رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع و الثلاثون 34
فتحت عيناها الخضراوين مستيقظة من نومتها أخيرا ..
نومتها التي إستمرت طيلة ساعات الليل بعدما فقدت وعيها بين ذراعيه فحملها ووضعها على السرير ثم ألقى الغطاء فوقها وتركها نائمة دون أن يفكر في جلب طبيب لها والاطمئنان عليها حيث قضى الليل بأكمله مستيقظا بدوره يفكر فيما حدث بينهما وحقيقة كونها لم تكن عذراء ..
رغم انه كان شبه متأكد من ذلك فلا سبب سوف يدفع أخيها لتزويجها الا سبب كهذا وخاصة مع شرطه الغريب بعدم لمسها أكد له شكوكه لكن أن يكتشف الأمر بوضوح منحه شعورا من الغضب المتفاقم وخيبة الذات ..
هو مهند الهاشمي الذي عرف بنات بعدد شعر رأسه وخبير الفتيات الأول يقع بهذه الطريقة ويتزوج من فتاة لم يكن الأول في حياتها ..
فتاة لم تصل الى السابعة عشر من عمرها بعد وفقدت عذريتها بطريقة لا يعملها لكنه سيعلمها بالتأكيد بعدما يؤدبها ويعاقبها جيدا ..
يتمنى لو يعاقب أخيه الذي يجزم إنه يعلم بكل هذا ويتمنى لو يلقي غضبه الذي يشبه الجحيم فوق رأسه ورأس أخيها المغرور لكنه لن يفعل ..
رجولته تمنعه أن يفعل ذلك فكيف سيفعل ذلك ويظهر أمامهما بمظهر الشخص الغبي علنا !!
كلا هو لم يكن غبيا .. هو كان يعلم كل شيء وإختار أن يدعي الغباء كي ينال ما يريد …!
والنتيجة إنه منح اسمه لعاهرة كهذه وتورط معها ..
هذه نتيجة تسرعه وتصرفاته الغير محسوبة ومحاولاته المستميتة للخروج من دائرة عائلته والتحرر عنهم بعيدا ..!
شعر بها تتململ داخل فراشها فنهض من مكانه متجها نحوها وهو ما زال عاري الصدر مكتفيا بإرتداء بنطاله ..
وقف مباشرة فوقها فتلاقت عيناها اللي فُتِحت لتوها بعينيه الزرقاوين الحادتين ..!!
انتفضت من نومتها وعادت اليها ذكريات الليلة الماضية على الفور حالما رآته فسيطر على ملامحها الفرع الشديد ..
قالها بصوته الجليدي البارد لتتراجع الى الخلف لا إراديا منكمشة على نفسها فأضاف مكملا بنفس الصوت الجليدي المخيف :-
” توقفي عما تفعلينه ومحاولات الإستعطاف خاصتك .. هذا لن يؤثر بي ولن يمنعني عن محاسبتكِ ..”
تشنجت ملامحها وترقرت الدموع داخل عينيها دون رد فانحنى نحوها يقبض على كتفيها بقوة يقربها منها ليشعر بإنتفاضة جسدها بين ذراعيه ..
” تنتفضين بين ذراعي الآن وانا زوجك بينما تمنحين جسدك بإريحية لرجل آخر لا يحل لكِ .. تمنحينه شرفك وعذريتك أيتها الساقطة ..!”
انتفضت باكية بنشيج مكتوم فأكمل وهو يهزها بعنف بلا مبالاة بما حل بها :-
” استمري في بكائك .. استمري هيا .. لن تؤثري بي أبدا .. دموع التماسيح خاصتك لن تؤثر بي ..”
قالت بصوت مبحوح ما إن توقف عن هزها وهي تغالب دموعها :-
صاح بها بقوة فأحاطت جسدها المنتفض بين ذراعيها وهي تبكي بصمت ..!!
اقترب منها مجددا يصيح بغضب مدمر :-
“أخبريني عنه .. من هو ..؟! من ذلك الذي منحته جسدك دون تفكير بشرف والدك وعائلتك .. ؟! تحدثي هيا …”
انتفضت مبتعدة نحو الطرف الآخير من السرير فقال وهو يتقدم نحوها مجددا من الطرف الآخر يحاوطها بجسده يتحدث بسلاطة دون أن يرف له جفن :-
” من فعل ذلك ..؟! تحدثي .. لن أترككِ دون أن تخبريني عمن فعل ذلك … تحدثي هيا .. سأقتلك ..”
قال كلمته الأخيره وهو يقبض على رقبتها بكفيه يعتصرها بشدة فشعرت بالإختناق يسيطر عليها ..
كان غاضبا بشدة .. ساخطا على نفسه وعليها وعلى كل شيء ..
غضب مهند الهاشمي عادة مدمر ولا يوجد شيء يمكن إيقافه مهما حدث فكيف إذا تعلق الأمر بشرفه ..؟!!
همست بضعف وهي تحاول أن تدفعه ليقول غير مباليا بملامح وجهها التي إحمرت كليا ودموعها التي جفت فوق وجنتيها :-
” من هو ..؟! أخبريني عنه .. ما اسمه ..؟! كيف تعرفتِ إليه ..؟! كيف ..؟!”
بالكاد إستطاعت نطقها وشعر هو بدوره بنفسها يتقطع بين كفيه فدفعها بعنف لستقط بكامل جسدها على السرير بينما هو إبتعد عن السرير يسير بجانبه محيطا خصره بذراعيه مرددا بعصبية مخيفة :-
” سأقتله .. والله سأقتله ..”
عاد يتقدم نحوها فزحفت بجسدها الى الخلف مرددا بنفس القوة والعينين المشتعلتين غضبا مخيفا :-
” سأقتله ثم أقتلك يا جيلان .. والله سأقتلك .. ”
همستها بذعر فقفز فوق جسدها لتصرخ هلعا ليكتم فمها كي لا يسمع صوت صراخها أحدا وهو يهتف بعصبية :-
” وأخوك الباشا يتحدث بكل عنجهية معي بل ويهددني أيضا .. كان عليه أن يعاقب أخته التي فرطت بشرفها بدلا من عنجهيته وغروره …”
أضاف يسألها بعينين تحاصران عينيها المذعورتين :-
” راغب كان يعرف ايضا ، أليس كذلك ..؟!”
هزت رأسها دلالة على عدم معرفتها ليبعد كفه عن فمها عائدا بجسده الى الخلف مرددا بينه وبين نفسه بصوت مسموع :-
” سأحاسبه .. وسأحاسب أخيك الحقير .. سأحاسب الجميع وأولهم أنتِ وعشيقك الساقط ..”
حاولت أن تعتدل في جلستها وهي تردد بصوت مبحوح باكي :-
” والله لم أفعل شيئا .. كنت مرغمة ..”
قاطعها قبل أن تنهي حديثها يصرخ بها :-
” لا أريد سماع صوتك .. اخرسي .. اخرسي تماما ..”
” والله سأحاسبكِ حسابا عسيرا يا جيلان .. لن أرحمك ثانية واحدة بعد الآن .. من الآن فصاعدا سترين وجه مهند الهاشمي الحقيقي ويا ويلكِ من وجهه …!!”
انكمشت مجددا كعادتها منذ بداية حديثه فأضاف بقوة مهيمنة وملامح بدت متوحشة للغاية :-
” من الإن فصاعدا ستعيشين في جحيم لا ينتهي يا جيلان .. يا ابنة عمي المصون ..”
نهض من فوق السرير يضيف بقوة ثابتة لا تتزحزح :-
” أمامكِ حتى المساء وتخبريني بإسم عشيقك الحقير .. وإذا لم تفعليِ فقسما بربي سأفعل ما لا يمكنك تخيله ..!!”
أضاف وهو يتجه نحو الباب ويسحب المفتاح الخاص بالجناح ثم استدار نحوها يشير لها :-
” ستبقين في هذا الجناح .. لن تخرجي منه بعد الآن حتى أوافق انا .. سأغلق الجناح وأخرج .. كل شيء بعد الآن سوف يسير بناء على أوامري ..”
أضاف وهو يرفع إصبعه في وجهها مرددا بتحذير :-
” وإياكِ ثم إياك أن تخبري أحدا بما حدث بيننا أو أن تشتكي لأي أحد عما حدث من خلف الباب ..”
أضاف وهو يتقدم نحوها مشيرا:-
لم تتحرك إنش واحد فقط جسدها كان يرتجف فجذب الهاتف الموضوع على الطاولة ووضعه في جيبه مرددا بحسم :-
” لن تأخذي هاتفك مجددا فأنتِ فتاة لا يمكن أن تؤتمن على أي شيء والله وحده يعلم ما قد تفعلينه بهذا الهاتف ..”
انهى كلماته واندفع خارجا مغلقا الباب بالمفتاح لتسمع هي صوت إغلاق الباب فتشهق باكية بصمت وهي تضع كفها فوق فمها وقد أدركت إن جحيمها بدأ بالفعل ..
اما هو فهبط الى الأسفل ليتجه نحو مكان وجود الخادمات فأشار الى إحداهن يخبرها بصوت قوي :-
” بعد ساعة من الآن خذي الفطور الى جيلان هانم .. هذا مفتاح الجناح .. سوف تضعين الفطور لها وتغادرين بعدما تغلقين الجناح بالمفتاح .. المفتاح سيبقى معكِ حتى أعود وأخذه منكِ.. نفس الشيء ستفعلينه وقت الغداء وإذا سأل أحدٌ من عائلتي عما يحدث أخبريهم إنها مريضة للغاية .. مصابة بالإنفلاونزا او ما شابه ولا يجب أن تهبط الى الأسفل كي لا يصابوا بالعدوى .. هل فهمت ..؟!”
هزت الخادمة رأسها بتفهم لا يخلو من الخوف ليمنحها المفتاح وهو يؤكد حديثه السابق :-
” إياك أن تفعلي شيئا يختلف عما أمرتكِ به .. وإلا سيكون عقابك قاسيا .. نفذي ما قلته بالحرف الواحد. .”
عادت تهز رأسها بتفهم ليبتعد عنها وهو يزفر أنفاسه بقوة قبل أن يفتح هاتفه ويقلب في أرقامه فيصل الى رقمها ينظر إليه بتردد ما بين رغبته بالذهاب إليها وهو يثق إنها ستعرف كيف تخفف عنه وطأة غضبة وبين قراره بإقصائها من حياته لفترة حتى تتأدب وتدرك حجم خطأها وتعرف كيف تتعامل معه ..
حسم قراره أخيرا وبعث رسالة مختصرة كتب فيها :-
وبعد لحظات قليلة وجدها تتصل به فضحك ساخرا وهو يراها تتلهف بسرعة لإجابته ليضغط على زر الإجابة ويتحدث معها مقررا بحسم :-
………………………………………………………………..
وقفت أمام المرآة ترتدي أقراطها الناعمة بعناية عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها يتبعها دخول مريم ما إن سمعت صوت أختها يسمح لها بالدخول ..
تقدمت مريم نحوها تسألها بصوت مرهقا ما زالت آثار النوم تسكنه :-
” هل ستذهبين الى والدي ..؟!”
ردت ليلى وهي تستدير نحوها :-
” نعم سنذهب انا وماما إليه .. أبقى عنده قليلا ثم أذهب الى الشركة لأرى ما يحدث ..”
” أنا أيضا سأذهب لكن بعدكما بقليل .. أحاول الإستيقاظ جيدا فالنعاس ما زال يغالبني ..”
” عودي الى النوم لساعتين آخريتين .. وبعدها خذي حماما منعشا ثم اذهبي لرؤية أبي .. من الأفضل أن ترتاحي أكثر قبل ذهابك ..”
” سأتناول فطوري سريعا اولا ربما تساعدني القهوة في رفع نسبة نشاطي قليلا ..”
قالت ليلى بجدية وهي تسحب حقيبتها :-
خرجت الفتاتان من الغرفة ليلى بطلتها الأنيقة ومريم ببيجامة نومها ترتدي فوقها روب طويل وقد عجزت عن تبديل ملابسها ..
هبطتا الى الطابق السفلي لتجدا والدتهما تجلس على طاولة الطعام ترتشف قهوتها وطبقها كما هو لم تضع فيه شيئا ..
ألقيتا تحية الصباح وجلستا على جانبها الأيمن لتسألها ليلى :-
” سنذهب سويا الى بابا ، أليس كذلك ..؟!”
هزت فاتن رأسها موافقة دون رد لتهتف مريم بدورها :-
” لم تتناولِ شيئا يا ماما ..”
” لا شهية لدي لتناول أي شيء ..”
” هذا لا يجوز يا ماما .. انتِ تحتاجين الى طاقة فأمامك يوم طويل وشاق ..”
” ستتعبين يا ماما إذا لم تتناولي شيئا وربما يهبط السكر عندك او الضغط لا سامح الله ..”
” سأخذ شيئا خفيفا معي أتناوله عندما أشعر بالجوع ..”
” وخذي شوكولاتة او شيئا حلوا كي تتناوليه إذا هبط السكر عندك لا سامح الله ..”
هزت فاتن رأسها دون رد وكان واضح كم التعب والألم المسيطران على ملامحها ..
” ماذا سنفعل بذلك الصغير ..؟!”
همت ليلى بالرد لكن والدتها قاطعتها :-
” ماذا سنفعل به مثلا يا مريم ..؟! سيبقى في منزل والده حتى يحن قلب والدته وتأخذه مجددا ..”
” وإذا لم تفعل ولم يحن قلبها ..؟!”
” هذا منزل والده سيبقى فيه حتى لو لآخر العمر ووالدك سيخرج بإذن الله قريبا من المشفى ويتصرف مع والدته ويدبر أمره .. في النهاية هذا الصغير ابنه وأخوكِ ووجوده هنا في حالة غياب والدته هو الشيء الأكثر منطقية .. أليس كذلك يا مريم ..؟!”
هزت مريم رأسها على مضض لتنظر فاتن الى ليلى وتسألها عن قصد :-
قالتها ليلى بهدوء لتهتف فاتن بجدية :-
” هذا أخوكما .. مهما حدث وأيا كانت والدته يبقى أخوكما .. ولدتم جميعا لنفس الأب وتحملون نفس الدماء والكنية ..”
قالت مريم تتسائل مجددا :-
” هل ستخبران بابا بما حدث البارحة ..؟!”
” بالطبع لا يا مريم ..كيف سأخبره بشيء كهذا .. سوف يسوء وضعه إذا علم بتصرف سهام الحقير مع إنني أفضل أن يعرف بالأمر كي لا ينصدم عندما يعود الى هنا بعد أيام معدودة ويراه دون معرفة مسبقة بما حدث ..”
” انا لا أفهم ماذا حدث لتتصرف هكذا ..؟! هل علمت بأمر الميراث ..؟!”
سألت مريم بإهتمام لترد ليلى بجدية :-
” نعم وحدث غير ذلك ايضا ..”
توقفت للحظات ثم قالت :-
” تشاجرت مع والدك وهو بدوره ألقى يمين الطلاق عليها ..”
” هكذا إذا .. كان عليكِ أن تقولي هذا منذ البداية .. الآن فهمت سبب تصرفها البارحة ..”
قالها مريم وهي تبتسم بسخرية لتسألها فاتن :-
” ما أعنيه إن تصرف سهام هانم محاولة منها لإستعادة ما خسرته .. هي تستخدم الصغير كورقة ضغط على أبي كي يعيدها على عصمته ويمنحها جزءا لا بأس به من أملاكه وأمواله ..”
” نعم ، هذا بالضبط ما فكرت به .. تترك الصغير لدينا وعندما يعلم والدي بما حدث ويرى حاجة الطفل لوالدته سيضطر الى التوافض معها .. ”
” انا لا يمكنني أن أرى شيئا أحقر من هذا .. تستغل ابنها للضغط على والده وتتخلى عنه وترميه عندنا وهي حتى ليست واثقة من طريقة معاملتنا له ..”
قالها مريم بنفور لتهتف فاتن بشرود :-
” عادي جدا .. هناك من يفعلن أسوء من ذلك .. ليست كل أم تستحق هذا اللقب وليس جميع الأطفال ينالون حظهم الجيد في آبائهم وأمهاتهم ..”
” ولكننا نلنا حظا كبيرا رائعا بوجودك كونك أمنا ..”
قالتها ليلى بمشاعر صادقة لتؤيدها مريم :-
” نعم نحن محظوظتان بك كثيرا يا ماما ..”
أدمعت عينا فاتن التي قالت بجدية :-
” هل تصدقاني لو أخبرتكما إنكما أفضل شيء حدث لي في حياتي ..؟! انا حتى بعدما فعله والدكما بي سأبقى ممتنة له كونه كان سببا بعد الله في إنجابي لكما ..”
أدمعت عينا ليلى وهي تضغط على كفها بحب فربتت فاتن على كفها قبل أن تأخذ نفسها ثم تقول :-
” كنت سأفكر أن آخذ عبد الرحمن إلى والدك .. بالتأكيد سيفرح بوجوده لكن أخاف أن يخبره بما حدث فيحدث العكس وتستاءحالته ..”
” برأيي ألا نفعل ذلك الآن .. ”
قالتها ليلى بحذر لكن مريم قالت بجدية :-
” هو في السادسة من عمره او ربما أكبر .. يمكن أن يزور والدي قليلا ثم يعود الى هنا .. برأيي بابا سيفرح عندما يراه ..”
” وربما عندي يرى طفله الذي ما زال صغيرا سوف يتحسن وضعه عندما يدرك إن هناك مسؤولية طفل لم يتجاوز السابعة من عمره معلقة في رقبته .. ”
” وما الحجة التي سنقولها له بحيث إننا جلبنا له الصبي ..؟! سيعلم كل شيء عندما يراه ..”
قالتها ليلى بجدية لتزفر فاتن أنفاسها بقوة ثم تقول :-
أضافت وهي تنهض من مكانها مشيرة الى ليلى :-
” إذا انتيهت من فطوركِ دعينا نذهب ..”
ردت ليلى والتي ارتشفت القليل من قهوتها سريعا :-
” اساسا لا شهية لدي لشيء ..”
ثم سارت جانب والدتها بعدما ودعت مريم لتقبض على ذراعها وهي تسير جانبها مرددة بجدية:-
” برأيي إن بابا يجب أن يعلم بتصرف سهام .. هو سيخرج خلال أيام أساسا ويرى كل شيء بعينه وأيضا أخاف أن تزوره سهام في المشفى وتخبره بتصرفها او تبعث له مرسالا .. لو نمهد له نحن ما حدث ويصبح لديه علم أفضل ..”
قالتها فاتن بتحذير لترد ليلى بجدية :-
” بالطبع سأفعل ذلك .. اساسا لن أقوم بأي تصرف دون إستشارة الطبيب وأيضا سأمنع سهام من الوصول الى والدي او رؤيته ..”
” هل ستجلبين حرس امام غرفة والدك ..؟!”
سألتها فاتن بعدم تصديق لترد ليلى بتصميم :-
” نعم سأفعل .. انا مضطرة لذلك .. اساسا تواصلت مساء البارحة مع شركة متخصصة بهذه الأمور كي يجهزان حارسين يقفان أمام غرفته يمنعان دخول سهام او اي مرسال وأي شخص مهما كان دون وجود أحد منا بجانبه وسهام بالذات سأطلب من مدير المشفى منعها من الدخول الى المشفى أساسا ..”
” أصبحت تفكرين بكل شيء وتنظمين كل شيء بطريقة تبهرني شخصيا ..”
قالتها فاتن وهي تتأملها بفخر لا إرادي لتبتسم ليلى وهي تربت على كتفها مرددة :-
” أفعل كل شيء لأجل سلامة أبي وسلامة عائلتنا كلها بالطبع … لا تقلقي يا ماما .. طوال ما أنا موجودة معكم لن أسمح لأي شخص أن يمس أيا منكم بسوء ..”
” أثق بذلك أكثر من أي شيء .. انا فخورة بك يا ليلى .. فخورة بقوتك وعطائك ومدى إهتمامك بجميع من حولك .. انا أشعر بفخر شديد لإنكِ إبنتي ..”
جذبتها والدتها نحوها تحتضنها بقوة لتبادلها ليلى عناقها وهي تبتسم بسعادة سكنت روحها بسبب كلام والدتها الذي جاء كالبلسم لجروحها وجعلها تشعر بالفخر الشديد لذاتها بسبب قدرتها رغم كل شيء على الإستمرار وتقديم الدعم والمساندة لجميع من حولها وهذا منحها شعورا شديدا بالقوة والثقة بالنفس ..شعورا كانت إفتقدته لسنين طويلة وهاهو عاد إليها مجددا وبعودته شعرت إن ليلى القديمة عادت أخيرا ..!!
……………………………………………………………..
خرجت حياة من غرفة نومها وهي ترتدي ملابسها والصداع الشديد يلازمها طوال الليل بحيث لم تستطع النوم سوى لسويعات قليلة جدا كان نومها خلالها متقطعا أسوء ما يكون ..
تأملت إتصالات والدتها وحنين العديدة وكذلك مي فإكتفت برسائل مختصرة تخبرهن إنها بخير وستتصل بهن بعد عودتها من الجامعة دون أن تذكر أمر تعبها ..
تقدمت نحو المطبخ لتجده نضيفا مرتبا ونديم ليس موجود فيه ففكرت إنه ما زال نائما ..
بدأت تسعل بقوة حتى شعرت بالتعب فجلست لا إراديا على الكرسي جانبها تستند بكفيها فوق الطاولة مخفضة وجهها نحو الأسفل ومغمضة عينيها والصداع الشديد عاد اليها مجددا مع ألم بدأ يغزو أغلب جسدها ..
ظلت على هذه الحالة حتى سمعت صوتا يسألها بقلق :-
” حياة .. ماذا حدث ..؟! هل أنت بخير ..؟!”
رفعت وجهها المرهق نحوه فردت مدعية الصلابة :-
” نعم انا بخير .. فقط صداع خفيف ..”
تحاملت على نفسها وهي تنهض من مكانها تردد :-
” سأعد الفطور لي .. ماذا تريد أن تتناول معي ..؟!”
تقدم نحوها وجذبها من كفها قائلا :-
” اجلسي انتِ وأنا سأعد الفطور لكلينا .. ماذا يؤلمك بالضبط ..؟!”
” سأعد لك الفطور ثم أمنحك دواءا للصداع ..”
قالها بجدية ثم آمرها وهو يشير الى الكرسي المجاور للطاولة :-
” اجلسي هيا مكانك وانا سأعد كل شيء ..”
كانت مرهقة لدرجة لا تسمح لها بمعارضته فنفذت أوامره وجلست على الطاولة بتعب شديد فبدأ نديم يعد طعام الفطور سريعا فوضع أمامها البيض المقلي وانواع من الجبن والقشطة والعسل والتوست الأسمر …
صب الشاي لها وله ثم قال وهو يجلس أمامها :-
حملت قطعة من التوست الأسمر ووضعت فوقها القليل من المربى ثم بدأت تتناولها ببطء شديد ومعها الشاي الحار …
انتهت أخيرا من تناول القطعة فهمست بضعف :-
نهض من مكانه مسرعا وجلب لها الدواء وصب لها الماء فتناولته بسرعة ثم شكرته بخفوت ليهتف نديم بجدية وقلق وهو يربت على شعرها القصير :-
” لا تذهبي الى الجامعة اليوم يا حياة .. من الواضح إنك مريضة وتحتاجين الى الراحة ..”
” دوامي قصير أساسا .. أقل من ثلاث ساعات وتنتهي محاضرات اليوم ولا أريد الغياب من البداية ..”
زفر أنفاسه وهو يتطلع الى وجهها الشاحب بقلق ليقول بعد لحظات :-
لكنه كان مصرا وهو يقول :-
” من المستحيل أن أترككِ تغادرين لوحدك .. سأوصلك بنفسي وانتظرك أيضا .. ولا مجال للرفض ..”
ثم توجه مسرعا نحو غرفته لتغيير ملابسها بينما وجدت هي بندق يقترب منها فرفعته بتمهل وهي تلمس فوق فروة رأسها بحنو والألم ما زال يسيطر عليها ..
خرج نديم مسرعا مرتديا ملابسها فنهضت من مكانها وهي تحمل بندق وحقيبتها لتقول مشيرة الى الكلب :-
” لا يمكننا تركه هنا لوحده .. سنأخذه معنا ..”
هز رأسه دون معارضة وهو يراها بهذا الوضع المتعب لتسير أمامه وتخرج من الشقة يتبعها هو ..
هبطا سويا الى الخارج حيث لفحتها نسمات الهواءالباردة التي تدل على قرب قدوم الشتاء فسعلت بقوة ليهتف نديم بقلق :-
” لنذهب الى الطبيب يا حياة بدلا من الجامعة ..”
لكنها كانت مصرة على الذهاب الى جامعتها فقالت :-
” لا تقلق يا نديم .. انها موجة سعال خفيفة .. دعنا ندهب الى الجامعة من فضلك ..”
فتح سيارته التي جلبها له داني مساء البارحة واستخدم جهاز الموقع لكي يعلم طريق الجامعة ..
وصل بعد حوالي ربع ساعة ففهم إن داني اختار موقعا قريبا من جامعة حياة للغاية ..
التفت نحوها مرددا بجدية :-
” سأنتظرك حتى تنهين محاضراتك .. سأبقى هنا ..”
” هل تمزح يا نديم ..؟! امامي حوالي ثلاث ساعات .. غادر انت وسأعود انا ..”
قالها بإصرار فقالت بسرعة :-
” غادر من فضلك وتعال بعد انتهاء الدوام على الأقل .. لقد أصبحت أفضل حقا فالدواء بدأ يأخذ مفعوله حتى إن الصداع خف علي كثيرا …”
نظر إليها بعدم اقتناع فقالت بتوسل :-
” حسنا يا حياة .. اذهبي انت الآن فمحاضرتك ستبدأ …”
هزت رأسها بتفهم ثم هبطت من السيارة ليتابعها بأنظاره حتى دخلت الى الجامعة وإختفت تماما فيشير الى بندق الجالس خلفه يحادثه وكأنه يفهمه :-
” نحن لن نعود الى الشقة بالطبع .. سنبحث عن مكان قريب نجلس فيه حتى ينتهي دوامها ثم نأتي فورا ونأخذها ..”
حرك مقود سيارته يبحث بنفس الجهاز عن اقرب مقهى او مطعم من الجامعة ولحسن حظه وجد مقهى قريب للغاية في نفس شارع الجامعة فقرر الدخول اليه والبقاء فيه حتى تنتهي محاضرات حياة ..
اما حياة فدلفت مسرعة الى قاعة المحاضرات وجلست في المدرج الأخير حيث بدأت المحاضرة فشعرت بالألم يكسو جسدها مجددا …
كان ألمها يزداد مع مرور الوقت حتى كادت أن تغادر المحاضرة لكنها تحاملت على نفسها وأنهتها ..
انتهت المحاضرة أخيرا بعد حوالي ساعة ونصف فبقيت مكانها مخفضة رأسها نحو الأسفل وهي تحيط جانبيه بأناملها تضغط عليه بقوة عل الصداع يخف إضافة الى ألم جسدها وأطرافها الشديد ..
شعرت بظل يتكون فوقها فرفعت وجهها لترى مايكل يسألها بقلق :-
” انهضي وغادري الى المنزل فورا .. سآخذك الى هناك ..”
قالها بجدية لتشكره وهي تقول :-
” أشكرك كثيرا .. لكن زوجي سيآتي ويأخذني ..”
” دعينا ننهض اولا ونخرج من هنا …”
نهضت من مكانها وبدأت تلملم أغراضها حتى شعرت بفقدان توازنها فسارع يسندها ويجلسها في مكانها مجددا ..
” حياة انت مريضة حقا .. كيف أتيت الى الجامعة ..؟!”
سيطر الضعف عليها وهي تردد :-
اخرج هاتفه من جيبه وقال :-
” سأتصل بجينا كي تأتي ونأخذك الى المنزل .. اعلم إنك لن تقبلي أن تغادري الجامعة معي لوحدي ..”
” لا داعي حقا يا مايكل .. سأتصل بزوجي ..”
” لن ننتظر زوجك .. سنوصلك فورا ..”
وبالفعل سارع يتواصل مع جينا التي أتت فورا وأسندتها حيث كانت حياة تستند عليها وهي تغادر الجامعة عندما رن هاتفها فهتفت بضعف :-
” هاتفي يرن .. ربما نديم يتصل بي ..”
حملت جينا حقيبتها وأخرجت هاتفها عندما توقفتا بجانب السيارة الذي سارع مايكل لتشغيلها فسألت جينا :-
” هل أجيب نيابة عنك وأخبره إنك آتية ..؟!”
هزت حياة رأسها بسرعة وهي تشعر بعدم قدرتها على الحديث فسارعت جينا تتحدث :-
” مرحبا انا جينا .، صديقة حياة .. هي متعبة للغاية ..”
سمعت صوت نديم يهتف منتفضا من مكانه بخوف وقلق :-
” ماذا حدث معها ..؟! انا سآتي حالا ..”
هتفت جينا بسرعة تحاول تخفيف قلقه الواضح :-
” هي ستأتي معي انا ومايكل الى المنزل .. لا تقلق فقط حاول أن تكون متوجدا عندما نصل لتهتم بها ..”
” انا في المقهى جانبكم .. انتظراني وسآتي خلال دقيقتين ..”
ثم اغلق الهاتف دون أن يسمع ردها فأشارت جينا الى مايكل الذي هبط من سيارته :-
” زوجها في المقهى جانبا .. سيأتي حالا ..”
ثم سارعت تجذب حياة من ذراعها تخبرها :-
” انتظري في السيارة حتى يصل زوجك ..”
جلست حياة في المقعد الأمامي للسيارة لتضع جينا كفها على جبينها فتهتف بسرعة :-
” أشعر إن حرارتها إرتفعت قليلا ..”
نظر مايكل الى حياة بقلق حتى وجدا سيارة فخمة تقترب منهما يهبط منها نديم بسرعة والذي تقدم نحويهما وتحديدا نحو حياة وهو يتسائل بلهفة :-
” مريضة للغاية .. وحرارتها بدأت ترتفع ..”
جذبها نديم من مكانها فتحاملت حياة على نفسها بسرعة وسارت معه نحو السيارة بضعف شديد ..
أجلسها في المقعد الخلفي ومددها عليه ثم عاد الى مايكل وجينا يشكرهما عندما هتف مايكل بسرعة :-
” هناك طبيب يمكنك أن تتصل به حيث يأتي الى المنزل ويفحصها ..”
” يمكنني التواصل معه ومنحه عنوان منزلك وستجده عندك خلال ساعة ..”
” سأكون ممتنا كثيرا لك ..”
قالها نديم بسرعة ليسارع مايكل بالاتصال في الطبيب قبل أن يخبره إنه سيعطي رقم هاتفه لنديم ليرسل له موقع شقته ..
انهى المكالمة ثم أعطى رقم هاتف الطبيب لنديم الذي سارع يرسل موقع الشقة له قبل أن يشكر مايكل وجينا بإمتنان شديد ثم يودعانه بعدما طلبا رقمه كي يتواصلا معه ويطمئنان على حياة ..
قاد نديم بعدها سيارته متجها الى شقته عندما هبط من سيارته بعدما أوقفها في الكراج واتجه الى المقعد الخلفي وحمل حياة التي غفت تماما ثم سارع يفتح الباب لبندق وهو يحمل حياة ليقفز الكلب ويسير خلفهما متبعا خطوات نديم …
دلف نديم الى الشقة وهو يحملها بين ذراعيه يتأملها بقلق شديد وخوف شعر به يكسو كل إنش من جسده ..
سارع ووضعها على السرير في غرفتها ودثرها جيدا بالأغطية قبل أن يخرج من مكانه منتظر خروج الطبيب يتبعه بندق الذي فوجئ به يتقدم نحوه ويحرك رأسه الصغير على قدمه فحمله نديم وهو يشعر بسكون غريب سيطر على الكلب والذي يبدو إنه شعر بما أصاب صاحبته وتأثر لأجلها ..
أخذ نديم يمرر أنامله بين فرو الكلب وهو يردد :-
” لا تقلق .. مجرد مرض خفيف وسينتهي .. حياة قوية وستكون بخير …”
قالها وكأنه يتحدث مع نفسه في الحقيقة وليس مع الكلب .. يحاول أن يحفي قلقه بل يبعده تماما وهو يخبر نفسه إنها قوية وستتخطى مرضها بكل تأكيد ..
………………………………………………………
فتحت نانسي عينيها على صوت رنين هاتفها فجذبت الهاتف لتجد اسم صلاح يضيء على الشاشة ..
اعتدلت في جلست وأجابت على إتصاله تردد بصوت ناعس :-
” مرة واحدة فقط اتمنى أن أتصل بك وأجدكِ مستيقظة ولستِ نائمة كالعادة ..”
قالها بتهكم لتتجاهل لهجته وهي تتسائل :-
” ماذا حدث لتتصل مبكرا ..؟!”
” مبكرا .. الساعة تجاوزت الواحدة ظهرا ..”
زفرت أنفاسها مرددة بملل :-
” بالنسبة لي مبكرا .. المهم بالتأكيد هناك سبب لإتصالك بي ..”
” نعم وسبب مهم جدا .. تحدثت مع عائلتي ووافقوا على أمر خطبتنا .. لم يتبقَ سوى تحديد موعد مع عائلتك كي نزور منزلكم ونتقدم رسميا لخطبتك ..”
سيطر الإرتباك عليها وهي تقول بإضطراب :-
” نعم بالطبع .. سأخبر ماما وأحدد موعدا مناسبا معها ..”
” هل عدت الى منزل عائلتك أم ..”
” ما زلت في الفندق لكنني سأعود قريبا ..”
” حسنا .. انتظر منك اتصالا في أقرب وقت كي تخبريني بالموعد المحدد ..”
أنهى اتصاله معها لتنظر الى الهاتف بعدما أغلقته مفكرة في كيفية إقناع والدتها بهذه الزيجة ..
نهضنت من مكانها وتوجهت نحو الحمام تغتسل ..
خرجت بعد مدة وهي ترتدي روب الإستحمام وتجفف شعرها بالمنشفة عندما سمعت صوت رنين هاتفها لتحمله فتجد عدة اتصالات من هايدي ورسائل تخبرها إنها قادمة الى الفندق الذي تقطن به لتتحدث معها ..
رمت هاتفها جانبا وجلست على السرير بتعب وعقلها لا يتوقف عن التفكير ..!!
بعد حوالي ربع ساعة فتحت نانسي الباب لأختها وهي ما زالت ترتدي روب الإستحمام فدلفت هايدي الى الداخل لتغلق نانسي الباب خلفها وهي تسمع أختها تتسائل :-
” هل كنت تستحمين وانا أتصل بكِ ..؟!”
اومأت نانسي رأسها دون رد فوضعت هايدي حقيبتها الأنيقة على الطاولة ثم توجهت نحوها وسألتها بإهتمام :-
” كيف أصبحت الآن ..؟! هل أعصابكِ هدأت قليلا .. ؟!هل أنتِ أفضل الآن ..؟!”
ردت نانسي بقوة مصطنعة :-
” أعصابي هادئة منذ مدة ولا تنفعل إلا بسبب والدتك وتصرفاتها ..”
” لقد جئت أساسا لأجل هذا الموضوع ولأجل الاطمئنان عليك بالطبع ..”
قالتها هايدي بجدية لتهتف نانسي وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :-
” تحدثي بوضوح يا هايدي ودون مراوغات .. مالذي تودين قوله والذي بالطبع إتفقتِ عليه اولا مع ماما ..”
قالت هايدي مدافعة عن نفسها :-
” سأقول ما لدي وماما لا علاقة لها بما أقوله لكن هذا لا ينفي إنها ترفض أمر هذه الزيجة تماما ..”
تغضن جبين نانسي بصيق فقالت هايدي بجدية :-
” ماما معها حق يا نانسي .. صلاح الخولي لا ينفع زوجا لك .. هو أساسا لا يصلح لعلاقة حقيقية .. سمعته تسبقه ولا يمكن لشخص كهذا أن تربطي حياتك به ..”
” ولكنني أريده وهو يريدني وعائلته ستتقدم لخطبتي .. فقط ينتظرون موعدا تحدده والدتي ليأتون الى منزلنا ويخطبونني رسميا ..”
” أي موعد ..؟! أخبرتكِ إن ماما ترفض الأمر تماما …”
قالتها هايدي بعدم تصديق لترد نانسي بجدية :-
” هي مجبرة أن توافق .. انا أريد صلاح ولا توجد قوة على هذه الأرض ستمنعني عنه …”
” ماذا جرى لكِ يا نانسي ..؟! ما سر هذا التمسك المريب ..؟! متى أساسا أصبح صلاح مهما لكِ لهذا الحد ..؟! هو كان مجرد صديق بل أقل من ذلك وأنتِ بالأساس كنتِ مغرمة بإبن عمه ..”
قاطعتها نانسي بعصبية شديدة :-
” من فضلك توقفي .. أمر نديم انتهى .. لقد تزوج ووفقه الله مع إمرأة غيري ..”
” هكذا فجأة أصبح نديم مجرد ماضي .. نديم الذي أحببته لسنوات كما نعلم جميعا … وفجأة أصبح صلاح كل شيء .. هل هذه تصرفات منطقية بالله عليك ..؟! انتِ ماذا تفعلين بنفسك بالضبط ..؟! لماذا تحاولين تدمير نفسك بهذا الشكل ..؟!”
قالتها هايدي بعصبية فشلت في السيطرة عليها فردت نانسي بشفاه مرتجفة بل وجه يرتجف بالكامل وكأنها على وشك الإنخراط في بكاء شديد :-
” نعم أنا هكذا .. أدمر نفسي .. تصرفاتي غير منطقية .. اتركاني افعل ما أريد .. لا تتدخلان في حياتي .. ”
” انتِ مسؤولة منا ونحن نخاف عليكِ .. ألا تفهمين ذلك حقا يا نانسي ..؟!”
هتفت هايدي بها بصدق لتصيح نانسي بإنفعال :-
” كلا لا أفهم ولن أفهم وكلامك هذا لن يغير قراري .. انا سأتزوج من صلاح اما شعوركما بالمسؤولية إتجاهي وخوفكما علي لم يعد ينفع بشيء لإنه تأخر كثيرا يا هايدي .. تأخر لدرجة لا يوجد هناك مجال للرجعة لذا من فضلكما قفا جانبي لمرة واحدة وساعداني في أهم خطوة قادمة في حياتي ..”
” كيف تريدين أن نقف معك ونساندك في خطوة ستدمر حياتك ..؟!”
سألتها هايدي بعدم إستيعاب لترد نانسي بإنهيار بدأ يظهر عليها رقد فشلت في السيطرة على أعصابها :-
” لإن عدم حدوث هذه الخطوة هو الدمار الحقيقي لحياتي …”
سألتها هايدي بتوجس لترد نانسي وهي تنهار باكية :-
” ألم تفهمي بعد ..؟! انا يجب أن أتزوجه .. لا يوجد لي حل آخر .. انا مجبرة على ذلك .. هذه الزيجة يجب أن تتم على آية حال …”
سألت هايدي وهي تبتلع ريقها :-
” انت لا تقصدين ذلك بالطبع ..”
ردت نانسي بدموع لاذعة :-
أضافت وهي تسقط مكانها ببكاء على أرضية الغرفة :
” انا دمرت نفسي .. منحت جسدي وشرفي له .. لا حل أمامي سوى أن أتزوجه .. هذه الطريقة الوحيدة لإستعادة شرفي …”
تجمدت ملامح هايدي كليا وهي تستمع لإعتراف أختها الخطير قبل أن تنحني أرضا نحوها تهتف بعدم تصديق :-
” كيف حدث هذا ..؟! كيف إستطعتِ فعل هذا .. ؟! كيف تلاعبتِ بشرفك بكل إستهتار ..”
قالت كلماتها وهي تضربها على ذراعها بقوة وتردد بإنفعال باكي :-
” كيف ..؟!! كيف ..؟!! كيف …؟!!”
انهارت نانسي باكية وهي تردد :-
” لم أكن في وعيي … كنت مخمورة تماما وهو كذلك .. حدث كل شيء دون وعي منا .. والله لم أكن واعية لأي شيء ..”
أضافت وهي تقبض على كفي أختها تتوسلها :-
” ساعديني يا هايدي .. انت الآن أصبحتِ تعرفين سري .. لا احد سواك يعلم .. اساسا لا يوجد غيرك يمكنني إخباره بشيء كهذا ويمكنه مساعدتي .. من فضلك ساعديني ..”
” صلاح سيتزوجني .. حتى هو من اقترح أمر الزيجة .. هو من أراد ذلك لإنه نادم بشدة ..”
رمت نفسها بين أحضان أختها تتوسلها ببكاء يمزق نياط القلب :-
” ساعديني ارجوك .. اقنعي ماما بأمر الزيجة .. ارجوكِ يا هايدي .. أتوسل إليك ..”
أغمضت هايدي عينيها بقوة والدموع الحارقة تجمعت داخلها وعقلها بدأ يعمل دون توقف لإيجاد حل لهذه المصيبة ..
…………………………………………………………….
جلس فراس أمام أوليفيا التي أتت الى مكتبه أخيرا بعدما اتفقا على هذا الموعد ..
سألها وهو يضع فنجان قهوته أمامه :-
ردت أوليفيا وهي تبتسم :-
” رائعة .. شركة فخمة للغاية كصاحبها تماما ..”
” إذا متى ستبدئين العمل معنا ..؟!”
” امنحني بعض الوقت .. سأرتب أموري كاملة حتى أكون جاهزة لبدأ العمل معك ..”
” نحن في انتظارك دائما وفي أي وقت ترغبين ..”
” تمسككِ بي لهذه الدرجة يسعدني حقا .. يبدو إن تأثير غالية قوي عليك ..”
قالتها وهي تغمز له بمكر ليضحك وهو يردد:-
” بالطبع .. غالية خطيبتي وزوجتي المستقبلية وانت من طرفها .. ”
أضاف وهو يضغط على شفتيه :-
” وأي شخص من طرف غالية سيكون غالي علي مثلها تماما …”
ابتسمت بجاذبية مفرطة وقالت :-
ثم أضافت بضحكة رائقة :-
” إذا بهذه المناسبة سأتصل بغالية وأشكرها وأدعوها على العشاء وبالطبع أنت مدعو معها .. هل لديك عمل مهم مساء الغد ..؟!”
” حتى لو كان لدي عمل هام .. سوف أؤجله لأجل عزيمتك ..”
ابتسمت بخفوت ثم نهضت من مكانها وهي تحمل حقيبتها لينهض بدوره فتمد يدها له تحييه فيقبض على يدها يضغط على عن قصد مرددا :-
ابتسمت وهي ترد بحماس :-
” بالطبع .. كلي حماس لهذا العشاء ..”
ثم سحبت يدها من بين قبضته وغادرت ليبقى هو مكانه يتأملها للحظات قبل أن يتجه نحو مكتبه ويحمل هاتفه يجري اتصالا بها :-
” اهلا عهد .. جهزي تميم سآتي وأخذه خلال نصف ساعة ..”
” سيكون جاهزا في إنتظارك …”
أغلق الهاتف ثم حمل مفاتيحه وغادر المكان ..
وصل الى هناك بعد حوالي ثلث ساعة فركن سيارته جانبا وهبط منها متجها الى داخل العمارة متوسطة الحال حيث صعد الى الطابق الثاني حيث توجد شقة زوجته السابقة ..
ضغط على جرس الباب ليجد تميم يفتح الباب له مرددا بسرعة :-
” خمس دقائق وأكون جاهزا ..”
ثم ركض الى الداخل تاركا والده عند الباب لتأتي عهد بعد لحظات بطلتها الإعتيادية البسيطة حيث بيجامتها المحتشمة الأنيقة وشعرها الأسود الطويل المرفوع عاليا بشكل كعكه وبالطبع وجهها الخالي من مستحضرات التجميل ..
لطالما كانت مثال للبساطة الشديدة في المنزل ورغم هذا كانت تجذبة بقوة مخيفة دون أن تبذل أي مجهود يذكر ..
في الواقع عهد المرأة الوحيد التي جذبته رغم كونها عادية جدا .. بسيطة للغاية وعفوية في كل شيء ورغم هذا كان يحترق بجوارها بطريقة لم يشعر بها مع أي إمرأة سواها دون أن يفهم سبب ذلك وحتى الآن لا يمكنه أن يفهم ..
سمعها تقول بصوتها الرقيق :-
” بإمكانك الدخول وإنتظاره في الداخل ..”
” سوف تسمحين لي بالدخول ولا يوجد رابط شرعي بيننا ..”
كان يسخر من مبادئها الشديدة وإلتزامها الممل بالنسبة له كالعادة لكنها تجاهلت سخريته وردت بجدية شديدة :-
” سأترك الباب مفتوح بالطبع والأهم من ذلك إن ماما موجودة في الداخل يعني لست لوحدي ..”
” إذا كان الأمر هكذا ودخولي لن يمس مبادئك المبجلة فسأدخل ..”
ثم دلف الى الداخل يتأمل الشقة البسيطة والأنيقة في نفس الوقت متذكرا عدد المرات التي جاء بها الى هنا اثناء فترات زواجهما …
اتجه يجلس على الكنبة فسألته بلباقة :-
” شكرا ، سأنتظر تميم حتى ينتهي من تجهيز نفسه ..”
” سينتهي خلال دقائق .. هو فقط كان نائما عندما اتصلت بي ولهذا أخذ وقتا حتى إستيقظ ..”
هز رأسه بتفهم ليسمعها تسأله :-
” ستجلبه إلي مجددا ، أليس كذلك ..؟!”
تأملها على مهل يلاحظ نظرات الرجاء في عينيها فإبتسم بمكر :-
” حاليا لا أعلم .. لكن لا تقلقي عندما أتزوج قريبا سأجلبه أثناء فترة شهر العسل يبقى معك فأنا لن أكون متفرغا له للأسف ..”
” سأكون ممتنة لك كثيرا ..”
شعر بالغيظ لعدم إهتمامها بأمر زواجه بل عدم ظهور أي آثار للغيرة على ملامح وجهها التي لطالما كانت شفافة تكشف عن مشاعرها بوضوح ..
هل تتعمد إدعاء عدم الإهتمام أم إنها بالفعل ليست مهتمة من الأساس ..؟!
نهض من مكانه متقدما نحوها فظلت واقفة مكانها بصلابة ليردد وهو يقف على مسافة قريبة منها يتسائل عن قصد :-
“تشتاقين إليه كثيرا ، أليس كذلك ..؟! تريدنه دائما جانبك ..؟! يؤلمك فراقه لأيام ..”
” إنه طفلي الوحيد والذي لا يوجد عندي غيره ..”
” ولن يكون هناك سواه ..”
قالها بحزم قبل أن يضيف بتهديد صريح :-
” وانت تعلمين جيدا نتيجة ما سيحدث إذا ..”
” لن يحدث أي شيء من هذا يا فراس .. اطمئن انا لا أتزوج مجددا .. ليس لأجلك بل لأجل تميم .. انا لدي صبي لا أريده أن يكبر وهو يرى والدته زوجة رجل آخر .. أعلم مدى قسوة هذا الشعور على الأطفال عموما وخاصة الصبيان وتميم شخصيته لن تتقبل شيئا كهذا وانا لن أعرض إبني ليعيش تجربة مؤلمة كهذه ..”
” احسنت .. تتصرفين بتعقل وتفكرين بتميم قبل نفسه ..”
” أخبرتك إنه وحيدي الذي ليس لدي سواه ..”
” كان لديك كل شيء يا عهد لكنكِ تنازلت عن كل ما لديك بكل تكبرتِ فغدوتِ وحيدة تستجدين رؤية ابنك مني ..”
” ربما تظن ذلك .. ربما من وجهة نظرك كان معي كل شيء عندما كنت على ذمتك لكن واقعيا ورغم كل هذا معك فقدت أهم شيء .. كرامتي وكبريائي اللذان طعنتهما مرارا بتصرفاتك ..”
” انت تكذبين على نفسك .. اعترفي انك تصرفت بشكل خاطئ متسرع .. والنتيجة إنك خسرتِ وجود ابنك وحيدك جانبك بسبب تخليكِ عنه حفاظا على كرامتك وكبريائك المزعومين ..”
” انا لم أتخلَ عن طفلي أبدا يا فراس بل أنت من جعلتني أتنازل عن حضانته مجبرة .. وكرامتي تلك كانت مهمة بالنسبة لي فأنا إمرأة لا يمكنها العيش بدون كرامة .. انت تفننت في دعس كرامتي وكبريائي ولو كنت استمريت معك صدقني لكانت الأمور تطورت بشكل أسوء …”
أضافت والألم يكسو ملامحها :-
” عندما أتذكر عدد الفرص التي منحتك إياها وكم تهاونت بحق نفسي لأجلك أشعر بالنفور من ذاتي .. انا بسببك كرهت نفسي يا فراس ولولا طلاقي منك ما كنت لأستعيد ذاتي أبدا ..”
حل الصمت المطبق بينهما وكلاهما يتبادلان نظرات القوة والتحدي قبل أن يسمعا صوت تميم يهتف بهما :-
” انا انتيهت من تجهيز نفسي ..”
……………………………………………………
كان يجلس على طاولة مكتبه يتابع أعماله عندما اتصلت به سكرتيرته تخبره :-
” تقى هانم تريد مقابلتك …”
دلفت تقى بعد لحظات وهي تبتسم بملامح رائقة حيث تقدمت نحوه تحييه ثم تجلس أمامه تخبره :-
” جئت لأخبرك بما حدث .. لقد عاد مهند الي .. تحدث معي وأراد رؤيتي وإلتقينا ..”
” حقا ..؟! لقد غادر شقتنا منذ ساعتين تقريبا .. قضينا ليلتنا سويا .. ”
” هذا شيء حدث لصالحنا تماما ..”
قالها بمكر لتبتسم وهي ترد :-
” لهذا أتيت الى هنا فورا .. لأخبرك بما حدث ونقرر الخطوة القادمة ..”
” الخطوة القادمة أصبحت واضحة وتنفيذها يجب أن يتم سريعا …”
سألته بعدم فهم ليرد بتأفف :-
” بهذه السرعة نسيت ..؟!! لقد تحدثنا بهذا الأمر منذ يومين .. موضوع حملك و ..”
” كيف سأحمل يا هذا .. ؟! الأمر ليس بيدي ..”
ضحك عمار مرددا بوقاحة :-
” لكنكما كنتما سويا البارحة وهو لم يأخذ احتياطاته على ما أعتقد ..”
” إلام تخطط بالضبط يا عمار ..؟!”
” انا أخطط لما سيفيدك حقا .. لما سيجعل مهند بل جميع أفراد عائلته يعترفون بك كزوجة له .. أليس هذا ما تريدينه يا تقى ..؟! زواج شرعي وعلني .. ؟! زوجة حقيقية معترف بها أمام الجميع ..؟! أم أعجبك البقاء في الظل ..؟!”
” بالطبع هذا ما أريده وأتمناه ولكن صعب أن يحدث ..”
” لن يكون صعبا أبدا .. عندما تحملين طفل مهند سيكون مجبورا هو وجميع من حوله على الإعتراف بك وبطفلكِ ..”
” وماذا إن لم يفعلوا ..؟! ماذا لو رفضوا الإعتراف ..؟! والأهم إنني لست حاملا من الأساس ..”
” موضوع حملك اتركيه لي ..”
نظرت له بعدم تصديق فيضيف ببرود :-
” لا تنظري إلي هكذا .. عائلة الهاشمي لا يتخلون عن أبنائهم .. عندما يصل الأمر الى هنا فيتقبلون الزيجة مجبرين .. انا أعرف هذه العائلة جيدا وأعرف طباعهم .. انا أتحدث عن ثقة تامة ومعرفة مسبقة .. بالتأكيد لا أنوي توريطك ..”
” حسنا ولكن كيف سأحمل بطفل مهند ..؟!”
سألته بنفاذ صبر لينهض من مكانه ويتقدم نحوها منحنيا جوار أذنها مرددا :-
” ألم تسمعي عن التلقيح الإصطناعي من قبل ..؟!”
جحظت عينيها وهي تردد :-
” تلقيح اصطناعي ..؟! ولكن كيف ..؟! ”
أضاف تستدير نحوه تسأله بعدم تصديق :-
” هل سأطلب من مهند أن نقوم بالتلقيح الإصطناعي ..”
” أنت إما غبية فعلا أو تتغابين ..؟!”
نظرت له بعصبية مكتومة فأضاف بعدما أخذ نفسا عميقا :-
” افهمي يا تقى .. انت أمام مهند حملتِ منه بعد ليلة البارحة ، حسنا ..”
هزت رأسها بحركة آلية ليضيف موضحا أكثر :-
” لكن واقعيا انت ستلجأين للتلقيح الإصطناعي .. سنطلب من أحد الأطباء تلقيحك إصطناعيا بحيث تحملين حالا وتخبرين مهند بحملك بعد حوالي شهر .. ”
” وكيف سألقح نفسي ومهند لا علم لديه ..؟!”
سألته بعدم استيعاب ليردد ببساطة :-
” لا علاقة لمهند بالأمر .. سنأخذ نطفة من شخص مجهول ونلقحك بها ..”
انتفضت من مكانها تردد بعدم تصديق :-
” هل تريدني أن أحمل من رجلا غير زوجي …؟!”
قبض على كتفها يجلسها مجددا على الكرسي وهو يقول :-
” اخفضي صوتك اولا وكفي عن قول زوجي لإنه ليس زوجك أبدا وهذه الورقة التي معك لا يعترف بها إثنان في السوق المحلي ..”
نظرت إليه بغضب مكتوم وقالت :-
” لا يمكنني فعل ذلك .. لا يمكنني خيانة مهند ..”
” من أين جائت الخيانة ..؟! هل أطلب منك القيامة بعلاقة مع رجل آخر ..؟! افهمي أيتها الغبية ..”
زفر أنفاسه بتعب ثم قال :-
” الأمر بسيط وبعيد عن الخيانة .. فقط تلقيح اصطناعي من رجل لا تعرفين شكله حتى ..”
” وهذا الطفل الذي سيأتي .. لن يكون ابن مهند .. هل تعلم معنى هذا ..؟! هذه جريمة بحق الإنسانية لا يمكنني إرتكابها ..”
” هذا الطفل لن يأتي .. لن تلديه أساسا .. ستجهضينه قبل أن تكملي شهرك الثالث ..”
” انا لا أفهم ما تفكر به حقا ..”
قالتها بضياع ليصيح بغضب :-
” افهمي أيتها الغبية .. هذا الطفل مجرد وسيلة .. وسيلة لإعلان زواجك علنيا من مهند .. وسيلة لتكوني زوجة حقيقية معترف بها أمام الجميع .. وسيلة ستتخلصين منها حالما ننتهي من غايتنا .. هل فهمت الآن ..؟! يعني بإختصار أنتِ ستحملين بسرعة وتذهبين الى مهند وتخبريه إنك حملت بعد تلك الليلة وبعدها ستطلبين منه الإعتراف بزواجكما وهو ما إن يتأكد من حملك سيضطر الى القبول ويجبر عائلته على قبولك بينهم وبعدها بأقل من شهرين تناولي أي دواء يجعلك تجهضين الطفل وحينها ستتخلصين من هذه الجريمة لكن بعدما تصبحين زوجة مهند الهاشمي رسميا …”
نظرت إليه بتردد وعدم اقتناع قبل أن تسأل :-
” وانت ، ماذا سوف تستفيد من كل هذا ..؟!”
” هذا الأمر لا يخصك .. ما يخصك هو ما تريدنه وتسعين إليه والذي يتفق مع مصالحي الشخصية ..”
” وأختك ..؟! ماذا سيكون موقفها عندما يتزوج زوجها بأخرى ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد بقوة :-
” ألم تفهمي بعد إن زواج مهند وجيلان سينتهي عاجلا أم آجلا وإن هذا الزواج مجرد حبر على ورق .. لا يهمني ولا يهم جيلان .. زواج مؤقت وسينتهي لا محالة لذا ظهورك كزوجة وضرة لأختي لن يهم أيا منا .. انشغلي بنفسك فقط ولا عليك بغيركِ ارجوكِ..”
ردت بخفوت وعدم اقتناع :-
” امنحني بعض الوقت للتفكير على الأقل ..”
ثم نهضت من مكانها وهمت بالتوجه نحو الخارج عندما سمعته يقول بتنبيه :-
” لا تنسي يا تقى .. أمامك يومان او ثلاثة بالكثير .. يجب أن نقوم بعملية التلقيح بأسرع وقت كي يتماشى مع توقيت البارحة وسيكون أفضل إذا تكرر ما حدث البارحة الأيام القادمة ..”
نظرت له بصمت محمل بالنفور والفكرة نفسها بدت غير منطقية بالنسبة لها ولا تصدر سوى من شخصا ذو تفكير شيطاني كالذي أمامها ..
………………………………………………………………
كانت تجلس على سريرها تحتضن ساقيها بذراعيها تنظر أمامها بصمت وعقلها لا يكف عن التفكير ..
منذ صباح البارحة وهي محبوسة بين جدران هذه الغرفة والطعام يأتيها بأوقات محددة بأوامر من زوجها الذي لم يعد حتى الآن …
تركها كحيوان محبوسة بين جدران هذا الجناح دون أن يكلف نفسه ويطمئن عليها ..
لحظات قليلة وسمعت صوت باب الجناح يفتح فإنتفضت من مكانها لتجده يعود أخيرا حيث رمى مفاتيح سيارته مع مفتاح الجناح على الطاولة يتبعها بهاتفه المحمول ..
انكمشت على جسدها لا إراديا ليلتفت نحوها يسألها بسخرية لاذعة :-
” كيف حال زوجتنا العزيزة ..؟!”
لم تجب بل بقيت تتأمله بصمت فقال بتحذير :-
” انظري همسة تريد الإطمئنان عليك .. أخبرتها إنكِ كنت مريضة وشكننا إنه مرض معدي لهذا بقيتِ في الجناح .. إياك أن تنطقي حرفا مخالفا لما قلته .. حسنا ..؟!”
اومأت برأسها دون رد عندما سمعا صوت طرقات على باب الغرفة ليتجه نحو الباب ويفتحها فيجد همسة أمامه فيبتسم لها بتصنع وهو يقول :-
” ادخلي الى الداخل .. انا سأخرج الى الحديقة قليلا ..”
ثم منح جيلان نظرة محذرة قبل أن يغادر فتتقدم همسة نحوها تسألها بإهتمام :-
” كيف أصبحتِ الآن ..؟! هل انتِ أفضل الآن ..؟!”
ردت جيلان بصوت مبحوح :-
” بعني البارحة كنت مريضة تماما لكن اليوم أصبحت أفضل …”
” مهند أخبرنا بذلك وكذلك الخادمة …”
اومأت جيلان برأسها متفهمة فجلست همسة على الكنبة وأشارت الى جيلان لتجلس جانبها فسارعت جيلان تجلس جانبها لتسألها همسة :-
” هل انتِ بخير ..؟! تبدين منطفئة تماما ..”
” أبدا .. فقط أشتاق لبابا وماما كثيرا .. هكذا فقط ..”
ابتسمت همسة بحزن ترد :-
” أعلم شعورك هذا جيدا .. فأنا عشت نفس تجربتك في عمر مقارب لعمرك تقريبا ..”
” إنه أصعب شعور من الممكن أن يعيشه أي شخص .. شعور أن تفقدي والديك .. عائلتك وسندك ..”
كانت تتحدث بشرود فقبضت همسة على ذراعها تخبرها بجدية :-
” نحن عائلتك وسندك يا جيلان بعد الله سبحانه وتعالى .. لا تنسي ذلك ابدا ..”
ادمعت عينا جيلان بينما تغضنت ملامح همسة بإنزعاج فإندفعت نحو الحمام تفرغ داخل المغسلة مافي جوفها ..
تبعتها جيلان بقلق حتى خرجت همسة وهي تضع كفها على معدتها فسألتها جيلان بقلق :-
” ماذا حدث ..؟! هل أنت مريضة يا همسة ..؟!”
” لا أعلم .. أشك إنني حامل ولكن لا تخبري أحدا ..”
إنفرجت ملامح جيلان وهي تردد بسعادة وقد تناست كل ما حدث :-
” حامل حقا ..؟! يا له من خبر رائع ..؟
هزت همسة رأسها بشرود ولم تبدُ هناك ملامح للسعادة على وجهها فسألتها جيلان بقلق :-
” هل أنتِ بخير يا همسة..؟!”
ردت بسرعة تبتسم بتصنع :-
” نعم انا بخير لا تقلقي .. فقط أحتاج أن أرتاح قليلا .. سأراكِ على الغداء ..”
ثم غادرت الغرفة مسرعة لتتجه جيلان نحو السرير وتجلس عليه بصمت حتى دلف مهند مجددا بعد لحظات يتسائل :-
” لقد غادرت همسة أخيرا …”
بدا متحفزا وهو يتحدث متقدما نحوها مرددا :-
” إذا ، أخبريني هيا عن ذلك الحقير الذي منحته جسدك ..؟!”
ردت بصوت منخفض وهي تقبض على شرشف السرير بكفيها :-
” لا أعرفه .. لا أعرف من هو ..”
” هل تظننيني ساذجا لأصدق حديثك هذا ؟!”
قالها بغضب قبل أن يجذبها من ذراعيها ويوقفها أمامه مرددا بقوة :-
” تحدثي يا جيلان أفضل لك .. انا لا صبر لدي لهذه التصرفات ..”
” والله لا أعرفه .. صدقني .. ”
” يا إلهي .. هل منحتِ جسدك لرجل لا تعرفينه حقا .. ؟! كيف حدث ذلك …؟! أم إنه لم يكن شخصا واحد وبالتالي لا يمكنكِ أن تحددي هويته ..”
” يكفي أنا لا أسمح لك … هل فهمت ..؟!”
قبض على ذراعها بقوة جعلتها تصرخ آلما ليردد :-
” انت لا يحق لك أن تفتحي فمك اساسا .. ألا يكفي إنني تورطت بك .. ؟! تزوجتكِ والله وحده يعلم كم شخص لمسكِ قبلي ..”
” انا لم أكن أريدك .. هم أجبروني عليك .. أخي وأخيك .. أنا أكرهك .. لا أطيقك ..”
كانت تتحدث بإنهيار وهي تضربه على صدره ليقبض على كفيها بقوة شديدة مرددا وهو يشملها بنظراته المشمئزة :-
” إذا كنت تكرهيني ولا تطيقيني فأنا أشمئز منكِ ومن فكرة كونكِ زوجتي .. لقد تزوجت بمجرد عاهرة .. أخبريني كيف حدث هذا ..؟؟ من ذلك الحقير الذي منحته جسدك ولوثتِ شرفكِ وشرفنا جميعا بسبب تصرفك الدنيء …؟!”
” نعم انا عاهرة .. انا دنيئة ومقرفة … انا كل شيء سيء قد تراه … وانا أكرهك .. سأكررها دائما يا مهند .. أنا أكرهك ولا أطيقك ولا يمكنني تحمل وجودك .. أكرهك أكثر حتى من ذلك الرجل الذي إغتصبني ..!!”
توقف مكانه للحطات مراجعا كلماتها ليتقدم نحوها يسألهت بقرب أكبر :-
” كرري ما قلته .. آخر جملة قلتها ماذا كانت …”
” لا أتذكر ما تفوهت به أساسا ..”
” قلتِ اكرهك اكثر من الرجل الذي إغتصبني ..”
أضاف يتسائل بعدم تصديق :-
” هل تعنين إنك تعرضتِ للإغتصاب حقا ..؟! هل كانت حادثة إغتصاب .. ؟!”
” أخبريني ودعيني أفهم ..”
ابتلعت ريقها بصعوبة ودموعها تغرق وجهها قبل أن تقول :-
” سأخبرك بكل شيء .. سأخبرك الحقيقة الكاملة وانت حر في التصديق من عدمه ..”
نظر لها بتركيز شديد لتغمض عينيها وتأخذ نفسا عميقا قبل أن تبدأ حديثها …
………………………………………….
امام مكتب سكرتيرتها وقف عمار يتسائل :-
” أخبري بوسي هانم إنني هنا …”
قالتها السكرتيرة وهي تحمل الهاتف وتتصل ببوسي تخبرها إن عمار الخولي في الخارج وعيناها تتطلعان اليه وهو يقف بجسده الضخم قليلا الطويل بحذر ..
” خمس دقائق والهانم ستكون في انتظارك ..”
اومأ برأسه دون رد واتجه نحو الكنبة المقابلة لها يجلس عليها ..
تطلع الى ساعته فوجدها تقدمت خمس دقائق لينهض من مكانه ويدلف الى الداخل دون إستئذان فتقف بوسي من مكانها بسرعة والشاش ما زال يغلف يدها اليسرى ..
” حتى وانت مريضة تحتفظين بكامل جمالك وأناقتك ..”
قالها وهو يتأمل طلتها شديدة الأناقة برسميتها التي تناسب العمل وملامح وجهها الجميلة لتتسائل بأعصاب بالكاد إستطاعت أن تسيطر عليها وهي ترى أمامها الرجل الذي حاول قتلها بل وقتل طفلها الذي أرادته بقوة :-
” ماذا تريد يا عمار ..؟! لماذا أتيت الى هنا ..؟!”
رد وهو يتقدم نحوها ثم يقف مباشرة أمامها قائلا :-
” جئت للاطمئنان عليك اولا ولأقول لكِ حمد لله على سلامتك يا بوسي ومبارك لك عودتك الى عملك …”
تجاهل الكره الذي ملأ ملامحها بسبب كلامه وجلس على الكرسي المقابل لها قائلا بهيمنة :-
” والآن اجلسي ودعينا نتحدث فهناك أحاديث مهمة بيننا للغاية ..”
قالت وهو تضغط على أعصابها بقوة :-
” لا يوجد حديث بيني وبينك .. غادر من هنا حالا لإنني لا أطيق رؤية وجهك …”
” بل يوجد الكثير وانتِ مضطرة لسماعي .. لأجلك قبل أن يكون لأجلي ..”
” اجلسي يا عزيزتي ولا تتعبيني أكثر وأعدك إنني لن أطيل في الحديث ..”
قالتها بغضب مكتوم وهي تجلس أمامه ليردد ببرود :-
” لقد وصلتني بعض الأخبار عنك .. أخبار لم تعجبني بتاتا ..”
” منذ خروجك من المشفى وانت لا تكفين عن محاولة البحث خلفي والتواصل مع منافسيني وأعدائي في سوق العمل ..”
تطلعت اليه بصمت للحظات قبل أن تهتف بقوة وعدم اهتمام :-
” هل تحاولين إيذائي بهذه الطريقة ..؟!”
” حتى الآن لا أريد ذلك .. ليس لإنني لا أريد إيذائك .. بل لإن الوقت المناسب لإيذائك لم يأتِ بعد ..”
” ولن يأتي .. وأنتِ تدركين هذا جيدا …”
” سيأتي يا عمار .. سيأتي اليوم الذي ستنتهي تماما به ..”
” انت لا يمكنك فعل أي شيء .. تعلمين هذا جيدا ولكنكِ ترفضين الإعتراف ..”
” طالما إني هكذا فماذا تفعل هنا في مكتبي ..؟! لماذا تتحدث مع واحدة لن تستطيع فعل أي شيءلك من الأساس ..؟!”
” هل تظنين إنني أتيت هنا خوفا منك ..؟! لا تكوني معتزة بنفسك لهذه الدرجة ولا تمنحي نفسك حجما أكبر من حجمها الأصلي … انا أتيت لإنني لا أريد إيذائك بسبب محاولاتك السخيفة والفاشلة بكل الأحوال لإيذائي وأيضا لإنه وبصراحة تامة لا مزاج لدي للعب مع الصغار ..”
لاحظ ملامحها المشتعلة ليهتف بجدية :-
” دعينا نتحدث بوضوح .. ما رأيك أن ننسى ما حدث ونسعى لبداية جديدة .. بداية نظيفة تماما ..”
” بداية جديدة .. ونظيفة ومعك أنت تحديدا ..”
قالتها مدعية الدهشة قبل أن تضحك بخفة وهي تردد بتهكم :-
” من الصعب أن يجتمع كل هذا سوية يا عمار .. انت بالذات لا تناسبك البدايات النظيفة ..”
” سنعقد اتفاقيات مهمة وأمنحك الدعم الكامل والغير مشروط .. ستصلين بشركتك الى القمة .. معي أنا ستُفتح لك أبواب جديدة لن تصلي إليها بدوني وأنتِ تدركين ذلك جيدا ..”
نهضت من مكانها ترد بنفس القوة :-
” وانا لا أريد دعمك ولا مساعدتك .. افهم جيدا .. منذ ذلك اليوم ونحن أصبحنا عدوين .. إذا كان هناك شيء ما سيجمعنا يوما فهي الحرب والإنتقام ..”
” الحرب مرة واحدة يا بوسي ..”
” أنتِ أكثر شخص يعلم نتيجة دخول حرب معي .. لقد شاهدت بعينيكِ نتاج ذلك مع الكثير قبلك وبالطبع لا تنوين أن تكوني ضحية جديدة من ضحاياي ..”
” بل كنت … انا بالفعل إحدى ضحاياك … وكوني ضحيتك فسوف أسعى بكل قوتي لنيل حقي منك .. هكذا فقط وهذا كل ما أريده …”
” إذا أنت إخترتِ الحرب .. ومصرة على إختيارك ..”
” نعم مصرة تماما ولن أتراجع أبدا مهما حدث …”
قالها بلا مبالاة وهو ينهص من مكانه مغلقا أزرار سترته قبل أن يهتف ملوحا بيده :-
” أراك في حربنا القادمة يا بسبس ”
تابعته وهو يخرج بغضب متفاقم لتحمل هاتفها وتضغط على احد الارقام تخبر صاحبه بنرفزة :-
” لقد كان هنا وغادر منذ لحظات .. الحقير يهددني بكل وقاحة ممكنة ..”
……………………………،……………………………..
كانت تجلس على مكتبها تتابع العمل بملل وشعوور التعب يملأ كيانها ..
لم تنم البارحة سوى بضعة ساعات لتقضي الصباح في المشفى مع والدها ثم تتحدث مع الحراسة التي وصلت من شركة الأمن وتطمئن على سير الأمور كما خططت لها لتعود وتجد الكثير من الأعمال المتكدسة التي تنتظرها …
وهاهي تجلس على مكتبها تشعر بظهرها يكاد ينشطر نصفين من التعب ..
وجدت سكرتيرتها تتصل بها فأجابتها لتخبرها :-
” زاهر بك يريد مقابلتك يا هانم ..”
دلف زاهر يحمل معه زهور التوليب المفضلة لها فإبتسمت ترحب به وهي تتناول زهور التوليب تتنفس رائحتها بسعادة قبل أن تشكره :-
” أشكرك حقا .. كنت بحاجة شيء يعدل مزاجي ولا يوجد أفضل من زهور التوليب المفضلة عندي ..”
أشارت له حيث الكرسي المقابل لها :-
ثم جلست مقابلة له فهتف وهو يتأملها بإعجاب أخجلها :-
” كرسي الإدارة يليق بك للغاية ..”
ابتسمت وهي تشكره مجددا بخفوت وقليل من الخجل قبل أن تسأل :-
” في الحقيقة أنا لم آت لأشرب شيئا هنا بل أتيت لأدعوك للخروج سويا فأعلم جيدا إنك تحتاحين للقليل من تغيير الجو. بعدما حدث في اليومين السابقين ..”
” ما حدث كان يفوق طاقتي حقا يا زاهر .. لكن لا بأس كل شيء يمر ..”
” انت قوية يا ليلى .. قوية للغاية وقوتك هذه سبب إستمرارك .. رغم كل الظروف ما زلت تتمسكين بالحياة وتتشبثين بها بكل قوة ممكنة .. تحاولين إستعادة ذاتك والحفاظ على حياة من حولك وحمايتهم .. برأيي هذا سبب كافي يدعوكِ للتفاخر بنفسك والشعور بالسعادة فرغم كل شيء تماسكت بكل صلابة وتخطيت الكثير من الأمور التي تدعو الى الإنهيار الحتمي ..”
ابتسمت مرغمة وهي ترد :-
” ليس تماما يا زاهر لكن بالفعل أحاول التماسك قدر المستطاع .. كلامك يعني لي الكثير .. اشكرك حقا …”
” سوف تتخطين كل هذا .. كوني واثقة من هذا ..”
نظرت له وهي تبتسم بهدوء دون رد ليهتف :-
” والآن هيا انهضي سنذهب ونتناول العشاء في احد المطاعم فأنا لم أتناول شيئا منذ الصباح..”
هتفت تتسائل بإستغراب :-
” لماذا لم تتناول غدائك ..؟!”
” كان لدي أعمال هامة جدا في الوزارة … لم أنته منها حتى العصر ثم عدت ونمت فورا وها انا استيقظت واتيت اليك .. ”
” انت لن ترفضين الخروج معي بالطبع .. ولن ترفضين مشاركتي طعام العشاء ..”
” سآتي معك فأنا أساسا جائعة للغاية ولم أتناول شيئا منذ الصباح ..”
قال بحماس وهو يشير إليها :-
بعد مدة جلسا في احد المطاعم الراقية يتناولان طعام العشاء عندما انتهت ليلى من تناول كامل طبقها حيث هتفت بعفوية :-
” كنت جائعة لدرجة إنني أنهيت طبقي كاملا ..”
” بالعافية على قلبك .. هل تفضلين نوعا معينا من الحلويات ..؟!”
” لا ارجوك .. لقد تناولت طبقا كاملا ولا يمكنني تناول المزيد كما إنني لا أتناول الحلويات في المساء عادة ..”
” لا تغيرين عاداتك مهما حدث يا ليلى ..”
قالها ممازحا لترد وهي تضحك :-
” هناك قواعد ثابتة في هذه الحياة لا يمكن تغييرها ..”
سيطر الخجل عليها عندما أضاف :-
” دوما ما كنت كالقمر بالنسبة لي .. أراك قمرا وجميع النساء نجمات لا يرتقين لجمالك البهي ..”
تجمدت ملامحها للحظات وذكرى قديمة تعود إليها وحديث خاص جمعها مع الرجل الذي أحبته بكل كيانها حيث كانت تسأله بغيرة:-
” هل تحاول إقناعي إنك لا تشعر بالإنجذاب لأيا من الفتيات الجميلات حولك ..؟!”
فيرد عليها وهو يتطلع إليها بشغف :-
” هل يوجد عاقل يتطلع الى النجوم والقمر بجانبه .. ؟!”
فيخرسها بإجابته ويجعلها عاجزة عن الرد ..
أفاقت من شرودها على صوت زاهر فحاولت أن تخفي ضيقها وألمها من هذه الذكرى وهي تردد مبتسمة بشحوب :-
” ما رأيك أن نخرج قليلا ونسير في الهواءالطلق ..؟!”
وبالفعل أخذا يسيران في الشوارع الهادئة حيث الوقت قارب على الغروب عندما وقفا أمام البحر يتأملان غروب ااشمس ..
” احب منظر غروب الشمس كثيرا .. في العادة كنت أحب الشروق لكن في السنوات الأخيرة أصبحت أفضل غروبها ..”
قالتها وهي تتأمل مظهر الغروب بإستمتاع ليبتسم مرددا :-
” لكل واحد منهما ميزاته .. شروق الشمس بداية نهار جديد يمنحك آملا بأحداث جديدة جيدة وتغيرات لصالحك وغروب الشمس يخبرك إن هذا الواقع يوم يبدأ ثم ما يلبث أن ينتهي .. ينتهي بما كان يحمله سواء من أفراح أو أحزان … ”
” أنت فيلسوف يا زاهر حقا …”
قالتها وهي تبتسم بإعجاب ليهتف ضاحكا :-
” أتمنى أن تكونين صادقة في كلامك ولا تتحدثين هكذا بدافع المجاملة …”
” لست من النوع الذي يفضل المجاملات ..”
” هل تعلمين إن إسمك أجمل إسم سمعته في حياتي .. اسم له نغمة موسيقية خاصة به ..”
” هل تعلمين معنى اسمك ..؟!”
” ليلى .. من الليل وسواده ..”
أضاف وعيناه تستحوذان على عسليتها بنظرات غارقة فيها تماما وبلهجة ساحرة قال :-
” لكنني أحب معناه الثاني أكثر .. ليلى .. الخمر والنشوة .. نشوة الخمر التي تجعل المرء فاقدا لتعقله .. احب معناه هذا لإنه يشبه مشاعري نحوك .. يشبه غرقي في بحر عشقك .. يشبه تلك النشوة التي تغمرني كليا بمجرد رؤيتك او سماع صوتك الرقيق … يشبه فقداني لكامل تعقلي وبرودي وثباتي في حضرة وجودك ..!!”
قاطعته وهي تضيف بتوسل :-
” من فضلك لا تفعل هذا ..”
” مالذي تطلبين مني عدم فعله ..؟!”
سألها بجدية لترد بلهجة مرتبكة ونبرة خافتة :-
” لا داعي لهذا الكلام وانا وانت ..”
” ما بنا يا ليلى ..؟! لقد أخبرتك سابقا .. انا انتظرت وصبرت بل ورضيت بخسارتك لسنوات طويلة فلا تتوقعي مني تصرفا غير هذا بعدما أتتني الفرصة أخيرا .. هذه المرة لن أتراجع .. انا قررت وانتهى .. سأحارب بكل قوتي لأنال ما تمنيته لسنوات وظننت إن نيله مستحيلا ..”
” كلا يا زاهر .. انت لا تفهم … اتفهم مشاعرك وتسعدني حقا .. انت رجل رائع ولكنني لست مناسبة إطلاقا لكل هذا .. انا حاليا مشوهة عاطفيا .. مشتتة تماما وقلبي محطم ..”
” أعلم ذلك .. أتفهم صعوبة ما عايشته كما أدرك جيدا مشاعرك ناحية نديم .. يصعب علي قولها وأشعر بالغيرة عندما أتذكر ما جمعكما يوما وقوة مشاعرك نحوه لكنني مضطر الى القبول بهذا على مضض ومواجهته أيضا كي أستطيع أن أبدا حياتي معك على أساس صادق ومتين ..”
” الأمر لا يتعلق بمشاعري ناحية نديم فقط .. نعم هذا سبب رئيسي ولكن هناك أسباب أخرى .. انا يا زاهر لم أعد كالسابق .. مشاعر الحب والعاطفة عموما لم تعد تناسبني .. حقا أشعر إن مشاعري تشوهت تماما وقلبي انكسر ولا يمكن أن يعود كالسابق وينبض لرجل مجددا ..”
” سيعود وينبض مجددا .. سأعالج إنكسار قلبك وتشوه مشاعرك .. كوني واثقة بذلك ..”
قالتها بتوسل ليهتف بإباء :-
” انا احبك يا ليلى وسأفعل كل شيء لأنال قلبك …”
” ولكن في النهاية انتِ ابنة عمتي ولذا لا يمكنني التصرف بشكل خارج حدود المنطق والعادات ..”
سألته بتوجس ليهتف بحسم :-
” انا أريد خطبتك يا ليلى .. أريد علاقة علنية تجمعني بك .. لن أقول زواج لإن أعرف جيدا إنك لست مستعدة أبدا لتجربة كهذه في هذا الوقت وانا أريدك زوجتي وانت راضية وعلى أتم الإستعداد وسعيدة جدا لكن مع هذا انا لا يمكنني التقرب منك ومحاولة كسب قلبك دون رباط شرعي لذا سأقولها مجددا أنا أريد خطبتك وسأكون أسعد رجل في هذا العالم إذا وافقتِ على طلبي ..”
نظرت إليه بعدم تصديق وعقلها لم يستوعب بعد طلبه وتشتت روحها تضاعف أضعافا كثيرة ..
” لا يمكنني قبول طلبك .. أعتذر حقا ..”
قالتها فجأة وانسحبت راكضة وكأنها تهرب من شيئا مخيفا .. تهرب من ظلام يبتلعها بقوة .. تهرب من مشاعر رجل شديدة لا تريدها أبدا .. تهرب من عشق جارف تكره فكرة وجوده .. هي تهرب من كل شيء وأي شيء دون أن تعي .. دون أن تستوعب إن هروبها لا يعني سوى تمسكها بكيانها الذي بات يهمها أكثر من أي شيء ..
هي تفتش عن ذاتها المفقودة وتحاول مداواة روحها المجروحة لوحدها دون حاجة لشخص في حياتها ..’هي ليست بحاجة لمن يعالج جروحها ويشفى قلبها كما إنها ليست بحاجة لإيذاء قلب غيرها ومشاعره لذا فالهرب كان هو الحل .. عفوا الرفض ..
دلفت الى الفيلا وهي تضع يدها على قلبها ..
لا تعلم لماذا جاء طلب زاهر كصفعة مدوية فوق وجهها .. ربما لإنها إستوعبت أخيرا إنها حرة وإنها لم تعد زوجة لرجل لا تطيقه وربما لإنها عادت تتأكد مجددا من إستحالة عودة نديم إليها رغم إنها تعترف داخلها إنها لا تريد عودته حتى لو كانت تحبه بقوة لكنها لا تريده ..
حقا لا تريده فما فعله بها وما تسبب له من آلام وخذلان جعلها تنأى بنفسه عنه فنديم بعد خروجه من السجن لم يعد نديم الذي عرفته .. لم يعد العاشق الحنون .. الإنسان المحب .. اللطيف للمحترم .. لم يعد نديم الذي عشقته لسنوات وكانت تراه رجلا مثاليا بحق ..
لقد إنقشعت تلك القشرة المثالية التي كانت تظهر عليه وظهر منها نديم آخر جديد تماما .. نديم لا يمكن أن تتفق معه أبدا مثلما لا يمكن أن تغفر له خطاياه في حقها ولا خطاياها في حق نفسها عندما دمرت حياتها وضحت بسنوات عمرها لأجله …
………………………………………………………….
اندفعت الى داخل غرفة مريم التي كانت تقوم بتسريح شعرها لتتوقف الأخيرة مكانها وهي تسأل بدهشة :-
” منذ متى وأنت تقتحمين غرفة أحد دون إستئذان ..؟! انا حقا لم أعد أستوعبك … دائما ما كنتِ تؤنبيني بسبب هذا التصرف والآن تتصرفين هكذا و ..”
توقفت مريم عن حديثها لتضيف ليلى بوجع :-
قالتها مريم بقلق وهي تحاول الإقتراب منها مضيفة :-
لكن ليلى تجاوزتها وألقت حقيبتها على السرير ثم قالت بألم كتمته داخلها لسنوات :-
” لم يعد يمكنني التحمل .. والله لم يعد يمكنني ذلك .. ”
أكملت وهي تستدير نحوها بعينين دامعتين وصوت مبحوح :-
” تعبت يا مريم.. تعبت من كل شيء …”
” اهدئي من فضلك اولا ..”
قالتها مريم بجدية محاولة تهدئتها لتضيف متسائلة :-
” أخبريني ماذا حدث وأين كنتِ ..؟! أساسا لقد تأخرتِ بالعودة و ..”
” ليس مهما أين كنت .. المهم هو ما أشعر به ويرهقني للغاية ..”
” بلى مهم .. لإن حالتك هذه نتجت بسبب شيء ما حدث وأدى بك لهذا الوضع ..”
قالتها مريم وهي تتحداها بنظراتها أن تنكر فجلست ليلى على السرير بتعب وهي تغطي وجهها بكفيها ..
جلست مريم بجانبها تلمس كفها وهي تهمس برقة لا تشبهها :-
” أخبريني ماذا حدث ..؟! أخبريني يا ليلى .. انا أختك وسأفهمك جيدا ..”
رفعت ليلى وجهها المحتقن نحوها تردد بوجع خفي :-
هتفت مريم تتسائل بريبة :-
ردت ليلى بدموع مكتومة :-
” لقد عرض على الزواج .. زاهر يريد التقدم لخطبتي …”
حاولت مريم السيطرة على الصدمة التي ظهرت على ملامحها وإخفائها والتعامل مع الأمر وكأنه شيء عادي حيث بنبرة عادية :-
” حسنا ، أين المشكلة في هذا ..؟؟”
سألت ليلى بعدم تصديق :-
” حقا لا ترين مشكلة في هذا ..”
ابتسمت مريم تردد ببساطة :-
” أين المشكلة في أن تتلقى شابة عزباء عرضا للزواج من رجل أعزب ..؟!”
قالتها ليلى بعناد قبل أن تضيف بقوة :
” توجد ألف مشكلة وأهمها إن هذا العرض جاء في وقت غير مناسب على الإطلاق .. في وقت لم أكن بحاجة الى شيء من هذا النوع تحديدا ..”
” حسنا ، انت غير مستعدة للإرتباط مجددا .. أتفهم هذا جدا ..”
قالتها مريم بجدية لتنهض ليلى من مكانها وتقف أمامها تواجهها وتردد :-
” نعم لست مستعدة ولن أستعد لفترة طويلة .. انا ما زلت في مرحلة التحرر من الماضي ومداواة جروحي لذا لست مستعدة لشيء من هذا النوع الآن تحديدا بل ربما لسنوات قادمة ..”
نهضت مريم بدورها تهتف :-
” حسنا أتفهم هذا .. سأقولها مجددا .. أتفهم ذلك جيدا وهذا أمر طبيعي …أخبريني الآن .. ماذا قلت له بعدما عرض عليك الزواج ..؟!”
” رفضت بالطبع يا مريم .. ما هذا السؤال ..؟!”
هزت مريم كتفيها تردد ببساطة :-
” حسنا ، انا لا افهم أين المشكلة بعد .. لقد عرض عليك أحدهم الزواج وانتِ رفضتيه .. رفضتيه كونك لست مستعدة للدخول في علاقة عاطفية حاليا وهذا برأيي تصرف منطقي وحكيم ، لكن كونك لا ترغبين في الإرتباط حاليا .. كونك لست مستعدة لدخول علاقة عاطفية فهذا لا يعني ألا يقترب الرجال منك ويحاولون الإرتباط بك فأنتِ بالنهاية حسناء عزباء تستطيعين جذب من الكثير من الرجال حولك وهذا أمر طبيعي لأي أنثى في وضعك .. انت لن تمنعي الرجال من إبداء إعجابهم او محاولاتهم للتقرب منك كما لن تمنعي الرجال من التعبير عن رغبتهم بالإرتباط بك لكنكِ تستطيعين أن ترفضي عرضهم بكل رقي كونك لست مستعدة لهذا الآن ودعيني أخبرك إنك لستِ الوحيدة التي تمر بفترة كهذه ..”
” هل ترين الأمر بهذه البساطة حقا ..؟!”
سألتها ليلى بعدم إستيعاب لترد مريم بجدية :-
” اخرجي من كلامي شيئا واحدا خاطئا .. الأمر بهذه البساطة بالفعل وانت تضخمينه لأسباب مختلفة لا أظن إنه بإمكانك التحدث عنها ..”
” كلا انا لا أضخم الأمر .. قد يكون الأمر بسيطا بالنسبة لك .. لكن ليس بالنسبةلي .. زاهر ليس رجلا عرض الزواج علي فقط .. زاهر يحمل مشاعرا نحوي تخيفني من قوتها .. انتِ لم ترِ كيف يتحدث عني وكيف يراني وكم يحبني ..”
” جيد ، انت محظوظة إذا ..”
قالتها مريم بخفة قبل أن تضيف :-
” ولكن هذا لا يجب أن يتسبب بتعاستك بل يجب أن يجعلك سعيدة كون رجل بمواصفات زاهر يعشقك لهذا الحد ..”
كزت ليلى على أسنانها وهي تردد :-
ماذا يحدث بالضبط يا مريم ..؟! هل تتعمدين قول هذا …؟! انت تحبين زاهر جدا وكنت سعيدة عندما علمتِ بمشاعري نحوي .. منذ متى وانت تملكين هذه الحكمة والعمق الشديد .؟!”
” عفوا ، انا حكيمة بالفعل ولكن حكمتي لا تظهر سوى في المواقف التي تستحق ذلك .. اختي تأتي منهارة وتبكي لإن هناك رجل يعشقها بجنون … ”
أضافت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تسألها عن قصد :-
” حسنا زاهر يعشقك وعرض عليك الزواج ايضا وانت رفضتي عرضه والأمر انتهى الى هنا ، مالذي يزعجك الآن ..؟! لماذا انتِ غاضبة لهذا الحد ..؟!”
” انا لست غاضبة ولكن …”
توقفت عن حديثها وهي تأخذ نفسها بقوة قبل أن تقول :-
” نعم يا مريم .. انا غاضبة .. انا غاضبة جدا ايضا .. غاضبة من نفسي اولا ومن زاهر ثانيا .. زاهر الذي لم يتفهم وضعي ومقدار صعوبة ما مررت به فيحاول إقحامي في علاقة كهذه … علاقة قائمة على مشاعر شديدة القوى من أحد طرفيها بينما الطرف الآخر لا يشعر بأي شيء .. عندما يتحدث هو بعشق جارف وأنا أقف أمامه دون أن يتحرك أي شيء داخلي .. دون أن يؤثر كلامه ولو حتى التأثير الطبيعي الذي تتعرض له أي فتاة في موقفي فهذا يجعلني غاضبة حقا مني ومنه ومستاءة للغاية ..”
” لا تغضبي من نفسك .. ما شعرت به أمر طبيعي .. لقد مررت بتجربة عاطفية صعبة حقا ومؤلمة وتخطيها سيكون صعبا ويحتاج الى وقت طويل ..”
هتفت وهي تجلس على سريرها تقاوم دموعها المهددة بالإنهمار :-
” ولكنني أريد أن أتخطى هذه العلاقة وأنساها تماما .. ليس لأجل الإرتباط ولكن لأجل نفسي ..”
أضافت وهي تنظر الى عيني مريم بقوة :-
” هل تعلمين يا مريم ..؟! صحيح انا حزينة لان حب سنوات انتهى بهذا الشكل لكن حزني الأكبر على ما هدرته من سنوات لأجل هذا الحب .. أسوء شعور في العالم عندما تضحين بالكثير ولا تجدين مقابلا لتضحيتك .. تنتظرين أن يأتي اليوم الذي تحصدين فيه نتاج تضحيتك فلا يأتي أبدا …”
” أعلم ذلك ولكن يجب أن تتجاوزي هذا الشعور .. انت ضحيت لأجل من لا يستحق .. تصرفت بناء على شخصيتك النبيلة وصدقيني بكل الأحوال كنتِ ستتصرفين بنفس الطريقة حتى لو كنت تعلمين النتيجة وحتى لو كانت تضحيتك تلك لشخص آخر غير نديم لإنك هكذا يا ليلى .. دائما ما تفكرين بالجميع قبل نفسك وقلبك لا يمكن أن يسمح لك بتجاهل شخص ما يحتاج الى المساعدة لذا فتضحيتك أمر مفروغ منه وانا واثقة انك بكل الأحوال كنت ستفعلين الشيء ذاته حتى لو أخبرك أحدهم بالنهاية مسبقا ..”
قالت ليلى بقوة وثبات ظهر على تقاسيم وجهها الناعمة :-
” لكنني لن أكون هكذا بعد الآن .. سأتغير .. حقا سأتغير .. لإن هذه الحياة لا تناسب شخص بهذه الصفات .. بصفاتي هذه لن أستمر في هذه الحياة ولن أكون سعيدة أبدا ولا رابحة لذا يجب أن أتغير …”
” تفكير جميل واتمنى ان يحدث لكن هل تغيير الطباع أمر سهل يا ليلى ..؟!”
قالتها مريم بعقلانية لتنهض ليلى من مكانها وهي تردد عاقدة العزم على التغيير :-
” سيكون سهلا .. بعد كل ما مررت به سيكون سهلا ..”
” لو كان سهلا حقا لكنت حاولت الإستفادة من مشاعر زاهر مبدئيا .. ربما كنت ستجدين شيئا مختلفا معه ..”
التفتت ليلى نحوها تنظر لها بشراسة غريبة عليها فكانت مريم تواجهها بالحقيقة المرة ..
حقيقة إن أخلاقها منتعتها من مجرد أن تعطيه أملا ضئيلا وهي لا تشعر بشيء نحوه …
لم تفكر حتى في السماح له بالتقرب منها ولم تتأمل أن يغير عشقه لها شيئا ..
تصرفت بعادتها .. بكل صراحة .. رفضته بكل ثبات وأهم أسباب رفضها عدم تفكيرها في إيلام شخص لا ذنب له سوى إنه أحبها ..!!
” لا يوجد رجل في هذا العالم يستحق أن تبكي لأجله أكثر من يوم ..”
” وهل نسياني لرجل يستدعي أن ألقي بنفسي بين أحضان رجل آخر ..؟!”
” كلا ، لكنه يستدعي أن تستوعبي إن الحياة لم ولن تتمحور أبدا حول شخص واحد … الحياة عبارة عن العديد من أشخاص .. يدخل البعض حياتنا ويخرج بعضهم الآخر .. والرجال عموما وجودهم في حياتنا ليس دائما فأغلب الرجال بطبعهم هوائيين ويعشقون التغيير .. يستطيعون أن يحبوا مرة ومرتين وثلاث وأكثر ويستطعيون التخلي ببساطة ويعالجون جروحهم بسرعة مريبة .. هكذا هم الرجال فلمَ علينا نحن النساء أن نبكي سنوات لأجلهم ولا نفعل مثلهم ونتخطاهم بسهولة كما يفعلون بالضبط ..؟!”
” انت مخطئة يا مريم .. المشكلة ليست في الرجال او النساء .. المشكلة في الشخص ذاته .. هناك أشخاص قادرون على التخطي والبدء من جديد والوقوع في الحب أكثر من مرة وهناك أشخاص على العكس تماما لا يستطيعون تخطي مشاعرهم أبدا مهما حدث ..”
أضافت تنهي الحوار بعدما أطلقت تنهيدة طويلة :-
” أمنيتي الوحيدة ألا أكون من النوع الثاني ….!!”
…………………………………………………………
بدأت تسرد على مسامعه ما حدث معها بالتفصيل ..
بدءا من تعرفها على ذلك الشاب عن طريق الفيسبوك وما جمعهما بأحاديث وانجذابها إليه ووقوعها في شباكه بعدما أغرقها بالإهتمام وكلمات الإعجاب حتى أرادت أن تلتقيه بشدة ليحدث ما أرادته ويحدث معها اسوء شيء في حياتها عندما خدرها وحملها الى شقته وصورها وهي عارية ثم هددها بتلك الصور ..
كانت تتحدث والدموع اللاذعة تسقط على وجنتيها بصمت بينما تسترسل هي في حديثها وبدت قد إنفصلت عن العالم الخارجي تماما ولسانها يتحدث دون وعي منها :-
” هددني إن لم أقابله في الموعد المحدد سينشر صوري .. لم أستطع الرفض .. لم أجد حلا سوى الذهاب .. والله لم أستطع أن أرفض فكيف يمكنني الرفض وصوري العارية معه .. ؟! ذهبت في الموعد المحدد وسلمني هو الى احد الرجال الذي نال مني ما أراد ثم أغمي عليها بعدها ولا أتذكر ما حدث سوى إنني إستيقظت في المشفى وعمار أمامي مصدوم بما حدث معي ..”
توقفت عن حديثها الأخير والذي قالته دفعة واحدة تلتقط أنفاسها ..
كانت المرة الأولى التي تخبر بها أحدا عن تلك الحادثة ..
لقد إمتنعت تماما عن التحدث بما حدث فلا عمار يعلم التفاصيل الكاملة ولا حتى الطبيبة التي إحترمت صمتها بشكل غريب وعمار الذي لم يضغط عليها بسؤال فظل الأمر مكتوما داخل صدرها لا احد يعلم عنه شيئا مفصلا بإستثناء التفاصيل الأساسية التي أخبرت بها عمار وإمتنعت عن ذكر التفاصيل الدقيقة لكن اليوم تحدثت ..
قالت كل شيء بالتفصيل .. جميع ما حدث معها .. ربما لم تفضِ بعد بمكنونات صدرها كاملة ولا مشاعرها منذ تلك الحادثة لكنها على الأقل تحدثت بتفاصيل الحادث ..
تحدثت كيف إنجذبت لذلك الشاب الذي لا تجرؤ حتى على تذكر صورته بل تمنع نفسها من مجرد التفكير به وتذكر شكله بل ورسائله ..
اما الآن فهي بعدما إنتهت من حديثها تذكرته جيدا بل بدأ كل شيء يُعاد أمامها بشكل يحرق قلبها …
” كيف يمكنني التصديق ..؟! ما تقولينه لا يمكن تصديقه ..”
أفاقت من أفكارها المعذبة على صوته الحاد ففزعت من مكانها لا إراديا تهتف ببكاء يمزق القلب حيث تشعر بدموعها تحرق عينيها :-
” والله هذا ما حدث .. انا لم أكذب في حرف واحد …”
” ولمَ يجب أن أصدقك ..؟؟”
سألها وهو يلوي فمي لترد بصوت حائر متردد :-
توقفت عن حديثها وأغمضت عينيها بقهر فهي عاجزة عن الرد ..
لا تجد ردا مناسبا .. لا وسيلة تدافع بها عن نفسها بل هي أساسا لا تريد أن تدافع عن نفسها فكيف تفعل ذلك وهي ترى نفسها مذنبة بل تعاقب نفسها منذ ذلك اليوم بعزلتها عن الجميع وإنفرادها بذاتها ورفضها التحرر من قيد الألم الذي يحاوطها ..
” ماذا ..؟! ألا يوجد لديك جواب ..؟!”
سألها بتهكم مقصود لتبتلع دموعها وترد بشفاه مرتجفة ونبرة حائرة حقا :-
” انا لا أعرف ماذا أقول … لا أجد شيئا أقوله ..”
أضافت وقد عادت وإنفصلت عن الواقع مجددا وقد لاحظ هو ذلك عندما بدت وكأنها تهذي :-
” لكنني مذنبة .. انا السبب فيما حدث .. انا دمرت حياتي …”
هطلت دموعها بغزارة وهي تسقط على ارضية الغرفة تحتضن جسدها المرتجف بين ذراعيها تردد مجددا بخفوت وصل إليه رغم إنخفاض صوتها :-
” انا مذنبة .. مجرمة .. عاهرة … انا لا أساوي شيئا .. ليتني توفيت مع بابا قبل أن يحدث هذا .. ليتني لم أفعل ذلك بل ليتني لم أولد ..”
بدت كلماتها غير مترابطة وهذيانها واضح فإندفع نحوها يرفعها من مكانها قابضا على كتفيها مرددا بهيمنة مخيفة :-
” أفيقي يا جيلان .. تصرفك هذا لن يجعلني أرحمك …”
” انا لا أنتظر منك الرحمة أساسا .. لا أنت ولا أي أحد سيرحمني ..”
أنهت كلماتها وكانت نظراتها التائهة الضائعة المليئة بالخذلان معبرة للغاية عما يعتمل داخلها فنفض كفيه عنها وأخذ يدور داخل الغرفة وقد أصبح كقنبلة موقوتة تهدد بالإنفجار الحتمي يراجع كلامها وهو حائر بين التصديق من عدمه ..
لا يصدق أن يكون هذا تمثيلا ..
لا يمكن أن تكون جيلان تمتلك هذا الكم من الذكاء والحنكة لتؤلف مسرحية كهذه وتؤديها بإحترافية ..
الفتاة أصغر من أن تفعل كل هذا والبراءة والضياع واضحان عليها ..
نهر نفسه بقوة وهو يخبرها ألا ينخدع بمظهرها البريء ودموعها ولا يمنحها الحكم النهائي دون التأكد من حقيقة حديثها …
كلا لن يصدقها حتى يتأكد اولا .. حتى يتأكد من حقيقة كل حرف نطقته .. حينها فقط سيصدقها .. وعندما سوف يصدقها سيفكر حينها ماذا سيفعل فهو حقا لا يستطيع تخيل تصرفه بعدها ..
ليتأكد أولا ثم يفكر في القادم ..
تقدم نحوها مرددا بقوة وهو يقف مواجها لها فإلتقت زرقاوتيه المشتعلتين بلهيب مخيف بعينيها الباكيتين :-
” لن أصدق حرفا واحدا مما قلتيه دون دليل .. والدليل سأبحث عنه بنفسي .. سأبحث وأعرف الحقيقة كاملة لكن صدقيني يا جيلان إن كنتِ تكذبين في حرف واحد مما قلته سأبرحك ضربا لدرجة تجعلك تتمنين الموت ولا تجدينه ..”
أضاف وهو يميل نحوها بقوة :-
” وحتى لو كان حديثك صحيحا فهذا لا يعني إنني سأتركك دون عقاب .. سأعاقبك يا جيلان .. سأعيد تربيتك من جديد .. سأريكِ كيف تستهينين بسمعتك وشرفك .. كيف تعبثين مع شاب لا تعرفينه .. ستعاقبين على كل هذا لكن في الوقت المناسب بعدما أدرك تفاصيل الحقيقة كاملة .. ما زال هناك وقت يا عزيزتي فكوني مستعدة لعقابك في كلتا الحالتين ..”
……………………………………………………………….
كانت تجلس على طرف سريرها مخفضة رأسها نحو الأسفل وهي تقبض بكفيها على شرشف السرير اما هو فيقف خارجا في الشرفة يدخن سيجارته بشراهة شديدة وعقلة لا يكف عن مراجعة كلماتها بل نبرة صوتها ونظراتها وكافة خلجاتها وهي تتحدث يحاول إستنشاف الحقيقة التي سيبحث عنها منذ الغد ..
سمع صوت رنين هاتفه فسحبه ليجد تقى تتصل به. .
زفر أنفاسه بملل وهم بالرفض لكنه تراجع عن قراره في آخر لحظة ورد عليها مفكرا إنه يحتاج للصحبة بل لأي شيء يلهيه عن أفكاره المدمرة ..
كان صوتها ناعما مثيرا للغاية كعادتها لا يمكن لأي رجل مقاومته كجمالها الساحر ..
” أين أنت ..؟! لماذا لم تأتِ مجددا ..؟!”
سألته بنبرة حزينة ليرد ببرود قاتل :-
” هناك مئة مشكلة فوق رأسي .. كل يوم شيء جديد بل مصيبة جديدة ..”
” أخبرني يا حبيبي .. مالذي حدث ..؟! انا هنا معك وسأساعدك في حل كافة مشاكلك …”
” أعلم يا تقى لكنني حقا أكثر ما أحتاجه الآن هو الإنفراد بنفسي بعيدا عن أي شخص ..”
” تقصدين جيلان .. زوجتي الصغيرة ..”
وقبل أن ترد كان يهتف بقوة :-
” هي أكثر شخص أرغب في الإبتعاد عنه وأكثر شخص لا أرغب برؤيته أمامي ..”
سمع صوت تنهيدتها المطمئنة فتململ قائلا :-
” سأغلق الآن .. كما أخبرتك … أحتاج الى الإنفراد بنفسي قليلا …”
أغلق الهاتف دون أن ينتظر جواب منها وعاد ينظر أمامه وقد رمى سيجارته التي قاربت على الإنتهاء ارضا وأشعل غيرها ..
لحظات قليلة وشعر بأنفاس متقطعة خلفه فإلتفت بحدة ليجدها أمامه تناظره بعينين خجلتين وملامح مرتبكة ليسأل بعنف :-
” الخادمة جائت تخبرني إن العشاء بعد نصف ساعة و …”
دفعها عن قصد متجها الى الداخل مجددا لترتطم في الحائط خلفها شاعرة بألم في ذراعها فتأوهت بصمت اما هو فتقدم نحو الخادمة التي هتفت وهي تبتسم برسمية :-
” زهرة هانم طلبت مني إخبارك انت وجيلان هانم إن العشاء بعد نصف ساعة وهي تنتظر كليكما على طاولة العشاء مع بقية أفراد العائلة ..”
هز رأسه مرددا بإقتضاب :-
انسحبت الخادمة خارجا وأغلقت الباب خلفها ليستدير نحو الخلف مجددا ليجدها تلتصق بالحائط خلفها بعدما دخلت الى الغرفة ليتقدم نحوها بملامح جعلتها تشعر بالرعب خاصة مع خطواته السريعة نحوها حينما وقف أمامها يسألها بقوة :-
” ما إسم المستشفى التي تم إيداعك بها بعد الحادثة ..؟!”
هتفت بصوت باكي وقد أخافها بشكل مضاعف :-
” والله لا أعلم .. لم أكن واعية حينها لأي شيء ..”
قبض على ذراعها بشدة يتسائل :-
” من يعلم بتلك الحادثة سوى أخيك ..؟!”
ردت باكية وآثار الألم ظهرت على ملامحها الباكية :-
” الطبيبة التي تتابع حالتي ..”
” وراغب ..؟! ألا يعلم ما حدث …؟!”
” لا أعلم .. انا لا أعلم أي شيء ..”
دفعها بعيدا عنه بنفور وأدار ظهره لها يزفر أنفاسه عدة مرات بقوة عندما اتجه نحو هاتفها الذي كان معه منذ البداية وفتحه بسرعة يبحث عن أي شيء فلم يجد شيئا مهما بل إن الهاتف كان خاليا من مواقع التواصل الإجتماعي حتى بل لا يحوي سوى صورا معدودة لرسوماتها الأخيرة وقد لاحظ إن الهاتف يبدو جديدا …
التفت نحوها يسألها وهو يرفع الهاتف في وجهها :-
” هل نفسه الهاتف الذي كنت تتواصلين مع ذلك الحقير خلاله ..؟!”
هزت رأسها نفيا بسرعة ودون رد ليسألها بعصبية :-
” لا أعلم .. سرقوه مني حينها ..”
زأر بغضب وهو يتجه نحو طاولة التجميل ويدفع بعض الحاجيات فوقها لتسقط أرضا وتتحطم فتتراجع الى الخلف أكثر وهي تحتضن جسدها بيديها وتبكي رعبا منه ومن حالته ..
صاح وهو يقف مواجها لها لكن هناك مسافة لا بأس بها بينهما :-
” اذهبي وأغسلي وجهك جيدا وغيري ملابسك .. سننزل لتناول الطعام مع العائلة ..”
” إياك ثم إياك أن يشعر أحد من عائلتي بأي شيء ..”
هزت رأسها بسرعة وبكاء مكتوم ليضيف بقوة :-
” وإذا سألوكِ عن سبب غيابك أخبريهم إنك كنت مريضة وخفتِ أن تتسببي بعدوى لأحد لكنك أفضل بكثير الآن ..”
عادت تهز رأسها بسرعة دون ليزمجر بها بشدة :-
انتفضت من مكانها تجري بسرعة نحو الحمام ليبقى لوحده يشد فوق شعره بقوة ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل في تلك اللحظة لكن ما يعرفه جيدا إنه غاضب لدرجة تجعله يرغب في حرق كل شيء حوله وأولهم جيلان ..!!
……………………………………………………….
في جناح راغب الهاشمي ..
دلف الى جناحه بعد يوم عمل طويل وشاق ليجدها تجلس على حافة سريرهما تشبك كفيها ببعضيهما وشعرها يغطي وجهها المنخفض نحو الأسفل من الجانبين ..
ألقى التحية ببرود وهم بالتوجه نحو الحمام لكنه توقف على صوتها ينادي عليه فإستدار نحوها ليرى نظراتها التي تدل على عدم إرتياحها فسأل بجدية :-
نهضت من مكانها وتقدمت نحوه حتى وقفت قربه ..
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بتردد :-
” أشعر إنها ليست بخير وإن هناك شيء ما يحدث بينها وبين مهند ..”
” كيف شعرت بذلك ..؟! على أي أساس يعني ..؟!”
سألها مستفسرا لترد موضحة :-
” لإنها بقيت في غرفتها ليوم كامل وكان الجميع ممنوع من الدخول إليها .. طبعا مهند أخبر الجميع إنها مريضة ويخشى أن تعدي أحدا منا ..”
” ربما بالفعل مريضة …؟!”
سألها بجدية لتهتف بتفكير :-
” لا أظن ذلك .. لقد دخلت إليها اليوم وكانت تبدو صحيا بخير ولكن نفسيا ليست بخير أبدا …”
زفر أنفاسه ببطأ مرددا بضيق :-
” اللعنة عليه إذا كان ما تقولينه صحيح .. ماذا سأفعل بمهند هذا لا أعلم ..؟!”
” سأنتظر قدوم وقت العشاء وأرى إذا ما سيسمح لها بمشاركتنا العشاء أم لا …”
هزت رأسها بتفهم وصمتت للحظة ثم هتفت بتردد ظهر على ملامحها :-
” هناك شيء آخر يجب أن تعرفه ..”
تجمد لوهلة غير مستوعبا ما سمعه .. همسة حامل .. كيف حدث ذلك ..؟!
ضحك داخل نفسه ساخرا مفكرا إن الأمر يبدو عجيب فهو لا يلمسها سوى مرات معدودة وبالتالي أمر حملها يبدو مفاجئا له وغير وارد ..
” لا أعلم كيف حدث ذلك .. انا عادة أخذ إحتياطاتي ..”
” هل تشعرين بالضيق …؟!”
رفعت وجهها نحوه ولم تجب لكن عدم الرضا كان واضحا على ملامحها فتجاهل ذلك وهو يردد بفخر وإعتزاز شاهدته على وجهه بنفس الطريقة في المرتين السابقتين :-
” هذا رائع .. سنحصل على طفل ثالث ..”
” نعم .. ستحصل على طفل جديد .. وريث جديد لك ولعائلتك ..”
” بالطبع .. وريث آخر يحمل اسم العائلة .. عائلتي التي أسعى لتكبيرها بإستمرار .. انا سعيد حقا يا همسة بهذا الخبر الذي غير مزاجي مئة وثمانون درجة ..”
أضاف وهو يقترب منها منحنيا نحوها يقبل وجنتها بخفك :-
” شكرا على هذا الخبر الرائع .. مبارك لنا حملك يا همسي …”
ثم ابتعد عنها يلتقط عينيها الجامدتين بعينيه المتحدتين لتهمس أخيرا :-
” تحضر بسرعة فالعشاء بعد أقل من نصف ساعة ..”
وبالفعل خلال نصف ساعة كانا يهبطان حيث غرفة الطعام لينتبه راغب على وجود مهند وجيلان فيلقي التحية وهو يسير نحو كرسية وزوجته خلفه ..
جلسا في مقعديهما وكانا آخر الحاضرين عندما هتف راغب وهو يبتسم بهدوء :-
” هناك خبر مفرح يجب أن أشارككم به …”
” خبر ماذا ..؟! هل هناك شيءيخص العمل ..؟!”
رد وهو يرمق زوجته الجامدة بنظراتها :-
” بل شيء أهم من العمل بمراحل …”
أضاف وهو يعيد بصره نحوه والده :-
” سيكون لديك حفيد جديد يا أبي .. همسة حامل وانت ستصبح جدا للمرة الثالثة ..”
صرخت زهرة بفرحة حقيقية شاركتها بها توليب ابنتها بينما قال عابد بسعادة :-
” حقا .. ؟! مبارك يا بني .. لقد أسعدني هذا الخبر كثيرا …”
أضاف وهو يشير الى همسة :-
نهضت زهرة نحو همسة تحتضنها وتقبلها من وجنتيها ثم احتضنت ابنها الذي وقف بدوره يبادلها عناقها اما توليب فباركت لهمسة التي ردت بإبتسامة مصطنعة مباركتها هي واخوة راغب البقية راجي وفيصل وطبعا مهند وجيلان…
هتفت توليب بسعادة بعدما عاد الجميع يتناول طعامه :-
” عليكما أن تأتيا بفتاة هذه المرة ..”
قالت زهرة والفرحة ما زالت تنير وجهها :-
” كل ما يجلبه الله خير .. المهم أن يأتي سالما غانما وتنهض والدته بسلامة .. لكنني اتمنى أيضا أن تكون فتاة …”
” إذا كانت فتاة سوف تسميانها على اسمي فأنا عمتها الوحيدة …”
” أظن إن كان هناك شخص سوف أسمي إسم ابنتي عليه فستكون والدتي ….”
ابتسمت زهرة بإمتنان وإحتقنت ملامح همسة بقوة ليهتف فيصل مازحا :-
” ربما يأتي صبي وحينها ستسميه فيصل …”
” لا ارجوك .. لا نحتاج لفيصل جديد يأخذ طباعك ..”
قالتها توليب ممازحة ليزجرها فيصل بضيق مصطنع بينما يهتف راجي بجدية :-
” توقفا عن شجاركما المعتاد .. صبيا أم فتاة لا فرق … لكن بعدما أنجبا صبيين أظن إن جميعنا نريد فتاة جميلة تنير منزلنا ..”
هتفت زهرة وهي تنظر له بجدية :-
آمنت توليب على دعوتها بينما تحدث راغب مشيرا الى جيلان :-
” كيف حالك يا جيلان ..؟! سمعت إنك مريضة …”
التقط بعينيه ملامح مهند المتجهمة ليضيف عن قصد :-
” سلامتك .. ماذا حدث بالضبط ..؟!”
” أشكرك … إنفلاونزا خفيفة وأصبحت أفضل الآن الحمد لله ..”
ابتسم راغب بتصنع مرددا :-
نهض مهند من مكانه فجأة مرددا بعدما لم يعد يحتمل الجلوس أكثر وسط الجميع والتصرف وكأن لا شيء مهم حدث معه :-
” عن إذنكم .. لقد شبعت ..”
أضاف يخبر جيلان عن قصد :-
تبادل راغب النظرات مع والده بينما اكتفت جيلان بهزة من رأسها عندما نهضت بعد قليل تستأذن الجميع وتتجه نحو جناحهما ..
دلفت الى الداخل لتجده ينهض من مكانه بسرعة مرددا بتهديد :-
” إذا علم أحد بما حدث وما أخبرتني به سأقص لسانك وخاصة أخيك ..”
هزت رأسها بسرعة وخوف ليهتف بينه وبين نفسه :-
” الحقير .. يهددني أيضا وأخته إرتكتبت المصائب .. لكن لا بأس سأقتص منك ثأري يا عمار الخولي وأريك ماذا بإمكان مهند الهاشمي ان يفعل .. انت تحديتني وانا قبلت التحدي ….”
عاد ينظر اليها بقوة فتحركت مسرعة نحو الحمام تاركة إياه يتابعها بسخط وإبتسامة ساخرة تعلو ثغره ..
……………………………………………………
كان يراقبها وهي نائمة على سريرها بعمق وتقاسيم وجهها الناعمة يظهر عليها التعب …
تقدم نحوها يميل بوجهه يتأمل وجهها الساكن تماما فيبتسم مرغما وهو يرى في وجهها شيئا مختلفا تماما .. ملامحها تجذبه بقوة رغم بساطتها وشخصيتها تجذبه أكثر بعفويتها وقوتها وكل ما فيها ..
مد يده يزيح خصلة من شعرها سقطت فوق جبينها فوجد الحمى تسيطر عليها كليا ..
شعر بالقلق يتضاعف داخله لأجلها فنهض بسرعة واتجه نحو المطبخ حيث وضع المياده بالباردة في صحن واسع قليلا وبحث عن أي قطعة قماش مناسبة ليعد الكمامات لها ..
عاد إليها مجددا وجلس جانبها يضع الكمادات فوق جبينها ووجنتيها وخوفه عليها يزداد وهو يرى كم حرارتها مرتفعة ..
ظل يداويها بالكمامات قبل أن يتوقف عن ذلك وينهض من مكانه مقررا أن يعطيها دواءا خافضا للحرارة عله يساعد في تخفيض حرارتها الى جانب الكمادات …
حمد ربه إنه اشترى هذا الدواء الى جانب الأدوية التي كتبها الطبيب لها والذي يدرك مفعوله جيدا وتأثيره السريع وتمنى أن يؤثر بها بسرعة …
عاد إليها وجلس جانبها مقررا إيقاضها كي تشرب دائها ..
بدأ يربت على وجنتها بخفة فأخذت تتململ وهي تأن ألما عندما همس لها :-
” استيقظي يا حياة .. فقط تناولي الدواء ثم عودي للنوم مجددا ..”
بدت تهذي بكلمات غير مفهومة وهي تتململ في مكانها وتأن وجعا فأخذ بعض قطرات المياه يرشها على وجهها بخفة وحرص ..
فتحت عينيها أخيرا بتعب وإنهاء ليبتسم لا إراديا وهو يرى مقلتيها البنيتين تتأملانه بعدم استيعاب فقرر أن يعدل وضعية جلوسها فقبض على ذراعيها بخفة وأجلسها ساندا إياها على السرير وهي غير واعيه تماما لما يحدث …
حمل الدواء وهمس لها وهو يضعه امام فمها :-
” افتحي فمك ..”
وجدها تغمض عينيها وهي تميل برأسها على كتفه فهمس وهو يربت على وجهها :-
” حياة .. افتحي فمك من فضلك .. فقط تناولي الدواءونامي مجددا …”
وعندما وجدها على نفس الوضعية ما زالت نائمة على كتفه عاد يعدل جلستها وهو يبلل وجنتيها بالمياه فرمشت بعينيها مجددا ليهمس بقوة وهو يقرب الحبة من فمها :-
” افتحي فمك بسرعة ..”
وأخيرا استطاع ان يضع الحبة داخل فمها ثم يعطيها كوب الماء الذي بالكاد شربت منه رشفة صغيرة قبل أن تعاود وضع رأسها فوق كتفه وهي تهذي بكلمات غير مفهومة …
” ستصبحين افضل …”
قالها وهو يتأمل رأسها الموضوع على كتفه فيجذبها نحوه بين أحضانه حيث جعلها تنام بين أحضانه وهو يميل برأسه فوق رأسها مغمضا عينيه وشعور الراحة والآمان الذي تملكه في تلك اللحظة لا يضاهيه شعور …
مرت حوالي ساعتين وقد غفا نديم اثناءذلك على نفس الوضعية عندما استيقظ فجأة منتفضا ليشعر بحياة تتحرك فيقبض على ذراعيها ويحتضنها مجددا قبل أن يسارع ويضع يدها فوق جبينها فيجد إنها ما زالت تعاني من الحمى لكن بدت وكأن الحمى إنخفضت بشكل ملحوظ …
ثبت جسدها على السرير وأسند رأسها كذلك ثم قرر أن يعاود استخدام الكمامات مجددا فعاد يملأ الصحن بالمياه الباردة ثم بدأ بوضع الكمامات فوق وجهها ..
فتحت عينيها وأخذت تتأمله بصمت وهو يضع لها الكمامات ليسمعها تهمس فجأة :-
” ستصاب بالعدوى ..”
رد بلا مبالاة :-
” ليس مهما .. المهم أن تكوني بخير ..”
ابتسمت رغم تعبها مرددة :-
” عندما تتعب مثلي وتشعر بنفس الألم ستندم على ما تفعله ..”
أبعد الكمامة عن وجهها ووضعها داخل الصحن وقال وهو سعيد بتجاوبها معه:-
” هل تعتقدين حقا إنني سأندم …؟! حتى لو تألمت بسبب المرض فلن يكون بقدر آلمي وأنا أراك تتألمين هكذا .. أراك طريحة الفراش بلا حول ولا قوة … لذا كل ما يهمني أن تكوني بخير حتى لو أصابني المرض بعدها ..”
” سأعتني بك حينها ..”
قالتها بخفة ليبتسم وهو يردد :-
” سأعتبر هذا وعدا ..”
ضحكت قبل أن تتأوه بألم ثم تقول بتأكيد :-
” وعد جاري تنفيذه ..”
عادت تغمض عينيها بإرهاق حتى شعر إنها نامت مجددا فهمس بخفوت :-
” لقد أتعبتني كثيرا يا حياة …”
نطقت بهذيان ولا وعي :-
” وأنا أحبك كثيرا يا نديم …”
” هل ما زلتِ تحبينني حقا ..؟!”
سألها بلهفة لتجيب وهي تميل على كتفه بعينين مغمضتين :-
” حبي لك لا يتوقف مهما حدث .. حبي لكِ لا نهاية له .. لقد تأكدت من هذا بعدما حاولت مرارا أن أتوقف عن حبك وفشلت ..”
هتف بصدق :-
” وانا لا أريده أن يتوقف أبدا لذا لا تحاولي مجددا لأجلي ولإنك لي وستظلين تحبيني الى الأبد كما انا سأبقى معك الى الابد ..”
فتحت عينيها قليلا تسأله :-
” أعدك يا حياة ..”
همست وقد عادت تغمض عينيها :-
” لا تعدني بشيء لا تستطيع إيفاءه ..”
أكملت بهذيان واضح هذه المرة ولا وعي :-
” انت تؤذيني بوعودك الكاذبة .. مثلما تؤذيني بتصرفاتك معي ….”
” صدقيني آخر شيء أريده هو إيذائك …”
قالها وهو يتأملها بعدما غفت تماما ليعدل وضعية جسدها حيث مددها على السرير وجذب الغطاء فوقها ..
عاد يزيح خصلات شعرها مجددا وهو يتأمل وجهها لدقائق طويلة دون ملل قبل أن ينحني نحو جبينها ويقبله ببطء …
إبتعد عنها مغمضا عينيه للحظات قبل أن يفتحها مجددا يتأمل ضعفها الظاهر على ملامحها ورغما عنه نظر الى شفتيها الجافتين تماما فشعر بتأنيب ضمير لما يفكر به في تلك اللحظة ..
يرغب في تكرار تلك التجربة مجددا لكنه لا يريد إستغلال حالتها تلك ..
أفكارة كانت مشتتة لكنه لم يقاوم هذه الفرصة وهو ينحني نحو شفتيها يقبلها ببطء لذيذ وكانت المفاجئة عندما شعر بها تتجاوب معه ..!!
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية