر يا فراس .. أنا أردت النصيحة لا أكثر ..”

سأل بحذر :-

” اذا ، هل قبلتِ إعتذاري ..؟!”

ردت ببرود بعدما وضع النادل العصير أمامها وغادر :-

” نعم قبلته … والآن بما إنك جلبتني الى هنا لغرض الإعتذار وأنا قبلت إعتذارك اسمح لي بالمغادرة فموعدي مع صديقتي لم يتبقَ عليه سوى القليل ..”

نهضت من مكانها وحملت حقيبتها ثم منحته إبتسامة رسمية قبل أن تغادر المكان دون أن تسمع حتى رده تاركة إياه يشتعل غيظا بسبب تجاهلها الصريح له وبرودها وعجرفتها التي لا تطاق ..

…………………………………………………………

امام إحدى الشركات الضخمة المتخصصة في مجال الإنشائات والإعمار وقفت غالية للحظات تتأمل بناية الشركة ذائعة الصيت قبل أن تتقدم بخطوات واثقة الى الداخل …

وقفت أمام موظفة الإستعلامات في الصالة الأمامية الضخمة والفخمة جدا للشركة والتي ابتسمت لها ترحب بها وقد أدركت من ملابسها وشكلها إنها شخص مهم وربما ظنت إنها جاءت لأجل عمل ما ..

ردت غالية تحيتها بنفس الإبتسامة قبل أن تسأل بجدية :-

” انا أبحث عن موظفة لديكم في الشركة ..؟! مهندسة اسمها عهد رحيم ….”

ردت الموظفة بسرعة :-

” مدام عهد .. نعم هي موظفة هنا .. ستجدينها في الطابق الخامس في قسم المهندسن المدنيين … ”

ابتسمت غالية وهي تردد :-

” أشكرك كثيرا .. عن إذنك ..”

ثم سارت نحو المصعد حيث ضغطت على زره قبل أن يهبط الى الطابق الأرضي وتُفتح بابه فتدلف الى الداخل وتضغط على الزر الخاص بالطابق الخامس ..

وصلت الى هناك لتسأل أحد المارة عن مكان وجودها فيجيبها بجدية :-

” مدام عهد رحيم .. ستجدين مكتبها في نهاية الممر خلفك من جهة اليسار … ”

ابتسمت تشكره وهي تتجه نحو المكتب حيث وجدت مكتبين فذهبت الى المكتب من جهة اليسار وطرقت على الباب بخفة لتسمع صوت هادئ يسمح لها بالدخول ..

دلفت الى الداخل تلقي التحية قبل أن تتوقف للحظات تتأمل إبتسامة المرأة الرسمية الهادئة وهي ترد تحيتها ..

سمراء رشيقة وطويلة .. تمتلك عينان بنيتان واسعتان جدا وملامح جميلة .. شعرها الأسود مرفوع بتسريحة عملية بسيطة تشبه ملابسها العملية لكنها راقية في نفس الوقت .. مكياجها خفيف للغاية وملابسها أنيقة حيث ترتدي بنطال بني اللون فوقه سترة من النفس اللون أسفلها قميص حريري كريمي اللون …

لا إراديا انتبهت على اللوحة الصغيرة الموضوعة على مكتبها حيث مكتوب عليها :-

( مهندس مدني / عهد رحيم

معاون رئيس المهندسين )

وهذه مفاجئة أخرى فهي ليست مجرد مهندسة بل تمتلك منصبا مهما وأكبر دليل مكتبها الفخم ..

تقدمت غالية نحوها تعرف عن نفسها :-

” غالية الخولي ، مهندسة حاسبات ..”

” اهلا انسة غالية .. آنسة أليس كذلك ..؟!”

سألتها عهد وهي ترحب بها لتبتسم غالية وهي ترد :-

” نعم ما زلت آنسة ..”

أضافت بجدية :-

” يبدو إنك لم تتعرفِ علي بعد ..”

” في الحقيقة لا ..”

قالها عهد وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها وكان الصدق واضحا عليها فردت غالية بجدية :-

” انا غالية .. من يفترض أن تكون خطيبة طليقك فراس ..”

اختفت إبتسامة عهد لا إراديا وسيطرت على ملامحها الدهشة التامة لتبتسم غالية مضيفة بتأني :-

” مجيئي مفاجئ لكِ بالطبع .. لكنني أحتاج القليل من الوقت للتحدث معكِ ..”

قاطعتها عهد بجدية :-

” لا يمكننا الحديث هنا .. هذا مكان عمل ..”

قاطعتها غالية بدورها :-

” يمكننا التحدث في الخارج .. متى ينتهي عملك ..؟!”

ردت عهد وهي تنظر الى الساعة في معصمها :-

” بعد أقل من ساعة ..”

هتفت غالية بجدية :-

” جيد ، انا سوف أسبقك الى احد المطاعم حيث سأتناول غدائي ريثما تنتهين من عملك وتأتين الى المطعم بعدها إذا لم يكن لديك مانع ..”

عندما وجدت الصمت هو الرد الوحيد سألتها :-

” هل هناك مطعم محدد قريب من الشركة تفضلين أن نتحدث به ..؟!”

أخبرتها عهد بإسم أحد المطاعم على مضض لتبتسم غالية وهي تخبرها قبل أن تغادر :-

” سأنتظرك هناك إذا يا مدام ..”

وغادرت تاركة عهد تتابع آثارها بإستغراب ..

وبعد حوالي ساعة تأملت غالية عهد التي تقدمت نحوها وجلست أمامها بملامح هادئة ولكن بدت غير مرتاحة تماما ..

هتفت عهد تبادر بالسؤال :-

” تفضلي آنسة غالية .. ما سبب زيارتك ورغبتك بالتحدث معي …؟!”

ابتسمت غالية بهدوء قبل أن تتحدث :-

” سأتحدث بصراحة .. فراس يريد خطبتي .. هو رجل سبق له تجربة الزواج .. الزواج منكِ انتِ .. وأنا أردتُ مقابلتك والتعرف عليك لإن لدي بعض الأسئلة التي سوف تساعدني في تحديد قراري النهائي ..”

” أسئلة مثل ماذا ..؟!”

سألتها عهد بعدم فهم لترد غالية بجدية :-

” سبب إنفصالكما مثلا ..؟!”

ردت عهد بفتور :-

” ولماذا سأخبرك مثلا ..؟! لماذا تثقين بإنني سأخبرك عن سبب الإنفصال ولماذا أيضا تثقين بصدق ما سأخبرك به ..؟!”

” هذا أمر طبيعي أن تهتم الفتاة عندما يتقدم شاب سبق له تجربة الزواج بمعرفة سبب انتهاء زيجته الاولى … أما عن كونك سوف تكونين صادقة في اجابتك او ستكذبين فأنا سأترك الأمر لضميرك وفي النهاية الكذب لا يستمر الى الأبد ويأتي يوم يكتشف المرء الكذبة مهما طالت …”

أضافت بهدوء :-

” انا من أبسط حقوقي أن أعرف سبب إنفصالكما ..؟!”

” لماذا لم تسأليه هو ..؟!”

قالتها ببديهية فردت غالية بسرعة :-

” سألته .. بالطبع سألته ..”

” وماذا قال ..؟!”

سألتها عهد بهدوء لترد غالية بصدق :-

” عدم التوافق بينكما بسبب الفروقات الطبقية والاجتماعية ..”

هتفت عهد ببساطة :-

” جيد .. ها هو أخبرك بنفسه عن السبب .. لماذا تسألين مجددا إذا ..؟!”

أجابت غالية بجدية :-

” لإنني أشعر إنه يكذب .. او ربما يقول الحقيقة ناقصة ..”

صمتت قليلا ثم قالت وهي تتأمل المرأة السمراء بشعرها الاسود الطويل وعينيها البنيتين الواسعتين :-

” ربما هناك فارق طبقي واجتماعي بالفعل بينكما .. لكنني لا أظن هذا السبب الوحيد لإنفصالك عنه … ”

أضافت بصراحة مطلقة:-

” انا تقصدت أن أراكِ وأتعرف عليكِ بنفسي ..”

قاطعتها عهد بتساؤل رغم هدوءه بدا غير ودود إطلاقا :-

” لماذا ..؟! ما الهدف من رؤيتي يا انسة غالية ..؟!”

أجابت غالية بنفس الصراحة :-

” كان لدي فضول شديد للتعرف على المرأة الأولى في حياة خطيبي المستقبلي .. كما إنني من خلال رؤيتك سوف أستطيع أن أحدد بعض الأشياء .. ذلك لم يكن أكيدا لكن ربما سيحصل ذلك ..”

” أشياء مثل ماذا ..؟!”

سألتها عهد وقد بدأت تتوتر في جلستها لتجيب غالية بتروي :-

” في الحقيقة أنتِ أدهشتني تماما .. بعيدا عن وضعك الاجتماعي والمادي ومدى الفرق بينك وبين فراس.. لكنني وجدت نفسي أمام سيدة جميلة وأنيقة .. مثقفة وراقية التصرف والطباع … مهندسة تمتلك منصبا هاما في شركة من أكبر شركات البلاد … ”

” إذا أنتِ كنتِ تتوقعين صورة مخالفة لي .. صورة تجعلك تتأكدين من صحة كلام فراس … ”

أومأت غالية برأسها وهي تقول بجدية :-

” نعم كنت أبحث عن صورة مختلفة .. صورة تقنعني بحديثه وسببه الذي لم ينطوي علي حتى الآن ….”

تراجعت عهد الى الخلف للحظات تتأمل تلك الفتاة رائعة الجمال والتي يبدو إنها تمتلك من القوة والذكاء ما يفوق جمالها حتى قالت بسرعة :-

” لا تتوقعي مني جوابا يختلف عن جواب فراس ..”

” لماذا ..؟! لإنك تخافين منه ..؟!”

والسؤال جاء كصفعة قوية على وجه وعد فهي بالفعل تخاف منه ليس لشيء .. بل لأجل طفلها منه والذي ما زالت حتى الآن تراه بمعجزة ..!!

ردت عهد تحاول السيطرة على توترها :-

” لا أخاف بالطبع …”

” من حقك أن تخافي بشأن أي شيءيتعلق بطفلك …”

قالتها غالية بصدق لتهتف عهد بجدية :-

” طفلي هو كل شيء عندي … هو أهم شيء بالنسبة لي … نعم أنا أخاف من فراس .. لن أنكر هذا بل سأقولها بصراحة .. أخاف منه بسبب طفلي وليس لأي سبب آخر .. لولا تميم ما كنت لأخاف منه أبدا .. لكنني مضطرة الى الخوف والمسايرة كي لا يحرمني من طفلي كليا ويمنعني من زياراتي القليلة حتى ..”

” وهل هذا تصرف منطقي يا مدام عهد ..؟! الى متى ستظلين تخافين والى متى ستبقين محرومة من طفلك ..؟!”

سألتها غالية بضيق لترد عهد بجدية :-

” انت تتحدثين هكذا لإنك لا تعلمين شيئا .. يشهد الله علي كم حاربت لأجل الحصول على حق حضانته .. لكن كل محاولاتي ذهبت سدى .. وعندما وجدت إن الأمر قد يصل الى حرماني التام منه فضلت التوقف عن أي محاولة في سبيل رؤيته ولو مرات قليلة جدا … ”

” هذا تخاذل يا مدام … تخاذل وضعف لا يمكنني تحمله ..”

قالتها غالية بحنق لترد عهد بملامح محتقنه :-

” من فضلك لا تتحدثي عن شيء لا تعرفينه .. انت لا تعرفين الوضع بالكامل ولا تعرفين فراس جيدا … انت تحكمين على الأمور من الظاهر فقط لكن الواقع مختلف …كوني واثقة لو كان هناك ولو أمل صغير حتى متبقي في الحصول على حضانة ابني لإستمريت في محاولاتي لكن كل الطرق أصبحت مسدودة في وجهي ولم يكن أمامي سوى الرضوخ ..”

مسحت عهد دمعة خائنة تسللت من عينها فهتفت غالية بتأثر :-

” انا اسفة .. انا لم أقصد جرحك او تأنيبك .. انا فقط قلت هذا لإنني أشعر بالحزن عليك ..”

هتفت عهد بصوت متحشرج :-

” انا لا أريد شيئا سوى ابني .. رغم كل شيء ما زال لدي أمل أن يأتي يوم ويصبح معي مجددا ..”

سألتها غالية بتردد :-

” اسمحي لي بالسؤال ، ألم تفكري في العودة إليه مجددا لأجل الطفل ..؟!”

ردت عهد بحشرجة :-

” بل عرضت عليه الأمر عدة مرات في وقت سابق لكنه رفض .. توسلته حتى لو أعادني الى عصمته فقط لأجل البقاء بجانب طفلي وليفعل هو ما يحلو له لكنه رفض ذلك لإنه بعد طلاقنا حاول كثيرا إعادتي الى عصمته وانا رفضت …”

” هل قرار العودة كان صعبا جدا عليكِ وقتها ..؟!”

سألتها غالية بحذر لتسحب عهد منديلا تمسح به عينيها بخفة قبل أن تجيب :-

” كنت أريد الإنفصال بأي شكل خاصة إنني كنت أظن إن حضانه الطفل لي بكل الأحوال .. لم أضع في بالي أن يحدث هذا وها أنا أعض أصابعي ندمي على إصراري على الطلاق ..”

” ما زلت مصرة على عدم إخباري عن سبب الإنفصال إذا ..؟!”

ردت عهد بتأسف :-

” إعذريني ولكن ..”

هتفت غالية بجدية :-

” لا عليك ، ليس مهما أساسا .. ما سمعته حتى الآن كافيا لإتخاذ القرار الصحيح ..”

” آنسة غالية من فضلك .. انا ..”

قاطعتها غالية بجدية وإبتسامة خفيفة :-

” انا لم ألتقِ بك أبدا ولم يجمعنا أي حديث ولا أعرف شكلك حتى .. اطمئني يا مدام عهد ..”

” انت حقا فتاة رائعة .. ليتك تستطيعين تغييره … ”

قالتها عهد بتمني لتبتسم غالية بطريقة مصطنعة قبل أن تشيح بوجهها جانبا تفكر في ما سمعته منها وما رأته من عذاب على وجهها فشعرت بالإختناق يسيطر عليها بقوة ..

……………………………………………………….

كانت حياة تجلس بجانب حنين وأمامهما أحلام التي تردد بحنق :-

” زواج وسفر هكذا فجأة ..؟! ألا يوجد حتى فترة قصيرة قبل الزواج ..؟! أشهر قليلة ..”

ردت حياة بجدية :-

” انا أخبرتك إنه يجب أن نسافر هناك في أقرب وقت حتى أتجهز تماما لكل شيء قبل بدء الدراسة ..”

” سوف تسافرين وتبتعدين عني يا حياة .. انا لم أصدق إننا إجتمعنا أخيرا بعد سنوات من الحرمان ليأتي نديم بك ويخطفكِ مني بهذه السرعة ..”

كانت والدتها تتحدث بحزن شديد فقالت حياة بسرعة :-

” يا ماما سنعود بالتأكيد .. لن نبقى هناك حتى آخر العمر كما إننا سنأتي في زيارات مستمرة ..”

هتفت أحلام بضيق :-

” الجميع يقول هذا وما إن يصلوا الى هناك لا يفكرون بالعودة ليوم واحد حتى ..”

” بالتأكيد لا .. نديم نفسه لا يمكنه ترك عائلته الى الابد .. هو مرتبط جدا بوالدته وأخته ..”

كان تحاول تخفيف الوضع على والدتها التي بدت غير راضية أبدا عما يحدث وهذا الزواج السريع فسألت بجدية :-

” حياة ابنتي ، هل انتِ واثقة من قرارك ..؟! راجعي نفسك يا حياة مجددا .. هذا زواج يا ابنتي وفوق هذا سوف تسافرين معه بعيدا .. ستكونين هناك معه لوحدك … ”

” ماما ارجوكِ .. انا متأكدة من قراري وأثق بنديم كثيرا .. ألم ترِ كم هو شخص جيد وموثوق به ..؟!”

ردت أحلام بأسف :-

” ما أراه هو إنكِ غارقة في حبه وبالتالي مشاعرك القوية نحوه تتحكم بك و تجعلك تضعفين أمامه ..”

ردت حياة بجدية :-

” نعم انا غارقة في حبه ولم أنكر هذا ولكن ليست مشاعري فقط من تتحكم بي .. انت مخطئة في هذا .. ”

ردت أحلام بعبوس :-

” كما تشائين يا حياة .. انا لا يمكنني الوقوف في وجهك .. أساسا فقدت هذا الحق منذ سنوات ..”

نهضت مكانها متجهة بعيدا عنهما بضيق فقالت حياة بحزن :-

” لا أفهم سبب رفضها لهذا الزيجة .. هي ترفض نديم منذ اول يوم .. ”

قاطعتها حنين بجدية :-

” لا تهتمي .. كوني سعيدة فقط فهذا هو ما يهم بل كل ما يهم …”

ابتسمت حياة إبتسامة لم تصل الى عينيها عندما هتفت حنين بحزن :-

” سأشتاق إليك كثيرا .. ”

ردت حياة بإبتسامة تخفي خلالها ألمها :-

” لا تقولي هذا .. سوف نتواصل يوميا صوت وصورة ..”

قالت حنين فجأة :-

” لا أحد يعلم ما سيحدث .. ربما أقرر إكمال دراستي هناك معك في نفس الجامعة بعدما لا أجد جامعة تناسبني هنا ..”

ردت حياة بخفة :-

” انتِ جدي تخصصا تدرسينه اولا ثم فكري في الجامعة نفسها .. أشهر مرت وانتِ ما زلتِ تبحثين عن تخصص يناسبك ..”

مطت حنين شفتيها تردد :-

” ماذا أفعل ..؟! لا يوجد تخصص أشعر بالألفة نحوه ..”

ابتسمت حياة ثم قالت بجدية مقررة المغادرة :-

” يجب أن أغادر الآن ..”

” لماذا مستعجلة هكذا ..؟! تناولي الغداء معنا ..”

ردت حياة بجدية :-

” لدي اعمال مهمة كما إنني أفضل أن أغادر قبل أن يأتي نضال ويراني …”

” بخصوص نضال .. هناك شيء هام أود أن تعرفينه ..”

قالتها حنين فجأة لتتطلع إليها حياة بإهتمام لتضيف جنين بجدية :-

” لقد تبين سبب إهتمامه بك لهذه الدرجة و ..”

قاطعتها حياة تسأل بسرعة :-

” ما هو السبب ..؟!”

حملت حنين هاتفها من فوق الطاولة وفتحت تبحث عن صورة الفتاة قبل أن تعطيها لحياة فتتأملها للحظات بملامح صامتة قبل أن تردد بخفوت :-

” كأنها تشبهني ..”

ردت حنين بسرعة :-

” كثيرا .. ليست نسخمة منك لكن هناك شبه بينكما .. الهيئة والشعر القصير وملابسها وإبتسامتها ..”

” من هذه الفتاة يا حنين ..؟!”

سألتها حياة بجدية لترد حنين :-

” لا أعلم ، لكن من الصور التي رأيتها في غرفته من الواضح جدا إنها كانت حبيبته .. وهذا يفسر سبب تعلقه السريع بك ..”

” إذا الأمر يتعلق بتلك الفتاة والشبه بيننا .. لكن أين هي تلك الفتاة ولماذا لا يعود إليها بدلا من محاولة نيل شبيهتها ..؟!”

” لا أعلم حقا ولكن حذاري أن تخبريه بشيء فهو لا يعلم إنني رأيت تلك الصور بالصدفة البحتة في غرفته ..”

ردت حياة بشرود :-

” بالطبع لن أخبره يا حنين .. أين سأراه أساسا …؟!”

أنهت كلماته وعقلها أخذ يفكر في نضال لا إراديا وتلك الفتاة والسبب الذي يجعله يتعلق بها كونها تشبهها ليس إلا .. الآن فقط فهمت سبب تعلقه السريع به والغير منطقي إطلاقا وهي التي كانت تظن إن تصرفاته بدافع الانتقام ..!!


منذ أن أخبرتها حنين بما عرفته عن نضال وهي تشعر بحيرة مما عرفته …

كان من الواضح إن هناك شيء خاطئ في تصرفاته وإهتمامه المفاجئ بها من أول يوم رغم جفاءه مع البقية ..

لم تستوعب بعد ما سمعته فعقلها كان يفكر في سبب تصرفاته المريبة وإهتمامه المبالغ فيه والذي فسرته إنه ليس عفويا كما يبدو وقادتها أفكارها الى العديد من الإحتمالات عدا هذا الإحتمال ..!

كانت ما زالت في منزل والدتها لم تغادر كما قررت بعدما أصرت والدتها أن تبقى وتتناول طعام الغداء معها هي وأختها حيث قد سافر زوج والدتها في رحلة قصيرة ولا يوجد سواهما في المنزل …!!

سمعت نداء والدتها لها ولأختها تخبرهما إن المائدة أصبحت جاهزة فتقدمت نحو طاولة الطعام مع حنين وجلست تتناول الطعام وعقلها رغما عنها شاردا يتذكر صورة تلك الفتاة التي بدت تشبهها قليلا ..!!

إنشغلت بعدها في تبادل الأحاديث مع والدتها وحنين حتى انتهين من تناول الطعام لتخبرهم بضرورة مغادرتها لأجل إنهاء بعض الأشياء الهامة بعدما وعدت والدتها أن تخرجان سويا غدا لتساعدها في شراء بعض مسلتزمات الزواج والتي ستحتاجها كعروس بالتأكيد …!!

أثناء خروجها من المنزل قابلته في طريقها حيث كان يدخل الى منزله بعدما ركن سيارته في الكراج ..

توقفت للحظات أمامه تتبادل معه النظرات فبدت نظراته جامدة لا تعبر عن شيء بينما نظراتها مرتبكة قليلا ..!!

تحرك الى الداخل متجاوزا إياها لكنه توقف على صوتها وهي تناديه قبل أن تلتفت نحوه فتجده واقفا مكانه يوليها ظهره وتكاد تجزم إنه حائر بين تجاهلها والإستمرار في سيره الى الداخل وبين الإستدارة نحوها والرد عليها ..

إلتفت أخيرا نحوها يتأملها بنفس الجمود للحظات قبل أن يهتف بصوت بارد جاف :-

” نعم ..”

هتفت بتردد :-

” مساء الخير اولا ..”

أضافت وهي تتقدم نحوه خطوات قليلة :-

” في الحقيقة أردت إلقاء التحية …”

صمتت تتأمل تغضن ملامحه برفض واضح فقالت بسرعة متراجعة عما نوت التحدث به معه :-

” حسنا لا عليك .. سأذهب ..”

لكنها توقفت على صوته الحازم يقول :-

” توقفي ..!!”

استدارت نحوه تتأمل تجهم ملامحه وهو يضيف :-

” ماذا كنتِ تريدين مني ..؟!”

إبتلعت ريقها تردد بحرج :-

” لا أريد شيئا .. أردت إلقاء التحية فقط لا غير …”

هتف بنفس البرود :-

” لم أعهدك ممن يتراجعن عن قول شيء ما او يخشين أحدا ..”

قالت بجدية :-

” الأمر ليس خوفا بالتأكيد ولكن من الواضح عليك إنك لا ترحب بالتحدث معي وبالتالي التزمت الصمت ..!!”

سأل بجدية :-

” ماذا تريدين أن تقولي ..؟!”

ردت بهدوء محاولة السيطرة على غضبها الخفيف بسببه :-

” أريد التحدث معك قليلا .. انظر لا تستغرب ما سأقوله لكنك بتصرفاتك الأخيرة وحديثك معي بل وتجاوزك للعديد من الحدود بيننا منحتني الحق في قول هذا ..”

رفع حاجبه يتسائل بتهكم مقصود :-

” قولي ما لديك يا آنسة حياة وتجاوزي الحدود إذا أردتِ كما فعلت أنا معك …”

” ألا ترى إنك تجاوزت حدودك معي حقا ..؟!”

سألته بدهشة ليردد بعدم إهتمام :-

” انا قلت الحقيقة .. الواقع الذي ستعيشنه مع خريج السجون هذاك .. الواقع الذي مصرة أن تتغافلين عنه ..”

تقدمت نحوه أكثر تهتف بملامح شديدة الغضب تدافع عن الرجل الذي تحبه بإستماتة :-

” أنت لماذا تصر على التقليل منه بهذه الطريقة..؟! لماذا تصر على الإساءة له بأي شكل ..؟! ما مشكلتك معه بالضبط ..؟! لماذا يزعجك نديم الى هذا الحد …؟! ولماذا ترفض إستيعاب إن كل هذا لا يهمني حقا مثلما لا يهمني رأيك ورأي أمثالك ..؟!”

ضحك مرددا بسخرية :-

” رأيي ورأي أمثالي .. تقصدين رأي الجميع .. رأي الناس الواقعيين ..”

هدرت بقوة :-

” انا انسانة واقعية جدا لكنني أمتلك إنسانية أيضا … إنسانة واقعية لكنني أشعر بغيري وأتفهمهم … أما أنت ..”

صمتت قليلا تضغط على فمها وهي تلاحظ تشنج ملامح وجهه لتضيف بجدية :-

” انت تتكبر على الجميع وتسخر من الكثير وتظن نفسك أفضل من أي شخص .. تحاسب نديم على خطأ ربما لم يرتكبه وحتى لو فعله حقا فلا تمنحه حق إصلاح ما أفسده .. تتصرف وكأنك الحاكم ومالك الكون فتنظر الى الجميع بفوقية وترفض أن تمنح نفسك القليل من الضمير والإنسانية وأنت تنظر الى من حولك ..”

أكملت بقوة وقد تحولت ملامحها البريئة الى ملامح مختلفة تماما مليئة بالقوة والتحدي :-

” يوما ما ستخسر كثيرا بسبب غرورك وإعتدادك بنفسك المبالغ به .. يوما ما ستعلم إن غرورك هذا لن يجلب لك الراحة ومكانتك مهما بلغت ومهما إرتفعت لم تمنحك السعادة ولا السكينة طالما داخلك أسودا الى هذا الحد … ”

أخذت نفسا عميقا ثم أضاف بهدوء هذه المرة :-

” لا أحد يعلم ما قد يحدث مستقبلا .. نديم يوما ما كان يمتلك كل شيء وفي لحظة واحدة خسر الكثير وانت ايضا معرض لذلك وانا والجميع .. الحياة لا تستمر على نمط واحد كما تظن وربما يأتي اليوم الذي تصبح فيه بالقاع بعدما أنت الآن ترى نفسك بالقمة وحينها تأكد لن ينتشلك أحدا من قاعك المظلم لإنك لم تفعل شيئا تستحق أن يساعدونك لأجله ..”

توقفت عن حديثها أخيرا لترى ملامحه جامدة كصخرة لا حياة فيها …

هتف أخيرا بنبرة لا حياة فيها هي الأخرى :-

” لكن نديم وجد من تنتشله من ذلك القاع ، أليس كذلك ..؟!”

كانت ما زالت تقف مواجهتهه دون رد عندما أضاف وهو يتقدم نحوها هذه المرة فأصبحت المسافة بينهما لا تتعدى سنتيمترات قليلة :-

” وجدكِ يا حياة … ”

” لإنه يستحق ذلك بالتأكيد ..”

قالتها بقوة ليبتسم إبتسامة لم تصل الى عينيه وهو يردد :-

” اتمنى من أعماق قلبي أن يستحق فعلا كل هذا .. أن يعرف جيدا قيمه ما ناله ..”

سيطر الوجوم على ملامحها ليضيف بجدية :-

” لقد ربح نديم حياة كاملة … حياة جديدة مشرقة وأتمنى أن يمتلك الذكاء الكافي ليحافظ على هذه الحياة ولا يطفأ نورها مهما حدث … ”

” ماذا تقصد ..؟!”

سألته بإرتباك ليبتسم وهو يقول بهدوء وقد زال الجمود من ملامحه :-

” عديني فقط ألا تسمحي لأي شيء أن يطفأ الحياة داخلك .. لا تسمح لأي شخص مهما كان أن يمحي قوتك ونورك وعطائك والحياة التي تشع منك دائما وأبدا ..”

أضاف وهو يمد كف يده نحوها قائلا :-

” مبارك زيجتك يا حياة واتمنى لك التوفيق معه من أعماق قلبي ..”

نظرت إليه بعدم إستيعاب قبل أن تمد يدها ترد تحيته وهي تردد بخفوت وملامح باهتة :-

” أشكرك والعقبى لك ..”

” عن إذنك ..”

قالها وهو يهم بالتوجه الى الداخل عندما توقف مجددا على صوتها تناديه فإلتفت نحوها ليجدها تبتسم له بدفء لأول مرة وهي تقول :-

” هناك شيء في داخلك ما زال أبيضا صافيا يا نضال .. حاول أن تظهره ولا تصر على إخفائه بعيدا … اتمنى ألا تتأخر أكثر من ذلك وتستوعب حقا إن الحياة أبسط من هذا التعقيد الذي تراه ..!!”

هز رأسه دون أن يبتسم ليقول أخيرا :-

” ربما انا لا أستحق سوى ذلك .. لا أستحق سوى أن أكون سيئا باردا معقدا .. ربما هذا ما يلائمني ويناسبني …”

همت بالتحدث لكنه قاطعها برفق :-

” يوما ما هي أيضا كانت تنبض بالحياة مثلك تماما وتتحدث مثلك أيضا لكنني قتلتها .. قتلتها ومنذ ذلك اليوم ُقتلت إنسانيتي وصفائي بعدها …”

انسحب تاركا إياها تتابعه بصدمة وعدم استيعاب لما قاله وكلامه الأخير بدا مظلما ومخيفا جدا مثله تماما ..!

…………………………………………………………….

كانت تسير في الشارع بعد مغادرتها منزل والدها وعقلها ما زال يحاول تحليل كلامه ..

نضال رجل غامض جدا بل ومخيف أيضا ..

تلك الفتاة بالتأكيد نفس الفتاة التي تحدثت حنين عنها ورأت صورتها ..!!

توقفت عندما سمعت صوت رنين هاتفها ففتحته لتجد نديم يتصل فعادت كلماته تتردد داخل أذنها :-

(لقد ربح نديم حياة كاملة … حياة جديدة مشرقة وأتمنى أن يمتلك الذكاء الكافي ليحافظ على هذه الحياة ولا يطفأ نورها مهما حدث … )

تأملت إسمه الذي يرن على شاشة هاتفها للحظات قبل أن تجيب بصوت متحشرج :-

” اهلا نديم ..!”

سألها بقلق دون أن يرد تحيتها :-

” ما به صوتك ..؟! هل هناك شيء ما ..؟!”

ردت بخفوت :-

” كلا لا يوجد ، أين أنت الآن ..؟!”

رد بجدية :-

” أنتظرك في المقهى الذي إتفقنا أن نلتقي به … متى ستصلين ..؟!”

ردت بهدوء :-

” سأصل بعد قليل .. ”

” حسنا .. انا أنتظرك ..”

قالها بجدية قبل أن يتسائل مجددا :-

” أنتِ بخير ، أليس كذلك ..؟!”

ردت بهدوء :-

” انا بخير .. لا تقلق …”

ودعته بعدها وأشارت الى احدى سيارات الأجرة المارة لتركبها وتخبر سائقها بعنوان المقهى .!!

بعد حوالي ربع ساعة وصلت الى المقهى لتجده في إنتظارها فتقدمت نحوه تبتسم بخفة وهي تجلس أمامه بعدما ألقت التحية ووضعت حقيبتها على الطاولة أمامها ..

” كنت مع حنين ..؟!”

سألها بإهتمام بعدما رد تحيتها لتجيب وهي تهز رأسها :-

” نعم في منزل ماما .. تناولنا الطعام سويا ..”

أراد أن يسألها إذا ما كان نضال موجود هناك أم لا لكنه تراجع كي لا يثير ضيقها ..!!

أشار الى النادل بعدما سألها عن طلبها فأخبرته عما تريد تناوله …

ابتعد النادل بعدما دون طلباتهما لتبتسم وهي تسأله :-

” ماذا فعلت اليوم ..؟!”

رد بجدية :-

” جهزت بعض الأشياء الضرورية للسفر .. انت تعرفين لم يتبقَ سوى أيام قليلة ..”

ابتسمت بتوتر وعادت تتذكر حديث نضال ليلاحظ توترها فيسألها بإهتمام :-

” تبدين غير مرتاحة يا حياة .. تحدثي عما يحدث معك ولا تكذبي وتقولي إنك بخير …”

تأملت النادل الذي يضع المياه الباردة أماميهما لتسحب قنينة المياه وتصب القليل منها في قدحها ثم تتناوله قبل أن تتحدث بجدية :-

” أبدا .. الأمر فقط إنني تحدثت مع نضال و ..”

قاطعها بعصبية خفيفة :-

” تحدثتِ مع من ..؟!”

هتفت بجدية :-

” اهدأ يا نديم من فضلك ..”

هتف بغضب مكتوم ظهر في عينيه المشتعلتين :-

” تحدثي يا حياة .. أسمعك .. ”

أضاف يتسائل بإنفعال صامت :-

” لماذا تحدثت معه ..؟! ماذا كان يريد منك ..؟!”

ردت بصدق :-

” انا من بادرت الحديث .،”

قاطعها بعدم تصديق وإنفعال ظهر بقوة :-

” وأنتِ من بادرتِ أيضا ..!!”

” نديم من فضلك ..”

قالتها بضيق ليتراجع الى الخلف وهو يأخذ نفسا عميقا محاولا تهدئة أنفاسه لتقول مكملة :-

” أنا أخبرتك لإنني لم أرغب أن أخفي عنك شيئا كهذا .. أحببت أن أكون صادقة معك في كل شيء كما انت صادق معي دائما ومثلما تقبلت إعترافك السابق بذنبك وتغاضيت عنه حاول أن تتقبل حديثي وتستوعبه خاصة إنني لم أرتكب شيئا خاطئا …”

ضم شفتيه بقوة للحظات كي لا يتفوه بشيء غير لائق ليقول أخيرا بوجوم :-

” تفضلي ، أسمعك …”

قالت بنبرة إعتيادية :-

” تحدثنا قليلا .. وهو بارك لي زواجي وتمنى التوفيق لنا ..”

ضحك مرددا بتهكم :-

” حقا..؟! شكرا كثيرا له .. ممتن جدا لأمنياته تلك .. ”

أضاف يتسائل بغضب خفي :-

” وأنتِ صدقتهِ بالطبع .. ”

ردت بجدية وحزم :-

” نعم صدقته ولا تتعامل معي على إنني بلهاء لا أفهم في نفوس البشر .. ”

أضافت تتأمل جمود ملامحه :-

” نضال ليس شخصا جيدا ولكنه ليس سيئا لهذه الدرجة .. هو فقط يحمل داخله الكثير من التعقيدات ..”

توقفت تتأمل نظراته المشتعلة فسألته بنبرة مبحوحة :-

” لماذا تنظر إلي هكذا ..؟!”

رد من بين أسنانه :-

” أكملي ، لماذا توقفتِ ..؟! هيا دعيني أسمع تحليلك لشخصية نضال بك ودواخله …”

” حاول أن تنحي غضبك منه جانبا وتتفهم كلامي ..”

قاطعها بعصبية لم يستطع السيطرة عنها :-

” تجلسين أمامي تتحدثين عن رجل كان يريدك وتحللين شخصيته أيضا والمطلوب مني أن أسمعك بل أتفاعل معك أيضا .. ما رأيك أن نجلس ونحلل شخصية السيد نضال معنى فنحن لا يوجد لدينا أشياء كثيرة علينا إتمامها خلال أيام قليلة …؟!”

” نديم غضبك أحيانا يصبح مستفزا .. وليكن في علمك نضال لم يكن يريدني كما تظن … ”

قالتها بنبرة صارمة ليردد بتهكم :-

” كان يريد خيالك إذا ..!!”

ردت بجدية :-

” بل كان يريد الفتاة التي فقدها مسبقا .. حبيبته التي تشبهني … ”

حل الصمت المطبق بينهما للحظات قبل أن يسأل نديم بجبين متغضن :-

” ماذا تعنين بكلامك هذا ..؟!”

أخبرته عن الحديث الذي جمعها مع حنين وعن تلك الفتاة التي تشبهها نوعا ما لتنهي حديثها قائلة :-

” أساسا الأمر كان واضحا .. إهتمامه بي غير منطقيا .. نضال لا يحبني يا نديم ولا يريدني لذاتي .. هو يريد حبيبته التي تحمل شيئا يشبهني والتي لا أعلم أين هي الآن لكنني أظن إنها ماتت وبسببه أيضا ..”

” ماتت وبسببه ..؟! ماذا تقولين يا حياة ..؟! كيف يعني هذا ..؟!”

سألها مصدوما لتخبره بجملته الأخيرة فيصمت نديم لثواني يفكر في كلامه قبل أن يقول :-

” نضال هذا أمره غامض حقا ومريب جدا ..”

أضاف بعدها بضيق :-

” ولكن أريد أن أفهم ، كيف وصل الحديث بينكما الى هذا المنحى أساسا ..؟! كم بقيتما من الوقت تتحدثان أصلا ..؟!”

ردت حياة بضجر :-

” أوف يا نديم .. حتى بعدما أخبرتك بكل هذا وبعدما تأكدت إنه لا يحبني كما كنا نظن ..”

رد بقوة :-

” هذا الكلام بأكمله لا يهمني … هو كان يريدك … وهذا بحد ذاته يجعلني لا أطيق ذكر اسمه حتى وانتِ لن تتعاملي معه مجددا ..”

همت بقول شيء ما لكنها توقفت على صوته الحازم :-

” سنتناول ما طلبناه ثم نغادر متجهين الى محل فساتين الزفاف حيث ستكون غالية أيضا هناك تساعدك في إختيار الفستان ..!!”

اومأت برأسها دون رد عندما حضر النادل أخيرا ووضع أمام كل منهما طلبه ثم غادر بعدها ..!!

………………………………………………………….


فتحت عيناها على صوت فتح باب غرفتها يتبعه دخول أختها وهي تنادي عليها :-

” نانسي ، ألم تستيقظِ بعد ..؟!”

في الحقيقة هي لم تنم أساسا ..

بعدما عادت الى المنزل بنفس الطريقة التي هربت بها دخلت فورا الى الحمام تأخذ حماما سريعا وليتها لم تفعل فما إن بدأت تخلع ملابسها وتأملت جسدها أمام المرآة حيث لا يستره سوى ملابسها الداخلية انهارت على الفور وهي تتذكر ما حدث وما حل بها ..

هي لطالما كانت مستهترة في نظر الجميع .. منفتحة بشكل مبالغ فيه .. ترتدي ملابس مكشوفة دائما وتسهر مع الشباب في النوادي الليلية لكن لا أحد يعلم إنها لم ترتبط بشاب مسبقا.. بإنها لم تمنح ولو شيئا بسيطا لأي شاب في حياتها .. بأن جسدها المكشوف دائما لم يمسه أي شخص أبدا فهي رغم كل شيء لم تدخل في علاقة تتعدى حدود الصداقة مع أي شاب ممن عرفتهم ليأتي اليوم الذي تفقد فيه عذريتها وهي مخمورة تماما بعدما هربت من حبس والدتها واتجهت الى ذلك البار وهمومها الثقيلة تحيط بها من جميع الجوانب وروحها تتمزق تماما …

شعرت بهايدي تجلس جانبها تحاول إيقاظها فهي تظن إنها نائمة بالفعل لتعتدل في جلستها تصيح بضجر :-

” ماذا تريدين يا هايدي ..؟! ”

ردت هايدي بجدية :-

” الساعة قاربت السادسة مساءا وانتِ ما زلتِ نائمة ..”

أضافت تسألها بإهتمام :-

” هل أنتِ مريضة ..؟! ”

ردت نانسي تسألها بدورها بجفاء :-

” هل يهمك حقا اذا كنت مريضة ..؟!”

ردت هايدي بعفوية :-

” بالطبع يهمني .. سأطلب لك الطبيب على الأقل ..”

هتفت نانسي وهي تستدير بكامل جسدها نحو أختها :-

” نعم انا مريضة .. مريضة منذ سنوات .. روحي مريضة … منهكة .. محطمة ..”

” ماذا حدث يا نانسي …؟!”

سألتها هايدي بقلق وهي تلاحظ الدموع التي تراكمت داخل عينيها لتردد نانسي بصوت باكي :-

” جروحي عميقة يا هايدي .. قلبي مليء بالآلام .. روحي معطوبة تماما .. ماذا تريدين أن أقول أكثر ..؟!”

هتفت هايدي تسأل برفق :-

” لماذا تقولين هذا ..؟! مالذي حدث لكل هذا ..؟!”

هتفت نانسي بعصبية من بين بكائها :-

” ما حدث إنني تعبت .. تعبت ومللت … لم أعد أستطيع التحمل .. لم يعد بوسعي التحمل .. انا أكره نفسي يا هايدي .. أكره ماما وأكرهكِ انتِ أيضا .. أكرهكم جميعا حتى كرم أكرهه هو الآخر .. انا لا أحب أحدا حتى نفسي بل إن أكثر شي أكرهه في هذه الحياة هي نفسي …”

نهضت هايدي من مكانها تهتف بعصبية :-

” هل جننتِ ..؟! ماذا أصابكِ بالضبط …؟! كيف تتحدثين هكذا ولماذا …؟! ماذا فعلنا لكِ نحن لتكرهينا أصلا ..؟!”

نهضت نانسي بدورها ووقفت أمامها تسألها والدموع تغطي وجهها :-

” أخبريني انتِ .. ماذا فعلتِ لأجلي ..؟! هل ساعدتني يوما في شيء ..؟! هل حاولتِ أن تفهميني يوما ..؟! هل وقفت جانبي في شيء معين ..؟!هل حاولت التقرب مني مرة واحدة بصدق ..؟!”

أضافت تبكي حالها :-

” كلا لم تفعلِ .. أنت لم تفعلي شيئا سوى إنتقادي وتذكيري بأخطائي .. سوى إتهامي بالغباء والسخف… لم تفعلي شيئا سوى التقليل مني ومن عواطفي التي تتحكم بي دائما من وجهة نظرك ..”

ردت هايدي مدافعة عن نفسها :-

” لإنني كنت أريد مصلحتك .. أردت أن أحميكِ من تصرفاتك الخاطئة … انا كنت أحاول تحذيرك مما تفعلينه … كنت أريد أن تصبحي أكثر وعيا وتنضجي …”

” مثل والدتي تماما .. نفس كلامها بالضبط .. مصلحتي .. هذه هي حجتكما دائما .. تفعلان كل هذا لأجل مصلحتي …”

” ولكن ماما بالطبع لا تريد سوى مصلحتك ..”

قالتها هايدي مدافعة عن والدتها لتهتف نانسي بغضب:-

” مصلحتي التي تتعارض دائما مع إختياراتي .. أليس كذلك ..؟!”

” أنت من تختارين الأشياء الخاطئة و ..”

قاطعتها نانسي بعصبية :-

” لا تتحدثي يا شبيهة والدتك .. يا إبنتها المفضلة ..”

هدرت هايدي بقوة :-

” يكفي يا نانسي .. كلامك هذا غير مقبول .. ماما تحبنا نحن الإثنتان وتريد مصلحتنا وهي لا تفرق بيننا ..”

” لكنها تفضلك انتِ .. لإنك تشبهينها .. تفكرين بنفس طريقتها .. وتريدين ما تريده هي .. ”

قالتها نانسي بملامح باكية معذبة لترد هايدي بهدوء :-

” وبابا كان يميل إليك أكثر مني .. كنتِ إبنته المفضلة .. كان يهتم بك اكثر مني ومن كرم حتى ..”

قاطعته ناتسي بغصة :-

” لكنه رحل .. رحل وتركني لوحدي بينكم … مات وتركني وحيدة وضائعة ..”

” نحن معك يا نانسي ..”

قالتها هايدي بتوتر وهي لا تعرف كيف تستطيع احتواء الموقف لترد نانسي بقوة رغم بكائها المستمر :-

” انتِ لم تكونِ يوما معي .. انت دوما في عالمك الخاص … ووالدتي كذلك وانا دوما خارج عالمكا لإنني لا أشبه الشكل الذي تريداني عليه .. هذه هي الحقيقة .. انا أعيش معكما في هذا المنزل الكبير لكنني في الحقيقة وحيدة للغاية .. وحيدة اكثر من أي أحد .. وحيدة لدرجة قاتلة ..”

” انت تتوهمين ذلك .. انتِ من تبتعدين عنا دائما … انت يا نانسي أيضا لا تفضلين أن تنتمي لعالمنا الذي تتحدثين عنه …”

هتفت نانسي بتعنت :-

” نعم لا أنتمي ولن أنتمي .. انا سأكون كما أنا .. سأكون كما أريد .. ومن الآن فصاعدا لن يتحكم أحد بي ووالدتي بالذات لن تتدخل في حياتي مهما حدث ..”

اندفعت بعدها نحو خرانة ملابسها وفتحتها وبدأت تخرج ملابسها وترميها أرضا بعشوائية لتتقدم هايدي نحوها تسألها وهي تحاول إيقافها :-

” ماذا تفعلين ..؟! هل جننتِ ..؟!”

استدارت نحوها تهتف بقوة :-

” سأغادر هذا المنزل .. سأعيش لوحدي بعد الآن … سأفعل ما أحب ..”

سارعت تسحب حقيبة السفر الضخمة لتتقدم هايدي نحوها تحاول منعها لكنها دفعتها بقوة لترتطم هايدي بالحائط خلفها فتشعر بآلم قوي قي ظهرها..

تأملت نانسي التي فتحت الحقيبة وسارعت تضع بها ملابسها فهتفت وهي تتحرك خارج الغرفة سريعا :-

” لقد جنت تماما … يجب أن تأتي والدتي وتتصرف معها ..”

ثم أخذت تحاول الإتصال بوالدتها والتي خرجت تقضي السهرة مع مجموعة من صديقاتها في احد المطاعم الفخمة لكن والدتها لم تجب عليها ويبدو إنها وضعت هاتفها على وضع الصامت كما تعتاد دوما ..

عادت الى الغرفة لتجد نانسي مستمرة فيما تفعله حيث أغلقت الحقيبة أخيرا بعدما وضعت ما تحتاجه مؤقتا لتتقدم نحوها تتوسلها :-

” نانسي لا تجني .. ابقي هنا .. انت لا يمكنك المغادرة ..”

دفعتها نانسي تصرخ بها :-

” لا تتدخلي فيما لا يعنيك .. دعيني أغادر بهدوء وإياك أن تحاولي منعي بأي طريقة وإلا قسما بربي سأقتل نفسي هذه المرة وتتحملين أنت خطيتي …”

تراجعت هايدي الى الخلف تنظر اليها مصدومة وهي تتأمل ملامحها التي بدت قوية جادة بشكل مرهب ..

بينما حملت نانسي فستانها واتجهت نحو الحمام ترتديه لتخرج هايدي راكضة محاولة التصرف عندما طلبت من الحارس أن يمنعها من الخروج ويغلق الباب جيدا ..

هبطت الخادمة بحقيبة نانسي تتبعها نانسي بملامح واجمة عندما خرجت الى الداخل لتجد هايدي أمامها تقف بجانب الحرس والباب مغلقها تهتف بها بقوة :-

” لن تخرجي من هنا .. ”

هتفت نانسي بتحدي :-

” ابتعدي يا هايدي .. دعيني أخرج دون مشاكل ..”

ثم أشارت الى الحارس :-

” افتح الباب حالا .. اريد الخروج ..”

نظر الحارس الى هايدي التي هتفت بقوة :-

” تأتي والدتي أولا وتمنحك إذن الخروج وغادري حينها ..”

” انت مصرة اذا ..”

قالتها نانسي بقوة قبل ان تفتح حقيبتها وتخرج منها سكينا حادة فهتفت هايدي بإرتباك :-

” ماذا تفعلين يا نانسي ..؟!”

وضعت نانسي طرف السكينة على رقبتها وهي تقول :-

” سأقتل نفسي .. اذا لم أخرج من هذا المكان حالا سأقتل نفسي لا محالة ..”

” توقفي يا نانسي ولا تجني ..”

قالتها هايدي بتوسل قبل أن تصرخ وهي تلاحظ خيط الدماء الذي إنزلق فوق رقبة أختها بعدما غرست القليل من الطرف الحاد للسكين في عنقها …

” توقفي يا نانسي ..”

قالتها بتوسل وهي تضيف :-

” سأفعل ما تريدنه … سأترككِ تغادرين ..”

رمت نانسي الحقيبة الى الحارس تأمره وهي ما زالت تضع السكينة فوق رقبتها :-

” اخرج المفتاح من حقيبتي وهات سيارتي من الكراج ..”

نظر الحارس الى هايدي التي قالت بذعر :-

” نفذ ما قالته بسرعة …”

ركض السائق ينفذ طلبها بينما بقيتا الفتاتان على وضعهما عندما قالت هايدي بترجي :-

” انزلي السكينة ارجوك ..”

” لن أنزلها حتى تأتي سيارتي وأركبها وأغادر هذا المكان اللعين …”

بعد لحظات تقدم السائق بالسيارة ليتوقف جانبها حيث خرج يمد يده لها بالمفتاح لتأمره وهي تأخذ منه المفتاح باليد الأخرى :-

” ضع حقيبتي في السيارة …”

سارع الحارس يحمل الحقيبة من فوق الأرض ويضعها داخل السيارة قبل أن تتحرك نانسي نحو سيارتها بحذر والسكين ما زالت فوق رقبتها المليئة بالدماء لتصيح قبل أن تركب السيارة :-

” افتحوا الباب فورا ..”

ابتعدت هايدي من أمامها عندما فتح الحارس البوابة الخارجية لها لتشغل نانسي محرك سيارتها بعدما وضعت السكينة جانبا أخيرا ثم تحركت بسيارتها خارج المنزل بسرعة مخيفة تاركة هايدي تتابع آثرها وما فعلته بعدم تصديق ..!!

……………………………………،………………………..

تأملت همسة طبقها الذي ما زال ممتلئا ترفض أن تمسه كالعادة لتهتف بترجي :-

” تناول ولو قليلا من طعامك يا جيلان .. لقد مر يومان وما زلت ترفضين تناول أي شيء .. لا يجب أن تبقي دون طعام وتعتمدي على المغذي فقط ..”

ردت جيلان بصوت جاف :-

” لا أريد .. لا أريد أن أتناول أي شيء …”

تقدمت همسة تلمس وجهها برقة وتردد :-

” حبيبتي لأجلي فقط .. تناولي ولو القليل .. صحتك ستتدهور ..”

” انا أريدها أن تتدهور .. انا أريد الموت أصلا … ”

قالتها وعادت الدموع تتساقط من عينيها لتهتف همسة بسرعة :-

” بعيد الشر عنكِ .. لا تقولي هذا أرجوكِ …”

توقفت عن حديثها وهي تستمع الى صوت طرقات على باب غرفتها يتبعها دخول عمار الذي هتف وهو يتقدم نحو جيلان بإبتسامة هادئة :-

” مساء الخير …”

” مساء النور سيد عمار ..”

ردت همسة تحيته بينما أخفضت جيلان وجهها دون رد لتهتف همسة بجدية :-

” انا سأذهب الى الكافيتريا قليلا ..”

قال عمار بجدية :-

” يمكنك المغادرة اليوم يا همسة هانم .. مربية جيلان خديجة ستصل بعد ساعتين الى هنا وستتولى هي رعايتها حتى تصبح بخير وتخرج من المشفى في أقرب وقتها ..”

” لكن انا لا مشكلة لدي في البقاء …”

قالتها بصدق ليرد عمار بجدية :-

” انت ايضا لديك طفلين يحتاجان لوجودك … جيلان أساسا ستخرج خلال يومين … اذهبي وارتاحي فأنت بذلتِ جهدا كبيرا خلال اليومين السابقين وأنا ممتن لوقوفك بجانب أختي …”

” لا داعي لكل هذا .. انا أفعل ذلك لإنني أحب جيلان وأعتبرها بمثابة أختي الصغرى ..”

تقدمت نحو جيلان وقبضت على كفها تخبرها :-

” انا سأغادر لأجل سيف ونزار لكنني سأعود غدا باكرا … إذا تريدين مني البقاء سأبقى ولن أتركك .. لا تترددي في طلب ذلك ..”

هتفت جيلان بصوت مبحوح:-

” كلا غادري .. الخالة خديجة ستأتي وأنا أحبها كثيرا وأرتاح معها ..”

ابتسمت همسة بحنو ثم احتضنتها برفق لتغمض جيلان عينيها بقوة محاولة السيطرة على دموعها ..

ودعتها همسة ثم غادرت ليتقدم عمار نحوها ويجلس جانبها على الكرسي فيراها وهي تشيح وجهها الى الجانب ترفض النظر إليه ..

” كيف أصبحت اليوم يا جيلان ..؟!”

سألهت بهدوء وعندما لم يجد منها ردا أضاف :-

” لا تريدين النظر في وجهي حتى ..”

نهض من مكانه وقبض على ذقنها يدير وجهها ناحيته ويهتف بها بجدية لا تخلو من الحنو :-

” يوما ما ستدركين قيمة ما فعلته .. ستدركين إن كل هذا لأجلك يا جيلان ولأجل حمايتك والحفاظ عليك ..”

توقف عن حديثه وهو يرى دموعها تتساقط على وجهها مجددا فعادت كلمات شيرين تتردد داخل أذنه لا إراديا :-

( أخبرها دائما إنك تحبها .. أخبرها دائما إنها أحب شخص لقلبك .. الأفعال وحدها لا تكفي يا عمار .. الكلام أحيانا يساعدنا كثيرا خاصة بوضع يشبه وضع جيلان ..)

وجد نفسه يقول بلا وعي وكان قلبه من يتحدث هذه المرة :-

” هل تعلمين إنك أهم شخص بالنسبة لي في هذه الحياة ..؟! هل تدركين إنك أغلى شخص على قلبي وأحب شخص لروحي ..؟! انتِ أختي يا جيلان .. كلا لستِ أختي فقط بل قطعة من روحي كما كانت والدتي قطعة من روحي أيضا ..”

ارتفعت شهقاتها لا إراديا ليهتف بجدية وهو يقبض على كفها الصغير :-

” انا فعلت كل هذا لأجلك انتِ … وسأفعل كل شيء لأجل حمايتك وسعادتك …انا لا يهمني أحد في هذا العالم بقدركِ يا جيلان .. انت عالمي ونور حياتي وما تبقى لي من والدتي وسأحافظ عليكِ بكل قوتي ..”

أضاف بعدها :-

“كوني على ثقة تامة إنه لا يوجد عندي ما هو أهم منك ولا يوجد من يضاهيك غلاوة وحبا عندي .. انا لم أخطأ بما فعلته يا جيلان .. كل هذا لصالحك وستدركين ذلك يوما ما ..”

” لم أكن أريد الزواج ..”

هتفت بها من بين بكائها ليجذبها نحوه يعانقها بقوة وهو يردد :-

” هذا زواج صوري .. على الورق فقط .. أمام الناس انت زوجته ولكن واقعيا هو لن يلمسك مهما حدث .. اذا فكر أن يلمسك يوما فسأقطع رقبته لا محالة …”

أبعدها عنه بعد لحظات يحيط وجهها الباكي بين كفيه يردد بقوة :-

” اسمعيني يا جيلان .. قلتها مسبقا وسأقولها الآن مجددا .. يجب أن تكوني قوية وتواجهي قدرك … لا أريدك ضعيفة … ولن تكوني خاضعة .. انت ستقفين على قدمك مجددا وتحاربين كل شيء يقف في وجهك حتى تصلين الى راحتك وسعادتك وأنا بدوري سأكون في ظهرك دائما .. لن أتركك لوحدك لكن انت أيضا ستساعدين نفسك وتتخطين ما حدث ..”

أضاف يسألها وهو ما زال يحيط وجهها بكفيه :-

” هل سمعتني جيدا يا جيلان ..؟! هل إستوعبتِ حديثي ..؟!”

هزت رأسها وعيناها الباكيتان تقابلان عينيه العازمتين ليضيف آمرا :-

” من الآن فصاعدا ستكونين واحدة أخرى .. ستتوقفين عن البكاء والضعف والتخاذل .. أريد أن أرى جيلان جديدة .. أريد أن أفتخر بك بعدما أرى قدرتك على تخطي ما حدث وإحياء ذاتك من جديد … اتفقنا ..؟!”

هزت رأسها والدموع تتساقط من عينيها ليضيف بضيق :-

” وتلك الطبيبة سأغيرها .. قالوا إنها أفضل طبيبة في البلاد لكنني لم أرَ أي فائدة منها ..”

قالت بسرعة وتلكؤ :-

” كلا هي جيدة .. لا تغيرها .. انا بدأت أعتاد عليها …”

” حسنا .. كما تريدين ..”

أضاف يتسائل وهو ينظر الى الطبق الممتلئ الموضوع جانبا :-

” لم تتناولي طعامكِ كالعادة …”

هزت رأسها بضعف ليهتف وهو يغمز لها :-

” ما رأيك بطعام من احد مطاعم الوجبات السريعة .. ماكدونالز مثلا …؟!”

هتفت بصوت مبحوح :-

” حسنا .. كما تريد ..”

ابتسم مرددا :-

” سأتصل بهم وأطلب منهم وجبتين لكِ ولي ..”

اتصل بالمطعم يطلب منهما الوجبتين قبل أن يغلق الهاتف ويهم بالتحدث معها عندما سمعا طرقات على باب الغرفة فنهض عمار متجها نحو الباب يفتحه ليتفاجئ بشيرين أمامه ..

” شيرين .. اهلا وسهلا ..”

قالها وهو يتأمل باقة الورد الجميلة بلونها الزهري وعلبة الشوكولاتة الراقية لتبتسم وهي ترد تحيته وتقول :-

” لقد جئت لأرى جيلان بعدما أخبرتني إن الزيارة مسموحة لها ..”

قال بسرعة وهو يفسح لها المجال للدخول :-

” بالطبع تفضلي ..”

دلفت بخطوات خجولة الى الداخل عندما رفعت جيلان رأسها تتأمل المرأة الجميلة التي دلفت الى الداخل والتي همست بإبتسامة شديدة اللطف :-

” مرحبا ..”

تدخل عمار معرفا عنها :-

” دعيني أعرفك يا جيلان .. شيرين عزام .. صديقة لي منذ سنوات … ”

سألتها شيرين بنبرتها الرقيقة وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها :-

” كيف أصبحتِ الآن .. ؟! أتمنى أن تكوني أفضل ..”

ردت جيلان بصوت مبحوح :-

” الحمد لله ..”

تقدمت شيرين تمد باقة الورد لها وهي تقول :-

” اتمنى أن تعجبك .. اخترت ورود لونها زهري لإنه اللون المفضل لدى الفتيات عادة ..”

أخذت جيلان باقة الورد منها تشكرها بخفوت عندما وضعت شيرين علبة الشوكولاتة على الطاولة جانبها ليهتف عمار بسرعة مشيرا الى الكرسي الذي كان يجلس عليه :-

” تفضلي اجلسي يا شيرين ..”

شكرته شيرين بخفوت وهي تجلس على الكرسي عندما قال عمار بسرعة :-

” سأخرج للحظات وأعود …”

تركهما لوحدهما لتقول شيرين وجيلان تتابعها بقليل من الحذر :-

” حدثني عمار عنك مسبقا .. قال إنك أصبحت جميلة للغاية وكان محقا .. أتذكر إنك كنتِ طفلة جميلة جدا ..”

قاطعتها جيلان تسألها بإستغراب :-

” كيف رأيتني وانا طفلة ..؟!”

ابتسمت شيرين ترد :-

” كان عمار يتحدث عنكِ دائما ويريني صوركِ أيضا .. صورك وأنت طفلة … ”

أضافت تشرح لها :-

” بعدها سافرت وانقطعت عنه تماما وعدت منذ فترة وإلتقيته وسألته عنكِ أيضا فحدثني عنك .. ”

أضافت بصدق :-

” ملامحك لم تتغير كثيرا عن أيام الطفولة .. ما زالت رقيقة وجذابة للغاية ولكنها إزدادت جاذبية …”

احمرت وجنتا جيلان بخجل من اطرائها وردت بخفوت :-

” أشكرك على هذه المجاملة ..”

ضحكت شيرين مرددة بلطف :-

” ليست مجاملة أبدا .. أنتِ بالطبع تدركين إن ملامحك جميلة وعندما تكبرين وتصبحين في العشرينات ستكونين أنثى فائقة الجمال تجذبين الجميع لك ..”

ابتسمت جيلان دون رد عندما حل الصمت للحظات قبل أن تسألها جيلان :-

” منذ متى وأنت تعرفين عمار ..؟!”

ردت شيرين :-

” منذ سنوات طويلة … ”

” هل كان يحدثكِ عني كثيرا ..؟!”

ابتسمت شيرين وردت :-

” أنت الشخص الوحيد الذي كان يحدثني عنه بعد والدتكِ رحمة الله عليها .. هو يحبك كثيرا جدا .. ”

أضافت عن قصد :-

” لم أرَ في حياتي أخ يحب أخته مثله .. انا ايضا لدي شقيق وانا اخته الوحيدة ويحبني كثيرا لكن ليس كعمار .. انت محظوطة جدا به وأظن إنك تحبينه كثيرا بدورك أليس كذلك ..؟!”

ردت جيلان بعفوية :-

” كثيرا .. هو أهم شخص بالنسبة لي ..”

” اذا هو الآخر محظوظ مثلك تماما …”

دلف عمار الى الداخل يقدم الى شيرين قدحا بلاستيكيا يحوي مشروبها المفضل فهتفت بسعادة عفوية :-

” الهوت شوكليت هنا ايضا ..”

ابتسم يرد :-

” مشروبك المفضل ..”

تناولته منه وهي تشكره بإبتسامة رائعة :-

” شكرا كثيرا ..”

أضافت تسأله وهي تشير الى جيلان :-

” لماذا لم تجلب الى جيلان شيئا تتناوله هي الأخرى ..؟!”

رد وهو يغمز لجيلان بخفة :-

” جيلان تنتظر وجبة دسمة من ماكدونالز يا شيرين … ”

ضحكت شيرين مرددة :-

” أووه ماكدونالز … اتمنى فقط أن يدخل الطعام الى المشفى بطريقة شرعية يا عمار …”

ابتسم عمار مرددا بثقة :-

” شرعية مئة بالمئة فعمار الخولي لا أحد يقول له ممنوع أبدا ..”

ضحكت شيرين وقالت :-

” بالطبع بالطبع .. انا اكثر من يعلم ذلك ..”

نقلت جيلان بصرها بين الإثنين بقليل من الإستغراب لكن تكون شعور قوي داخلها بالألفة نحو تلك الشيرين والتي بدت لطيفة ومحبوبة للغاية والأهم إنها شعرت وهي تتأمل حديثها مع عمار وضحكاتهما المتبادلة إنهما متناسقان تماما وإن شيرين تلك تليق بعمار بشكل فاجئها هي شخصيا وهي التي كانت تخاف دائما من فكرة إرتباطه يوما بواحدة تسرقه منها لكن الغريب بدت سعيدة بهما رغم إنها مجرد صديقة له كما يقول ..!

……………………………………………………….

كانت تقف على مسافة منه تتأمله وهو يجلس عاري الصدر مكتفيا بإرتداء بنطال برمودا خفيف يعمل على حاسوبه بتركيز شديد …

تشعر بمشاعر سيئة تسيطر عليها بقوة طوال اليومين السابقين منذ أن عاد إليها وملامحه لا تنطق بالخير أبدا ليخبرها بإختصار عما حدث مع ابنة عمه او بالأحرى زوجته وقد بدا الإنزعاج واضحا عليه ..

ومنذ تلك اللحظة وهي تحاول تفسير سبب إنزعاجه وفكرة إنه خائفا عليها تخنقها بقوة ..

حاولت أن تفهم شيئا منه لكنه فعليا طوال اليومين وهو منعزلا اغلب الوقت مع نفسه رغم عدم خروجه من الشقة الا قليلا جدا لكن وضعه يبدو غير طبيعيا إطلاقا ..

تقدمت نحوه تجلس أمامه تسأله وهي ترسم إبتسامة لطيفة على وجهها :-

” حبيبي .. ما رأيك أن نخرج نتناول العشاء في الخارج ..؟!”

رد دون أن ينظر إليها وتركيزه منصب الى حاسوبه :-

” لا مزاج عندي للخروج اليوم .. أجليها ليوم آخر …”

نهضت من مكانها وسحبت الحاسوب برفق تبعده عنه وتجلس هي مكانه فوق فخذيه تحرك كفها على عنقه بإغراء وتقول :-

” إذا ما رأيك أن نكون سويا قليلا … ؟!”

مطت شفتيها تردد بدلال :-

” انت بعيد عني طوال اليومين السابقين وأنا سأموت من ضجري ..”

رد بجدية :-

” لا بأس يا تقى .. بالي مشغول قليلا ولا مزاج لدي لأي شيء …”

نهضت من فوق فخذيه تهتف بحنق :-

” لماذا يعني ..؟! مالذي يشغلك لهذه الدرجة ..؟!”

” ها قد بدأنا ..”

قالها بضيق لتهتف من بين أسنانها :-

” بإمكانك أن تذهب وتزورها طالما أنت قلق عليها لهذة الدرجة ولا تتوقف عن التفكير بها ..”

رد ببرود وهو ما زال جالسا مكانه :-

” من قال إنني لا أتوقف عن التفكير بها ..؟! وإذا أردت زيارتها فبالتأكيد لا أنتظر الإذن منكِ …”

” انظر الى وجهك منذ ذلك اليوم الذي دخلت به الى المشفى وستعرف ما أتحدث عنه ..”

قالتها بعصبية قبل أن تضيف بحرقة :-

” انت تفكر بها .. قلق عليها .. هذا واضح ..”

انتفض من مكانه يردد بعصبية :-

” ولنفترض كلامك صحيح .. أليس من الطبيعي أن أقلق عليها ..؟! فتاة صغيرة دخلت المشفى في حالة انهيار عصبي .. أي إنسان طبيعي سيقلق عليها فكيف إذا كانت تلك الفتاة ابنة عمي ..؟!”

قالت بقوة :-

” تقلق عليها لإنها إبنة عمك شيء وأن تقلق عليها بصفتها زوجتك شيء آخر …”

” ها قد عدنا الى نفس الأحاديث المملة التي لا تنتهي ..”

قالها بتذمر لتصيح وهي تشير إليه :-

” ها أنت قلتها بنفسك .. أحاديثي أصبحت مملة .. ها قد بدأت تمل مني … هذا ما كنت أتحدث عنه وأخشاه ..”

سألها بحدة :-

” مالذي تخشينه بالضبط ..؟! انت تتحدثين عن فتاة أنت أعلم الجميع بظروف زواجي منها … ”

” إنها زوجتك .. زوجتك يا مهند .. كيف يمكنني التعامل مع الأمر وكيف تتوقع مني أن أتصرف ..؟!”

” اللعنة ..”

قالها وهو يشتم بصمت قبل ان يقول بجدية :-

” تلك الفتاة التي تتحدثين عنها مجرد طفلة .. هل تعين ذلك يا تقى ..؟! إنها طفلة بحق الله … ”

أضاف وهو يحرك يديه وكأنها يرسم جسد جيلان وملامحها أمامها علها تستوعب قليلا ما يقوله :-

” الفتاة كيف أصفها لك ..؟! إنها طفلة في كل شيء .. جسدها جسد طفلة وملامحها طفولية جدا .. انا لا أعرف كيف أجعلك تستوعبين إنني لا يمكن أن أراها كزوجة من الأساس .. إنها مجرد طفلة صغيرة تحمل لقب زوجتي على الورق لكنني لا أراها سوى طفلة .. أنا أتعامل معها على هذا الأساس .. انا لا أرها أنثى حتى يا تقى كي تخشين منها ومن وجودها في حياتي وتغارين منها ..”

” إنه أمر خارج عن إرادتي ..”

قالتها بضيق ليزفر أنفاسه بقوة وهو يشتم مجددا لكن بصوت مسموع هذه المرة ..

قال بصوت حانق :-

” هل تعلمين شيئا ..؟! لماذا لا تذهبين الى المشفى وتلقين نظرة من بعيد عنها كي تستوعبين ما أقوله وتصدقينه..؟؟”

” طفلة او لا .. أصبحت زوجتك وإنتهينا ..”

قالتها بقهر قبل أن تضيف بجدية :-

” انا أساسا لا أفهم كيف يزوجونها لك ..؟! ما الغاية من هذه الزيجة ..؟! ولمَ الإنهيار العصبي أساسا ..؟! ”

تأفف بضيق لتقول بإهتمام :-

” تلك الفتاة ليست طبيعية ..أكاد أجزم إنها تحمل سرا خطيرا .. إنتبه يا مهند .. أنا أخشى أن تتسبب بكارثة لك ..”

” كارثة ماذا بالله عليك ..؟! هل تعلمين شيئا ..؟!”

نظرت له بترقب ليقول :-

” الخطأ الأساسي مني أنا … لم يكن علي إخبارك بتفاصيل الأمر .. ظننت إنني بإخبارك الاتفاق الذي حدث ستقفين معي وتسانديني ولكنني أدركت مدى خطئي الآن … انت لا يمكن أن تعلمي شيئا دون أن تحاولي تفسيره على مزاجك ..”

” توقف يا مهند .. انا فقط أغار عليك ..”

اندفع نحو غرفة النوم يجذب تيشرت له ويرتديه قبل ان يستدير نحوها مرددا :-

” وانا مللت وتعبت .. أخبرتك مرارا إنه لا يوجد ما تغارين منه .. إنها مجرد طفلة .. إنها تصغرني بحوالي عشرة أعوام .. هل تستوعبين ذلك يا تقى ..؟! هل تظنين إنني سأنظر إليها كزوجة او كأنثى حتى …؟!”

” الطفلة الصغيرة يأتي يوم وتكبر يا مهند ..”

كز على أسنانه وهو يرد :-

” سأطلقها بعد اقل من عامين .. ما ان تنهي عامها الثامن عشر … يعني لن تكون على ذمتي حين تكبر … ”

أضاف بقوة :-

” اسمعيني جيدا .. توقفي عن أفكارك المجنونة وإلا قسما ربي سأنهي كل شيء بيننا وسأطلق جيلان أيضا كي لا تقولي إنها السبب في طلاقك ولتذهبان كلاكما الى الجحيم ..!!”

…………….:……………………………………………

كانت تسير بجانبه في حديقة المشفى عندما توقفا أسفل احدى الأشجار الضخمة حيث قالت وهي تبتسم بهدوء :-

” اختك جميلة جدا ورقيقة .. هشة وناعمة للغاية .. إعتني بها جيدا….”

” صحيح ، أساسا هذا أكثر ما يزعجني .. إنها هشة ورقيقة جدا .. ”

قالها بضيق لتردد بجدية :-

” من الطبيعي أن تتضايق من ذلك وتريدها أن تصبح قوية لكن لا بأس .. سيأتي يوم وتصبح قوية بمساعدتك ودعمك انت أولا قبل الجميع …”

تنهد ثم تفوه بصراحة :-

” أخاف عليها جدا .. هشاشتها وضعفها يجعلاني أرغب في تخبئتها في قفص حديدي لا يصل إليه أحد وفي نفس الوقت أريد أن تصبح قوية وتعتمد على نفسها فالحياة هنا لا تناسب الشخص الضعيف ولا يمكنه أن يعيش بها …”

” توقف عن التفكير بهذه الطريقة … جيلان ما زالت صغيرة وانت بإمكانك أن تصقل شخصيتها بالشكل الصحيح … انا شعرت إنها منغلقة على نفسها قليلا … أظن إنها تحتاج أن تتعرف على العالم الخارجي أكثر ..”

” وهذا ما أسعى عليه .. لذا أرسلتها لتعيش في منزل عمها ..”

سألته بتردد :-

” هل انت واثق من كونهم يعاملونها جيدا …؟!”

رد بجدية :-

” رغم عدم توافقي مع عائلة الهاشمي أبدا لكنني أدرك مدى قوة ترابطهم ومدى حمايتهم لبعضهم البعض دائما وأبدا وجيلان ابنتهم وبالتأكيد سيعاملونها بأفضل طريقة .. أساسا كانوا يريدون أخذها عندهم منذ وفاة والدها ولكنني رفضت وليتني لم أفعل ..”

قال كلماته الأخيرة بشرود وشعور الذنب اتجاهها يقيده دون رحمة ..

” حسنا ، هي على هذه الحالة منذ وفاة والدها .. انا أتفهم حالتها .. من الصعب أن تفقد والديك في سن صغير كهذا ..”

أضافت بجدية :-

” لكنك موجود .. حاول أن تلعب دور الأخ والأب في حياتها .. أنت تستطيع تعويضها عن بعض النقوصات ..”

قاطعها يسألها بتهكم :-

” هل تظنين إنني قادر على ذلك ..؟!”

ردت وهي تبتسم له بثقة :-

” بالطبع ستكون قادر على ذلك .. انت تحبها وهذا أكبر سبب يجعلك قادر على ذلك …”

” انت لا تعلمين كل شيء يا شيرين .. ما حدث مع جيلان أتحمل انا مسؤوليته كاملة …”

قالها بعفوية وهو الذي لا يتفوه بشيء غير محسوب أبدا لتسأله بعدم فهم :-

” لماذا تقول هذا ..؟! ما تمر به جيلان شيء طبيعي ..”

استوعب أخيرا ما تفوه به فقال بجدية :-

” انت لا تعلمين كل شيء … ”

” يبدو إن هناك ما لا ترغب بقوله ..”

قالتها وهي تتأمل ملامحه التي أصبحت قاتمة فجأة بتمعن ليومأ برأسه دون رد فتردد بهدوء :-

” يحق لك بالطبع …”

أضاف بصوت ناعم رقيق :-

” ولكن متى ما أردت التحدث تذكر إنني موجودة ..”

نظر إليها بتمعن للحظات قبل أن يقول بنبرة صادقة :-

” شكرا كثيرا يا شيرين .. شكرا على كل ما تفعلينه ..”

وتلك كانت سابقة في عهده فعمار الخولي لا يشكر أحدا مهما فعل لأجله لكن في تلك اللحظة كان يشكرها من أعماق روحه ..!!

……………………………………………………………

بعد مرور عدة ايام

كانت تجلس أمام والدها الذي قرر العودة من عزلته أخيرا بعدما طلبته هي خصيصا تخبره بضرورة عودته لأجل حل موضوع الشيكات مع عمار ..

كان والدها يجلس على كرسي مكتبه بعدما رفضت أن تجلس عليه رغم منصبها الجديدة كمديرة الشركة ينتظر قدوم عمار بملامح قاتمة غير مريحة …

مرت عدة أيام على إنعزاله في ذلك البيت الريفي ليعود اليوم مباشرة الى الشركة لأجل تلك الشيكات اللعينة وعقله يفكر فيما سيفعله بعد ذلك ..

لقد عاد من هروبه أخيرا وأكثر ما يخشاه هي تلك المواجهة المنتظرة مع فاتن …

يعلم إن المواجهة لا بد منها وإنه سيفعل المستحيل كي لا تنفصل عنه لكن كيف سيقنعها بذلك لا يعلم …

توقف عن أفكاره وهو يرى عمار يدخل الى المكتب وهو يبتسم برسمية ملقيا عليه التحية قبل ان ينحني نحو ليلى ويقبلها على وجنتها بخفة فإضطرت ان تبتسم له بتصنع كما اتفقا ..

جلس عمار على الكرسي المقابل لليلى يسأل أحمد بعدما وضع قدما فوق الأخرى :-

” كيف حالك يا عمي ..؟!”

رد أحمد ببرود :-

” كنت بخير حتى رأيتك ..”

ابتسم عمار ولم يعلق بينما هتفت ليلى بجدية :-

” عمار لديه حديث مهم بشأن الشيكات … ”

هتف عمار بدوره :-

” نعم هناك حديث مهم … او بالأحرى إتفاق ..”

” إتفاق ماذا ..؟!”

سأله أحمد بإهتمام ليهتف عمار بجدية :-

” انت تعلم إن قيمة الشيكات حوالي سبعة ملايين دولار وتعلم جيدا إنه من المستحيل أن تسدد تلك الشيكات لذا سنجري اتفاقا بسيطا … ”

” وما هو هذا الإتفاق ..؟!”

سأله أحمد بجدية ليرد عمار بهدوء :-

” سأتنازل عن الشيكات مقابل ثلث أسهم الشركة ..”

” هذا مستحيل …”

قالها أحمد بعدم تصديق ليقول عمار ببرود :-

” إذا أمامك شهرين .. إما أن تسدد الشيكات أو ينتهي الأمر بك سجينا بين القضبان ..”

إلتفت احمد نحو ليلى يخبرها بحنق :-

” هل هذا هو الحل الذي كنت تتحدثين عنه ..؟!”

ردت ليلى ببساطة :-

” وهل لديك حل آخر يا بابا … ؟! هل يمكنك تسديد الشيكات …؟! إذا كان هناك حل آخر غير هذا فدعنا نسمعه ..”

أضاف عمار بدوره :-

” أحمد بك او عمي العزيز … تلك الشيكات كان من المفترض أن يتم تسديدها منذ عامين وانا تغاضيت عن الأمر ..”

قاطعه أحمد بقوة :-

” أنت تعمدت شرائها من أصحابها كي تفعل بي هذا .. تضعني على المحك وتستولي على أسهم الشركة ..”

قال عمار بإستخفاف :-

” تتحدث وكأن شركتك ناجحة حقا وتدر عليك بالملايين .. أنت يجب أن تشكر ربك إنني سأتنازل عن مبلغ ضخم كهذا مقابل أسهم في شركتك المتردية تماما .. لو تلك الشيكات بقيت مع أصحابها لكنت في السجن منذ عامين وأكثر …”

ضغط احمد على أعصابه كي لا ينفجر به بينما قالت ليلى بتعقل :-

” تنازل عن أسهم الشركة وخذ منه الشيكات يا أبي .. تنازلك سيكون أهون من حبسك والفضيحة التي ستحدث لنا …. ”

أغمض أحمد عينيه بتعب وهو يشعر إنه محاصر من جميع الجهات تماما قبل أن يفتح عينيه مرددا بإستسلام :-

” موافق …”

ابتسم عمار بثقة وقال :-

” سأتصل بمحاميي حاليا حيث سيأتي ومعه كافة العقود والشيكات ايضا معي .. لا داعي للتأجيل ..”

رمقه احمد بنظرات نارية بينما سارع عمار يجري اتصالاته عندما جاء محاميه بالفعل ومعه عماد محامي احمد …

نظر احمد الى الاوراق التي تحمل تنازلا رسميا منه عن ثلث أسهم الشركة لعمار ثم تأمل الشيكات التي يحملها عمار بيده ليضع توقيعه على الورقة ويتنازل بهذا رسميا عن ثلث اسهم شركته بعدما تنازل مسبقا عن الثلثين الآخرين لإبنتيه …

منح عمار الشيكات له فورا ما إن وضع أحمد توقيعه على الورقة وسحب الورقة يتمعن النظر إليها بينما تأمل أحمد الشيكات بتجهم قبل أن يمزقها ويرميها في سلة المهملات جانبه ثم يتجه مغادرا الشركة تاركا ليلى مع عمار ومحاميه وعماد ..

أشار عمار الى محاميه يتسائل :-

” هل الشيكات والعقود جاهزة ..؟!”

” بالطبع عمار بك .. كل شيء جاهز كما طلبت ..”

قالها المحامي وهو يخرج عقد التنازل عن أسهم الشركة التي إشتراها عمار منذ لحظات بينما أخرج عماد الشيكات التي تحمل نفس المبالغ السابقة ..

مد عمار يده نحو ليلى بالقلم يأمرها :-

” وقعي على الشيكات كي أوقع على عقد البيع …”

حملت القلم ثم وضعت توقيعها على مجموعة الشيكات التي كانت تماثل الشيكات السابقة التي مزقها والدها منذ لحظات لكن الفرق إنها تحمل توقيعها هذه المرة ..

أخذ عمار القلم من محاميه ووقع على عقد بيع ثلث اشهم شركة احمد سليمان لليلى مجددا …

اخذت ليلى الورقة تتأملها بشرود بينما تناول عمار الشيكات قبل أن يردد مبتسما :-

” مبارك يا ليلى .. الشركة أصبحت رسميا لك ولأختك دون أي شريك آخر كما أردت وخططتِ ..”

رمقته بنظراتها الجامدة دون رد وهي تشعر بضيق شديد لا تعلم سببه رغم إكتمال خطتها التي خططت لها منذ مدة ..

بعدها غادرت الشركة عائدة الى المنزل عندما جلست تتناول طعام الغداء مع والدتها والتي تحدثت قائلة :-

” خالكم سيأتي الى البلاد مع زوجته وزاهر ابنه …”

سألت مريم بتعجب :-

” حقا ..؟! متى سيصلون ..؟!”

ردت فاتن بجدية :-

” صباح الغد …”

” جائوا لحضور حفل الزفاف اذا ..”

قالتها مريم بتهكم لتتوقف ليلى عن تناول طعامها للحظات بينما رمقت فاتن ابنتها بنظرات نارية ..

” هل ستذهبين الى الزفاف ..؟!”

سألت ليلى والدتها لترد فاتن بدهشة :-

” ما هذا السؤال يا ليلى ..؟! بالطبع لا ..”

لكن ليلى قالت بقوة :-

” ستذهبين يا ماما … زفاف ابن اختك الوحيدة .. كيف لا تحضرينه ..؟!”

سألت فاتن بعصبية :-

” ماذا تحاولين أن تفعلي يا ليلى ..؟!”

ردت ليلى ببرود وهي ترتشف من عصيرها :-

” انا لا أحاول أن أفعل شيئا … انا أتحدث حسب العادات والأصول ..”

” لن أذهب ..”

قالتها فاتن بحسم لترد ليلى ببرود وهي تنهض من مكانها :-

” ستذهبين يا ماما .. بل سنذهب جميعا .. انا شبعت .. سفرة دائمة ..”

تحركت بعدها خارج المكان تاركة فاتن تنظر الى مريم بعدم إستيعاب لتهتف مريم بقوة :-

” انا لن أذهب مهما حدث .. هذا جنون لن أشارك به ..”

……………………………………………………………..

وقفت أمام قبر والدها تلقي عليه نظرة الوداع الأخيرة فربما لن تتمكن من زيارته فيما بعد ..

زفافها غدا وبعدها بأربعة أيام ستسافر الى خارج البلاد هناك حيث ستبدأ حياة جديدة في بلاد ستراها لأول مرة ..

بلاد لا تشبه البلد الذي ولدت وكبرت فيه بأي شيء ..

وقفت تقرأ الفاتحة على روحه قبل أن تهمس بعينين دامعتين :-

” أعلم إنك تراني وتشعر بي .. أشعر بك دائما معي وترافقني في كل خطوة .. سأتزوج نديم يا بابا رغم عدم ثقتي الكاملة في نجاح هذه الزيجة .. لكنني سأحاول وأحارب كي ننجح سويا .. هو يحتاجني وأنا أحبه … الحب شعور جميل يستحق أن نحارب لأجله … أتمنى ألا تخذلني الحياة مجددا ولا يخذلني نديم أبدا ..”

ألقت نظرة وداع أخيرة وغادرت المكان عندما أخرجت هاتفها من حقيبتها بعدما وضعته صامتا لتجد عشرات الاتصالات من والدتها وحنين …

اتصلت بوالدتها التي ردت تسألها بعصبية :-

” أين أنتِ يا حياة ..؟! أتصل بكِ منذ ساعتين ولا تجيبي …”

ردت حياة بهدوء :-

” كنت في المقبرة ازور والدي ..”

قالت والدتها بحنو وقد إختفت نبرتها العصبية :-

” حسنا حبيبتي تعالي الى المنزل فورا .. انا وحنين ننتظرك …”

” ماذا هناك ..؟!”

سألتها بتوجس لترد بحماس :-

” تعالي وتعرفين ماذا هناك …؟!”

ودعتها والدتها بينما أشارت حياة الى احدى سيارات الاجرى المارة وركبتها ليقلها الى منزل والدتها ..

وصلت هناك لتتفاجئ بوالدتها تخرج تتبعها حنين التي هتفت بحماس :-

” هيا لنذهب بسرعة ..”

” إلى أين سنذهب ..؟! أنا لا أفهم شيئا …”

قالت أحلام وهي تقترب نحوها بسعادة :-

” الى الصالون .. سنجهزك لحفل الحناء ..”

” حفل حناء … أي حفل حناء ..؟! انا لن أعد حفل حناء …”

قاطعتها والدتها بجدية :-

” انا سأعده .. جهزت كل شيء والجميع سيتواجدون هنا مساءا ..”

هتفت حنين بسرعة :-

” هيا سنتأخر على الصالون .. أمامنا يوم طويل …”

سارت معهما حياة بعدم استيعاب عندما ركبت سيارة والدتها وفي الخلف حنين ..

وصلن الى مركز التجميل الضخم بعد اقل من نصف ساعة ليدلفن ثلاثتهن الى هناك حيث بدأن موظفات المركز في الترحيب بهن قبل أن تتفاجئ حياة بمي هناك والتي قفزت تحتضنها وتبارك لها لتهتف حياة بعدم تصديق :-

” وأنتِ كيف أتيتِ ..؟!”

ضحكت مي وهي تشير الى حنين :-

” انا هنا بعدما اتفقت مع حنين منذ ثلاثة أيام أن نلتقي هنا وأتجهز للحفل معكن ..”

حيت بعدها أحلام وحنين بينما تقدمن الموظفات من أحلام التي أخبرتهن إن حياة عروس وعليهن تقديم العناية الكاملة لها قبل أن يقومن بوضع المكياج وتسريحة الشعر الملائمة لها …

سحبت أحلام حياة من يدها واتجهت بها نحو احد الفساتين تخبرها :-

” هل أعجبك ..؟! اشتريته لك خصيصا لأجل الليلة ..؟! إذا أردت يمكننا تغييره ..؟! هناك تصاميم اخرى ..”

تأملت حياة الفستان الطويل بقماشه الشيفون ذو اللون الأبيض حيث يبدأ بحمالات رفيعة وينسدل فوق الجزء العلوي من جسدها ثم يهبط حتى قدميها متسعا قليلا عن الجزء العلوي يزينه حزام ذهبي اللون عند منطقة الخصر ..!!

” إنه رائع ..”

ابتسمت أحلام وهي تحتضنها بمحبة :-

” سعيدة إنه أعجبك …”

بادلتها حياة العناق عندما سمعت احدى الموظفات تطلب منها التقدم للبدء بتجهيزها فتحركت حياة معها لتجد كلا من حنين ومي مندمجتان في النظر الى احدى مجلات تسريحات الشعر والنقاش حول التسريحة الملائمة لكل منهما ..

فوجئت بغالية تدلف الى الصالون والتي تقدمت نحوها تحتضنها بسعادة قبل ان تقول :-

” أحببت أن أشاركك اليوم منذ بدايته ..”

هتفت حياة بسعادة وإمتنان :-

” شكرا لكِ كثيرا …”

ابتسمت غالية بسعادة بينما سارت حياة خلف الموظفة وقد تحمست لا إراديا لهذه الليلة والتي يبدو إن الجميع خطط لها دون علمها ..

بعد مدة من الزمن جلست على المقعد بينما بدأت العاملة تعمل على إعداد شعرها بالشكل التي تحبه عندما رن هاتفها برقمه لتبتسم لا إراديا وهي ترد عليه بسعادة :-

” نديم ..”

” أكاد أجزم إنك تشعين سعادة في هذه اللحظة ..؟!”

سألته وهي تضحك :-

” كيف عرفت ..؟!”

رد بجدية:-

” من نبرتك وانتِ تقولين اسمي … أكاد أرى ضحكتك أيضا ..”

” انا سعيدة فعلا …”

قالتها بصدق ليرد بنبرة دافئة :-

” أحب أن أراكِ سعيدة دائما ..”

ابتسمت ولم ترد بينما سألها بإهتمام :-

” هل إنتهيت من تجهيز نفسك ..؟!”

ردت بجدية :-

” هل تمزح يا نديم …؟! الوقت ما زال مبكرا .. الآن سيبدئن بتسريح شعري ثم وضع المكياج ..””

قاطعها بجدية :-

” أريد صورا حصرية لكِ بعدما تنتهين من كل هذا …”

ابتسمت قبل ان تقول بشغب :-

” كم تدفع ..؟!”

ضحك مرددا :-

” عمري بأكمله ..”

ردت بسرعة :-

” بعيد الشر عنك …”

ابتسم ثم قال :-

” غدا زفافنا يا حياة .. غدا سنكون سويا … ”

شعرت بقلبها يرفرف بسعادة وهي ترد بخفوت :-

” أعلم ذلك …”

” انا سعيد جدا اليوم وسأكون أسعد غدا ..”

نبرته الصادقة واعترافه الصريحة بسعادته تلك كانت أكثر ما تحتاجه لتهتف بجدية :-

” انا احبك …”

فتسمعه يطلق تنهيدة طويلة قبل أن يهتف بجدية :-

” غدا ستكتمل الحياة بوجودك يا حياة … لا تنسي أن ترسلي الصور .. وداعا ..”

ابتسمت وهي تودعه بخفوت قبل أن تسمع العاملة تسألها إذا ما بإمكانها البدء فتهز رأسها وهي تبتسم بسعادة شديدة ..!!

……………………………………………………

كان عمار يجلس في الفيلا ينتظر قدوم صباح التي فاجئته وهي تتصل به صباحا تطلب رؤيته ..

أراد أن يرفض فهو لا يطيق رؤيتها لكنها أصرت على ضرورة مجيئه للتحدث معه بأمر هام ..

تأملها وهي تتقدم نحوه وكعادته في كل مرة ينظر بها إليها يرى صورة والدته تتجسد أمامه لا إراديا فيكبر حقده نحوها أكثر وأكثر ..

” أشكرك إنك لبيت طلبي وأتيت ..”

” قولي ما عندك ..”

قالها بإقتضاب لتتنهد وهي تقول بجدية :-

” غدا زفاف نديم ..”

سألها بصوت جاف :-

” ما المطلوب مني ..؟!”

أضافت دون إجابة :-

” سيسافر بعدها الى أمريكا …”

رد ببرود ولا مبالاة :-

” قرار جيد بوضعه الحالي ..”

قالت صباح بهدوء :-

” اريد أن أتحدث معك لكن قبلها هناك حديث مهم عليك أن تسمعه مني وعليك أن تعلم إنني لا أخبرك بهذا كي تشفق علي او تتعاطف معي فأنا أعلم إن قلبك ميت منذ زمن بعيد ..”

ابتسم ببرود ورد :-

” من الجيد إنك تعلمين ذلك ..، لكن تحدثي .. دعينا نسمع ما لديك …”

تنهدت صباح بصعوبة ثم بدأت تتحدث قائلة :-

” عندما كنت صغيرة … طفلة لا أفقه شيئا .. كنت أسمع الجميع يردد إن حسين لصباح وصباح لحسين … لم أفهم معنى الجملة لكنني عندما كبرت قليلا ونضجت فهمتها وأدركت إن والدتي رحمها الله اتفقت مع خالتي على أن يتزوج حسين من صباح … الولد لإبن خالته فهو أولى بها .. تفكير عقيم أعلم ذلك لكن هذا ما حدث .. نشأت وكبرت وأنا إسمي مرتبط بوالدك … والدك سيخطبني لا محالة .. وانا بدوري كنت أنتظر هذا اليوم .. تعلقت به وأحببته رغم كونه لم يمنحني أي إهتمام او نظرة خاصة يوما لكنني لم أهتم او لم ألحظ ذلك فهو في مقام خطيبي كما قررت العائلة .. كنت أعد الأيام كي ينتهي من دراسته ويخطبني ولكن والدك كان لديه مخططات مختلفة فهو رأى والدتك في الجامعة وعشقها بجنون وبادلته هي عشقه وبالتالي قرر أن يتزوجها متحديا الجميع بها وعلى رأسهم خالتي …”

كان يسمعها بملامح جامدة بينما تضيف هي بملامح شاردة وكأنها انفصلت عن الواقع وعادت الى تلك الفترة البعيدة تماما :-

” كان وقع الخبر صادما علي وإنهرت عصبيا وقتها .. لكنني ما إن رأيته معها احدى المرات ورأيت حبهما قررت أن أتجاوز ما حدث .. هما عاشقان وانا لا مكان لي بينهما .. تزوجا وحملت ديانا بك وكنت أسمع عن سعادته بينما أرى خالتي تحترق غضبا من والدتك … حتى فاجئتني ذات يوم عندما أتت تخطبني لوالدك … كانت بمثابة صدمة لي خاصة عندما علمت إن والدك موافق .. رفضت في بادئ الأمر واستغربت موافقة حسين حتى علمت إن خالتي مصابة بالمرض الخبيث وهي تريد تحقيق أمنيتها بتزويجه مني .. رغم رفضي في بادئ الأمر لكنني وافقت ولا أعلم حتى اذا ما وافقت لأجل خالتي التي إتضح فيما بعد إنها كانت تكذب أم لإنني بالفعل كنت أحب والدك ولم أستطع تخطي مشاعري نحوه ..”

أغمضت عينيها بألم وأكملت :-

” تزوجته وبدأت أتعس أيام حياتي .. كان وجودي من عدمه واحد .. والدك كان ملك ديانا يا عمار … كله بأكمله ملكا لوالدتك وانا لم يكن من نصيبي شيئا حتى الفتات .. عندما رفضت والدتك الإستمرار في هذه الزيجة وطلبت الطلاق ظننت إن هناك أمل ولو ضئيل أن تبدأ قصتي أخيرا مع والدك ووالد طفلي القادم .. لكن بعد طلاق والدتك الأمر أصبح أسوأ لدرجة إنني تمنيت لو بقيت والدتك على ذمته وطلقني انا …”

مسحت دمعة من فوق عينيها بقوة وقالت :-

” انا عشت تعيسة طوال عمري يا عمار .. عشت مع والدك على الهامش .. ديانا كانت كل شيء ووالدك لم يتخطها حتى بعد زواجها من آخر وإنجابها منه .. انا كنت مجرد مظهر اجتماعي امام الناس والمجتمع والاقارب لكن واقعيا انا لم أكن أمثل له أي شيء ..”

” هل إنتهيت ..؟! ما سبب هذه القصة الطويلة ..؟! لا تريدين تعاطف ولا شفقة إذا ما سبب حديثك هذا ..؟!”

ردت صباح بجدية :-

” لإنني تعبت … لإنني لا يمكنني التحمل اكثر .. جدتك انتقم الله منها عندما توفيت ابنتها الوحيدة في عز شبابها وقبل زفافها بأسابيع قليلة ثم أصابها المرض الخبيث وتعذبت كثيرا … لقد طلبت من والدتك السماح لكنها رفضت أن تمنحها إياه ..”

أضافت بوجع :-

” وانا عشت مكسورة محطمة على الهامش طوال عمري … وانت لم تكتفِ بهذا .. بل اخترت أن تنتقم مني بأغلى شيء على قلبي … ابني الوحيد… انا تحملت كل هذا وعشت حياة كهذا لأجل نديم وغالية ورغم هذا تدمرت حياة ابني كليا … نديم لا ذنب له بأي شيء ومع هذا إنتقمت منه بأبشع طريقه ودمرت مستقبله كليا ..”

” تحدثي بوضوح يا صباح .. لماذا جلبتني الى هنا ..؟!”

سألها بملامح قاتمة لتجيب بجدية :-

” لقد سجنته لأعوام … سرقت حبيبته ودمرت مستقبله كليا .. أظن إنتقامك كافيا لتتوقف عن إيذائك لأبنائي بعد الآن .. انا لا أريد شيئا يا عمار ولا أريد حتى حق ابني منك مع إنك ظلمته لكنني سأتركك للعزيز الجبار هو وحده سيأخذ حق ولدي منك .. انا الآن لا أريد سوى الحفاظ على ما تبقى لي … نديم وغالية .. لذا كل ما أريده منك أن تترك ولدي وشأنه بعد الآن وتكف شرك عنه فإبني عانى كثيرا بسببك وما زال يعاني وربما يظل يعاني حتى آخر عمره ..”

” هل تعلمين شيئا ..؟!”

نظرت له بإنتباه ليقول بقسوة مقصودة :-

” أنا أكثر شخص يثير إشمئزازي هو الشخص عديم الكرامة والكبرياء.. الشخص المتخاذل بحق نفسه والضعيف وانت تحملين كل هذه الصفات .. انا لم أحبك يوما ولم أستطع تقبلك حتى مثلما أعلم جيدا إنك لم تحبني يوما لإنني ابن ديانا .. المرأة التي جعلتك تعيشين ذليلة طوال عمرك بينما بقيت هي مرفوعة الرأس محتفظة بكرامتها وكبريائها حتى آخر لحظة من عمرها .. ”

أنهى كلماته ومنحها نظرة أخيرة باردة قبل أن ينسحب من المكان كليا وتلك المقابلة أشعلت فتيل غضبه وحقده نحو تلك المرأة مجددا ..

…………………………………………………..

جلس على مكتبه يتذكر حديث صباح لا إراديا فيشعر بحرقة في قلبه وهو يتذكر والدته ورحيلها عنه في أهم فترة في حياته ..

توقف عن أفكاره عندما دخلت سكرتيرة فأخبرها بعملية :-

” بإمكانك المغادرة الآن .. لقد غادر جميع الموظفين ولم يتبق سواي ..”

حمحمت تقول :-

” هناك ضيفة تريد رؤيتك … اسمها مريم سليمان ..”

ابتسم رغما عنه ثم أخبرها بجدية :-

” دعيها تدخل …”

هزت رأسها وخرجت لتدخل مريم بعد لحظات الى مكتبه تتأمل بملامح حاقدة يقابلها هو بنظرات شغوفة لا تخمد أبدا …

تقدمت نحوه بخطوات مترفعة وجلست أمامه واضعة قدما فوق الآخرى وقالت :-

” ها قد أتيت بنفسي إليك ..”

” زيارة مفاجئة دون موعد سابق .. في العادة لا أستقبل أحدا دون موعد لكن لا بأس .. أنتِ إستثناء يا مريوم …”

قالها وهو يبتسم بخفة لتقول بجدية :-

” دعنا نتحدث بصراحة ودون مقدمات وبلا مراوغة …”

وضع انتباهه عليها وقال :-

” تفضلي يا مريم ..”

” لقد علمت بأمر الشيكات والمبلغ الطائل الذي يدين والدي لك به ..”

ابتسم متسائلا ببرود :-

” ليلى أخبرتك بالتأكيد ..؟!”

ردت بجدية :-

” نعم هي .. أخبرتني عن ذلك مثلما أخبرتني عن عدم إهتمامك بأمر هذه الشيكات حاليا .. هي مستغربة بالطبع فالشهامة ليست من طباعك وهي لا تعرف سببك الحقيقي لكل ما تفعله ..”

سألها ببرود :-

” وما هو السبب الحقيقي يا مريوم ..؟!”

ردت بنظرات قوية :-

” أنا … السبب هو أنا .. الشيكات هي طريقتك السهلة للحصول علي .. لإمتلاكي … ”

ابتسم قائلا بنبرة مستفزة :-

” ذكية يا مريوم .. ذكية وجريئة ..”

سألته غير مبالية بإبتسامته :-

” هل تظن إنك حقا قادر على إمتلاكي بتلك الشيكات …؟!”

” لم لا …؟!”

سألها ببساطة لتنهض من مكانها وتقول بجدية :-

” انا لا أبيع نفسي بأموال الدنيا … وإذا كنت تظن إنني سأتزوجك كي أنقذ والدي من السجن فأنت مخطئ .. ليدخل السجن ويتحمل نتيجة اخطائه أما أنا فلن أفعل أي شيء ولن أضحي بحياتي لأجله ..”

أضافت بإبتسامة باردة :-

” انا لست ليلى يا عمار .. لا تستطيع أن تلعب على عواطفي مثلها … لذا فصفقتك هذه المرة خاسرة وبإمكانك أن تتأكد من كلامي عندما يدخل والدي السجن وانا أرفض الإقتران بك .. زواجي منك أساسا هو سجن وطالما إن شخص واحد منا سيدخل السجن مقابل حرية الآخر فليدخل والدي السجن كونه السبب في كل هذا .. بإختصار انا لن أدفع ثمن اخطاء غيري ..”

” هل إنتهيتِ ..؟!”

سألها بهدوء لتهز رأسها فيبتسم وهو يقول بثقة :-

” رغم كل ما قلته ستكونين لي وتتزوجين مني … ”

ابتسمت وهي تردد :-

” في أحلامك يا عمار .. نعم سيحدث هذا وأتزوجك لكن في أحلامك فقط …”

تقدمت نحوه اكثر وانحنت فوق مكتبه تردد بقوة :-

” انا لن أكون لك مهما حدث .. لن تنالني ولو على جثتي …. انا سأظل مجرد حلم أردت إمتلاكه يوما لكنك فشلت رغم كل محاولاتك لذلك ..”

اقتربت اكثر تقول بثقة :-

” صحيح انا ما زلت في الحادية والعشرين مني عمري لكن لا تستهين بي … انا يمكنني اللعب معك أيضا بل وإنهاؤك تماما لكن لا مزاج عندي لك حاليا على الأقل ..”

اعتدلت في وقفتها تضيف بتشدق :-

” وكما أخبرتك منذ قليل … انا لا أضحي بحياتي لأجل غيري …”

منحته إبتسامة أخيرة قبل أن تتحرك خارج المكان لكنها توقفت وهي تسمعه يهتف متسائلا :-

” حتى لو لأجل ليلى …”

استدارت نحوه على الفور ترمقه بنظرات مندهشة ليضيف وعيناه تضيئان بإنتصار :-

” يبدو إن ليلى لم تخبرك .. لقد أصبحت تلك الشيكات رسميها بإسمها وفي حالة عدم تسديدها ستصبح ليلى في السجن …!!”

تأمل شحوب ملامحها ليضيف متسائلا ببرود :-

” إذا ، هل ما زلت على قرارك ..؟! هل ما زلت لا تضحين بحياتك لأجل غيرك …؟!”


google-playkhamsatmostaqltradent