رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثامن 8
أوقفت سيارتها أمام مقر شركته وهبطت منها تتجه بملامح مشدودة الى داخل الشركة …
كانت تسير بخطوات سريعة مندفعة وكأنها لا ترى أحد أمامها سواه بكل خبثه ودنائته حيث ضغطت على زر المصعد ووقفت جانبه تنتظر نزوله عندما فُتِحت الباب ودلفت الى الداخل وضغطت على الزر المخصص للطابق الأخير …
كانت متجهمة الملامح تعقد ذراعيها أمام صدرها وعقلها يفكر بالعديد من الأشياء التي يمكنها أن تفعلها ولكن هناك شيء واحد مصرة عليه وستنفذه حالا …
اندفعت خارج المصعد ما إن فُتِحت بابه وإتجهت بخطوات متسارعة حيث مكتبه بعدما سألت أحدى الموظفات المارة بجانبها عن مكان مكتبه ..
وصلت الى حيث دلتها الموظفة لتجد سكرتيرته تجلس في مكتبها تمارس عملها عندما إنتفضت من مكانها تصيح عليها وهي تجري خلفها تخبرها أن تتوقف لكنها لم تهتم وهي تندفع الى داخل المكتب بكل قوتها فينتفض عمار من مكانه غير مستوعبا بعد ما يحدث فهاهي مريم تقف أمامه منتصبة الجسد بملامح شامخة يملؤها الحقد والتوعد وعيناها المتطرفتان تخبرانه بكم الرغبة داخلها في الإنقضاض عليه وإفتراسه …
نطقت أخيرا بصوت حازم متحفز :-
” أريد الحديث معك …”
أشار عمار بعينيه للسكرتيرة يخبرها أن تنصرف فأومأت برأسها متفهمة وتحركت خارج المكتب حيث أغلقت الباب جيدا ليهتف عمار بصوت خرج جادا قويا :-
” تفضلي …”
تقدمت نحوه بخطوات ثابتة ووقفت أمامه لا فاصل بينهما سوى مكتبه تخبره بعينين تتطلعان إليه بكل تبجج وثقة ممكنة :-
” هي كلمة واحدة فقط سأقولها ، طلق ليلى وإتركها تعيش حياتها بحرية …”
ملامحه كساها الجمود للحظات فقط عيناه من تتفرسان النظر في ملامحها التي لا يعشق سواها …
وبالرغم من جموده المهيب كانت تقابله بثبات مثير للإعجاب ونظراتها تخبره بكل صراحة إنها لن تتراجع عما تريده ولو كلفها الأمر الكثير …
” هل هي من طلبت ذلك …؟! ”
سألها بهدوء ونبرة خرجت عادية لا تحمل شيئا معينا وعاد يتسائل قبل أن يمنحها فرصة الرد :-
” هل أوكلتكِ للتحدث معي بشأن هذا نيابة عنها ..؟!”
قالت بجدية :-
” هي لا تستطيع قول ذلك .. لا تستطيع طلب الطلاق لسبب أنت تعرفه حق المعرفة …”
صمت لوهلة يفكر في حقيقة إنها باتت تعلم كل شيء .. بالطبع ليلى هي من أخبرتها وبدوره لم يكن مستغربا فكان يتوقع أن يأتي اليوم وتعلم مريم من أختها حقيقة الأمر .. حقيقة تهديده لها كي تتزوجه لكنه راوغ كالعادة وهو يستفهم من جديد مدعيا الحيرة :-
” وما هو السبب الذي يمنعها عن ذلك ..؟!”
ضمت شفتيها للحظة ثم عادت ترسم على ثغرها إبتسامة متهكمة وهي تردد بملامح تتقد شرا :-
” تراوغ كالعادة … حسنا لأتحدث أنا إذًا بصراحتي المعتادة وأخبرك بما تدعي عدم معرفته رغم إنك تعرفه جيدا …”
أضافت بصوت هادئ لكن قوي وملامحها كساها الكره الشديد بسبب ما تعرضت لها أخته من إبتزاز على يديه :-
” أنت هددت ليلى يا عمار… هددتها بحياة نديم مما جعلها مجبرة على الزواج بك … تزوجتك وعاشت تعيسة لسنوات معك فقط كي تنقذ نديم من براثن إجرامك …”
أردفت بنبرة مليئة بالبغض حيث لم تستطع منع نفسها من قول هذا :-
” كم إنكَ رجلٌ نذل وحقير كي تستغل مشاعرها وحبها الشديد لأخيك …”
وهنا لم يستطع عمار التحكم في غضبه فضرب بكفيه على سطح المكتب بقوة جعلتها تجفل لا إراديا ليندفع بعدها نحوها بسرعة مخيفة قابضا على ذراعها يهدر بها وهو يهزها بعنف :-
” إياك يا مريم .. إياكِ أن تتجاوزي حدودكِ وتنعتيني بصفات كهذا مهما حدث … ”
ومريم بالطبع إزداد غضبها منه أضعافا فجرت ذراعها من قبضته الشديدة بعنف وأخذت تصيح به بصوت منفعل ساخط :-
” بل سأفعل .. سأفعل لإنك تستحق … الذي يستغل فتاة لا حول لها ولا قوة في إنتقامه يستحق هذا وأكثر …”
وجدت ملامحه تشتد بطريقة مخيفة وعيناه بدتا على وشك الفتك بها بينما جسده يميل نحوها بنية الإنقضاض الحتمي عليها ..
في تلك اللحظة بدأ الذعر يتسرب إليها وقد إستوعبت أخيرا حقيقة وجودها أمام شيطان حقير لا يرحم فظهر الإرتباك جليا على ملامحها وهي تتراجع الى الخلف بخطوات بدت لا إرادية ولا وعي منها لكنه إنقض عليها بالفعل محيطا جسدها بذراعيه جاذبا إياها نحوه مقربا وجهه من وجهها المرتعب مرددا بحدة ونبرة مخيفة :-
” من أنتِ كي تتحدثي هكذا ..؟! من أين أتتك الجرأة كي تتحدثي معي بهذه الطريقة ..؟! ”
حاولت السيطرة على خوفها من هذا القرب المقيت فأجابت بصوت خرج ثابتا وعينين واثقتين :-
” انا مريم … مريم سليمان … لا أخشى أحدا ولا يهمني أحدا .. أفعل ما يحلو وأعبر عن داخلي دون خوف او تردد … انا مريم يا عمار .. مريم التي لن تترك أختها الوحيدة فريسة لك … لن تسمح لك بإستغلالها أكثر .. مريم التي ستحرر ليلى منك ومن قيدك يا عمار …”
وبالرغم من شدة غضبه وضيقه من طريقة حديثها معه وما تلفظت به إلا إن إعجابه بقوتها وشراستها كان يزداد أضعافا وعشقه الثابت لها بدأ يشتد بشكل مخيف …
هي لا تدرك ما تفعله وما يشعر به الآن وفي هذه اللحظة حيث يحاصرها بذراعيه ووجهها الجميل قريب للغاية من وجههه …
تأملت مريم نظراته الجامدة المسلطة على وجهها بقوة وعناد فطري فسمعته يقول وتلك النظرة الجامدة في عينيه تحولت الى أخرى شغوف أجفلتها :-
” لو تعلمين مدى إعجابي بكِ وبقوتك هذه يا مريم … أنتِ …”
صمت قليلا وهو يفترسها بنفس النظرة الشغوفة الخالصة ليزداد رعبها من تلك النظرات التي تمنحها أفكارًا مرعبة لا تتمنى تصديقها بينما يسترسل بصوت إنتقل شغف النظرات له على ما يبدو :-
” أنتِ قوية وجذابة بشكل يعجز الكلام عن وصفة وتعجز القلوب عن تغاضيه…”
وفي لمح البصر وما إن قال ما في جبعته وانتهى منه إختفت النظرات الشغوفة وحل محلها الجمود من جديد ليسأل بصوت جليدي :-
” والآن … هل إنتهيت أم هناك المزيد …؟!”
حاولت مريم أن تستعيد ثباتها وتسيطر على ذلك الإضطراب الذي سيطر على كل إنش من جسدها بعدما حدث فهتفت بصوت خرج مرتجفا بشكل لا إراديًا عنها :-
” طلق ليلى …”
رد عليها بحزم قاطع :
” لن أفعل …”
قاطعته بقوة وتصميم :-
” بل ستفعل …”
سألها بملامح هازئة :-
” وكيف ستجبريني على ذلك ..؟!”
صاحت بنفاذ صبر منه ومن إسلوبه المليء بالإستفزاز :-
” طلقها يا نديم .. طلقها من فضلك .. ”
هز رأسه نفيا دون رد وهناك إبتسامة مغيظة مرتسمة على شفتيه ..
” من تظن نفسك كي تتحكم في مصيرها هكذا ..؟!”
سألته بأعصاب مشدودة على وشك الإنفجار الحتمي لتجده يجيب وهو يطالعها بنظرات مستلذة بتلك الفتنة التي تسيطر على ملامحها الغاضبة :-
” هي من إختارت ذلك فلا تلوميني أنا يا مريم …”
لم تشعر بنفسها إلا وهي تقبض بكفها على المزهرية الموضوعة على المكتب جانبها تضغط عليها بقوة وداخلها تتمنى أن تحطم بها رأسه …
نظر إلى كفها التي تعتصر المزهرية وقال بتهكم بارد :-
” خففي من عصبيتك يا مريم كي لا تصابي بالجلطة لا سامح الله …”
وفي لمح البصر كان ترمي المزهرية على الأرض فتتحطم الى أشلاء بينما تصرخ هي به :-
” إخرس … لا أرغب بسماع صوتك البغيض … أنت …”
أضافت بصوت مرتجف من فرط عصبيتها :-
” ستطلق ليلى يا عمار .. ستطلقها .. هل فهمت ..؟!”
قالت كلماتها الأخيرة وهي تشير بإصبعها ناحيته لتسمعه يسأل ببرود مستفز :-
” وإذا لم أفعل ..؟!”
تقدمت نحوه أكثر حتى بات التلامس بينهما وشيكا فتحدثت بصوت هادئ قوي وعينيها المشتعلتين تحاصران عينيه الراغبتين :-
” سأفضحك … سأخبر نديم بكل شيء …”
ورده كان باردا لا مباليا :-
” أخبريه … لكن عليكِ إستشارة ليلى أولا فلا أظن إنها ستوافقك على هذا …”
” سأخبره يا عمار … سأخبره بكل شيء وكيف أجبرت ليلى على زواجها منك وحينها سيأخذ هو حقها منك كاملا …”
نطقت جملتها الأخيرة بملامح شامتة فوجدته يهتف بسخرية :-
” أخبريه يا مريم لكن ضعي في رأسك إن تصرفك هذا سيزيد الطين بله .. حينها ستدمرين ليلى أكثر وتتسبين في موت نديم لإني سأنفذ تهديدي وقتها …”
هتفت ببرود يماثل بروده :-
” لا يهمني نديم ولا تهمني أنت وما ستفعله … ما يهمني هو أختي … أختي فقط .. أمًا أنت وأخاك فلتذهبا أنتما الإثنان الى الجحيم ..”
أنهت كلماتها ومنحته نظرة متوعدة أخيرة ثم إنطلقت خارج المكان بسرعة وهي تتوعد في داخلها لذلك الحقير …
…………………………………………………………….
كانت ليلى تسير داخل غرفتها ذهابا وإيابا والقلق يسيطر عليها .. لا تعرف أين ذهبت مريم وماذا فعلت ..؟!
هي تعرف مدى عصبية أختها وتهورها وتخشى كثيرا من تصرفاتها الغير محسوبة …
عادت تتصل بها من جديد على أمل أن ترد هذه المرة فهي لم تجب على جميع إتصالاتها السابقة ومن حسن حظها إنها أجابتها بصوت مبحوح من شدة إنفعالها السابق في حديثها مع عمار :-
” نعم ليلى ..”
سألتها ليلى محاولة السيطرة على أنفاسها المضطربة القلقة :-
” أين ذهبتِ يا مريم ولماذا تتجاهلين إتصالاتي ..؟!”
أجابت مريم بفتور :-
” ليس مهما …”
ثم أضافت بنبرة حازمة قوية تحسم هذا الموضوع :-
” إسمعيني يا ليلى .. سترفعين دعوة طلاق على هذا النذل .. هل فهمتِ ..؟!”
صاحت ليلى وقد ضايقتها طريقة مريم :-
” لا تتحدثي معي بهذا الإسلوب يا مريم .. ”
وأردفت معترضة على حديثها بشدة وشعور إن الجميع بات يتحكم بها وبتصرفاتها يخنقها كليا :-
” لن أفعل ذلك وأنتِ لا يحق لكِ أن تأمريني بهذه الطريقة .. ”
هتفت مريم بصوت ذاهل وإصرار ليلى على عدم الطلاق بل التعامل معها وكأنها تجبرها على ما لا ترغب يضاعف غضبها من سلبية أختها :-
” تتضايقين مني ومما قلته بينما أنا أقول ذلك لأجل مصلحتك … أنا لا أصدق ما أسمعه .. ”
إسترسلت بصوت عصبي وقد بلغ غضبها من أختها ذروته :-
” لماذا تفعلين بنفسك هذا ..؟! لأجل من ..؟! لأجل نديم … تضحين بحياتك ومستقبلك كله لأجله .. أنا لا أفهم حقا كيف تفكرين .. أفيقي يا ليلى .. يكفي غباءا وسلبية …”
” غباءا ..؟!!!”
قالتها ليلى بألم ظهر جليا في صوتها بينما شعرت مريم بخطأها الذي تسبب به إنفعالها الشديد فهمت بالإعتذار لكن ليلى سبقتها وهي تقول بصوت حازم محاولة السيطرة على نفسها كي لا تصيح عليها بقسوة :-
“لاحظي إنكِ تتحدثين مع أختكِ الكبرى يا مريم …”
هتفت مريم بضيق من نفسها أولا قبل ليلى :-
” أنا أعتذر يا ليلى ولكنكِ لا تعرفين مصلحتكِ وتدمرين نفسك وحياتك بلا مبالاة …”
قالت ليلى بإيجاز محاولة إنهاء المكالمة وفي داخلها تعلم إن مريم تتطرق الى الشيء الذي لطالما خشيت منه :-
” أرجو منكِ ألا تتدخلي في هذا الأمر يا مريم … هذه حياتي الخاصة وأنا حرة في كيفية إدارتها …”
ثم أضافت منهية المكالمة بالفعل دون أن تعطي الفرصة لمريم بالرد :-
” سأغلق الهاتف الآن .. مع السلامة …”
أغلقت الهاتف في وجهها ثم أخذت تعتصره لا إراديا داخل قبضة يدها وكلام مريم أوجعها كليا وحقيقة إنها دمرت حياتها بنفسها تؤلمها وتجعلها تشعر بكم الوجع والأذى الذي تسببت به لذاتها ..
لكنها تدرك جيدا في نفس الوقت إنها فعلت هذا لأجل نديم … حبها الأوحد …
هي ليست نادمة أبدا فهي لن تتحمل أن يؤذي عمار حبيبها بأي شكل من الأشكال لذا دائما وأبدا كانت ستوافق على طلبه في سبيل إنقاذ نديم من براثن ذلك الحقير..
رمت هاتفها على السرير ثم تحركت خارج الغرفة مقررة أن تخرج الى الحديقة لعل الجو في الخارج يساعدها في تهدئة أعصابها المثارة …
هبطت درجات السلم نحو الطابق السفلي عندما وجدت غالية تدلف الى المنزل بملامح مكفهرة حيث ألقت التحية بإقتضاب عليها ثم همت بالتحرك نحو السلم كي تصعد الى غرفتها لكن ليلى أوقفتها تسألها بإهتمام :-
” ماذا حدث يا غالية ..؟! تبدين لستِ بخير .. هل هناك مشكلة ما ..؟!”
زفرت غالية أنفاسها ورددت بإستياء ظهر على ملامح وجهها الحسنة وفي نبرة صوتها الناعمة :-
” رجل تافه وسخيف … يتحدث بوقاحة لم أرَ لها مثيل …”
سألتها ليلى بإستغراب من تلك الكلمات التي لم تسمعها يوما تصدر على لسان غالية :-
” عمن تتحدثين ..؟! أي رجل وماذا فعل …؟!”
تبرمت ملامح وجهها لا إراديا وهي تتذكر كلامه الوقح وقلة حياءه فأخبرتها بما قاله ..
ضحكت ليلى لا إراديا وقالت من بين ضحكاتها :-
” إنه قليل الأدب حقا … ”
ثم أضافت وهي تغمز لها :-
” لكن لا تلوميه فجمالك آسر حقا يا ابنة خالتي …”
ردت غالية بإمتعاض حقيقي :-
” وقح وعديم الحياء .. إقسم بالله إنني لن أتردد لحظة واحدة في ضربه إذا عاود تصرفاته هذه …”
سألتها ليلى بتعجب :-
” وأين ستريه من جديد يا غالية ..؟!”
أجابت غالية بجدية :-
” سألت عنه وعلمت إنه شريك عمار الجديد .. بالتأكيد سيتردد دائما في الشركة وربما يجمعني عملا معه أيضا …”
” سألتِ عنه أيضا …؟! لا تقولي إنه شغل إهتمامك يا غالية …”
صاحت غالية لا أراديا مستنكرة ما تقوله ليلى فهي بالطبع لم ولن تهتم بمن مثله :-
” بالطبع لا .. أنا لست مهتمة أبدا ولكن فضولي دفعني لمعرفة من هذا الرجل الذي يمتلك كل هذه الجرأة والوقاحة في التعامل …”
هتفت ليلى بسرعة :-
” حسنا معك حق … ولكن أخبريني هل هو وسيم ..؟!”
قالتها ليلى وهي ترمقها بنظرات عابثة مرحة لتضم غالية شفتيها بضيق من تفكير ليلى التي يبدو إنها صدقت بالفعل إهتمامها بذلك الوقح …
ردت غالية أخيرا بإقتضاب وهي تتذكر ملامحه الرجولية التي لا تخلو من الجاذبية :-
” ليس كثيرا .. ملامحه عادية عموما لكنه جذاب …”
ابتسمت ليلى وشعور إن ذلك الرجل سيكون له دور في حياة غالية سيطر عليها وقبل أن تتحدث كان عمار يقتحم المكان بملامح جامدة حيث اتجه نحوه وأمرها :-
” إتبعيني الى غرفتنا …”
ثم اتجه بخطواته نحو السلم لتتلاقى نظرات غالية المستغربة بنظراتها الباردة فتخبرها إنها ستتبعه وتتحرك بالفعل خلفه وهي تعرف حق المعرفة ما يريده …
دلفت ليلى الى غرفتها لتجد عمار يجلس على الكنبة بملامح متحفزة وكان قد خلع سترته ورماها جانبه بإهمال …
توقفت أمامه بملامح ثابته تسأله :-
” نعم .. ؟! ماذا تريد ..؟!”
” أخبرتي مريم بكل شيء إذا …”
كانت صوته هادئا ساكنا لا يوحي بشيء وردت هي بنفس الهدوء والثبات :-
” ليس بالضبط .. لم أخبرها عن كونك المتسبب في حبسه .. لم أتطرق الى الى هذا الموضوع …”
سألها بملامح هازئة :-
” لماذا ..؟! كان عليكِ أن تخبريها بكل شيء … ”
ردت بقوة :-
” سأفعل المرة القادمة ..”
إنتفض من مكانه متقدما نحوها بملامح متحفزة ونظرات نارية ليقف في وجهها قائلا بصوت قوي حازم :-
” موضوع الطلاق انسيه تماما فأنا لن أطلقك في جميع الأحوال .. في السابق منحتك الحرية المطلقة في تحديد مصيرك وأنتِ إخترتِ البقاء لأجل حماية حبيبك نديم باشا أما الأن فالوضع تغير .. من الآن فصاعدا القرار لي وحدي وقراري هو بقائك زوجتي ملكي حتى أقرر يوما ما العكس …”
أكمل ونظراته الثائرة تحاصرانها بقوة :-
” وهناك شيء آخر يجب أن تعلميه .. زواجنا سيصبح حقيقيا قريبا جدا … إستعدي لذلك من الآن …”
أنهى كلماته الحازمة وإنسحب خارجا من المكان بأكمله تاركا إياها تنظر أمامها بملامح جامدة لا يتحرك بها شيئا سوى مقلتيها العسليتين واللتين تهتزان تلقائيا وتحملان داخلهما الكثير من الألم..
…………………………………………………………….
دلفت حياة الى منزلها بملامح مرهقة حيث خلعت حذائها على الفور وحملته متجهة الى غرفتها …
وضعت الحذاء في مكانه بعدما أغلقت الباب خلفها وإتجهت نحو الخزانة حيث أخرجت لها بيجامة وشرعت في خلع ملابسها وإرتدائها …
جلست بعدها على السرير وهي تحمل هاتفها وتفتحه لتجد إتصالات من مي صديقتها ومن رقم غريب عرفته جيدا …
تأففت بضيق ثم قررت الإتصال على مي التي سألتها عن أحوالها وأحوال والدها فردت حياة بإختصار عليها تخبرها إن والدها أصبح أفضل من السابق وسيخرج غدا من المشفى …
أنهت إتصالها مع مي وتمددت بجسدها فوق سريرها تنظر الى السقف بعينيها وعقلها يفكر لا إراديا بوالدها ووضعه الصحي ..
هي تعلم إن وضع والدها خطير وإن تحسنه هذا هو مجرد تحسن وقتي .. تشعر بالألم والضعف كلما تذكرت إن فقدان والدها بات وشيكا فوضعه الصحي سيء حقا وجسده الضعيف لن يتحمل مرضه أكثر …
تتمنى لو بمقدورها فعل شيء لكن لا شيء يمكن فعله فهذا عمره الذي كتبه الله له وفي النهاية مهما حدث فالموت حق وسيأتي يوم وتخسره …
طفرت الدموع داخل عينيها وهي تشعر بإنها غير مستعدة أبدا لخسارته وحقيقة إنها ستغدو وحيدة من بعده توجعها بشدة …
عادت تفكر بأمر خروجه غدا وضرورة شراء جهاز التنفس له وجلب أحدا يعتني به …
ماذا ستفعل ومن أين ستجلب الأموال الكافية لهذا …؟!
إعتدلت في جلستها تحاول التفكير بحل فهي لا تريد لوالدها أن يتعذب في آخر أيامه لذا عليها أن توفر كافة سبل الراحة له….
أفاقت من أفكارها على صوت رنين هاتفها فوجدت نفس الرقم يتصل به …
نظرت الى الرقم بملامح ساخطة بينما المتصل ما زال يلح عليها كي تجيب …
زفرت أنفاسها بضيق ثم ضغطت على زر الإجابة ليأتيها صوت والدتها المتلهف :-
” حياة .. !! وأخيرا أجبتِ .. قلقت عليكِ كثيرا ..”
قاطعتها حياة بصوت بارد لا حياة فيه :-
” ماذا تريدين ..؟!”
هتفت والدتها بحزن من جمودها الدائم معها :-
” لماذا تفعلين هذا يا حياة ..؟! لماذا يا إبنتي ..؟!”
سألتها حياة بصوت منزعج :-
” ماذا فعلت أنا لا أفهم …؟!”
أجابت والدته بألم شديد من إسلوبها القاسي معها :-
” أنتِ تؤذيني بطريقتك هذه يا حياة … انا والدتكِ يا حبيبتي … لماذا تتعاملين معي هكذا ..؟! نعم أخطأت في حقكِ وحق والدكِ لكنني أريد إصلاح خطئي .. لماذا ترفضين ذلك ..؟! لماذا لا تسمحين لي بهذا ..؟!”
صاحت حياة بصوت منفعل وقد هطلت الدموع من عينيها لا إراديا وذكرى تخليها عن والدها وعنها أيضا تجرحها بقسوة :-
” لإنكِ لا تستحقين .. لإنكِ تخليتِ عنا .. بعتنا لأجل المال والحياة الرغيدة .. هل تريدين أسبابا أخرى ..؟! في الحقيقة هذه الأسباب لوحدها كافية تماما …”
هتفت والدتها بصوت معترض باكي :-
” كلا يا حياة .. انا لم أتخلَ عنكِ …. على العكس تماما .. ربما تخليت عن والدك بالفعل لكن عنكِ لا … أنتِ إبنتي يا حياة .. ابنتي البكر وأول فرحتي … كيف أتخلى عنكِ ..؟!”
” لكنكِ فعلتِ …”
قالتها حياة بصوت باكي لتسمع والدتها تتوسلها :-
” سامحيني يا حياة .. أعطيني فرصة واحدة أرجوكِ .. ”
أضافت والدتها بترجي :-
” أتوسل إليك يا إبنتي سامحيني .. أنا لا أريد شيئا سوى الإقتراب منكِ وتعويضك ..”
سألتها حياة بسخرية مريرة :-
” تعويضي ..؟! عن أي شيء ستعوضيني بالضبط ..؟!”
أضافت وهي تمسح دموعها :-
” لا يوجد شيء يستطيع تعويضي عما عشته طوال حياتي بلا أم …”
” امنحيني فرصة واحدة .. ”
قالتها والدتها برجاء باكي لترد حياة بقوة وتحذير متجاهلة توسلاتها :-
” إياكِ أن تأتي الى المشفى مرة أخرى … صحة والدي سيئة للغاية ولا أريدها أن تتدهور أكثر بوجودك ..”
قالت والدتها بسرعة وهي تتذكر حديث الطبيب عن صحة فاضل :-
” أعلم .. لقد تحدثت مع الطبيب وأخبرني بكل شيء …”
أكملت تعرض عليها المساعدة بتردد من ردة فعلها :-
” حبيبتي والدك يحتاج الى جهاز باهض الثمن وعناية تحتاج الى أموال كثيرة .. انا فقط فكرت إنه بإمكاني مساعدتكِ …”
قاطعتها حياة بإباء :-
” لا أحتاج مساعدتك ِ …”
هتفت والدتها تصر عليها :-
” يا ابنتي لا تعاندي .. أنتِ لا تمتلكين ما يكفي لدفع كل هذه المصاريف …”
صممت حياة على رفضها :-
” سأتدبر أمري بنفسي .. أشكركِ على إهتمامك …”
تنهدت والدتها بصوت مسموع ثم قالت أخيرا بعدما يأست من محاولاتها :-
” كما تشائين … لكن تذكري دائما إنني موجوده دائما ولا تترددي لحظة واحدة في طلب المساعدة إذا إحتجتِ يوما لذلك فأنا والدتك يا حياة …”
أغلقت حياة الهاتف بعدما أنهت إتصالها مع والدتها وهي تشعر بتعبها يزداد ورغبتها في النوم تلح عليها فقررت تأجيل مذاكرتها والنوم قليلا قبل أن يأتي موعد ذهابها الى عملها مساءا …
……………………………………………………………..
في صباح اليوم التالي …
فتح نديم عينيه على صوت رنين منبه هاتفه ..
إعتدل في جلسته وهو يحمل هاتفه ويغلق المنبه ..
زفر أنفاسه بتعب وهو ينهض من مكانه يستعد لأخذ حمامه سريعا قبل الذهاب لزيارة مجد صديقه حيث إستعد لزيارته منذ يومين بعدما علم بموعد الزيارة مقررا عدم تفويتها فهو وعده أن يزوره دائما ولا ينقطع عنه مهما حدث …
خرج بعد مدة من الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفة ليبدأ بإرتداء ملابسه إستعدادا للخروج …
خرج بعد مدة من الشقة وركب سيارته متجها الى نفس المكان الذي غادره منذ مدة قصيرة …
بعد مدة كان يجلس أمام مجد الذي فرح بشدة لمجيئه حيث قال بفرحة سيطرت عليه :-
” كنت أعلم إنكَ ستزورني بعد خروجك يا نديم ولكن لم أتوقع أن تأتي زيارتك بهذه السرعة …”
هتف نديم بصدق :-
” إشتقت لك كثيرا يا صاحبي ….”
” وأنا أيضا يا نديم .. أخبرني كيف وضعك الآن وماذا فعلتَ بعد خروجك …؟! ”
أطلق نديم تنهيدة طويلة وعقله بدأ يراجع ما قام به منذ خروجه فلم يجد سوى اللا شيء …!
نطق وقد سيطر على ملامحه الضيق الواضح :-
” لا شيء … لم أفعل أي شيء يا مجد .. تركت منزلي فقط وأصبحت أعيش لوحدي في شقة قريبة من المنزل .. هذا فقط لا غير …”
سأله مجد بجدية وعتاب صريح :-
” وهل تنوي البقاء هكذا يا نديم …؟! لا تفعل أي شيء …”
رمقه نديم بنظرات تخبره عن مدى شقائه ورد بصوت يحمل في طياته الكثير :-
” لا أعلم يا مجد … أحيانا أرغب بفعل شيء .. أي شيء … فقط كي أشعر إنني بدأت أنهض بنفسي قليلا لكن …”
صمت قليلا ثم قال :-
” لكنني أشعر إنني عاجز عن القيام بأي شيء … حتى أبسط الأشياء عاجز عنها ..”
تحدث مجد بصوت قوى محفز :-
” كلا يا نديم … انت لست بعاجز … يكفي يا نديم حقا … لقد حدث ما حدث وعليك تجاوزه … هذا الأمر لا خيار فيه فأنت مجبر على التعايش وتجاوز ما حدث … مجبر على النهوض بنفسك لأجلك أنت يا نديم .. الحياة لن تقف على مصيبة حدثت أو مشكلة أطاحت بك … الحياة تستمر وأنت مجبر على الإستمرار بدورك … ”
أردف وهي يتأمل ملامحه التي شردت كليا بعد سماع كلماته :-
” أنت تضيع أيام وربما سنين من عمرك دون أن تعي ذلك … قاوم نفسك وضعفك الذي يجبرك على هذا … قاوم كل شيء وحارب كل ما يمنعك عن البدء من جديد …”
نظر نديم إليه بهدوء دون أن يعقب على حديثه وقد تذكر فجأة حديث حياة وهي تخبره بسلاسة ؛-
“أؤمن إننا خلقنا في هذه الحياة ونحن مجبورون على المرور في العديد من الإختبارات … إختبارات صعبة وطويلة … ونحن أمام ذلك لدينا خيارين فقط لا غير … إما أن نسمح لشعور العجز أن يسيطر علينا فنعيش عمرنا بأكمله نندب حظنا على ما وقع بنا .. نرفض تجاوزه ونبكي على أطلاله حتى تنتهي حياتنا ونحن عاجزون محطمون فيكون عجزنا وضعفنا من قتلنا أو هناك خيار آخر ، وهو أن ننجح في تجاوز تلك الإختبارات ونتخذها وسيلة لتحقيق ذاتنا ومن خلالها نصنع بداية جديدة … بداية تكون أفضل وأنجح من سابقتها .. ”
” كن قويا يا بك وحاول بكل ما تملكه من عزيمة أن تتجاوز ما حدث ..”
أفاق من شروده على صوت مجد يسأله :-
” لماذا لا تقول شيئا ..؟!”
تأمله نديم قلقا قبل أن يبتسم بهدوء وهو يقول :-
” سأحاول يا مجد … أعدك بهذا …”
والغريب إن هذه المرة شعر إن كلامه هذا خرج من أعماقه وعزيمة شديدة داخله تصر على تنفيذ وعده هذه المرة …
………………………………………………………………
خرج نديم من السجن وشعور غريب من الراحة سيطر عليه بعد رؤيته لمجد و حديثه معه …
كان يعلم إن شعوره هذا مؤقتا لكنه سعيد به …
والى جانب هذا الشعور وجد شعورا آخر غريبا يتنامى داخله … كان يرغب برؤيتها والتحدث معها …
لا يعلم لماذا لكنه يرغب بذلك … تلك الفتاة ورغم لقائاته القصيرة والتي لا تتجاوز المرتين او ثلاث معها إلا إنها جذبته إليها ربما بسبب بساطتها وتلقائيتها او ربما بسبب حديثها معه والذي سكن قلبه لا إراديا رغم بساطته وعفويته ….
نظر الى هاتفه للحظات ثم قرر التواصل معها وهو يتذكر أمر خروج والدها من المشفى فضغط على إسمها واتصل بها لتجيبه بعد لحظات بصوتها الرقيق :-
” اهلا يا بك …”
قال بجدية يرد تحيتها :-
” اهلا حياة … هل أنتِ في المشفى الآن ..؟!”
أجابته :-
” نعم هناك … سأبقى بجانب والدي حتى يخرج مساء اليوم …”
سألها بإهتمام :-
” وكيف حاله الآن ..؟!”
ردت بهدوء :-
” بخير الحمد لله …”
بعدما سأل عن فاضل واطمأن عليه أخبرها إنه سيأتي لزيارته اليوم ثم ودعها بعد ذلك …
نظر الى ساعته ليجدها تجاوزت الثانية عشر ظهرا فقرر الذهاب إلى المشفى عصرا …
عاد الى شقته ليجد صديقه وسام هناك في أنتظاره فرحب به وهو يسأله عن أحواله خاصة بعد تعب والدته وبقائها في المشفى لأكثر من إسبوعيا ثم دعاه الى الداخل ليتناولا الغداء سويا ويتحدثان أيضا فهما لم يلتقيا ببعض سوى مرة واحدة بعد خروجه من السجن بسبب إنشغال وسام بوالدته أثناء مرضها وبقائه معها اغلب الوقت …
…………………………………………………………..
في المشفى …
كانت حياة تجلس على أحد الكراسي الموضوعة في ممر المشفى بجانب غرفة والدها تقرأ بإحدى الروايات بتركيز شديد عندما فوجئت بثامر أمامها والذي أتى لزيارة والدها والإطمئنان عليه ومعه جائت مي صديقتها …
نهضت من مكانها بسرعة وهي ترسم إبتسامة متوترة على ثغرها ترحب به أولا :-
” دكتور ثامر… اهلا بك ..”
ثم نظرت الى مي ورحبت بها هي الأخرى :-
” اهلا مي .. كيف حالك ..؟!”
إحتضنتها مي على الفور ثم قالت تتسائل :-
” كيف حالك يا حياة وكيف أصبح عمي فاضل ..؟! طمئنيني عليه …”
أجابت حياة وهي ترسم إبتسامة خافتة على شفتيها :-
” وضعه أفضل حاليا … أتمنى أن يبقى هكذا …”
قبضت مي على كفيها تضغط عليهما بدعم وهي تدعو بتمني:-
” ان شاءالله حبيبتي … بإذن الله سيصبح أفضل بكثير …”
هتفت حياة مشيرة الى ثامر :-
” أشكرك حقا على مجيئك الى المشفى أكثر من مرة وسؤالك المستمر عن صحة والدي .. أنا ممتنة لإهتمامك هذا كثيرا ..”
ابتسم ثامر بهدوء وقال بصوته الرخيم وملامحه التي تنطق بالمحبة :-
” لا داعي للشكر يا حياة .. انا أقوم بواجبي ناحيتك …”
ابتسمت حياة بخجل وهمت بالحديث عندما وجدت نديم يتقدم نحوها بملامحه الهادئة ليلقي التحية عليهم فيستدير ثامر نحوه يتأمله قليلا مستغربا وجوده الدائم مع حياة …
رد الجميع تحيته ومي تنظر إليه بفضول فتقول حياة معرفة عنه :-
” إنه نديم بك يا مي .. والدي يعمل عنده … ”
ثم أشارت الى نديم :-
” مي صديقتي وطبعا دكتور ثامر تعرفت عليه …”
” اهلا بكِ يا آنسة .. اهلا بك يا دكتور …”
قالها نديم يحييهما بهدوء ليرد الاثنان تحيته بينما سأل ثامر بإهتمام :-
” متى سيخرج والدك إذا ..؟!”
أجابت حياة بجدية :-
” مساء اليوم بإذن الله ..”
ثم هتفت وقد تذكرت إنهما ما زالا واقفين مكانهما :-
” انا اسفة تركتكما واقفين هكذا ولكن …”
قالت مي بسرعة :-
” لا تتأسفي يا حياة … نحن جئنا فقط للإطمئنان على والدك وسنذهب .. أليس كذلك يا دكتور …؟!”
ابتسم ثامر وهو يرد :-
” نعم هو كذلك ..”
ثم أشار الى حياة وهو ما زال محتفظا بإبتسامته :-
” سآتي لزيارة والدكِ والإطمئنان عليه في منزله أيضا يا حياة .. لا تنسي إذا ما إحتجتِ لأي شيء أخبريني .. لا تترددي في ذلك أرجوك …”
ردت حياة وهي تحاول إخفاء حرجها من إهتمامه الصريح والذي إنتبه له نديم متعجبا داخله من هذا الإهتمام :-
” اكيد يا دكتور .. أشكرك من جديد على إهتمامك …”
ودعها الاثنان ورحلا لتلتفت حياة نحوه بإبتسامة خجول فتتفاجئ به يسألها :-
” أليس من الغريب أن يهتم الأستاذ بتلميذته الى هذا الحد ..؟!”
ثم أضاف وقد شعر بخطأ ما قاله وتدخله الذي لا داعي له :-
” حسنا لا أقصد التدخل ولكن ..”
صمت قليلا ثم قال ما يدور في جبعته :-
” يعني عليكِ فقط أن تنتبهي لربما تكون نيته غير سليمة تجاهك …”
نظرت له حياة بدهشة من تفكيره فكيف يظن شيئا كهذا …
قالت بسرعة تدافع عن ثامر :-
” بالطبع لا يوجد شيء كهذا .. دكتور ثامر محترم للغاية ولا يصدر منه شيئا سيئا مهما حدث …”
تعجب من ثقتها هذه فقال مبررا حديثه :-
” حسنا أتفهم ذلك .. انا فقط إستغربت تصرفه ومجيئه عدة مراتٍ لزيارة والدك وكأنه قريبك …”
شعرت إنه معه الحق في إستغرابه فمن غير الطبيعي أن يهتم الأستاذ بزيارة طالبته والإطمئنان عليها الى هذا الحد …
قالت بنبرة هادئة جادة :-
” معك حق ولكن بالطبع لو توجد لديه نية سيئة ما كان ليأتي هنا لزيارة والدي … ”
وفي تلك اللحظة شعر نديم هو الآخر بتسرعه فهو بالفعل لو كان سيئا او نيته اتجاهها ليست سليمة كما فكر ما كان ليأتي هنا ويلتقي بوالدها …
اومأ برأسه مرددا بفتور :-
” معكِ حق …”
قالت حياة بجدية :-
” انا سأذهب وأتحدث مع الطبيب بشأن خروج والدي ….”
” حسنا هل يمكنني الذهاب معكِ أم …”
قاطعته بسرعة وحرج :-
” بالطبع بإمكانك .. أنا أعتذر حقا لو تحدثت المرات السابقة بشكل مزعج … انا فقط ..”
صمتت لا تعرف ماذا تقول فإبتسم يخبرها بهدوء :-
” أتفهمك يا حياة وفي الحقيقة لو كنت مكانك لرفضت بشدة أن يتولى أحد مسؤولية والدي نيابة عني … ولكن كما أخبرتكِ مسبقا كل ما وددت القيام به لم يكن بدافع الشفقة او الإحسان فوالدك يعمل لدينا ونحن بشكل أو آخر علينا رعايته مقابل ما قدمه لنا طوال تلك السنين من عمل جاد وإخلاص وتفاني …”
تأملته وإعجابها به يزداد أضعافا … لا تصدق إن هناك شخص يحمل كل هذا الإحترام والرقي داخله …
كان معه حق والدها أن يحبه ويحترمه ويمدح به الى هذا الحد …
ابتسمت بهدوء فتأملها لا إراديا ولأول مرة يتمعن النظر في ملامحها حيث لديها عينان بنيتان تلمعان بشكل جذاب ومحبب ووجه مستدير يحيط به شعر قصير ذو لون بني …
ملامحها كانت طفولية حقا ومليئة بالبراءة والعفوية ورغم طفولة ملامحها إلا إنها لا تخلو من الجاذبية …
هي تمتلك ملامح محببة للمرء وعينين شفافتين مع غمازتين رائعتين تزينان وجنتيها …
ولكن ما هو أكثر جاذبية وجمالا بها هي ضحكتها ..
لديها ضحكة رائعة تبرز تقاسيم وجهها المليئة باللطافة والحيوية … كانت عندما تبتسم يبتسم كل جزء منها معها خاصة عينيها اللتين تبدوان وكأنهما تشاركان شفتيها بالإبتسام …
أفاق من شروده عندما قالت :-
” هل نذهب الآن يا بك …؟!”
” هيا بنا …”
قالها بجدية وهو يزيح أفكاره جانبه فسارا جانب بعضيهما متجها الى غرفة الطبيب …
………………………………………………………
خرجت حياة من عند الطبيب بملامح محبطة لتسمع نديم يقول بجدية :-
” لا تتضايقي .. طالما الطبيب يرى إن بقاؤه أفضل فليبقى هنا إذا ….”
أومأت برأسها وإستدارت نحوه تتذكر كلام الطبيب الذي أخبرها بإن الأفضل لوضع والدها بقاءه في المشفى كي يتلقى الرعاية الكافية والراحة المطلوبة وبالطبع لم تستطع الإصرار على خروجه فهي ترغب ببقاء والدها مرتاحا مهما كلفها الأمر …
هتفت حياة تخبره بحزن :-
” حتى لو كان يضايقني بقاؤه … المهم أن يكون هو مرتاحا ..”
” بالضبط هذا هو المهم ..”
قالها مؤيدا حديثه لتبتسم بضعف وتقول :-
” حسنا سأذهب إذا … سأحضر كتبي من المنزل حيث سأبقى الليلة معه …”
قال نديم بجدية وهو يجد إن وجودها لا داعي له :-
“بإمكانك المبيت في منزلك فهنا يوجد من يعتني به ويتفقده بإستمرار …”
لكنها كانت مصرة على البقاء مع والدها فلم يستطع نديم قول شيء ما …
أخبرها إنه سيوصلها الى منزلها ثم يعيدها الى المشفى ورغم إعتراضها على هذا إلا إنها إضطرت على الموافقة …
اتجه بعدها الاثنان حيث دخلا الى فاضل واطمئنا عليه قبل أن يخرجان بعدما أخبرت حياة والدها إنه ستعود إليه …
وبعد مرور مدة من الزمن أعاد نديم حياة الى المشفى بعدما أخذت كتبها من منزلها ثم ودعته وتحرك هو بدوره عائدا الى شقته لينتبه أثناء قيادته على كتابها الذي نسته في سيارته …
عاد يقود سيارته وهو يشعر بالتعب يسيطر عليه كليا فاليوم كان طويلا ومرهقا …
دلف الى شقته بعد مدة وهو يحمل كتابها معه …
رمى الكتاب على سريره وبدأ في تغيير ملابسه عندما هوى بجسده على السرير بإرهاق لينتبه الى الكتاب من جديد … حمله وأخذ يقلب صفحاته بفضول عندما وجد نفسه يبدأ في قراءته لا إراديا ليقضي ليلته يقرأ به وقد اختفى النوم والتعب عنه ..
……………………………………………………………
في صباح اليوم التالي …
كانت تدعي النوم بينما هو يستعد للذهاب الى الشركة ..
ما إن خرج من الغرفة حتى إعتدلت في جلستها ونهضت من مكانها بسرعة تجذب ملابسها وترتديها …
وقفت أمام المرآة تتأمل ملابسها الأنيقة ثم تسرح شعرها الأشقر وتجمعه بتسريحة بسيطة …
وضعت المكياج الخفيف على وجهها فزادها جاذبية وجمالا …
ارتدت حذائها ذو الكعب العالي ووضعت عطرها المميز ثم سارعت للخروج وهي تحمل حقيبتها …
ستذهب إليه وتتحدث معه …
لن تصبر بعد الآن ..
منذ تهديد عمار لها مساء البارحة وإخبارها بقرب تحويل زيجتهما الى زيجة حقيقة وهي قررت مواجهته وستفعل ذلك …
من حسن حظها إن غالية أخبرتها إنه يسكن في شقة خالتها التي تعرف موقعها جيدا ….
وصلت الى هناك بعد قليل فالشقة لا تبعد سوى قليلا عن الفيلا ….
هبطت من سيارتها وسارت بخطواتها الى الداخل..
بعد مدة كانت تقف أمام باب الشقة تنظر إليها بتردد ورهبة لا إرادية..
أخذت نفسا عميقا وضغطت على جرس الباب وهي تخبر نفسها إنه نديم ، حبيبها وآخر من يجب أن تخشى منه …
كانت دقاتها تتعالى تدريجيا حتى وصلت أوجها عندما فتح لها الباب أخيرا ليتصنم مكانه للحظات محاولا إستيعاب حقيقة وجودها أمام شقته …
تلاقت النظرات من جديد ونبضات قلبي كلاهما إضطربت بقوة …
لحظات وقست نظراته المسلطة عليه .. قست بشكل جعلها تتمنى الإختفاء من أمامه فورا …
ضغطت على شفتيها ثم قالت بصوت خافت متردد :-
” ألن تطلب مني الدخول …؟!”
رغب في طردها حقا فهو لا يريد رؤيتها ولا التعامل معها لكنه ضغط على أعصابه وهو يرد بإقتضاب :-
” ادخلي …”
دلفت الى الداخل بخطوات مترددة تتأمل الشقة لوهلة بنظرات زائغة وقد بدت المواجهة لها أصعب مما تخيلت بمراحل …
إلتفتت نحوه أخيرا تتأمل وقوفه بجانب الباب الذي تركه مفتوحه ونظراته الجامدة مسلطة عليها بقوة …
هتفت بجدية وهي تحاول الثبات أمام هذه النظرات :-
” أريد التحدث معك يا نديم ..”
” أسمعكِ ..”
خرجت منه باردة كبرود ملامحه ونظراته نحوها …
شعرت بالضعف يجتاحها وألم قوي يضرب قلبها وروحها وهي ترى ما وصلا إليه من جفاء ..
همست بضعف والكلمة خرجت لا إرادية منها :-
” أحتاجك ….”
ثم إمتلأت عينيها بالدموع وهي تهمس بضعف أكبر وملامح تخبره إنها على وشك الإنهيار :-
” أحتاجك كثيرا ..”
دموعها كالعادة ألمته فمهما حدث هو لا يتحمل أن يراها بهذا الشكل المؤلم لكنه دعس على ألمه بقوة محافظا على ثباته أمامها وجمود ملامحه وهو يسأل بنفس البرود :-
” ماذا تريدين يا ليلى …؟! لماذا أتيت من الأساس …؟! وعن أي احتياج تتحدثين …؟!”
أجابت وهي تتقدم نحوه حتى توقفت في منتصف المسافة عاجزة عن إكمالها وقلبها يردد قبل لسانها :-
” أحتاجك كثيرا يا نديم… لقد أهلكني الشوق مثلما أهلكني عشقك الذي لا يتوقف عن التدفق في عروقي …”
وهاهو يشعر بالضعف يجتاحه من جديد ويقاوم ضعفه من جديد وهو ينهرها بصوت عالي قليلا وملامح حادة :-
” هل جننتِ يا ليلى …؟! هل تعين ما تقولينه …؟! تتحدثين عن عشقك لي وأنتِ زوجة رجل آخر ..”
قاطعته تصرخ بتعب وإنهيار :-
” لا تجلب سيرته .. ليس زوجي .. هو ليس زوجي ولن يكون …”
أضافت باكية :-
” أنا سأتطلق منه .. لن أبقى على ذمته لحظة واحدة بعد الآن …”
رد بسخط مما تقوله من كلام أهوج :-
” إفعلي ما تشائين … لم يعد يهمني أي شيء …”
تقدمت نحوه تسأله بلهفة وعدم تصديق :-
” وأنا ..؟! ألم أعد أهمك أيضا ..؟!”
إبتلع ريقه وهو يشعر بالوجع من قربها المحظور بالنسبة له فقال بصوت موجوع وهو يشعر بعدم قدرته على السيطرة على مشاعره المثارة أكثر :-
” لطالما كنتي تهمينني يا ليلى .. بل كنتِ الأهم ..”
أومأت برأسها وهي تبتسم من بين دموعها ليضيف ما كان كافيا لقتل إبتسامتها :-
” لكنكِ لم تعدي كذلك منذ زواجك من آخر ..”
هتفت بسرعة وترجي :-
” سأتطلق … سأتطلق منه يا نديم… لقد تزوجته مجبرة … لم أرغب به يوما بل لم أرغب بسواك يوما …”
قال بملامح ظهر عليها الخذلان ونبرة خرجت مهزومة :-
” صدقيني لم يعد يهم … لقد إنتهى كل شيء ونحن بدورنا إنتهينا يا ليلى …”
صاحت وقد فقدت أعصابها تماما :-
” مالذي إنتهى ..؟! أقول لك إنني سأتطلق وأنت تقول إنتهينا … ”
أردفت وهي تتقدم نحوه تحتضن وجهه بين كفيها بتوق وتوسل :-
” سأتطلق يا نديم .. سأتطلق وأصبح حرة وحينها سيمكننا العودة سويا … ”
إسترسلت تسأله بعدما حرر وجهه من بين كفيها بقوة :- ” لماذا لا تفهم ذلك ..؟! لماذا تصر على نهاية ما بيننا … ألم تعد تحبني …؟! ”
خرج سؤالها الأخير مليئا بالألم والضعف فأجاب وهو يشعر بكل إنش فيه يصرخ إرهاقا من هذا العشق الذي عذبه بشده :-
” لإنكِ تخليتِ اني … لإنك تزوجت بغيري … لإنكِ تركتني يا ليلى … هل أدركت الآن لماذا نحن إنتهينا …؟!”
صرخت بنبرة جهورية حتى شعرت بأن حبالها الصوتية ستتمزق :-
” كنت مجبرة … أجبرني على الزواج به … لماذا لا تصدقني ..؟! لماذا …؟!”
أضافت وحنجرتها تؤلمها بسبب صراخها القوي :-
” أنت لا تدرك كم عانيت وأنا معه … كم تألمت بسبب زواجي من غيرك .. كم تعذبت وأنا أعيش مع رجل لا أطيقه بينما قلبي وروحي وكل إنش بي يحترق شوقا إليك … أنا كنت أموت في بعدك يوميا يا نديم… ”
رد بنبرة مريرة وملامحه سيطر عليها الوجع :-
” وماذا عني ..؟! هل تدركين كم تألمت ..؟! هناك حيث أعيش بين أربعة قضبان مسجون بتهمة فظيعة لا شيء يصبرني على ما أنا فيه سوى أنتِ وحبك يا ليلى .. ولكن حتى هذا ذهب سدى ..”
ضحك مرددا بقهر:-
” هل تدركين كم وجعي وأنا أسمع خبر زواجك من أقرب الناس لي ..؟! بينما أنت تتزوجين من أخي كنت أنا أتخبط بين جدران السجن عاجزا عن فعل أي شيء … قلبي يحترق وروحي تتألم وعقلي لا يستوعب ما يحدث … ”
أخفضت وجهها أرضا ودموعها الحارقة تنساب على وجنتيها بينما يتأملها هو بأنفاس لاهثة وقلب موجوع …
رفعت بصرها أخيرا وقالت تتوسله :-
” رغم كل ما حدث ما زال أمامنا فرصة يا نديم … أنا سأتطلق يا نديم وحينها بإمكاننا العودة سويا … ”
هز رأسه مستنكرا ما تقوله بشدة :-
” يكفي يا ليلى … لا يجوز أن تتحدثي معها هكذا مثلما لا يجوز وجودك في شقتي .. أنتِ إمرأة متزوجة وزوجك هو أخي .. إستوعبي هذا من فضلك … يكفي حقا فما تقولينه غير مقبول …”
كتمت دموعها بصعوبة وهي تنظر إليه بملامح معذبة قبل أن تهمس بوجع :-
” قل ما تشاء لكنني أدرك جيدا إننا سنكون سويا في النهاية …”
ثم شمخت برأسها وقالت بثقة بينما تضع كفها على قلبه :-
” مهما حدث سيأتي اليوم الذي نلتقي به من جديد وصدقني حينها فقط سيجد قلبك راحته المنشودة فلا راحة لقلبك بدون ليلى يا نديم …”
منحته ناظرة عاشقة أخيرة ثم تحركت خارج الشقة تاركة إياه ينظر أمامه شاردا وكلماتها الأخيرة تتردد داخله
( فلا راحة لقلبك بدون ليلى يا نديم )
………………………………………………………………
كانت حياة تسير خارج الجامعة عندما فوجئت به أمامها على مسافة بعيدة قليلا يقف بجانب سيارته حاملا بين يديه كتابها الذي نسته في سيارته ليلة البارحة ….
توترت لا إراديا وظهر توترها في يديها اللتين إحتضنتا كتبها على الفور وكأنها تستنجد بها لحمايتها منه ..،
كانت تحتاج الى الحماية حقا من تلك المشاعر الغريبة التي تسيطر عليها في قربه ..
مشاعر لم تجد تفسيرا صريحا لها لكنها تشكل داخلها شعورا مليئا بالقلق وعدم الرضا …
سارت نحوه بخطوات مترددة ما إن وجدته إنتبه إليها فمنحها إبتسامة خافتة وهو يحييها بإيماءة من رأسه …
تقدمت بخطواتها التي تسارعت قليلا وهي ما زالت تحتضن كتبها بكفيها عندما وقفت أمامه تهتف بإبتسامة خجول :-
” مساء الخير …”
رد هو بنبرة عادية :-
” مساء النور … كيف حالك ..؟!”
أجابت بهدوء :-
” بخير …”
” تفضلي كتابك …”
قالها وهو يمد يده التي تحمل الكتاب نحوها فإلتقطته على الفور وهي تقول برقة وإستيحاء :-
” شكرا .. لم يكن هناك داعي لأن تتعب نفسك وتأتي به الى هنا …”
قال بجدية :-
” لا يوجد تعب أبدا … كنت في طريقي الى شقتي عندما قررت المرور على جامعتك كي أعطيكِ كتابكِ … ”
أضاف بعدها :-
” كتاب لطيف …”
سألته بدهشة :-
” هل قرأته ..؟!”
” هل تمانعين ذلك ..؟!”
ردت بسرعة ونفي :-
” بالطبع لا .. أنا إستغربت فقط …”
هتف بجدية وهو يحك لحيته بخفة :-
” في الحقيقة لست من هواة قراءة الروايات خاصة الرومانسية لكن اسم الكتاب وغلافه جذبني فوجدت نفسي أتصفحه ثم قضيت ليلتي وأنا أقرأه حتى إنتهيت منه ..”
سألته بفضول وترقب :-
” وما رأيك به …؟! هل أعجبك ..؟!”
رد بهدوء :-
” جيد .. يعني اسلوب الكاتب وفكرة الرواية جيدة … ”
هتفت بتلقائية وإبتسامة واسعة :-
” الرواية رائعة حقا .. تكاد تكون من أروع ما قرأت ..”
رفع حاجبه قائلا وهو يتأمل ملامحها التي عكست مدى شغفها بتلك الرواية :-
” أنتِ إذا من الحالمات اللواتي يقضين أغلب أوقاتهن في قراءة الروايات الرومانسية والتفاعل معها …”
تبرمت ملامحها وهي تنفي ذلك :-
” لست كذلك بالطبع .. انا لستُ حالمة أبدًا ولكن …”
صمتت للحظة تستوعب حقيقة إنها تبرر له شخصيتها وطريقة تفكيرها فهتفت بإختصار وقد أزعجها ذلك :-
” حسنا ليس مهما …”
هز رأسه بلا مبالاة مفتعلة ثم عاد يضيف متسائلا :-
” هل ستذهبين الى المنزل ..؟!”
أجابت بعفوية وقد كسا الضيق ملامحها :-
” نعم … فلم يتبقَ سوى إسبوع على بداية الإمتحانات النهائية ولدي مادة صعبة للغاية أحتاج الى بذل جهد خرافي كي أستطيع فهمها …”
” آية مادة ..؟!”
سألها بفضول لا إرادي لتجيبه بإسم المادة فيعود بذاكرته الى الخلف حيث كان طالبا جامعيا متفوقا خاصة في تلك المادة التي كانت المفضلة عنده …
ردد بتلقائية :-
” مادة صعبة حقا لكنها ممتعة … كنت أحبها كثيرا …”
إبتسمت وهي توافقه:-
” لا أنكر إنها ممتعة لكنها تحتاج الى نفس طويل وتركيز شديد …”
أضافت بخفة :-
” أظن إنك من القلائل الذين يحبونها فأغلب الطلاب لا يطيقونها وأنا منهم …”
استرسل وقد أعاد له هذا الحوار ذكريات يحبها إجبارها عنه :-
” أنا على العكس تماما كانت متعتي عندما أدرسها .. في الحقيقة كنت أستمتع في جميع مواد الكلية … ”
” هل كنت من الاوائل …؟!”
اومأ برأسه وهو يجيب بإعتزاز :-
” كنت الأول على دفعتي على مدار خمسة أعوام ..”
إبتسمت وهي تقول بحماس :-
” وأنا أيضا الأولى على دفعتي طوال العامين الفائتين … فقط في المرحلة الأولى كنت الثانية ولكنني ضاعفت من مجهودي بعدها .. ”
ثم أردفت بخيبة :-
” لكن يبدو إن هذه السنة لن أستطيع فعل ذلك …”
هتف بتلقائية :-
” إذا إحتجتِ أي شيء بإمكانني مساعدتك ..”
ثم أكمل بتهكم ومرارة خفية :-
” رغم كل السنوات الفائتة ورغم ما حدث ما زلت أتذكر أغلب المعلومات التي درستها وعملت بها …”
شعرت بالضيق يسيطر عليها من جديد بسبب حزنه فقالت محاولة إنهاء الحوار الذي فتحته هي دون قصد :-
” حسنا يجب أن أذهب الآن .. لقد تأخرت كثيرا ..”
” بإمكاني أيصالك …”
قالها بتلقائية فمنحته إبتسامة هادئة وهي ترفض معتذرة :-
” لا داعي لذلك … أشكرك كثيرا …”
ثم سارت مبتعدة عنه يتابعها هو بنظراته ولا يعلم سبب ذلك الضيق الذي شعر به عندما قررت الرحيل وفي داخله رغبة شديدة تدفعه للإستمرار في التحدث معها دون توقف خاصة بعد مواجهته صباحا مع ليلى والتي أثقلت كاهله كثيرا …
ناداها بلا وعي لتستدير نحوه تنظر إليه بإستغراب فتقدم نحوها وقال بجدية :-
” ما رأيك أن تتناولي طعام الغداء معي ثم تغادري …؟! ”
صمت قليلا ثم قال :-
” أريد أن أتحدث معك بشأن العم فاضل وبما إنني أشعر بالجوع فضلت أن نتحدث ونحن نتناول طعامنا في أحد المطاعم …”
شعرت بالخجل من أن ترفض رغم رغبتها في ذلك فقربه منها بات يوترها كثيرا ..
إضطرت الى الموافقة لتسير معه نحو سيارته حيث إتجه بها الى احد المطاعم القريبة ..
…………………………………………………………..
بعد مدة كانت تجلس أمامه حيث أخذ النادل طلباتهما ورحل لتجده يسألها محاولا فتح الأحاديث معها :
” أنتِ تعملين مساءا ، أليس كذلك ..؟!”
أجابت بجدية :-
” نعم أعمل في صيدلية قريبة من منطقتنا …”
” وهل تستطيعين التوفيق بين دراستك وعملك ..؟!”
سألها بإهتمام لتجيب وهي تتنهد بصمت :-
” نعم الحمد لله .. يعني في البداية وجدت صعوبة لإن دراستنا صعبة قليلا ولكن مع مرور الوقت إعتدت على ذلك … صحيح يومي في العادة يكون متعبا كثيرا كما إنني لا أجد وقتا لنفسي إطلاقا لكنني في نفس الوقت أتقدم في دراستي وأستفيد من عملي هذا كثيرا …”
إبتسم ثم سأل :-
” هل دخلتِ كلية الصيدلة برغبتكِ …؟؟”
أجابت بتلقائية :-
” نعم مع إن مجموعي كان يؤهلني لدخول كلية الطب … لكنني فضلت الصيدلة لإنني أحبها ومستقبلها جيد ومضمون …”
” نعم جيد للغاية …!!”
خرجت منه ساخرة قليلا لتهتف بجدية :-
” نعم جيد .. بالنسبة لي طبعا .. بإمكاني أن أحقق تقدم ونجاحات كثيرة في مجال الصيدلة … يعني يمكنني أن أفتح صيدلية مستقبلا كما يمكنني أيضا العمل كمعيدة بعد التخرج …”
كانت تتحدث بعفوية مطلقة دون أن تعي ما حدث معه في السابق …
” يعجبني تفاؤلك يا حياة …”
قالها بصدق ظنته تهكما فعقدت حاجبيها تسأله بصوت منزعج نوعا ما :-
” هل تسخر مني …؟!”
رد بصدق :-
” أبدا .. على العكس تماما أنتِ لديكِ تفاؤل في الحياة وما قادم فيها يثير الإعجاب .. ”
هتفت بعفوية :-
” انا لست سوداوية ولا أحب أن أكون …”
” هل تقصدين إني كذلك …؟!”
” ألست كذلك ..؟!”
ثم إنتبهت لتجاوز حدودها معه فتمتمت بسرعة معتذرة :-
” أعتذر حقا يا بك .. لقد تحدثت بعفوية غير لائقة ..”
قاطعها بجدية :-
” لا تعتذري يا حياة .. أنا كذلك بالفعل .. ”
وقبل أن تتحدث أردف بعد تنهيدة صامتة :-
” لكنني لم أكن يوما كذلك … الحياة من جعلتني هكذا يا حياة …”
إبتلعت ريقها بصعوبة تحاول إخفاء شعور شفقتها نحوه فإبتسمت بصعوبة وهي تخبره :-
” لا تظن إن تفاؤلي هذا يعني إني شخصية خيالية .. إطلاقا لست كذلك .. انا شخصية واقعية وأعلم إن الحياة مليئة بالمشاكل والصعوبات ..”
أردفت بتعقل :-
” لكن أخبر نفسي دوما إنني سأتجاوزها عاجلا أم آجلا .. لدي يقين بإن هناك رب سيقف معي وعزيمة ستدفعني لتجاوز كل الأزمات وعبورها بسلام …”
كلماتها مسته لا إراديا فتغضنت ملامحه وهو يفكر بكل كلمة تخرج منها ..
هتفت متأسفة من جديد بسبب إندفاعها بالحديث معه :-
” أعتذر فيبدو إنني …”
قاطعها :-
” لا تعتذري يا حياة …”
وأكمل وهو يتأملها :-
” ولا تناديني بك أيضا … أنا نديم … نديم فقط يا حياة …”
تطلعت إليه بحرج قليلا قبل أن تمنحه إبتسامة خجولة ضعيفة ليبادلها هو إبتسامتها بأخرى هادئة قبل أن يستمر في التحدث معها في مواضيع أخرى..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية