رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخامس 5
إندفعت نحو الحمام تغلق بابه خلفها بقوة تسقط على أرضيته تبكي بعنف وهي تحيط جسدها بذراعيها …
في كل مرة يحدث نفس الشيء وفي كل مرة تنقذ نفسها منه بإعجوبة …
أحيانا تشعر إنه يتقصد ذلك .. يرهبها منه ويجعلها تقاوم وتصرخ وتبكي حتى يستنفذ قوتها بالكامل ثم يحررها فجأة دون أن يتمم علاقته بها …
إنه شيطان بحق … شيطان مريض لا يمتلك أي مشاعر أو ضمير وهي وقعت في قبضته القاسية ووحدها من تنال من قسوته تلك ما لا يحتمل …
استندت على الأرضية بكفيها وهي تحاول النهوض من مكانها بوهن …
نهضت أخيرا لتجد صورتها تنعكس في المرآة أمامها بفستانها الممزق من الأعلى وشعرها المشعث و وجهها الباكي بإحمراره الشديد …
سارت بخطوات متخاذلة نحو المكان المخصص للإستحمام فبدأت تخلع ملابسها من فوقها ثم تلقي بجسدها أسفل الدوش البارد بعينين مغمضتين ووجه تجمدت ملامحه كليا ..
أغلقت صنبور المياه ثم جذبت المنشفة حيث جففت جسدها وخرجت بعدما لفت المنشفة العريضة فوق جسدها …
خرجت من الحمام وإتجهت نحو طاولة التزيين حيث جلست أمامها وهي تفكر إن سيناريو كل يوم يتكرر ..
لقد إعتادت على هذا الوضع بشكل يجعلها تشعر إنها مخلوق فارغ لا أهمية له في هذه الحياة …
لا تعرف مالذي فعلته لتعاني كل هذه المعاناة ومالذي ينتظرها من معاناة وألم أكبر ..؟!
هي لم تفعل أي شيء سوى إنها أحبت … أحبت بصدق وحاربت في سبيل حماية حبيبها .. حمايته من شر أخيه الذي لم يكتفِ بتدمير مستقبله وسجنه بل هددها بقتله وهي تعرف جيدا إنه يفعلها فهو فقد ضميره وإحساسه بالكامل …
نهضت من مكانها واتجهت نحو السرير تلقي بجسدها عليه تنظر نحو السقف بشرود وأفكار متزاحمة كالعادة ..
………………………………………………………………..
” أنتِ ابنة العم فاضل …؟!”
أومأت برأسها وهي ترد بخجل :-
” نعم أنا …”
اومأ برأسه متفهما بينما سمعها تهتف بهدوء :-
” أشكرك على إنقاذي من هؤلاء الشابين … أنا ممتنة لك حقا ..”
أجاب بنفس الهدوء :-
” لا داعي للشكر يا انسة حياة ..ما قمت به كان سيقوم به أي شخص مكاني …”
أردف بجدية :-
” لكن من الأفضل ألا تمشي في مناطق فارغة كهذه في وقت متأخر …”
” معك حق … هذه المرة الأولى التي أضطر بها لذلك … تأخر عملي قليلا فإضطريت الى العودة متأخرا …”
كانت تتحدث رغم عدم إستيعابها بعض لحقيقة وجوده …
لقد سيطر على أفكارها منذ أن رأته لأيام وشغل بالها كليا …
لا تذكر إن هناك شاب جذب إنتباهها على هذا النحو لكنه شيء آخر .. لقد إستحوذ على عقلها وأفكارها تماما حتى إنه زارها في حلمها .. ذلك الحلم الذي ما زالت تتذكره بكل تفاصيله ..
وجدته يسألها :-
” هل منزلك قريب من هنا …؟!”
أجابت سؤاله :-
” نعم المسافة قريبة من هنا .. “
أكمل متسائلا من جديد :-
” وكيف حال العم فاضل ..؟! لم أرَه منذ عودتي الى الفيلا ..”
ردت بإبتسامة هادئة أظهرت غمازتيها الجذابتين :-
” إنه بخير الحمد لله .. كان متعبا قليلا الفترة السابقة ولم يستطع ممارسة عمله ..”
قال بإهتمام :-
” ممَ يعاني بالضبط ..؟! مشاكل تنفسيه أليست كذلك ..؟!”
أجابت بحزن ظهر على ملامح وجهها وفي عينيها لا إراديا :-
” رئتاه متعبتان للغاية .. يعاني من صعوبة في التنفس وسعال مستمر بشكل دائم …”
شعر بالقلق عليه فهتف بها :-
” شافاه الله وعافاه … ”
أضاف بعدها :-
” إذا إحتجتِ أي شيء لا تترددي لحظة واحدة في التواصل معي .. وإذا تحتاجين الى المال لنقله الى …”
قاطعته بسرعة :-
” أشكرك كثيرا .. الحمد لله أستطيع رعاية والدي جيدا كما إنني أجلب له جميع ما يحتاجه دون تقصير بأي شيء ..”
تنهد ثم قال :-
” العم فاضل غالي علي جدا وهو يهمني كثيرا ومن واجبي مساعدته إذا إحتاج لشيء ما .. لا تأخذي الأمر بحساسية من فضلك ..”
” انا لا أفعل ذلك … أنا فقط أخبرك بإنه لا يحتاج شيئا ..”
قالتها بجدية ليخبرها :-
” أتمنى ذلك حقا … وأتمنى أيضا ألا تنسي ما قلته ولا تتردي في التواصل معي إذا ما إحتجتي لشيء …”
هزت رأسها دون رد ثم إستعدت للإنصراف وهي تقول :-
” عن إذنك يا بك ..”
” إلى أين ..؟! لن تذهبي وحدك … سأوصلك أنا …”
قالها بجدية وهو يقف جانبها لتعارضه :-
” لا داعي لذلك حقا .. أستطيع الذهاب لوحدي ..”
قال بتصميم وهو يفكر إنه من غير المعقول أن يتركها تذهب الى المنزل وحدها بعدما كان هناك شابان يحاولان التحرش بها منذ قليل :-
” لا يجوز ذلك .. سأسير بجانبك حتى تصلي الى منزلك .. ”
أكمل عندما وجدها تهم بالإعتراض من جديد :-
” لن أقبل بأي إعتراض يا آنسة حياة … تفضلي أمامي هيا …”
ضغطت على شفتيها كي لا ترد عليه لتجده يشير لها بالسير فتضطر الى السير بجانبه اتجاه المنزل ..
…………………………………………………….
وصلا الى المنزل بعد حوالي ربع ساعة فنظرت حياة إليه وهي تهتف :-
” هذا منزلي … أشكرك كثيرا على إيصالي … ”
أردفت بجدية :-
” تفضل إذا أردت …”
هم بالرفض فلا رغبة لديه للحديث أو مجاملة أحد ولولا إن رجولته منعته من تركها لوحدها في الطريق ما كان ليأتي معها …
شعر بالحرج من أن يرفض دعوتها ومن أن يصل الى هنا دون أن يرى العم فاضل فالرجل يعرفه منذ سنوات طويلة .. يحبه ويحترمه كثيرا … كما إنه مريض للغاية لذا من الواجب أن يطمأن عليه ومن غير المعقول أن يصل الى منزله ولا يراه ويطمئن على أحواله ..
” هل العم فاضل مازال مستيقظا ..؟!”
سألها لترد بسرعة :-
” نعم بالطبع … أبي لا ينام حتى عودتي من عملي …”
” إذا سأدخل وأراه …”
قالها بهدوء لتبتسم بخفة وهي تفتح الباب بالمفتاح لتدلف أولا ثم تخبره :-
” تفضل ..”
دلف الى المنزل البسيط ليجدها تسير نحو إحدى الغرف حيث يوجد والدها هناك يجلس على احد الكراسي ويقرأ القرآن …
” مساء الخير أبي ..”
قالتها وهي تلج الى صالة الجلوس يتبعها نديم بحرج فيجد فاضل يتلو القرآن أمامه ..
لحظات وأغلق فاضل كتاب القرآن الكريم ثم رفع وجهه متهيأ لإستقبال ابنته فيتفاجئ بنديم أمامه ..
” نديم بك ..”
قالها فاضل بعدم تصديق قبل أن ينهض من مكانه ليرحب به فيتقدم نديم نحوه بسرعة وهو يقول :-
” اجلس مكانك يا عم … لا تتعب نفسك بالوقوف …”
إحتضنه فاضل للحظة ثم ابتعد عنه يهتف بسعادة :-
” كيف تطلب مني ذلك وأنت في منزلي يا بك … الحمد لله على سلامتك يا بني … ”
ربت نديم على كتفه وهو يرسم إبتسامة مصطنعة على شفتيه بينما استوعب فاضل وجوده في منزله فنقل بصره بينه وبين ابنته بدهشة لتهتف حياة بسرعة :-
” نديم بك ساعدني في طريق عودتي حيث أنقذني من شابين يحاول سرقتي ..”
هتف فاضل بخوف شديد عليها :-
” وماذا حدث ..؟! هل آذوكِ يا حياة ..؟! ”
قاطعته حياة بسرعة تطمأنه :-
” إطمئن يا أبي .. لقد رأني السيد نديم في الوقت المناسب وأنقذني منهما ..”
” أشكرك يا بني … أشكرك كثيرا ،..”
قالها فاضل بملامح شديدة الإمتنان ليبتسم نديم بخفة وهو يرد :-
” لا تشكرني يا عم .. لم أقم سوى بواجبي …”
” لولاك الله وحده يعلم ما كان سيصيب ابنتي ..”
كانت يتحدث بذعر ليرد نديم بجدية:-
” لا سامح الله يا عمي … الحمد لله إنها بخير الآن …”
” الحمد لله ألف مرة …”
قالها فاضل مؤمنا الى دعائه ثم أردف :-
” لم أدعُك للجلوس حتى الآن .. تفضل اجلس يا بني ..”
قال نديم بجدية معتذرا عن البقاء :-
” اعذرني يا عم ولكنني مضطر للمغادرة فقد تأخرت كثيرا … انا رغبت فقط برؤيتك والإطمئنان عليك …”
” انا بخير يا بني … أشكرك حقا على إهتمامك … حفظك الله ورعاك …”
ربت نديم على كتفه من جديد ثم استأذن وغادر بعدما ودعه تتبعه حياة التي أوصلته الى الباب لتهتف قبل ان يخرج :-
” أشكرك من جديد يا بك ..”
” عفوا يا آنسة .. ”
قالها بتهذيب ثم ودعها ورحل تاركا إياها تتابعه بنظراته حتى إختفى تماما …
……………………………………………………………
في صباح اليوم التالي ..
خرج من غرفته متجها الى الطابق السفلي …
هبط الى الطابق السفلي ومنه الى الباب ليخرج من داخل الفيلا عندما فوجئ بها تدلف الى الفيلا فيرفع حاجبه وهو يلاحظ إحتداد ملامحها ما إن رأته أمامها في هذا الصباح الباكر …
كان آخر شيء تفضل رؤيته في يوم كهذا هو عمار ..
لا ينقصها سوى أن تفتتح صباحها به …
سمعته يهتف بنبرة مستهزءة بعدما أخفض حاجبه :-
” أرى إن الآنسة مريم أصبحت تتردد بشكل مستمر عندنا هنا …”
” أتردد هنا لأجل أختي .. هل لديك مانع ..؟!”
سألته بإقتضاب ليلتوي فمه بإبتسامة خبيثة وهو يردد على مسامعها :-
” بالطبع لا .. اهلا بك يا مريم هانم هنا في أي وقت … اعتبري الفيلا منزلك الثاني ..”
” شكرا … لدي منزلي والحمد لله .. ”
قالتها ببرود ثم أضافت :-
” المهم أن تعتبرها أنت كذلك .. ”
عقد حاجبيه يناظرها بصمت بينما تكمل هي بصوت ذا مغزى :-
” فأنت لم تكن معتاد على السكن هنا لسنين طويلة … ولا أظن إنك ستفعل خاصة بعد عودة نديم … ”
إسترسلت بخبث مقصود :-
” الأمر صعبا للغاية .. ليس من السهل السكن في منزل واحد مع من كان خطيب زوجتك السابق وحبيب عمرها … كان الله في عونك فأنت تبذل طاقة كبيرة للتحمل بالتأكيد …”
تأملها بملامح فارغة للحظات قبل ان تتفاجئ به يدفعها بقوة نحو الحائط محاوطا جسدها النحيل بجسده ..
احتدت ملامحها وهي تصرخ به :-
” ما هذا الذي تفعله …؟! إبتعد فورا … “
قاطعها بإستفزاز :-
” لن أبتعد يا مريم .. يعجبني هذا الوضع كثيرا فلمَ سأبتعد ..؟!”
” كم إنك سافل ومنحط …”
صاحت به وهي تحاول دفعه لتتجهم ملامحه وهو يهتف بقوة :-
” لسانك طويل يا مريمتي … نحتاج الى تقصيره قليلا …”
” لا تقل مريمتي … ولساني طويل مع من يستحق من أمثالك ..”
أخذ يتأمل ملامحها الجذابة بصمت امتد لثواني قبل أن تسمعه يهمس :-
” ملامحك فاتنة يا مريم … ”
أردف وهو يلاحظ ذهول ملامحها :-
” جميلة بل فاتنة .. قوية وشرسة … جذابة ومختلفة …”
أضاف وهو يلاحظ جمود ملامحها بعدم تصديق لما تسمعه :-
” لا أفهم كيف أنتِ وليلى أختان …؟! أنتما تختلفان عن بعضيكما في كل شيء … في الشكل والشخص ..”
أكمل وهو يقرب أنفه من أنفها :
” لكنك بالطبع تتفوقين عليها بالإثنين …”
ضربته على صدره وهي تدفعه :-
” إبتعد أيها السافل الحقير ..”
أكملت وهي تجده يبتعد عنها أخيرا :-
” أنا أخت زوجتك يا نذل ..”
كانت تتحدث بملامح شاحبة لتجد إبتسامته تتسع تدريجيا حتى دوت ضحكاته عاليا …
تجهمت ملامحها كليا مما يحدث وهمت بالصراخ فيه أن يتوقف لكنه سبقها وهو يردد :-
” لا تقلقي يا مريمتي… بالطبع لا أعني ما قلته … كنت أجامل فقط لا غير .. صحيح إنك جميلة للغاية ولكن ..”
صمت قليلا ثم أردف وهو ينظر الى عينيها بقوة :-
” ولكنني لا أطيقك وأنت تعرفين هذا جيدا …”
أكمل بإستخفاف :-
” يكفيني أختك يا مريم .. لا ينقصني سوى انتِ …”
” إذا كنت لا تطيقني مرة فأنا لا أطيقك مرات ..”
كان سيرد عليها لكنه قاطعه إتصالًا يخبره بسرعة :-
“عمار تعال ارجوك … جيلان تحتاجك … لقد توفي السيد حميد صباح اليوم …”
…………………………………………………………
دلف عمار الى المنزل أخيرا ليجدها تستقبله فيسأل بإقتضاب :-
” أين هي ..؟!”
ردت بجدية رغم حزنها الشديد :-
” في غرفتها … تبكي منذ الفجر … كان الله في عونها …”
سألها بنفس اللهجة :-
” أين غرفتها ..”
” تفضل سأوصلك إليها …”
سار خلفها حيث ارتقى درجات السلم متجها ورائها ليقف أمام باب غرفتها للحظات ثم يفتحها بعدما طرق بخفة عليها …
” جيلان …”
ناداها بهدوء لتستدير نحوه تنظر إليه بعينيها الباكيتين للحظات قبل أن تركض نحوه ترمي بجسدها بين أحضانه وهي تردد بصوت باكي :-
” عمار .. وأخيرا جئت .. انتظرتك كثيرا ..”
إبتعدت عنه قليلا تنظر الى ملامحه الجامدة وتردد بحزن شديد :-
” أبي تركني يا عمار .. تركني الى الابد .. لم يتبقَ لي سواك يا عمار … لا يوجد لدي غيرك بعد الآن يا أخي …”
تأمل ملامحها الباكية للحظات قبل أن يهتف بهدوء :-
” ستأتين معي …!!”
” إلى أين ..؟!”
سألته بعدم إستيعاب فتجده يرد بنفس الهدوء :-
” سأخذك الى شقتي حيث ستبقين هناك بعد الآن ..”
رفضت بسرعة :-
” لكنني لا أريد ترك منزلي هنا .. لا أريد ترك منزل والدي يا عمار ..”
قاطعها بضيق ظهر على ملامح صوته ووجهه بوضوح :-
” هل ستبقين هنا لوحدك كي يتحكم بكِ أبناء عمومك كما يريدون …؟! ”
أردف بجدية :-
” وجودك هنا سيجعلهم حولك طوال الوقت .. ”
توقف عن حديثه وهو يسمع صوت خديجة مربيتها تخبره :-
” أبناء عمومتها في طريقهم إلينا .. لقد إتصلوا بي منذ قليل وأخبروني بذلك …”
إلتفت نحوها يسألها :-
” متى ستتم مراسيم الدفن ..؟!”
أجابت خديجة :-
“إنتهوا منها قبل قليل يا بك ..”
صاحت جيلان بصدمة :-
” قاموا بدفنه دون أن أحضر معهم المراسيم …”
ردت خديجة بسرعة تحاول تهدئتها :-
” أنتِ كنتِ في حالة سيئة للغاية يا جيلان .. ”
أشارت بعدها الى عمار :-
” لقد أغمي عليها فورا ما إن علمت بالخبر وعندما إستيقظت بعد مدة كانت منهارة بشكل تام ولم تتوقف عن البكاء لحظة واحدة .. “
هطلت دموع جيلان وهي تردد ببكاء :-
” لكنه أبي ..كيف لا أحضر مراسيم دفنه …؟!”
إستدار عمار لها قائلا :-
” لقد حدث ما حدث يا جيلان … لملمي أغراضك وتعالي معي …”
” ألن أحضر عزاء والدي أيضا …؟!”
هتفت بها بعدم تصديق ليضغط عمار على نفسه بقوة محاولا عدم إظهار غضبه منها ومن إلحاحها الزائد وهو يرد بصوت عادي :-
” لا تعاندي يا جيلان .. من الأفضل ألا تتواجهي مع عائلة والدك فكلانا يدرك مدى حساسية الوضع بينكما …”
” لا أريد ترك منزل والدي يا عمار .. لا تجبرني على ذلك …”
قالتها بنبرة باكية لتجده يصيح بها بصرامة :-
” نفذي ما قلته بسرعة ولا تعانديني وإلا تركتك لوحدك في مواجهتهم …”
إنتفضت بخوف من نبرته فنظرت إليه بألم قبل أن تركض مسرعة نحو الحمام الملحق بغرفتها وتغلق الباب خلفها بعنف ..
نظر عمار الى خديجة يأمرها :-
” نفذي ما قلته حالا وأنا سأنتظركما في الأسفل ..”
…………………………………………………………..
هبط عمار الى الطابق السفلي ليجد أبناء عمومها قد وصلوا بالفعل …
نظر الجميع إليه بصمت رغم عدم رغبتهم في وجوده بينما وقف هو في منتصف المكان يهتف بصوت بارد لا حياة فيه :-
” السلام عليكم .. البقية في حياتكم … ”
رد أحدهم وهو كبير ابناء عمومته :-
” حياتك الباقية … ”
سأل أحدهم بلهفة :-
” أين جيلان ..؟!”
رمقه عمار بنظرات احتدت قليلا وهو يجيب :-
” في غرفتها تتجهز للرحيل …”
سأله عمها الأكبر :-
” أين ستذهب ..؟!”
أجاب بهدوء :-
” ستذهب معي الى منزلي ..؟!”
هتف ابن عمها الأكبر من جديد :-
” إذا قررت ونفذت نيابة عنا يا عمار …”
رفع عمار حاجبه مرددا بنفس الهدوء :-
” ألستُ أخيها الوحيد وأولى بها من الجميع يا راغب …؟!”
نهض راغب من مكانه يهتف بنفس الهدوء :-
” معك حق يا عمار … أنت أولى بها ولكن نحن أيضا أبناء عمومتها ومسؤولون عنها …”
قاطعه عمار :-
” وأنا لم أنكر ذلك …”
” لا داعي لخروج الفتاة من منزلها … هذا منزل والدها ومن الأفضل أن تبقى فيه معززة مكرمة …”
كان هذا حديث عمها الصغير فتحدث عمار ببروده المعتاد ردا عليه :-
” جيلان ستبقى معززة مكرمة بكل الأحوال وبالطبع لن أتركها هنا لوحدها .. ”
أضاف وهو يسير بأنظاره عليهم جميعا :-
” مكان جيلان معي .. أنا أخوها .. حتى تبلغ سنها القانوني على الأقل وعندما تكبر وتصل الى مرحلة عمرية مناسبة ستقرر بنفسها حينها ماذا تريد …”
” هل ستأخذها الآن ..؟! ألن تحضر عزاء والدها ..؟!”
سأله ابن عمها الذي كان يسأل عنها منذ قليل بلهفة ليجيب عمار بإقتضاب :-
” الفتاة منهارة وبقائها هنا سيفاقم وضعها سوءا …”
أكمل بجدية :
” سآخذها في منزلي تستريح قليلا ثم آتي بها غدا كي تحضر اليوم الثاني من العزاء …”
ألقى نظرة أخيرة عابرة ثم رحل تاركا إياهم يتابعونه بكره وعدم رضا لما يسمعونه لكنهم سيتركون هذه الأمور لوقتها المناسب فلا يجب إفتعال المشاكل في هذا الوقت المحرج …
………………………………………………………..
جلست حياة بجانب مي التي تحدثت قائلة :-
” تأخرتِ اليوم أيضا يا حياة وفاتتك محاضرة مهمة
للغاية …”
أضافت بعدها :-
” أعلم إن الأمر خارج عن إرادتك ولكنني لا أرغب بأن يفوتك شيء مهم ربما يؤثر على درجاتك النهائية ..”
هتفت حياة بحزن :-
” ماذا أفعل يا مي ..؟! الأمر خارج عن إرادتي .. لا أستطيع ترك والدي والخروج قبل إيقاظه والإطمئنان عليه …”
تطلعت مي إليها بشفقة وقالت :-
” حسنا لا تحزني نفسك .. أنا أسفة .. لم يكن علي التحدث هكذا ..”
قاطعتها حياة برفق :-
” لم يزعجني حديثك يا مي فأنتِ تقولين هذا لأجل مصلحتي …”
أردفت وهي تتطلع أمامها بشرود :-
” سأبذل قصارى جهدي كي لا أتأثر بما يفوتني …”
” سأساعدك أنا لا تقلقي ..”
قالتها مي بجدية لتبتسم لها حياة بإمتنان ثم تخبرها وهي تنظر الى الأستاذ الذي دخل الى القاعة :
” لقد وصل دكتور ثامر .. فلننتبه إليه جيدا ..”
ألقى ثامر التحية ثم بدأ في إلقاء محاضرته وحياة تدون ما يقوله بإنتباه شديد ..
إنتهت المحاضرة فلملمت حياة أغراضها وهمت بالخروج عندما سمعت صوت ثامر ينادي عليها …
تقدمت نحوه بتردد فوجدته يسألها :-
” هل يمكنني الحديث معك قليلا يا حياة ..؟!”
أجابت حياة بهدوء :-
” تفضل يا دكتور …”
قال ثامر وهو يبتسم بهدوء :-
” الموضوع لا يمكن الحديث به ونحن واقفان هنا … هل يمكننا التحدث في المقهى القريب من الجامعة …؟!”
رفضت بإحراج ظهر على وجهها :-
” أعتذر يا دكتور ولكنني لا أستطيع الجلوس معك لوحدنا فهذا سيجلب الأنظار إلي … ”
اومأ برأسه متفهما ثم قال بجدية :-
” ووقوفنا هنا سيجلب الأنظار أيضا … إذا هل تأتين الى مكتبي ونتحدث هناك ..؟!”
خرج سؤاله الأخير متأنيا لكنه قوبل بعدم القبول :-
” بإمكانك أن تقول ما لديك يا دكتور ونحن واقفان هنا …”
ابتسم مرددا :-
” لم أكن أتصور إنكِ عنيدة لهذه الدرجة يا حياة …”
أردف بجدية وهو يلاحظ إحمرار وجنتيها لا إراديا :-
” حسنا سأتحدث هنا …”
أخذ نفسا عميقا وقال :-
” أنا أرغب بالتقدم لخطبتك يا حياة .. ”
نظرت إليه بذهول لحظي رغم إدراكها منذ مدة إنه هناك شيئا خاصا يحمله نحوها لكنها لم تتخيل أن يخطبها بهذه السرعة …
إبتسم بهدوء على نظراتها المندهشة فأكمل :-
” أنتِ فتاة جميلة ومحترمة وأنا أشعر بالإعجاب الشديد نحوكِ وأتمنى حقا أن تكوني من نصيبي .. ”
شعرت بلسانها يعجز عن النطق بأي شيء بينما عقلها يحاول التركيز في الرد المناسب الذي ستقوله رغم كونه يخبرها بضرورة القبول فثامر رجل مثالي لا يُرفض ..
……………………………………………………………….
وقفت نانسي بسيارتها أمام الفيلا من جديد تنتظر خروجه على أحر من الجمر فهي ما زالت تظن إنه يسكن في الفيلا …
ظلت تنتظره لأكثر من ساعتين عندما وجدته يهبط من سيارة أجرة متجها الى داخل الفيلا فهبطت من سيارتها تناديه بلهفة ..
إلتفت نديم نحوها متغضن الجبين فتقدمت بملابسها شديدة الأناقة وهي ترسم إبتسامة خلابة على شفتيها المطليتين باللون الأحمر القاني ..
جذبته نحوها تعانقه بشكل أحرجه هو كرجل ولم يحرجها كأنثى …
أبعدها عنه مرددا بغضب مكتوم :-
” مالذي تفعلينه يا نانسي …؟!”
هزت كتفيها ترد بلا مبالاة :-
” إشتقت إليك يا نديم …”
زفر أنفاسه وهو يحاول السيطرة على غضبه منها ثم قال بجدية :-
” لا يجوز تصرفات كهذه يا نانسي .. تعقلي قليلا من فضلك ..”
” هل تضايقت مني يا نديم ..؟!”
سألته بحزن ظهر في مقلتيها الجذابتين ليتأفف داخله ثم يجيب بلباقة :-
“أتحدث هكذا لأجلك يا نانسي .. لأجل منظرك … ”
سألته بفرحة ظهرت في مقلتيها بدلا من ذلك الحزن الذي سكنهما منذ لحظات :-
” حقا يا نديم ..؟! هل تهتم بي وبمنظري حقا …؟!”
رفع بصره نحو الأعلى بنفاذ صبر ثم أخفضه من جديد يسألها :-
” ماذا تريدين يا نانسي ..؟!”
أجابت بجدية :-
” ألم تفهم بعد ما أريده يا نديم …؟! نديم انا أحبك .. كم مرة علي قول هذا ..؟! ”
” نانسي افهميني من فضلك .. لقد أخبرتك مسبقا وسأخبرك مجددا … انا لا أحبك … لم ولن أفعل …”
أضاف بتروي وهو يلاحظ الدموع التي أغرقت عينيها :-
” أنتِ فتاة جميلة ورائعة .. ألف شاب يتمنى الإرتباط بمثلك …”
” وأنت لست واحدا منهم … أليس كذلك ..؟!”
سألته بحنق ليجيب بتعقل :-
” فكري في الأمر يا نانسي … لستُ آخر رجل في العالم ولن تقف حياتك عندي … تجاوزي مشاعرك اذا ما كانت حقيقية …”
” إنها حقيقية يا نديم .. هل تشك حقا في ذلك ..؟!”
سألته بصوت غاضب منفعل ليرد محاولا السيطرة على غضبها :-
” اهدئي يا نانسي ولا تفعلي هذا …”
حاولت السيطرة على أنفاسها الهائجة وهي تسأل :-
” أخبرني بصراحة .. ما سبب رفضك لمشاعري ..؟! ليلى أليس كذلك ..؟!”
شعر بالإختناق منها ومن إصرارها على ما تفعله فهتف بنفاذ صبر :-
” نعم ليلى … هل ارتحت ِ الآن ..”
إعتصرت كفها بقوة وقالت وهي تضغط على نفسها كي لا تنفعل في وجهه او تقوم بتصرف غير محسوب :-
” لماذا تفعل ذلك ..؟! ألم تكتفِ بما فعلته بك ..؟! لقد تركتك وتخلت عنك ..”
قاطعها صائحا بلا وعي :-
” يكفي … ”
” ماذا يحدث هنا …؟!”
توقفت أنفاسه للحظة وهو يسمع صوتها وهي التي جاءت بعدما رأتهما بالصدفة البحتة وهي تخرج من الفيلا …
” أنتِ …”
قالتها نانسي بغضب مخيف بينما تقدمت ليلى نحوها بغضب مشابه وهي تصيح بها :-
” مالذي تفعلينه هنا ..؟!”
أشارت ليلى الى نديم تسأله بضيق شديد :-
” مالذي تفعله هذه الفتاة هنا يا نديم ..؟!”
وقبل أن يرد نديم كانت نانسي تصرخ عليها :-
” وما علاقتك أنتِ ..؟! هل تظنين نفسكِ ما زلتِ خطيبته..؟!”
وقبل أن تجيب ليلى كانت نانسي تخبره بثقة :-
” انا هنا معه بصفتي حبيبته وزوجته المستقبلية …”
” ماذا ..؟!”
صاحت ليلى بعدم تصديق بينما بهتت ملامح نديم بدهشة …
” أنتِ كاذبة .. نديم لن يفعلها ويرتبط بواحدة مثلك ..”
قالتها ليلى بإنفعال لتستدير نحو نديم تصيح به بتوسل :-
” تحدث يا نديم .. قل شيئا ..”
” ماذا تقصدين بواحدة مثلي ..؟!”
سألتها نانسي وهي تحاول التقدم نحوها بينما وقف نديم بينهما محاولا السيطرة على الوضع مشيرا إلى نانسي :-
” يكفي يا نانسي … يكفي حقا ..”
قاطعته نانسي بعصبية :-
” دعها تخبرني أولا ماذا تقصد بواحدة مثلي ..؟!”
” أقصد واحدة مختلة مثلك ..”
هتفت بها ليلى وقد أعماها غضبها وغيرتها لتجد نانسي تحمل صخرة صغيرة كانت جانبها وترمي بها على وجهها وهي تصرخ بلا وعي :-
” انا مختلة أيتها الحقيرة ..”
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية