رواية اغصان الزيتون كاملة بقلم ياسمين عادل عبر مدونة دليل الروايات
رواية اغصان الزيتون الفصل التاسع عشر 19
“گشُعلةٍ بقيت متقدة، حتى حرقت مرقدها.”
____________________________________
بُهتت “رضوى” ، وتلك المعالم المبتسمة على وجهها تبعثرت، وقد حلّ الوجوم عليها وهي تردد بإستغراب :
– عـناني؟.
– إنتـــي شـغالة في مكـتب عـنانـي! ؟.
كان ذلك صوتهِ الجهوري وهو يندفع بالدخول من الخارج، فـ التفتت رأس “سُلاف” گالتي تفاجئت بتواجده :
– إيه ده لحقت تخلص إجتماعك؟.
وقف أمامها وهو يهدر بصوتهِ :
– ردي عليا؟!.
أومأت رأسها بالإيجاب حينما وزعت “رضوى” نظراتها المتوترة عليهم، فـ أطبق “حمزة” أصابعهِ على ساعدها وجرّها من خلفهِ :
– قومي معايا، الكلام مش هينفع هنا.
فـ هرعت “رضوى” من خلفهم وهي تصيح بسؤالها :
– مستر حمزة في عميل معاده بعد نص ساعة.
فـ آتاها ردهِ وهو مستمرًا في السير للأمام دون توقف :
– قوليله يستنى.
مضى بها حتى بلغ الباب الرئيسي، فـ رأى “عِبيد” واقفًا أمام الباب من الخارج، مُكتفًّا ساعديه أمام صدره، وما أن رآهم حتى وقف منتصبًا مستقيمًا، وعيناه على عيني “سُلاف” التي غمزت له بنصف عينها، فـ تفهم أمرها بـ إفساح الطريق أمامهم. زجرهُ “حمزة” بإشتعالٍ وهو يمر من جواره، ومازال يسحبها من خلفهِ سحبًا، وهتف بصوتٍ أجش :
– إخفى من وشي دلوقتي.
فتح باب المصعد وأدخلها أولًا، ثم دخل وهو يهتف ممتعضًا :
– ده انتي ليلتك طين النهاردة.
**************************************
خرج “شاكر” من مؤسستهِ العريقة، متجهًا نحو سيارته حيث السائق في انتظاره؛ لكنه توقف بمحلهِ مع رؤية “صلاح” بالقرب من سيارتهِ. كظم مشاعر العدوانية التي تأججت بصدرهِ، وأحاد بوجهه عنه وهو يتابع سيره حتى بلغ سيارته، وقبل أن يتفوه كلمة واحدة كان “صلاح” يستبقه :
– عارف عايز تقول إيه، بس أنا عشمان تعمل حساب العيش والملح وتدينا فرصة نتكلم بهدوء.
كأن نظرتهِ حملت شيئًا من الإحتقار، وهو يتنازل عن رفضهِ مقابل السماع لما أتى خصيصًا ليتحدث بشأنه :
– عايز تقول إيه ياصلاح؟.
– نروح مكان نتكلم أحسن.
أشار “شاكر” للسائق كي يبدأ قيادة السيارة حالما يستقر كلاهما فيها :
– أركب يا صلاح.
جلسا في الخلف بجوار بعضهما البعض، مع الحفاظ على وجود مساحة خالية، أشارت لحجم الفجوة التي اتسعت بينهم. لم يتحمل “شاكر” الإنتظار حتى يختلي به في مكانٍ ما، فتأفف بقنوطٍ وهو يسأله على مضض :
– موضوع إيه اللي عايز تكلم فيه يا صلاح؟.
شبك “صلاح” أصابعه سويًا، وعيناه متعلقة بالطريق السالك أمامهم وهو يتحدث إليه :
– كل اللي حصل كان سوء تصرف من إبني، أنا بعترف إن حمزة غلط، لكن برضو آ….
قاطعه “شاكر” غير متحمل سماع مبررات واهية، لم تروق له البتة :
– إنت جاي تبرر أنهي جوازة فيهم ؟؟.. جواز إبنك العرفي ولا الرسمي يا صلاح؟؟.
ثم التفت برأسه إليه وقد احتدت نبرتهِ وتضاعفت صرامتها :
– إنت وإبنك هتدفعوا تمن اللي عملتوه مع بنتي غالي أوي ياصلاح، أوعى تفتكر سكوتي ده ملهوش آخر!.
أحس “صلاح” بتأزم الأمر بينهما، فـ بدا عليه شئ من القلق وهو يسعى جاهدًا لفضّ بوادر العداء، قبيل أن تتطور الأمور وتخرج عن مجرى السيطرة :
– صدقني الموضوع مش زي ماانت متخيل.. البت دي فخ ومعمول لـ إبني وهو وقع فيه.
ابتسم “شاكر” هازئًا من زاوية فمه، وعقّب ساخرًا :
– ما تقولي إنها غصبته على الجواز بالمرة، ولا شربته حاجه صفرا!!.
واتقدت عيناه وهو يتابع :
– إنت جاي تستخف بعقلي يا صـلاح.
– أسمع ياباشا، أنا مش محتاج أستخف بيك ولا حاجه، لو أديتني فرصة هفهمك كل اللي حصل، بس أسـمع.
**************************************
دفعها لتسبقهُ في الدخول، وسط مراقبة “أسما” لما يحدث بترقبٍ وأعينٍ متشفية شامتة، صفع الباب من خلفهِ قبل أن يسحبها بـ بربريّة گالبهيمة، فـ تبسمت “أسما” وهي تهتف بـ :
– أكسرلها عضمها ولا رقبتها.
وتتبعتهم بنظراتها وهي تهمس بـ :
– مش هتفلتي بعملتك معايا يابنت الـ ××××
صفق باب غُرفتهِ عليهما، بعدما أدخلها بهمجية منفعلة. رمقها بنظراتٍ مُسعّرة، بعدما اعتقد إنه كشف سرّها، وقد بنى خيالات في رأسهِ أُسسها أن “عناني” وراء كل ما وقع وهو المُخطط له. بقيت “سُلاف” محافظة على اتزانها الثابت، حتى إنها جلست على فراشهِ وأسندت يدها عليه، ثم أردفت بعتابٍ متغنج :
– سريرك حلو أوي، بقى سايبني أنا وأبنك في الأوضة الوحشة دي وأنت هنا لوحدك!.
گشُعلةٍ بقيت متقدة حتى حرقت مرقدها، كان يزجرها بعنياه گالذي سيهجم هجومًا شرسًا عليها، واقترب منها بتؤدة وزأر بصوته سائلًا إياها :
– عناني هو اللي خططلك كل ده مش كده؟.. لقى قدامه منافس مش قادر عليه فـ قال يشيله من سكته بالطريقة الرخيصة دي.
قطبت جبينها بإستنكار، وعيناها ابترعت في تمثيل الذهول، وهي ترمي بكلماتٍ قصدت بها التلميح بشأن صفقاته وعملياتهِ الغير مشروعة :
– أنت بتقول إيه؟؟.. أستاذ عناني راجل محترم وملهوش أي طرق مشبوهه، وعمره ما كان يعرف باللي بينا.
نبشت بأظافرها بقايا صبرهِ المحترق، فـ اهتاج بـ صوتهِ وهو ينتشلها من على الفراش، كي يهزّها هزًا عنيفًا بعد ذلك :
– هو إيــه اللي بينــا يا ×××××.. حتة واحدة قابلتها في الضلمة مش معروفلها أهل ولا أصل، أنتي مصدقة نفسك يابت!.
بقى هدوئها المستفز حيًا على ملامحها، وهي تردف بـ إستهجان :
– أخس عليك ياحمزة، أنت عمرك ما كنت عصبي كده.. ده انا لما عرفتك آ….
قطعت حديثها في منتصفه وابتسمت بعبثٍ خبيث له مغزى، وتابعت بصوتٍ خافت :
– كنت حد لطيف أوي وحنين جدًا معايا، إيه اللي جرالك يابيبي؟.
دفعها بعدما تركت أصابعهِ أثرًا على جلدها، وما زال في حالةٍ من العصبية المفرطة :
– دفعلك كام عشان تلعبي عليا؟.. أنا مستعد أدفعلك أضعاف مضاعفة.
تشنجت وهي تنهض عن الفراش، ولجأت لإتباع نفس أسلوبه المنفعل لمرة :
– قولتلك مفيش حاجه من دي.. ومش هتوصل لأي حاجه من اللي بتعمله عشان مفيش حاجه زي دي حصلت.. لازم تقبل بغلطك وتتعايش معاه ياحمزة.
ودنت منه وهي تُخفض صوتها قائلة :
– كان لازم هييجي يوم وتدفع تمن كل اللي عملته، حظك بقى إني أنا كنت التمن ده!.
ارتفع حاجبيه و :
– يعني معترفة إنك جايه تنتقمي مني!.
مسحت على كتفه وهي تجيب بدلالٍ لم يتحملهُ :
– خالص يابيبي، أنا بس مش لقمة سهلة تاكلها وترميها.
دفع يدها عن كتفهِ بـ ازدراء، حينما كانت تتابع :
– خصوصًا بعد ما بقيت حامل وأنت عمرك ما كنت هترضى الحمل يكمل، مكنش قدامي غير الأمر الواقع.
ابتسم مغتاظًا وهو يردف بـ :
– تقومي تكملي في حملك وتلبسيني أنا!.
تقوست شفتيها وهي تجيب ببراءةٍ مصطنعة :
– قولتلك كل واحد بيدفع تمن غلطهُ يابيبي.
أمسك برأسها بين قبضتيهِ، وكأنه يرغب في تكسيرها وتهشيمها، وأصابع الإبهام انغرزت في فكيها بشكلٍ آلمها بشدة :
– أول ما أوصل لحقيقتك هتخلص منك بأيدي، أنتي عارفه إن اللعبة دي مش هتنتهي غير بخلاص واحد فينا، والواحد ده مش هيكون أنا.
سحجت بأظافرها ظهر يديه، قاصدة ترك أثرٍ مغروز فيها، فـ انتشل يداه عنها بصعوبة وكأنها قِطة شرسة، ومع أول نظرة ألقاها على يديهِ وقد برزت فيهما خطوط مُدمية، احتقن وجهه أكثر وأكثر، وهوى كفهِ من أجل أن يصفعها صفعةٍ مخيفة، كادت تصطدم بصفحة وجهها لولا إنها أخفضت رأسها فـ تحاشتها، وسددت له نظرةٍ نارية وهي تحذرهُ بحسمٍ :
– إيـاك تفكر تعمل كده، والله لأندمك لو عملتها ياأبن القرشي.
لم يرجف لهُ جفن من تهديدها، بل أن ذلك دفعهُ لإنزال عقاب رادع ومهين عليها، فـ سحب رسغها وجرّها من خلفه نحو الغرفة الصغيرة بالزاوية المخصصة لإرتداء ملابسهِ، حاولت التملص منه إلا إنه كان قويًا كفاية لمنع ذلك. فتح الإضاءة، ثم فتّش بالدرج الخاص به وهو يتمتم بـ :
– أنا عارف الأسلوب اللي ييجي ما اللي زيك كويس.
تناول (مقص الأظافر)، ثم لوى معصمها خلف ظهرها يكاد يكسرهُ من فرط قوتهِ، فـ تآوهت تآوه مكتومة و :
– آه، حقيقي إنك مُختل!.
تبسم ابتسامة خبيثة وهو يردف بـ :
– كويس إنك اكتشفتي ده، يمكن تفكري في تصرفاتك معايا وتخافي على عمرك.
بدأ يُقصقص أظافرها ظفرًا ظفرًا، حتى إن بعض الأصابع قد تأذت بالفعل جِراء عُنفهِ المتعمد، بينما هي هادئة تمامًا، لم تحرك ساكنًا أو تعترض على ما يفعلهُ، كي لا تدفعهُ بنفسها للمزيد. أتقنت تجسيد الهدوء بينما داخلها نيران تنهش فيها، بضع دقائق قليلة حتى فرغ من مهمتهِ وتخلص من كل أظافرها، فـ تركها وانتصب واقفًا بعدما ألقى بـ (مقص الأظافر) بصندوق المهملات، وكأنه هدأ قليلًا بعدما ظن إنه كسر كبريائها :
– المرة الجاية هيبقى لسانك هو اللي عليه الدور.
تأملت “سُلاف” أصابعها وأردفت بـ :
– بس أنت كويس في موضوع قص الضوافر ده.
تبسمت مثيرة فيه نزعة الغضب من جديد متابعة :
– تبقى تقص لزين ضوافره بقى، أحسن بيغلبني عشان أقصها.
نظرت على أظافرها المُلقاه على الأرض، ثم زحزحتها بحذائها الأحمر وهي تردف بـ :
– خلي حد من الخدامين ييجي ينضف مكانك يابيبي.
وهمّت بالخروج وهي تسير بـ خيلاء حتى بلغت الباب، خرجت وتركتهُ مفتوحًا، وهو واقفًا بمحلهِ يفكر، كيف سيتجاوز الأمر، كيف سيصل لجذورها، وأين يجد طرف الخيط الذي سيمكنهُ من كشف الحجاب عن كل ما يجهلهُ؟!.
—جانب آخر —
ألقت “سُلاف” نظرة على أصابعها، بعضهم تأذى أذى فعلي مُسببًا لها الألم، فـ استشعرت وجوب الرد على فعلتهِ ردًا صارمًا. رغم كل ما سعّر صدرها، إلا إنها قررت التركيز أكثر على إنهائه، كل دقيقة تمرّ ستستغلها، حتى تبلغ ما تنشده بأسرع ما يمكن. تواجدها هنا وبقائها جانبه فترة أطول ليس في صالحها أو صالح الصغير أبدًا، لذلك سـ تُكثّف جهودها من أجل الإيقاع بهم وإنهائهم نهائيـًا.
أطالت النظر لملف القضية الذي احتفظت بصورتهِ على هاتفها، وتفحصت كافة التفاصيل حتى كوّنت رؤية واضحة عن القضية التي رفضها “حمزة”، ابتسمت بسخريةٍ وهي تجري مكالمة هاتفية، وهمست بـ :
– طبعًا لازم يرفضها! مش هو إبن صلاح!.
حمحمت وهي تردف بـ :
– أيوة ياأستاذ عناني، محتاجة أشوفك بخصوص موضوع مهم.. قضية جديدة ، قضية لازم نكسبها.
**************************************
تلوت شفتي “شاكر”، بعدما سمع تفاصيل ما حدث بشكل كامل من “صلاح”، بجانب بعض البهارات التي أضافها “صلاح” لكي تكون القصة كاملة في صالح “حمزة” ولدهِ، فـ يكتسب بذلك عطف “شاكر” ومساعدته. دعس “شاكر” سيجارتهِ وهو ينظر بإتجاه “صلاح”، ثم أردف بـ :
– المفروض بقى أصدق كل ده!.
– لازم تصدق ياباشا، أنا واحد عايش في أمان الله ولقيت المصيبة نازله على دماغي.. غلطة واحدة قلبت حياتنا كلنا.. صدقني اللي حصل كله من قبل ما حمزة يطلب منك ميان، ومن ساعة ما بقت البنت في حياته وإبني ملتزم عشانها.
نفخ “شاكر” بإنزعاج و :
– عايز إيه مني يا صلاح؟؟.. أكيد مش جاي تطلب مني الميا ترجع لمجاريها.
ابتسم “صلاح” بتملقٍ مفرط و :
– وليه لأ ياباشا، البت دي مش هتفضل مرات إبني على طول.. كل واحد هيروح لحاله بس أصبر عليا.
تغضن جبين “شاكر” بإمتعاض، وكشّر عن أسنانه وهو يهتف بـ :
– أنت أكيد اتجننت، أنا بنتي عمرها ما تكون زوجة تانية ياصلاح.. حتى لو إبنك طلق البت دي ورماها زي ما بتقول عمري ما هوافق.
ثم تحولت نبرته لأخرى ساخرة :
– لأ وكمان في عيل في النص ، وأكيد الواد ده هيفضل مع أبوه!.
سئم “صلاح” هذا الجدال الذي لم يؤتي ثماره، ونفذ صبره في محاولات طويلة لصدّ عدوان “شاكر” عنه :
– دي حاجه مش هنتكلم عنها دلوقتي، كل اللي عايزه تساعدني ياباشا، مش تقف في وشي.
ضاقت عينا “شاكر” حينما كان “صلاح” يتابع :
– أنا عارف إنك ورا مشكلة الضرايب اللي حصلتلي، وفي حاجات كتير تقدر تعملها، كل اللي بطلبه منك تساعدني أعدي أنا وإبني أزمتنا، وبعدها اللي تأمر بيه هنفذه.
فرك “شاكر” طرف ذقنهِ، ولم ينكر أبدًا صلتهِ بما حدث لـ “صلاح” مؤخرًا من كارثة ستكلفهُ الملايين :
– آه أنا اللي وراها، ولسه إبنك ليه معايا موال طويل.
نهض “شاكر” عن مكانه و :
– لكن لو كلامك صح وعايز فعلًا تخلص من البت دي، أنا هخلصك منها ، وبعديها هعرف آخد حق بنتي كويس أوي.
غادر “شاكر” المطعم الفاخر الذي جلسا به، في حين تنهد “صلاح” بعدما نجح في إبطال سمّ “شاكر”، وإن كان ذلك لفترة مؤقتة، سيفيده ذلك في التركيز للمراحل القادمة، حيثُ أن مواجهة تلك الأفعى سيستهلك منه مجهود مُضاعف، وعليه أن يكون خلف ولدهِ كتف بـ كتف، لتخطي هذه المصيبة المتحركة التي تتجول في منزلهم بكل راحة.
****************************************
كانت السماء قد أظلمت، والليل حلّ مُعتمًا كل الأجواء، حينما وقفت “سُلاف” بالمطبخ من أجل إعداد (رضاعة) الصغير “زين”. أغلفتها جيدًا ثم وضعتها بصحن مملوء بالماء البارد، حتى تهدأ سخونتها قليلًا فـ تتمكن من إرضاعهِ. التفتت تنظر إليه وهو جالسًا بعربتهِ، يحاول الوصول لتلك اللعبة المُعلقة، تبسمت “سُلاف” وهي تُقبل عليه، وداعبتهُ بلطفٍ حاني :
– قلب مامي هيتم أربع شهور خلاص، هه!.
حنت رأسها بإتجاهه، قبّلت وجنته وهي تردف بـ :
– لازم نطلع شهادة ميلاد عشان نروح نطعم بقى، مش كده.
أفتر ثغرها بإبتسامة باهتة وهي تقول :
– بابي هيطلعهالك في دقيقتين متقلقش، دي أسهل حاجه بالنسباله.
– يلا ياروحي.
خرجت من المطبخ وانتقلت به نحو الدرج، حينئذٍ كانت “أسما” تتفنن في مراقبتها، تطلعت إليها وهي تصعد الدرج ورضاعة الصغير بين يدها، فـ تجهم وجهها وقد ساورتها بعض الشكوك، حتى وصل الأمر لديها بالشك في حقيقة انتساب الرضيع لها، قد تكون ليست أمه الحقيقية، وإلا لماذا لا تُرضعه رضاعة طبيعية؟.. ثمة شائبة في الأمر أحست بها، فلم تدخر وسعها لنبش الأمر وكشف حقيقته. بحثت في هاتفها الشخصي عن الشخص المناسب الذي سيفيدها في أمرٍ گهذا، ثم اتصلت به على الفور :
– أيوة يادكتور مؤنس، ياريت تجيلي محتاجة منك حاجه ضروري جدًا، لأ مينفعش ، لازم تيجي بنفسك.
**************************************
بعد قضاء ساعات طويلة بالخارج، عاد منزله من أجل تبديل ثيابه ثم الخروج مجددًا، علهُ يستطيع الليلة تخطّي حالتهِ النفسية المتقلبة. دلف “حمزة” غرفته، أغلق الباب وقذف بالسُترة على الفراش، ثم دخل لإنتقاء ملابس أخرى نظيفة. فتح الإضاءة، فـ حلّت الصدمة المفزوعة على ملامحه، خطف نظرة شاملة للمكان من حوله، وقد عمّت الفوضى كل أركانهِ. جميع ملابسهِ – بلا استثناء – مقصوصة لأشلاء، منثورة في كل مكان، سُتراتهِ، قمصانه، رابطات العُنق، بناطيلهِ، وحتى ملابسه الداخلية. كل شئ تحول لقطع مقصوصة وقد افترشت الأرض بكل الملابس. فرك وجهه مُصابًا بالشلل في التفكير، حتى لمع أمام عينياه (مقص الأظافر) الذي استخدمه صباحًا لعِقابها، موضوع أعلى الملابس كأشارة واضحة وضوح الشمس، گمن تقول له :- (بلى، أنا من فـعلت.)
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اغصان الزيتون ) اسم الرواية