رواية مالك المصري كاملة بقلم نسمة مالك عبر مدونة دليل الروايات
رواية مالك المصري الفصل الثاني 2
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
سمعت مقولة ذات مرة تقول:
“إنَّ العقلَ أبُ القلب، وإنّ القلبَ ابنٌ عاق، دع الأب يأدّب إبنه دائماً، حتى لا يضلّ!”..
و هذا ما ينوي “مالك” فعله مع حبيبته العنيدة التي لا تُبالي لعشقه لها على الإطلاق ..
تأهب جميع الحراس و سارعوا نحوا باب الفيلا الخارجي و قاموا بفتحه على مصراعيه لتدلف منه سيارة الوزير” غفران المصري ” الذي وصل للتو من السفر، كان” مالك” بطريقه للخروج سيارته لكنه توقف بمكانه، غادر سيارته و وقف باستقبال والده فور وصوله..
“حمد لله على السلامة يا معالي الوزير”..
قالها و هو يفتح له باب السيارة بنفسه، و عانقه فور خروجه منها، بادله “غفران” عناقه هذا بحب شديد ربطًا على ظهره ببعض القوة، أبتعد عنه و نظر له بأعين يملؤها الفخر مغمغمًا..
“الله يسلمك يا حضرة الظابط”..
رمقه بنظرة متفحصة و تابع بتسأل قائلاً..
” على فين العزم بدري كده إن شاء الله يا مالك باشا ؟!”..
حك “مالك” لحيته و هو يجيبه بابتسامة مشاغبة..
“عندي مشوار سريع كده هخلصه و هرجع على طول” ..
“أوعى تقول إنك رايح عند فارس؟”..
اتسعت إبتسامة” مالك” و حرك رأسه بالإيجاب و هو يقول ..
“حمايا حبيبي لازم أروح أصبح عليه “..
فتح” غفران” فمه ليتحدث لكنه أغلقه ثانيةً و اعتلت الدهشة ملامحه حين قالوا أبناءه “زين، فهد”طلاب بكلية الشرطة و” فارس” ثانوية عامة ..
“جاين معاك يا مالك”..
جاءوا يركضون نحوهما بخطوات مهرولة، وقفوا جميعهم أمام والدهم الذي يتطلع لهم بغضب مصطنع يخفي خلفه فرحته الغامرة بهم، و بهيئتهم التي تدخل على قلبه السرور، أطفاله الصغار أصبحوا رجال اشداء.. أقوياء يخطفون القلب قبل العين..
“حمد لله على السلامة يا وزيرنا يا غالي”..
نطقوا بها و هم يعانقونه واحد تلو الأخر، تنقل “غفران” بينهم بأعين متسعة مرددًا بذهول..
“كلكم صاحين بدري عشان تروحوا عند فارس!!”..
ضحك بتهكم مكملاً.. “ده على أساس أنه هيسمح لكم تعدوا من باب القصر الخارجي حتى!”..
نظر” مالك” لأشقائه بغيظ و تحدث بهدوء عكس غضبه المشحون قائلاً..
“أنا بس اللي هروح.. زين و فهد لسه راجعين من الكلية و محتاجين يرتاحوا و فارس هيقعد يذاكر “..
قاطعه”غفران”حديثه مردفًا بنفاذ صبر..
” لا أنت و لا هما هتروحوا.. فارس مش عايز يشوف حد منكم و أدى أوامر للحرس عنده لو لمحوا واحد فيكم ناحية القصر يطخوه بالنار”..
انبلجت إبتسامة شريرة على وجوه أبناءه الذين نظروا لبعضهم البعض و تحدثوا بنفس واحد قائلين..
“و مين قالك إن الحرس هيلمحنا! “..
أنهوا جملتهم و اختفوا من أمامه قبل أن يمنعهم عن تنفيذ مخططهم كعادته، ارتجل كلاً منهم سيارته، و انطلقوا خلف بعضهم نحو قصر الدمنهوري..
لم يستطيع” غفران ” كبح ضحكته حين قرأ ما يدور بذهن أشباله، وقف يُتابعهم حتى اختفت سيارتهم عن عينيه، مد يده لإحدى حراسه، ليُسرع الأخر و يعطيه هاتفه، أخذه منه و طلب رقم صديقه ليأتيه صوته على الفور يقول بتفهم..
“خير يا معالي الوزير؟ .. اشجيني!”..
قهقه “غفران” وهو يقول بأسف مصطنع.. “العصابة في الطريق إليك يا صاحبي”..
“و أنت صدقت أنهم جاين ليا أنا يا غفران!”..
تلفظ “فارس” بوابل من السباب بصوتٍ مكتوم حتى لا تصل تلك الكلمات البيئة لسمع بناته، ليرد “غفران” ببرود قائلاً..
“تربيتك يا حبيبي.. أنت كنت قدوتهم و مثالهم الأعلى في السفالة ولا نسيت و أديك بتحصد نتيجة تربيتك ليهم”..
اصطك” فارس “على أسنانه بغيظ كاد أن يهشمهم، و تحدث بغضب قائلا..”عندك حق و أنا بقي هعيد تربيتهم من أول و جديد”..
“هما جاين لك برجليهم أعمل فيهم اللي يريحك، و أنا هبقي أجي لك أخر النهار أشرب معاك القهوة و استلمهم منك”..
قالها” غفران “قبل أن يغلق الخط، و سار بخطي ثابته لداخل فيلته، لتقابله ابنته الوحيده “جنة” طالبة بكلية الطب، ركضت داخل حضنه، و تعلقت برقبته مرددة بصوتها الهامس الرقيق..”واحشتني أوي يا بابي”..
ضمها” غفران ” مقبلًا جبهتها بحب..
” حبيبتي أنتي اللي واحشتيني يا أجمل دكتورة”..
عقد حاجبيه و هو يتطلع لها، كانت ترتدي ترنج رياضي واسع من اللون الرمادي، و حذاء رياضي أبيض، رفعة شعرها الأشقر ذيل حصان لتتمرد بعض الخصلات على جبهتها و عينيها السوداء الواسعة التي تشبه أعين والدها..
“رايحة فين أنتي كمان بدري كده؟! “..
“رايحة النادي.. عندي تمرين “..
قبل “غفران” وجنتيها و هو يقول.. “طيب يا حبيبتي خلي بالك من نفسك و ارجعي على معاد الغدا عشان نتغدا سوا”..
أومات له و سارت من أمامه، ليُشير “غفران” لرئيس الحرس بعينيه أن يذهب هو معاها بنفسه، فنصاع لأمره في الحال، و أسرع بفتح باب السيارة لها، لتصعد “جنة” بالمقعد الخلفي، أغلق الباب خلفها و دار حول السيارة و جلس بمقعد السائق و انطلق بطريقه متجنبًا النظر بالمرآة حتى لا تتقابل عينيه بأعين تلك ال “جنة”..
“حمد لله على السلامة يا حسن”.. همست بها “جنة” بصوتها الذي يُزلزل كيانه، قبض على المقود بقبضة يده كاد أن يحطمها، و رسم الجمود على ملامحه و تحدث بلهجة جادة. قائلاً..
“الله يسلمك يا فندم”..
قالت “جنة”بعتاب ..
“أيه فندم دي!!.. قولتلك قبل كده قولي يا جنة زي ما أنا بقولك يا حسن و لا تحب أقولك يا حضرة الظابط؟ “..
“سيادتك تقولي اللي أنتي عايزة”..
نفخت بضيق من طريقته الجافة معاها كلما حاولت إظهار إعجابها به، خطر على بالها فكرة جعلتها تبتسم بخبث، واعتدلت بمقعدها حتى أصبحت خلفه مباشرةً، أنفاسها تلفح ظهره من شدة قربها منه، تطلع له بالنعاس الذائب على أهدابها، و همست اسمه بدلالها المُسكر ضاغطة على كل حرف و كأنها تتذوق حروفه..
” حسن!”..
رفع يده و مسح بها على شعره بحركة خاطفة كانت كفيلة لترى “جنة” تلك الحلقة المعدنية الجديدة الموضوعة حول أصبعه، حينها شعرت بصدمة شلت كل أطرافها، جف حلقها و بهتت ملامحها وكأن الدماء انسحبت من عروقها..
“أنت خطبت!!”..
ساد الصمت بينهما قليلاً، كان قد توقف” حسن”داخل النادي، و مثل انشغاله بصف السيارة مردفًا بابتسامة زائفة..
“أيوه سيادتك.. عقبالك”..
جملته هذه كانت بمثابة صفعة دامية هبطت على وجهها، تبدلت ملامحها للنقيض و كأنها قد استعادة وعيها و أدركت أنها كانت مخطئة بحق نفسها حين وقعت في شباك حب من طرف واحد..
كانت شاردة بذهنها و لم تنتبه لباب السيارة الذي فتحه لها “حسن”، لم تفق من شرودها سوي على صوته الأجش يقول بعملية باحته..
“وصلنا سيادتك”..
استعادة شتات نفسها، و هبطت من السيارة وقفت أمامه تطلع له بنظرات خاوية، و تحدثت بلهجة جديدة كليًا قائلة..
” مبروك.. يا حضرة الظابط”..
………………………. صلِ على محمد…………..
بقصر الدمنهوري..
كانت “إسراء” في قمة غضبها بعد ما تفوهت به ابنتها الكبرى، لكنها تحدثت بهدوء تُحسد عليه قائلة..
“يعني أنتي مقدمتيش في الكلية اللي أمك دكتورة فيها ولا أي كلية هنا في مصر و قدمتي في كليات كلها برة مصر و اختارتي الكلية في البلد اللي عجبتك و المفروض هتجهزي ورقك عشان لازم تسافري خلال أيام و فارس عارف بكل ده و كان معاكي خطوة بخطوة و أنا أخر من يعلم ! “..
عضت “إسراء” على شفتيها السفلية بأسنانها بعدما أدركت أن غضب والدتها وصل لذروته و ما تراه منها الآن ما هو إلا هدوء ما قبل العاصفة..
“مامي إحنا مكنش قصدنا نخبي على حضرتك بس كنا متأكدين إنك مش هتوافقي “..
“اممم.. فبتحطوني قدام الأمر الواقع.. اللي هو يا أوافق على سفرك يا إما هتروح عليكي السنة مش كده؟”..
أومات لها “إسراء”، لتصرخ “إسراء” فجأة بوجهها أفزعتها هي و جميع من بالغرفة حين قالت..
” على جثتي.. سفرك برة مصر ده مش هيحصل إلا على جثتي يا بنت فارس”..
“استهدي بالله يا إسراء يا بنتي و بلاش تصرخي في وش البنت كده”.. قالتها” إلهام ” بنبرة راجية، لتنظر لها “إسراء” وقد تحول وجهها لكتلة حمراء من شدة غضبها، و تحدثت بذهول قائلة..
“سمعتي يا ماما.. سمعتي بنتي و أبوها عملوا أيه من ورايا..و أنا اللي قايمة نايمة بحلم باليوم اللي بنتي تدخل فيه الجامعة عشان تبقي معايا في الكلية قدام عنيا.. و لما يجي اليوم ده يبقى أسود يوم في عمري! “..
“ليه بتقولي كده بس يا ماما.. الكلية اللي قبلتني دي تعتبر من أكبر و أهم الجامعات في العالم و مبتخدش أي حد “..
رمقتها” إسراء ” بنظرة يملؤها الخذلان..
” جالك قلب تعملي كده من ورايا.. قلبك جامد أوي للدرجة دي و عايزة تسافري و تبعدي عني و عن أخواتك!! و بعدين مالها الجامعات في مصر.. ما أنا قدامك أهو كملت تعليمي و خت الشهادة و اتوظفت كمان بعد ما اتجوزت و خلفتك و خلفت أخواتك”..
نظرت لها ابنتها بنظرة يملؤها الغرور، تلك النظرة التى تُشبه نظرة زوجها..
” و حضرتك عايزاني أعمل زيك و اتجوز و أخلف الأول و بعدين أبقى أكمل تعليمي؟! “..
عقدت” إسراء “ذراعيها أمام صدرها و نظرت لها نظرة أم خائفة على ابنتها و هي تقول..” الواحدة مننا يا بنتي ملهاش إلا بيتها و جوزها مهما اتعلمت و خدت في شهادات بالذات لو ربنا رزقها براجل بيحبها و هيصونها و أنا و أنتي و كلنا عارفين إن مالك بيعشق تراب رجليكي و بيتمني رضاكي و مش هيمنعك إنك تكملي تعليمك و هبقي مطمنة عليكي و أنتي هنا جنبي”..
صاحت “إسراء “بانفعال بنبرة جادة لا تحمل الجدال قائلة..
“الجواز ده أخر حاجة ممكن أفكر فيها و يوم ما تيجي على بالي مش هيكون مالك الراجل اللي هرتبط بيه لأنه بنسبالي ابن صديق بابي و بس و عمره ما هيبقي أكتر من كده.. هو بقي مش راضي يقتنع بكده و مصمم يحبني هو حر لكن أنا عمري ما هحبه و هقوله الكلام ده في وشه عشان يشيلني من دماغه”..
كان ” فارس ” يقف مع رجال الحراسة المسؤلون عن بوابة القصر يتحدث بصرامة قائلاً..
” ولاد غفران ميدخلوش من باب القصر.. الباب ميتفتحش ليهم أصلاً و لو حد منهم حاول الدخول بأي طريقة امسكوه و كتفوه و ارموه في الاسطبل.. مفهوم؟ “..
“مفهوم يا فارس باشا”..
وصل صوت شجار زوجته و ابنته لسمعه فهرول بالسير لداخل القصر بخطي متسعة حتي وصل لهم و تحدث بقلق قائلاً..”صوتكم عالي أوي ليه كده! أيه اللي حصل لكل ده؟ “..
” أهلاً أهلاً بالراس الكبيرة “.. قالتها زوجته و هي تقترب منه و تدور حوله كالاسد الذي يستعد الانقضاض على فريسته، خبطت على ظهره بكف يدها ببعض العنف مكملة..
“كنت بتنيمني ننة و بتاخدني على قد عقلي لما قولتلك أني هقدم ل إسراء في الكلية عندي.. قولتلي أنا هقدم لها و متشغليش نفسك أنتي على وش ولادة و تروح مطواعها و تسيبها تقدم في جامعة برة مصر!”..
ترقرقت العبرات بعينيها و تابعت بصوتٍ تحشرج بالبكاء قائلة.. “عايز بنتنا تسافر و تبعد عننا يا فارس؟ “..
جذبها” فارس ” لداخل حضنه بلهفة رغم اعتراضها مغمغمًا..
” حبيبتي مين قالك أنها هتبقي بعيد عننا.. وقت ما تحبي تشوفيها هجهز لك الطيارة و نسافر لها كلنا سوا”..
“بنتي مكانها هنا جوه حضني.. إسراء مش هتسافر يا فارس”..
“و أنا كمان مش هسيبها تسافر يا حماتي”..
كان هذا صوت “مالك” الذي اقتحم الغرفة عبر النافذة جعل الجميع يصرخون ويقفزون بفزع، بينما” فارس” جن جنونه و ركض كالخيل الجامح نحو البندقية المعلقة على إحدي الجدران و هو يُصيح بصوته الجوهري..
” أنت بتطلع لي منين؟! نهار أبوك مش فايت يا مالك يا مصري!!! “..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مالك المصري ) اسم الرواية