Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل التاسع 9 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

  رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل التاسع 9

دلفت الى منزلها بملامح تنطق بالسعادة .. كم هي سعيدة بذلك التقارب البسيط الذي يحدث بينهما …

وجوده معها وحديثه المنمق يرفع من نبضات قلبها بقوة غريبة .. كل شيء به يجذبها بقوة مخيفة …

هوت بجسدها على الكنبة وهي تبتسم ملأ فمها كمراهقة تفكر بفارس أحلامها الذي وجدته بعد زمن …

توقفت عن الإبتسام أخيرا وهي تحاول أن تحلل ما يحدث … لماذا طلب منها الذهاب معه لتناول الطعام …؟! لماذا تشعر بإنه يرغب بالتعرف عليها والتحدث معها …؟! هل ما تشعره ليس سوى وهم يصوره لها عقلها الذي يفكر به كثيرا أم حقيقة ..؟!

كم تتمنى لو تعلم بما يفكر به وكيف يراها من وجهة نظره …؟!

تذكرت عندما قال لها إنها جميلة حقا وأجمل ما فيها أخلاقها وصفاتها …!

لو يعلم كم أسعدتها كلماته تلك وكم تركت آثرا عميقا داخلها ..!

أغمضت عينيها وهي تعود برأسها الى الخلف تستند بظهرها على الكنبة فتظهر صورته أمامها .. عيناه بلون البحر وملامحه شديدة الوسامة … إبتسامته الهادئة الوقورة وحديثه الأنيق مثله ..

فتحت عينيها وهي تعاود الإبتسام من جديد ثم نهضت من مكانها مقررة تغيير ملابسها و الإستراحة قليلا قبل أن تذهب الى والدها وتبقى معه الليلة حيث ستبيت معه كالليلة السابقة …

……………………………………………………………

عاد الى شقته وشعور الراحة يغمره قليلا .. لقد كان يحتاج لتلك المقابلة وذلك الحديث كي يخفف من وطأة ما تركه لقاء ليلى من آثرٍ به …

لا يعلم لمَ حياة بالذات من تترك هذا الشعور المريح داخله مثلما لا يعلم متى بات يرغب بلقائها والتحدث معها لكنه يدرك إنها تمنحه شعورا يحتاجه بقوة في هذه الفترة تحديدا …

هم بالتوجه الى غرفة نومه للراحة قليلا عندما سمع صوت جرس الباب يرن فسارع بالذهاب الى هناك وفتحه ليجد غالية أمامه تبتسم بسعادة قبل أن تدلف الى الداخل وتحتضنه …

إبتعدت عنه بعد قليل وهي تهتف به :-

” إشتقت إليك …”

” وأنا أكثر …”

قالها بصدق وهو يغلق باب الشقة خلفيهما ليسيرا سويا حيث جلسا على نفس الكنبة لتبادر غالية بسؤاله :-

” كيف حالك ..؟! طمئني عليك …”

رد بعدما تنهد بصمت :-

” أنا بخير الحمد لله … وانتِ كيف حالك ..؟!”

أجابت بسرعة :-

” أنا بخير .. المهم أخبرني ، ماذا ستفعل بعد الآن …؟! لا تنوي البقاء هكذا بالتأكيد …”

تطلع إليها بصمت للحظات ثم قال بجدية :-

” سأفكر في عمل مناسب … علي أن أبدأ بالعمل قريبا …”

تكلمت غالية وقد دب الحماس فيها ما إن علمت إنه سيفكر جديا بذلك :-

” هذا رائع .. بالتأكيد ستجد عملا مناسبا .. ”

أضافت بعدها وقد تذكرت آمرا ما :-

” ما رأيك أن تدير شركة والدي الثانية يا نديم …؟! يعني أظن العمل هناك سيناسبك …”

إسترسلت تقول :

” وإذا كان على عمار فأنت لن تراه إلا نادرا فلكل شركة أعمالها الخاصة …”

أظلمت عينا نديم للحظات قبل أن يرد بهدوء مفتعل :-

” كلا يا غالية … أنا سأبدأ بعملي الخاص … ”

” ولكن هذا حقك يا نديم … إنها شركات والدي رحمه الله وأنتَ لك فيها ما لعمار ولي أيضا …”

نهض من مكانه متجها نحو النافذة المطلة على الشوارع الخارجية يتأمل خارجها بملامح واجمة بينما يتحدث بنبرة خرجت باردة قليلا :-

” هكذا أفضل يا غالية .. ميراثي من والدي سيبقى كما هو ونسبتي من أرباح الشركتين موجوده …”

أردف موضحا سبب رفضه :-

” وجودي هناك لن يشعرني بالراحة أبدا … دعيني أعمل بالشكل الذي يناسبني ويجعلني مرتاحا فيه ..”

نهضت غالية من مكانها تتقدم نحوه حيث وقفت جانبه تربت على كتفه تدعمه :-

” كما تشاء يا نديم .. المهم أن تكون مرتاحا وأي شيء آخر غير مهم …”

إلتفت نحوها يبتسم برفق ثم يسألها بإهتمام صادق :-

” أخبريني أنتِ عنكِ … ما أخبارك وكيف هو عملك في الشركة ..؟!”

ردت ببساطة وهي تهز كتفيها :-

” كل شيء يسير على ما يرام .. ”

أضافت وقد تذكرت آمرا ما :-

” صحيح هناك شيئا نسيت أن أخبرك به ….”

سألها بإستغراب :-

” شيء ماذا ..؟!”

أجابت :-

” إلتقيت بنانسي إبنة الخالة ألفت ، بالتأكيد تتذكرها …؟!”

تهكمت ملامحه وهو يردد :-

” بالطبع … ”

عقدت غالية حاجبيها تسأله مستغربة ملامحه :-

” ماذا حدث …؟! هل هناك شيء ما لا أعرفه ..؟!”

هتف قائلا بجدية :-

” سأخبرك أولا ولكن أخبريني ماذا أرادت منكِ ..؟!”

ردت غالية بجدية :-

” كيف علمت إنها أرادت مني شيئا ..؟! على العموم لقد سألتني عنك وطلبت مني معرفة عنوانك الجديد ولكنني راوغت ولم أعطها إياه …”

قال بصوت فاتر مستاء :-

“بالطبع لقاؤها معكِ كان مقصودا كي تسألكِ عني .. تلك الفتاة ليست طبيعية … ”

” هل إلتقيت بها يا نديم …؟!”

اومأ نديم برأسه وأجاب بجدية :-

” نعم … لقد جاءت إلي وتحدثت معي مرتين …”

سألته بفضول :-

” وماذا قالت …؟!”

أجاب بسخرية :-

” إنها ما زالت تحبني وتريد قربي …”

” المسكينة …”

قالتها غالية بتعاطف صادق ثم أردفت بعد لحظات بتردد :-

” إنها تحبك حقا يا نديم …”

قاطعها نديم بنبرة قاطعة :-

” إنها مريضة يا غالية … مريضة بحب التملك …”

قالت غالية بنبرة ذات مغزى :-

” وربما تحبك حقا …”

نظر إليها يتسائل بحنق :-

” إلامَ تريدين أن تصلي يا غالية ..؟!”

صمتت غالية قليلا ثم قالت أخيرا بجدية:-

” لماذا لا تمنحها فرصتها يا نديم …؟! هي تحبك وتريدك حقا وأنت ..”

لم تكمل حديثها فأكمل هو نيابة عنها بتهكم :-

” وأنا بالطبع لن أجد أفضل منها بل يجب أن أشكر ربي دائما لإنها رضيت بي …”

قالت غالية معترضة :-

” من قال هذا ..؟! لا تفسر كلامي بشكل خاطئ يا نديم … ما أقصده إنك تحتاج لوجود أحد معك يحبك لهذه الدرجة … تحتاج للخروج من دائرة الماضي … ”

تنفست بقوة ثم أضافت بجدية :-

” تحتاج الى من تنسيك ولو جزءا من ماضيك …”

” تقصدين ليلى ، أليس كذلك ..؟!”

سألها بثبات مصطنع لتومأ برأسها وهي تكمل بقوة :-

” نعم أقصدها .. أنا لا أريد أن تبقى مقيدا بحبك لها … أريد أن تمنح نفسك الفرصة الكاملة لبدأ حياة جديدة … ”

قاطعها بإستياء :-

” وهل بدأ حياة جديدة يقتصر على وجود حب جديد يعوضني عن الماضي …؟!”

هزت رأسها نفيا وردت بهدوء :-

” كلا ولكن سيساعدك في تخطيه … نانسي تحبك حقا وأنا لا أطلب منك سوى إعطائها الفرصة الكاملة لإثبات حبها لك فربما تبادلها مشاعرها تلك وحينها سيتغير الكثير …”

هتف بتململ :-

” أخبرتك إنها لا تحبني يا غالية .. هي فقط مهووسة بي لا أكثر .. ثانيا هل تظنين إن نانسي حقا تناسبني وتناسب وضعي الحالي ..؟! لطالما عهدتك ذكية ومنطقية يا غالية … بنظرة واحدة إليها ستدركين مدى الخلل الموجود فيها …”

أضاف يخبرها بما فعلته بليلى وكيف ضربتها على رأسها بالصخرة لتشهق غالية بعدم تصديق وهي تردد :-

” يا إلهي … هل فعلت هذا حقا ..؟!”

ابتسم نديم بسخرية وهو يردد :-

” نعم فعلت هذا يا غالية .. إنها مجنونة حقا …”

أومأت برأسها تؤيده لتقول بعدها :-

” ولكن ما كان على ليلى التدخل من الأساس …؟! هي تكره نانسي منذ سنوات عندما كانت نانسي تلتصق بك دائما ويبدو إن كرهها هذا ما زال موجودا …”

لم يقل نديم شيئا بينما قالت غالية بتردد :-

” نديم سأقول شيئا ولكن لا تتضايق مني من فضلك …”

إنتبه نديم إليها فسمعها تخبره :-

” حاول ألا يجمعك لقاء مع ليلى مهما حدث … يعني هذا أفضل لكليكما …”

هتف نديم بسخط :-

” بالطبع لن أفعل … أنا أتجنب ذلك منذ خروجي من السجن وأكبر دليل هو تركي الفيلا وقراري بالعيش هنا …”

تحدثت غالية بسرعة تحاول تهدئته كي لا يغضب :-

” أعلم ذلك يا نديم ولكن أنا فقط أؤكد عليك …”

تعكرت ملامحه كليا دون أن يجيب بينما سمعها تضيف :-

” لا تنزعج مني أرجوك ولكنني لا أرغب بحدوث بأي مشكلة لك .. ”

هز رأسه على مضض وعقله عاد الى مقابلة الصباح معها وحديث ليلى وفي داخله يشعر إن المشاكل قادمة لا محالة …

…………………………………………………………….

في صباح اليوم التالي

تجلس على سريرها تعبث في هاتفها بملل عندما سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول …

دلفت والدتها الى الداخل وهي تقول :-

” صباح الخير …”

ردت مريم بعدما رفعت وجهها من فوق الهاتف :-

” صباح النور ماما …”

سألتها والدتها بإهتمام :-

” منذ متى وأنتِ مستيقظة ..؟!”

أجابت مريم :-

” منذ أكثر من ساعتين ..”

” ولماذا بقيت في غرفتك ..؟! كان عليك أن تتناولي فطورك معنا …”

ظهر الضيق على ملامح والدتها وهي تضيف متسائلة :-

” ماذا يحدث معكِ بالضبط يا مريم …؟! تبدين معكرة المزاج متضايقة طوال اليومين الفائتين … هل هناك شيء ما أنا لا أعرفه ..؟!”

لم تجبها مريم بل سيطر الضيق على ملامحها من جديد فسألتها والدتها بعصبية :-

” أخبريني عما يحدث بالضبط … لا تبقي صامتة هكذا …”

هتفت مريم بصوت مختنق :-

” لم يحدث شيءٍ أنا فقط أشعر بالضيق بسبب ليلى … وضعها يؤلمني كثيرا …”

سألتها والدتها بلهفة :-

” ما بها ليلى ..؟! هل حدث شيء ما معها أنا لا أعرفه …؟!”

هزت مريم رأسها نفيا وهي تجيب بسرعة تحاول طمأنتها :-

” لم يحدث شيء جديد ولكنها تعيسة .. أليس هذا كافيا ليجعلني هكذا ..؟!”

أدمعت عينا والدتها وهي تردد بصوت مختنق :-

” أعلم ذلك ويؤلمني أكثر منك يا مريم ولكن ماذا بيدي أن أفعل … أخبرتها مرارا أن تطلب الطلاق ولكنها ترفض لسبب لا أفهمه حتى الآن .. أشك إنها ترفض الطلاق كي تبقى بالقرب من نديم …”

عارضتها مريم :-

” نديم ترك الفيلا منذ اول يوم يا ماما وهو الآن مقيم في شقة خالتي ..”

” مالذي يجعلها متمسكة بالبقاء مع عمار إذا …؟!”

سألتها والدتها بحيرة أكبر لتنظر إليها مريم وهي تفكر جديا في إخبارها بالحقيقة لكن دخول الخادمة تخبرها بقدوم أكرم منعها من ذلك …

نهضت مريم بسرعة تستعد لقائها عندما سمعت والدتها تخبرها بضيق :-

” متى تنويان أن ترتبطا رسميا يا مريم … ؟! علاقاتكما هكذا دون خطبة رسمية تضايقني كثيرا …”

هتفت مريم بجدية :-

” أنتِ تعرفين إن أكرم يرغب بإعلان خطبتنا اليوم قبل الغد لكنني أرفض ذلك حتى أتخرج من جامعتي …”

عقدت والدتها ذراعيها أمام صدرها تهتف بها :-

” وما المشكلة إذا تمت خطبتكما هذه الفترة وتزوجتما فورا بعد التخرج ..؟!”

أضافت بتمهل :-

” هذا أفضل يا ابنتي … لا أرغب أن تتحدث الألسنة عنكما بشكل غير لائق ..”

قاطعتها مريم بجدية :-

” من يجرؤ على ذلك ..؟! سأقص لسان من يتحدث عني بسوء … نحن في حكم المخطوبين يا ماما والجميع يعلم ذلك ..”

نظرت والدتها إليها بعدم إقتناع بينما إتجهت مريم نحو خزانتها تخرج شيئا مناسبا كي ترتديه …

…………………………………………………………..

خرجت حياة مع مي من قاعة الإمتحانات حيث أخذتا تتحدثان سويا عن الأسئلة وأجوبتهما عندما قالت مي بعد مدة :-

” صحيح نسيت أن أسألك .. ما قصة ذلك المدعو نديم ..؟!”

سألتها حياة بجدية :-

” عم تتحدثين بالضبط ..؟!”

أجابت مي :-

” يعني وجوده في المشفى لأكثر من مرة معكِ كما علمت منكِ وتناولكما الغداء سويا البارحة … ألا ترين إن ما يحدث غير طبيعي ..؟!”

وقفت حياة أمامها تسألها بتعجب :-

” ولمَ ترين إنه غير طبيعي …؟!”

أجابت مي بصراحة :-

” في الحقيقة أنا أشعر إن هناك شيء ما داخلك ناحيته يا حياة وربما هو كذلك ..”

ردت حياة وقد ظهر الإرتباك عليها بوضوح :-

” كلا ، يعني الأمر ليس كذلك ..”

قالت مي بقوة:-

” إرتباكك هذا يؤكد لي صحة شعوري … ماذا يحدث يا حياة ..؟! هل أنتِ معجبة به ..؟!”

هتفت حياة بجدية :-

” وما المشكلة اذا كنت كذلك …؟!”

إتسعت عينا مي وهي تردد بعدم تصديق :-

” هكذا إذا .. ولهذا السبب رفضتِ طلب دكتور ثامر بالزواج منكِ إذا …!! ”

إلتزمت حياة الصمت بينما قالت مي بضيق :-

” حياة ..!! هل أنتِ واعية لما تفعلينه ..؟!”

سألتها حياة بإنزعاج :-

” ماذا تقصدين يا مي …؟!”

أجابت مي بصراحة ووضوح :-

” أنتِ ترفضين الدكتور ثامر لأجل ذلك المدعو نديم .. كيف تفعلين شيئا كهذا ..؟! كيف ترفضين عريسا مثاليا كالدكتور ثامر بكل بساطة … ”

” وما المشكلة في هذا يا مي …؟! من الطبيعي أن أقبل طلبه أو أرفضه بناء على رأيي ورغبتي …”

” المشكلة إن هناك منطق يقول إن تصرفك هذا خاطئ .. مثلا ذلك النديم .. هل نسيت وضعه وإنه خريج سجون ..؟! هل تظنين إنه زوج مناسب لكِ حقا يا حياة …؟!”

قاطعتها حياة بحنق :-

” يكفي يا مي .. ما بالك تتحدثين وكأنه تقدم لخطبتي .. ثانيا انا فقط معجبة به .. هذا كل ما في الأمر …”

أردفت تنهي الموضوع وشعور الأختناق سيطر عليها من حديث صديقتها :-

” توقفي عن الحديث في هذا الموضوع الآن …”

زفرت مي أنفاسها ثم قالت :-

” حسنا يا حياة .. كما تشائين .. أعلم إن حديثي ضايقك لكن تذكري إنني تحدثت هكذا لأجل مصلحتك …”

هزت حياة رأسها دون رد لتطلب منها مي الذهاب معها لتناول الطعام فوافقت حياة على مضض واتجهت معها الى احد المطاعم القريبة تحاول إخفاء ضيقها من حديثها ..

………………………………………………….

في المشفى …

كان فاضل يجلس على سريره بملامح متعبة والأفكار المتراكمة تتداخل في رأسه فتضاعف من تعبه …

يعلم إن أيامه في الحياة باتت معدودة فحتى لو أخبره الجميع العكس هناك شعور قوي داخله يخبره بذلك …

هو ليس خائفا من الموت فهذا مصير الجميع ولكن خوفه على ابنته التي سيتركها وحيدة يهاجمه بقوة …

لا يعرف ماذا يفعل وكيف سيتركها لوحدها في هذه الحياة … يعلم إن حياة قوية لكن لن يغير حقيقة إنها فتاة بريئة لا أحد لها يحميها من مصاعب الحياة والوحوش الضالة المحيطة بها …

ليت والدتها كانت معها فبالرغم من كرهه لتلك المرأة لكنه يتمنى لو كانت موجوده معها تتولى مسؤوليتها بعد وفاته ..

منذ فترة وهو يشعر بالأنانية لإنه تركها معه ورفض أن يعطيها لوالدتها لكنها هي من رفضت أيضا وأرادت البقاء معه وهو لم يستطع تركها فهي كل شيء بالنسبة له وكما هي متعلقة به كان هو أكثر تعلقا بها …

أغمض عينيه بوهن وهو يدعو ربه أن يفرج همه ويريح قلبه ناحيته ابنته التي يتمنى تركها وهو مطمئن عليها …

سمع صوت طرقات على الباب يتبعها دخول شاب وسيم الطلعة يشعر إنه رأه مسبقا حيث تقدم الشاب نحوه مبتسما بهدوء وألقى التحية عليه قبل أن يبادر للتعريف عن نفسه :-

” انا ثامر أحمد أستاذ الآنسة حياة في الجامعة …”

رحب به فاضل على الفور وطلب منه الجلوس ليخبره ثامر بعدما جلس جانبه :-

” في الحقيقة أنا أريدك في موضوع مهم يا عمي واسمح لي أن أناديكَ بعمي …”

رد فاضل بسرعة :-

” بالطبع يا بني .. يشرفني ذلك ..”

هتف ثامر بجدية :-

” الشرف لي يا عمي … انا جئت إليك لأجل الآنسة حياة ..”

” ما بها حياة يا بني …؟!”

سأله فاضل بقلق ليبتسم ثامر مطمئنا ثم يقول :-

” أنا أطلب يد الآنسة حياة منك يا عمي …”

صمت فاضل لوهلة يحاول إستيعاب ما سمعه وفكرة إن القدر إبتسم له أخيرا بدت خيالية ..

لحظات وإبتسم وهو يرد محاولا السيطرة على سعادته كي لا تظهر بهذا الوضوح أمام الشاب الذي يتقدم لخطبة وحيدته :-

” أنت تريد خطبة حياة إذا …”

اومأ ثامر برأسه وهو يقول بصدق :-

” ويشرفني ذلك حقا وأتمنى أن توافق أنت والآنسة حياة على طلبي …”

إحتفظ فاضل بإبتسامته الهادئة بينما إسترسل ثامر في حديثه :-

” في الحقيقة منذ أن بدأت في تدريس الآنسة حياة وشعرت بالإعجاب الشديد نحوها وبدأت أتابعها بإهتمام فوجدتها إنسانة ذات أخلاق عالية .. مجتهدة ومحترمة للغاية ولن أجد أفضل منها كزوجة لي …”

أكمل بعدها :-

” بالمناسبة انا في الثلاثين من عمري … خريج كلية الصيدلة .. أعمل معيدا في كلية حياة كما لدي صيدليتي الخاصة أيضا .. مقتدر ماديا والحمد لله ومستعد لتنفيذ جميع طلباتكم .. انا فقط أريد الموافقة المبدئية حتى أجلب عائلتي معي للتقدم رسميا …”

قال فاضل بجدية :-

” في الحقيقة يا بني الرأي الأول والأخير يا حياة لكن بالنسبة لي فأنا لن أجد عريسا أفضل منك لإبنتي …”

إبتسم ثامر بأمل بينما أضاف فاضل :-

” سأتحدث مع حياة عندما تأتي بشأن طلبك …”

اومأ ثامر برأسه متفهما ثم قال وهو ينهض من مكانه :-

” إذا سأذهب الآن يا عمي وأنتظر منك جوابا في القريب العاجل …”

” ان شاءالله يا بني …”

ودعه ثامر ورحل بينما تنهد ثامر براحة غير مصدقا ما حدث فقد تقدم لخطبة ابنته شابا محترما ذو مستوى جيد للغاية في الوقت الذي كان يحتاج لذلك بقوة كي يطمئن عليها قبل رحيله …

بعد مدة فتحت الباب ودخلت حياة تهتف بمرح :-

” أبي الحبيب .. كيف حالك ..؟! آسفة حقا لإني تأخرت عليك لكنني إضطررت أن أتناول الطعام مع مي قبل مجيئي …”

إستقبلها والدها بملامح سعيدة وهو يردد :-

” لا بأس يا صغيرتي … تأخري كما تشائين ..”

جلست حياة بجانبه تهتف وهي تتأمل ملامحه التي بدت أكثر راحة من البارحة بل إن هناك فرحة غريبة تسيطر عليها :-

” أبي ..؟! تبدو سعيدا للغاية أو هكذا يخيل لي …”

رد فاضل بسرعة وفرحة :-

” أنا سعيد حقا يا حياة … لقد تقدم شاب لخطبتك … ”

تجمدت ملامحها للحظات وهي تستمع الى ما قاله لتسأل أخيرا بصوت متحشرج :-

” عمن تتحدث يا أبي …؟!”

أجاب فاضل بنبرة فرحة :-

” الدكتور ثامر يا ابنتي … أستاذك في الجامعة …”

أضاف غير منتبها الى الضيق الذي سيطر على ملامحها :-

” إنه شاب ممتاز يا ابنتي … معيد في الجامعة ولديه صيدلية خاصة به أيضا .. أنا حقا سعيد لأجلك … لا أصدق إنني سأطمئن عليك أخيرا .. الآن سأتركك وأنا مرتاح البال …”

أوقفته عن حديثه الفرح تخبره بتردد :-

” توقف يا أبي .. لا أريد أن أهدم سعادتك ولكنني غير موافقة ..”

إنصدم الأب مما قالته فسألها بصوت متعجب :-

” لماذا يا ابنتي …؟! إنه عريس ممتاز ..”

أجابت بتردد :-

” أنا لا أريده .. يعني أشعر إنه غير مناسب لي ..”

سألها والدها بقلق :-

” هل تعرفين عنه شيئا سيئا ..؟! هل يوجد به عيب يا ابنتي …؟!”

ردت بسرعة :-

” كلا يا أبي … الدكتور ثامر رجل محترم وذو سمعة طيبة ..”

” إذا لماذا ترفضينه يا حياة ..؟!”

سألها والدها بملامح بدأت تفقد هدوئها تدريجيا لتجيب بتوتر :-

” لا أريد يا أبي .. هكذا فقط ..”

هتف والدها بقوة :-

” ولكنني موافق يا حياة …”

نظرت إليه بعدم تصديق وقالت :-

” هل ستجبرني على الزواج منه وأنا لا أريده ..؟!”

تحدث فاضل بجدية :-

” إسمعيني يا حياة … إفهميني مرة واحدة وإستوعبي حديثي … انتِ فتاة وحيدة تحتاجين الى سند يا ابنتي وأنا رحيلي بات وشيكا ..”

قاطعها بتوسل :-

” لا تقل هذا أرجوك …”

لكنه أصر على إكمال حديثه غير مباليا بتوسلها :-

” هذا أمر واقع يا حياة لا مفر منه وأنت عليك تقبله .. أنا لا أريد أن أترككِ وحيدة في هذا الحياة يا ابنتي … أريد الإطمئنان عليكِ قبل رحيلي فلا تحرميني من هذا يا حياة …”

قبضت على يدها تخبره بترجي:-

” يا أبي أنا بخير .. الزواج ليس هو الحل المناسب للإطمئنان علي … من قال إن سأرتاح في زيجتي من الدكتور ثامر يا أبي ..؟! من قال إنني سأكون سعيدة ..؟!”

” يا ابنتي زوجك سيكون سندا لكِ مهما حدث .. أنت صغيرة ووحيدة لن تستطيعي الإستمرار في هذه الحياة لوحدك …”

أردف بصوت مبحوح :-

” ربما لو كانت والدتك موجودة لكنت تركتكِ معها تحت مسؤوليتها ..”

ترقرقت الدموع داخل عينيها ليمسك كفها وهو يتوسلها :-

” وافقي على الدكتور ثامر يا ابنتي … وافقي عليه ودعيني أرحل وأنا مطمأن عليكِ …”

هطلت دموعها على وجنتيها بغزارة لترمي بجسدها بين أحضانه وهي تشهق باكية ..

………………………………………………………….

كان نديم يجلس أمام صديقه وسام الذي أخبره بجدية وهو يلاحظ تحسن أحواله عن تلك الأيام بعد خروجه مباشرة من السجن :-

” تبدو أفضل من الأيام السابقة يا نديم …”

اومأ نديم برأسه وهو يرد بجدية :-

” نعم ، أنا بالفعل أفضل قليلا … ”

أضاف مسترسلا في حديثه :-

” أنا أحاول التأقلم مع ما مررت به يا وسام .. أحاول التعايش مع حقيقة ما حدث معي وتقبله حتى لو لم أستطع تجاوزه …”

هتف وسام برزانة :-

” تقبل الأمر والتعايش معه هو بداية تجاوزه بل ونسيانه أيضا ..”

تشدق فم نديم وهو يردد بنبرة يائسة :-

” لا أظن إنني سأنسى يا وسام … ”

” لمَ لا ..؟! بإرادتك تستطيع فعل أي شيء …”

قالها وسام بقوة وتأكيد لينظر نديم الى النافذة جانبه وهو يهتف بصوت ضعيف :-

” ماذا سأنسى بالضبط يا وسام ..؟! هل سأنسى التهمة التي إلتصقت بي وسنوات سجني ظلما …؟! هل سأنسى حب حياتي التي تخلت عني وتزوجت بأخي الوحيد ..؟! هل سأنسى حقيقة إنني أصبحت بلا شهادة جامعية وإن شهادتي سحبت مني بشكل نهائية وبسبب تهمة سيظل عارها ملتصق بي الى الأبد ..؟!”

صمت وسام ولم يعرف ماذا يقول بينما تشكلت إبتسامة مريرة على شفتي نديم الذي قال بجدية بعدها :-

” لن أنسى كل هذا مهما حدث يا وسام لكنني مجبر على التعايش .. لا حل آخر أمامي …”

” هل ما زلت تفكر في ليلى يا نديم ..؟! ”

سأله وسام فجأة لتتجهم ملامح نديم وهو يجيب :-

” ليس دائما …”

هز وسام رأسه بينما أكمل نديم :-

” لكنني أحاول منع نفسي من التفكير بها حتى في المرات القليلة التي أفعل .. هي أصبحت متزوجة ومن أقرب الناس لي لذا لا يجوز أن أفكر بها على آية حال ..”

” أنا أتعاطف معها كثيرا … هل تعلم ذلك ..؟!”

قالها وسام بتردد لينظر له نديم بملامح جامدة صامتة للحظات قبل أن يقول أخيرا :-

” منذ أن علمت بأمر زواجها من عمار وأنا أحاول أن أجد مبررا واحدا … مبررا يخفف من وطأة قسوة ما فعلته بي .. لكنني في كل مرة لا أجد أي مبررا .. ليتها طعنتني بسكين بارد بدلا من ذلك .. ”

” عمار ليس هينا يا نديم … نحن لا نعلم ماذا فعل وأجبرها على ذلك …”

هتف نديم بحقد دفين :-

” مهما فعل فهذا لا يبرر تركها لي والزواج منه …”

أكمل بصوت متألم :-

” لقد دمرتني تماما بفعلتها هذه يا وسام وجعلتني أفقد الأمل في كل شيء …”

هتف وسام بضيق :-

” السبب هو عمار يا وسام .. لعنه الله على ما فعله … هل يوجد أخ يفعل هكذا بأخيك …”

أظلمت ملامح نديم كليا ليهتف بغموض:-

” عمار أخي الوحيد الذي لم يتردد لحظة واحدة في سرقة كل شيء مني لكن لا بأس ما زال الطريق طويل أمامي وسيجمعنا الكثير بالتأكيد ..”

” ماذا تقصد ..؟! ”

سأله وسام بإستغراب ثم أضاف بقلق :-

” اتركه يا نديم ولا تفكر به من الأساس … هو مجرد شخص نذل قرر أن يؤذيك بأحقر طريقة ممكنة … سوق خطيبتك منك فقط كي يحطمك تماما ..”

إرتسمت إبتسامة متهمكة على ملامح نديم وهو يرد :-

” هل تظن إن الأمر يقتصر على هذا حقا …؟! ليته هكذا فقط بالفعل …”

سأله وسام بترقب :-

” ماذا تقصد يا نديم …؟!”

إسودت عيناه وهو يهتف بصوت قاتم :-

” عمار هو من تسبب بسجني يا وسام .. أخي الوحيد هو من كان خلف كل ما حدث معي …”

…………………………………………………………

كان تجلس على سريرها كالعادة تضم قدميها الى صدرها تنظر أمامها بشرود …

فتحت الباب ودلف عمار الى الداخل لتعتدل في جلستها وهي تنظر إليه بخوف لا إرادي بينما تأملها هو مليا قبل أن يقرر تنفيذ ما قاله اليوم …

سيتمم زواجه منها الليلة كما أخبرها مسبقا .. لا مجال للتراجع عن هذا بعد الآن …

” من الجيد إنكِ هنا يا زوجتي الحبيبة …”

نهضت ليلى من مكانها تتأمله بملامح قلقة فيبتسم لها بطريقة مخيفة وهو يردد هامسا بجانب أذنها :-

” الليلة ليلتنا يا ليلى … ”

رفعت وجهها المصدوم ناحيته بينما إتسعت إبتسامته تدريجيا ليهتف بها مكملا :-

” ماذا ..؟! هل نبدأ الآن أم ترغبين بالإستعداد لهذه الليلة المنتظرة …؟؟”

أضاف وهو يخلع سترته ويرميها على الكنبة ثم يستدير نحوها مرددا :-

” من يصدق إن ليلتنا الأولى كزوجين ستكون بعد أعوام من يوم الزفاف ..”

أضاف غامزا بإستفزاز :-

” لكن لا بأس ، سنعوض ما فاتنا يا حبيبتي … أعدك بهذا …”

إعتصرت قبضتي يديها بقوة بينما سار هو نحوها بخطوات متمهلة قبل أن يقف أمامها مباشرة ثم ينحني صوبها فتتلاقى نظراتها الجامدة بنظراته المتحفزة ..

انحنى نحو شفتيها مقربا شفتيه منها ثم بدأ يقبلها ببطأ وخفة وهي جامدة بين يديه تماما لا تبادر بأي ردة فعل ..

لحظات قليلة وكانت ممددة بين ذراعيه بينما كفيه يعبثان ببيجامتها المحتشمة حيث بدأ يفك أزرار جزئها العلوي …

أغمضت ليلى عينيها وهي تشعر بالجزء العلوي من منامتها يطير بعيدا عن جسدها بينما يديه تلمسان جذعها العلوي العاري …

لحظات قليلة وبينما هو غارق معها تماما حيث يطبع قبلاته على عنقها وجيدها كانت يدها تمتد أسفل مخدتها فتخرج تلك السكين التي وضعتها تحت وسادتها منذ أول يوم إجتمعت معه في غرفة واحدة إستعدادا لحدوث موقف هكذا ..

سحبت السكينة وما هي إلا لحظات حتى إنطلقت صرخة متألمة في وسط المكان بينما الدماء إنفجرت …

إنتفض عمار من فوقها محاولا إستيعاب ما حدث …

لقد طعنت نفسها تلك المجنونة …

فضلت على الموت على أن يمتلكها …

تلك الصرخة الضعيفة التي خرجت منها وشعوره بذلك السائل اللزج يسير فوق قميصه جعلاه يدرك ما أقدمت عليه ..

نظر إليها من فوقها بملامحها التي أنطفأت تدريجيا وذراعيها اللتين سقطتا جانبها على السرير حيث فقدت وعيها كليا …

مسح على وجهه بعنف ثم انحنى نحوها وقرر حملها بعدما سحب السكين من بين أحشائها بتأني والخروج بها من هنا حيث يتجه بها بسرعة الى المشفى …

حملها بالفعل واندفع خارج الغرفة هابطا درجات السلم بسرعة قياسية غير مباليا بصرخات غالية التي رأته بهذه الوضعية فخرجت خلفه مسرعة …

اتجه نحو كراج السيارات حيث وضعها في المقعد الخلفي بينما سارعت غالية وجلست جانبها …

ركب هو في مقعده وبدأ يقود سيارته متجها الى اقرب مشفى أما غالية فكانت تضرب بخفة على وجهها وهي تبكي تتوسلها المقاومة …

توقف أخيرا أمام المشفى ليحملها بين ذراعيه ويتجه بها الى الداخل وهو يصرخ في الموظفين أن يسارعوا لإستقبالها ومعالجتها ..

بعد مدة دخلت ليلى الى غرفتها العمليات بينما وقف عمار خارج الغرفة ينظر أمامه بصمت وذكرى مشابهه لهذا الحدث لاحت أمامه لا إراديا فأعادته الى ذلك الماضي الذي يكرهه أكثر من أي شيء …

جلست غالية على الكرسي جانبه بوهن تبكي صديقة عمرها التي تصارع الموت في الداخل ..

استند عمار بظهره على الحائط خلفه عاقدا ذراعيه أمام صدره والجمود يسيطر على ملامحه كالعادة أما غالية فكانت تبكي دون توقف حتى رن بكائها لتجد والدتها تتصل بها …

أجابت على الهاتف وهي تردد من بين شهقاتها :-

” ليلى يا ماما … ليلى ..”

” ما بها ليلى ..؟!”

سألتها والدتها بفزع فهي لا علم لديها بما حدث حيث كانت تلتزم غرفتها منذ أكثر من ساعتين وعندما خرجت من غرفتها للتحدث مع غالية لم تجدها في المنزل فإتصلت بها بسرعة وقلق من عدم وجودها في وقت كهذا …

أجابتها غالية بنبرة متألمة :-

” ليلى تموت يا ماما … ”

ثم عادت تبكي بضعف لتصيح والدتها بها بلهفة :-

” أخبريني ما بها ليلى يا غالية ..؟! تحدثي ..”

حاولت غالية السيطرة على دموعها وهي تجيب بنبرتها المبحوحة بسبب البكاء :-

“ليلى طُعنت بالسكين وهي الآن في غرفة العمليات ..”

ثم رفعت نظراتها المحمرة نحو عمار وهي تستوعب أخيرا إنها لا تعلم كيف حدث كل هذا ومن المتسبب في طعن ليلى …

سمعت صوت والدتها تسألها عن عنوان المشفى لكنها لم تبالِ وهي تغلق الهاتف في وجهها وتنهض من مكانها تتجه نحو أخيها بملامح يملؤها التحفز والغضب حيث وقفت أمامه تطالع نظراته الجامدة بنظراتها الناقمة لتسأله بصوت بارد لا حياة فيه :-

” كيف حدث هذا ..؟! كيف طُعِنت ..؟!”

أجاب بنفس النبرة الباردة :-

” هي من طعنت نفسها ..”

سألته تصيح به بقسوة :-

” لماذا ..؟! لماذا فعلت بنفسها هذا ..؟! لماذا طعنت نفسها ..؟!”

وعندما لم تجد جوابا منه حيث ظلت ملامحه تحتفظ بجمودها ونظراته ثابته لم تهتز إندفعت تقبض على قميصه تصرخ به بوجع :-

” انت السبب .. أنت من أوصلتها الى تلك الحالة .. أنت من دمرتها …”

ثم إبتعدت عنه تشهق باكية بوجع شديد وهي تتذكر كل ما مرت به ليلى وما عانته وكيف نبذتها هي ووالدتها بكل قسوة ممكنة رغم إدراكهما لمدى معاناتها وعذابها مع عمار ..

ماذا ستفعل إن خسرتها حقا ..؟! كيف ستسامح نفسها إذا فقدت ليلى …؟! كيف ستغفر لنفسها تصرفاتها القاسية معها ..؟! ليلى كانت أختها وصديقتها وأقرب شخص لها … كانت رفيقتها في كافة مراحلها العمرية …

كيف فعلت بها هذا وكيف تخلت عمن كانت الأقرب لها ..؟!

انتبهت أخيرا الى صوت رنين هاتفها المستمر لتتجه بسرعة وتحمله تخبر والدتها بعنوان المشفى …

أغلقت هاتفها تتجه بأنظارها نحو عمار الذي غادر المكان لتجلس من جديد على الكرسي وقد شعرت بأعصابها تنهار تدريجيا فحاولت أن تسيطر على أعصابها في هذا الوقت الحرج ..

……………………………………………………………..

خرجت حياة من غرفة والدها وهي تكفكف دموعها بأناملها .. لقد تركته بعدما نام واطمأنت عليه فجلست على أحد الكراسي الموجوده على الممر بضعف سيطر على روحها وجسدها …

عادت بظهرها الى الخلف ورفعت بصرها تنظر الى السقف فوقها بشرود وعقلها يفكر بكل شيء يحدث معها ..

وضع والدها يؤلمها وحاجته للإطمئنان عليها تثقل من همومها وتضع حملا صعبا فوق كاهلها …

لا تعلم لمَ يحدث هذا معها مثلما لا تعلم لمَ تقدم ثامر لخطبتها بعدما أخبرته بوضوح إنها لا تفكر بالزواج حاليا …؟!

هي رفضته بشكل غير مباشر وهو كان مصرا على التقدم لخطبتها بل ونفذ ذلك دون إرادة منها …

هي تعلم إنه عريس رائع وزواجها منه فرصة لن تتكرر وربما لو جاء مبكرا لكانت وافقت بسعادة لكن هناك شيء داخلها يمنعها من الموافقة ..

ربما تلك المشاعر البدائية داخلها نحو الآخر والذي شغل عقلها وروحها دون إرادة منها هو من يمنعها عن ذلك فكيف ترتبط بثامر وعقلها مشغول بنديم ..

ألا يعتبر هذا خداعا ..؟! وماذا لو لم تستطع تجاوز تفكيرها بنديم ومشاعرها الغريبة نحوه ..؟! هل سترتبط برجل وهناك آخر يسيطر على مشاعرها وأفكارها ..؟!

ترقرقت العبرات داخل عينيها من جديد وهي تدعو ربها من أعماقها أن يجد حلا لكل ما تمر به فقد تعبت حقا ولم تستطع تحمل المزيد …

أخفضت بصرها نحو الأرضية تحاول أن توقف سيل دموعها الذي عاد ينزلق على وجنتيها من جديد …

كتمت شهقاتها بصعوبة وهي تنهض من مكانها وتتجه الى الغرفة من جديد حيث ذهبت الى الحمام الملحق في الغرفة وأخذت تغسل وجهها بالمياه الباردة عدة مرات قبل أن تجففه بالمنشفة ثم تخرج وتتجه نحو السرير الجانبي الصغير حيث جلست عليه وهي تحمل هاتفها عندما تذكرت أمر مصاريف المشفى في اليومين الأخيرين حيث لم تدفع شيئا جديدا ..

قررت أن تذهب في صباح الغد الى موظفة الحسابات وتعلم منها مقدار المصاريف وتحاول أن توفر المبلغ المطلوب بأي طريقة ممكنة …

تمددت بجسدها على السرير تغمض عينيها مقررة اللجوء للنوم والهروب من أفكارها المتعبة التي لا تنتهي مهما حدث ..

…………………………………………………………..

جلست صباح بجانب أختها المنهارة تواسيها وتحاول التخفيف عنها بينما كانت مريم تسير في وسط الممر ذهابا وإيابا وقلبها يكاد يتوقف من شدة الخوف على أختها …

نظرت الى والدتها التي تبكي بين أحضان أختها وغالية التي تشاركها البكاء بصمت .. والدها الذي يجلس على مسافة منهما بملامح واهنة يظهر الرعب عليها بوضوح من فقدان ابنته …

توقفت عن السير في منتصف المكان حيث رفعت عيناها الدامعتان نحو الأعلى تدعو الله أن يحفظ أختها ويجعلها تخرج إليهم سالمة …

عادت تخفض بصرها وهي تحاول السيطرة على دموعها وعدم البكاء فهي لطالما كرهت البكاء بحيث لم تكن تسمح لدموعها بالظهور مهما حدث …

إنتفضت من مكانها تركض نحو الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات يبتسم بخفة وهو يقول مطمأنا بعدما إلتف الجميع حوله يسألونه بلهفة عن وضعها :-

” اطمئوا لقد تمت العملية بنجاح … من حسن الحظ إن الطعنة لم تكن عميقة للدرجة اللي تجعلها تصيب أحد أعضائها الداخلية .. ”

تنهدت مريم براحة بينما صرخت والدتها تهلهل بسعادة والدموع عادت تتساقط من عينيها بغزارة ..

اتجهت مريم نحوها تحتضنها بقوة تشدد عليها وهي تشكر ربها الذي أنقذ أختها من موت محقق …

جلس الأب على الكرسي خلفه بوهن مستندا على فخذيه بكفيه غير مصدقا إن ابنته نجت سالمة …

بعد مدة من الزمن تم نقل ليلى الى غرفة العناية المشددة حيث ستبقى هناك لمدة أربعة وعشرين ساعة حتى تستقر حالتها ويتم نقلها الى غرفة عادية …

طلبت مريم من الجميع الرحيل مقررة البقاء مع أختها لترفض والدتها ذلك لكن صباح أقنعتها بضرورة المغادرة مع زوجها فوضعهما لا يسمح بالبقاء في المشفى حيث يحتاجان الى الراحة قليلا قبل العودة صباحا …

توجهت صباح نحو مريم بعدما أقنعت أختها بالرحيل حيث طلبت منها أن تظل بالمشفى كي لا تبقى لوحدها لكن مريم رفضت بتعنت تخبرها بأنها لا تحتاج أحدا معها ..

سارت غالية بجانب والدتها بعدما ودعت مريم حيث سمعت والدتها تخبرها بعدما ركبتا في السيارة التي يقودها السائق الخاص بهما :-

” اسمعيني يا غالية .. لا تخبري نديم بأي شيء … هل فهمت ِ ..؟!”

نظرت غالية إليها بعدم إقتناع بينما أصرت والدتها على ما تقوله حيث أضافت بجدية :-

” لا يجب أن يعرف بما حدث يا غالية .. يكفيه ما يمر به منذ خروجه .. لا داعي لأن نضاعف همومه يا ابنتي …”

صمتت غالية ولم ترد بينما أطلقت والدتها تنهيدة متعبة وهي تفكر بما فعلته ليلى وما هو قادم وسيحدث بعد هذا …

……………………………………………………….

في صباح اليوم التالي ..

جلست حياة أمام مي التي سألتها بقلق وهي تتأمل ملامحها المرهقة بوضوح :-

” هل أنتِ بخير يا حياة ..؟! تبدين مرهقة للغاية وحزينة أيضا …”

أجابت حياة بنبرة ضعيفة :-

” أنا متعبة للغاية يا مي ولا أعرف ماذا أفعل …”

سألتها مي بتوجس :-

” ماذا حدث يا حياة ..؟! هل عمي فاضل بخير …؟!”

أطلقت حياة تنهيدة طويلة تدل على مدى تعبها ثم أجابت بنبرة مرهقة :-

” لقد تقدم الدكتور ثامر لخطبتي وأبي مصر على قبولي الزواج منه …”

توترت ملامح مي قليلا وهي تهتف بجدية :-

” وأين المشكلة يا حياة ..؟! والدك يريد مصلحتك ..”

” لكنني غير مستعدة للزواج الآن يا مي وأنت تعلمين ذلك جيدا …”

قالتها حياة بجدية لتهتف مي بتعقل :-

” فكري في الأمر جيدا يا حياة وستجدين إن والدك معه كل الحق في إصراره على قبولك … الدكتور ثامر شاب محترم ولديه مستقبل لامع وهو يناسبك للغاية … صدقيني يا حياة أنا أتحدث هكذا لإنني أريد مصلحتك مثلما يريد والدك مصلحتك وسعادتك هو الآخر ..”

صمتت حياة قليلا تفكر في حديث صديقتها قبل أن تتكلم بتردد :-

” أنا مدركة جيدا إنه عريس مثالي ولا يمكن رفضه لكنني أشعر بعدم قدرتي على القبول .. كيف سأرتبط به وهناك آخر يشغل أفكاري يا مي ..؟! كيف سأفعل به هذا …؟!”

قالت مي بجدية :-

” يا حبيبتي أفكارك هذه ستختفي تدريجيا ما إن تقتربي من الدكتور ثامر وتتعرفي عليه عن قرب … لستِ اول من تعجب بشاب ويشغل تفكيرها يا حياة لكن هذا لا يعني أن ترهني حياتك لأجله … إمنحي نفسك الفرصة للتعرف على الدكتور ثامر جيدا يا حياة فربما تحبينه بل أنا متأكدة إنك ستحبينه وستدركين أيضا إن ما تشعرين به نحو ذلك الشاب هو مجرد إعجاب وقتي وإنتهى .. ”

لم تقتنع حياة بحديثها بل آثرت الصمت تماما لتتوقف مي عن الحديث وهي ترى النادل يضع كوبي القهوة أماميهما …

عادت بعدها تتحدث قائلة :-

” ما رأيك بحديثي إذا ..؟!”

تنهدت حياة ثم قالت أخيرا :-

” سأفكر بحديثك يا مي وأحاول أن أمنح نفسي والدكتور ثامر الفرصة للتقرب من بعضنا ..”

هتفت مي بسعادة وحماس :-

” وأخيرا يا حياة .. لقد أهلكتني معكِ يا فتاة …”

إبتسمت حياة بتصنع ثم قالت مغيرة الموضوع :-

” المهم لقد ذهبت اليوم وتحدثت مع موظفة الحسابات وعلمت إن نديم دفع مصاريف المشفى كالعادة وأنا يجب أن أعيد له ما دفعه …”

” وكم المبلغ الذي دفعه ..؟!”

سألتها مي بإهتمام لتخبرها حياة بالمبلغ وأضافت :-

” لا أعرف كيف سأتدبر المبلغ حقا لكن لا أريد أن يبقى له دينا في رقبتي …”

” ما رأيك أن أدفعه أنا ..؟!”

قالتها مي بجدية لترفض حياة بسرعة :-

” كلا يا مي .. تعرفين جيدا إنني لا أقبل بهذا …”

ردت مي :-

” ولماذا لا تقبلين يا حياة ..؟! أنت بمثابة أختي ولا توجد مشكلة في ذلك …”

قالت حياة بإباء :-

” حتى لو … لن أقبل يا مي ..”

صمتت مي قليلا ثم قالت بعدها بجدية :-

” حسنا بإمكانك الإقتراض مني إذا ..؟! سأعطيك المبلغ وتسددينه على مهلك .. وإياكِ أن ترفضي لإنكِ بكل الأحوال لا توجد لديكِ طريقة سوى هذه والأفضل أن تقترضي المبلغ مني وتدفعيه لنديم بدلا من عدم دفعه له .. ”

نظرت إليها حياة مفكرة إنها معها الحق في حديثها فمي صديقتها المقربة وبمثابة أخت حقيقية لها ولا مشكلة إن تأخرت قليلا في تسديد الدين بينما نديم غريبا عنها ولا تريد أن تتركه يدفع لوالدها مصاريف علاجه دون أن تردها بسرعة …

سألتها حياة بحرج :-

” ألن يؤثر المبلغ على ميزانيتك ..؟!”

ردت مي بسرعة :-

” ماذا تقولين يا حياة ..؟! بالطبع كلا … ”

أضافت بنبرة جادة :-

” بإمكاني أن أعطيكِ المبلغ الآن إذا أردت …”

منحتها حياة نظرة ممتنة صادقة وهي تحمد ربها على وجود مي في حياتها فهي لطالما كانت نعم الأخت والصديقة بالنسبة لها ..

………………:……:……………………………

أغلقت مريم الهاتف بعدما أنهت إتصالها مع والدتها التي أخبرتها إنها في الطريق الى المشفى ..

جلست على الكرسي بتعب وهي تقلب في هاتفها تقرأ بعضا من الرسائل التي وصلتها مساء البارحة ولم تنتبه إليها حتى الآن ..

رغم تعبها الجسدي الواضح كان شعور الراحة يسيطر عليها خاصة بعد زيارة الطبيب لأختها صباحا وطمأنته على حالتها وإخبارها إنها ستخرج مساءا الى غرفة عادية ..

رفعت وجهها لا إراديا عندما شعرت بأحدهم يتقدم تجاهها لتجده يسير بخطواته نحوها …

نهضت من مكانها بملامح إحتدت تماما ليتوقف هو مكانه متأملا نظراتها النارية التي على وشك أن تفتك به بل تحرقه حيا ..

ظل ثابتا مكانه وهو يراها تتقدم نحوه بنفس الملامح المثارة حتى وقفت أمامه تسأله بصوت هادئ لكنه يحمل في طياته الكثير :-

” ماذا تفعل هنا ..؟!”

رد بهدوء وثبات :-

” جئت للإطمئنان على زوجتي التي ترقد في الغرفة المقابلة لنا …”

” جئت لتطمئن عليها أم لتتسبب بالمزيد من الأذى لها …؟!”

قالتها بملامح سيطر عليها الحقد من هذا الرجل الذي دمر حياة أختها تماما لتسمعه يجيب بنفس الثبات :-

” أختك من تسببت بالأذى لنفسها .. كم مرة علي أن أخبرك بهذا …؟!”

بروده المستفز جعلها تفقد أعصابها كليا حيث إنقضت عليه تدفعه بكل قوتها الى الخلف تقبض بكفيه على ياقة قميصه تصيح به بصوت هادر مخيف :-

” أنت من دمرتها يا عمار .. أنت من تسببت بكل هذا الخراب والدمار في حياتها بل في حياة جميع من حولك … أختي كانت ستموت بسببك .. بسببك أختي وصلت الى أعلى مراحل اليأس لدرجة إنها حاولت قتل نفسها… مالذي فعلته بها ..؟! ما الشيء الذي فعلته بها وجعلها تصل الى هذه الدرجة من الضعف واليأس …؟!”

رد بنفس الهدوء والثابت دون أن يحاول إبعادها عنه :-

” لم أفعل شيئا سيئا كما تظنين … هي فقط من لم تستطع تجاوز حقيقة خسارة حبيب عمرها للأبد …”

لم تشعر بنفسها إلا وهي تنقض على رقبته تضغط عليها بكفيها محاولة خنقه وهي تصيح بحقد مخيف :-

” سأقتلك يا عمار .. سأقتلك وأخلص ليلى والجميع منك ومن شرك أيها النذل …”

وفي لحظة خاطفة كان يقبض على كفيها بقسوة محررا رقبته من قبضتها بسهولة ويلتف بجسدها النحيل عاكسا وضعيتهما حيث باتت هي محاصرة بين ذراعيه

من الأمام والحائط من الخلف ..

حاولت أن تدفعه بكل قوتها لكنه كان يقبض على كفيها بقسوة لتجده يتأملها بنظرات غريبة أرسلت القشعريرة في جسدها …

لم تكن نظرات متوعدة او غاضبة بل كانت نظرات راغبة متعطشة تشبه نظرات أسد جائع يقف أمام فريسته التي ينوي التلذذ بها بعدما إنتظرها طويلا …

همس أخيرا مقربا وجهه من وجهها فشعرت بأنفاسه الحارة تلفح جانب وجهها :-

” لو تعلمين كم سيكون موتي رائعا على يديكِ يا مريم ..؟! ما أجمل أن تتوقف أنفاسي بين يديكِ ويكون وجهك الفاتن آخر ما تراه عيني وصوتك آخر ما تسمعه أذني وأنفاسك آخر ما أشعر به قربي ..”

” ابتعد …”

همستها بضعف وعقلها يحاول ألا يدرك الحقيقة ..

هل وصلت به الدنائة إلى هذا الحد ..؟!

يرغب بها هي … أخت زوجته …

في كل مرة تكتشف شيئا جديدا عنه يضاعف من شعور البغض والنفور داخلها نحوه …

كانت تحاول أن تتحرر من قبضته خاصة وعيناه تطالعنها برغبة مخيفة ليهمس بصوت قاتم وملامح ضجت بجنون الرغبة :-

” عاشرت نساء بعدد شعري رأسي ولكن لم تستطع ولا واحدة منهم أن تحجم من حجم جنوني ورغبتي الشديدة نحوك …”

تجمدت أوصالها وسماعها إعترافه صريحا وقع على روحها كالصاعقة …

لطالما شعرت بذلك لكنها كانت تكذب شعورها في كل مرة …

حاولت دفعه بعيدا عنها لكنه كان أقوى منها وهو يهتف بصوت خافت وعيناه تحاصران عينيها بكل قوة ممكنة :-

” هل تتذكرين يا مريم أول مرة إلتقينا بها ..؟!”

وهي بالطبع لن تتذكر شيئا غير مهما هكذا أما هو فكان يتذكر ذلك اللقاء وكأنه حدث منذ دقائق .. يتذكر ذلك اليوم الذي رآها به لأول مرة .. شقراء صغيرة بملامح متمردة لا تتجاوز سنوات عمرها خمسة عشر عاما كانت كافية لأسره بقيد لا يتمنى الفكاك منه يوما ولن يفعل …

” بالطبع لن تتذكري لكنني أتذكره جيدا وكأنه حدث اليوم لا منذ سنوات عديدة ..”

لا تعلم لماذا شعرت بالمرارة تسيطر على نبرته وهو يتحدث لكنها لم تهتم حيث هتفت وهي تدفعه بوحشية :-

” ابتعد .. قلت لك إبتعد .. ”

عادت نظراته تسير على ملامحها بتأني تتفرس كل إنش بها فإرتجف جسدها برعب حقيقي مما ينتظرها على يديه ..

” منذ ذلك اليوم وأصبحتِ أجمل ما رأت عيني وأكثر ما يشغل عقلي وروحي وقلبي …”

صاحت بتلعثم :-

” مالذي تهذي به يا عمار …؟! اتركني حالا قبل أن أصرخ بصوت عالي يجلب الجميع هنا ..”

عاد يتأملها بصمت ونبضات قلبه المجنونة وصلت أوجها ومشاعره نحوها لم يعد يستطيع كبحها فقد بلغت ذروتها وبات هو على وشك الإنهيار صارخا بعشقها …

تجمدت أوصالها عندما وجدته ينحني تدريجيا نحو وجهها لتغمض عينيها بقوة وهي تحاول أن تفعل أي شيء يوقفه عن جنونه حتى شعرت بوجهه يسير على جانب عنقها الأبيض المرمري ثم يمر فوق شعرها الأشقر الطويل ..

” ارجوك ابتعد ..”

همستها بتوسل باكي ليستنشق رائحتها الرائعة المخدرة بقوة قبل أن يبتعد عنها ملقيا نظرة أخيرة مليئة بالعشق الجارف نحوها …

إبتعد عنها أخيرا لتسقط على الكرسي جانبها بإنهيار وما حدث قبل لحظة أفقدها كل سيطرتها على نفسها …

أخذت نفسها عدة مرات تحاول تجاوز ما حدث عندما سمعت بعد لحظات صوت أحدهم يتقدم لترفع وجهها المذعور نحوه فتجده أكرم ..

وكأنه جاء في وقته حيث إندفعت تركض ناحيته بلا وعي ترمي نفسها بين أحضانه تستجدي منه الحماية من ذلك الوحش المرعب الذي يقف بالقرب منهما ..

إعتصرها أكرم بين أحضانه مستغربا حالة الضعف التي هي عليها بينما شددت هي من ضمه بجسد يرتجف بقوة وروح على وشك الإنهيار …

نظر عمار إليهما بعينين حمراوين ووجود مريم بين أحضان أكرم كان كافيا لإحراق روحه الهائمة بها حد الهوس …

إعتصر قبضة كفه بقوة كادت تمزقه وهو يفكر بإنها ركضت إليه .. إحتمت منه بين ذراعيه .. إستنجدت به …

إشتعلت عيناه بنيران مخيفة تشي بالكثير القادم منه ليندفع خارجا من المكان بأكمله بسرعة مخيفة …

…………………………………………………………

جلست حياة بجانب والدها تتحدث معه في مختلف المواضيع عندما سألها فجأة :-

” هل قررت يا حياة ما ستفعلينه بشأن موضوع الدكتور ثامر ..؟!”

حدقت به قليلا ثم قالت بجدية وقد إتخذت قرارها أخيرا :-

” نعم يا أبي .. لقد إتخذت قراري .. أنا موافقة على الإرتباط به …”

تهللت ملامح الأب الذي قال بفرحة :-

” حقا يا حياة .. لو تدركين مدى سعادتي بقرارك …”

ابتسمت حياة بضعف ثم قالت بجدية :-

” لكنني أرغب بالتحدث معه في بعض الأمور قبل الإرتباط به رسميا ….”

اومأ فاضل برأسه متفهما ثم سمع صوت طرقات على باب الغرفة يتبعه دخول نديم الذي جاء بعدما اتصلت به حياة وطلبت أن تلتقي به في مكان مناسب كي تعطيه الأموال التي دفعها فأخبرها إنه سيأتي الى المشفى ..

ألقى التحية عليهما لترد حياة تحيته بهدوء وهي تتأمله من أسفل رموشها تحاول عدم التأثر بوجوده قربا منها ..

جلس نديم بجانب فاضل يسأله عن أحواله بينما تحججت حياة بضرورة مكالمة صديقتها فخرجت من الغرفة بسرعة محاولة التخلص من شعور التوتر الذي سيطر عليها بوجوده ..

” متى سأخرج من المشفى يا بني ..؟!بالتأكيد لن أبقى هنا الى الابد …”

قالها فاضل بضيق من وجوده في المشفى الذي طال كثيرا ليهتف نديم بجدية :-

” بقائك هنا أفضل لك يا عم … ”

هتف فاضل بهدوء :-

” صدقني لم يعد يفرق .. لم يتبقَ بالعمر سوى القليل بكل الأحوال ..”

” لا تقل هذا يا عم .. حفظ الله وشافاك ..”

ابتسم فاضل مرددا :-

” هذا حال الدنيا يا بني .. جميعنا سنرحل … المهم هي حياة … في السابق كنت أخشى الرحيل لأجلها أما الآن وبما إني سأطمئن عليها قريبا فلم يعد يهمني أي شيء … سأذهب وأنا مرتاح البال ..”

سأله نديم بتشكك :-

” ماذا تقصد يا عم…؟! ما بها الآنسة حياة ..؟!”

رد فاضل بفرحة عفوية وهو يريد أن يشارك أي أحد بسعادته :-

” لقد خطبها أستاذها في الجامعة البارحة وهي وافقت عليه أخيرا …”

لا يعرف لماذا شعر بضيق غريب داخله ما إن سمع الخبر .. ضيق إستهجنه فحاول إخفاءه وسيطر على ملامحه التي سيطر الوجوم عليها قليلا لا إراديا ..

رسم إبتسامه مصطنعة على شفتيه وهو يردد بملامح عادية متغاضيا عن شعور الضيق الذي سيطر عليه ما إن سمع الخبر :-

” مبارك لك يا عم .. سعدت كثيرا لأجلها …”

” أشكرك يا بني ..”

قالها فاضل بنفس السعادة ليهتف نديم بعد لحظات وهو ينهض من مكانه :-

” اسمح لي بالذهاب يا عم فلدي أعمال يجب أن أنتهي منها ..”

ثم خرج بعدما ودعه ليجدها تقف بجانب الغرفة تعلق بهاتفها عندما رفعت وجهها نحوه ما إن شعرت بوجوده فهتفت بسرعة وهي تخرج الأموال من حقيبتها الموضوعة جانبها :-

” تفضل … هذه الأموال التي دفعتها اليومين السابقين ..”

أخذ الأموال منها وهو ينظر إليها بملامح غريبة قليلا فسألته بتردد :-

” هل هناك مشكلة يا بك …؟! ”

لم تكن تدرك إنه كان يتمعن النظر في وجهها محاولا إيجاد أي تفسير لشعور الضيق الذي سيطر عليه تماما ما إن أخبره والدها بأمر خطبتها …

هتف أخيرا يهز رأسه نفيا :-

” كلا لا يوجد شيئا …”

أضاف بنبرة هادئة محاولة إزاحة أفكاره تلك جانبا :-

” مبارك خطبتك يا حياة …”

ردت بإبتسامة مهزوزة :-

” أشكرك يا بك … العقبى بك …”

عقد حاجبيه يتسائل :-

” ألن ننفق على أن تناديني بإسمي مجردا ..؟!”

أجابت بهدوء :-

” أنت من طلبت هذا ولكنني لم أفعل …”

سألها بدهشة :-

” لماذا ..؟!”

ردت بجدية :-

” هكذا أفضل .. يعني لا يوجد داعي لرفع الكلفة بيننا .. مهما حدث أنت الرجل الذي يعمل والدي لديه …”

” منذ متى وأنتِ تفكرين بهذه الطريقة ..؟!”

تجهمت ملامحها وهي تجيب :-

” ماذا تقصد ..؟! أليس ما أقوله صحيح …؟! ”

أردفت بلهجة جادة :-

” أنا لا أنادي أي رجل بإسمه مجردا مهما كان … ونحن لا توجد بيننا الصلة التي تسمح لي بمناداة إسمك مجردا …”

” لكنكِ لم تعترضي على ذلك عندما طلبت منك مناداتي بإسمي مجردا تلك المرة …”

أومأت برأسها وردت بفتور :-

” لم أنتبه حينها الى عدم صحة ذلك .. ”

هتف بصوت خرج عاديا :-

” على العموم انا قلت هذا لإننا تحدثنا لأكثر من مرة سويا فظننت إننا أصبحنا بمثابة أصدقاء …”

قاطعته بهدوء :-

” لا توجد صداقة بين رجل ومرأة .. طبعا من وجهة نظري وبناء على ما إعتدت عليه في مجتمعي الذي تربيت فيه …”

فهم إلامَ ترمي فهز رأسه متفهما ثم قال :-

” لكِ ما تريدين يا حياة … عفوا آنسة حياة …”

شعر بالألم يغزو قلبها وهي تفكر إنه من الآن فصاعدا لن يجمعهما أي شيء حتى الأحاديث العابرة …

إبتلعت غصتها داخل حلقها وهي تسمعه يقول :-

” عن إذنك … يجب أن أذهب الآن …”

أوقفته بتردد :-

” نديم بك … انتظر من فضلك …”

نظر إليها مستغربا طلبه لكنه لم يتحرك من مكانه فهتفت وهي تفرك يديها الاثنتين بتوتر :-

” أعتذر إن كنت تحدثت بطريقة جافة قليلا معك لكنني متوترة قليلا بسبب أحداث اليوم التي يبدو إنها آثرت على مزاجي …”

” لا عليكِ .. لقد سبق وإن تحدثت معكِ بنفس الطريقة بل أسوأ منها …”

أضاف بعدها :-

” هل هناك مشكلة ما يا حياة …؟! يعني لمَ أنتِ متوترة الى هذه الدرجة …؟! من المفترض أن تكوني سعيدة في يوم كهذا …”

لا يعلم لماذا تحدث هكذا وقد نهر نفسه على ما قاله … هو يتدخل في شؤونها بشكل يستغربه هو شخصيا لكن هناك شيء ما داخله أجبره على قول هذا وكأنه يريد معرفة الكثير منها … الكثير مما لا يعلمه ..

رفعت عينيها نحوه فوجد الدموع تشكلت داخلهما لتخفضها بسرعة وهي تجيب بإضطراب محاولة السيطرة على دموعها :-

” لا يوجد شيء .. أنا بخير … فقط الضغوطات من حولي تؤثر علي قليلا ..”

أزعجته تلك العبرات داخل عينيها ونبرة الضعف التي خرجت منها فقال بسرعة وإهتمام :-

” أية ضغوطات بالضبط …؟! أخبريني بما يحدث معك وأنا سأساعدك…”

رفعت وجهها الحزين نحوه وردت بضعف وهي تتمنى داخلها لو تخبره بما تشعر به حقا وتعانيه :

” لا تقلق… مجرد ضغوطات ستنتهي قريبا … ”

أكملت بعدما مسحت وجهها بكفيها :-

” المهم أن أطمئن على والدي ويصبح بخير …”

” هل أنتِ متأكدة إنها مجرد ضغوطات ستنتهي قريبا …؟!”

سألها بجدية وهو يشعر إن هناك شيء ما تود إخباره به لكنها مترددة .. نبرة صوتها ونظراتها المترددة جعلته يشعر بذلك ..

حدقت به بصمت قليلا ثم هتفت بجدية :-

” كما أخبرتك … وضع والدي الصحي يضغط علي كثيرا … ”

لم يشعر بنفسه الا وهو يضع كفه على ذراعها يربت عليها برفق يخبرها بصدق :-

” فقط تذكري إنني موجود معكِ متى ما إحتجتِ أي شيء …”

رفعت نظراتها الدامعة نحوه من جديد تتمنى لو ترتمي بين أحضانه تشكو مشاعرها نحوه والتي تتأكد كل يوم جديد يمر من مدى صحتها …

في تلك اللحظة تأكدت إنها مغرمة به … غارقة به … عاشقة له وكم تمنت لو تخبره حقا بما تشعر به نحوه …

همت بالتحدث لكن صوت رنين هاتفه أوقفها عن ذلك ليجد رقما غريبا يتصل به …

رد على الرقم فورا فأتاه صوت مريم يهدر به :-

” أين أنت يا نديم بك …؟! أختي كادت أن تموت لأجلك .. ليلى حاولت الإنتحار لأجلك يا بك وأنت لا تفعل شيئا سوى الإنعزال في شقتك والبكاء على أطلال الماضي … أنت سبب كل ما حدث لها وما عانت منه ويجب أن تفعل شيئا لها بدلا من تجاهلك لها بهذه الطريقة الحقيرة ..”

google-playkhamsatmostaqltradent