رواية اغصان الزيتون كاملة بقلم ياسمين عادل عبر مدونة دليل الروايات
رواية اغصان الزيتون الفصل الثامن و الستون 68
“”ستجرفك المياه نحو منحدرٍ زلق؛ وستظن إنك ناجٍ والبقية غارقون.”
___________________________________
سار “نضال” متتبعًا الموقع الإلكتروني الذي أرسله “حمزة” إليه كي يذهب لمقابلته هناك، فتفاجأ بمستوى الشوارع المنحدر والأزقّة الضيّقة، ناهيك عن الروائح الكريهه التي انبعثت له من الخارج بعد مروره جوار تلال من القمامة الملقاه بوسط الشارع، فـ اضطر لإغلاق النوافذ جميعًا وتابع سيره ممتعضًا، حتى وصل أمام مقهى شعبي ركيك وقد توقفت الخريطة الإلكترونية مُعلنة أن هذا هو الموقع الصحيح، فـ ترجل “نضال” عن السيارة ونظر من حوله بحثًا عن أي أثر يدل على تواجده بالمنطقة، حتى لمح سيارته مصفوفة في أحد الجوانب المنزوية، فـ عاد يستقر بداخل مقعده كي يصفّ سيارتهِ وبعدها أجرى محاولاته للتواصل معه :
– انت فين يا حمزة؟؟
تلفتت رأسه نحو المقهى ينظر بداخله حتى رآه من ظهره، فـ هزّ رأسه متفهمًا وأغلق المكالمة، ثم دلف إليه وجلس قبالته وهو يسأل :
– جايبني على ملى وشي ليه يا حمزة!
ثم نظر من حوله مستنكرًا وهو يتابع :
– وبعدين إيه المكان الغريب اللي قاعد فيه ده؟
ترك “حمزة” فنجان القهوة الغامق ووجهه مُكتسيًا بتعابير الخيبة العظيمة، ثم أردف قائلًا :
– إزاي الإنسان ممكن يبيع الضهر اللي سانده يا نضال؟
قطب “نضال” جبينه وكأنه لم يفهم مقصده، بالرغم من علمه بالمغزى الذي يرمي إليه “حمزة” :
– مش فاهم! مين باع مين؟.
كانت نبرة المرارة تظهر في صوته المتأرجح وهو يجيب :
– راغب مبقاش واحد مننا يا نضال، خلاص بقينا ٢ مش ٣.
أشار “نضال” للصبي الصغير وهو يهتف :
– واحد شاي نعناع الله يخليك.
ثم عاد يتحدث إليه :
– إيه اللي حصل لكل ده يا حمزة؟ مش عادتك تقلب على راغب بالذات القلبة دي كلها!
لم يرغب في تفسير أسباب في وسعها التقليل من شأن شقيقته أمام أي مخلوق مهما كانت درجة قرابته منه، وفضّل الصمت عن إفشاء أمور گهذه جارحة له بالأكثر :
– مش مهم، المهم إن اللي حصل في حقي لا يُغتفر، لا يُغتفر بالمرة.
اتسعت عيني “نضال” مذهولًا :
– للدرجة دي؟؟
– وأكتر.
اعتدل “حمزة” في جلسته ودنى منه قليلًا، ليهتف بنبرةٍ حملت شئ من الضغينة :
– لو عايز تعرف راغب تاني يبقى تاخد سكتك بعيد عني يا نضال.
– بس آ….
قاطعه “حمزة” ليُزيد التأكيد على ما أشار إليه :
– مفيش بس، ياأنا، ياهو.
نهض “حمزة” عن مكانه فـ وقف “نضال” مستوقفًا إياه :
– في إيه يا عم ما تهدا شويه، مش عايز أعرف الموضوع بينكم على إيه بس على الأقل متمشيش وتسيبني كده بعد ما جيت لحد هنا.
أشار “حمزة” للخلف وهو يقول :
– أنا هشوف أبو زيد وأجيلك مش ماشي دلوقتي.
التفت “نضال” فوجد “زيدان ” واقفًا بالخارج منتظرًا خروجه، فـ عاد ينظر إليه وهو يردف :
– ماشي مستنيك.
وعاد يجلس في مكانه وهو ينظر نحوه، كأن عينا “نضال” كانت تنظر للمستقبل وتتطلع إلام سيحدث، فرأى نصب عينيه توابعًا غير محمودة، أغلق عيناه عنها وهو يهمس بـ :
– آدي أخرتها، كده خلاص خسرنا وجود راغب!..
تأفف “حمزة” متضايقًا وكل ملامحه توحي بالضيق الشديد الذي يسكن صدره، ثم هتف بإنفعال :
– يعني إيه سافرت تشوف العيال؟.. هو احنا في رحلة يا ابو زيد؟.. ما قولتلك الفترة دي محتاجك ومتغيبش من قدامي.
لم يكترث “زيدان” بإنفعاله كثيرًا، مبررًا غيابه الأيام الماضية بمرض طفله المفاجئ :
– ما قولتلك ياابو البشوات الولا كان عيان، أسيبه يعني!.. دي الولية هبلة وتغرق في شبر ميا ولا تعرف تتصرف من غيري.. معلش يعني الضنى غالي علينا ولا مؤاخذة.
تنهد “حمزة” بصوت مسموع وأشاح ببصره عنه، فبادر “زيدان” قائلًا :
– عمومًا انا جيت اهو.
نظر “حمزة” من حوله مشمئزًا من تلك المنطقة التي أتى إليها، وأطبق جفونه كي لا ينظر أكثر بإتجاه كومة القمامة الملقاه في نهاية الشارع :
– وإيه المكان الزفت اللي انت قاعد فيه ده!.. ما انت واخد فلوس عشان تقعدلك في فندق عدل ولا تأجر شقة كويسة!
أخرج “زيدان” قداحته وبدأ يُشعل سيجارة ذات شكل مريب وهو يقول :
– الفلوس بعتها للولية والعيال يا باشا!.. أمال هنلاحق على المصاريف منين!.
لم يقتنع “حمزة” بكذبته ورمقه مستهجنًا استخفافهِ بعقله :
– هتبعت لمراتك ٢٠ ألف مصاريف ليه! فاكرني أهبل!.
ثم نظر لتلك السيجارة الغليظة والغريبة التي يُدخنها، ثم نظر إليه وهو يسأله مرتابًا :
– انت بتشرب حشيش كده عيني عينك؟؟
ضحك “زيدان” ببلاهةٍ :
– ماانا معايا الأڤوكاتو بذات نفسه محدش يقدر علينا بقى.
تبرأ “حمزة” منه علانية :
– ولا أعرفك.
لم يصدق “زيدان” ذلك التبرء الكاذب و :
– من ورا قلبك والله، ده انت جدع وصاحب صاحبك أوي.
كأنه ضغط على جرحه بشدة، أصابه بالنزيف من المكان الذي شُق بسكينٍ بارد، فـ تحممت براكين كانت مُضرمة بين ضلوعه بالفعل، وهو الذي ظنها ستصير رمادًا بشكل أسرع من هذا، بينما الحقيقة أن الحريق يشتعل أكثر وأكثر بمرور الوقت. نظر إليه “حمزة” نظرةٍ غريبة، وقد برقت عيناه بلمعانٍ، وحينما أحس الدنيا تضيق عليه كأنها لن تسع حزنه أبدًا؛ انسحب من أمامه وهو يردف :
– هبقى اكلمك بعدين.
– استنى بس ياباشا معملناش الواجب معاك!
حاول “زيدان” أن يستوقفه لكن هيهات لم يستطع وسط سرعة “حمزة” ورغبته في الذهاب من هنا، حتى “نضال” نهض مسرعًا للحاق به لولا الصبي الذي استوقفه صائحًا :
– الحساب يا بيــه!.
فـ وقف “نضال” على مضض وأخرج ورقة نقدية فئة المئتين وتركها له قبل أن يسرع بالخروج، فـ نظر لها الصبي مشدوهًا وهو يردف بتشككٍ :
– داهيه لتكون مزورة!
**************************************
كانت مبيتًا سيئًا، وليلًا من أسود الليالي التي مرت عليه، كأن الساعات تمددت وأصبحت سنوات طويلة ومُرّة. حضر “نضال” مبكرًا عن موعده بعدما علم من “رضوى” تواجد “حمزة” بالمكتب منذ الأمس، بعدما فشل هو في إيجاده أو العثور عليه بعد محاولات كثيرة، وأول ما فعله أن دخل عليه بغتة :
– صباح الخير يا عم، قلبت عليك الدنيا امبارح.
ترك “حمزة” الملف وتناول آخر وهو يقول :
– شوفلي آخر القضية اللي ماشي فيها المحامي الجديد إيه وتابع معاه، ورانا حاجات كتير عايز ننجزها.
نهض عن مكانه متابعًا :
– الحج قناوي جاي دلوقتي هو وابنه عايزني في حاجه، لما ييجي آ….
دلفت “رضوى” بعدما طرقت الباب :
– الحج قناوي وصل وانت قولتلي أقولك آ….
– خليه يدخل.
قاطعها آمرًا، ثم نظر لـ “نضال” ليقول :
– سيبنا لوحدنا يا نضال وشوفلي اللي قولتلك عليه.
أومأ “نضال” رأسه بالإيجاب قبل أن يلتفت ويخرج، ليدخل ذلك الرجل الذي يرتدي ثيابًا تنتمي للصعيد، فـ تحرك “حمزة” ليستقبله بجمودٍ وثبات :
– أهلًا يا حج نورت القاهرة.
فأجابه الرجل بلهجته الصعيدية :
– نورك يا ولدي.
ثم أجلسه متسائلًا :
– تشرب إيه؟
– ولا أي حاجه، اللي جايلك فيه ضروري ميستناش.. أبوك البيه – قالي- محدش هيحل الجضية – القضية – دي غيرك.
جلس “حمزة” خلف مكتبه متسائلًا :
– خير ياحج.
صارحه “قناوي” موضحًا :
– ولدي الكبير متورط في (جضية جتل) – قضية قتل-
همهم “حمزة” متسائلًا :
– أمممم.. وهو قتل فعلًا؟
كان “قناوي” صريحًا للحد المهلك وبتفاخر شديد :
– أيوة جتل.
تنحنح “حمزة” مضيفًا لأسئلته :
– مين؟
– أخته وعشيجها -عشيقها-
اتسعت عينا “حمزة” عن آخرها بعدما تجمدت حواسه كلها، كأن عقله الباطن قد ربط كل الأحداث التي يعايشها مؤخرًا بتلك الحادثة، بل وخيّل له الشيطان أيضًا إنه وقع في موقفًا مماثلًا وأصبح هو قاتل شقيقته ورفيقه معًا. زادت مدة صمته المذهل بعدما غاب استيعابه للحظات، حتى أشار له “قناوي” صائحًا :
– وه؟!.. روحت مني فين يا ولدي؟
انتبه “حمزة” لتلك الحالة المتيبسة التي أصابته، وعاد يسيطر على نفسه وهو يسأل بإهتمام شديد :
– وبعدين؟؟ حصل إيه وإزاي؟.
فأجابه “قناوي” :
– في شُجة – شقة- الحيوان ده، خلص عليهم هناك.
نهض “حمزة” عن جلسته والتفت وهو يسأل :
– في شهود أو حد شافه!!
– أخت ابن الحرام ده هي اللي بلغت عنه واتقبض عليه.
جلس “حمزة” قبالته وما زال الفضول متمكنًا منه للوصول إلى كلمة النهاية :
– أداة الجريمة فين؟ وهو قال إيه في التحقيقات؟.
تفاخر “قناوي” بصنيع ولده -الشجاع- من وجهة نظره وهو يقول :
– اعترف طبعًا والسلاح كان معاه، هي دي تهمة يتخاف منيها؟.. ده شرفنا وغسلناه يا متر.
طرد “حمزة” زفيرًا حارقًا من صدره، وحاول أن يهدئ من تلك الحرارة المنبعثة منه عن طريق ارتشاف جرعة كبيرة من المياه، ثم مطر حيال” قناوي” :
– أحكيلي بقى ياحج كل حاجه من الأول خالص.
**************************************
حتى إضاءة الغرفة الخافتة باتت تُزعجها، وهي التي ترهب الظلام وتخشاه كأنه الموت؛ لكنها بقيت مُرغمة على ترك بصيص من النور لكي تُمعن النظر لصور جمعتها بشقيقها منذ الصغر وحتى الآن، صور على شاطئ الساحل في تركيا وقبرص والعديد من المدن والبلاد التي زاروها. تضاعف بُكائها وانسابت خيوط الدموع من بين جفونها بإنهمار، ثم دفنت رأسها بالوسادة تاركة نفسها للبكاء المتقطع الذي كان يشق في صدرها شقوقًا متصدعة. توقفت عن البكاء فجأة، ونهضت عن نومتها المتكومة وهي تردف بإصرار :
– مش قادرة، أنا هروحله مش هسيبه غير لما يسامحني، لازم يسامحني.
وبدأت تُخرج ثيابها بعجالة استعدادًا للخروج والذهاب إليه، تجاهلت هاتفها الذي كان يرن بشكل مستمر، وهي على علم تام بهوية المتصل، إنه “راغب”، يُلح عليها من جديد كي تخرج من منزل والدها لتعيش بشكل منفصل، قبيل أن ينفضح أمرها أمام العائلة كلها؛ ومع ذلك لم تُجيبه حتى انتهت من ارتداء ثيابها وخرجت دون أن تُخبر “أسما”. استقلت سيارتها وقبل أن تديرها كانت تجيب على اتصاله :
– أيوة ياراغب.. أنا في الطريق رايحة لحمزة.
زفر “راغب” بقنوط وهو يهتف :
– حمزة مش هيقبل يسمعك حتى، ده صاحبي وانا عارفه أكتر منك.. طول ماانتي بتجري ورا صلحك منه هيفضل يشقّي فيكي يا يسرا اسمعي كلامي.
لم تتراجع أو تهتز لحظة واحدة، بل أصرّت على تنفيذ قرارها :
– لأ يا راغب هروح يعني هروح، أنا أخته الوحيدة ومش هسمحله يتخلّى عني.
– طب انتي فين خليني أجيلك ونتكلم؟.
بدأت في قيادة السيارة نحو الطريق :
– في الطريق خلاص، متتعبش نفسك على الفاضي، أنا هخلص المشوار ده وأجيلك.. سلام.
– استـ…..
لم تنتظر رد منه وأنهت المكالمة، ثم فصلت الطاقة عن الهاتف كليًا حتى تتمكن من الإنتهاء من مشوارها الهام والفاصل. طوال طريقها وهي تُجهز عريضة الدفاع عن نفسها، الكلمات التي ستستجديه بها كي يصفح عنها، كي ينظر إليها بعين الرحمة، وكلها أمل أن يستمع لها. وصلت أمام الشارع الرئيسي، فتوقفت بسيارتها بعيدًا وترجلت عنها، كانت تؤخر ساقًا وتُقدم أخرى، بين التردد والتخوف من رد فعله ومقابلته لها؛ لكن شيئًا ما داخلها يدفعها لأن تمضي في طريقها لمحاولة التأثير عليه، عسى ذلك يأتي بثماره.
—على جانب آخر—
كان “حمزة” جالسًا في سيارته أمام البوابة، يحس عدم الرغبة في الدخول للمنزل، لا يريد رؤية أي إنسان مهما كانت صفته، فقط يريد أن يختلي بنفسه لأطول وقت ممكن، بعيدًا عن جميع الناس. ترجل “حمزة” متخطيًا العتبات، فتح الباب ليجد ظلامًا دامسًا حتى في الطابق العلوي، فـ أيقن إنها ليست هنا. تنهد بأريحية وهو يفتح الأضواء كلها، وقبل إن يغلق الباب وجد من يدفعه فجأة، فـ التفت كي تقع عيناه عليها، فـ تأججت مشاعره من جديد، ونفرت عروق وجهه بوضوحٍ، وزأر بنبرة أرعبتها :
– إيه اللي جابك هنا؟؟.. أنا مش طايق أشوف وشك.
دفعته للداخل وأغلقت الباب عليهم، ثم أردفت بنبرة قوية وإصرار واضح :
– أنا خليت سُلاف تمشي وتسيب البيت مخصوص عشان نتكلم مع بعض يا حمزة.
ضحك ساخرًا، قبل أن يرميها بنظرة مزدرية ويقول :
– ماانتوا شبه بعض فعلًا، فرقتي إيه عن بنت الليل اللي رمت نفسها وابنها عليا وخدت إسمي ونسبي غصب عني!.. على الأقل دي كان عندها دافع غبي زيها، إنما انتي ليه؟
– وانت ليه يا حمزة؟؟ ليه نمت مع كل واحدة شويه؟.. ليه قبلت تفضل في الضلمة وتخسر ميان عشان رمرمة الستات اللي كنت عايش فيها!.
جادلها بعصبية مفرطة، غير متقبل تلك المساواة التي أنشأتها بينه وبينها :
– أنا معملتش أي حاجه حرام، كل واحدة نامت على سريري كنت بتجوزها قبلها وبرضاها، ومكنش في واحدة على ذمتي وسيبتها لبرد سريرها لوحدها ونمت مع واحدة تانية!.. إنما انتي؟ انتي واحدة متجوزة حرّمت على جوزها حتى يلمسها وحبّت راجل غيره.. انتي تستحقي الرجـم.
ختم عبارته وهو يقبض بغلظةٍ على رسغها وكرر :
– الرجـم يا يُسرا.. ليه، ليه يا يسرا؟
ضعفت نبرته وتحول صوتهِ لنبرة متحسرة وهو يستطرد :
– ليه كسرتي عيني وضربتيني في ضهري.
وبدأ صوته يتحول لصياحٍ مدوي وهو يهدر فيها مرة أخرى :
– لـــــيــــه!!.. لـيـه خـونتيـني.
انهمرت الدموع من عيناها وهي تدافع عن نفسها أمامه :
– أنا عارفه إني غلطت، بس انا حياتي كلها كانت غلط.. مخترتش أتجوز حاتم ولا اخترت أسيب مصر وأعيش برا ولا أخترت إنه يخوني ولا أخترت أعيش معاه مذلولة.
دافعها الوهن جعله يصرخ في وجهها بلا هوادة :
– تــقـومـي تــخـونيـه!.. تـخـونينــا كُــلنـا!!.
ازدردت ريقها متجاوزة شعور الألم الذي يضرب رسغها أثر قبضته، واستعطفته قائلة :
– أنتي اللي اتخليتي يوم ما خونتيني، وأنا مبقاش عندي مكان لواحدة زيك.
فتح الباب وجرّها للخارج جرًا، دفعها فـ سقطت على الأرض، ليصيح فيها :
– متحاوليش تيجي هنا تاني عشان خلاص مفيش حاجه تتقال، ولو حاولي مرة تانية أنا ممكن أقتلك يا يسرا، هـقـتلك عـشان أمـحـي أثر اللي عملتيـه كـله يا خـاينة.
استندت على الأرض ونهضت، فـ كان قد صفع الباب خلفها، طرقت عليه بقوةٍ خائرة ومازال صوتها ممزوجًا بنبرات البكاء :
– يا حمزة سامحني، أرجوك متعملش معايا كده؟.
تعالت شهقاتها ولم تتوقف عن التوسل إليه :
– حمزة أنا ماليش غيرك.. أفتح وخلينا نتكلم تاني.
لم تجد أي رد، أو أي صوت من الداخل، بل أن الأنوار كلها انطفأت وساد الهدوء الشديد، فـ سحبت ساقيها بصعوبة وهي تكافح ضعفها، وآخر ما قالته قبل أن تنصرف :
– بكرة تندم يا حمزة، بكرة تندم أنك رمتني كده.
كانت عيون الحُراس، عليها وهي تغادر بذلك الشكل المُهين بعدما رأوا جميعًا كيف تم طردها، حتى أن أحدهم بدأ يستخدم هاتفه بعدما رآها تخرج :
– ألو، أيوة لسه خارجه، لأ رماها برا الڤيلا.. بالظبط، تمام يافندم.
أغلق المكالمة واشرأب برأسه ينظر عليها، فرآها تمشي ببطء نحو نهاية الشارع، مط شفتيه بإنزعاج، وعاد يقف مستقيمًا دون النظر مرة أخرى عليها.
مسحت “يسرا” على وجهها وانحدرت يسارًا نحو سيارتها المصفوفة، استقرت داخلها وكادت تستخدم المحرك للقيادة، لولا إنها واجهت يدان تُلثمان فمها بقوةٍ، ولم يصدر صوتها وصراخها المستغيث، نظرت في المرآة فرأت ملثمًا يغطي وجهها وأنفها بقوة عتية لم تستطع هي التصدي لها، ولم تستطع التملص منه بأي شكل…
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اغصان الزيتون ) اسم الرواية