Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السابع 7 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

  رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السابع 7

كانت تسير بخطوات شبه راكضة وهي تجاهد للسيطرة على دموعها المتجمعة داخل عينيها ..

لا تصدق كيف صرخ عليها بهذا الشكل المهين ..!!

لم تتوقع منه تصرفا كهذا … لمَ صرخ عليها بهذا الشكل ..؟! ما الخطأ في تصرفها ..؟! هل من الخطأ أن تحافظ على كرامة والدها وترفض أي صدقة من أحد ..؟!

توقفت في مكانها فجأة وهي تسمع صوته خلفها ينادي عليها ..

لم تتحرك إنش واحد ولم تلتفت حتى عندما شعرت به يصل إليها … كان يقف خلفها وصوت أنفاسه الهادئة تسمعه بوضوح ..

إعتصرت قبضتي يديها وهي تقاوم دموعها كي لا تهطل وتمنحها مزيدا من الذل أمامه …

” آنسة حياة …”

قالها بصوته الهادئ المختلف كليا عن ذلك الصوت الذي صرخ بها منذ قليل …

أخذت نفسا عميقا وهي تحاول التأكد من سيطرتها على دموعها لتستدير نحوه بملامح متصلبة فقدت القليل من نعومتها وبرائتها المحببة …

تحدث نديم ما إن إلتفتت إليه بصوت لين قليلا :-

” أعتذر عما بدر مني قبل قليل يا آنسة …”

شعرت بالراحة تسكنها قليلا عندما سمعت إعتذاره الصادق والذي لم يقتصر على نبرة صوته بل ظهر في عينيه الزرقاوين بوضوح …

ردت حياة بتسامح لطالما إتصفت به :-

” إعتذارك مقبول يا بك …”

ثم أضافت تسبقه في الحديث :-

” ولكنني لن أتنازل عما أريده .. ستأخذ أموالك كاملة ..”

هتف بإستياء صريح :-

” أنتِ عنيدة للغاية ….”

نظرت إليه وردت :-

” لستُ عنيدة ولكنني لا أحب أن يكون لأحدهم فضل على والدي وأنا موجوده …”

” متى سوف تستوعبين إنني أحب والدك وأحترمه كثيرا وإنني قمت بهذا كونه شخص غالي وعزيز علي …”

هتفت بنبرة ممتنة وإبتسامة خافتة ترتسم على ثغرها :-

” سعيدة بكلامك هذا ومشاعرك الصادقة ناحية والدي لكنني سأخبرك مجددا ، أنا إبنته والمسؤولة الوحيدة عنه …”

هم بالرد عندما قاطعه صوت والدته وهي تقترب منهما تشير إليهما :-

” ماذا حدث …؟! هل انتهت المشكلة …؟!”

ثم قالت لنديم :-

” هل قمت بإصلاح الموقف يا نديم …؟!”

ردت حياة نيابة عنها وهي ما زالت تحتفظ بإبتسامتها اللطيفة :-

” لقد إنتهت المشكلة بأرضها يا هانم .. أشكرك حقا على إهتمام كما إنني أعتذر منكِ لخروجي من المنزل بهذه الطريقة …”

إستغرب نديم إعتذارها عن خروجها السريع رغم كونه المتسبب بهذا مثلما إستغرب رفضها القاطع للتكفل بعلاج والدها …

كيف لها أن ترفض ذلك وهي تعلم حق العلم مدى خطورة وضع والدها …؟!

تسائل بداخله عن كم الأشخاص الذين ما زالوا يعتزون بكرامتهم ويقدسونها الى هذا الحد …؟!

كم من الناس يفعلون ذلك …؟!

سمع والدتها تهتف وهي تتأمل الفتاة بإعجاب :-

” ماشاءالله عليك يا إبنتي … لقد أحسن فاضل تربيتك حقا …”

سيطر الخجل على ملامح حياة وهي ترد بخفوت :-

” أشكرك يا هانم …”

وجدت حياة صباح تخبرها :-

” تعالي معي هيا فأنا لم أقم بضيافتك …”

رفضت حياة بسرعة :-

” كلا يا هانم .. أشكرك حقا ولكن لا داعي لذلك …”

هتفت صباح مستنكرة :-

” كيف هذا ..؟! إنها المرة الثانية التي تأتين بها الى هنا وترفضين الجلوس قليلا … سأشعر بالضيق حقا إذا رفضتي دعوتي ..”

نطقت حياة بتردد :-

” لا أرغب أن تشعري بالضيق حقا ولكن…”

لكن صباح قاطعتها بلهجة حاسمة :-

” هيا تعالي معي الى الداخل …”

إضطرت حياة الى العودة الى الفيلا مع صباح التي أشارت الى نديم أن يتبعهما …

جلست حياة في صالة الجلوس بجانب صباح بينما جلس نديم على المقعد المقابل لهما حيث قالت صباح :-

” ماذا تحبين أن تتناولي …؟! مشروبا باردا أم حارا …؟!”

ردت حياة بخجل :-

” شكرا يا هانم … لا داعي لهذا …”

لكن صباح أصرت عليها فطلبت مشروبا باردا حيث أمرت صباح الخادمة أن تجلب لهم العصير البارد …

كان نديم يتأملهما بصمت حيث أخذت والدته تسأل حياة عن أحوال والدها وكيف أصبح وضعه وبمَ أخبرها الطبيب بشأن حالته الصحية …

” أنت ما زلتِ في الجامعة يا حياة … ألستِ كذلك ..؟!”

أومأت حياة برأسها ثم أجابتها بعدما وضعت كأس العصير على الطاولة :-

” نعم .. انا في المرحلة ما قبل الأخيرة ….”

” وما هو تخصصك الدراسي …؟!”

” الصيدلة …”

قالتها حياة بعفوية لتبتسم صباح بحزن بينما تغضن وجه نديم بضيق للحظات .. ضيق سرعان ما أخفاه بمهارة وهو يستمع الى والدته التي قالت بإختصار :-

” تخصص جيد حقا .. ”

” نعم هو كذلك …”

توقفت حياة عن حديثها عندما وجدت ليلى تدلف الى الداخل فعادت الى ذاكرتها تلك المرة التي إلتقيا بها حينما سقطت صورة نديم من بين يديها وإلتقطتها ليلى على الفور ..

” مساء الخير …”

قالتها ليلى بهدوء وهي ترمق حياة بنظراتها المستغربة لتجيب كلا من صباح وحياة عليها بينما شعر نديم برغبة شديدة بالمغادرة …

” حسنا يجب أن أغادر الآن …”

قالتها حياة وهي تحمل حقيبتها وتنهض من مكانها عندما هتفت صباح بسرعة :-

” ما زال الوقت مبكرا …”

منحته حياة إبتسامتها المعتادة وهي ترد بصدق :-

” يجب أن أذهب لرؤية والدي والإطمئنان عليه … سعدت برؤيتك حقا يا هانم …”

” أنا الأسعد حبيبتي …”

قالتها صباح وهي تلتقط كفها ترد تحيتها ..

نهض نديم بسرعة مستغلا الفرصة حيث قال :-

” دعيني أقلكِ الى المشفى فهي على طريق شقتي …”

تكلمت حياة بسرعة :-

” أشكرك يا بك ولكن لا داعي أن تتعب نفسك … ”

قاطعها نديم بتصميم :-

” لا يوجد تعب يا آنسة … تفضلي معي …”

أومأت حياة رأسها على مضض ثم ودعت صباح التي كانت تنظر إلى إبنها التي أدركت بسهولة إنه يتحجج للخروج من الفيلا كي لا يبقى مع ليلى في مكان واحد …

خرج كلا من حياة ونديم بينما بقيت صباح مع ليلى حيث هتفت الأخيرة تتسائل :-

” مالذي تفعله تلك الفتاة هنا يا خالتي …؟!”

ردت صباح وهي تجلس على الكنبة :-

” جاءت لشيء محدد ولكنني أصريت على أن تبقى قليلا وتتناول شيئا …”

هزت ليلى رأسها ونظراتها الغير مرتاحة تحاصر خالتها التي أشاحت وجهها بعيدا عنها تنظر الى الحديقة الخارجية من النافذة الواسعة …

………………………………………………………..

في الطريق …

كانت حياة تجلس متشنجة بجانب نديم الذي يقود سيارته بصمت تام …

لم تشعر في تلك اللحظة بالسعادة لقربه منها رغم كونه يحتل تفكيرها منذ أيام بل كانت تشعر بالرهبة فقط ..

الرهبة من وجودها معه في سيارة مغلقة تقابل صمته المهيب بصمت مماثل …

أفكارها بدأت تتزاحم داخل عقلها الذي يحاول إزاحة كل هذا جانبا والتركيز على الطريق كما يفعل هو …

أما نديم فعقله كان يفكر بليلى وهروبه من مواجهتها مجددا … كان يسأل نفسه عما سيفعله وكيف سيتجاوز الماضي ويتقبل وجودها في منزله كزوجة لأخيه …؟!

هل سيبقى طوال عمره خارج منزله وهل سيبقى هاربا من ملاقاتها …؟!

لم يكن هذا الحل وهو بعقله الحكيم يدرك هذا مثلما يدرك إن وضعه حتى الآن غير مناسب فهو ما زال ثابتا في مكانه منذ خروجه من السجن يلتزم البقاء في شقته ولا يخرج منها إلا للضرورة … حتى سيارته التي أخذها من الفيلا لم يستخدمها إلا قليلا فهو لا يخرج من شقته إلا قليلا جدا … ليس هذا الصحيح وليس من المنطقي أن يبقى هكذا … حتى لو لم يستطع تجاوز ما حدث فعليه التعايش معه .. هو مجبر على الإستمرارية وبالتالي فهو مجبر على النهوض بنفسه ..

توقف عند إشارة المرور وهو يشعر بإن أفكاره المزدحمة تضغط على أعصابه بقوة فقرر إزاحتها جانبا كي يرتاح عقله قليلا من كل هذه الضغوطات ..

تذكر حياة التي تجلس بجانبه فرمقها بنظراته ليجدها تنظر الى النافذة بصمت بينما يديها متشابكتين داخل حضنها …

عاد بأنظاره نحو الأمام وهو يفكر إنه إتخذ أمر إيصالها الى المشفى حجة كي يرحل دون أن يجعل ليلى تشعر إنه غادر بسببها …

لا يعلم لماذا فعل هذا لكن هناك رغبة شديدة داخله تجعله لا يرغب أن تشعر إنها بتلك الأهمية عنده …

سمع صوت رنين هاتف حياة التي أخرجت هاتفها من حقيبتها وأجابت :-

” اهلا مي …”

ثم أضافت :-

” حقا …؟! انا في طريقي لزيارة والدي … لا أعلم ولكن لمَ لم يخبرنا مسبقا بشأن هذا الإختبار…؟!”

إلتفت نحوها لا إراديا ملاحظا ذلك الضيق الذي إرتسم على ملامحها الهادئة حيث خرج صوتها منزعجا قليلا :-

” حسنا سآتي حالا … مع السلامة …”

أغلقت الهاتف ثم نظرت إليه وقالت :-

” هل يمكنك الوقوف جانبا فأنا لن أستطيع الذهاب الى المشفى الآن …؟!”

” سآخذك أنا الى الجامعة …”

قالها بإيجاز ليجدها تقول بتردد :-

” لا أريد أن أتعبك حقا …”

زفر أنفاسه وهو يردد :-

” أنت في الجامعة الأساسية أليس كذلك …؟!”

أومأت برأسها فوجدته يقول :-

” ليست بعيدة عن هنا … سنصل بعد دقائق …”

ثم حرك مقود سيارته بعدما ظهرت الإشارة الخضراء وتحرك نحو الجامعة …

………………………………………………………….

بعد مدة من الزمن …

كان قد أوصل نديم حياة الى جامعتها واتجه بعدها الى شقته عندما رن هاتفه وهو في طريقه الى هناك …

شعر بالقلق عندما وجد المتصل به هو الطبيب المسؤول عن علاج فاضل فأجابه بسرعة :-

” اهلا رافد … ماذا حدث ..؟! هل العم فاضل بخير ..؟!”

جاءه جواب الطبيب :-

” اهلا بك يا نديم .. إهدأ من فضلك .. حاليا هو بخير لكن ..”

صمت قليلا وأضاف :-

” حالته متأزمة يا نديم ولا أظن إنه سيعيش طويلا …”

هتف نديم بنبرة حزينة :-

” ألا يوجد حل ..؟! جراحة مثلا …”

رد رافد بجدية :-

” للأسف لقد تحدثت مع ابنته مسبقا وأخبرتها بصعوبة ذلك … على العموم انا اتصلت بك لأخبرك بإمكانية خروجه من المشفى بشرط وجود من يرعاه في المنزل مع حاجته لجهاز تنفس يساعدة في إستنشاق الأوكسجين ..”

” إذا كان الأفضل له بقاءه في المشفى فدعه يبقى وأنا كما أخبرتك مسبقا مسؤول عن كافة المصاريف …”

قالها نديم بصوت جدي ليأتيه صوت رافد يقول بقليل من الإستغراب :-

” يبدو إن هذا الرجل مهم عندك كثيرا … ”

رد نديم :-

” أعرفه منذ طفولتي … لقد كبرت وأنا أراه يعمل عندنا بكل جد وأمانة .. من أقل واجباتي أنا وعائلتي عليه أن نرعاه في أيامه الأخيرة كما إن تكلفة العلاج لا تساوي شيئا يستحق التردد في دفعه …”

” لو تعلم كم يسعدني تصرفك هذا يا نديم … أنت حقا مثال للرجل الشهم الأصيل …”

” أشكرك يا رافد ..”

قالها نديم بهدوء رغم المشاعر المتضاربة التي تشكلت داخله …

مشاعر تجمع ما بين الحزن والغضب والضياع والرغبة في العودة الى الماضي حيث كل شيء كان مثاليا بحق …

” صحيح … لقد أوصاني العم فاضل بإيصال شكره وإمتنانه إليك وأخبرني أيضا إنه يود رؤيتك وشكرك بنفسه …”

” حقا ..؟! سآتي إليه إذا كي أراه وأطمئن عليه …”

” جيد … أنتظرك كي تمر علي ونتحدث قليلا أيضا فأنا لم أستطع رؤيتك جيدا المرة السابقة …”

ودع نديم صديقه ثم أغلق هاتفه ووضعه في جيبة وإستمر في قيادة سيارته متجها هذه المرة الى المشفى …

…………………………………………………………..

دلفت خديجة الى غرفة جيلان وهي تحمل صينية الفطور معها …

وجدت الغرفة مظلمة كالعادة وجيلان تحتضن وسادتها وتغط في نومها الذي لا ينتهي …

وضعت الصينية على الطاولة ثم إتجهت نحو الستائر وفتحتها لتتفاجئ بجيلان مستيقظة حيث تأففت بصوت مسموع وهي تردد :-

” أغلقي الستائر يا خديجة … الضوء مزعج حقا ..”

” منذ متى وأنتِ مستيقظة يا جيلان …؟!”

سألتها خديجة وهي تجلس بجانبها على السرير لتزفر جيلان نفسها ثم تغمض عينيها وتجيب :-

” منذ عدة ساعات لا أذكر عددها …”

نظرت خديجة إليها بشفقة ولم اعرف ماذا تفعل مع هذه الفتاة ومعاناتها من وحدتها التي لا تنتهي …

هتفت بصوت تقصدت أن تجعله مرحا قليلا :-

” هيا إنهضي … لقد أعددت لكِ طعام الإفطار الذي تحبينه … البان الكيك مع النوتيلا …”

” لا أريد ..”

قالتها جيلان بنبرة مقتضبة لتطالعها خديجة وهي تردد بحزن :-

” لماذا يا جيلان …؟! أنتِ لم تتناولِ شيئا منذ ظهر البارحة … حتى الغداء بالكاد تناولتِ لقيمات قليلة ..”

هتفت جيلان بإستياء :-

” لا شهية لدي ..”

عادت خديجة وجلست جانبها وأخذت تربت على شعرها الناعم بكفها وهي تقول بجدية :-

” لا يجوز أن تفعلي هذا بنفسكِ يا ابنتي … أنتِ ما زلت صغيرة ويجب أن تهتمي بنفسكِ جيدا وصحتك مهمة للغاية …”

سيطر الألم على ملامح جيلان وترقرقت الدموع داخل عينيها الخضراوين فأشاحت وجهها نحو الجانب الآخر تغمض عينيها بقوة وترد بنبرة جافة :-

” اتركيني وشأني … أريد البقاء لوحدي …”

” يا ابنتي …”

قالتها خديجة بتمهل لتتفاجئ بها تعتدل في جلستها وتصرخ بها بعينين باكيتين :-

” ألا تفهمي ما أقوله ..؟! إتركيني وشأني … إتركيني هيا …”

نهضت خديجة من مكانها ومنحتها نظرة حزينة ثم خرجت لتضم جيلان ركبتيها إلى صدرها وتبدأ في البكاء طويلا …

……………………………………………………………

كان عمار يجلس في مكتبه يتابع أعماله بتركيز شديد كالمعتاد عندما دلفت سكرتيرته إليه تخبره عن قدوم أحد شركائه …

طلب منها عمار أن يدخل ضيفه فورا عندما دلف بعد لحظات فراس متقدما ناحية عمار الذي نهض لإستقباله حيث هتف عمار بإبتسامة رسمية :-

” أهلا فراس بك .. أنرتَ شركتنا بقدومك …”

رد فراس بهدوء وبنفس الرسمية :-

” اهلا بك … أشكرك …”

” تفضل إجلس …”

قالها عمار وهو يشير الى الكرسي الجانبي للمكتب فجلس فراس بهيمنته المعتادة يرمق عمار الذي جلس بدوره على كرسيه من جديد بنظراته الهادئة ويقول :-

” لقد جئت بنفسي للتحدث معك بشأن الصفقة التي ستجمع بيننا يا عمار بك … ”

أضاف وهو يضع قدما فوق الأخرى :-

” أنتَ بالتأكيد تدرك أهمية هذه الصفقة لكلينا وكيف سترفع من أسهمنا في السوق ….”

رد عمار بإيجابية :-

” بالطبع … الصفقة ستشكل قفزة جيدة لنا … ”

أردف عمار بجدية :-

” بالنسبة لي أنا سعيد حقا للتعاون الذي سيجعمنا مع شركتك …. ”

إبتسم فراس وهو يرد بدبلوماسية :-

” إذا دعنا نتحدث في الأمور الأساسية … كان من المفترض أن يكون هناك إجتماع بحضور مدراء شركاتنا ولكنني فضلت أن نتحدث أولا على إنفراد حيث لدي بعض الأمور التي أرغب بمناقشتها معك قبل التوقيع على عقود الشراكة …”

” بالطبع يا فراس بك … أنا معك وجاهز لسماع ما لديك …”

بدأ فراس يتحدث مع عمار الذي كان يصغي له بإهتمام ويناقشه في جميع النقاط الذي يتحدث عنها …

مرت حوالي ساعة عندما إنتهى اجتماع فراس وعمار بنجاح فإتفق فراس على موعد معين لتوقيع العقود والبدء في تنفيذ المشروع الذي سيجمعهما …

نهض عمار من مكانه مودعا فراس الذي خرج من مكتبه وهو يغلق أزرار سترته عندما اتجه نحو المصعد وضغط على أحد أزراره منتظرا صعوده …

شعر بأحداهن تقف جانبه فإلتفتت تجاهها بعدما جذبه عطرها الناعم ليجد أمامه إمرأة أقل ما يقال عنها جميلة …

كانت طويلة بجسد منحوت على يد فنان يشبه الساعة الرملية ترتدي فوقه بنطال من الجينز الضيق والذي يلتصق بجسدها كجلد ثاني مبرزا قدها المثير فوقه بلوزة بيضاء قصيرة بالكاد تصل الى خصرها …

شعرها الطويل بلونه العسلي ينسدل الى الخلف ويصل حتى نهاية ظهرها وبشرتها البيضاء مع ملامحها الأخاذة والتي زاد من روعتها المكياج الخفيف الذي تضعه فوقها …

كل شيء بها كان يشع جمالا وأنوثه وهو بطبعه رجل لا يعرف التغاضي عن الجمال مهما حدث …

تأمل جانب وجهها بعينين مليئتين بالإعجاب الذي سرعان ما تحول الى نيران مشتعلة وهو يسير بنظراته على قدها الآسر …

لم تنتبه هي له حيث كانت تضع جم تركيزها على هاتفها حيث يبدو إنها تتحدث مع أحدهم عن طريق الرسائل النصية ..

” إنها المرة الأولى التي أرى بها الفتنة تتجسد على هيئة إنسان …”

قالها بصوته الرخيم الهادئ وعيناه لا تتركان تفصيلة واحدة منها ..

وأخيرا رفعت وجهها نحوه فظهرت عينيها الخضراوين الذي كان متلهفا لمعرفة لونيهما فأضافا على جمالها المزيد منه ..

” عفوا …!!”

هتفت بها غالية بعدم إستيعاب لما سمعته ليمنحها إبتسامة جذابة وهو يضيف وعيناه تسيران على وجهها ببطء لذيذ :-

” إنه لمن الصعب حقا أن يقف المرء أمام كل هذا الجمال والأنوثة الطاغية صامدا …”

” أنت جريء ووقح …..”

” هل أصبح تعبير الشخص عن رأيه بصراحة ممنوعا ..؟! أنا فقط أخبرك برأيي .. ”

” لم أطلب منك رأيك …”

قالتها بإقتضاب وهي تهم بالإنصراف لتجده يمسك ذراعها بجرأة ثم ينحني نحوها يهمس وعيناه تنظران الى شفتيها تحديدا برغبة صريحة :-

” سامحيني .. أنتِ لديكِ جمال يستحق أن يتغزل به الشعراء في قصائدهم وما أنا إلا رجل يعجز عن التماسك أمام كل هذا الحسن والفتنة …”

دفعته بعنف وهي ترفع إصبعها في وجهه تهدده :-

” أنت كيف تجرؤ على فعل هذا …؟! من تظن نفسك كي تلمسني بهذا الشكل …؟!”

” اهدئي يا آنسة … لا داعي لكل هذا الغضب و العصبية رغم إن غضبك يجعلك أكثر جمالا …”

قالها ببرود قاتل ليجدها تخبره بتحذير :-

” الزم حدودك يا هذا …”

ثم أضافت بقوة :-

” أنت لا تعرف مع من تتحدث …”

” أحب أن أعرف حقا مع من أنا أتحدث …”

قالها وهو يقترب منها بتروي لتقول بتحدي :-

” انظري إلي يا سيد …”

قاطعها ببساطة :-

” فراس … اسمي فراس خليل …”

قاطعته بضيق :-

” لا يهمني أن أعرف ولا أرغب بذلك …”

شملها بنظراته وهو يردد بضحكة رائقة :-

” شخصيتك القوية تضاعف من جمالك الرباني يا آنسة ..”

” يبدو إنني أتحدث مع حائط لا يشعر …”

قالتها بغيظ وهي تقرر التحرك بعيدا عندما أوقفها غير مباليا بنظرات الموظفين التي توجهت نحوهم منذ أن بدأ الحوار بينهما :-

” إلى أين يا سندريلا …؟! لن تذهبي قبل أن أعرف من أنتِ وما هو إسمك ..”

همت بالرد عندما تقدم أحد الحرس يسألها بحمية واضحة :-

” غالية هانم .. هل أنتِ بخير ..؟!”

ردت غالية بسرعة تصرفه بهدوء :

” نعم بخير .. عد الى عملك فلا يوجد شيء مهم …”

تحرك الحارس عائدا الى مكانه بينما همس هو :-

” اسمكِ غالية إذا .. يليق بكِ كثيرا مع إنني أفضل لكِ إسما يليق بجمالك أكثر … ”

نظرت له بملامح نافرة وقالت :-

” يبدو إنك لا تنوي التوقف عن حماقاتك لذا أنا مضطرة للنزول عن طريق السلالم ..”

ثم اتجهت الى الجانب الآخر حيث يوجد السلم بينما نظرات فراس تتبعها وإبتسامة واسعة ترتسم على شفتيه وهو يردد بنبرة غامضة :-

” غالية إذا … جميلة يا غالية .. جميلة وقوية وهذا أكثر ما أفضله في نسائي ..”

……………………………………………………………

” حالك لا يعجبني يا ليلى … الى متى سوف تستمري في تحمل زوجك الغليظ …؟!”

قالتها مريم بملامح مكفهرة وصوت كاره لترتسم إبتسامة يائسة على شفتي ليلى وهي تخبرها :-

” ربما حتى الموت …”

نظرت إليها مريم بدهشة ورددت بإنفعال :-

” ماذا تقولين انتِ ..؟! كلانا يعرف إن زواجك من هذا الرجل خطأ .. خطأ يجب إصلاحه يا ليلى … إلى متى ستبقين بهذه السلبية ..؟! أخبريني … كل هذا لأجل الحفاظ على ثروة والدي وشركاته … فلتذهب الثروة والشركات الى الجحيم …”

” يكفي يا مريم .. لا تضغطي علي أكثر …”

قالتها ليلى بصوت متألم وهي تشيح بوجهها نحو الجانب الآخر لتسمع أختها تقول بغضب واضح :-

” بل سأضغط … أنتِ تدمرين نفسك يا ليلى وتخسرين أجمل أيام حياتك بوجودك مع هذا الحقير.. يا ليلى أنا أريد أن أراكِ وأنتِ سعيدة ومرتاحة … أنا لا أحب رؤيتك بهذا الوضع ..”

أضافت تحاول تشجيعها على التحرر من قيده :-

” تذكري يا ليلى كيف كنتِ … كم كنتِ قوية وشجاعة … كنتِ ترفضين الخضوع لأيا كان .. أين ذهبت ليلى القوية ..؟! أين ذهبت قوتك وشجاعتك …؟!”

صاحت ليلى وهي تنتفض من مكانها بهياج ولا وعي :-

” لقد إنتهى … إنتهى كل هذا يا مريم … ليلى القديمة ماتت ولم يتبقَ منها سوى بقايا لا تستطيع القيام بأبسط الأشياء … ”

أضافت وهي تلهث باكية :-

” ليلى ماتت يا مريم .. ماتت منذ سنوات … هل عرفتِ الآن أين ذهبت ليلى تلك ..؟! هل عرفتِ يا مريم ..؟!”

نهضت مريم من مكانها تحاول السيطرة على مشاعرها التي تأثرت بشدة بسبب هذا الموقف فإقتربت من أختها تهتف بقوة :-

” لا تقولي هذا … ربما ليلى القديمة إختفت قليلا لكنها ما زالت موجوده داخلك .. أنتِ وحدكِ من تستطيعين إستعادتها … تطلقي يا ليلى … تطلقي من عمار وابدئي من جديد …”

صرخت ليلى ببكاء :-

” لا أستطيع … لا أستطيع ..”

سألتها مريم بإنفعال :-

” لماذا ..؟! لماذا …؟!”

ثم أضافت بلهجة ثائرة :-

” لماذا ترفضين الطلاق ..؟! لماذا تفعلين بنفسك خطا ..؟! لأجل والدي … ؟! تضحين بنفسك لأجل والدي الذي لم يفكر بكِ وهو يبيعك لذلك الحقيز ..”

” أنت لا تفهمين أي شيء … لا تدركين الحقيقة … ”

قالتها ليلى بنبرتها الباكية لتسألها مريم بعدم فهم :-

” عمَ تتحدثين بالضبط ..؟! مالذي لا أدركه يا ليلى …؟! ”

وعندما لم تجد سوى الدموع ردت صرخت بها :-

” تحدثي … لماذا لا تتحدثين ..؟! ”

نطقت ليلى أخيرا بصعوبة :-

” لم أتزوجه لأجل والدي كما تظنين … تزوجته لإنه هددني …”

” هددك ..؟! بماذا …؟!”

أجابت ليلى بصوت مبحوح منقطع :-

” بقتل نديم … أخبرني إنه سيقتله في السجن إذا رفضت الزواج منه …”

إتسعت عينا مريم للحظات بعدم تصديق لما سمعته …

لقد ضحت ليلى بنفسها وتزوجت من ذلك المجرم كي تنقذ نديم …

تحملت كل هذا العذاب لأجل نديم …

شردت ملامحها للحظات وهي تحاول أن تستوعب ما فعلته أختها وكيف دمرت نفسها بنفسها …

احتدت ملامحها فجأة وسارعت لحمل حقيبتها والركض خارج المكان غير آبهة بصيحات أختها المتتالية خلفها …

………………………………………………………………..

جلس نديم أمام فاضل الذي رحب به بسعادة شديدة …

” أشكرك حقا يا بني … لقد أخبرتني حياة بما فعلته لأجلي … ”

رد نديم وهو يبتسم بهدوء :-

” لا داعي للشكر يا عم فاضل … انا لم أقم سوى بواجبي ..”

ثم أضاف بجدية :

” أرى إن وضعك احسن كثيرا الحمد لله …”

إبتسم فاضل بحزن ظهر على وجهه المجعد وهو يقول :-

” نعم تحسن ولكنني أعلم إنه تحسن لن يدوم طويلا ..”

قال نديم بسرعة :-

” لا تقل هذا يا عم .. ستصبح بأفضل حال ان شاءالله …”

هتف فاضل وهو ما زال محتفظا بإبتسامته الضعيفة :-

” أعلم إن نهايتي إقتربت يا بني .. لا تظن إنني حزينا لذلك … هذا قدري وأنا راضي به .. مهما عاش الإنسان ومهما طال عمره سيرحل يوما ما … انا فقط ما يؤلمني هي حياة … أخشى من تركها وحيدة في هذه الدنيا لا أحد معها وهي فتاة صغيرة تعيش في عالم مليء بالوحوش …”

قال نديم بجدية :-

” لا تقلق يا عم … الله معها ويحميها وأنا ستجدني دائما معها متى ما إحتاجتني … ”

أضاف وهو يمنحه إبتسامة داعمة :-

” ولكن أنا واثق إنك ستصبح بخير وتبقى معها بإذن الله ..”

تحدث فاضل بجدية :-

” أنت تعلم إننا لا أقرباء لدينا … نحن الاثنان فقط لا غير… لذا سأكون ممتنا إذا وضعتها في حمايتك بعد رحيلي … أنا لا أريد منك شيئا يا بني سوى الوقوف معها إذا ما تعرضت لمشكلة أو إحتاجت شيئا ..”

أضاف بعدها :-

” عدني يا بني أن تحميها إذا ما حدث لي شيء حتى يأتي نصيبها وتصبح مسؤولة من رجل يفعل ذلك …”

ابتسم نديم وهتف بصدق :-

” أعدك بذلك يا عم .. إطمئن …”

بعد مرور مدة حيث جلسا يتحدثان سويا حوالي ربع ساعة دلفت حياة الى الداخل بعدما طرقت الباب وهي تردد بمرح :-

” أنا وصلت يا أبي …”

فوجئت بوجود نديم فإبتسمت بخجل وهي تحييه :

” مرحبا يا بك …”

رد نديم بهدوء :-

” أهلا يا آنسة …”

ثم نهض من مكانه بسرعة يقول :-

” انا يجب أن أذهب الآن … سعدت برؤيتك حقا يا عمي …”

ابتسم فاضل وهو يردد :-

” انا الأسعد يا بني …”

سارت حياة معه كي توصله الى الخارج عندما أغلقت الباب خلفهما وقالت بجدية :-

” لقد تحدثت مع الطبيب وأخبرني بإمكانية إخراج أبي من المشفى .. أظن إنني سأخرجه من هنا أفضل …”

قاطعها نديم بجدية :-

” ولكنه سيحتاج الى وجود من يرعاه …”

أومأت برأسها ترد عليه :-

” نعم ، سأتولى أنا رعايته …”

سألها نديم :-

” كيف ستفعلين ذلك وأنتِ طالبة جامعية …؟! ”

ردت حياة ببساطة :-

” انا سأتصرف ..”

قال نديم بتأني كي لا يثير غضبها :-

” اسمحي له أن أجلب له من يتولى رعايته …”

لكنها رفضت بسرعة قاطعة :-

” كلا ، أنا سأهتم بذلك ..”

زفر أنفاسه بضيق وقال محاولا إخفاء ضيقه :-

” يا آنسة الموضوع لا يحتاج الى كل هذا الإصرار على الرفض … فكري في مصلحة والدك .. ”

عاندت بقوة :-

” لا أحد سيعلم مصلحة والدي مثلي ..”

هتف وقد بلغ صبره ذروته :-

” أنت حقا مستفزة بشكل لا يطاق …”

إحتقنت ملامحها بقوة وقد ألمتها كلماته بشكل غريب بينما رفع هو بصره نحو الأعلى يتأفف من نفسه فهو لم يكن يوما هكذا عديم الصبر جلف الأسلوب ..

” انا آسف …”

قالها بجدية وهو يخفض بصره نحوها من جديد فترفع هي عينيها الحزينتين نحوه وتقول :-

” كثرة الإعتذار تبدد قيمته …”

أضافت وهي تلاحظ تغضن جبينه :-

” من الأفضل أن تنتبه على ما يخرج من فمك بدلا من الإعتذار بعدما تجرح المقابل بكلامك ..”

لا يعلم لماذا شعر بكلماتها تحرك شيئا داخله .. شيئا غريبا جعله يشعر بتأنيب ضمير شديد وبالغضب من نفسه …

كادت أن تتحرك عندما أوقفها يخبرها بتردد :-

” انتظري يا حياة … أعلم إنني تجاوزت حدودي وإنه معك الحق في كل ما قلتيه …”

قاطعته بعصبية :-

” نعم معي الحق … أنت لا يحق لك أن تتحدث معي بهذه الطريقة ولا يحق لك أن تجبرني على ما لا أطيق … لماذا لا تستوعب إنني لا أرغب بأن يتحمل أحد مسؤولية تخصني أنا ومن واجبي تحملها ..؟! لماذا لا تتقبل حقيقة إنني لا أقبل أن يتعالج والدي بالصدقة والإحسان ..؟! هل كونني غير مقتدرة ماديا يجعلني مضطرة الى آخذ المال منك والإعتماد عليك …؟!”

هتف أخيرا بعدما توقفت عن حديثها المنفعل بأنفاس لاهثة :-

” انا حقا لم أقصد هذا …”

زفر أنفاسه ببطء ثم قال بجدية :-

” حسنا ربما المرة الأولى التي أقولها لأحد لكنني …”

صمت لوهلة ليقول بعد لحظات بصوت عاجز :-

” أنا لا أعرف لماذا تصرفت معكِ على هذا النحو لمرتين يا حياة لكنني لم أكن يوما هكذا … لا أعلم متى أصبحت عديم الصبر وأتحدث بهذه الطريقة المزعجة …؟! أظن إن وجودي في الحبس لأعوام ترك آثاره علي …”

قال جملته الأخيرة بصعوبة وخفوت فشعرت بالشفقة والألم لأجله لكنها أخفت ذلك بمهارة وهي ترد بهدوء :-

” لا عليك يا بك … أنا أيضا أعتذر … لقد بالغت قليلا في ردة فعلي مع إن الأمر لا يستحق …”

هز رأسه نفيا مرددا برفض :-

” بلى إنه يستحق …”

” هل تسمح لي بقول شيء لك …؟!”

سألته بجدية ليومأ برأسه دون رد وشعور إنها ستقول شيئا مهما سيترك أثرا فيه سيطر عليه فوجدها تهتف بصوتها العذب :-

” أعلم إن تجربتك لم تكن هينة بل كانت صعبة للغاية وتركت آثرا قويا داخلك .. أعلم أيضا إن تجاوزها ليس هينا… أصعب شيء أن تتجاوز مصيبة ألمت بك دون أن ترتكب ذنبا ولو بسيطا تستحق عليه ذلك …”

تمعن النظر إليها مستغربا ثقتها في كونه لا ذنب له في ما أصيبه بيننا إسترسلت هي في حديثها :-

” لكنني أؤمن إننا خلقنا في هذه الحياة ونحن مجبورون على المرور في العديد من الإختبارات … إختبارات صعبة وطويلة … ونحن أمام ذلك لدينا خيارين فقط لا غير … إما أن نسمح لشعور العجز أن يسيطر علينا فنعيش عمرنا بأكمله نندب حظنا على ما وقع بنا .. نرفض تجاوزه ونبكي على أطلاله حتى تنتهي حياتنا ونحن عاجزون محطمون فيكون عجزنا وضعفنا من قتلنا أو هناك خيار آخر ، وهو أن ننجح في تجاوز تلك الإختبارات ونتخذها وسيلة لتحقيق ذاتنا ومن خلالها نصنع بداية جديدة … بداية تكون أفضل وأنجح من سابقتها .. ”

هتفت أخيرا تنهي حديثها :-

” تذكر فقط إنك لستِ أول شخص يمر بمصاب كهذا ولن تكون الأخير لكن هناك من تجاوز مصابه بل وإتخذه حافزا لتحقيق الأفضل وهناك من بقي مقيدا به يبكي على إطلاله فلم يعد يمتلك لا ماضي يتذكره ولا مستقبل يسعد به … كن قويا يا بك وحاول بكل ما تملكه من عزيمة أن تتجاوز ما حدث ..”

أنهت كلماتها وهي ترسم إبتسامة مليئة بالأمل والتفاؤل اللذين يفتقدهما بشدة ..

حدق بها للحظة وقد آسرته إبتسامته البريئة تلك وعينيها اللتين كانتا تبتسمان هما أيضا …

ولأول مرة ترتسم على شفتيه إبتسامة صادقة خرجت من أعماقه وهو الذي لم يبتسم هكذا منذ دخوله الحبس لكن كلماتها بما تركته من آثرا داخله مع إبتسامتها الرائعة شعر بهما تضيئان روحه المظلمة لسنوات …

إبتسامته تلك جعلتها تكاد تطير من السعادة لكنها أخفت ذلك بصعوبة وهي تمنحه إبتسامة خجولة …

كان الصمت سائرا بينهما وهما يتبادلان الإبتسامة ما بين بسمته الصادقة المعبرة وبين بسمتها الخجولة …

همت بالحديث تخبره إنها ستدخل الى والدها لكنها سمعت صوت إحداهن تنادي عليها فتجهمت ملامحها بالكامل بشكل فاجئ نديم ليجدها تستدير نحو المرأة التي بدت في الأربعينات من عمرها والتي كانت تنظر إلى حياة بشوق فتهتف حياة بصوت حاد :-

” ماذا تفعلين هنا …”

سيطر الحزن على ملامح المرأة وهي تقول صوت مترجي :-

” ابنتي أنا ..”

قاطعتها حياة بقسوة :-

” اذهبي من هنا … ”

هتفت المرأة بقوة :-

” كلا لن أذهب .. علمت بما جرى لوالدك اليوم ومن أبسط حقوقكِ علي أن أقف بجانبك في وضع كهذا كونني والدتك ….”

نظر نديم إلى المرأة بإستغراب متعجبا من كون والدة حياة ما زالت حية وهو الذي ظنها ميتة او هذا ما كان يعرفه من فاضل ..

تأمل المرأة بملابسها الأنيقة وملامحها الجذابة والتي لا تبدو تناسب إمرأة لديها فتاة جامعية وهي تهتف مردفة بإصرار :-

” وانتِ لا يجب أن تمنعيني عن ذلك ..”

هتفت حياة بصوت منفعل :-

” إرحلي من هنا … أنا لا أرغب بوجودك … ألا تفهمين …؟!”

” لماذا تفعلين هذا يا حياة ..؟! لماذا تؤلميني الى هذا الحد ..؟!”

قالتها المرأة بتوسل فترقرت العبرات داخل عيني حياة وهي تردد بقلة حيلة :-

” لا تذهبي … سأذهب أنا …”

ثم سارت مندفعة خارج المكان ودموعها تتساقط على وجنتيها …

رفعت المرأة ملامحها الحزينة نحو نديم تناظره بإستغراب قبل أن تسأله بتردد :-

” هل يمكنني سؤالك عمن تكون فهذه المرة الأولى التي أراك فيها مع ابنتي …؟!”

أضافت بصوت حزين :-

” صحيح أنا لا أعرف جميع من تعرفهم ابنتي لكن …”

قاطعها نديم بجدية :-

” أنا على معرفة بالعم فاضل … هو يعمل لدينا وجئت للإطمئنان عليه …”

أومأت برأسها ثم قالت بصوت ضعيف :-

” أين ذهبت حياة ..؟! أريد الذهاب لرؤيتها والإطمئنان عليها لكنني أخشى من ردة فعلها …”

هتف نديم بجدية :-

” سأذهب و أراها …”

ثم تحرك بسرعة دون أن يسمع ردها وهو يخرج هاتفه ويرن عليها ..

لحظات وأجابت عليه تسأل بصوت باكي :-

” هل رحلت تلك المرأة …؟!”

” أين أنتِ ..؟!”

سألها بسرعة لتجيب وهي تسيطر على بكائها :-

” انا في الحديقة المقابلة للمشفى …”

أغلق الهاتف في وجهها واتجه خارج المشفى نحو تلك الحديقة عندما وجدها تجلس على المسطبات بوجه منخفض نحو الأرض …

سار نحوها وهو لا يعلم لماذا تبعها من الأساس لكن شعوره بالقلق عليها أجبره على ذلك ..

” حياة …”

قالها بصوته الرخيم لترفع وجهها الذي بدا أحمرا بسبب البكاء نحوه فتجده يهتف به بجدية :-

” هل أنتِ بخير ..؟!”

أخذت تسأله هي الأخرى :-

” هل ذهبت تلك المرأة ..؟!”

رد بجدية :-

” لا أعلم .. لقد تركتها في نفس المكان ..”

” سأنتظر قليلا هنا حتى أتأكد إنها رحلت ثم أعود لوالدي …”

قالتها وهي تبتسم بألم ليرفع حاجبه متسائلا بفضول فشل في السيطرة عليه :-

” هل تزعجك رؤيتها الى هذه الدرجة …؟!”

أومأت برأسها وهي تنظر إليه بعينين متألمتين فردد بدهشة :-

” لكنها والدتك …”

قالت بإقتضاب :

” بالأسم فقط ..”

أخذ نفسه ثم وجد نفسه يتقدم نحوها جالسا بجانبه يسألها برفق :-

” كيف يعني بالإسم فقط ..؟!”

رفعت وجهها نحو السماء تتأمل الطيور التي تتحرك في الأفق بينما تخبره :-

” لقد تركتني منذ طفولتي .. كنت في الرابعة من عمري عندما تطلقت من والدي ورحلت وتزوجت من آخر غني جعلها تعيش في المستوى الذي تتمناه … تزوجت وأنجبت ثم عادت بعد أكثر من ستة اعوام تطالب بي وبأحقية أخذي وتربيتي …”

سألها بإهتمام :

” هل رفض والدكِ أن تذهبي معها ..؟!”

ردت بجدية :-

” كلا ، أنا من رفضت ذلك …”

سألها مصدوما :-

” أنت من رفضتِ ..؟!”

تهكمت ملامحها وهي تقول :-

” نعم ، هل تصدق ذلك …؟! لقد فعلت المستحيل حتى تأخذني معها … حاولت إغرائي بالملابس والألعاب والحياة المرفهة … حاولت وحاولت ولكنني أصريت على الرفض .. رفضتها رغم جميع محاولاتها …”

أردفت وهي تبتسم بحزن ودموع جارفة تهطل على وجنتيها :-

” لم أستطع ترك والدي … مهما بلغت حاجته وفقرة لكنني لم أستطع فعل ذلك … هو كان كل شيء لي وهو من تحمل الكثير لأجلي فكيف أتركه ..؟! كما إنني لم أستطع الوثوق بها فربما تتركني مجددا لأي سبب كان …”

نظر إليها بصمت غريب للحظات فإستدارت بوجهها الباكي تطالع نظراته بإستغراب عندما أشاح بوجهه نحو الجانب الأخر من جديد يردد بصدق :-

” لا أصدق إن هناك فتاة مثلك تفكر بهذه الطريقة وتتصرف على هذا النحو يا حياة … ”

” هل أعتبر هذا مدحا أم ذما لتفكيري وتصرفاتي …؟!”

سألته بترقب ليلتفت نحوها مبتسما بهدوء مرددا بجدية :-

” مدح بالطبع … فتاة مثلك لا تستحق سوى المديح يا حياة …”

أضاف وعيناه تتأملان تلك الإبتسامة التي أضاءت وجهها الباكي بفعل كلماته :-

” أنتِ جميلة حقا يا حياة وأجمل ما فيكِ أخلاقك وصفاتك المميزة ..”

google-playkhamsatmostaqltradent