رواية مالك المصري كاملة بقلم نسمة مالك عبر مدونة دليل الروايات
رواية مالك المصري الفصل الرابع 4
.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
“من أجمل الوصايا التي قرأتها هي وصية جبران خليل جبران عندما قال “صدِّقني؛ لو فقدت ما فقدت، لو كسر الحرمان أضلاعك، ستجتاز هذه الحياة كما يجتازها كل أحد، فأختر الرضا يهُن عليك العبور”..
مّر أكثر من أسبوع، أنشغل” مالك” خلاله في مأمورية هامة عاد منها منتصر كعادته، و لكن حالته حقًا مزرية، أُصيب كتفه الأيسر بطلق ناري، و العديد من الكدمات و الجروح متفرقة على كامل جسده، و برغم كل هذا كانت ملامحه تُشع منها الفرحة الغامرة بعدما حقق مراده و تمكن بعلاقاته من إيقاف سفر جميلته العنيدة و هذا أكبر إنتصار بالنسبة له..
كان الوقت فجرًا لحظات ظلام الليل الأخيرة، صف سيارته بعيدًا عن منزله حتى لا يُقظ عائلته و ينصدموا بما حدث له، و خاصةً جدته، شقيقته، و زوجة والده التي تعتبره بمثابة إبنها الأكبر..
سار عدة خطوات بخطي مجهدة حتى وصل لباب الفيلا الخارجي، فأنتصبوا أمامه أفراد الأمن، أسرعوا بفتح الباب له، دلف هو بصمت كالمعتاد ليقابله “حسن” رئيس حرس والده و صديقه المقرب، وقف أمامه و تطلع لهيئته بنظرة يملؤها الغيظ مردفًا بمزاح ..
“تاني يا ذكي! .. قصدي تاني يا مالك روحت للي بيضربوك و خلتهم يعلموا عليك تاني يا أبني!”..
نظر له “مالك” بحاجب مرفوع و هو يقول..
“يعلموا على مين يا حسن .. بفضل الله محدش قدر و لا هيقدر يعملها معايا..صاحبك عمل معاهم السليمة و عباهم كلهم في بوكس واحد”..
تطلع له “حسن” مضيقًا عينيه و تحدث بجدية مصطنعة قائلاً..
” اه فعلاً ما بين على وشك أهو “..
رفع يده وبدأ يُشير على جروحه الظاهرة واحد تلو الأخر مكملاً..
“و على كتفك، و عينك! .. دول بوظوا ملامحك خالص يا أبني.. بس الحمد لله رموشك و شفايفك كويسين.. و الباقي بقي كله بايظ”..
ظهر الأسف على وجهه مكملاً..
“يا عيني عليك يا صاحبي كنا عايزين نفرح بيك أنت و بنت الدمنهوري اللي مطلعة عينك و منشفة ريقك بس خلاص أنت كده بقيت غير صالح للجواز” .
أبتسم” مالك” له إبتسامة خبيثة مغمغمًا..
“تصدق أنت عندك حق يا حسن.. أنا فعلاً غير صالح إلا لجواز بنت الدمنهوري اللي هتجوزها بمزاجها أو حتي غصب عنها مش هتكون لراجل غيري”..
رفع يده و خبط على كتفه و تابع بأسف حقيقي..
” الدور و الباقي عليك أنت “..
تبدلت ملامح “حسن” للنقيض،رفع يده أمام عينيه و نظر للحلقة المعدنية الملتفة حول أصبعه، تنهيد بحزن و هو يقول..” مقدرتش أرفض طلب أبويا يا مالك ..و طلبه ده بالذات لانه بيعتبر بنت خالي دي بنته اللي مخلفهاش بعد
موت أبوها اللي كان عميد و اغتاله هو و مراته و ساب بنته “فجر” صغيرة مكملتش 7 سنين ..أتربت في وسطنا لحد ما بقت عروسة دلوقتي ” ..
صمت لبرهةً يلتقط أنفاسه و تابع بغصة مريرة قائلاً..
“أنا حب عمرها و هي بالنسبالي زي أختي يا مالك ..خلت أبويا قالهالي صريحة هيقاطعني لو جرحت قلبها و رفضت جوازي منها”..
أستند ” مالك” عليه و صعد الدرج واحدة تلو الأخرى مدمدمًا..” اممم.. واضح كده إن خيبتنا واحدة يا حسن.. إسراء برضوا حب عمري لسه مفرتكة جبهتي بواحدة أنت زي أخويا خلتني كنت هثبتلها عملي قدام اللي خلفوها إني أجوزلها و مجوزش لوحدة غيرها”..
أخرج مفتاح الباب الداخلي للفيلا من جيب سرواله، و فتح الباب بحذر و طل برأسه يتأكد من عدم وجود أحد، و من ثم أستند مجددًا على” حسن” و همس بتعب ..
“كلو نايم.. وصلني أوضتي بقي في السريع كده قبل ما حد يصحى آآه “..
قطع حديثه متأوهًا بصوتٍ خفيض حين حمله” حسن” على كتفه على حين غره، و دلف به للداخل بخطي متسارعة..
“مااالك”..صرخت بها “عهد” زوجة والده التي خرجت للتو من غرفتها و اقتربت عليهما و نظرت ل “حسن” بأعين دامعة، و ملامح مرتعدة و صاحت بوجهه بصراخ قائلة ..
” أنت شايله كده ليه!” ..
لتستطرد دون أن تمنحه فرصة للرد..
“انطق عملت في أبني أيه؟ “..
قفز “مالك” من فوق كتف” حسن” و نظر لها نظرة راجية ومردفًا “عهد.. أهدي أنا كويس قدامك أهو .. مافيش داعي لصريخك اللي هيصحي البيت كله”..
جحظت أعين “عهد” بصدمة حين رأت هيئته المفجعة، و انفجرت فجأة في نوبة صراخ و بكاء مرردة إسم زوجها دون توقف..” غفرااان”..
ايقظت الجميع بصرخاتها، خرج” غفران” أول واحد راكضًا نحوها احتواها بين ذراعيه و ضمها لصدره بلهفة..
” هششش.. أهدي يا عهد متخفيش حبيبتي”..
“مالك.. مالك أبني مضروب بالنار يا غفران”.. همست بها بتقطع من بين شهقاتها الحادة، ليصطك “غفران” على أسنانه بغيظ، و رمق” مالك” بنظرة غاضبه و هو يقول.. “و هي يعني أول مرة يا عهودة.. ده حتى المرادي أخف من المرة اللي فاتت و جاية في كتفه”..
” مالك.. يا حبيبي يا أبني أيه اللي جرالك”..
كان هذا صوت” فاتن” التي فتحت باب غرفتها و خرجت منه مندفعة بخطي مرتجفه فاتحة ذراعيها لحفيدها تحثه على الاقتراب منها، فنصاع “مالك” على الفور و ارتمي داخل حضنها الذي استقبله بلهفة..
غادر” حسن” المكان بعدما أخذ الأذن من” غفران” بإشارة من عينيه، كان بطريقه للدرج المؤدي للأسفل، لينصدم ب “مكة” التى خرجت راكضة من غرفتها بملامح بدي عليها الذعر،اصتدمت بصدره الصلب كاد أن يسقطها على ظهرها،بلمح البصر كان ألتف بذراعه حول خصرها خطفها كالخطاف منعها من السقوط..
تفاجأت بوجوده هنا أمامها الآن، كتمت شهقة خافتة حين وجدت نفسها، بل كلها داخل حضنه، رفعت عينيها الزائغة و نظرت له نظرة يملؤها الحزن و الخذلان مزقت قلبه،لحسن حظهما أنهم بإحدى جوانب المنزل، لو تحرك بها خطوة واحدة سيراهم الجميع، فظل ثابتًا مكانه يسترق لحظات قليلة في قربها الذي أطاح بعقله..
كان شعرها الحريري مشعث بفيضوية أثر نومها، وجهها الأبيض المستدير تُزينة حمرة الخجل جعلتها قابلة للألتهام، هبط بنظره قليلاً لمنامتها الوردية التي تظهر جمال و فتنة عنقها و كتفها المرمري..
انفجر بركان شوقه و عشقه لها بأوردته،أسبوع كامل لم تخرج من المنزل مطلقًا تجنبًا لرؤيته ،فقد كل ذرة تعقل يملكها و ضغط على خصرها بكف يده ضغطه خفيفة كانت بمثابة ضغطه على قلبها و حرك شفتيه دون إصدار صوت قائلاً..
“واحشتيني يا مكة”..
ربااااه!!!
أخيراً نطق من كانت تظنه حجرًا! ، اتسعت عينيها على أخرها و تطلعت له بذهول و قد تهللت أساريرها و غمرتها سعادة بالغة جعلتها تطير لفوق السحاب، لكن اختفت تلك السعادة سريعًا و هوت بجناحيها مصطدمة بأرض الواقع حين تذكرت أنه أصبح رجل مرتبط، توحشت نظرتها و رمقته بنظرة نارية قبل أن ترفع يدها و تدفعه بعيدًا عنها بعنف و هي تقول بصوتٍ هامس..
“روح قولها لخطبتك يا حسن”..
أنهت جملتها و فرت راكضة من أمامه قبل أن تطولها يده ثانيةً..
…………………………….. صلِ على الحبيب………
أشرقت شمس يومًا جديد، استيقظت “إسراء” على نثر وابل من القبلات الحارة يوزعها زوجها على كامل وجهها، انبلجت إبتسامة على ملامحها الفاتنة قبل أن ترمش بأهدابها و من ثم فتحت عينيها ببطء..
“يا صباح الجمال .. يا ساحرتي”..
قالها “فارس” و هو يتأمل عينيها بافتنان، فتحت “إسراء” فمها لترد عليه إلا أنها أغلقته ثانيةً، و قد تحولت ملامحها الحالمة لأخرى غاضبة، و دفعته فجأة بعيدًا عنها لكنه لم يتزحزح عنها و لو أنش واحد، بل إلتصق بها أكثر، لتتحدث هي بغضب عارم قائلة..
” أنت دخلت هنا إزاي؟!.. أنا قافله الباب بالمفتاح من جوه و قولت مش عايزه أشوف حد فيكم لا أنت و لا بناتك.. عايز مني أيه بعد ما نفذت اللي في دماغك أنت و بنتك و رضيتم غروركم؟ “..
حاصر جسدها بجسده سيطر على حركاتها المنفعله، سار بكف يده على طول ذراعها العاري صعودًا و هبوطًا، تطلعت له و هي تمتثل رغمًا عنها للسحر الذي يبثه لها بنظراته..
“عايزك أنتي .. و لا ألف باب يمنعني عنك يا إسراء يا غرام المغرور .. “..قالها بلهجة أكثر خشونة و كأنه يثبت لها مشاعره و ملكيته إياها وحده..
لثم شفتيها بقبلة رقيقة و أبتعد عنها على مضض مكملاً..
“و عايز رضاكي علينا أنا و بنتك عشان السفرية تبقي سهلة و الورق اللي متعطل ده يخلص “..
” عمري ما هرضي و لا هوافق على غربة البت يا فارس و طول ما أنا مش راضية مافيش حاجة هتم و لا هتكمل”..
تحلى “فارس” بالصبر و أردف بهدوء قائلاً..
“عايزة تفهميني إنك مش عايزه تشوفي بنتك دكتورة كبيرة تشرفنا و تشرف بلدها؟ “..
التمعت أعين” إسراء ” بالدموع و تحدثت بصوتٍ اختنق بالبكاء قائلة..
” كل أم بتتمنى تشوف ولادها أحسن الناس.. و أنا نفسي تكون بنتي هنا جنبي و قلبي مطمن عليها أكتر من إنها تبقي ناجحة و هي بعيد عن حضني “..
” بس لو بنتك فضلت هنا جنبك هتفضل و هي مجبورة و هتبقي مهمومة و حزينة طول الوقت لأننا وقفنا في طريق حلمها.. أنتي عارفة إن الكلية اللي قبلتها دي كانت حلم حياتها اللي فضلت تجتهد عشانه طول السنين اللي فاتت، و لما توصله بعد كل التعب و المجهود اللي بذلته نيجي إحنا و نمنعها عنه! عمرها ما هتسمحنا و مش بعيد تكرهنا و تكره اليوم اللي اتولدت فيه لقيتني أنا أبوها و أنتي أمها “..
ظهر التأثر على ملامح” إسراء ” جعلته يظن أنه أقنعها بحديثه هذا، لتصدمه حين صفقت بكلتا يديها فجأة و صاحت في وجهه بصوتها الناعم قائلة..
” يا أخويا أنا عايزاها تكرهني بس تتنيل و تقعد قدام عيني هنا و لا تحبني و هي متغربة و بيني وبينها بلاد”..
” أخويا!! بقي أنا أخوكي؟”.. قالها بعبث و هو يجذها عليه و أجلسها على قدمه مكملاً بوقاحة..
“ده أنتي عماله تغريني بكل الطرق عشان تحملي مني و تجيبي الواد اللي نفسك فيه”..
توهجت وجنتيها بحمرة الخجل، و لكزته بخفه في كتفه بقبضة يدها مردفة بعتاب..” و أنت يعني في حاجة قصرت فيك.. قلبك طاوعك و قساك عليا و بعدك عني”..
لثم عنقها هامسًا بحميمية..
“أنا قلبي ده محنش إلا ليكِ أنتي و بعدي عنك على عيني بس من خوفي عليكي يا إسراء “..
مالت برأسها على صدره، و همست بدلال قائلة..
“يبقي عشان خاطري أقنع إسراء تشيل فكرة السفر دي من دماغها خالص “..
أستمر في تقبيلها و هو يقول..” مينفعش يا بيبي.. أحنا خلاص جهزنا كل حاجة و فاضل ورقة واحدة بس هي اللي موقفة سفر البنت أدعي لينا نلاقيها الورقة دي عشان بنتنا تسافر و تشوف مستقبلها”..
“مش هتلاقوها الورقة دي يا فارس “.. أردفت بها بعصبية مفرطة، و هي تنهض بغضب مبتعدة عنه و تابعت باندفاع قائلة..” مالك خفي الورقة و مش هتعرفوا توصلوا ليها “..
توقفت عن الحديث حين رأت الغضب ظهر على ملامح زوجها الذي نهض من مكانه بهدوء مريب و على وجهه إبتسامة مخيفة، و اقترب منها و تحدث بنبرة دبت الرعب بأوصالها قائلاً..
“قولتي مالك؟ .. مالك ابن غفران هو السبب في تعطيل سفر بنتي”..
حركت” إسراء ” رأسها بالايجاب و السلب في نفس الوقت مدمدمة بشجاعة زائفة.. “اممم.. لا.. آه هو.. مش خطيبها و من حقه يمنعها لحد ما يتجوزها و بعد كده لو عايزه تسافر تبقي تسافر مع جوزها على الأقل متبقاش لوحدها و نبقي مطمنين عليها”..
” افهميني.. أنا مش هغصب بنتي على حاجة هي مش عايزاها.. و مالك ال **** أنا هروح أطلع ***** هو وأخواته كمان عشان يحلوا عني أنا و بناتي”..
قالها و تركها و خرج كالقذيفة المشتعلة، لتقابله ابنته” إسراء ” التي تحدثت بغضب يُشبه غضبه تمامًا قائله..
” مالك هو اللي معطل سافري يا بابي مش كده؟ “..
حاول” فارس ” السيطرة على ذروة غضبه حتى لا يتفوه بألفاظه البذيئة أمام صغيرته، صك على أسنانه كاد أن يهشمها و هو يجيبها..
“هو.. مالك ابن…. غفران.. أنا رايح له بنفسي”..
“أنا كنت واثقة إن هو” ..قالتها “إسراء” بابتسامة مصطنعة، و صمتت لوهلة و تابعت بنبرة تحدي قائلة..
” استني أنت من فضلك يا بابي.. أنا اللي هروح له…. “..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مالك المصري ) اسم الرواية