Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السابع و الثلاثون 37 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

 رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السابع و الثلاثون 37

كانت الصدمة تسيطر عليهما وقد لاحظت الطبيبة فتنهدت قائلة :-
” حسنا يبدو إن الأمر كان صادما للغاية بالنسبة لكما ..”
أكملت مشيرة الى نانسي بجدية :-
” ما زال أمامك بضعة أيام يمكنك التفكير مجددا خلالها وحسم قرارك ولكن انتبهي بضعة أيام لا غير وإلا بعدها سيكون الإجهاض ممنوعا لتجاوز عمر الجنين المدة المسموحة لإجهاضه ..”
نظرت هايدي الى ملامح أختها الشاحبة تماما وسألتها بحذر :-
” ماذا قلت يا نانسي …؟!”
نظرت نانسي إليها بعينين تحملان نظرات مبهمة فارغة لا توحي بشيء قبل أن تنفض الغطاء الخفيف عنها وتهندم ملابسها ثم تغادر المكان بسرعة لتهتف هايدي معتذرة :-
” انا أعتذر حقا يا دكتورة .. هي ما زالت في طور الصدمة .. يجب أن أتبعها حالا ..”
ثم حملت حقيبتها وخرجت مسرعة تتبع اختها حيث تركض وراءها وهي تنادي عليها بينما نانسي تسير الى الامام والدموع اللاذعة أخذت طريقها فوق وجنتيها ..
ركضت هايدي تحاول إيقافها حيث وصلت إليها ووقفت أمامها بعدما قبضت على ذراعيها توقفها وهي تزجرها :-
” توقفي يا نانسي .. ماذا تفعلين بالضبط ..؟!”
تأملت دموعها الصامتة فهتفت بقهر :-
” لا تبكي من فضلك .. اهدئي ارجوك …”
همست نانسي بصوت مبحوح :-
” لا أبكي ..!! ألا ترين ما يحدث معي يا هايدي ..؟! كل شيء يسير ضدي … ”
” حسنا اهدئي ودعينا نفكر بعقلانية ..”
قالتها هايدي محاولة التخفيف عنها لكن نانسي صاحت باكية :-
” أي عقلانية تلك التي تتحدثين عنها يا هايدي ..؟! كل يوم يزداد الوضع سوءا.. الحفرة التي وقعت بها تزداد عمقا كل يوم حتى إنها بلعتني تماما .. ”
جلست على الكرسي جانبها ووضعت وجهها بين كفيها تبكي بحرقة …
تأملتها هايدي بألم فتراكمت الدموع داخل عينيها هي الأخرى لتجلس كالقرفصاء أمامها وهي تهتف بصدق :-
” انا معك وبجانبك .. سأساندك دائما وأدعمك في أي قرار تتخذينه .. انت لست وحدك يا نانسي.. انا بجانبك حبيبتي … ”
أضافت والدموع أغشت عينيها :-
” ارجوكي لا تفعلي هذا .. لا تنهاري .. صدقيني سنحل كل شيء وبالشكل الذي يرضيك …”
رفعت نانسي وجهها المحمر الملطخ بالدموع التي ما زالت تتساقط من مقلتيها وهي تردد بوجع :-
” تعبت يا هايدي .. تعبت كثيرا .. كرهت حياتي وكل شيء … ليتني أموت بدلا من هذا العذاب ..”
انتفضت نانسي من مكانها تردد بسرعة :-
” بعيد الشر .. لا تقولي هذا .. لا يوجد شيء يستحق أن تتمني الموت بسببه .. ”
همست نانسي بصوت باكي :-
” ألا ترين ما يحدث ..؟! أنا لا أعرف حتى ماذا أفعل .. لا أستطيع إتخاذ قرار حتى …”
انحنت هايدي نحوها مجددا تحيط وجهها الباكي بكفيها تهتف بها :-
” سنفكر سويا وسنتخذ القرار المناسب لك والذي يجعلك ترتاحين من داخلك .. وسأقولها مجددا … أيا كان قرارك فأنا معك … ”
نهضت نانسي من مكانها تحتضن أختها فتعانقها هايدي بقوة شديدة والدموع أخذت طريقها على وجنتيها هي الأخرى ..
همست هايدي وهي تشدد من عناقها :-
” انا جانبك دائما .. لا تخافي ابدا ولا تقلقي …”
شددت نانسي هي الأخرى من عناقها ولأول مرة تشعو بهذا الكم من المحبة الذي تحمله لها أختها الصغرى ..
بعد لحظات ابتعدت نانسي من بين أحضانها تهتف بصوت محتقن :-
” هايدي انا لا أعرف ماذا يجب أن أفعل بعد الآن لكن ..”
توقفت عن حديثها لتهتف هايدي تشجعها :-
” ولكن ماذا ..؟! قولي ما تريدين ولا تترددي ..”
همست نانسي بصوت ضعيف مبحوح بسبب البكاء :-
” أشعر داخلي إنني لا أريد الإجهاض ..!!”
………………………………………………………….
كانت الصدمة تسيطر على ثلاثتهم … راغب وراجي اللذين يقفان بجانب بعضيهما بملامح جامدة بعدما سمعا ما قالته تقى ومهند كذلك صدمته لا تقل عنهما مما فعلته وجرئتها اللامتناهية …
اما تقى فكانت تقف أمام راغب تتطلع إليه بتحدي تنتظر منه حديثا بينما هو ما زال يلتزم الصمت التام وعيناه تتأملانها بصمت غريب لكنه مهيب …
نظر راجي الى أخيه الصامت وهم بالتحدث لكن راغب سبقه قائلا بصوت شديد الهدوء :-
” انت حامل إذا …؟!”
ردت تقى بقوة :-
” نعم .. حامل من أخيك … ”
أضافت وهي ترفع التحاليل مجددا :-
” وهذا التقارير ..”
قاطعها ببرود :-
” هذه التقارير ليست مهمة .. ”
” ماذا تقصد ..؟!”
سألته بحدة ليرد ببساطة :-
” أنت أذكى بكثير من أن تكذبي كذبة كهذه وتدعي الحمل …!”
ابتسمت تقى بثقة تردد :-
” بالطبع .. انا حامل .. شيء كهذا لا يمكن الكذب فيه أساسا ..”
” نعم ، اعلم ذلك ..”
نهض مهند من مكانها متجاهلا ألم رأسه والدماء التي تهطل من منطقة خلف رأسه قائلا بغضب:-
” انت لا يحق لكِ أن تحملي مني دون علمي .. انت تعرفين إنني لا أريد طفلا …”
ردت عليه ببرود :
” والله هذا ما حدث .. وها أنا أقولها أمام الجميع .. انا زوجتك وأحمل طفلك .. وفعلتها عمدا .. ولا أخاف من قول هذا ..”
هم مهند بالتقدم نحوها بملامح متحفزة لكن راغب أوقفه بصوت حازم :
” توقف يا مهند .. ما تفعله ليس حلا ..”
أضاف وهو يتأمل تقى بجمود :-
” الهانم حامل .. سيصبح لديك طفلا منها .. هذا أمر واقع لا مفر منه ..”
” لا أريده .. انا لا أريد أطفالا من الأساس ..”
قالها مهند بغضب جامح ليرد راجي بغضب مماثل :-
” الحمل حدث وانتهى .. كلامك هذا لم يعد مناسبا بعد الآن ..!”
سأل مهند بحدة :-
” ماذا يعني هذا ..؟!”
رد راغب بجدية :-
” يعني كما قال راجي .. ما حدث قد حدث .. تقى تحمل طفلك وانت ونحن مجبورون على الإعتراف بذلك الطفل ..!!”
نظر له مهند بعدم تصديق بينما ابتسمت تقى بإنتصار ليشير راغب إليها :-
” وعلى أساس هذا سنفعل ما هو صحيح يا تقى ..”
نظرت له تقى بإهتمام تنتظر ما سيقرره ليهتف راغب بجدية :-
” كونك حامل بحفيد عائلة الهاشمي فعليك أن تتزوجي مهند بأسرع وقت بشكل رسمي ..”
أكمل يردد بإستهزاء متعمد :-
” فورقة زواجكما العرفي غير معترف بها وبالتالي ابنكما يعتبر ابن غير شرعي …”
ردت تقى بصلافة :-
” سيصبح شرعيا عندما نتزوج في المحكمة رسميا .. ”
ابتسم راغب بهدوء قائلا :-
” بالطبع يا تقى ..”
اكمل وهو يشير الى مهند هذه المرة :-
” أظن إن هذا الحل الوحيد والمنطقي .. أليس كذلك يا مهند ..؟!”
نظر مهند الى تقى بملامح جامدة بينما عقله يتوعد لها بالكثير ليهتف راغب :-
” الصمت أبلغ رد .. إذا سيتم عقد قرانكما قريبا …”
أضاف وهو يشير الى تقى :-
” وانت سوف تنتقلين الى القصر فورا .. ”
” حقا ..؟!”
هتفت بها بعدم تصديق ليرد راغب مبتسما ببرود:-
” راغب الهاشمي لا يمزح يا تقى .. عليك أن تدركي هذا منذ الآن طالما إنك ستعيشين هنا … ”
اومأت برأسها وعادت تبتسم بنفس الإنتصار بينما تبادل راغب النظرات مع مهند الذي بدا مصعوقا مما يحدث فهتف راغب بتهكم خفي مشيرا لأخيه الواقف جانبه :-
” اذهب وإفحص أخيك وداوي جرح رأسه الذي تسببت عشيقته به …”
نظر الى تقى مصححا بضحكة رائقة :-
” عفوا .. سأقول خطيبة بدلا من عشيقة كونك ستصبحين زوجته خلال أيام ..”
انهى كلماته وإختفت إبتسامته تحل محلها البرود وهو ينسحب خارج المكان تاركا راجي يتابع آثره بصمت قبل ان يتجه نحو أخيه وهو يمنحه نظرات مؤنبة …
………………………………………………….
ابتعدت من بين أحضانه وهي تبتسم بسعادة ليهتف بصدق :-
” إبتسامتك هذه تحديدا إشتقت لها ..”
” ماذا تقصد بإبتسامتك هذه ..؟!”
سألته وهي تبتسم مجددا ليرد بجدية :-
” تلك الإبتسامة الحقيقية النابعة من أعماق روحك .. عندما تبتسمين بسعادة فتظهر غمازتيك وتلمع عينيك بقوة ويشع وجهك نورا فتجبرين الشخص المقابل على الإبتسام بدوره ..”
” هذا كله يحدث عندما أبتسم ..”
رددتها وهي تضحك بعدم تصديق ليهتف بجدية :-
” عندما تبتسمين بصدق وسعادة حقيقية ..”
أضاف وهو ينهض من مكانه ويمد يده لها قائلا :-
” تعالي …”
وضعت كفها في كفه وهي تنهض معه ليسير معها حيث غرفتها فيدلف الى الغرفة ويجذبها لتقف أمام المرآة مرددا :-
” انظري الى المرأة …”
أضاف بعدما وجدها تنظر الى المرأة وهو يقف بجانبها يعانقها من الخلف :-
” والآن إبتسمي .. لا تبتسمي لإنني أريد ذلك بل لكونك سعيدة بوجودك معي ..”
التفتت نحوه تنظر إليه بعينين لامعتين ليهتف بجدية :-
” ابتسمي …”
ردت ضاحكة بخفة :-
” حسنا توقف .. لقد فهمت عليك .. ”
جذبها نحوه أكثر فبات جسدها يقابل جسده ليميل نحوها ويطبع قبلة دافئة على وجنتها ثم يبتعد عنها لتهتف بجدية :-
” هل تعلم ..؟! أشعر إن حياتي معك تشبه البحر .. كأمواجه تماما .. موجة هادئة تتبعها أخرى ثائرة وهكذا …”
” هل تعلمين إذا إنني إشتقت لجلوسنا سويا أمام البحر …؟!”
قالهت بصدق لتهتف بسرعة :-
” هنا ايضا يوجد بحر .. ما رأيك أن نخرج الى البحر … ؟! نسير جانبه ونتحدث كتلك الأيام … ”
وضع يده فوق جبينها لتهتف بعدم استيعاب :-
” ماذا تفعل ..؟!”
رد بجدية :-
” اتأكد من درجة حرارتك .. لست معتاد على هذه التصرفات منك …”
هتفت بضيق مصطنع :-
” لا تكن غليظا …”
أضافت بإبتسامة هادئة :-
” أخبرتك إنني تغيرت … لماذا لا تصدق هذا ..؟!”
ابتسم بدوره مرددا :-
” لا تلومنني .. ما فعلته حتى الآن ليس بقليل .. ”
اضاف وهو يرى الحزن يظهر في عينيها :-
” لا تنزعجي من كلامي .. انا فقط كنت اريد حدوث هذا من اول يوم .. لكن لا بأس ..”
ابتسمت مرددة بخفة :-
” ألا يقولون أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي …”
أخذ نفس طويلا ثم قال بصدق :-
” المهم إنك أتيتِ وستبقين معي ..”
سألته بسعادة :-
” ألهذه الدرجة تريدني معك ..؟!”
رد بصدق ظهر في عينيه ونبرة صوته :-
” نعم يا حياة .. هل تعلمين لماذا ..؟؟ لإن بدونك لا تكتمل الحياة يا حياة .. ”
وهنا ابتسمت مجددا ليقول بسرعة وهو يدير وجهها نحو المرآة :-
” انظري بسرعة …”
تأملت ملامحها فسألت بتعجب :-
” نظرت ولم أجد شيئا غريبا ..”
هتف بجدية :-
” بل هناك .. ألا ترين لمعة عينيك … ؟! غمازتيك ..؟! ألا تلاحظين إنفراج ملامح بشكل يجعل السعادة تنتشر في المكان ..”
التفتت نحوه تردد ضاحكة :-
” نديم .. انت تحلل ضحكتي …”
” لإنها أول شيء جذبني نحوك …”
سألت بدهشة :-
” كيف يعني …؟!”
رد مبتسما :-
” في بداية لقائاتنا .. في احدى المرات ابتسمتِ بنفس الطريقة .. إبتسامتك منحتني شعورا بالدفئ إفتقدته لسنوات .. كان شعورا غريبا علي للغاية كوني لم أشعر به لمدة طويلة .. تلك الإبتسامة كانت بداية تأثيرك علي .. وما زالت كذلك …”
ابتسمت بحب قبل أن تسارع وتعانقه وهي تتنهد بصمت فيشدد هو من عناقها بدوره مغمضا عينيه بسلام لا يحصل عليه سوى بجوارها ..!!
……………………………………………………………….
بعد مغادرة والدتهما قالت ليلى بجدية :-
” ماما معها حق .. انت يجب أن تنسى ما حدث كما يجب أن نفعل نحن ايضا …”
هتف أحمد بجدية :
” أعلم ذلك يا ليلى … هذا ما سأفعله أساسا .. والدتك دائما كان معها الحق …”
نظرت ليلى الى مريم بينما اكمل والدها بشرود :-
” كل ما يهمني منذ الآن فصاعدا هو أن أحافظ على عائلتي بوجود والدتك …”
توترت ملامح ليلى التي قالت بتردد :-
” بابا .. انت تعلم أن ماما لم تغير قرارها لكنها أجلته فقط ..”
رد أحمد بجدية :-
” نعم أعلم … ولكنني سأفعل المستحيل كي أجعلها تغيره ونعود كما كنا سويا .. عائلة واحدة من جديد ..”
أضاف وهو يشير إليهما بتأمل :-
” وأنتما ستساعداني في ذلك .. أليس كذلك ..؟!”
نظرتا الفتاتان الى بعضيهما قبل أن تعاودان النظر نحوه فترد ليلى أولا بعدما ابتسمت بخفة :-
” بالطبع بابا … نحن سنقف معك وسوف نساعدك …”
قالت مريم هي الأخرى :-
” وانا كذلك يا بابا ..”
” حفظكما الله لي ..”
قالها أحمد مبتسما بأمل قبل أن يضيف بتردد :-
” هناك شيء آخر أود قوله ..؟!”
” تحدث يا بابا .. نحن نسمعك …”
قالتها ليلى بجدية ليهتف أحمد بحذر :-
” أخوكما عبد الرحمن ..”
ظهر الضيق على ملامح مريم بينما سيطر الجمود على ملامح ليلى التي سألت مرغمة :-
” ما به ..؟!”
قال أحمد بخفوت:-
” عبد الرحمن لا ذنب له بأخطائي ولا ذنب له بتصرفات والدته .. هو يبقى أخوكما .. يحمل دمائي وإسمي مثلكما تماما .. أتمنى أن تحبانه حقا وتتجاهلان حقيقة إنكم لستم من نفس الأم .. في النهاية أنتم جميعا أولادي … جميعكم أخوة وانا أريد أن أراكم متحابين ..”
أضاف وهو يتنهد بتعب :-
” كما إنني أريد الرحيل وانا مطمئن على عبد الرحمن وطفلي القادم اذا أراد الله له المجيء ..أريدكما أن تعداني بذلك .. ستحبانهما وترعيانهما دائما كما تحبان وترعيان بعضيكما كي أموت وانا مطئمن عليكم جميعا ..”
قالت ليلى بسرعة :-
” بابا لا تقل هذا من فضلك .. أدامك الله لنا ..”
هتفت مريم تتبعها :-
” لا تفعل ذلك يا بابا .. نحن لا يمكننا تحمل خسارتك …”
ابتسم أحمد بهدوء قبل أن يشير الى ليلى :-
” انت الكبيرة يا ليلى … كبيرتهم من بعدي .. أريدك أن تعديني بذلك .. عديني أن تجمعي أخوانك دائما وأن تعتني بهم .. مريم وعبد الرحمن والطفل القادم وأن تبذلي جهدك للحفاظ على رباط الأخوة بينكم …”
قالت ليلى بعينين ترقرقت الدموع بهما :-
” لا تفعل يا بابا .. انت موجود وستفعل كل هذا بإذن الله ..”
” عديني فقط. …”
قالها بترجي لتردد بسرعة :-
” أعدك يا بابا ..”
نظر أحمد الى مريم وقال لها بترجي :-
” اتمنى أن تفكري في كلامي جيدا وتحبين أخيك فهو لا يستحق الكره ولا ذنب له بأي شيء …”
هزت مريم رأسها بصمت دون أن تنظر إليه ليهتف أحمد أخيرا :-
” أشعر بالقلق الشديد لأجله خاصة إنني لا أعرف عنه شيئا منذ أيام طويلة ..”
نظرت ليلى الى مريم بوجه شاحب وهي تتذكر أمر أخيها ووجوده في الطابق العلوي وإخفاء ذلك الأمر وما فعلته سهام عن والدها خوفا من تراجع صحته ..
…………………………………………………………
كانت تسير بجانبه أمام البحر ليلا … كلاهما صامت تماما …
تأملته حياة عندما جلسا على احدى المصطبات وهو يتأمل البحر أمامه بصمت لتبتسم وهي تسأله :-
” بم تفكر ..؟!”
رد بجدية :-
” أفكر في السنوات الماضية والحالية والقادمة وما ينتظرني ..”
” توقف عن التفكير في الماضي …”
قالتها بترجي ليلتفت نحوها قائلا بجدية رغم إبتسامته الهادئة :-
” الماضي جزء من الحاضر ومن المستقبل ايضا .. الماضي جزء لا يتجزأ من حياتنا .. لولاه ما كنا نعيش حاضرنا الآن …”
هتفت بجدية :-
” تحدث .. قل مالذي تفكر به ..؟! حدثني عما يدور في عقلك .. عما يضايقك ويؤلمك …”
تنهد وقال :-
” الأمر ليس سهلا كما تظنين … ”
قاطعته بجدية :-
” حاول على الأقل .. المرء يحتاج دائما أن يتحدث عما يدور داخله ويؤلمه ويؤثر به .. البوح بدواخلك سوف يساعدك كثيرا يا نديم .. ”
” أعلم ذلك ولكن البوح ليس سهلا أبدا … إضافة إلى إنه داخلي الكثير من الأمور المعقدة والمتشابكة لدرجة تجعلني لا أعرف ما سأقوله وكيف سوف أبدأ حديثي من الأساس …”
عادت تنظر الى البحر وهي تردد :-
” ماضيك كان عاصفا …”
ردد مؤيدا :-
” نعم .. عاصفا جدا ومظلما جدا …”
نظرت له تسأله بحذر :-
” ما أكثر شيء يؤلمك في ماضيك ..؟!”
نظر إليها ورد بعد لحظات حيث شردت ملامحه :-
” الكثير يا حياة … السنوات التي قضيتها في السجن وحيدا … شعور الظلم والقهر … لحظة الحكم علي بالسجن لسنوات بسبب جريمة لم أفعلها ولا أعلم عنها شيئا .. وجعي وآلمي وعذابي منذ تلك اللحظة وحتى اليوم .. الكثير يا حياة .. الكثير مما أعجز عن التفوه به أساسا ..”
” وليلى …؟!”
سألته بخفوت ليبتسم بوجع مرددا :-
” ليلى هذه تحديدا في كفة لوحدها …”
ردد بخفوت وبدا وكأنه قد نسي وجودها :-
” نصف أوجاعي كانت بسببها .. وما زالت كذلك لكن هذه المرة وجعي عليها … ”
ردد ضاحكا بمرارة :-
” سابقا كنت أتألم بسببها والآن أيضا أتألم بسببها ولكن لسبب مختلف تماما …”
” انت تلوم نفسك ، أليس كذلك …؟!”
سألته بعينين متألمتين ليلتفت نحوها وقد أدرك ما تفوه به فقال بسرعة :-
” حياة انا ..”
قاطعته بسرعة :-
” لا تتوقف يا نديم .. أنا أريد سماعك .. أكمل من فضلك .. هل تلوم نفسك بسببها ..؟!”
رد وهو يعاود النظر أمامه حيث البحر :-
” كل يوم .. دون توقف …”
أضاف وهو يطلق تنهيدة حارة :-
” ألوم نفسي لإنني لم أسمعها .. وألوم نفسي أكثر لإنني صدقت خيانتها … ”
اكمل وهو يستدير نحوها مجددا قائلا بصدق خالص :-
” لكن اقسم لك إنني حينها كنت تائها … وحيدا ضائعا مدمرا .. كنت في السجن وعندما علمت من غالية بخبر زواجها من عمار وسبب زيجتها لم أستطيع التفكير بشيء سوى إن الشيء الوحيد الذي كنت أعيش لأجله ذهب بلا عودة .. ليلى كانت الأمل الوحيد المتبقي لي لهذا صدمتي كانت قوية خاصة بعد وعودها الدائمة لي ببقائها جانبي .. لم أتخيل إنها تخلت عني وتزوجت عمار لأجل الأموال وعائلتها .. الصدمة كانت شديدة لدرجة جعلتني لا أرى شيئا سوى خيانتها .. سيطر علي شعور المرارة والخذلان حتى تمكن مني كليا وعندما خرجت فعلت المستحيل كي لا أراها ورفضت أن أسمعها خوفا من ضعفي أمامها .. خفت أن أضعف مجددا … صدقيني هذا ما حدث … خوفي من ضعف مشاعري أمامها جعلني أحاول إبعادها عني بكافة الطرق .. ”
” هل خطبتني لأجل ذلك ليضا ..؟!”
سألته بحذر ليقول بسرعة :-
” كلا يا حياة .. اقسم لك… انت وضعك مختلفا تماما .. عندما دخلت حياتي تغيرت بعض الأشياء .. غمرني شعورا جديدا بدخولك حياتي .. شعورا أردت التمسك به لذلك خطبتك بل وتزوجتك .. صحيح انا رأيت فيك الدواء ولكنني رأيت فيكِ الأمل أيضا والمستقبل … انظري انا لا أفهم حتى الآن طبيعة مشاعري نحوك لكن كل ما أدركه إنني بوجودك يغمرني الهدوء والسلام والسكينة وأيضا انت تمنحيني سعادة ودفء وطمأنينة .. هذه الأشياء إفتقدتها لسنوات وعادت بدخولك حياتي ..”
ابتسمت دون رد ليسأل بقلق :-
” هل ضايقك حديثي ..؟!”
ردت بسرعة :-
” ابدا .. انا أريدك دائما صريحا معي يا نديم .. صدقني مهما ضايقتني صراحتك فلن تجرحني على الأقل .. ما يجرحني هو كذبك علي وإدعائك ما لا تشعر به …هذا حقا سيجرحني بقوة ..!!”
…………………………………………………………..
في صباح اليوم التالي ..
دلف الى المشفى وهو يحمل باقة من الورد والشوكولاتة التي تفضلها .. سار حيث غرفتها في الطابق الثالث ليدلف إليها فيجدها نائمة بعمق…
تقدم نحوها ووقف يتأملها لثواني قبل أن ينحني نحوها يطبع قبلة دافئة فوق جبينها ..
وضع باقة الزهور على الطاولة جانبها وكذلك علبة الشوكولاتة ثم اتجه نحو الكرسي المجاور لها وجلس عليه …
بعد حوالي ربع ساعة سمع صوت باب غرفتها يفتح يتبعه دخول زهرة وتوليب عندما نهض عمار من مكانه ينظر لهما بضيق فألقت زهرة السلام وهي ترميه بضيق قبل أن تتقدم نحو جيلان تردد وهي تمرر أناملها داخل خصلات شعرها الناعمة :-
” صغيرتي .. ستصبحين بخير ان شاءالله …”
همست توليب وهي تتأملها :-
” وجهها يبدو أفضل من البارحة ..”
توقفت عن حديثها وهي تنتبه الى الطبيب الذي دخل تتتبعه الممرضة ليلقي التحية عليهم مبتسما قبل أن يتجه نحو جيلان ويوقظها كي يفحصها …
فتحت جيلان عينيها لتجده يتأملها مبتسما وهو يقول :-
” صباح الخير يا صغيرة .. هيا إستيقظي .. لقد نمت طويلا …”
رمشت جيلان بعينيها دون رد ليبتسم وهو يشير الى الممرضة :-
” تعالي وساعديني يا نور لنعدل وضعية مريضتنا .. بالتأكيد ملت من نومها طوال الوقت …”
إستسلمت جيلان للممرضة التي ساعدتها في رفع جسدها ليبدأ الطبيب بفحصها بينما زهرة تتأملها بحزن وكذلك توليب وعمار يقف قبالها ينظر اليها بصمت بينما جيلان مستسلمة تماما للطبيب الذي يفحصها بمساعدة الممرضة ..
انتهى الطبيب من فحصها مرددا :-
” كل شيء سليم .. الحمد لله على سلامتك يا جيلان …”
سألته زهرة بجدية :-
” متى يمكنها الخروج من المشفى ..؟!”
رد الطبيب بجدية :-
” مساء اليوم إذا أردتم ..”
” حقا ..؟!”
قالتها توليب بفرحة بينما أشار عمار الى الطبيب قائلا :-
” هل يمكننا التحدث خارجا ..؟!”
” بالطبع …”
قالها الطبيب بترحيب وهو يخرج من المكان يتبعه عمار والممرضة التي ذهبت لإكمل عملها بينما تقدمت زهرة نحو جيلان تحتضنها وهي تهتف بحنان فائض :-
” الحمد لله على سلامتك يا صغيرتي .. كدت أن أموت من قلقي عليكِ..،”
نظرت لها جيلان بصمت لتهتف زهرة وهي تحتضن وجهها :-
” انت بخير حبيبتي .. أليس كذلك ..؟!”
هزت جيلان رأسها بصمت بينما تقدمت توليب نحوها تبتسم وهي تسألها عن حالها :-
” كيف أصبحت الآن يا جيلان ..؟!”
ردت جيلان بصوت ضعيف ووجه خالي من التعابير :-
” بخير … ”
ابتسمت توليب وهي تجلس جانب بينما تعاود زهرة إحتضانها بحنو وجيلان جامدة تماما بين ذراعيها..
اما في الخارج وقف عمار يتحدث مع الطبيب الذي أخبره بضرورة عرضها على طبيب نفسي بأسرع وقت فهي بحاجة للعلاج النفسي وتحديدا العلاج السلوكي كما طمأنه على وضعها من الناحية الجسدية …
غادر الطبيب بعدها ليتنهد عمار بتعب عندما انتبه الى شيرين التي تقدمت نحوه وهي تحمل كيسا كبيرا ليهتف :-
” أتيت باكرا ..”
احتضنته بخفة وابتعدت عنه قائلة :-
” كيف حالها ..؟! هل إستيقظت أم بعد ..؟!”
رد بجدية :-
” إستيقظت .. زوجة عمها وابنته عندها ..”
هزت رأسهت بتفهم وسألته مجددا :-
” وكيف هو وضعها …؟!”
رد بجدية :-
” الطبيب يقول إن وضعها من الناحية الجسدية مستقر ولكن نفسيتها سيئة .. تحتاج الى علاج نفسي ..”
قالت شيرين بسرعة :-
” بالطبع تحتاج الى ذلك .. جيلان تحتاج لعلاج نفسي وفورا … ”
” سأبحث عن طبيبة أخرى غير طبيبتها السابقة …”
أضاف بقوة :-
” سأجلب لها أفضل طبيب نفسي في البلاد بل في العالم بأكمله ..”
قالت شيرين بجدية :-
” ما رأيك أن أتحدث مع منى زوجة أخي بشأنها ..؟! هي طبيبة نفسية وربما تساعدها ..”
” زوجة أخيك ..؟!”
قالها بقليل من الدهشة لتردد :-
” إذا لم يكن لديك مانع بالطبع …”
قال فورا :-
” وماذا عن أخيك ..؟! انت تعلمين ..”
قاطعته بسرعة :
” منى طبيبة نفسية يا عمار وهي تؤدي عملها … وليد لن يتدخل بشيء كهذا …”
اضافت بجدية :-
” انظر لا أقول هذا كونها زوجة أخي .. لكنها بالفعل تجيد عملها وقد ساعدت الكثير وعالجت عدة حالات مستعصية كما إنها شخصية لطيفة وحنونة وأظن جيلان ستتفق معها خاصة إن منى لديها طرقها الخاصة بالتعامل مع المرضى وجذبهم نحوها …”
صمت يفكر بكلامها قبل ان يقول :-
” حسنا .. تحدثي معها إذا ..”
ابتسمت ترد :-
” سأفعل ذلك وسأطلب منها أن تبدأ على الفور … جربها وإن لم تستفد منها يمكنك البحث عن بديل لها ..”
” اتمنى أن تستفيد منها حقا يا شيرين ..”
قالها عمار بتعب قبل ان يضيف :-
” تعالي نخرج الى الحديقة حتى تخرجان زوجة عمها وابنتها من عندها …”
هزت شيرين رأسها بتفهم وسارت جانبه حيث خرجا الى الحديقة يسيران جانب بعضيهما عندما سألها عمار بإهتمام :-
” ماذا يوجد داخل هذا الكيس ..؟!”
ردت شيرين مبتسمة :-
” بضعة أشياء اتمنى أن تعجب جيلان ..”
ابتسم دون رد عندما جلسا على احدى المصطبات يتبادلان الأحاديث ….
…………………………………………………………
كانت ليلى ومريم تجلسان بجانب بعضيهما تتناولان طعام الفطور وأمامهما تجلس والدتهما بينما يترأس والدهما الطاولة ..
رن هاتف مريم فرفعته تقول بسرعة :-
” هذه غادة .. تنتظرني في الخارج .. يجب أن أغادر ..”
نهضت من مكانها وهي تحمل حقيبتها لتسألها والدتها :-
” ستذهبين لشراء الملابس ..؟!”
ردت مريم بجدية:-
” نعم ، أحتاج ملابس جديدة فالدوام سيبدأ الإسبوع القادم ..”
أنهت كلامها وودعتهما وغادرت المكان عندما وضعت فاتن شوكتها جانبها وهمست قائلة لزوجها :-
” هناك ما يجب أن نتحدث عنه يا أحمد ..”
إلتفت نحوها أحمد يتطلع إليها بقلق ظنا منه إنها ستفتح موضوع الطلاق بينما توقفت ليلى عن تناول طعامها تتابع والدها بخوف عليه ..
قالت فاتن بجدية :-
” لقد حدث شيء ما أثناء فترة مكوثك في المشفى…”
سألها أحمد بقلق واضح :-
” ماذا حدث يا فاتن …؟!”
ردت فاتن وهي تنظر الى ليلى :-
” جاءت سهام الى هنا وتركت ابنها عندنا …. ”
تجمدت ملامحه لعدة لحظات قبل أن يهتف بدم استيعاب :-
” ماذا تقولين ..؟!”
تحدثت ليلى هذه المرة :-
” نعم يا بابا .. لقد أتت بعد دخولك المشفى وتركت الصبي عندها بعدما قالت إنها لا تريده وإنها ستتركه لك وحتى أخيه القادم ستتركه عندك بعدما تنجبه …!!”
هتف بنفور :-
” الحقيرة عديمة الضمير …”
” بابا لا تزعج نفسك .. يعني هي تفعل هذا بسبب غضبها منك كونك طلقتها …”
التفت نحوها مرددا من بين أسنانه :-
” بل تحاول لوي ذراعي بتصرفها هذا … تريد مني أن أسجل أشياءا بإسمها هي وعبد الرحمن والطفل القادم ..”
” لا بإسمها ولا بإسم غيرها .. كل شيء سيعود بإسمك يا أحمد وهذا سيجعلها تتراجع عن قرارها … ”
رد وهو يلتفت نحوها :-
” ولهذا انا سأفعل العكس .. ”
” ماذا تعني ..؟!”
سألته فاتن بتجهم ليرد احمد بقوة وهو يتطلع الى ليلى هذه المرة :-
” يعني كل شيءسيبقى كما هو .. كل أملاكي وأسهم الشركة ستبقى بإسم ليلى ومريم … ”
صاحت فاتن برفض :-
” ما هذا الكلام ..؟!”
رد احمد بجدية :-
” انا أدرك جيدا ما تفكر به سهام ..، تظن إن بطريقتها هذه ستلوي ذراعي وتجبرني على فعل اي شيء لإصلاح ما حدث …”
” لا تنسى إنها أم إبنك … وهناك طفل آخر ستنجبه بعد أشهر .. يعني هي والدة طفليك وانت مجبر على إصلاح موقفك معها لأجل طفليك على الأقل …”
رد احمد بتعنت :-
” هذا الشيء لا يتم فعله مع إمرأة كسهام .. أي أم تلك التي تترك ابنها عندكم بهذه الطريقة ..؟! أم مثلها مستعدة للتخلي عن أطفالها في سبيل تحقيق مصالحها …”
قالت فاتن بجدية :-
” ربما تفعل ذلك لأجل إستعادة حق طفليها .. ربما هي مجبرة على التخلي عنهما لفترة لأجل ذلك ….”
” كفى يا فاتن .. كفي عن النظر الى الجميع بعين واحدة .. سهام كل ما يهمها مصلحتها … ”
” لا تظلمها يا احمد … في النهاية هي أم وبالتأكيد تريد حماية حق أطفالها …”
قالت بجدية ليردد بتحدي :-
” وإن أثبت لك العكس ..؟! ماذا سنفعل حينها ..؟!”
نظرت له بصمت ليرد بقوة :-
” انتظري يا فاتن وستدركين إن كلامي عنها صحيح .. سأثبت لك ذلك قريبا وحينها سأبعدها عن حياتي تماما وعن حياة أبنائي أيضا ..”
نظرت له فاتن بعدم تصديق بينما نهض هو من مكانه يهتف :-
” سأذهب لأرى عبد الرحمن .. أساسا اشتقت له كثيرا .. من الجيد إنها فعلت ذلك وتركته عندنا …”
تأملته فاتن وهو يغادر لتسأل ليلى :-
” إلام يخطط أبيك يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى بعدم معرفة :-
” علمي علمك…”
ضمت فاتن قبضتيها أسفل ذقنها بقلق بينما زفرت ليلى أنفاسها وأخذت تفكر فيما قاله والدها …
…………………………………………………………
خرجت زهرة مع توليب من الغرفة لتجدان عابد أمامها فهتفت زهرة تتسائل :-
” ماذا تفعل هنا منذ الصباح يا عابد …؟!”
رد عابد بجدية :-
” أتيت لأرى إبنة أخي وأتحدث معها يا زهرة ..”
” ولكنك ما زلت متعبا يا بابا …”
قالتها توليب بقلق ليرد عابد بجدية :-
” انا بخير يا ابنتي .. لا تقلقي …”
” السائق من جلبك ..؟؟”
سألته زهرة ليهز رأسها فعادت تسأله :-
” هل أنت بخير ..؟! لم يكن عليك مغادرة فراشك باكرا بعدما حدث البارحة ..”
رد عابد بقوة :-
” انا بخير للغاية يا زهرة .. يمكنكما المغادرة وأنا سأتحدث مع جيلان ثم أغادر …”
هتفت زهرة بسرعة :-
” سأنتظرك هنا ..”
رد عابد بسرعة :-
” غادري يا زهرة مع ابنتك .. انا سأتحدث جيلان ثم أعود الى المنزل مع السائق الذي ينتظري في الأسفل …”
هزت زهرة رأسها بتفهم ثم رحلت مع ابنتها ليدلف عابد الى الغرفة فيجد جيلان جالسة على سريرها تنظر أمامها بصمت ..
تقدم نحوها قائلا :-
” صباح الخير يا ابنتي ..”
التفتت جيلان نحوه فتقدم أكثر حتى جلس جانبها يجذب يدها قائلا بحنو :-
” هل أصبحت أفضل الآن ..؟! أتيت للإطمئنان عليك ..”
” الحمد لله ..”
ردت بخفوت ليتنهد عابد ثم يقول :-
” أريد التحدث معك يا جيلان ..”
نظرت له بصمت ليكمل بجدية :-
” ابنتي .. انت ابنة اخي الغالي رحمة الله عليه .. انت كل كل تبقى لي منه … انت أمانته .. عليك أن تدركي ذلك جيدا ..”
أضاف بترجي :-
” سامحيني ابنتي .. أعلم إنني لم أكن على قدر المسؤولية معك .. لم أصن أمانة ابراهيم رحمة الله عليه … انا أخطأت عندما منحت المسؤولية لأبنائي لكن من الآن فصاعدا كل شيء سيتغير … أعدك بهذا يا صغيرتي ..”
تراكمت الدموع داخل عينيها ليضيف وهو يقبض على كفها اكثر :-
” صغيرتي … أعلم كم تألمت منذ وفاة والدك .. لن أسامح نفسي أبدا لإنني كنت سببا في آلمك هذا لكن أعدك كل شيء سيتغير .. لن أسمح لأي أحد أن يؤذيك بعد الآن … وسأقتص حقكِ من ابني يا جيلان .. ثقي بذلك ..”
تساقطت الدموع من عينيها بغزارة فنهض من مكانه يجذبها نحوه بعناق أبوي مرددا :-
” انا بمثابة والدك يا جيلان .. أعلم إن لا أحد يمكنه أن يأخذ مكان والدك لكنني سأحاول قدر المستطاع أن أمنحك كل ما تحتاجينه وأعوضك عما فقدتيه بعد رحيل والدك وسأكون دائما بجانبك ..”
بدأت تبكي بين أحضانه فقال ودموعه تكونت داخل مقلتيه :-
” سامحيني يا ابنتي .. والله سأعاقبهم جميعا … أعدك بذلك … ”
أبعدها بعد لحظات عنه محيطا وجهها الباكي بين كفيه مرددا بجدية :-
” اسمعيني يا صغيرتي … من الآن فصاعدا لا أريدك أن تبكي … لا أريد رؤية دموعك … أريدك أن تعتني بنفسك وألا تسمحي لأي شخص كان أن يؤذيك .. ابنتي هذا الحياة لا تناسب الضعفاء … هذه الحياة تحتاج شجعان أقوياء لذا عليك أن تكوني قوية وأن تتحملي وتقاومي دائما … ”
أكمل وهو يمسح دموعها:-
” لا يوجد أي شخص يستحق دموعك تلك .. مهما حدث .. ابنتي كوني قوية لأجل والديك .. كي يرتاحا في قبرهما … وكي يفتخران بك دائما عندما تكونين قويا دائما وتقاومين كافة الظروف الصعبة المحيطة بك وتتغلبين عليها …”
” أريد الذهاب عندهما ..”
قالتها باكية ليهتف بسرعة يوقفها :-
” هش اصمتي .. إياك أن تقوليها .. ابنتي انت ما تبقى لنا من رائحة والدك وانت من تحملين اسمه .. بدلا مو قول هذا إعتني بنفسك ودعي والديك يفرحان عندما يشعران بسعادتك وراحتك .. هما يشعران بك الآن ويتألمان بسببك ولأجلك ..”
” عمي .. انا لا أستطيع العيش دونهما .. أنا أحتاجهما …”
قالتها باكية ليردد عابد :-
” نعم تحتاجينهما وستظلين كذلك … ولكن عليك ان تكوني قوية وتتغلبين على حاجتك لهما … عليك أن تعتني بنفسك وتثبتي وجودك في هذه الحياة .. بنيتي أنت تستحقين الراحة والسعادة … كما إنني هنا معك دائما … ”
أكمل وهو يبتسم بصدق :-
” عمك بجانبك دوما يا جيلان .. عمك الذي يحبك كأبنته .. يحبك مقدار حبه لأخيه الراحل وأكثر .. عمك الذي يفعل أي شيء لحمايتك ورعايتك وتوفير السعادة لك .. ”
أكمل وهو يقبض على كتفيها بشدة :-
” ثقي بي يا صغيرتي … تجاوزي كل ما حدث وابدئي من جديد وهذه المرة انا من سيدعمك ويكون معك في كل خطوة تخطيها ..”
” لن أستطيع ..”
قالتها وهي تضع وجهها بين كفيها تبكي بضعف ليهتف بإصرار :-
” سوف تستطيعين .. ثقي بنفسك يا جيلان .. انظري الي … لا أحد يستطيع أن يساعدك أكثر من مساعدتكِ أنتِ لنفسكِ … انت من تساعدين نفسك بنفسك وتنهضين بها. …”
أضاف بعدما رفعت وجهها نحوه :-
” قاومي يا صغيرتي .. تحدي الجميع والظروف وكل شيء .. واجهي كل شيء دون خوف .. دافعي عن حقك في الحياة والسعادة …”
اكمل بجدية :-
” تلك الحادثة انتهت بأرضها وانت لا ذنب لك فيها ولذا لا يحق لأي أحد أن يحاكمك عليها .. تذكري دائما إنه لا ذنب لك في ذلك ولذا عليك أن تتخطي تلك الحادثة …”
” انت كنت تعلم ..”
قالتها بدموع حارقة ليهتف بصلابة :-
” نعم اعلم وأقولها في وجهك .. انت لا ذنب لك فيما حدث …. لا تحاسي نفسك ولا تسمحي لأي أحد أن يحاسبك على تلك الحادثة .. كوني قوية يا ابنتي … تجاوزي الماضي بكل آلامه وسأكررها مجددا انا معك في كل خطوة.. ضعي يدك في يدي وأعدك إنني لن أسمح لأي شخص أن يتدخل في حياتك وقراراتك .. واولهم أخيك عمار وابني راغب وحتى مهند … تريدين الطلاق سأطلقك منه وسأحاسبهم جميعا على ما فعلوه حتى الآن ..”
نظرت اليه بصمت فقال متسائلا :-
” ماذا قلت يا ابنتي …؟!”
حل الصمت للحظات قبل أن ترتمي داخل أحضانه ودموعها عادت تتساقط فوق وجنتيها مجددا …
………………………………………………….
في قصر الهاشمي …
فتحت الخادمة الباب لتجد تقى أمامها وهي تضع خلفها عدة حقائب ضخمة …
تأملتها الخادمة بتعجب لتهتف تقى :-
” هل راغب بك هنا ..؟! أخبريه إنني أتيت …”
همت الخادمة بالرد عندما سمعت صوت همسة تتقدم نحوها وهي تسأل:-
” من جاء يا علا …”
توقفت مكانها تتأمل تقى بدهشة وهي تردد :-
” تقى ..؟!”
هتفت تقى تبتسم لها ببرود :-
” كيف حالك يا همسة … ؟! أين راغب ..؟! أخبريه إنني أتيت …”
” ماذا تريدين من راغب …؟!”
سألتها همسة بعدم استيعاب وهي تتأمل الحقائب خلفها لترد تقى بدهشة مصطنعة :-
” ألم يخبركم راغب بك ..؟! انا سأعيش هنا معكم من اليوم كوني زوجة مهند …”
” انت بالتأكيد جننتِ …”
قالتها همسة بعدم استيعاب لتصيح تقى بحنق :-
” احترمي نفسك ولا تتجاوزي حدودك ..”
قاطعها صوت راغب الحاد وهو يقترب نحو زوجته :-
” تحدثي مع زوجتي بطريقة جيدة يا تقى .. همسة هي زوجتي … زوجة راغب الهاشمي .. الحديث معها لا يكون بهذه الطريقة ابدا .. كوني حذرة للغاية وانت تتحدثين مع زوجتي …”
ارتبكت ملامح تقى وهي ترد :-
” انا لم أقصد ..”
لكن همسة سألت راغب :-
” ماذا تفعل هذه هنا يا راغب ..؟! ماذا يعني ستعيش معنا وكيف توافق على ذلك ..؟!”
منحها راغب نظرة قاتمة قبل ان ينظر الى تقى وهو يردد :-
“‘تقى بالفعل ستعيش معنا منذ الآن وستتزوج مهند رسميا خلال أيام ..”
أشار الى الخادمة التي تقف تتابع ما يحدث بذهول :-
” خذي تقى هانم الى الجناح الذي أعدته سميحة لها البارحة … ”
أشار الى تقى :-
” اتبعي الخادمة وحقائبك سيجلبها الحارس لك في جناحك ..”
ابتسمت تقى وسارت خلف الخادمة مرفوعة الرأس عندما دخلت زهرة تتبعها توليب التي همست تتسائل :-
” ماذا تفعل تقى في القصر يا راغب ..؟!”
حل الصمت المطبق للحظات قبل ان تنظر همسة الى راغب عندما صاحت زهرة :-
” لماذا لا تجيب ..؟! ماذا تفعل تلك الساقطة هنا …؟!”
رد راغب بجدية :-
” تقى ستتزوج مهند رسميا وتعيش هنا ..”
” ماذا ..؟!”
صرخت زهرة بعدم تصديق قبل تصيح مجددا :-
” هل جننت ..؟! هل جننتم جميعا ..؟! تلك الحثالة تعيش هنا في القصر وتتزوج من ابني …”
” ماما اهدئي …”
قالتها توليب بترجي وهي تقبض على كفها لتبعدها زهرة بعيدا وهي تهتف بقوة :-
” إلا هذه يا راغب .. لن أسمح لواحدة مثل تقى أن تسكن القصر .. سأطردها حالا شئت أم أبيت …”
همت بالتحرك مندفعة خلفها لكن راغب أوقفها مرددا :-
” تقى حامل يا أمي .. حامل من مهند …”
تجمدت زهرة مكانها بينما شهقت توليب بعدم تصديق …
استدارت زهرة نحوه تردد :-
” حسبي الله ونعم الوكيل .. ما هذا البلاء ..؟! لعنة الله عليك يا تقى .. ليلعنك الله انت وابني معك …”
……………………………………………………
دلف الى مكتبه يغلق الباب خلفه بعنف والغضب يعتريه بعدما رفض الطبيب أن يقابل جيلان بناء على طلبها …
تقدم نحو المكتب يضع كفيه فوق سطحه والغصب يملأ عينيه ..
فتح مقدمة أزرار قميصه يأخذ أنفاسه قبل أن يجلس فوق كرسي مكتبه وهو يضرب سطحه بقوة …
شعور الإختناق سيطر عليه تماما والرغبة في تحطيم أي شيء يراه أمامه سيطرت عليه …
حاول أن يهدأ نفسه مفكرا إنها مرحلة وستنتهي وسيعود كل شيء كما كان وإن هناك اجتماعات تنتظره يجب أن ينهيها ..
حاول أن يزيح كل تلك الأفكار عن رأسه وهو يتجهز لحضور الإجتماعات ..
اجتماع مع وفد الشركة الأجنبيه واجتماع مع مدراء شركته ايضا لأجل الصفقة ولقاء مع شريكه ..
مر اليوم طويلا حتى قاربت الشمس على الغروب عندما أخبرته السكرتيرة بوجود مريم سليمان في الخارج ..
سمح لها بالدخول ليجدها تدخل نحوه وتتقدم بخطوات واثقة وملامح شامخة كالعادة ..
تأملها مليا قبل أن يهتف وهو يشير الى الكرسي المجاور لمكتبه :-
” تفضلي …”
قالت بجدية :-
” شكرا .. لا أريد الجلوس … لقد أتيت لغرض محدد فقط …”
” تفضلي… مالذي تريدنه ..؟!”
سألها بإهتمام ليظهر التردد والضيق على ملامحها للحظات قبل أن تهتف محاولة إخفاء ضيقها :-
” انا هنا لأعتذر منك … وأشكرك ايضا …”
” علام ..؟!”
سألها بتهكم خفي لترد والضيق يرتسم على ملامحها :-
” أعتذر منك بسبب شكوكي نحوك وإتهامي لك إنك السبب في خطفي … وأشكرك على إنقاذك لي من تلك العصابة .. انا اسفة يا عمار .. لقد أخطأت في ظنوني ناحيتك …. ”
منحها إبتسامة باردة :-
” جيد .. الإعتراف بالخطأ أمر جيد .. تصرف شجاع منك …”
أضاف يسألها ببرود :-
” هل تودين قول شيء آخر ..؟!”
هزت رأسها نفيا ليهتف بجدية :-
” بإمكانك المغادرة اذا …”
تطلعت اليه بعدم تصديق مما فعله وهي التي كانت تتوقع منه تصرفا مختلفا لكن أن يتعامل مع آسفها بهذا البرود واللا مبالاة كان أمرا غير متوقعا بالنسبة لها ..
اندفعت خارج المكان وهي تكتم غضبها بإعجوبة ..
خرجت من الشركة واندفعت داخل سيارتها عندما رمت حقيبتها جانبا بعنف بعدما أخرجت هاتفها منها …
اتصلت به وهي تخبره بغضب مكتوم :-
” ذهبت إليه .. تحدثت معه كما اتفقنا ..”
” جيد وماذا حدث ..؟!”
سألها بإهتمام لترد بحنق :
” لم يحدث شيء … ”
” ماذا يعني هذا ..؟!”
سألها بتعجب لترد بغضب :-
” تجاهلني .. ذهبت وإعتذرت له كالحمقاء وهو لم يقل شيئا بل طلب مني المغادرة .. لقد أهنت نفسي وتنازلت عن كبريائي دون مقابل ..”
سمعته يضحك بخفة لتهتف بغضب :-
” وتضحك ايضا يا هذا ..”
رد بجدية :-
” يا له من ماكر لعين … في الحقيقة توقعت أن يفعل ذلك لكنني لم أخبرك ..”
” انت تكذب .. لو كنت تتوقع ذلك منه حقا فلمَ أرسلتني له ..؟!”
سألته بتهكم ليتسائل بدوره :-
” أساسا لماذا تصرفنا هكذا يا مريم ..؟! لماذا اتفقنا على أن تعتذري منه …؟! أخبريني هيا ..”
” انت من قررت ذلك وانا كالغبية نفذت ..”
قالتها من بين أسنانها ليرد بثقة :-
” عزيزتي مريم .. متى ستتعلمين إن كل خطوة نخطوها في مشوارنا هذا لغرض معين وهذه الخطوة بالذات مهمة جدا فمن خلالها سنرمي الطعم الذي سيلتقطه عمار فيما بعد ويبتلعه بما فيه من سموم ستقتله لا محالة …”
” أود كثيرا أن أصدق لكن ..”
قاطعها بثقة شديدة :-
” ستصدقين عندما ترين نهاية عمار الخولي أمام عينيك وعلى يدينا يا مريم …”
…………………………………………………….
مساءا ..
وقفت غالية أمام المرآة تتأمل طلتها المبهرة والتي تليق بهذه الليلة ..
فستان اسود شديد الروعة يظهر تقاسيم جسدها الأنثوي …
شعرها المصفف بعناية ومكياجها المميز والذي يبرز ملامحها طاغية الجمال …
كل شيء بها كان مثيرا ورائعا وجذابا بشكل قاتل ..
حملت عطرها ذو الرائحة الأنثوية القوية وأخذت ترش منه فوق رقبتها وملابسها حتى ملأت رائحة العطر غرفتها ..
حملت حقيبتها وألقت نظرة على المرآة تبتسم وهي ترسل لنفسها قبلة على الهواء …
غادرت غرفتها وهبطت نحو الطابق السفلي لتجدها والدتها التي تأملت مظهرها شديد الإناقة بإهتمام وهي تسأل :-
” إلى أين تذهبين هذا المساء ..؟!”
ردت مبتسمة :-
” الى حفلة مهمة وخاصة جدا ..”
” حفلة ماذا ..؟!”
سألها والدتها وهي تبتسم لتطبع غالية قبلة فوق وجنتها وهي تردد :-
” سأخبرك حينما أعود …”
غادرت الفيلا بعدما ودعت والدتها حيث جلست في مقعد السيارة الخلفي والتي يقودها السائق …
وصلت بعد مدة الى الفندق حيث تقدمت نحو صاحب المطعم والذي أوصلها الى الطاولة التي حجزتها والتي اهتم بها وزينها بشكل ملفت ….
شكرته وهي تجلس على الطاولة تلتقط بعض الصور اللافتة لها عندما وجدت فادي ولوجين يتقدمان فنهضت تستقبلهما حيث قبلت لوجين بينما اخذ فادي يتأملها بهدوء مهيب كعادته …
ابتعدت عن لوجين وحيت فادي الذي إبتسم لها بهدوء وهو يبادلها التحية …!
جلس الثلاثة سويا ثم جاء بعض اصدقاء فراس المقربين وابناء عمه من ضمنهم مي بعدما طلبت غالية من لوجين دعوتهم ..
رن هاتف غالية فعلمت إن فراس وصل فنهضت من مكانها تهندم ملابسها وهي تهتف :-
” فراس سيصل الى هنا بعد لحظات ..”
ثم بدأت بإشعال شموع قالب الكيك الضخم بينما فادي يتأملها سعادتها وإنطلاقها بصمت …
تقدم فراس لينصدم من وجود أخيه وأخته وأقربائه وأصدقائه مع غالية حيث سارع الجميع للوقوف والترحيب به مصفقين له بسعادة يهنئونه على عيد ميلاده ..
ابتسم فراس غير مصدقا وهو يتلقى التهاني عندما وصل الى غالية قائلا بعدم تصديق :-
” انتِ صاحبة هذه الفكرة …”
ردت مبتسمة :-
” كل عام وانت بألف خير يا خطيبي وزوجي المستقبل ..”
ابتسم بفرحة عندما همست غالية :-
” هيا إطفئ الشموع بعدنا تتمنى أمنية ..”
ابتسم وهو يجذبها جانبه :-
” قفي جانبي ..”
ثم أخذ يطفئ الشموع قبل أن يبارك الجميع له مجددا ويقدمون له هداياه حيث كانت أخرهم غالية التي قدمت له هديتها ليفتحها فيجد عطرا ثمينا ذو ماركة عالمية مشهورة ومعه ساعة ثمينة جدا فإبتسم يشكرها وهو يقبل يدها برقة قبل أن تطلب غالية من لوجين التقاط صورة لها معه وبعدها مع البقية ..
بعد مدة من الزمن جلس الجميع يتناولون الطعام عندما
رن هاتف فراس فحمله ونهض من مكانه معتذرا ليعود بعد مدة ويجلس جانب غالية مبتسما وهو يقول لها :-
” أشكرك حقا على هذه المفاجئة الرائعة … ”
ابتسمت دون رد ليهتف احد اصدقائه :-
” يا لك من محظوظ يا فراس .. خطيبتك أعدت كل هذا لك ..”
” إذا لم تفعل ذلك لأجلي فلمن ستفعل ..؟!”
قالها بتباهي وهو ينظر الى غالية التي قالت وهي تنظر نحو عينيه بإبتسامة سعيدة :-
” فراس يستحق هذا واكثر …”
” انت بالفعل محظوظ يا فراس …”
قالها صديقه الأخر قبل ان يمازحهما فراس لتستمر الأحاديث حتى انتهت الليلة ليهتف فراس بغالية :-
” هل متأكدة إنك لا تريدين مني توصيلك ..؟!”
ردت وهي تبتسم بخفة :-
” السائق ينتظرني في الخارج …”
” جيد لنذهب الى الكراج سويا ..”
سارا سويا حيث ركبت هي سيارتها وودعته ليركب سيارته ويجري اتصالا عندما جاءه صوته الأنثوي :-
” ماذا حدث .. ؟! ألن نحتفل بعيدميلادك سويا ..”
رد وهو يبتسم ملأ فمه :-
” انا قادم يا حلوتي .. أساسا الإحتفال لا يحلو سوى معك ..”
ضحكت برقة ليغلق الهاتف ويقود سيارته متوجها نحو شقتها عندما فتحت له الباب وهي ترتدي فستانا قصيرا جدا وعاري الأكتاف فتقدم نحوها يقبلها لكنها أبعدته وهي تردد:-
” لنحتفل بعيدميلادك أولا أم إنك إكتفيت بإحتفالك مع خطيبتك ..؟!”
رد وهو يحتضنها من خصرها :-
” صدقيني طوال السهرة وانا أفكر وأنتظر انتهاء السهرة للمجيء عندك …”
سحبته من كفه وهي تقول :-
” تعال اذا لنحتفل سويا ..”
وجدها أعدت له مفاجئة بسيطة حيث كعكة عيد الميلاد وهدية خاصة عندما أطفأ الشموع مجددا وجذبها يقبلها بشوق لتبتعد عنه وتريه هديته التي اخذها وشكرها عليها ….
جلسا سويا على الكنبة فبدأ يقترب منها وسمحت هي له بذلك عكس المرات سابقا …
بعد مدة من الزمن نهضت من جانبه وهي ترتدي روبها تغطي به جسدها العاري وهي تهتف به :-
” سأخذ حماما سريعا …”
اما هو فنهض من فوق سريره يجذب سيجارة من علبة سجائره يدخنها بشراهة حتى رن جرس الباب بعد مدة …
سمع أوليفيا تهتف من الداخل :-
” افتح الباب .. انه من المطعم المجاور .. لقد طلبت الطعام ..”
قال وهو يرتدي ملابسه :-
” لا داعي لذلك .. أساسا سأغادر الآن …”
أغلق أزرار قميصه ثم حمل سترته بعدما وضع في جيبها مفتاح سيارته وهاتفه …
اتجه خارج غرفة النوم حيث فتح الباب ليتصنم مكانه عندما رأى غالية أمامه تبتسم بهدوء …
دفعته ودلفت الى الخلف عندما التفت نحوها يتأملها وهي تدور في عينيها داخل الشقة لتتسائل :-
” أين فرحة …”
” فرحة …!!”
رددها فراس بعدم استيعاب عندما خرجت أوليفيا وهي ترتدي ملابس كاملة محتشمة لترحب بغالية :-
” عزيزتي … اهلا بك .. من الجيد إنك لم تتأخرِ …”
ابتسمت لها غالية قبل أن تلقي نظرة على ملامح فراس المصدومة ثم تنظر الى الطاولة وما عليها لتهتف بتهكم :-
” احتفالان في يوم واحد .. يا لك من محظوظ ….”
أضافت وهي تردد :-
” وهدايا ثمينة … ”
اكملت وهي ترفع الهدية التي جلبتها أوليفيا له :-
” لكنها جميعها ليست اصليه .. في الحقيقة اشتريت الأنواع غير الاصلية والرديئة ايضا …”
اكملت ضاحكة :-
” فمثلك لا يستحق سوى كل ما هو مستعمل ورديء مثله …”
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
سألها بغضب متفاقم لتتقدم اوليفيا نحوها وتمنحها فلاش كاميرا صغير لتربت غالية على كتفها وهي تودعها لتغادر تحت انظار فراس الذي صاح ؛
” إلى أين تذهبين يا أوليفيا ..؟!”
سمع غالية تقول بصوت حاد :-
” أخبرتك إنها فرحة وليست أوليفيا ، ألا تفهم …؟!”
استدار نحوها بملامح حادة قابلتها بأخرى صلبة قوية وهي تردد :-
” والآن … اجلس يا فراس خليل ودعنا نتفاهم ….”
تأمل فلاش الكاميرا الذي تحمله في كفها لتحتقن ملامحه بقوة وقد أدرك أخيرا إنه وقع في فخها .. فح غالية الخولي ..!!
” ماذا يحدث هنا بالضبط ..؟!”
نطقها أخيرا بملامح مشدودة ونبرة ملغمة لترد ببرود بعدما جلست على الكنبة جانبها :-
” اجلس اولا ودعنا نتحدث …”
رد بصياح وقد فقد أعصابه :-
” أريد أن أفهم ماذا يحدث …؟! من تلك الفتاة ..؟! ”
ضحكت بخفة وهي تردد بتهكم :-
” انت من تسأل أيضا .. بعدما رأيتك في هذا الوضع المشين .. ما زلت تتسائل بكل وقاحة ..”
تقدم نحوها وانحنى أمامها مرددا بنبرة متوعدة :-
” أنتِ تتجاوزين حدودك معي يا غالية وهذا سيؤذيكِ كثيرا ..”
صفقت بيدها وهي تهتف :-
” برافو .. إظهر لي حقيقتك كاملة .. إخلع قناع الرقي والإحترام ولا تخفي صفاتك القذرة بكل ما فيها ..”
أضافت وعينيها تلمعان بتحدي :-
” انظر إلي جيدا .. ما حدث قبل قليل تم تصويره كاملا .. وهو موجود عندي … ليس في هذا الفلاش فقط بل على حاسوبي الشخصي في منزلي … يعني الفيديو تم حفظه عندي ولا يستطيع أي شخص أن يأخذه مني دون موافقتي …”
ابتعد عنها وعيناه تقدحان نارا لتبتسم بإنتصار وهي تأمره :-
” اجلس هيا .. اجلس ودعنا نتحدث …”
جلس على الكنبة المقابلة لها بملامح تقطر غضبا وقال :-
” قولي ما تريدنه …”
ابتسمت بهدوء وهي تهتف :-
” ذلك الفيديو .. صحيح لم أره لإن أخلاقي لا تسمح لي برؤية أشياء كهذه لكنني أعلم جيدا ما يحويه ..”
ردد متهكما :-
” كم أخلاقك رفيعة يا غالية ..؟! أخلاقك لا تسمح لك برؤية محتوى الفيديو لكنها تسمح لك بإرسال صديقتك لإغوائي لأمارس علاقة معها بل وتطلبي منها تصويري أيضا ونحن نفعل ذلك ..”
قاطعته وهي ما زالت تبتسم بهدوء :
” ليست صديقتي …”
نظر إليها بتجهم لتضيف :-
” هي مجرد فتاة من ماضيك العاصف .. ماضيك الذي يحوي نساءا لا تعد ولا تحصى ..”
” ماذا تقولين انتِ ..؟! انا رأيتها لأول مرة معك …”
قالها بحنق لتهتف موضحة :-
” أعلم .. تلك الفتاة ..”
اخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
” تلك الفتاة اسمها فرحة .. فتاة جميلة بل رائعة الجمال وذات علاقات متعددة … ”
” هكذا إذا .. وانت طلبتي منها إغوائي ..”
ردت بثقة :-
” كان إتفاقا بيننا .. هي أرادت ذلك وسعت له بقوة وانا كنت مجرد وسيط ..”
أكملت وهي تشاهد دهشة ملامحه :-
” ألم أخبرك إنها إحدى ضحايا ماضيك العاصف ..؟!!”
” وأنا أخبرتك إنني لا أعرفها …”
قالها بغضب مخيف لتهتف ببرود :-
” لا تعرفها هي لكنكِ تعرف أقرب الناس لها .. ”
نظر إليها بحيرة لتضيف بلا مبالاة :-
” ليس مهما .. المهم هو الفيديو ..”
سأل من بين أسنانه :-
” ماذا تريدين ..؟! أخبريني … مالذي تريدنه مقابل الفيديو ..؟؟”
صمتت للحظات قبل أن تقول بهدوء :-
” الفيديو مقابل شيء واحد فقط … ستفعل ذلك الشيء والمقابل إن هذا الفيديو لن يرى النور أبدا .. لن تفعل فسوف أقوم بنشره في كافة المواقع لتصبح فضيحتك علنية وتكون حديث مجتمعنا المخملي للأبد وتخسر كل شيء ..”
قاطعها وهو ينتفض من مكانه بحدة :-
” أخبريني ماذا تريدين ولا تماطلي …”
إسترخت في جلستها وهي تردد :-
” أمر سهل جدا .. تنازل رسمي عن حضانة طفلك لوالدته … ”
” ماذا …؟! انت تمزحين ..؟!”
صاح بعدم تصديق لتنهض من مكانها وهي تقول :-
” انا لا أمزح .. كلامي واضح ولا نقاش فيه ..”
أكملت بقوة :-
” التنازل عن حضانة الطفل مقابل عدم ظهور الفيديو للعلن …”
أنهت حديثها :-
” سأمنحك فرصة للتفكير .. تصبح على خير ..”
اتجهت مغادرة المكان تاركة إياه مصعوقا من صدمة ما حدث معه وما تبعه من طلب لم يستوعبه أبدا ..!!
……………………………………………………….
كان يتأملها وهي تتناول طعامها بسكون بمساعدة الممرضة .. يبتسم لها كلما تنظر إليه بحنو بالغ ثم يعاود التفكير في قراراته القادمة …
انتهت الممرضة من إطعامها ثم أعطتها دوائها فسألها عابد بجدية :-
” يمكننا الخروج الليلة .. أليس كذلك ..؟!”
ردت الممرضة بجدية :-
” بالطبع يا بك .. لقد تأخرنا في ذلك .. نعتذر لك كان من المفترض أن يكتب لها الطبيب أمر الخروج مبكرا لكنه غادر لظرف طارئ عصر اليوم ولم يأت حتى الآن ..”
هتفت جيلان بجدية :-
” لا بأس .. يمكننا الإنتظار الى الغد ..”
قاطعتها الممرضة بسرعة :-
” كلا ، لقد إتصل بي الدكتور وقال إنه في طريقه الى المشفى…”
ابتسم لها عابد شاكرا قبل أن تغادر لتخبر جيلان عمها :-
” يمكنني الإنتظار حتى صباح الغد .. غادر انت يا عمي ..”
ابتسم مازحا :-
” هل أعجبتك المشفى أم تريدين التخلص مني ..؟!”
احمرت وجنتاها ليضيف متسائلا بجدية :-
” إذا ستعودين الى القصر ، أليس كذلك ..؟!”
قاطعه صوت هادئ لكنه بارد للغاية :-
” بل ستعود لمنزل أخيها يا عابد بك …”
التفت عابد نحو عمار الذي جاء منذ لحظات وسمع آخر ما قاله ليبتسم له عابد مرددا :-
” اهلا يا عمار .. ”
” اهلا عابد بك ..”
قالها عمار برسمية شديدة قبل أن يشير الى جيلان :-
” غريب يا جيلان .. لقد أخبرني الطبيب بعدم رغبتك في رؤيتي …”
هزت رأسها دون أن تنظر نحوه ودون رد ليضيف بضيق أخفاه بإبتسامة هادئة :-
” ولكن عابد بك يرافقك منذ الصباح ..”
استدارت نحوه تتأمله بجمود ليرد عابد بسرعة :-
” وما المشكلة في ذلك ..؟! ألستُ عمها ..؟؟”
رد عمار ببرود :-
” وأنا أخوها … وولي أمرها …”
قال عابد وهو ما زال محتفظا بهدوءه :-
” بالطبع أنت أخوها وولي أمرها وكل شيء تريده لكنني أيضا عمها ومسؤول عنها بشكل جدي …”
” إذا هل تسمح لي يا عمها بالتحدث معها على الإنفراد ..؟!”
سأله عمار بتهكم متعمد ليبتسم عابد بنفس الهدوء وهو يجيب بسلاسة :-
” بالطبع .. ”
أكمل وهو ينظر الى ملامح جيلان الجامدة :-
” انا سأنتظر في الخارج حتى تنتهي من حديثك معها .. خذ راحتك يا عمار …”
انهى كلماته وغادر الغرفة ليتابعه عمار وهو يغادر المكان كليا فيستدير نحو أخته يتأمل وجهها الصامت وعينيها اللتين تنظران نحوه بجمود فسألها وهو يتجه ويجلس قبالها على سريرها :-
” كيف أصبحتِ الآن ..؟!”
ردت بهدوء غريب :-
” بخير ..”
سألها مجددا وهو يقبض على كفها :-
” لماذا رفضت رؤيتي ..؟!”
أجابت وهي تسحب كفها من كفه :-
” لم أرغب برؤية أي أحد من الأساس ..”
تأمل كفها الذي إبتعد من بين كفه وقال :
” ولكن عمك عندك منذ الصباح ولم تمانعي وجوده ..”
ردت بعد صمت امتد للحظات :-
” ربما لإنني كنت أحتاج وجوده …”
سألها بتأنيب :-
” وماذا عني ..؟! ألا تحتاجين وجودي..؟!”
ردت وهي تنظر له بألم :-
” دائما كنت أحتاج وجودك .. منذ وفاة والدتي وأنا أحتاج وجودك ولكنك لم تكن موجود أبدا .. لا بعد وفاة ماما ولا حتى بعد وفاة بابا .. دائما كنت بعيدا …”
قاطعها بصدق :-
” ولكنني سأكون موجودا دائما من الآن فصاعدا ..”
ردت بخفوت :-
” ليس مهما بعد الآن ..”
قال بجدية :-
” ماذا يعني هذا ..؟! جيلان حبيبتي انظري الي ..”
أكمل وعيناه تتعلقان بعينيها :-
” الليلة ستخرجين من هنا .. ستغادرين معي الى شقتي … ستبقين تحت رعايتي دائما ولن أتركك لحظة واحدة بعد الآن ..”
أضاف وهو يبتسم :-
” وهناك خبر سعيد ايضا .. انا وشيرين سنتزوج .. عندما نتزوج سننتقل نحن الثلاثة للإقامة في فيلا رائعة بها حديقة واسعة وحمام سباحة ضخم وكل المرفهات .. ”
أردف بحماس :-
” وسنقيم لك غرفة خاصة للرسم تمارسين بها هوايتك .. هذه كانت فكرة شيرين إذا أردت الصراحة ..”
” شيرين فتاة طيبة ..”
قالتها بهدوء ليبتسم فتضيف :-
” مبارك لكما .. اتمنى أن تسعدها حقا …”
رد بثقة :-
” بالطبع .. سأسعد كليكما بعد الآن …”
” انا لا أريد من يسعدني بعد الآن …”
قالتها بنبرة غريبة قبل أن تضيف :-
” أنا أريد إسعاد نفسي بنفسي …”
كلماتها جعلته يشعر بعدم الراحة لكنه ابتسم مجددا وهو يربت على كتفها :-
” لا مشكلة صغيرتي .. المهم أن تكوني سعيدة …”
ردت بنفس النبرة :-
” سأكون سعيدة عندما يبتعد جميع من آلمني وتسبب بآذيتي عني ….”
قال بثقة :-
” هذا سيحدث بالطبع .. لن أسمح لأي شخص أن يقترب منك بعد الآن وذلك المدعو مهند سيطلقك حالا … ”
ردت بخفوت وكأنها لم تسمعه :-
” لا أريد أي شخص آذاني مهما كان …”
هم بالتحدث لكن صوت طرقات على باب غرفتها يتبعه دخول الطبيب مبتسما ومعه عابد ليبادر الطبيب بالقول :-
” كيف حالك يا جيلان .. طمأنيني عنك ..”
ردت بخفوت :-
” انا بخير …”
هتف الطبيب وهو ما زال مبتسما :-
” جيد عزيزتي .. لقد منحتك أمر الخروج من المشفى فأنت بصحة جيدة ولا داعي لبقائك هنا اكثر ..”
أضاف وهو يشير الى عمار :-
” لكن لا تنسى أمر العلاج النفسي الذي تحدثنا عنه ..”
رد عمار بجدية :-
” لقد وجدت طبيبة بالفعل وستباشر عملها خلال يومين ..”
” جيد ، إذا سأطلب من الممرضة تجهيز جيلان للمغادرة …”
ودع الطبيب جيلان ثم غادر ليهتف عمار بعابد :-
” يمكنك أنت أيضا المغادرة يا بك .. ”
رد عابد بجدية:-
” سأغادر مع جيلان الى القصر ..”
” جيلان ستغادر المشفى وتستقر معي في شقتي ..”
قالها عمار بتحدي ليهتف عابد بهدوء :-
” اذا كانت تريد ذلك فلن أمانع بالطبع .. ما يهمني هو راحتها .. في شقتك او في القصر عندي او أي مكان تريده جيلان .. المهم أن تكون مرتاحة ولكن عليها أن تعلم إن قصر العائلة مفتوح لها دائما وأبدا والجميع هناك تحت آمرها …”
أكمل وهو يشير الى جيلان :-
” القرار لك عزيزتي .. إختاري المكان الذي تريدنه ونحن معك ….”
نظرت جيلان الى عمار الذي قال بثقة :-
” أخبرتك يا عابد بك إنها ستغادر معي …”
ما إن أنهى كلماته حتى سمع جيلان تهتف بجدية صعقته :-
” انا سأذهب معك يا عمي ..”
…………………………………………………………..
اغلقت زهرة الهاتف ثم قالت وهي تنظر الى ابنائها وهمسة الذين يجلسون جميعا في صالة الجلوس :-
” سيأتي مع جيلان بعد قليل .. ”
تأهبت ملامح الجميع بإستثناء راغب الذي أشار لمهند بحزم :-
” أخبر تقى ألا تخرج من جناحها الليلة مهما حدث …”
رد مهند بضيق :-
” أخبرها أنت بذلك .. ألست أنت من سمح لها بالإقامة هنا ..؟!”
صاحت زهرة بحدة :-
” يكفي أنتما الإثنان .. والدكم سيأتي بعد قليل ومعه جيلان وهو لا يعلم بوجود تقى من الأساس .. ”
أضافت بقلق :-
” لا أعرف كيف سأخبره بوجودها بل وسبب وجودها والأهم ما موقف تلك المسكينة التي معه …”
زفر مهند أنفاسه مرددا :-
” والله هذه مسؤولية من سمح لها بالإقامة …”
رد راغب بغضب مكتوم :-
” أنت لم تستوعب بعد .. الهانم تحمل طفلك … ماذا يمكنني أن أفعل ..؟!”
رد مهند وهو يلتفت نحوه بعصبية :-
” كان عليك أن تتركني انا أتصرف معها .. ”
قاطعه راغب بتهكم :-
” كي تتسبب لنا بفضيحة أكبر من هذه ، أليس كذلك ..؟!”
صاحت زهرة مجددا بصوت اعلى:-
” يكفي حقا .. بدلا من التفكير في كيفية التصرف وإخبار والدكما تتشاجران كالأطفال ..”
قال راجي بجدية :-
” سنخبره يا ماما .. لا حل آخر أمامنا … ”
أضاف وهو يشير الى مهند :-
” مهند انت ستذهب الى جناحك وتبقى فيه .. لا يجب أن تراك جيلان الآن وكذلك بالنسبة لتقى فلا يجب أن يراها والدي الآن ..”
نهض مهند من مكانه مرددا بلا مبالاة :-
” بالنسبة لي هذا افضل شيء ..”
اندفع خارجا من المكان ليهتف راغب :-
” بالطبع أفضل شيء .. اساسا أفضل شيء يفعله هو الهروب …الهروب لا غير ..”
” دعك منه الآن .. ألا ترى إن ما فعلته غريب يا راغب …؟!”
سأله فيصل بجدية ليرد راغب بقوة :-
” ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني ..؟! الفتاة أتت بكل وقاحة وأخبرتني إنها حامل دون ذرة خجل .. هل كنت تريد مني أن أطردها …؟! أو أهددها ..؟! بإمكاني فعل ذلك لكن تصور ما يمكن أن تقوم به فتاة مثل هذا لو تصرفت معها بهذه الطريقة .. كانت ستفضحنا في كل مكان دون تردد ..”
أضاف يخبرهم :
” انتم لم تفهموا بعد إن تلك الفتاة لا يهمها شيء حتى سمعتها .. فتاة تفعل أي شيء بلا مبالاة .. ”
” جيد جدا .. تقول هذا وتجلبها هنا لتعيش معنا .. مع أختك وزوجتك … ”
قالتها زهرة بسخرية ليرد راغب بجدية :-
” يجب أن تبقى أمامنا …”
قال راجي وهو ينهص من مكانه :-
” أبي وصل .. سمعت صوت سيارته تدلف الى القصر ..”
نهض الجميع متأهبين عندما تقدمت زهرة في البداية يتبعها الجميع متجهين نحو باب القصر لإستقبال عابد وجيلان ..
فتحت زهرة الباب وهي تصطنع الإبتسامة رغم خوفها وتوترها فترحب بهما :-
” اهلا وسهلا ..”
ثم سارعت تحتضن جيلان وهي تقول :
” الحمد لله على سلامتك حبيبتي ..”
شكرتها جيلان بخفوت ليسارع الجميع لتحيتها والترحيب بها بينما انتبه راغب الى عمار الذي كان يتبعهم بملامح جامدة لا تخلو من النفور ليرحب به على مضض وتبعته زهرة ترحب به عندما سأل عابد بجدية :-
” اين مهند ..؟؟”
توترت ملامح الجميع ليجيب راغب :
” في جناحه …”
نادى عابد على الخادمة بأعلى صوت لتأتي فيخبرها :-
” أخبري مهند بك إننا ننتظره في مكتبي …”
ثم جذب جيلان ناحيته مشيرا الى راغب :
” سندخل انا وانت ومعنا عمار وجيلان الى المكتب ..”
أكمل مشيرا للبقية :-
” يمكنكم الذهاب الى صالة الجلوس فهناك أمور يجب إنهائها …”
تبادلت زهرة النظرات القلقة مع همسة قبل أن تجذبها توليب وتدفعها أمامها يتبعها البقية ليطلب عابد من عمار السير أمامه نحوه مكتبه ثم راغب ليسير خلفهما وهو يقبض على كف جيلان حيث تسير جانبه …
دخل عابد الى المكتب ليشير الى عمار وراغب في الجلوس على الكرسيين المجاوريين لمكتبه بينما جلس هو على كرسي المكتب الرئيسي وأشار لجيلان أن تجلس على الكنبة الجانبية …
لحظات قليلة ودلف مهند بملامح جامدة ليتفاجئ بوجود عمار وجيلان ..
نظر الى جيلان لا إراديا لتخفض وجهها أرضا فيشيح وجهه معاودا النظر نحو والده الذي قال أخيرا :-
” إذا اجتمعنا نحن الخمسة … وحان وقت التحدث ..”
تأمل وجه راغب وعمار وكذلك مهند ثم أخيرا جيلان ليمنحها إبتسامة مشجعة ثم يقول :-
” إذا هناك قرارات تخص جيلان .. قرارات إتخذتها ويجب أن يعلمها جميعكم .. طبعا هذا القرارات لن يتم تنفيذها إلا بعد أخذ موافقة جيلان .. موافقتها هي ما تهمني أما موافقتكم من عدمها فلن تؤثر في قراري ..”
كز عمار على أسنانه بصمت بينما أكمل عابد :-
” مبدئيا جيلان ستبقى في القصر بناء على طلبها .. أساسا هي لها في القصر مثل الجميع فهذا القصر هو قصر أجدادها ووالدها وقصر كل شخص ينتمي لهذه العائلة ..”
ظهر الملل على ملامح عمار بينما أضاف عابد بنفس الهدوء :-
” بخصوص جيلان هناك أشياء يتم مناقشتها بل وحسمها في هذه الجلسة وبوجود أخيها والذي يعتبر المسؤول الأول عنها ..”
منحه عمار نظرات متهكمة تجاهلها عابد وهو ينهض من مكانه ويقول بعدما استند بكفيه على سطح مكتبه :-
” لكن من هذه اللحظة .. جيلان ستكون صاحبة القرار الأول والأخير في حياتها وأنا وعمار فواجبنا هو رعايتها والإهتمام بها وتقديم كامل الدعم والمساندة لها دون إجبارها على أي شيء أو تسيير حياتها بشكل لا تريده …”
أكمل موضحا اكثر :
” يعني جيلان هي سيدة قرارها وانا وعمار فقط المسؤولان عنها حتى تبلغ سن الرشد على ألا تتقاطع مسؤوليتنا بقراراتها طالما لا تفعل شيئا يسيء لها أو يؤذيها …”
” يعني انت تقول لا داعي لوجودنا انا وراغب …”
قالها مهند بسخرية ليرد عابد ببرود :-
” ليس تماما … وجودك ضروري حاليا كون ما زال هناك رابط يجمعكما ووجود راغب كذلك كونه سبب حدوث ذلك الرابط ..”
أضاف بقوة :-
” لذا أول شيء سنفعله هو إنهاء هذا الرابط تماما .. وبعدها ستكون انت وأخيك خارج هذه الدائرة ولن يكون لأي منكما دخلا بأي شيء يخص جيلان …”
” ماذا تقصد يا أبي ..؟!”
سأله راغب بتجهم ليجيب عابد وهو ينظر الى مهند :-
” مهند سيطلق جيلان .. هذه الزيجة ستنتهي .. وجيلان ستصبح حرة من قيد أخيك …”
تقابلت نظرات مهند مع والده فيهتف راغب بجدية :-
” اسمح لي يا أبي ولكن هذه الزيجة لصالح جيلان قبل الجميع ..”
قاطعه عابد بحدة :-
” انت لن تعرف مصلحة ابنة أخي أكثر مني ..”
أكمل وهو ينظر الى عمار :-
” أعلم سبب هذه الزيجة والدافع ورائها .. لا تظنان إن شيء كهذا قد يغيب عن علمي .. انا أعلم كل شيء منذ أول يوم ولكنني قررت الصمت وترك الأمور لكما وليتني لم أفعل .. ”
أكمل وهو يشير الى جيلان بيده :-
” تعالي جانبي يا جيلان …”
نهضت جيلان من مكانها وتقدمت نحوه بتوتر فسألها وهو ينظر لها بدعم :-
” أخبريني يا ابنتي … هل تريدين الطلاق من مهند أم الإستمرار معه ..؟!”
تأهبت ملامح جيلان للحظات بينما أخذ ينظر لها مهند بملامح باردة اما راغب فقد كسا الضيق ملامحه وعمار كان ينتظر بفارغ الصبر سماع موافقة أخته ..
ردت جيلان بعد لحظات بصوت خافت لكنه مسموع :-
” نعم أريد .. ”
قال عابد بحزم :-
” ارفعي صوتك وقولي قرارك وماذا تريدين ..؟!”
نظرت الى عيني أخيها المشجعتين ثم الى وجه مهند الذي يتأملها ببرود وصمت فردت بقوة تظهر لأول مرة على ملامحها وصوتها وقد تقابلت عينيها الخضراوين مع زرقة عينيه :-
” أريد الطلاق يا عمي …”
ربت عابد على كتفها بينما ابتسم عمار بفخر قبل النظر الى راغب الذي ظهر عدم الرضا بوضوح على ملامحه ليبتسم له بإنتصار واضح عندما قال عابد مشيرا الى مهند :-
” طلقها …”
نظر مهند الى راغب بشكل لا إرادي قبل أن يعاود النظر إلى أبيه قائلا :-
” انت تعلم جيدا إن زواجي منها لم يكن بكامل إرادتي .. وبالتالي فتطليقي لها سيكون أفضل شيء قدمته لي …”
منحه عمار نظرات متوعدة بينما قال مهند وهو ينظر الى جيلان بملامحها الهادئة كليا :-
“انت طالق يا جيلان …”
تنهدت جيلان براحة وقد شعرت بالحرية أخيرا بينما هتف مهند براغب :-
” انت بالطبع من سيدفع جميع حقوقها من مؤخر طلاق ونفقة ..”
رمقه راغب بنظرات حادة فأشار عابد لمهند :-
” يمكنك المغادرة يا مهند .. فعملك معنا انتهى ..”
ابتسم مهند بسخرية قبل ان يتجه خارج المكان ليشير عابد الى راغب :-
” مؤخر صداق جيلان ستدفعه انت من حسابك الشخصي وكذلك نفقتها .. سيتم إيداع هذه الأموال في حسابها الشخصي …”
اكمل بعدها :-
” والآن هناك قرار آخر …”
صمت للحظات ثم قال بنبرة آمرة:-
” شركة عمك سوف تسجلها بإسم جيلان يا راغب .. ”
هتف راغب معترضا :-
” ولكن هذه الشركة إشتريتها بعدما دفعت حقها كاملا ..”
أشار عابد الى عمار :-
” إذا أرادت أختك إستعادة الشركة فهل ستوافق على ذلك وتعيد المبلغ لراغب ..؟!”
رد عمار وهو يتأمل راغب بإستهزاء :-
” سأمنحه الضعف إذا أراد ..”
احتقنت ملامح راغب بغضب فهذه الشركة مهمة جدا بالنسبة له بينما نظر عابد الى جيلان يسألها :-
” القرار لك يا ابنتي .. هل تريدين إستعادة شركة والدك أم تتركيها كما هي بإسم راغب بعدما قام راغب بشرائها رسميا ..؟! إذا أردت إستعادتها فسوف يتنازل راغب عن الشركة لك مجددا وسيأخذ ما دفعه من أموال مقابلا لذلك …”
ظهر التوتر على ملامح جيلان فنظر لها راغب بتأمل أن ترفض اما عمار فكان ينتظر سماع رغبتها في إستعادة الشركة بلهفة لتنطق أخيرا :-
” احسنت يا صغيرتي .. انت أحق شخص بأملاك والدك ..”
أضاف بصوت آمر :-
” عمار وراغب انظرا إلي .. انت يا عمار ستجهز الأموال وانت يا راغب ستجهز اوراق التنازل .. أريد تنفيذ هذا الأمر خلال أيام كي تعود الشركة لجيلان كما كانت ..”
أكمل وهو ينظر الى جيلان :-
” كونك ما زلت قاصر فيجب أن تختاري الشخص الذي يدير أملاكك حتى تكبري وتبلغي السن القانوني الذي يسمح لك بإدارة أموالك وأملاكك كافة .. والدك إختار أخوك لذلك وهو بالطبع أفضل شخص لإدارة أموالك وحمايتها لكن مع هذا يجب أن أسألك طالما ما زالت الشركة بإسم راغب .. هل تريدين أن يبقى أخيك الوصي على أملاكك وأموالك حتى تبلغي السن القانوني ..؟!”
تلاقت عينا جيلان بعيني أخيها التي ابتسم لها مشجعا لتنظر الى عمها مجددا فتهتف بصوت هادئ لكنه جاد :-
” كلا يا عمي .. لا أريذ عمار وصيا علي .. أريدك أنت الوصي على أملاكي ..”
حلت الصدمة على ملامح عمار الذي لم يستوعب ما قالته أخته ولم تكن صدمة عابد أقل فآخر ما توقعه أن تعترض جيلان وترفض وصاية عمار عليها ..

google-playkhamsatmostaqltradent