رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الواحد و الثلاثون 31
في احد المطاعم الشهيرة ..
كانت تجلس أمامه تبتسم برقة وشعرها الغامق بخصلاته الشقراء ينسدل بنعومة على جانبي وجهها بينما ترتدي فستانا حريريا بنفسجي اللون طويل ذو فتحة صدر واسعة تبرز منطقة نحرها بجاذبية خطيرة وذو اكمام طويلة شفافة ..
كانت إطلالتها بسيطة لكنها فائقة الجاذبية مثلها تماما ومكياجها الناعم ولون أحمر شفاهها المميز يجذبه نحوها برغبة مخيفة ..
ابتسمت وهي تقول بعدما ارتشفت القليل من عصيرها المفضل :-
” إذا ما سبب هذه الدعوة وفي يوم كهذا ..؟!”
هتف يتصنع عدم المعرفة :-
” ما به هذا اليوم ..؟!”
ردت ضاحكة :-
” دعوتني الى العشاء في يوم زفاف أخيك ..”
قاطعها بجدية :-
” لا تبدئين الآن .. انتِ تعرفين كل شيء فلا داعي لكل هذه المراوغات …”
اكتفت بإبتسامة هادئة عندما حمل عصيره يتناوله بدوره ثم قال بعدما أعاد وضعه على الطاولة :-
” إذا سأتحدث الآن ..”
” كلي آذان صاغية لك ..”
قالتها بجدية ليبتسم بهدوء قبل ان يقول :-
” اليوم ليس يوما عاديا يا شيرين .. اليوم نفذت أهم قرارين في حياتي لهذه الفترة .. بالأحرى نفذت إحداهم وسأنفذ التالي الآن ..”
” ما هذان القراران..؟!”
سألته بإهتمام ليجيب بنفس الجدية:-
” اول قرار نفذته .. طلقت ليلى ..”
لم تبدُ عليها الدهشة حيث اكتفت برد مقتضب :-
” جيد ..”
سألها متمعنا النظر في ملامحها التي سيطر عليها البرود :-
” ألن تقولي شيئا عن هذا ..؟!”
ردت ببرود :-
” ماذا سأقول ..؟! بالطبع لن أواسيك لإن هذا آخر ما تحتاجه وبالطبع لن أبارك لك لإنك طلقت ليلى بعدما دمرت حياتها كليا وسرقت سنوات عمرها ..”
” يكفي ..”
قالها بحنق قبل أن يضيف بضيق :-
” من الأفضل ألا تقولي شيئا ..”
سألته بدورها :-
” لماذا تزعجك الحقيقة الى هذه الدرجة ..؟! لماذا لا تعترف بذنوبك ..؟!”
رد بهدوء :-
” من قال هذا ..؟! على العكس تماما .. انا أعترف بجميع ذنوبي .. وهذا الفرق بيني وبين البقية .. انا أعترف بذنوبي وجرائمي بحق الجميع لكنني راضيا عنها للغاية أما الإنكار فليس طبعي والدليل إنني لم أنكر يوما أي شيء فعلته حتى الآن ..”
” أنت تخيفني …”
قالتها مرغمة ليبتسم وهو يردد :-
” لا يجب أن تخافي مني .. طلبي لا يناسبه الخوف أبدا .. ”
” أي طلب ..؟!”
سألته بإستغراب ليرد بإبتسامة :-
” أخبرتك إن هناك قرار ثاني اتخذته منذ مدة وسأنفذه حالا ..”
تطلعت إليه بإهتمام ليضيف بقوة وجدية :-
” أنا أريد الزواج منك يا شيرين … ”
تجمدت ملامحها للحظات قبل ان يخف جمودها وهي تردد بعدم إستيعاب :-
” تريد الزواج مني ..؟!”
اومأ برأسه وهو يجيب بجدية وثقة :-
” نعم ، انا أعرض الزواج رسميا عليك وأريد موافقتك بشدة ..”
سألته وهي لم تستوعب بعد ما سمعته :-
” لماذا ..؟! ”
” هذا سؤال غير منطقي أبدا .. ”
” بل إنه السؤال الأكثر منطقية .. لماذا تعرض علي الزواج الآن يا عمار ..؟! ولماذا تريد الزواج مني أنا تحديدا ..؟!”
سألته بقوة ليرد بهدوء :-
” إخترت هذا التوقيت لإنني كنت أنتظر إتمام إجرائات الطلاق رسميا قبل أن أعرض الزواج عليكِ .. يعني أكون حرا من أي إرتباط قبل تقديم هذا العرض … ولماذا أريدك أنتِ تحديدا ..؟! لإنكِ المرأة الوحيدة التي وجدت بها الزوجة التي أريدها وأتمناها .. المرأة الوحيدة التي تصلح أن تكون زوجتي …”
” هذا هراء .. انا وانت مختلفين تماما .. وانت بالطبع لا تتوقع أن أقبل بك بعد كل أفعالك الحقيرة …”
توقفت عن المزيد من الكلام عندما لاحظت جمود ملامحه ولا تعلم لماذا شعرت بألم في قلبها وهي تتحدث بهذه القسوة ..؟!
هل طبيعتها ولطفها الزائد عادة جعلها تستاء من نفسها لإنها تفوهت بكلام قاسي كهذا أم إنها تألمت لأجله ..؟!
نفضت هذه الأفكار عن رأسها وهي تنهض من مكانها تردد بجدية:-
” انا وانت لا نناسب بعضنا ابدا .. انا لا يمكنني العيش معك بكل ما تحمله داخلك من ظلام وقسوة .. بكل ما تفعله من جرائم وآلام في حق الجميع ..”
همت بالتحرك لكنه قبض على ذراعها يجذبها نحوه لتتلاقى عيناها بعينيه بنظرة طويلة فرأت بعينيه شيئا غريبا صادما .. شيئا يشبه الرجاء … هل يرجوها بنظراته حقا أم تتوهم ..؟!
شعرت بقلبها يهوى أسفل قدميها من نظراته تلك فهمست بتوسل :-
” عمار .. اتركني من فضلك ..”
رد بقوة وإباء ؛-
” لن أتركك قبل أن تعترفي أمامي وانت تنظرين داخل عيني إنك لا تشعرين بأي شيء نحوي ولا تحملين داخلك شيئا لي ..”
” ماذا تفعل انت ..؟! ما هذا الطلب السخيف ..؟!”
همست بضعف وهي تحاول التحرر من قبضته بينما عيناها تنظران الى الناس حولها تخشى أن ينتبه أحدهم لوضعهما قبل أن تعاود النظر إليه فتضيف برجاء :-
” اتركني يا عمار .. الجميع سينظر إلينا .. ارجوك ..”
حرر ذراعها لتندفع بسرعة خارج المكان فيجري مندفعا خلفها عندما تبعها خارج المطعم ينادي عليها بأعلى صوته فتتوقف مكانها تلتقط أنفاسها بصعوبة فتشعر به يقترب منها قبل أن يقبض على ذراعها يديرها نحوه يأمرها بقوة :-
” أخبريني هيا .. قولي إنك لا تشعرين نحوي بشيء .. ”
” عمار …”
قالتها بتوسل ليهتف وهو ينحني نحوها اكثر مقربا وجهه من وجهها :-
” لن تستطيعي التأثير علي بما تفعلينه .. لن أتركك ولن أتراجع عن طلبي إلا عندما تخبريني بصدق إنني لا أعني لك شيئا ..”
” ابتعد من فضلك ..”
همستها بتوسل وهي تشعر بنبضات قلبها ترتفع بقوة فيقرب وجهه من وجهها أكثر يهمس بخفوت مغري :-
” هيا قوليها .. ماذا تننتظرين ..؟! قوليها يا شيرين …”
صاحت بحرقة وهي تدفعه بقوة بعيدا عنها :-
” نعم انا أشعر بالكثير نحوك .. ما زلت تهمني وما زالت مشاعري القديمة موجودة .. لم يتغير شيء .. رغم كل شيء مشاعري ما زالت كما هي .. ربما خفت بمرور السنوات لكنها ما زالت موجودة … اللعنة عليك … هل إرتحت الآن ..؟!”
” كثيرا ..”
قالها مبتسما قبل أن يجذبها نحوه بقبلة صادمة عنيفة فتدفعه بعد لحظات بعيدا عنها وهي تصفعه على وجهه بقوة قبل أن ترفع إصبعها في وجهه وهي تردد بتهديد :-
” إياك أن تكررها .. انا لست واحدة من عاهراتك .. هل تفهم ..؟!”
تحركت مبتعدة عندما سيطر هو على غضبه بصعوبة وصاح بصوت عالي وصل إليها وهي التي كانت على وشك ركوب سيارتها :-
” انت لستِ كذلك ولن تكوني يوما … انت ستصبحين زوجتي .. المرأة التي تحمل إسمي .. حلالي وإمرأتي …. فلا داعي لكل هذا .. انا لم أنظر يوما إليك بهذه الطريقة .. فكري بعرضي جيدا فأنا أنتظر قرارك النهائي بأسرع وقت …”
……………………………………………………….
دلفت الى داخل الشقة التي إختارت أن تقضي ليلتهما الأولى فيها بدلا من الذهاب الى فندق راقي كما اقترح عليها هو ..
أرادت أن تقضي ليلتهما الأولى في هذه الشقة لسبب غير محدد .. ربما لإنها شعرت بالدفء يسيطر عليها في المرات القليلة التي جائت بها الى هنا وربما لإنها تشعر إن هذا المكان كان يحمل بداية جديدة له او ربما لإنه عاش الفترة السابقة وحيدا هنا فقررت أن تقضي معه الاربعة أيام المتبقية لهما هنا تمحي أي ذكريات له تملؤها الوحدة وتمنحه ذكريات خاصة بهما ..
أشياء كثيرة أرادتها وحلمت بها وخططت لها لكن كل شيء ذهب هباءا …
سمعت صوت إغلاق الباب فلم تشعر بالخوف الذي من المفترض أن تشعر به أي عروس لإنها تدرك جيدا إنه لن يحدث أي شيء الليلة ..
هي لن تسمح أن يحدث أي شيء وهو لن يرغمها بالطبع فلا وجود للخوف ..
الشيء الوحيد الذي تشعر به حاليا هو الألم والحسرة وربما الضياع وهذا ما يجعلها ترغب بالإنفراد مع نفسها قليلا …
شعرت به يقترب منها فظلت واقفة مكانها عندما وضع كفيه فوق كتفيها فإتتفضت مبتعده بسرعة عنه مستديرة نحوه بملامح عصبية ..
هتفت تسبقه الحديث :-
” أين الغرفة الأخرى التي لا تمكث بها انت ..؟! أريد تغيير ملابسي والنوم حالا لإنني متعبة ..”
هتف بجدية:-
” حياة .. نحن يجب أن نتحدث ..”
قالت بقوة :-
” بماذا سنتحدث ..؟! ماذا تريد أن تقول ..؟!”
رد بجدية :-
” تفسير .. أريد أن أمنحك تفسيرا لما رأيته .. اسمحي لي بذلك على الأقل ..”
ردت بجفاء :-
” صدقني مهما فسرت فلن يغير حقيقة ما رأيت وانت لن تستطيع أن تغير من حقيقة ما رأيته وشعرت به يا نديم .. لذا من الأفضل لك ولي أن نترك أي أحاديث لا معنى لها ولن تضيف لنا شيئا .. دلني على مكان الغرفة الثانية من فضلك فطاقتي نفذت ولا يمكنني البقاء هكذا .. أحتاج الى النوم حالا أكثر من أي شيء ..”
نعم هي تحتاج الى النوم بل بالأحرى الى الهروب..
حاول ان يتحدث محددا لكنه تراجع وهو يرى الإصرار بعينيها فقال بجدية :-
” تفضلي ..”
سارت خلفه الى الغرفة المجاورة لغرفته لتدلف الى الداخل تتأمل الغرفة الأنيقة بصمت قبل أن تلتفت نحوه تجده يتأملها بهدوء دون وجود تعبير محدد على ملامحه ..
” أحتاج حقيبتي ..”
قالتها وهي تحاول الخروج من الغرفة لكنه أوقفها قائلا :-
” سأجلبها أنا ..”
خرج وعاد بعد لحظات يحمل حقيبتها التي تحمل قليلا من ملابسها وأغراضها ..
وضع الحقيبة على الأرضية وسألها بإهتمام :-
” ألا تحتاجين شيئا آخر ..؟!”
ردت بجمود :-
” كلا ، شكرا لك ..”
عاد يسألها :-
” ألن تتناولي العشاء قبل النوم على الأقل ..؟!”
ردت بإقتضاب :-
” كلا ، لا شهية لدي ..”
هز رأسه متفهما ثم منحها نظرة طويلة وجدت بها شيئا غريبا لم تفهمه قبل أن يتحرك خارج الغرفة فتندفع بسرعة نحو الباب وتغلقها بقوة قبل ان تتجه نحو السرير تجلس عليه تسمح لدموعها لأول مرة أن تتساقط على وجهها بحرية…
مر بعض الوقت قضته تبكي بصمت .. تبكي دون أن تفعل شيئا آخرا ..
توقفت عن بكائها بعد مدة ليست قصيرة لتنهض من مكانها تجر قدميها نحو الحمام الملحق بالغرفة بتعب بعدما خلعت حذائها …
وقفت أمام المغسلة حيث فتحت صنبور المياه وبدأت تغسل وجهها بالماء البارد عدة مرات قبل أن تجففه بقوة ..
اتجهت خارجا وفتحت الحقيبة تسحب منها بيجامة حريرية لها قبل أن تقع عينيها على قميص النوم الكريمي الذي اشترته لأجل الليلة فكتمت دموعها بصعوبة وهي تحمله من مكانه تتأمله للحظات قبل ان ترميه بإهمال في الحقيبة مجددا وتتجه لخلع فستانها وارتداء البيجامة ..
ارتدت بيجامتها ثم فكت تسريحتها البسيطة محررة شعرها القصير لتتجه بسرعة نحو السرير بعدما فتحت جهاز التكييف وأغلقت الضوء حيث اندست بجسدها أسفل غطاء السرير تغمض عينيها بقوة تحاول ألا تفكر بشيء كي تنام بأسرع وقت لكن رغما عنها عادت ذكريات الليلة تغزو عقلها فبدأت دموعها تتساقط مجددا وشهقاتها تظهر هذه المرة ..
استمرت في بكائها أسفل الغطاء لوقت ليس بقليل قبل أن تذهب في نوم عميق أثناء ذلك ..
اما في الخارج فوقف نديم في الشرفة يستنشق الهواء بقوة محاولا السيطرة على أعصابه الثائرة بعد كل ما حدث …
لقد تدمرت هذه الليلة تماما وانتهت فرحته قبل أن تبدأ ..
لا يعلم بمَ عليه أن يفكر ..؟!
من جهة ليلى وما علمه منها وترك داخله آثرا عميقا ومن جهة حياة وما سببه لها من آلم والنتيجة إن مشاعره اختلطت تماما لكن شعور واحد واضحا داخله نحو الاثنتين .. هو يشعر بتأنيب ضمير شديدة اتجاه كلا من حياة وليلى مثلما يشعر إنه خذل الإثنتين وهذا يجعله يرغب بالإختفاء من على وجه الأرض ..
كان يتمنى حقا ان يتخطى حديثه مع ليلى بوجود حياة وقد استعاد ثباته واصراره وظن إن وجود حياة سيساعده كثيرا فهي تستطيع أن تؤثر عليه بقوة وتبعد كل الأفكار المؤلمة من قلبه وروحه .. وجودها كالبلسم لجراحه ..
لكن ما حدث قلب كل الموازين فحياة هي الأخرى تخلت عنه بعدما تألمت منه .. هجرته في اول ليلة لهما كزوجين … سرقت منه كل شيء أراده وخطط له وهاهو يقف وحيدا في شرفة شقته يدخن سيجارته بصمت وعقله يكاد ينفجر من التفكير وقلبه يتألم لأسباب كثيرة…
ظل مستيقظا حتى الصباح وقد فشل في الحصول ولو على ساعات قليلة من النوم ..
اتجه نحو غرفته حيث خلع ملابسه وأخذ حماما سريعا قبل أن يخرج وهو يجفف شعره بالمنشفة مرتديا ملابس بيتية مريحة ..
وقف يتأمل نفسه بالمرآة للحظات قبل ان يعقد العزم على الدخول الى المطبخ وتجهيز الفطور لهما ..
بالغعل بدأ يجهز الفطور حيث أعد البيض وأخرج انواع مختلفة من الأجبان والقشطة والعسل وغيرها من الأشياء …
وبعدما أعد الشاي الذي تفضله هي على الفطور اتجه لإيقاظها عندما فتحت له الباب بعد لحظات بملامح ناعسة فتأمل بيحامتها الرقيقة وملامحها المحببة وشعرها المبعثر قليلا ..
ابتسم رغما عنه مرددا :-
” صباح الخير ..”
ردت ببرود :-
” صباح النور .. ماذا هناك ..؟!”
تجاهل برودها يجيب بإبتسامة متحفظة :-
” الفطور جاهز .. ”
همت بالرفض لكنه سبقها وقد شعر برفضها :-
” لقد أعددت الفطور بنفسي وانتِ لم تتناولي شيئا منذ صباح البارحة وبالتأكيد جائعة للغاية وانا مثلك تماما لذا ضعي خلافاتنا جانبا وتفضلي معي لتناول الفطور ..”
شعرت بالجوع يسيطر عليها بالفعل فهزت رأسها تهمس:-
” دقائق وأتبعك ..”
اتجهت بعدها نحو الحمام تغسل وجهها جيدا قبل أن تقف أمام المرآة ترفع شعرها بكعكة بسيطة قبل أن تخرج له ..
تأملها بطلتها البسيطة وهي ما زالت ترتدي بيجامتها الحريرية ورغما عنه شعر بالإنجذاب نحوها وشعور إنه أصبحت زوجته منحه شعورا قويا يجمع بين الطاقة الإيجابية والسعادة ..
جلست أمامه وبدأت تتناول طعامها بصمت دون أن ترفع عينيها لحظة واحدة وتنظر في وجهه بينما كان هو يتأملها بإهتمام دون أن يرفع نظراته لحظة واحدة عنها ..
شعرت بنظراته مسلطة عليها فتعمدت عدم النظر له والإنشغال بتناول طعامها قبل أن تنهي فطورها بسرعة وتنهض من مكانها متجهة الى غرفتها مجددا حيث أغلقت الباب خلقها بقوة ثم اتجهت تتسطح فوق سريرها بتعب شديد وتغمض عينيها لتذهب في النوم مجددا بعد دقائق ..
………………………………………………………..
تعمدت الخروج من المنزل باكرا قبل أن تلتقي بوالدتها وأختها …
لقد قضت الليلة كاملة تنازع أرقها حتى غلبها النعاس أخيرا في ساعات الفجر الاولى فلم تنم سوى اقل من ثلاث ساعات كانت مليئة بالكوابيس المرعبة ..
ركبت سيارتها وقادتها بمزاج سيء جدا ..
مهما تظاهرت بالقوة فهناك شيء داخلها إنكسر ..
حب حياتها تزوج ورغما عنها تتألم …
هذا هو الحب وهذا واقعه ..
في النهاية هي إنسانة لديها طاقة تحمل … لديها مشاعر وأحاسيس ولا يمكنها أن تسيطر على شعورها المؤلم بإستمرار ..
يشهد الله عليها إنها تقاوم مشاعرها .. تحاربها بشراسة وتحاول أن تخفيها عن نفسها قبل الجميع لكن المشاعر داخلها ما زالت موجوده تظهر بين الحين والآخر رغما عنها وهذا ما يحدث معها اليوم تحديدا ..
اوقفت سيارتها في كراج الشركة ثم خرجت منها ودلفت الى الشركة بملامح جامدة تحاول من خلالها اخفاء آلمها ..
ركبت المصعد واتجهت الى مكتبها حيث وجدت السكرتيرة تستقبلها بترحيب فهمست لها بخفوت :-
” لا أريد أي مقابلات او أي شيء يخص العمل حتى أخبرك بذلك .. ”
ثم دلفت الى المكتب تغلق بابه خلفها وتتجه على الكرسي المجاور للمكتب تجلس عليه تتراجع برأسها الى الخلف مغمضة عينيها محاولة طرد تلك الأفكار عنها ..
مرت حوالي نصف ساعة وهي على هذه الحال عندما سمعت صوت الباب يفتح فقالت وهي تفتح عينيها بسرعة :-
” ألم أخبرك ألا تدخلي مكتبي قبل أن أطلب منك ذلك ..”
توقفت عن حديثها وهي تراه أمامها …
الرجل الذي دمر حياتها بالكامل وسرق سعادتها ….
تابعته وهو يغلق الباب بقوة ثم يتقدم نحوها مرددا ببرود :-
” صباح الخير يا ليلى .. أم أقول صباح الخير يا زوجتي السابقة او طليقتي .. لا فرق بينهما …”
سألته بحدة متجاهلة حديثه :-
” ماذا تفعل هنا منذ الصباح ..؟!”
رد ببرود وهو يتجه ويجلس على الكرسي الرئيسي للمكتب :-
” جئت لكي نتحدث بشأن العمل .. لا تنسي إن هناك الكثير من الإتفاقيات بيننا اضافة الى الشيكات ..”
قاطعته بضيق :-
” لا يمكنني العمل الآن .. انا مرهقة و ..”
قاطعها ببرود :-
” انتِ المديرة العامة للشركة .. ألم تستوعبي مكانتك بعد وأهمية منصبك الجديدة ..؟! كونك مديرة فلا يوجد شيء اسمه مرهقة او متعبة او مزاجي ليس جيدا .. توقفي عن البكاء على أطلال من باعك وفكري بما ينتظرك .. توقفي عن الجري وراء مشاعرك الغبية لإن هناك اشياء اهم تنتظرك ..”
نظرت اليه بحقد فشلت في إخفاؤه ليقول بجدية متجاهلا حقدها الظاهر عليها ناحيته :-
” قاعدة أساسية يجب أن تعملي بها كي تكوني سيدة اعمال ناجحة .. العمل والعواطف لا يجتمعان سويا يا ليلى .. عندما تدخلين الى الشركة عليك أن تضعي كل مشاكلك الشخصية والعاطفية ومشاعرك جانبا .. انت هنا ليلى سليمان … مديرة الشركة .. هنا في هذا المكان لا تستعملي سوى عقلك اما أي شيء آخر اتركيه خارج هذا المكان …هناك منزل يمكنك أن تنهاري به كما تشائين ..”
نهضت من مكانها وهي ما زالت ترميه بنظرات نارية قبل أن تهتف بقوة :-
” شكرا على نصائحك لكنني لا أحتاجها … أنا أعرف كيف أدير شركتي بنفسي .. اسمح لي فأنا سأغادر الآن لإن الجو بوجودك أصبح لا يطاق ..”
ثم اندفعت خارج المكان متجهة خارج الشركة بأكملها ..
اتجهت الى الكراج وركبت سيارتها قبل أن تنهار باكية وقد فقدت كافة محاولاتها للسيطرة على نفسها ..
استمرت في بكائها قبل ان تمسح دموعها وتقود سيارتها وهي تحاول ألا تبكي حيث قررت التوجه الى احد المقاهي الهادئة للإنفراد بنفسها قليلا ..
توقفت امام احد المقاهي الهادئة المعزولة ..
جلست على احدى الطاولات المعزولة قليلا وطلبت مشروبا دافئا ..
بعد مدة قصيرة جاء النادل يحمل لها طلبها ..
اخذت ترتشف القليل من مشروبها الدافئ بشرود .. رغم إن الصيف ما زال في منتصفه ورغم حرارة الجو في الخارج لكنها شعرت بالحاجة لمشروب دافئ جدا في هذه اللحظة .. مشروب يمنحها الدفئ الذي تفتقده منذ مدة طويلة ..
نوبة البكاء التي أتتها قبل قليل ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لكنها ستتجاوزها بالتأكيد ..
ستتخطاها كما تخطت الكثير قبلها ..
ارتشفت قليلا من مشروبها قبل ان ترفع عينيها الحمراوين وآثر البكاء ما زال يحتلها تماما لتتأمل ذلك الذي دلف الى المقهى بخطوات واثقة ونظرات حازمة وقد تذكرته فورا ..
اللعنة إنه ذلك الشاب الذي صدمت سيارته قبل أيام ..
مالذي أتى به هنا ..؟!
إنتبهت لا إراديا الى النادل الذي تقدم يحييه بإهتمام لا يحظى به سواه قبل أن تتفاجئ بنظراته تتجه نحوها فتخفض وجهها بسرعة مفكرة إنه بالتأكيد لم ينتبه لوجودها وإن نظرته كانت عفوية ..
لحظات قليلة شعرت بظل يتشكل فوقها فرفعت وجهها لتنصدم بعينيه الباردتين تنظر مباشرة الى عينيها قبل أن يهتف بصوت هادئ لكنه بارد :-
” هل يمكنكِ تغيير طاولتك إذا سمحتِ..؟!”
” عفوا ..؟!”
رددتها بعدم فهم ليضيف موضحا :-
” انا معتاد على ارتياد هذا المقهى بصورة مستمرة وهذه طاولتي الدائمة هنا .. من فضلك اختاري أي طاولة أخرى ..”
قاطعته بحدة وصوت ارتفع قليلا :-
” انا أتيت قبلك وجلست عليها قبلك وبالتالي لا يحق أن تطلب مني شيئا كهذا ..”
” حسنا اهدئي ، لا داعي لكل هذه العصبية ..”
قالها بقليل من التهكم لتنظر له بنظرات مشتعلة فيضيف ببرود ساخر :-
” ليس ذنبي أن ألتقيك صدفة للمرة الثانية وأنتِ تعانين من أزمة ما .. المرة السابقة فرغت حزنك وغضبك في سيارتي والآن تريدين تفريغ ألامك بي أنا ..”
انتفضت من مكانها تهتف وهي ترفع إصبعها في وجهه بقوة :-
” أنت من تظن نفسك كي تتحدث معي هكذا ..؟!”
رد بنفس البرود المغيظ وهو يعقد ذراعيه أمام صدره :-
” لا تنسي إنني تنازلت عن البلاغ ذلك اليوم وإلا كنتِ ستخسرين رخصة قيادتك لمدة غير معلومة ..”
” وانا لم أطلب منك ذلك …انت من تبرعت وتنازلت ..”
قاطعها بجدية :-
” لإنك فتاة .. ومن الواضع إنكِ كنتِ تعانين وتبكين ففعلت هذا مراعاة لظروفك النفسية ..”
ردت بتهكم :-
” يا لك من كائن حساس ورقيق ..”
هتف ببرود :-
” على العكس تماما .. انا كائن بارد لا أطاق والآن من فضلك تفضلي من هنا ..”
هتفت بعناد وهي تعاود الجلوس على كرسيها :-
” لن أغير طاولتي .. وانت إفعل ما بوسعك اذا كان بوسعك شيء من الأساس ..”
تأملها وهي ترتشف من كوبها بلا مبالاة فشعر بغيظ يملأه منها ..
لحظات ووضع تلك الحقيبة العملية السوداء على الطاولة وسحب الكرسي المقابل لها لتتسائل بدهشة :-
” ماذا تفعل ..؟!”
أجاب بغلظة وهو يفتح حقيبته ويخرج حاسوبه :-
” بما إنك لا تريدين تغيير الطاولة سأشاركك بها ..”
هتفت بحنق :-
” ومن قال إنني أقبل بذلك .. ؟! هناك عشرات الطاولات الفارغة ..”
ادعى عدم سماع حديثها وهو يشير الى النادل بكفه ليهز النادل رأسه بطاعة ..
تأملته وهو يفتح حاسوبه ويبدأ في التعامل معه عندما بدت نظراتها شديدة الحنق في تلك اللحظة ..
لحظات وجاء النادل يحنل فنجانا من القهوة مع قدح من الماء وبعض البسكويت ليسأله بإهتمام شديد اذا ما كان يريد شيئا آخر فيهز رأسه بنفي ..
هم النادل بالتحرك لكنها أوقفته وهي تتحدث معه وتشير بكفها نحو أثير الذي ما زال يضع أنظاره على الحاسوب بدا غير مهتما بما تقوله بل لم يرفع نظره حتى من فوق حاسوبه :-
” من فضلك .. حضرته جلس على طاولتي دون موافقتي .. أخبره أن ينهض من طاولتي ويتجه الى طاولة اخرى ..”
تنحنح النادل مرددا بتردد :-
” في الحقيقة هذا الطاولة خاصة بأثير بك .. هو زبون دائم لدينا وهذه طاولته ..”
قاطعته تتسائل بغضب :-
” هل سجلتم الطاولة بإسمه ..؟!”
رد النادل بحرج :-
” يا هانم .. انا لا أرى مشكلة أن تشاركي أثير بك طاولتك .. يعني هو مشغول بعمله وانت ترتشفين مشروبك … ”
أضاف بلطف مفتعل :-
” كوني أكثر هدوئا يا هانم ولا داعي لإثارة مشاكل من اللا شيء ..”
تأملته وهو يبتعد عنها بعدم تصديق لتعاود النظر الى أثير بحقد فترى فمه يلتوي بإبتسامة خبيثة وهو ما زال مسلطا عينيه فوق حاسوبه لتتراجع الى الخلف بأعصاب مشدودة بعدما عقدت ذراعيها أمام صوتها بقوة فيهمس بينه وبين نفسه :-
” ويلومونني لإنني لا أحب الشقراوات …”
” ماذا قلت ..؟!”
سألته بحزم وقد شعرت إنه يتحدث مع نفسه عنها فرد ببرود دون أن يرفع وجهه عن حاسوبه ويضع عينيه في عينيها :-
” أتحدث مع نفسي بأمر خاص بي تماما .. لا تتدخلي أنتِ ”
أكمل بعدما رفع عينيه نحوها أخيرا :-
” برأيي إن مكياجك بحاجة الى التعديل .. آثار البكاء خربته قليلا خاصة كحل عينيكِ ..”
اتسعت عيناها بعدم تصديق مما تسمعه فهو تجاهل كل شيء وغضبها الحارق منه وتحدث عن كحل عينيها ومكياجها ..!!
همست بإنفعال مكتوم :-
” انت حقا مستفز ..”
رد بإبتسامة متكفلة :-
” وانت جميلة .. ”
تجمدت ملامحها ليضيف شارحا :-
” لا تفهميني بشكل خاطئ ولا تشكي بنواياي من فضلك .. انا أساسا لا أحب الشقراوات ولكنني أعترف بالجمال وأقدره .. انت رغم كون وجهك الكئيب ورغم شخصيتك النكدية جميلة حقا .. حتى إن جمالك يذكرني بأميرات ديزني .. سندريلا مثلا ..”
” وجهي الكئيب وشخصيتي النكدية …”
رددتتها بعدم استيعاب ليهتف بجدية :-
” الآن تركتِ كل ما ذكرته عن جمالك وتشبيهك بسندريلا وركزتِ مع هاتين الكلمتين …”
” هل أخبرك أحدهم من قبل إنك شخص فظ لا تجيد التحدث بلياقة ..؟!”
سألته من بين أسنانها ليرد بتكلف :-
” اذا كنت تعتبرين صراحتي فظاظة فأنت حرة ..”
هتفت بحنق :-
” هذه وقاحة وليست صراحة ..”
ابتسم لها بخفة وهو يحمل كوبه يرتشف منه مجددا لتشعر برغبة شديدة بتفريغ كل آلامها وغضبها اليوم فوق رأسه ..
تأملت رنين هاتفها فحملته وهي تجد رقما غريبا يتصل بها ..
ردت تتسائل :-
” تفضل .. من معي ..؟!”
جاءها صوته الرجولي الرخيم :-
” انا زاهر يا ليلى .. ”
قالت بإرتباك غريب :-
” آه زاهر … اهلا وسهلا ..”
جاءها صوته الهادئ يرد تحيتها ثم يتسائل :-
” في الحقيقة وددت أن أسألك .. هل يمكنني رؤيتك اليوم ..؟!”
ردت رغم ترددها :-
” نعم يمكن ..”
قال بسرعة :-
” إذا ما رأيك أن نلتقي على العشاء في احد المطاعم ..”
أرادت أن ترفض فلا مزاج لديها حقا للخروج لكنها شعرت بالخجل خاصة وهو يضيف :-
” سنقضي وقتا ممتعا وأيضا هناك الكثير مما أريد التحدث معك بشأنه ..”
قالت مرغمة :-
” حسنا كما تريد …”
قال بسرعة :-
” سأمر عليكِ في الفيلا في تمام الساعة التاسعة مساءا ..”
” سأنتظرك ..”
قالتها بجدية قبل أن تغلق الهاتف تتأمل ذلك الذي يجلس أمامها يعمل على حاسوبه بتركيز شديد فعادت تشعر بالغيظ منه لكنها تجاهلت ذلك مرغمة..
كان يجلس في مكتبه يتحدث مع جيلان يطمئن على أحوالها فتخبره إنها بخير والجميع يعتني بها منذ وصولها الى قصر العائلة البارحة …
أنهى اتصاله معها واسترخى في جلسته قليلا متذكرا حديثه مع ليلى التي لا تكف عن تصرفاتها تلك فهاهي تنهار مجددا بسبب مشاعرها الغبية متناسية إن هناك شركة ضخمة تنهار تدريجيا وبحاجة لإنقاذ سريع منها رغم وثوقه إنها لا تستطيع أن تفعل شيئا فمهما حاولت ستنهار الشركة لا محالة ..!!
انتبه على طرقات على باب مكتبه يتبعها دخول السكرتيرة التي تنحنحت قائلة :-
” مريم سليمان في الخارج .. تريد مقابلتك ..”
تغضن جبينه بإستغراب من قدومها اليوم تحديدا رغم إنه كان ينتظر قدومها بل واثقا منه لكنه لم يتوقع أن تأتي بهذه السرعة ..
” عشر دقائق وتدخل .. لدي اتصالات مهمة أريد إنهائها أولا ..”
قالها بصرامة لتهز السكرتيرة رأسها برسمية وتخرج فيعاود الاسترخاء في جلسته مرددا بإبتسامة متلذذة :-
” وها قد بدأنا اول خطوة رسميا في المشوار يا مريوم .. اليوم أتيتِ بنفسك كما كنت واثقا لكنكِ أتيتِ مبكرا عما توقعت ..”
تنفس بقوة ثم قال وهو يبتسم بإنتصار :-
” كل شيء يسير كما أخطط له منذ اول يوم .. ولم يتبقَ سوى القليل .. القليل جدا وينتهي كل شيء وأنال ما أريده كاملا …”
عاد برأسه الى الخلف مغمضا عينيه عندما فتحها بعد دقائق عندما سمع صوت الباب يفتح يتبعه دخول مريم بملامح جامدة …
أغلقت الباب وتقدمت نحوه ترتدي ملابس رسمية قليلا لا تشبه ملابسها الشبابية المعتادة حيث بنطال جينز ازرق طويل فوقه سترة سوداء أسفلها قميص من الشيفون الأبيض ..
شعرها الأشقر الطويل منسدل على جانبي وجهها الذي تزينه مستحضرات التجميل بعناية …
رائحة عطرها القوية إقتحمت أنفه لا إراديا فإرتفعت نسبة الأدرينالين داخل جسده بقوة ..
تأملها بتفحص وهي تسير نحوه بخطوات مترفعة قبل أن تلقي التحية بخفوت ثم تجلس على الكرسي المقابل له واضعة قدما فوق الأخرى بعدما وضعت حقيبتها السوداء الصغيرة على الطاولة أمامها ..
” زيارة مفاجئة إذا ..”
قالها بهدوء لا يخلو من السخرية لترد وهي ما زالت ترتدي قناع الجمود :-
” هناك حديث بيننا لم ننتهِ منه على ما أظن ..”
رد ببديهية :-
” أنا قلت ما عندي .. القادم يخصك …”
أضاف موضحا :-
” القرار لكِ .. “
” انت تطلب مني شيء تعجيزي ..”
قالتها بجدية وقد بدأ الجمود يختفي من فوق ملامحها والغضب ملأ عينيها ..
رد بهدوء ولا مبالاة :-
” أين التعجيز فيما أطلبه ..؟! هل الزواج مني أصبح طلبا تعجيزيا ..؟!”
ردت بحنق :-
” لا تتغابى الآن .. أنت تدرك جيدا ما أعنيه ..”
همس بحزم وقد بدت ملامحه صارمة بشكل مخيف :-
” إضبطي لسانك يا مريم ولا تتجاوزي حدودك معي .. ”
قالت بصوت قوي متجاهلة نبرته المغلفة بالقسوة وتهديده :-
” انت طليق أختي .. كيف سأتزوجك ..؟! ماذا سيقول الناس عني ..؟! وماذا سيقولون أنت عنك أيضا ..؟! ”
أضافت بجدية :-
” الناس لن يرحمونا .. لا أحد سيرحمنا وانا لن أتحمل نظراتهم وأحاديثهم وإتهاماتهم … ”
” وانا لا يهمني الناس بكل أحاديثهم ونظراتهم وإتهاماتهم ..”
قالها بعدم إهتمام لتصيح بحنق :-
” لكنني أهتم وأبالي بكل هذا .. يهمني منظري أمام الجميع ومنظر عائلتي أيضا ..؟! ماذا سيكون موقف عائلتي عندما أتزوج بطليق أختي ..؟! ماذا سيكون موقف ليلى مثلا ..؟! كيف سنبرر الناس … ؟! انا وليلى لسنا مثلك انت ونديم كي يستوعب الناس كيفية زواجك من خطيبة أخيك فالجميع يعلم بعداوتكما وخلافاتكما بل قطيعتكما ومع هذا تحدثوا وكثيرا أيضا ..”
” إذا أنتِ ترفضين طلبي لهذا السبب ..؟! بسبب كلام الناس وما سيقولونه عنك وموقف عائلتك ومظهرهم الإجتماعي ..؟!”
سألها فجأة بهدوء لترد وهي تبتلع ريقها :-
” بالطبع ..”
” وانا لدي الحل المناسب لهذا ..”
قالها وهو يبتسم ببرود لتسأله بإضطراب :-
” حل ..؟! أي حل ..؟!”
أجاب وإبتسامته تتسع ببطأ :-
” نتزوج سرا … ”
صاحت بعدم إستيعاب :-
” ماذا تقول انت ..؟!”
رد موضحا :-
” اهدئي اولا .. زواج سري لكن شرعي وفي المحكمة …”
” ومالذي يجعلني أقبل بوضع كهذا ..؟!”
سألته بحنق ليرد ببرود :-
” موقف أختك الخالي ودخولها السجن لا محالة إذا لم تتزوجِ بي ..”
” أنت أكثر شخص إستغلالي رأيته في حياتي .. كيف يمكنك أن تبتزني بهذه الطريقة ..؟!”
ضحك مرغما ثم قال :-
” أنتِ تتحدثين مع عمار الخولي يا مريوم .. ألم تستوعبي بعد من هو عمار الخولي ..؟!”
هتفت من بين أسنانها :-
” بلى إستوعبت .. للأسف إستوعبت منذ مدة طويلة .. إستوعبت إنني وقعت بين براثن ذئب حقير .. مسخ بشع لا يطاق ..”
ضرب بكفيه على سطح مكتبه بقوة صائحا بتحذير عصبي :-
” الزمي حدودك يا مريم ولا تتجاوزيها .. لا تجعليني أتصرف معكِ بطريقة لا تعجبكِ … ما زلت مراعيا لوضعكِ وما تمرين به ..”
” يا لك من شخص مراعي حقا …”
رددتها بتهكم قبل أن تضيف بجدية :-
” ما تطلبه مستحيل يا عمار .. انا لا يمكنني الزواج سرا منك .. انا ابنة عائلة محترمة و..”
قاطعها بضيق :-
” هذا ما يناسب وضعك .. انت لا تريدين أن تتأثري أو يتأثر أيا من أفراد عائلتك بزيجتنا لذا دعينا نتزوج سرا ونحافظ على مظهر عائلتك المصون كما تريدين …”
قالت بغضب :-
” هل تظن إن الأمر يتوقف هنا حقا ..؟! ماذا عني ..؟! ماذا عن مشاعري ..؟! انت تعلم إنني لا أحبك .. بل أكرهك .. انت لو تعلم كيف أراك بعيني ما كنت لتطلب شيئا كهذا ..”
رد بقوة وهو ينظر مباشرة داخل عينيها :-
” لا يهمني كيف تريني يا مريم .. لا يهمني كل هذا .. أما مشاعرك فأنا أعلم جيدا كيف أجعلكِ تعشقينني حد الموت ولا ترين سواي ..”
” انت مجنون .. لو كنت أخر رجل في هذا الكون فلا يمكنني أن أحبك أو أتقبلك حتى ..”
قالتها وهي تنهض من مكانها تناظره بتحدي ليرد بتحدي أكبر :
” هل تراهنين ..؟!”
تأملت ملامحه الباردة المستفزة لتهمس بغضب مكتوم :-
” ألم أقل إنك مجنون بل مريض أيضا ..”
حملت حقيبتها واندفعت خارج المكان بغضب تاركة إياه يضحك بقوة مرددا مع نفسه :-
” سنرى يا مريم كم سوف تستمرين في مقاومتك الغبية لي ..”
…………………………………………………….
كانت تتحدث مع احدى الموظفات بشأن احدى التقنيات الجديدة التي ستتبعها في نظام الشركة عندما سمعت طرقات على بال غرفتها يتبعها دخوله بملامح رغم هدوئها تحمل نوعا من الغضب خاصة داخل عينيه البنيتين ..
أشارت الى الموظفة بجدية :-
” اذهبي أنتِ الآن يا سمر .. سنكمل حديثنا فيما بعد ..”
هزت الموظفة رأسها بتفهم وخرجت بينما عقدت هي ذراعيها أمام صدرها تسأله بغضب مكتوم :-
” كيف تدخل الى مكتبي دون إستئذان ..؟! أساسا كيف تجاوزت سكرتيرتي ودخلت ..؟!”
رد ببرود :-
” ربما لإن سكرتيرتك ليست موجودة أساسا ..”
أضاف وهو يتأملها عن كثب :-
” مرت عدة أيام الى آخر لقاء جمعنا .. نحن بحاجة أن نتحدث سويا ..”
أضاف بهيمنة :-
” سنذهب الى احد المطاعم القريبة فهنا المكان غير مناسب لتبادل الأحاديث ..”
أكمل بصوت آمر وهو يتحرك أمامها نحو الباب مجددا :-
“اتبعيني ..”
” توقف لحظة …”
التفت لها بنظرات متسائلة لتجيبه بثبات :-
” انا لا أحب هذه الطريقة …”
أضافت تحرك يدها أمامه :-
” طريقة إلقاء الأوامر …”
أكملت ببرود :-
” انا لم أتلقَ الأوامر يوما من أحد وانت لن تكون إستثناء لذلك بالطبع ..”
” المعنى ..؟!”
سألها بغضب مكتوم لتجيب بترفع :-
” المعنى هو ، إما أن تطلب مني بكل لياقة أن أرافقك وحينها سأفكر إذا سأقبل طلبك أو أرفضه أو تتفضل وتغادر المكان فورا لإن بطريقتك هذه لن أتحرك معك خطوة واحدة …”
كز على أسنانه بغيظ وطريقتها وعجرفتها التي ظهرت بقوة إستفزته .. حاول أن يسيطر على غضبه الذي لا يجب أن يظهر أمامها الآن فينفرها منه …
أخذ نفسا عميقا ثم قال من بين أسنانه مرغما :-
” هل يمكنكِ أن ترافقيني الى احد المطاعم القريبة لنتحدث سويا …؟!”
هتفت ببرود :-
” هذه الطريقة المناسبة يا فراس بك .. انت تحتاج أن تتعلم كيف تتحدث مع النساء عموما وخاصة النساء أمثالي ..”
رمقها بنظرات حانقة جاهد لإخفائها وهو يسأل مجددا :-
” إذا ما جوابك ..؟!”
ردت وهي تتجه نحو المكتب تحمل حقيبتها :-
” سآتي معك .. نحن بالفعل نحتاج الى التحدث …”
سارت أمامه بخطواتها الأنثوية الأنيقة يتبعها وفي داخله غضب متفاقم قرر السيطرة عليه الآن فهو يريد أن ينالها بأي شكل وعليه يجب أن يتحكم بأعصابه جيدا كي لا يتسبب بأي شيء يبعدها عنه ..
بعد مدة جلسا على احدى الطاولات في احد المطاعم عندما تقدم النادل يضع أماميهما الماء البارد …
هتف بعدما إبتعد النادل :-
” مبارك زواج أخيكِ …”
أضاف بإبتسامة لم تصل الى عينيه :-
” مع إنني كنت أنتظر دعوة منك لحفل الزفاف ..”
ردت متجاهلة جملته الثانية :-
” شكرا .. العقبى لك ..”
صحح لها عن قصد :-
” العقبى لنا ..”
أضافت يدعي التساؤل :-
” أليس من المفترض بعد زواج أخيكِ أن يأتي دورنا …؟!”
ردت بجمود :-
” لا تكن واثقا الى هذا الحد يا فراس .. انا لم أوافق بعد أساسا …”
” أيام طويلة وأنا أنتظر موافقتك يا غالية ولا أفهم حتى الآن متى ستمنحيني تلك الموافقة ..؟!”
ظهر القليل من الغضب في نبرته فردت بنفس البرود :-
” لو فقط تكف قليلا عن ثقتك المفرطة إنني سأوافق .. ”
” ولمَ سترفضين ..؟!”
قالها بسرعة لتسأله بحنق :-
” ماذا يعني هذا ..؟! من الطبيعي أن أرفض مثلما من الطبيعي أن أقبل …”
رد بجدية :-
” لكل شيء سبب محدد .. وبرأيي لا يوجد سبب يجعلك ترفضين .. لمَ ترفضين إذا ..؟!”
سألته بدورها وهي تجاهد للحفاظ على برودها :-
” ولم سأوافق برأيك ..؟! ما السبب الذي يجعلني أقبل بك …؟! ”
أكملت عن قصد :-
” يكفي وجود ابنك .. وجوده فقط أكبر سبب يدفعني للرفض … ”
هتف بتحذير :-
” ابني بالذات لا تتحدثي عنه بهذا الشكل يا غالية ..”
ردت بقوة :-
” لم أقل شيئا خاطئا لكنني لا يمكنني أن أوافق على هذه الزيجة بوجود ابنك معنا بعد تصرفاته الأخيرة .. ليست هذه الحياة التي أريدها وأسعى إليها …”
” اخرجي تميم من الموضوع نهائيا .. تميم مسؤولية والدتي أساسا ومسؤوليتي وانت لن يكون لكِ علاقة به فلا تخلقي حججا لا أساس لها كي ترفضي .. ”
قاطعته بجدية :-
” انا لا أخلق حججا يا فراس .. أنا أتحدث بواقعية .. لماذا لا يعيش الطفل مع أمه ونحن نعيش بهدوء .. ؟!”
” أخبرتك إن هذا الأمر منتهي بالنسبة لي ..”
قالها بقوة لتضيف :-
” ولكن هذا الأفضل لنا جميعا .. أفضل لتميم نفسه ..”
” اسمعيني يا غالية .. لا تدخلي تميم بيننا .. واذا كان وجوده يزعجك فنحن سوف نسكن في فيلا مجاورة لفيلا عائلتي وهو سيظل مع والدتي …”
” يا له من حل مثالي .. سنحرم الطفل من والدته ووالده أيضا ..”
قالتها بتهكم ليرد بجمود :-
” انا لن أحرم ابني مني .. أنا أحاول الوصول لحل يناسبك … وفي نفس الوقت أكون متواجدا دائما جانب ولدي ..”
” ألهذه الدرجة تريد موافقتي يا فراس …؟!”
سألته وهي تضحك بعدم تصديق ليهتف بجدية وعينيه الحادتين تتأملان وجهها بعزيمة :-
” أريد موافقتك كثيرا يا غالية بل إنها كل ما أسعى إليه قي الوقت الحالي ..”
كان حصار عينيه والإصرار داخلها مسببا لشعور غريب بالخوف داخلها فمنحته إبتسامة جامدة لم تصل الى عينيها قبل أن يتقدم النادل ليدون طلباتهما فتجدها فرصة لإنهاء الحوار الذي شعرت به غريبا وغير مريحا لها أبدا …
………………………………………………………….
كان يقف مستندا على سيارته المركونة في الشارع الأمامي للفندق الذي تمكث به يجري اتصالا بها عندما سمع صوتها الناعس يأتيه بعد لحظات :-
” صباح الخير ..”
رد وهو ينظر الى ساعة يده التي تجاوزت الثانية عشر ظهرا :-
” قولي مساء الخير يا نانسي .. انظري الى الساعة .. لقد تجاوزت الثانية عشر ظهرا ..”
ردت بصوت ما زال ناعسا :-
” لم أنتبه على الوقت .. ماذا هناك ..؟! هل حدث شيء مهم لتتصل بي ..؟!”
أجاب بسرعة :-
” أنا أقف أمام الفندق بجانب سيارتي .. أنتظرك ..”
سألت بتعجب :-
” لماذا تنتظرني ..؟!”
رد بسخرية :-
” لكي أتأمل واجهة الفندق الجميلة .. بالطبع لأتحدث معك .. هيا أمامك عشر دقائق وتكونين عندي .. انا على الشارع المقابل لواجهة الفندق ..”
” حسنا .. سآتي …”
قالتها بتذمر خفي وهي تشعر برغبة شديدة في العودة الى النوم ليهمس بجدية :-
” لا تتأخري يا نانسي من فضلك ..”
ردت بخفوت :-
” لن اتأخر .. لا تقلق ..”
وقف ينتظرها فمرت العشر دقائق دون أن تظهر .. انتظر خمس دقائق أخرى ولم تظهر نانسي فإتصل بها ليجدها ترفض المكالمة ..
تأفف بحنق يتأمل الساعة وقد مرت خمسة وعشرون دقيقة على مكالمتهما ولم تنزل بعد ..
بعد مرور ثلاثين دقيقة واتصالات متكررة قوبلت بالرفض جلس داخل سيارته حانقا غاضبا بعدما صعقته الشمس بشدة ..
نظر الى الساعة التي تجاوزت الاربعين دقيقة بعد المكالمة عندما لمحها تخرج من بوابة الفندق الأمامية بطلتها الأنيقة كالعادة تتهادى بمشيتها نحو الجهة الأخرى من الشارع حيث فتح النافذة وأشار لها بيده وهو يلعن برودها ولا مبالتها …
حيته بكفها وهي تتقدم نحوه بخطوات بطيئة مثيرة للحنق عندما اتجهت نحو الجهة الأخرى من السيارة وركبت جانبه ليهتف بحنق :-
” اربعون دقيقة يا نانسي .. على أساس إتفقنا على عشر دقائق ..”
” مساء الخير ..”
قالتها بهدوء قبل أن تضيف :-
” أساسا بالكاد إستطعت تجهيز نفسي خلال هذه الأربعين دقيقة .. ما بين شاور سريع وتغيير ملابسي وتحفيف شعري والمكياج …”
” وما ذنبي أنا يا نانسي ..؟! ما ذنبي أنا لتتركيني أربعين دقيقة أنتظرك هنا ..؟!”
قالها بغضب مكتوم لترد وهي تمط شفتيها بعفوية :-
” كان عليك أن تخبرني قبل مجيئك لا أن تتصل بي وتطلب مني الهبوط إليك بعد وصولك ..”
ردد من بين أسنانه :-
” نعم .. انا المخطئ بالفعل ..”
شغل سيارته وحرك المقود متجها الى احد المقاهي القريبة عندما سألته بإهتمام :-
” إلى أين سنذهب ..؟!”
رد وعيناه مسلطتان على الطريق :-
” سنذهب الى مكان مناسب لنتحدث قليلا …”
التزمت الصمت عندما وجدته يركن سيارته أمام احد المقاهي الشهيرة في المنطقة بعد دقائق ..
هبطا من السيارة واتجها الى داخل المقهى حيث جلسا على احدى الطاولات المعزولة قبل أن يشير صلاح الى النادل الذي جاء يدون طلباتهما ..
بعدما دون طلباتهما النادل وغادر هتف صلاح بجدية وهو ينظر إليها :-
” كان يجب أن نلتقي اليوم .. هناك حديث مهم بيننا …”
قاطعته تتسائل :-
” أي حديث بالضبط ..؟! أظن إن هناك موضوع واحد يجمعنا ولا أظن إنك إتخذت قرارك فيه خلال اقل من يومين ..”
” ولكنني فعلت ..”
قالها بجدية لتتوتر ملامحها فيضيف بقوة :-
” سأتزوجك يا نانسي .. سوف أصحح خطئي …”
قاطعته بصدق :-
” انت لست مجبرا يا صلاح .. الخطأ كان خطئي أيضا …”
رد بسرعة :-
” خطأنا نحن الإثنان .. أنا أتحمل جزءا من مسؤولية ما حدث مثلك تماما بل ربما أتحمل الجزء الأكبر .. ما حدث بيننا أمر واقع لا مفر منه ..”
اخذ نفسا عميقا ثم اضاف :-
” انظري انا شاب عابث .. متعدد العلاقات وأعرف الكثير من الفتيات .. انتِ مختلفة .. رغم كل شيء أعلم إنكِ لست من هذا النوع ..”
ترقرت الدموع داخل عينيها ليضيف :-
” انتِ لستِ كذلك لذا لا يمكنني تجاهل ما حدث والتعامل معه كأمر طبيعي .. نحن سنتزوج .. لفترة محددة وبعدها ننفصل وحينها ستعيشين حياتك كما تريدين ولن يكون هناك اي مشكلة لديك وربما بعدها تجدين الرجل المناسب الذي يحبك وتحبينه …”
همست بدموع حبيسة وصوت متحشرج :-
” انا حقا لا أعرف ما يجب أن أقوله لك .. أنا أشكرك حقا .. صلاح انت ..”
قاطعها بجدية :-
” انا تصرفت بما تمليه علي رجولتي يا نانسي … انا لا يمكنني ترككِ هكذا .. هذا ليس من شيمي أبدا ..”
أضاف وهو يمد احد المناديل لها :-
” امسحي دموعك من فضلك ..”
مسحت دموعها بطرف المنديل عندما أكمل بجدية :-
” برأيي أن نتزوج في اقرب وقت .. يعني لننهي الموضوع بسرعة ..”
وضعت المنديل جانبا وسألته بعدما أخذت نفسا عميقا :-
” متى يعني ..؟!”
رد بجدية :
” أعطني مدة اسبوعين أكون خلالها مهدت الموضوع لعائلتي ..”
سألته بقلق :-
” هل يمكن أن يرفضونني …”
قاطعها بسرعة :-
” كلا يا نانسي .. الأمر ليس كذلك ولا يتعلق بك إطلاقا .. لكن والدتي وأخي بل الجميع يعرفون إنني ضد مبدأ الزواج ولا أحب القيود لذا لا يمكنني أن أخبرهم فورا إنني سأتزوج .. يجب أن أخبرهم بقراري بطريقة مناسبة ومقنعة كي لا يشكوا بشيء ..”
هزت رأسها بتفهم ثم قالت بصوت مبحوح :-
” وانا يجب أن أفعل نفس الشيء مع إنني لا أريد العودة الى المنزل ..”
قال بجدية :-
” يجب أن تعودي يا نانسي … انا سأتقدم لخطبتك ومن البديهي أن أخطبك من والدتك وعمك في منزلك ..”
” أشعر بالإختناق من مجرد فكرة العودة ..”
همست بها بخفوت ليهتف بجدية :-
” حسنا أتفهمك .. لا تعودي الآن .. يمكنك العودة قبل يومين ثلاثة لكن يجب أن تخبريهم بالأمر قبل ذلك كي لا تصيبهم الدهشة …”
اومأت برأسها موافقة فأضاف بجدية :-
” ومن رأيي أن تتركي الفندق يا نانسي .. اذهبي الى منزل عمك على الأقل .. سيكون ذلك أفضل من بقائك في الفندق ..”
” لا أريد .. إذا سأخرج من الفندق فسأعود الى منزل والدي .. أساسا ماما أعادت تشغيل بطاقتي المصرفية … ”
هز رأسه رغم عدم اقتناعه بما تفعله لكنها تبدو مصرة على بقائها في هذا الفندق ..
تقدم النادل نحويهما يضع طلباتهما أمامهما ثم ابتعد ليسحب صلاح فنجان قهوته ويرتشف منه مفكرا لا إراديا بالطريقة المناسبة التي سيخبر بها والدته وأخيه بقرار زواجه المفاجئ بل الصادم لكليهما ..
…………………………………………………………
دلفت الى داخل الشقة لتجده جالسا أمام التلفاز يتابع إحدى المباريات بإهتمام ..
تقدمت نحوه ليتأملها بطلتها الأنثوية شديدة الأناقة وشعرها المصفف بعناية فيسألها وهو يفسح المجال لها لتجلس جانبه :-
” أين كنتِ ..؟!”
ردت وهي تخلع حذائها ذو الكعب العالي وترميه فوق أرضية المكان بإهمال :-
” كنت في صالون التجميل ..”
اضافت وهي ترفع قدميها على الكنبة وتمرر أناملها بين خصلات شعرها بقصته المختلفة قليلا :-
” هل أعجبتك تسريحة شعري الجديدة ..؟!”
رد بجدية :-
” جميلة ..”
عاد يتأمل المباراة بإهتمام لتسأله :-
” هل سنبقى اليوم في الشقة ..؟!”
سألها بدوره دون أن يرفع عينيه من فوق التلفاز :-
” وهل من المفترض أن نفعل شيئا آخر ..؟!”
أجابت وهي تحتضن ذراعه بذراعها :-
” كنت أخطط لسهرة في الخارج .. في احد النوادي الليلية الراقية ..”
رد بجدية :-
” لا مزاج لدي يا تقى .. أجلي تلك السهرة فيما بعد ..”
سألته بقلق :-
” ماذا هناك ..؟! مزاجك يبدو متعكرا اليوم ..”
رد بسرعة :-
” لا شيء مهم ..”
أضاف وهو يلتفت نحوها :-
” فقط هناك بعض التغييرات التي ستطرأ على حياتي بعدما حدث ..”
” ماذا تقصد ..؟! أي تغييرات تلك ..؟! ”
سألته بإستنفار ليرد موضحا :-
” جيلان علمت بأمر الزيجة وبالتالي سنعلن خبر زواجنا للعائلة في أقرب وقت وفي نفس الوقت سأضطر الى التواجد في القصر بكثرة فهي بعدما علمت بزواجها باتت مسؤولة مني أنا أكثر من أي أحد ..”
سألته بإنفعال خفيف :-
” يعني ستتركني وتبقى معها ..؟!”
أجاب بهدوء :-
” لم أقل هذا .. لكنني لن أتواجد دائما هنا ..”
صاحت بحنق :-
” على أساس إنه زواج على الورق …؟!”
“وهو كذلك بالفعل ..”
قالها ببديهية لتهمس بتجهم :-
” طالما مجرد زيجة على الورق ، فما الداعي لوجودك هناك معها ..؟! ”
هتف بجدية :-
” لإن لا أحد يعلم بهذا الأمر سواي انا وأخيها وراغب وهي بالطبع ..”
ضحكت مرغمة وهي تردد :-
” بالله عليك ، هل انت مقتنع بما تتفوه به ..؟! ماذا يعني زواج على الورق بعلمك انت وثلاثة آخرين فقط ..؟! ثانيا انا لا أفهم ، كيف ستشرحون فكرة زواجك من ابنة عمك القاصر أمام أفراد العائلة ..؟! كيف سيقتنعون بهذا القرار ..؟!”
رد ببرود :-
” هذه مسؤولية راغب وليست مسؤوليتي ..”
قالت بضيق :-
” انت يجب أن تفهم ما يحدث بالضبط يا مهند .. ليس كل شيء راغب .. لماذا تثق براغب لهذه الدرجة ..؟! ألا تخشى أن يكون هناك ملعوب خلف هذا او مخطط ما ..؟!”
قال بضجر :-
” يكفي ، مالذي تقولينه ..؟! أخي لن يفعل بي شيئا كهذا ..؟! هذا أخي ولا تنسي ذلك ومهما حدث بيننا نظل أخوة …”
” لا يوجد منطق كهذا .. راغب يفعل أي شيء لتفريقنا .. هو فقط يريد إبعادك عني بأي طريقة ..”
قالتها بعصبية ليهتف بضيق شديد :-
” حسنا يكفي ، انت تتوهمين الكثير من الاشياء ..”
” إذا ، هل يمكن أن تفسر لي سبب عودتك الى الإقامة في القصر ..؟! اقتراح من هذا ..؟! وما الداعي لهذا الإقتراح أساسا ..؟!”
سألته بقوة ليرد بنفاذ صبر :-
” افهمي مرة واحدة ما يحدث ولا تفسري كل شيء على مزاجك … انا زوج جيلان رسميا وامام الجميع وبالتالي وجودي خارج القصر دائما سيكون غير منطقيا ومحل للشبهات امام الجميع وأولهم والدتي وأختي ..”
أكمل :-
” تلك الفتاة بطريقة او بأخرى مسؤولة مني …”
قالها بقوة وهو يضيف :-
” ولا تنسي إنها ابنة عمي … ولا داعي أن أخبرك عن قيمة بنات العائلة لدينا جميعا وليس لدى راغب فقط او أبي ..”
صاحت بحنق :-
” يكفي ، لا داعي أن تذكرني كل دقيقه بهذا … فهمت إنها أصبحت مسؤوليتك .. وتحت رعايتك واللعنة زوجتك أيضا ..”
” يكفي يا تقى .. أقسم بالله لم أعد أتحمل ما تفعلينه ..”
قالها بنفاذ صبر وهو يفكك أزرار قميصه بعدما نهض من مكانه لتتقدم نحوه تصرخ بعصبية :-
” لم تعد تتحمل أليس كذلك ..؟! ها قد بدئت يا مهند .. بدأ يحدث ما كنت أخشى منه .. بعد فترة ستقول إنك مللت وتنسحب تدريجيا ثم تتركني بعد كل ما حدث بيننا ..”
صاح بغضب مخيف وهو يقف في وجهها :-
” يكفي ، لا يمكنني تحمل هذا الجنون بعد الآن .. أنت من تجبريني على التفوه بأشياء لا أرغب بقولها .. تصرفاتك تجبرني على ذلك .. انا مللت يا تقى .. مللت من كل شيء …”
جذبته من قميصه تقبله على شفتيه بقوة قبل ان تبتعد عنه مرددة بقوة :-
” انت لن تمل مني مهما حدث يا مهند .. انت تحبني .. لا بل تعشقني … لا يمكن أن تمل مني يوما ..”
مسح شفتيه بأطراف أنامله وهو يردد بضيق :-
” كل شيء وله نهاية .. حتى العشق ينتهي يوما اذا كان عشقا كالذي بيننا ..”
” ماذا تقصد ..؟!”
سألته بصوت مرتجف ليرد بلا مبالاة :-
” قصدي واضحا .. انا لن أتحمل طريقتك هذه أكثر .. إما أن تتغيري او ..”
توقف عن حديثه لتصرخ بعصبية :-
” او تتركني ، أليس كذلك ..؟! لماذا لا تقولها ..؟! الآن أصبحت تهدد بتركي وهذا ما كنت أخشاه .. أنت تغيرت منذ أن تزوجت بتلك اللعينة ..”
” ماذا جرى لك ..؟؟ أخبرتك إن ما تفكرين به لن يحدث .. تلك الفتاة مجرد زوجة مؤقته .. لماذا لا تفهمين ..؟!”
” انت كاذب .. اللعنة عليك ..”
قالتها بنبرة مجنونة قبل أن تضيف وهي تواجهه بقوة :-
” تلك الفتاة ستخرج من حياتك فورا .. ستطلقها .. لا أريدها بيننا بعد الآن .. لا أريدها مهما حدث .. ستطلقها حتى لو بقينا على وضعنا هذا دون دعم أخيك …”
” هل جننت ..؟! هل تظنين الأمر بهذه السهولة ..؟! أتزوجها وأطلقها متى ما أردت ..”
” نعم ستفعل .. وإن لم تطلقها سأتركك …”
قالتها ببرود ليهتف بجمود :-
” أعيدي ما قلته ..!!”
ردت بإصرار :-
” الآن عليك أن تختار .. إما أنا او إبنة عمك تلك..!!”
لحظات قليلة وانطلقت ضحكاته عالية لتنظر إليه بملامح متحفزة مجنونة ..
توقف عن ضحكاته أخيرا لتظهر اللمحة الشيطانية بقوة على ملامحه :-
” مهند الهاشمي لا ُيخير يا تقى وانتِ تدركين ذلك جيدا .. للأسف تعجلتِ بتصرفاتك وكتبت سطور نهايتك بيدك ..”
” ماذا تعني ..؟!”
سألته بصوت مرتجف ليتقدم نحوها يقبض على ذراعها بقسوة مرددا بحدة وعينين مشتعلتين :-
” هل تظنين إنني سأهتم بتهديداتك السخيفة ..؟! او ربما تعتقدين أن أتوسلك كي لا تتركني ..؟! أو أتراجع عن الكلمة التي منحتها لأخي وأنهي زواجي من ابنة عمي لأجلك ..؟! أفيقي يا تقى … انتِ تعلمين من أنا وتدركين طبيعتي جيدا وإنني وقت الجد لا يهمني أي أحد .. لذا انا لن أختار أساسا لإنني آخر شخص يقبل أن يوضع بين خيارين .. طالما الحياة الجديدة لا تعجبك فلتذهبي الى الجحيم ..”
دفعها بقسوة لتسقط على الكنبة بإنهيار فيضيف ببرود :-
” ابقي هنا في شقتي حتى تجدي مكانا آخرا تعيشين به .. إياكِ أن تعبثي بأغراضي يا تقى …”
ثم اندفع خارج الشقة بعدما حمل هاتفه ومفاتيح سيارته لتبكي منهارة بسبب تصرفاتها الحمقاء وتخليه عنها بهذه السهولة رغم إنها تدرك إنها أخطأت بتصرفها فهي أكثر من يعرف مهند الهاشمي وغروره وإعتداده بنفسه لذا لم يكن عليها أن تتحدث هكذا أبدا..!
…………………………………………………………
كانت تجلس داخل جناحها ترسم بإهتمام وتدقيق وكل حواسها ترتكز في تلك اللحظة على تلك الرسمة ..
منذ أن عادت الى القصر البارحة وهناك شعور غريب تولد داخلها .. شعور يجمع بين الأمل والقليل من الفرح ..
لقد إستقبلها الجميع بحفاوة … شعرت بأمومة زهرة وحنان همسة .. اهتمام أبناء عموما راغب وراجي واللذين شعرت بهما أخوين لها الى جانب عمار … استقبال فيصل المذهل والمفاجئة التي أعدها لها حيث جهز لها صالة الإستقبال يملؤها بالزهور التي تحبها والبالونات وتوليب التي عانقتها بأخوة شديدة وقد شاركت فيصل في تجهيزاته ..
الجميع جلب الهدايا لها حتى سيف ونزار إشتريا لها دمية جميلة أحبتها كثيرا وإحتفظت بجميع الهدايا في خزانتها وتحديدا في دلك الصندوق الضخم الذي يحوي أشياء مهمة بالنسبة لها وتلك الهدايا منحتها شعورت قيما لا يضاهيه شعور ..!!
توقفت عما تفعله وهي تنتبه الى تلك الطرقات على باب جناحها فنهضت من مكانها بعدما ارتدت خفها البيتي فوجدت السيدة حليمة مدبرة المنزل تبتسم لها بحنو تخبرها عن موعد العشاء بعد ربع ساعة من الآن ..
عادت الى الداخل وقررت تغيير بيجامتها الى فستان صيفي قصير يصل الى ركبتها بسيط يناسب عمرها وارتدت حذائا مسطحا بنفس لون الفستان ..
رفعت شعرها من أحد الجوانب ثم وضعت عطرها برائحة الفراولة ثم خرجت من جناحها وهبطت الى الطابق السفلي لتجد كلا من راجي وتوليب هناك وعمها عابد يترأس الطاولة بينما البقية لم يأتوا بعد ..
جلست على مقعدها بجانب توليب وهي تبتسم بهدوء بعدما ألقت التحية …!
لحظات ودلفت زهرة تلقي التحية تتبعها همسة حيث سألها عابد بإهتمام :-
” أين الأولاد يا همسة ..؟! ألن يتناولا الطعام معنا ..؟!”
ردت وهي تجلس في مقعدها المخصص لها :-
” ناما مبكرا اليوم بعدما عادا من درس السباحة .. كانا مجهدين وبحاجة الى النوم ..”
هز عابد رأسه بتفهم ثم عاد يسألها :-
” وأين زوجك ..؟!”
همت بالرد لكن صوت راغب قاطعها وهو يتقدم الى الداخل مرددا :-
” ها قد أتيت يا أبي ..كنت أنهي بعض المكالمات في المكتب ..”
جلس في مقعده بجانب والده على اليمين وجانبه كلا من همسة ثم راجي بينما على الجهة المقابلة تجلس زهرة وجانبها كلا من توليب ابنتها وجيلان ..
” أين فيصل ..؟! ألن يأتي على العشاء ..؟!”
سأل راجي بإهتمام ليرد راغب بجدية :-
” لا أعلم .. ربما سيتناول طعامه خارجا …”
تنحنت زهرة قائلة :-
” لقد اتصل بي وأخبرني إنه سيتناول العشاء مع أصدقائه في الخارج ..”
تبادل راغب وراجي النظرات بينهما قبل أن يرمقان والدتهما بنظرات ذات مغزى فهما يعلمان إن فيصل لم يخبرها بذلك لكنها تتحدث هكذا كي لا ينزعج والدهما من غيابه دون تبليغ مسبق ..
أشارت زهرة الى الخدم ليبدئوا في صب الطعام …
لحظات قليلة ودلف مهند الى المكان ملقيا التحية بهدوء ..
بالكاد سيطر الجميع على صدمتهم من قدومه وهم يردون تحيته ليشير راجي الى الكرسي جانبه قائلا :-
” تعال وشاركنا العشاء .. لقد أتيت في الوقت المناسب ..”
لكن مهند تجاهل حديثه وهو يتجه نحو الكرسي المجاور لجيلان حيث جلس عليه مرددا عن قصد :-
” هذا المكان يناسبني أكثر ..”
شعرت جيلان بجسدها يتخشب لا إراديا من جلوسه جانبها بينما تقدمت الخادمة تصب له طعامه فتبادل راغب النظرات المحذرة معه ليلوي مهند ثغره بإبتسامة باردة ويبدأ في تناول طعامه …
بالكاد تصنعت جيلان تناول طعامها عندما دلف فيصل مرددا بمرح :-
” تتناولون العشاء قبل وصولي أيها الخونة ..”
هتفت زهرة بسرعة تتدارك الأمر :-
” هل ألغيت موعدك مع أصدقائك يا حبيبي ..؟!”
كتم كلا من راجي وراغب ضحكاتهما بصعوبة بينما نظر لها عابد بنصف عين فهتف فيصل يجاريها وقد فهم سبب سؤالها :-
” آه نعم .. لقد تعذر أحد أصدقائي عن الحضور فألغينا الموعد كله ..”
أضاف وهو يتجه نحو المقعد ما بين توليب وجيلان وقد ربت على كتف مهند مرحبا به أثناء مروره :-
” انا جائع للغاية .. صبوا لي طعاما بسرعة ..”
هتف عابد من بين أسنانه :-
” اجلس وتناول طعامك يا حبيب والدتك ..”
منحه فيصل إبتسامة مصطنعة ثم بدأ يتناول طعامه بعدما صبت له الخادمة …
بعد دقائق معدودة نهضت جيلان تهتف بهم متظاهره بالثبات :-
” الحمد لله شبعت .. عن إذنكم …”
“لم تتناولِ سوى القليل يا جيلان ..!!”
قالتها زهرة بجدية لترد جيلان بسرعة :-
” كلا تناولت .. أنهيت طبقي كاملا ..”
نهض مهند بدوره بعدما مسح فمه بالمنديل :-
” وانا شبعت أيضا .. اسمحا لنا .. سنغادر الى جناحنا ..”
تبادل عابد وراغب النظرات قبل أن يمنحانه إثنينهما نظرات محذرة بينما تجمدت جيلان مكانها بعدم استيعاب قبل أن تسمع مهند يخبرها :-
” تفضلي أمامي …”
سارت بحركة آلية أمامه متجهة الى الجناح الذي تمكث به …
دلفت الى الجناح لتشعر به يدلف خلفها ويغلق باب الجناح ورائهما فشعرت بجسدها يرتجف بقوة ..
عانقت جسدها من خلال ذراعيها المعقودتين أمام صدرها عندما شعرت به يتقدم متخطيا إياها ليهوى بجسده على السرير بإرهاق …
لحظات ورفع بصره نحوها يسألها ببرود :-
” هل ستبقين واقفة هنا ..؟!”
سألته بتردد :-
” هل ستنام هنا ..؟!”
رد وهو ما زال ممددا بجسده الضخم على السرير :-
” نعم يا زوجتي العزيزة .. أين سأنام مثلا سوى في جناحنا ..؟!”
” وهل ستنام على السرير ..؟!”
سألته وهي تشير نحو السرير بإرتباك ليعتدل في جلسته مرددا بجفاء :-
” بالطبع ..”
عادت تسأله بملامح شاحبة وهي تشير الى نفسها :-
” وأنا أين سأنام ..؟!”
أجاب بلا مبالاة :-
” أينما تحبين .. هنا على السرير جانبي مثلا فالسرير كبير ويتسع لكلينا ويبقى منه فائضا أيضا ..”
هتفت بسرعة :-
” لا يمكن ذلك أبدا ..”
ضحك مرغما وهو يردد :-
” انتِ زوجتي ، لا تنسين ذلك ..”
قالت بعفوية :-
” ولكن زواجنا ليس حقيقيا …”
” يمكنني جعله حقيقيا متى ما أردت ..”
قالها بخبث ليقشعر جسدها وهي تعاود احتضان جسدها مرددة بخوف :-
” انت لن تفعل …”
زفر أنفاسه بتعب ثم قال أخيرا :-
” انظري انا متعب وأريد النوم الآن أكثر من أي شيء .. تفضلي ونامي على الطرف الآخر من السرير ..”
” لا يمكنني ذلك ..”
رددتها بصعوبة ليتنهد بعصبية ثم ينهض من مكانه متقدما نحوها مرددا بقوة :-
” اسمعيني يا حلوة .. نحن تزوجنا وأصبحنا مجبرين على أن نتشارك الكثير من الأشياء كالجناح والسرير وغيرها .. زواجنا على الورق فقط .. هذا شيءلا يغير حقيقة كوننا زوجين .. رسميا نحن كذلك ..”
ألقى كلماته القاسية متجاهلا إرتجافة جسدها الواضحة :-
” لكل شيء مقابل .. وانا تزوجتك بمقابل .. مقابل يستحق أن أربط نفسي بك طوال هذه المدة .. لذا ستكونين عاقلة وتحترمين نفسك طوال مدة زواجنا وحتى تنتهي هذه الزيجة البائسة وأتخلص منك سأكون حريصا على تجاهلك قدر المستطاع طالما ستلتزمين بشروطي ..”
أضاف بنفس القسوة :-
” شروطي بسيطة … لا أريد أي إزعاج منك .. ولا أية مشاكل ولا أحب الثرثرة … حاولي قدر المستطاع أن تتجنبيني عندما نكون لوحدنا وامام الجميع تصرفي بهدوء وتعقل وهكذا سيكون كل شيء مثالي ولطيف …”
أكمل يسألها :-
” والآن ، هل ستنامين على السرير جانبي أم…”
قاطعته بسرعة :-
” كلا لا أستطيع ..”
” ستنامين على الكنبة إذا .. ”
قالها بنبرة قاطعة قبل أن يشمل جسدها الصغير بنظراته وهو يردف بتهكم :-
” فجسدك الضئيل تكفيه الكنبة …”
أضاف وهو يتأمل ملامحها الخاضعة :-
” كل ما تحدثنا عنه قبل قليل سيبقى سرا بيننا .. لا تفكري مجرد التفكير أن تخبري أحدا من العائلة وإلا ستكون العواقب وخيمة ..”
إبتلعت ريقها وهي تهز رأسها بخنوع فيسترسل بتأكيد :-
” سنحافظ على مظهر الزوجين المتحابين أمام الجميع .. هل فهمت ..؟!”
وهي بالطبع لم يكن أمامها سوى الموافقة فهي من وضعت نفسها في هذه المكانة وهي وحدها من ستدفع ثمن غبائها ..
ابتسم بإرتياح قبل أن يتجه نحو السرير وينام عليه مجددا بعدما أشار لها :-
” أطفئي الضوء من فضلك …”
تأملته وهو يجذب الغطاء ويغمض عينيه لتتجه نحو الخزانة فتخرج غطاء لها ثم تسحب المخدة الأخرى جانبه وتتجه نحو الكنبة ..
وضعت المخدة والغطاء ثم اتجهت نحو الضوء وأغلقته فغرقت الغرفة في الظلام الدامس الذي تخشاه بشدة ..
اتجهت نحو الكنبة وتمددت عليها محاولة النوم لكن الظلام جعلها عاجزة عن ذلك ..
وأخيرا فتحت الضوء الصادر من هاتفها ووضعته جانبها وأغمضت عينيها لتغرق بعد لحظات في نوم عميق ..
هتف عابد مشيرا الى راغب الذي يجلس معه في مكتبه :-
” تصرف أخيك كان مفاجئا .. انا قلق على الفتاة .. إنها بالكاد تتعافى من صدمتها ..”
رد راغب بجدية :-
” لا تقلق ، انا سأتابع الأمر بنفسي وأحذره غدا من أي تصرف غير محسوب ..!!”
” كيف ستتابع الأمر يعني ..؟! هل ستضع كاميرات مراقبة في جناحهما ..؟!”
سأله عابد بحنق ليرد راغب بنفس الهدوء :-
” أبي ، انا أعرف كيف أتصرف معه ..”
قاطعه عابد بغيظ :-
” منذ سنوات تقول نفس الشيء .. لم يتغير شيء حتى الآن .. ما زالت إبنة ذلك ال..”
توقف عن كلماته للحظات قبل أن يضيف بغضب :-
” ما زالت تلك الفتاة في حياته .. تزوجها عرفيا .. ماذا سأنتظر ..؟! يأتي لي بحفيد منها أيضا ..”
ضحك راغب مرغما ثم قال :-
” صدقني نهايتها اقتربت .. سأنتهي من تقى بأقرب وقت .. ”
أردف بتعقل :-
” افهمني يا أبي .. انا أستطيع بإشارة واحدة أن أخفيها من حياته الى الأبد .. ولكن ليس هذا ما أريده .. انا أريد أن أتخلص منها لكن بإختياره هو .. أريده أن يتركها بنفسه ..”
” وكيف سيحدث هذا ..؟! ومتى سيحدث ..؟!”
سأله والده بنفاذ صبر ليرد راغب بثقة :-
” كيف سيحدث فهذه اتركها لي اما متى سيحدث ففي أقرب وقت بإذن الله ..”
هتف عابد بجدية :-
” المهم ، جيلان أريدها بعيدة عن هذه الأمور تماما … لا أريدها أن تتأثر بأي شكل … ”
” وهذا ما أريده أنا أيضا وسأحافظ عليه ..”
قالها راغب بجدية ليضيف عابد :-
” وأخوك هذا إنهي أمره في أقرب وقت .. لم يعد لدي قدرة لتحمل تصرفاته هذه .. أريده أن يتعقل ويستوعب مكانته وينتقي تصرفاته ويحافظ على منظره الإجتماعي ومنظرنا معه ..”
” أخبرتك أن تتركه لي ..أنا سأعرف كيف أروضه وأعيد تقويمه بعدما أنتهي من تقى ..”
نهض عابد من مكانه رابتا على كتفه مرددا :-
” انا أثق بك كثيرا يا راغب وسأعتمد عليك تماما في أمر مهند ..”
وضع راغب كفه على يد والده هاتفا بقوة وعزيمة :-
” لا تقلق ، توكل على الله واترك أمره لي ..”
خرج بعدها عابد ليتنهد راغب بصمت قبل أن يقرر النهوض والذهاب الى جناحه ..
أثناء مروره في الممر المتجه لجناحه دلف الى غرفة طفليه فوجدهما نائمين ..
اقترب منهما يتأمل الكبير الذي يشبهه كثيرا في كل شيء حتى في شخصيته التي تبدو واثقة وقورة رغم صغر سنوات عمره بينما الأصغر والذي يحمل الكثير من ملامح والدته مع إختلاف الشخصية تماما فهو مشاغب للغاية لا يشبهها في هدوئها ونعومتها أبدا ..
حرك كفه فوق شعر الأكبر ثم الأصغر وهو يبتسم بحنو قبل أن يخرج من الغرفة بخفة متجها الى جناحه ..
وقف أمام باب الجناح للحظات يأخذ نفسه مفكرا بما يريده الليلة …
لقد بات ينتظر الوقت المناسب حتى يقترب من زوجته ،..!!
كم يبدو الأمر مسلي بل مضحك جدا ..
دلف الى داخل الجناح ليجدها تجلس أمام المرآة تسرح شعرها البني الطويل ويبدو إنها خرجت من الحمام لتوها ..
فك أزرار قميصه العلوية فقط قبل أن يتقدم نحوها لتتوقف عما تفعله تتأمله وهو يقترب نحوها يقف خلفها متأملها ملامحها الناعمة الجميلة على طبيعتها …
مرر أنامله داخل شعرها المبلل ليرتجف جسدها قليلا ..
“اريدك يا همسة ..”
عادت تلك الجملة مجددا تطرق عقلها بقوة ..
هو يريدها .. هكذا فقط .. وتلك الجملة التي يستخدمها كل مرة يرغبها بها .. ورغم إنه قليلا ما صار يقترب منها لدرجة إنها لا تتذكر متى آخر مرة لمسها فيها إلا إنها تشعر بثقل يجثم على صدرها من مجرد التفكير بما يريده …
في كل مرة تظن إنه مل فعليا منها ولن يطلبها بعد الآن ليأتي ويفاجئها مجددا برغبته في وصالها ..
لا تفهم سبب تصرفه هذا ولا سبب رغبته في قربها رغم جمودها الواضح وعدم قدرتها على التفاعل مع رجل مثله بكل رجولته وجموحه ..
ورغم كل هذا كانت تعلم إنها سوف تستسلم .. ستمنحه جسدها كالعادة لينال منها ما يريده او بالأحرى ما ستمنحه هي من تفاعل بسيط يشبه الفتات .. تفاعل لا يروي أبدا ورغم هذا ما زال يريدها ..
هل يفعل هذا بدافع الواجب ..؟! هل يلمسها من حين لآخر كي لا تشعر إنه ينبذها فعليا ..؟!
آه لو يعلم إنها لا تريد قربه وتتمنى أن يبتعد عنها الى الابد ولا يلمسها مجددا ولكنها لا تقوى على قولها حتى ..
سوف تستسلم له كما يحدث كالعادة ويأخذ هو ما يريد بينما يزداد الفراغ داخل روحها اتساعا بعد كل مرة يحدث بها هذا ..!!
بعد لحظات كان بين ذراعيه تشعر برغبته الجامحة بها فتقابله ببرودها المعتاد ..
ينال منها نشوة لحظية لا ترويه ورغم هذا يصر على الإقتراب بين الحين والآخر لسبب لا يدركه هو نفسه ..
الأمر لا يتعلق بالشوق رغم إنه يشتاق لها دوما ولو سار وراء أشواقه لما تركها ليلة واحدة دون أن يمارس الحب معها لكنه يسيطر على نفسه ومشاعره وأشواقه ورغباته الطبيعية كرجل فقط لأجلها ولأجل ذلك النفور الذي يشعر به منها كل مرة ومع هذا يصر أن يلمسها من حين لآخر وكأنه يريد أن يثبت لها من خلال ذلك إنها ملكه حتى النهاية ..
انتهى أخيرا وإبتعد عنها يلتقط أنفاسه بينما سارعت هي تجذب اللحاف تغطي به جسدها قبل أن تجذب قميص نومها المحتشم وترتديه محاولا ألا تستدير نحوه حيث يراقب هو ظهرها المكشوف بنظراته ..
اتجهت نحو الحمام تستحم بسرعة لكنها في الواقع وقفت خلف الباب تأخذ أنفاسها عدة مرات تحاول السيطرة على مشاعرها المكبوتة ودموعها المترقرقة داخل عينيها ..
خرجت بعد مدة من الحمام بشعرها المبلل مرتدية تفس قميص النوم بعدما جففت جسدها في الداخل ..
تأملته وهو يجلس على السرير مرتديا بنطاله وقميصه المفتوح بالكامل كاشفا عن صدره العريض ليرفع وجهه ما إن خرجت فيهمس بصوت متصلب :-
” الى متى يا همسة ..؟!”
سألته بصوت مضطرب :-
” ماذا تقصد ..؟! ”
ردد بغضب مكتوم :-
” تدركين جيدا عما أتحدث .. همسة انا تعبت .. تعبت حقا ..”
بدت نظرته مثقلة بالهموم لتدمع عيناها لا إراديا وهي تردد :-
” وانا تعبت أكثر .. انا تعبت اكثر منك يا راغب .. ”
انتفض من مكانه مرددا بغضب ظهر على ملامح وجهه وفي نبرة صوته :-
” انت من تفعلين هذا بنا .. تؤذين نفسك وتؤذيني معكِ … انتِ من تصرين على هدم علاقتنا ..”
ضحكت من بين دموعها المحتبسة داخل عينيها تردد بسخرية :-
” علاقتنا ..؟! أية علاقة بالضبط ..؟! أنت تتوهم أشياء ليست موجودة .. نحن لا توجد بيننا أي علاقة .. أمام الناس والعائلة نحن زوجان ولكن في الواقع نحن أبعد إثنين عن بعضيهما ..”
تقدم نحوها أكثر يسألها بحنق :-
” ومن السبب في هذا التباعد ..؟! ”
ردت بألم :-
” انا السبب .. أليس كذلك ..؟! انا السبب في كل شيء .. انا دائما يا راغب …”
” هذه الحقيقة ولا يمكنك إنكارها ..”
قالها بقوة لترد وهي تمسح وجهها بتعب :-
” حسنا إذا كان هذا يريحك قليلا فسأعترف إنني السبب وأحمل نفسي المسؤولية كاملة ..”
” وماذا عني ..؟! الى متى سأتحمل هذا الوضع ..؟!”
سألها بجدية لترد بتشنج :-
” لا أعلم .. انت اتخذ قرارك بنفسك .. الوضع هذا لا يناسبك .. إفعل ما تريده وما يجعلك ترتاح في حياتك ..”
” اسمها حياتنا يا همسة .. ليست حياتي لوحدي …”
قالها بعصبية لترد. بضعف :-
” لم تكن يوما هناك حياة بيننا .. لا داعي أن تكذب وتخلق بيننا ما ليس له وجود أساسا ..”
” هذا رأيك إذا ..؟!”
سألها متحفزا لتهز رأسها دون رد فيردد بقوة ونظرات جامدة :-
” تذكري دائما إنني حاولت وأنتِ لم تحاولي مرة واحدة حتى وبالتالي فلا تلوموني على ما هو قادم يا همسة لإنني بالفعل بعد حديثنا هذا سأفكر براحتي قبل كل شيء ..”
اندفع خارج الغرفة بعصبية صافقا الباب خلفه بقوة لتجلس على السرير ودموعها تتساقط على وجنتيها بضعف وخذلان ..
هبطت درجات السلم بفستانها الأسود المطعم ببعض الورود الصغيرة ذو حمالات رفيعة يبرز عنقها الأبيض الطويل والجزء العلوي من نحرها بينما يصل طوله قليلا فوق كاحليها ..
شعرها الأشقر مصفف بعناية ومكياجها ناعما رقيقا يليق بوجهها المليح كالعادة ..
بدت شديدة الأناقة رغم بساطة ما ترتديه ..
تأملتها مريم التي شعرت بها تهبط السلم حيث خرجت من صالة الجلوس تراقبها وهي تسير بخطواتها نحو الخارج فتوقفت ليلى تبتسم لها مرددة :-
” مريم ، لم أستطع رؤيتك اليوم ..”
” لإنكِ كنتِ في الخارج منذ الصباح ولديك موعد الآن أيضا ..”
أضاف تسألها بإهتمام :-
” هل هو عشاء عمل أم دعوة مهمة لتكوني بكل هذه الأناقة ..؟!”
ضحكت ليلى تسألها بشغب :-
” تتحدثين وكإنكِ ترينني أرتدي شيئا أنيقا للمرة الأولى ..”
رددت مريم بعبوس :-
” بالطبع لا ، انتِ دائما ما كنتِ ملكة الأناقة ..!”
ابتسمت ليلى مرددة :-
” شكرا على هذا الإطراء ..”
همت بالخروج لكنها توقفت على صوت مريم تسأل بسرعة وفضول :-
” توقفي ، لم تخبريني بعد .. أين ستذهبين ومع من ..؟!”
ردت ليلى وهي تستدير نحوها :-
” سأتناول العشاء مع زاهر ..”
بهتت ملامح مريم للحظات قبل أن تتسائل بإستغراب :-
” مع زاهر ..؟! زاهر خاصتنا ..؟! ابن خالنا ..؟!”
هزت ليلى رأسها مرددة بجدية :-
” نعم زاهر ابن خالي .. هل هناك مشكلة ما ..؟!”
” وما سبب هذه المقابلة او بالأحرى الدعوة كونه بالتأكيد من بادر لدعوتك ..؟!”
ردت ليلى وهي تهز كتفيها ببساطة :-
” لا أعلم .. هو اتصل بي ودعاني على العشاء ثم ارسل لي اسم المطعم الراقي جدا فبالطبع كان يجب أن أظهر بإطلالة تناسب المكان ..”
كتمت مريم إبتسامتها بصعوبة تقول بجدية مصطنعة :-
” من ناحية سينايب فهو سوف يناسب كثيرا بل سيخطف الأنظار .. تفضلي يا أختاه فلا يصح أن تتأخري على ابن خالنا العزيز ..”
ودعتها ليلى وخرجت لتضحك مريم مرددة بعدم تصديق :
” زاهر مع ليلى ..؟! هل هذه أحلام العصر ..؟!”
اما ليلى فركبت السيارة في الخلف حيث يقود السائق الخاص بالعائلة السيارة ..
أخذت تقلب في هاتفها أثناء الطريق عندما رن هاتفها بإسم عمار فزفرت أنفاسها بغضب قبل أن تجيب بحدة خفيفة :
” نعم ، ماذا تريد ..؟!”
سألها :-
” هل مزقتِ الشيك حقا ..؟!”
ردت ببرود :-
” نعم مزقته .. هل تظن إنني سأقبل بتعويض سخيف كهذا .. انا لا أريد أي شيء منك .. أساسا لو كان بيدي لمنحتك مبلغا زهيدا شكرانا وعرفانا على تخليصي منك أخيرا ..”
” أنتِ مجنونة .. هذا المبلغ كان سوف يساعدك كثيرا ..”
ردت بتهكم :-
” المبلغ الذي قدمته لي إزاء خدماتي ومساعدتي لك في إنتقامك اللعين …. شكرا لا أريده ..”
أضافت بلهجة مزردءة :-
” ثانيا ما بالك مهتم بوضعي المادي الى هذه الدرجة ..؟!”
رد ببرود :-
” ربما لإنكِ تدينين لي بمبالغ هائلة ..”
كتمت غضبها بصعوبة مرددة من بين أسنانها :-
” سأسدده قريبا ..”
ضحك مرغما مرددا بتهكم :-
” واضح واضح ..”
” ماذا تريد يا عمار ..؟!”
سألته بصوت حانق ليرد ببساطة :-
” أريد سلامتك يا لولا ..”
أغلقت الهاتف في وجهه بعنف وهي تسبه وتلعنه داخلها ..
أخذت نفسا عميقا تحاول السيطرة على غضبها قبل الوصول الى المطعم ..
بعد حوالي عشر دقائق هبطت من السيارة وتقدمت الى الداخل لتجد زاهر يجلس على الطاولة التي حجزها مسبقا لهما …
نهض من مكانه ما إن رآها مبتسما لها فبادلته إبتسامته بخفة وهي تتقدم نحوه لتمد يدها نحوه تحييه فيقبض على كفها يرفعها نحوه طابعا قبلة بطيئة على كفها فشعرت بالتوتر يغزوها لا إراديا لكنها فسرت الأمر وكأنها تصرفاته المعتاد عليها ولا يقصد منها شيئا رغم إنها تدرك جيدا عكس ذلك ..
جلست أمامه بعدما سحب لها الكرسي وجلس هو بدوره في مقعده ..
أشار الى النادل وهو يسألها :-
” هل تتناولين الطعام الآن أم تفضلين مشروبا في البداية ..؟!”
ردت بجدية :-
” دعنا نتناول مشروبا في البداية فأنا لا أشعر بالجوع حاليا ..”
سألها بعدما وقف النادل أمامهما :-
” ماذا تحبين أن تشربي ..؟!”
أجابت :-
” عصير برتقال …”
” وأنا مثلها ..”
قالها زاهر مشيرا الى النادل الذي دون طلباتهما ثم ابتعد عنهما لتبتسم له بالقليل من الحرج فيسألها زاهر بإهتمام :-
” كيف حالك إذا ..؟!”
ردت بجدية :-
” بخير الحمد لله ..”
ابتسم ثم قال :-
” بالطبع إستغربتِ دعوتي لكِ ..”
هزت رأسها تجيب بجدية :-
” في الحقيقة نعم ، بالتأكيد هناك شيء ما وراء هذه الدعوة ..”
قال بدوره بنفس الجدية :-
” لن أكذب أبدا .. هناك الكثير فعلا ولكن لا يوجد شيء محدد في هذه اللحظة .. غايتي من دعوة الليلة هو التقارب لا أكثر ..”
” ماذا تعني بالتقارب ..؟!”
سألته بتردد ليرد بهدوء :-
” التقارب بيننا يا ليلى .. أنا أسعى جديا للتقرب منكِ ..”
” لماذا ..؟!”
سألته بتوتر خفي ليرد بصدق :-
” لماذا برأيك ..؟! مالذي يدفع رجلا مثلي للتقرب من إمرأة مثلك ..؟!”
” انت لا تعني ذلك بالطبع ..”
قالتها بعدم تصديق ليتسائل مستنكرا دهشتها :-
” لماذا ..؟! مالذي يجعلك تعتقدين ذلك ..؟!”
أجابت بعدم إستيعاب :-
” لإنك زاهر .. ابن خالي .. قريبي الذي أعرفه منذ سنوات …”
قاطعها بجدية :-
” ولإنني أحبكِ منذ سنوات …”
تجمدت ملامحها تماما تحاول أن تستوعب ما يقوله …
هو يحبها ..!!
زاهر ابن خالها الذي تعرفه جيدا منذ الطفولة ..!!
رغم معيشه في الخارج منذ الطفولة كانت تلتقيه بإستمرار أثناء الزيارات المتبادلة بينهما ..
لم تلحظ يوما شيئا خاصا منه نحوها .. لم تلحظ أي مشاعر من ناحيته ولا إهتمام خاص ..
توقفت عن أفكارها تسمعه يتحدث بجدية :-
” انا شخص صريح يا ليلى ولن أكذب عليكِ أبدا .. سأتحدث بوضوح .. انا أحبك منذ سنوات .. ربما منذ أن كنتِ في الثانوية .. كنت أنتظر الوقت المناسب حتى أخبرك بحقيقة مشاعري نحوكِ وهو نفس الوقت الذي سأخطبك به رسميا لكنني اكتشفت ما يجمعك بنديم وإنك تحبينه وهو كذلك .. حينها قررت كتم مشاعري داخلي وتجاهل الأمر فأنا لست ذلك الرجل الذي يفرض نفسه على إمرأة تعشق غيره .. تفهمت الأمر وتصرفت بطبيعية رغم إنني كنت أحترق كثيرا عندما أراكما سويا خاصة في الفترة الأولى من إكتشافي لعلاقتكما ..”
أضاف وهو يأخذ نفسا طويلا :-
” لكن مع مرور الوقت اعتدت الأمر وتقبلته وقررت التعامل بطبيعية معه .. أخفيت مشاعري داخلي ولم أسمح لأي شخص أن يعلم ما أشعره ناحيتك ولا حتى انتِ فمشاعري تخصني وحدي وانا وحدي المسؤول عنها ..”
تأمل ملامح وجهها التي تتابعه بذهول ليضيف بجدية :-
” حتى عندما علمت بما حدث مع نديم تعاطفت معه كثيرا وشعرت بالحزن لأجلكما .. صدقيني لا أذكر هذا كي أدعي المثالية أمامك لكن رغم عشقي الجارف لك لم أشعر نحوه بالحقد يوما .. عندما تزوجتِ من عمار شعرت بصدمة كبيرة .. كأن هناك شيء ما سقط فوق رأسي .. كنت أدرك جيدا إنكِ تزوجته تحت ضغط وهناك أسباب عديدة أجبرتك على ذلك .. فكرت أن أتواصل معك وأعرض المساعدة لكنني تراجعت لإنني لم أكن أعلم ماذا ستكون ردك فعلكِ حينها ..”
” زاهر ..”
همستها بخفوت ليسترسل في حديثه :-
” وعندما خرج نديم من السجن وعلمت بإنفصالك مؤقتا من زوجك توقعت إنكما ستعودان سويا … ولكن عندما علمت بأمر زواج نديم من أخرى وإنفصالك عن زوجك وإن كان بشكل غير رسمي حتى الآن شعرت إن هذه فرصتي .. أعلم إنك لم تتزوجي عمار الخولي بإرادتك وأعلم إنك تحبين نديم ولكن ما كان يوقفني عن الإعتراف بمشاعري هو إحتمالية عودتكما وبما إنه تزوج وسار في طريق جديد بعيدا عنك شعرت إن هذه فرصتي لأخبرك بمشاعري التي أخفيتها داخلي لسنوات ..”
أنهى كلامه أخيرا فلاحظ شحوب وجهها وهي التي رددت بنبرة ضعيفة خافتة :-
” انا حقا لا أعرف ماذا أقول .. انت حقا صدمتني .. انا حتى لم أستوعب بعد ..”
قاطعها برفق :-
” أعلم إن الأمر ليس هينا وبالتالي لا ألومك على ما تشعرين به في هذه اللحظة لكن كوني واثقة إنني بالفعل أحبكِ وأريدكِ … لقد تجاهلت مشاعري لسنوات وكتمت حبك داخلي لسنوات طويلة ولكن الآن لن أفعل ذلك مجددا .. هذه المرة سأحارب لأجلك يا ليلى فلم يعد هناك ما يمنعني عن ذلك ..”
” انت..”
توقفت تأخذ نفسها ثم قالت وهي تنهض من مكانها مرددة :-
” انا أحتاج أن أغادر المطعم فورا … لا يمكنني البقاء بعد كل هذا الكلام .. أحتاج أن أستوعب ما سمعته .. أحتاج أن أنفرد بنفسي .. أحتاجه كثيرا ..”
” ليلى توقفي ..”
قالها وهو ينهض من مكانه قبل أن يهتف بجدية وتفهم لصدمتها :-
” أتفهم ذلك جيدا .. لكن اسمحي لي أن أعيدك الى المنزل .. ”
تذكرت أمر السائق الذي كان سيعود إليها بعدما تتصل به فلم تجد حلا سوى موافقته فهزت رأسها موافقة وسارت أمامه بينما أخرج هو عدة وريقات مالية وضعها الطاولة وتبعها ..
ركبت سيارته جانبه بصمت متبادل بينهما وقد قرر أن يمنحها مساحتها لتستوعب ما سمعته بينما أخذت هي تراجع كلماته داخلها وإعترافه الصادق بمدى حبه لها ..
في تلك اللحظة شعرت بألم حاد في قلبها وهي التي تشعر إن قلبها لم يتقبل فعليا إعترافه حتى وكأن هناك حاجز تشكل بين قلبها وبين أي شيء يتعلق بالحب وتلك العواطف ..!!
خرجت من غرفتها التي تجلس بها منذ الصباح تتجه نحو المطبخ لتناول شيئا ما عندما سمعته ينادي عليها ..
توقفت مكانها للحظات قبل أن تتجه نحوه حيث يجلس في صالة الجلوس فقال ما إن رآها :-
” هل ستبقين في الغرفة طوال اليوم ..؟! لم أرغب أن أزعجك فتركت لكِ المساحة الكافية لتنفردي بنفسك ..”
همست بخفوت :-
” أشكرك على ذلك وعليك أن تعتاد على وضعنا هذا من فضلك ..”
سأل بعدم فهم وهو يتوقف أمامها :-
” ماذا تعنين بذلك ..؟! انا تفهمت صعوبة ما رأيته يا حياة .. أتفهم صعوبة ما مررتِ به ليلة البارحة .. لكن من فضلك لا يمكن أن تأخذي موقفا للأبد مني دون حتى تبادل الحوار بيننا ..”
” أي حوار سنتبادله يا نديم ..؟! عم سنتحدث بالضبط ..؟! مالذي ستقوله لي ..؟! مالذي ستحاول تفسيره ..؟!”
أضافت تسأله بقوة :-
” هيا تحدث أسمعك .. مالذي تحدثت به مع ليلى البارحة ..؟! لماذا إلتقيت بها أساسا ..؟! هل يمكنك أن تمنحني تفسيرا منطقيا والأهم هل تستطيع أن تجد مبررا مقنعا للقائكما وتبادلكما العناق أيضا ..”
رد بجدية محاولا إمتصاص غضبها :-
” أخبرتك إنه لقاء الوداع .. جمعنا حديث مختصر وانتهينا .. لماذا تصرين أن تدمرين علاقتنا تماما بسبب تصرف لحظي انتهى في وقته ..”
صاحت بإنفعال :-
” هذا التصرف اللحظي كشف لي كل شيء .. أوضح لي الصورة الكاملة … الصورة الحقيقية التي تجاهلتها بكل غباء ..”
تقدم نحوها يهتف بإندفاع :-
” أي صورة بالضبط ..؟! ”
ردت بقوة :-
” الحقيقة يا نديم .. حقيقة إنك ما زلت تحب ليلى وإنها حب حياتك الذي لن تتجاوزه أو تنساه أبدا ..”
” من قال هذا ..؟! من أين خرجت بهذا ..؟! أخبريني ..”
صاح بها غاضبا لتهمس بصرامة :-
” لا تصرخ في وجهي اولا .. لا تفرغ غضبكِ بي كونني أخبرك بحقيقة ما تحاول إنكاره ..”
همس بقوة وصلابة :-
” انا لم أنكر شيئا يوما ولن أفعل ..لم أنكر مشاعري ناحيتها يوما .. ولن أنكر أي شيء ….”
أضاف بجدية :-
” ليلى انتهت من حياتي تماما … افهمي هذا من فضلك .. يكفي حقا ..”
” كيف إنتهت من حياتك بهذه السهولة …؟! كيف وانت تدرك جيدا إنها مجبرة على زوجها من أخيك ..”
تجمدت ملامحه مفكرا إنها علمت الحقيقة لكنها أضاف بلا وعي :-
” هي كانت لديها أسبابها .. كانت مجبرة .. وانت كان عليك أن تتفهم ذلك ..”
هتف بعدم تصديق :-
” أصبحت أنا المخطئ الآن .. هل تدركين ما تتفوهين به يا حياة ..؟! ”
” نعم أدركه جيدا ..”
قالتها بجدية وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها ليردد بقوة وغضب :-
” كلا انت لا تدركين شيء .. انت لم تعيشي ما عشته .. لم تدخلِ السجن لسنوات .. لم تظلي تعانين بين أربعة جدران لوحدك .. لم تفقدي آخر أمل تبقى لي بعد خسارتي كل شيء .. لم تسمعي خبر زواج حب حياتك من آخر وانت حبيسة أربعة قضبان فتبقين تتجرعين مرارة الخذلان ..”
أضاف يهمس بصعوبة :-
” انا خسرت كل شيء ولم يتبقَ لي سواها .. كانت الشيء الوحيد المتبقي لي ولكنها تركتني هي أيضا .. حطمتني بفعلتها .. انت لم تستوعبِ ما شعرت به منذ اليوم الذي علمت به بزواجها وما كنت أعانيه طوال سنوات حبسي .. ”
” هي كانت مجبرة .. انت تدرك ذلك جيدا .. تصرفها كان مؤلما .. أتفهم مقدار ألمك بسببها ولكنني أتفهم أيضا مدى معاناتها .. لقد تزوجت مرغمة من رجل لا تريده .. أنت تنظر الى الأمور من ناحيتك انت فقط .. تتحدث عن معاناتك ولا تتسائل عن معاناتها … تحاسبها على زواج كانت مجبرة عليه .. هي لم تتزوجه عبثا .. لقد هددها بوالدها .. بالإفلاس وربما بأشياء أخرى .. الله وحده يعلم كم ضغط عليها كي توافق وفي النهاية هذه عائلتها أيضا ولا يمكن أن تتخلى عنهم ..”
” انت تبررين لها وكأنك محاميتها ..”
قالها ساخرا لترد بجدية :-
” انا أتحدث بواقعية وأنظر الى الأمر من منظور جميع الأطراف …”
أضافت بصعوبة :-
” انت تخليت عنها تماما .. لم تمنحها حتى حق التوضيح الذي كنت تتحدث عنه لأجلك منذ لحظات ..”
ضحك مرددا بعدم تصديق:-
” انتِ تقارنين ما فعلته بما بدر منها… ما هذه المقارنة يا حياة …؟!”
” هل تعلم أكثر ما يخفيني يا نديم ..؟!”
منحها كامل إنتباهه لتضيف بجدية :-
” ليلى حب حياتك .. عشقك الأول .. جمعتك بها سنوات عشق طويلة ورغم هذا تخليت عنها من أول خطأ .. من أول غلطة … غلطة كانت خارج عن إرادتها …. اتسائل مالذي سيحدث معي ..؟! ماذا سيحدث لو كنت مكانها ..؟! مالذي ستفعله معي وأنت لا تحبني مثلها ولا قضيت معي سنوات طويلة كالتي قضيتها معها ..!!”
صرخ بعدم تصديق :-
” مالذي تقولينه ..؟! ما هذا التفكير بالله عليك ..”
أضاف بقوة وعصبية :-
” هل تظنين إن التخلي عنها كان سهلا .. ؟! كلا ليس تخليا بل فراقا إخترته بمحض إرادتي .. انا أحببتها كثيرا لسنوات .. أحببتها أكثر من أي شيء .. وبقدر ما أحببتها بقدر ما تألمت بسببها ..”
أضاف وهو يلهث بألم :-
” هنا داخل قلبي جرحا غائرا .. جرحا لا يطيب أبدا .. كلما حاولت أن أتناساه وأسامح تزورني تلك الذكريات وما عايشته لسنوات .. ذكريات بشعة وألم لا يمكن تخيله بعدما فقدت آخر آمل لي في هذه الحياة .. ذلك الآلم يجعلني عاجزا عن التعامل معها مجددا .. هناك حاجز داخلي يا حياة .. حاجز لا أستطيع تخطيه ..”
أضاف بصعوبة :-
” انا لم أكذب عليك يوما .. لم أخترع كلاما غير موجودا .. أو أظهر مشاعر ليست حقيقية …”
” انت تحبها .. عليك أن تعترف بهذا لنفسك .. انت ما زلت تحبها .. ”
صاح بها :-
” انا لم أنكر مشاعري .. حسنا ربما ما زلت أحبها فعلا .. انظري لا أستطيع أن أجزم أي شيء .. ولن أكذب وأقول إنني نسيتها تماما لإن نسيانها ليس سهلا أبدا .. نعم ما زلت أمتلك مشاعرا نحوها لكن مشاعري لم تعد كالسابق .. هناك شيء ما تغير .. شيء كان يربط بيننا تحطم .. حبي لها لم يعد كالسابق .. مشاعري نحوها تجمدت كليت بسبب الآلام التي عايشتها بسبب ذلك العشق …. انا لم أكذب عليك يوما في كل هذا مثلما لم أكذب عليكِ يوما في كل حرف تفوهت به لك .. كل شيء قلته عما تمثيلنه لي وأشعره نحوك .. عن كونك الحياة القادمة ومستقبلي الذي أريد أن أحياه ..”
أكمل يتأمل عيناها الدامعتين :-
” ليلى في الماضي كانت الأمل الوحيد المتبقى لي .. كانت الشيء الوحيد الذي يخفف علي أيامي في ذلك السجن .. لكنها تخلت عني .. تركتني في عز حاجتي لها ..”
أكمل بضعف ظهر في ملامح وجهه :-
” واليوم أنت أملي الجديد .. الشيء الذي يجعلني أتمسك بالحياة بقوة .. لكن المشكلة إنني أشعر إنك ستفعلين مثلها .. كل تصرفاتك الحالية تثبت إنك سوف سوف تسيرين على خطاها والنتيجة خذلان جديد منك علي تحمله ..!!”
تحرك مبتعدا فأوقفته تهمس ببحة باكية :-
” نديم توقف …”
توقف مكانه لتتقدم نحوه وتقف مواجهة له تهمس بضعف وألم :-
” أنا لم أتخل عنك كما تظن .. انا أحاول توجيهك فقط … أحاول أن أوقظك من تلك الغيبوبة التي تصر على العيش بها .. أحاول أن أظهر مشاعرك المخفية…”
” لكنني لا أريد .. ليس هذا ما أريده وانت لا يحق لك أن تفعلي عكس ما أرغبه …”
قالها بقوة لتغمض عينيها بإرهاق وهي تشعر بالكثير من التعب والإرهاق بسبب ما عايشته في هذه اللحظات من مشاعر مختلطة عجيبة وصعبة ..
لخظات واندفعت تحتضنه بقوة فضمها إليه بقوة أكبر وكأنه وجد ضالته بها وكأنه طفل تعلق بأمه التي حرم منها طويلا ..
بعد مدة من الزمن ..
كانت تجلس على الكنبة المقابلة له تتأمل ظلام الليل من النافذة الخارجية للشقة تفكر في الحديث الذي دار بينهما منذ قليل والذي انتهى بمعانقتها له ..
لقد عانقته فجأة وقد تحكم قلبها في تلك اللحظة وأثناء عناقها شعرت بكم الحب الذي تحمله داخلها نحوه ..
ماذا عليها أن تفعل وكيف تتصرف بما يخص القادم ..؟!
هل تمنح زواجهما فرصة جديدة أم تستمر في تباعدها أفضل ..؟!
” من أين علمت بمكان تواجدنا البارحة ..؟!”
صدح سؤاله مفاجئا يوقظها من أفكارها تلك مضيفا بنفس التساؤل :-
” من أخبرك بذلك ..؟!”
ابتلعت ريقها تردد كاذبة :-
” رأيتكما بالصدفة ..”
قاطعها بجدية :-
” لا تكذبي يا حياة .. انت لم تكذبي يوما ولم تفعلي … ”
زفرت أنفاسها ثم قالت بجدية :-
” هناك رسالة جائتني من رقم غريب … رسالة تخبرني عن مكان تواجدكما ..”
هتف متسائلا مجددا :-
” ما هو الرقم الذي أرسل لكِ تلك الرسالة ..؟!”
هتفت تكذب مجددا :-
” حذفت الرسالة بالخطأ ..”
نهض من مكانه متقدما نحوها حيث جلس جانبها يسألها بقوة أكبر :-
” هناك من تعمد إخبارك بذلك .. ”
تأمل إرتباك ملامحها ليضيف :-
” ملامحك شفافة جدا يا حياة لذا لا تحاولي أن تكذبي ..”
أكمل مفكرا :-
” ليلى وانا اتفقنا دون علم احد .. هل يمكن أن تكون هي ..؟!”
سألته بتجهم :-
” هل تعتقد ذلك ..؟!”
رد بصدق :-
” ليلى التي أعرفها لا تفعل ذلك .. ليلى لا تتصرف بهذه الطريقة القذرة …”
” من الجيد إنك تعلم ذلك ..”
قالتها بجدية ليسألها بقوة :-
” من أخبرك إذا ..؟!”
تنحنحت تجيب بحذر :-
” عمار .. ”
ارتسم الجمود على ملامحه قبل أن يقول :-
” كنت أعلم ذلك لكنني أردت التأكد …”
أضاف يتسائل بنفس الجمود :-
” ماذا أرسل لك ..؟!”
” ليس مهما ..”
قالتها بجدية ثم اضافت بسرعة :-
” دعك منه .. انه شخص سيء ولا يستحق أن تفكر به …”
” ماذا أرسل لكِ يا حياة ..؟! أريني الرسالة..”
قالها بعصبية شديدة لتهتف بجدية :-
” نديم توقف من فضلك .. عمار أرسل لي رسالة عادية يخبرني عن مكان تواجدكما …”
” ملامحك تقول شيئا غير هذا ..”
قالها يتفحص ملامح وجهها التي تكشف الكثير محاولا السيطرة على غضبه لتهتف بتردد :-
” لقد رأيته هناك ..”
هتف بعدم تصديق :-
” كان هناك .. ”
هزت رأسها وهي تكمل :-
” نعم كان هناك وتحدث قليلا معي ..”
أضافت بتردد :-
” توخى الحذر منه يا نديم .. عمار يكرهك بشكل يثير خوفي ..”
ازداد جمود ملامحه لتضيف بتردد :-
” كان يتحدث عنك وملامحه تنطق بمدى كرهه لك وحقده عليك .. ”
أكملت بجدية :-
” هو من فعلها ، أليس كذلك ..؟!”
نظر إليهت بصمت للحظات لتضيف :-
” لم يخطر هذا على بالي مسبقا حتى رأيته ذلك اليوم ورأيت كم الحقد الذي يحمله نحوك فأدركت إنه الشخص الوحيد الذي يسعى لإيذائك بهذه الطريقة …”
” نعم ، هو كذلك ..”
قالها بقوة وجمود قبل أن ينهض من مكانه ساحبا هاتفه من فوق الطاولة مندفعا خارج الشقة متجاهلا ندائها عليه ..
بعد مدة أوقف سيارته على جانب احد الشوارع العامة وفتح هاتفه يتصل به …
لحظات قليلة وجاءه صوته الساخر فتجاهل كيفية معرفته برقم هاتفه فسأله مندفعا :-
” أين أنت ..؟!”
أخبره مكانه ببرود فأغلق الهاتف في وجهه ثم شغل مقود سيارته محركا إياها متجها بها حيث المكان الذي يتواجد به وهو احدى الشقق الموجودة في المناطق الراقية …
هبط من سيارته أسفل العمارة واتجه حيث الشقة التي أخبره عنها ..
ضغط على جرس الباب ببرود ليفتح له عمار الباب مبتسما فيلكمه نديم على وجهه بقوة قبل أن يدفعه الى الداخل مغلقا الباب خلفه يدفعه بقوة نحو الارض وينقض عليه بكل قوته فيبتسم عمار رغم ألم لكمته مرددا بإستفزاز :-
” هل كانت ليلتك البارحة سوداء لهذه الدرجة ..؟!”
صرخ نديم :-
“ماذا تريد مني انت ..؟! ألم يكفيك ما فعلته حتى الآن ..؟! ألن تتوقف عن التدخل في حياتي ومحاولة تدميرها …؟!”
دفعه عمار بقوة من فوقه ثم اعتدل واقفا أمامه بسرعة مرددا وهو يضحك :-
” تدمير حياتك ..؟! هل تتحدث حقا ..؟! أساسا مالذي تبقى في حياتك كي أدمرها ..؟!”
هتف نديم بقوة :-
” صدقني لا شيء في حديثك هذا يدعو لكل هذا التفاخر بنفسك .. يوما ما ستدفع ثمن أفعالك يا عمار وستتدمر حياتك كما تدمرت حياتي وأكثر … ”
” هذا اليوم سيحدث في أحلامك فقط يا نديم…”
قالها عمار ببرود ليتقدم نديم نحوه مرددا بقوة :-
” سيحدث يوما ما يا عمار .. تأكد من ذلك ..”
أضاف يهتف به مهددا :-
“حياة ابتعد عنها يا عمار .. حياة خط أحمر لا تفكر حتى أن تقترب منه ..”
هتف عمار يضحك مجددا :-
” لقد اقتربت منه وتحدثت ايضا ..”
قال نديم بقوة :-
” مهما فعلت لا يمكنك التأثير عليها أبدا … حياة من حديث قصير بينكما أدركت حقيقتك .. ”
” من الواضح إنني لم أؤثر بها والدليل جمودها طوال ليلة البارحة والله وحده يعلم ما لحق حفل الزفاف .. أخبرني هل نمت في غرفتك أم في صالة الجلوس ..؟!”
لكمه نديم مجددا بقوة ليمسح عمار الدماء من فوق أنفه مرددا بتهكم :-
” مقبولة منك يا أخي الصغير .. انا أتفهم وضعك جيدا ..”
” مهما فعلت لن تستطيع تدميري أبدا .. سأنهض مجددا كالعادة .. سأبقى دائما كابوسك الاول يا عمار .. ستقضي حياتك تحاول تدميري حد الموت ولكنني سأتجاوز ذلك في كل مرة .. ”
” سنرى يا أخي العزيز …”
قالها عمار بسخرية ليردد نديم بقوة :-
” سترى ذلك دائما يا عمار .. سأظل كالعلقم في حلقك لإن الحق معي .. وهذا ما يجعلني أثق إن العدالة سوف تتحقق يوما لا محالة وأتمنى فعليا أن تتحقق العدالة قبل أن تستفيق من طغيانك فلا أريد لك غفرانا ولو قليلا حتى …”
هم بالتحرك خارج الشقة لكنه عاد يشير إليه محذرا :-
” لا تنسى ما قلته ..حياة تحديدا خارج كل هذا .. إذا فكرت أن تؤذها او حتى تقترب منها بأي طريقة فسأدمر حياتك حتى لو كان في ذلك موتي ..”
اندفع خارج المكان تاركا عمار يتابعه بحقد شديد وعيناه تلمعان بتوعد مخيف ..
دلفت حياة الى جانب نديم حيث منزل عائلته ليجدان صباح بإستقبالهما وكذلك غالية ..
رحبت صباح بهما بسعادة وهي تحتضن حياة مباركة لها الزيجة لترد حياة تحيتها بخجل ..
اندفعت غالية تحتضن أخيها تهنئه مجددا بزيجته قبل أن تبارك لحياة وهي تمنحها نظرة مليئة بالإهتمام فتبتسم لها حياة بهدوء …
اتجه الجميع الى صالة الجلوس حيث سيجلسون هناك حتى موعد الغداء ..
هتفت صباح بحزن :-
” لم يتبقَ سوى يومين على سفركما .. لا أعلم كيف سأعتاد على غيابك يا نديم …”
هتف نديم بسرعة :-
” سأتصل بك يوميا .. كما إنني سآتي الى البلاد بين فترة وأخرى ..”
ابتسمت غالية تردد :-
” لا تقلقي يا أمي .. سترينه بالفيديو ايضا ..”
أضافت تهتف بجدية :-
” هل يمكنك التواجد غدا يا نديم انت وحياة .. فراس يريد موعدا لخطبتي رسميا فإذا كان الغد يناسبك ..”
سألها نديم :-
” إذا وافقتِ عليه رسميا ..؟!”
هزت رأسها متجاهلة نظرات والدتها الغير راضية وأضافت :-
” عائلته تريد التقدم لي رسميا فإدا كان الغد يناسبك ..”
قاطعها بجدية :-
” يناسبني .. سنكون في إستقباله غدا …”
ابتسمت بإمتنان قبل ان تنهض من مكانها تستأذنهما متجهة نحو المطبخ تتبعها والدتها التي أوقفتها داخل المطبخ تسألها بصيق خفي :-
” على أساس إنك تراجعتِ عن تلك الخطبة ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” لم أقل أبدا إنني تراجعت .. قلت إنني أفكر جديا بالأمر ..”
نظرت والدتها لها بعدم إقتناع لتسمعها تقول فجأة :-‘” عمار طلق ليلى ..”
هتفت صباح بدهشة :-
” ماذا ..؟! متى فعل ذلك ..؟!”
ردت غالية بسخرية :-
” في نفس يوم زفاف نديم ..”
” الحقير ..”
همستها صباح بكره لتهتف غالية :-
” نحن ظلمنا ليلى كثيرا ..”
نظرت والدتها لها بتجهم لتضيف غالية :-
” ضميري يؤنبني بإستمرار لأجلها .. لقد ساهمنا بتدمير حياتها بشكل او بآخر ..”
” ماذا تقولين انتِ ..؟!”
سألتها والدتها بعدم تصديق لتهتف غالية بجدية :-
” كان يجب أن يعلم نديم الحقيقة ..”
” اصمتي ، أية حقيقة وماذا سوف يستفيد منها ..؟!”
ردت غالية بقوة :-
” من أبسط حقوق ليلى أن يعرف نديم بمقدار تضحيتها لأجله .. كان يجب أن يعلم إنها تزوجته إنقاذا لحياته بعد تهديدات عمار بقتله وليس لأجل والدها كما قالت …”
” هذا لم يكن ليغير شيء .. انا ايضا اتألم لأجلها لكن علاقتها بنديم باتت مستحيلة ..، عمار لن يتركهما أبدا .. هذا واقع ولو فكرا بالعودة يوما سيسعى لإنهاء علاقتهما حتى لو إضطر لقتل أحدهما لا سامح الله …”
هنفت غالية بعدى اقتناع :-
” لا أعلم حقا .. انا فقط أذيت ليلى كثيرا وتجاهلت آلامها وانت ايضا فعلت ذلك مع إنها أكثر واحدة ضحت لأجل نديم وعانت من أجله ..”
وفي الخارج وقفت حياة تستمع الى حديثهما دون قصد بعدما جاءت لغرض المساعدة فشعرت بحديثهما يصغعها على وجهها بقوة ..
ليلى تزوجت عمار انقاذا لحياة نديم نفسه وليس لأجل والدها ..؟!
و نديم لا يدرك ذلك بالطبع …
يا إلهي ، ماذا يجب أن تفعل ..؟!
هل تخبره الحقيقة أيا كانت نتائجها أم تتجاهل الأمر كأنها لم سمعته أبدا ..؟!
هل سيرضى ضميرها أن تخبأ عنه سرا كهذا …؟!
شعرت بنفسها عاجزة عن إتخاذ اي قرار مناسب فجرت أذيال خيبتها عائدة من حيث أتت …
كانت تستعد للخروج عندما حملت هاتفها تتطلع الى صورتهما سويا بإشتياق ..
ضغطت على رقمه تتصل به فيأتيها صوته المرحب لتسأله :-
” كيف حالك يا أكرم ..؟!”
” انا بخير وانت ..؟؟”
ردت بخفوت :-
” انا بخير ..”
أضافت بضعف :-
” فقط إشتقت لك كثيرا ..”
سمعت صوت تنهيدته وهو يردد :-
” وأنا أيضا يا مريم ..”
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تهمس متسائلة :-
” متى ستعود ..؟!”
رد بجدية :-
” لا أعلم .. ربما الشهر القادم ..”
” انا اسفة يا اكرم ..”
همست بها بضعف ليتسائل مستغربا :-
” علام تعتذرين بالضبط ..؟!”
ردت بصوت مبحوح :-
” على كل شيء .. انا اسفة على كل آلم تسببت به لك .. فقط تذكر دائما إنني أحبتتك حقا وما زلت أحبك ..”
سألها بقلق :-
” ماذا يحدث يا مريم ..؟! هل أنتِ بخير ..؟!”
ردت بدموع صامتة :-
” انا بخير .. فقط وددت أن أخبرك بذلك ..”
ودعته بعدها سريعا ثم اعادت تزيين وجهها وتعديل مكياجها قبل ان تنطلق خارج غرفتها لتمر جانب غرفة ليلى فتشعر بإنقباضة لا إراديا في صدرها ..
تحركت بسرعة متجاهلة شعورها ذلك عندما ركبت سيارتها وقادتها متجهة الى احد أماكن السهر حيث ينتظرها اصدقاؤها هناك …
اثناء الطريق شعرت بسيارة تلاحقها فدب الخوف داخلها ..
حاولت أن تزيد سرعة سيارتها لكن السيارة الأخرى كانت سوداء ضخمة تقدمت سيارتها فورا ثم حاصرتها في احد الشوارع الخالية المظلمة ..
هبط مجموعة رجال من السيارة ملثمون تماما حيث فتح أحدهم الباب وسحبها من ذراعها وسط صراخها قبل أن يدخلها الى السيارة السوداء …
شعرت بقطعة قماش تغطي عينيها وأخرى تغطي فمها تمنع صوتها من الصدوح …
بعد مدة من الزمن توقفت السيارة في مكان مهجور حيث شعرت بالباب يفتح وذراع الرجل تسحبها الى الخارج بينما تحاول دفعه بشراسة دون فائدة ..
قادها الى داخل احد المستودعات حيث أجلسها على الكرسي بعدما قيد كفيها وأزال غطاء عينيها أخيرا لتتأمل المكان حولها بفزع حقيفي ..
وجدت أحدهم يقترب منها ويزيل القطعة المغلفة لفمها فصرخت بقوة :-
” من أنتم وماذا تريدون مني أيها الحقراء ..؟!”
” هش اهدئي وسوف نشرح لك ..”
قالها الرجل ببرود لتصرخ وتبدأ بشتمه بأبشع الألفاظ فتهوي كفه على وجهها لتشهق باكية من شدة الضربة ..
” لسانك الطويل يحتاج الى تقصير ..”
قالها الرجل متجاهلا بكائها الصامت رغم القوة المرسومة على ملامحها ونظراتها المتحدية ..
” لا تقلقي .. ستعلمين سبب خطفك بالتأكيد ..”
وقبل أن ينهي كلماته سمعوا اصوت سيارات تقتحم المكان يهبط منها مسلحون عدة فإندفع المسلحين الموجودين في المكان بأسلحتهم الى الخارج لتبدأ المواجهة بين الطرفين ..
” عمار ..!!”
صاحت بعدم تصديق قبل أن يركض نحوها يسألها بلهفة :-
” هل أنت بخير ..”
ثم سارع يفك يديها فتهمس متوسلة :-
” اريد الخروج من هنا ..”
” سنخرج حالا ..”
هتف احد رجاله :
” اخرجا فورا يا باشا … لقد توقف الطلق الناري وأعلن الرجال هنا إستسلامهم ..”
قبض على كفها يسحبها خلفه فشهقت بفزع وهي ترتطم بجثة أحد الموجودين ..
سارت معه نحو سيارته وهي تتطلع الى حراسه بخوف قبل أن يهاجمهم مجموعة من الرجال المتخفين داخلا برشاشات نارية ..
صرخت بفزع لتشعر بعمار يدفعها بقوة بعيدا خلف سيارته يقف أمام جسدها الصغير بجسده الضخم كسد منيع وقد أخرج مسدسه وبدأ يطلق النيران هو الآخر ..
صرخت بذعر من المشهد الدموي الذي تراه لأول مرة ..
استمر الوضع لدقائق موعودة قبل أن ترى تلك الرصاصة تخترق جسد عمار فيصرخ بألم وهو يسقط ارضا لتندفع نحوه تصرخ بفزع وبكاء بإسمه بينما يدها تلوثت بدماءه
..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية