رواية رحيل العاصي كاملة بقلم ميار خالد عبر مدونة دليل الروايات
رواية رحيل العاصي الفصل الواحد و الثلاثون 31
ظل يطالعها بغضب حتى وجد نظراتها تتغير إلى الرعب وكانت تنظر إلى شخصاً ما يقف خلفه، وفجأة أمسكت يد عاصي بخوف ونظرت له بعيون دامعه، طالعها عاصي بدهشه ثم استدار هو وسلمى لينظروا إلى الشخص التي تطالعه رحيل بكل هذا الرعب..
وكان هذا الشخص هو أحمد..
الذي كان يقف أمامهم بثبات وسط نظراتهم المصدومة..
تذكره عاصي على الفور فتحرك نحوه بسرعه وأمسكه من ملابسه بعنف وصاح به:
– أنت بتعمل إيه هنا!
قال أحمد ببرود:
– جاي اطمن على بنتي، بنتي اللي أنت مقدرتش تحميها
وبعد كلماته تلك لم يستحق أحمد أن يرد عليه عاصي، بل استحق لكمة قوية توقعته أرضًا، اتجهت إليه رحيل بسرعه وامسكته ليبتعد عنه وكذلك سلمى، وقد استدعت إحدى الممرضات التي رأت هذه المشادة العنيفة أفراد الأمن ليأتوا بعد لحظات وقد أمسكوا بأحمد ولكنه دفعهم عنه ونظر إلى عاصي وقال:
– بنتي كانت تحت حمايتك بس أنت مطلعتش قد المسؤولية
نظر له عاصي بغضب عارم وقال:
– أنت أخر واحد تتكلم عن المسؤولية أنت فاهم!! أنت جاي بأنهي عين أصلاً
ابتسم أحمد ببرود وقال:
– هرفع قضية وهاخد بنتي منك، أكيد الحكومة هتوافق أني أخد حضانتها خصوصاً لما يعرفوا إنك مش قد المسؤولية عشان كده بنتي حاولت تقتل نفسها!
طالعه عاصي بذهول وسأل نفسه، كيف عرف تلك المعلومات؟! أقترب منه عاصي ثم قال بعيون قد أصابها الاحمرار من كثرة الغضب:
– لو متحركتش من قدامي دلوقتي هعمل اللي معملتهوش قبل سنين
نظر إليه أحمد بدهشه فأكمل عاصي:
– هقتلك، أبعد عن وشي احسنلك
فابتسم أحمد ببرود وأردف:
– تمام أنا همشي دلوقتي بس هرجع تاني عشان اطمن على بنتي
ثم نظر إلى رحيل ولوّح لها بيده وتحرك من مكانه، طالعها عاصي بذهول ليجدها تنظر إلى احمد الذي قد تحرك واختفى من أمامهم بصدمه، عاد إليها عاصي فقالت له بعيون متسعه:
– هو ده!
قال عاصي بتساؤل:
– أنت تعرفيه منين؟!
– ده اللي خطفني أنت اللي تعرفه منين!
التفت عاصي بسرعه وقد أدرك ما يحدث حوله، ركض بسرعه خلف أحمد حتى يمسك به ولكنه لم يتمكن من اللحاق به لأن الآخر قد اختفى من أمامهم في ثواني، وعندما وصل عند باب المستشفى بحث عنه كثيراً ولكن بدون فائدة، أتصل بعز الدين فوراً وأخبره أنه قد تعرف على شخص من الاثنان الذين يبحثون عنهم، وقد أرسل معلوماته لعز حتى يبدأ الآخر في التحري عنه..
عادت حنان من الحمام لتجد سلمى ورحيل يقفون معاً بمفردهم فاتجهت إليهم بتساؤل وسألتهم أين عاصي فكذبوا عليها أخبروها حجة أخرى لغيابه، وعندما عاد إليهم أقنع والدته أن تعود مع سلمى إلى المنزل من أجل مريم على الأقل حتى لا تبقى بمفردها، ولكن حنان قد رفضت وبشدة حتى جاءت إليهم طبيبة ليلى مرة أخرى، نظر لها عاصي باهتمام فقالت الطبيبة:
– الأخبار مش أحسن حاجه بس في نفس الوقت مش وحشه، أنا هسمح لحد واحد بس أنه يدخلها، مين أكتر حد الطفلة متعلقة بيه أو بتسمع كلامه
قالت حنان بلهفه:
– رحيل، هي بتحبها جداً
أومأت رحيل برأسها ونظرت إلى الطبيبة باهتمام فتابعت:
– طيب أنا عايزاكِ تفضلي جنبها وتمسكي أيديها بقوة، المشاعر دي المسؤول عنها المخ وبرضو هو المسؤول عن الاستجابات، حتى لو كانت في عالم تاني شعورك واحساسك هيقدر يرجعلها لينا تاني، وحبها ليكِ هيخليها تدرك وتتمسك بالحياة أكتر عشانك
أومأت رحيل برأسها بسرعه وقالت:
– أنا موافقة هعمل كده
وبعدها أخذتها الممرضة وجهزتها حتى تدلف إلى العناية المركزة حيث توجد ليلى، وبعد دقائق كانت رحيل تجلس أمامها بعيون دامعة وتمسك يدها السليمة بين كفوفها وظلت تحدثها بأمل واشتياق أن تعود إليهم..
كان عاصي يتابع كل هذا من النافذة الصغيرة التي توجد في نصف الباب، حتى شعر بيد سلمى التي وضِعت على كتفه، التفت لها بعيون دامعة فحاولت الأخرى أن تهون عليه، قالت:
– أنت لسه زعلان مني؟
مسح عاصي عينيه وقال:
– مش وقت الكلام ده
كررت سلمى سؤالها وعندما لم تتلقى منه أي إجابة قالت:
– لو أنا مكنتش رجعت غصب عنك مكنش كل ده هيحصل، صدقني كل حاجه هتتصلح تاني أنا وعدت نفسي وأنا راجعه أني أصلح كل حاجه
أومأ عاصي برأسه وابتسم بفتور، فقالت هي:
– أنت اتغيرت أوي على فكرة، هي السبب في التغيير ده مش كده؟
قالت تلك الجملة ثم نظرت إلى رحيل الجالسة أمام ليلى، و طالعها عاصي بصمت أيضاً، قالت سلمى:
– مين دي؟ وليه موجودة بينا دلوقتي مش فاهمه
– لو هي مكنتش موجودة مكنش زمان في كلمة ” بينا ” اللي أنتِ بتقوليها دي
– بتحبها؟
قالتها سلمى بفضول فصمت الآخر ولم يرد عليها، وبعد دقائق من الصمت قال:
– روّحي أنتِ وماما دلوقتي عشان مينفعش مريم تكون لوحدها، وهاتي رقمك خليه معايا عشان لو احتاجتلك
ابتسمت سلمى وأومأت برأسها ثم أخذت نمرة هاتفه واتصلت به من هاتفها، وعندما اتصلت به نظر عاصي إلى الهاتف بعيون ضيقة وكأنه يحاول أن يتذكر متى رأى هذا الرقم، قال بعدم تركيز:
– أنتِ اتصلتي بيا من الرقم ده قبل كده؟
– لا، بس غريبة أنا لقيت رقمك على موبايلي بس مش متسجل
وهُنا جاءت فكرة لعاصي أن يرى تاريخ كل المكالمات التي جاءت إليه من هذا الرقم، وعندما رأى اول مكالمة من هذا الرقم كان نفسه اليوم التي اتصلت به رحيل عندما تم اختطافها، وفي ثواني استوعب ما حدث وقتها فقال لها:
– أنتِ نزلتي في فندق أول ما رجعتي مصر؟؟ كان قدامه محطة بنزين الفندق ده؟؟
طالعته بذهول وقالت:
– أنت عرفت منين؟
نظر لها عاصي بصدمة ثم ضحك بسخرية، ما تلك اللعبة التي تتسلى فيها الحياة بهم، وكأن الحياة تلعب بهم جميعاً الشطرنج، عقله البشري لم يستوعب كم تلك الطرق التي تتقابل عند نقطة معينه لتعود وتفترق عند نقطة أخرى، لا يعرف ماذا تخبئ لهم الحياة في الأيام القادمة، لا يعرف كيف ستنتهي لعبة الشطرنج تلك ومن هو المنتصر فيها..
الكاتبة ميار خالد
مرت ساعات عادت فيها سلمى مع حنان إلى البيت، ليجدوا أن مريم قد نامت مكانها ولم يكن شادي في المكان، من الواضح أنه قد ذهب عندما غطت هي في النوم، وفي المستشفى وعندما وجد عاصي أن الوقت بدأ يتأخر ذهب إلى رحيل التي كانت تجلس أمام غرفة ليلى وقال:
– تعالي اوصلك الوقت بدأ يتأخر
– لا أنا مش همشي غير لما ليلى تفوق عشان لما تفتح عينيها تشوفني قدامها
قال عاصي برفق:
– بس أنتِ تعبتي النهاردة وأنتِ أصلاً تعبانة، يلا
– أبداً قولت مش همشي خلاص غير لما اطمن عليها
نظر لها عاصي بقلة حيلة وأدرك أنها إذا صممت على شيء سوف تفعله، فنهض من مكانه وغاب لوقت ثم عاد لها وقال:
– الممرضة هتجهرلك اوضة قريبة من ليلى عشان ترتاحي فيها، أعتقد كده ملكيش حجة
ابتسمت رحيل ونهضت من مكانها بتعب ثم قالت:
– إذا كان كده ماشي بس أنت كمان لازم ترتاح خليها تجهز سريرين في الاوضة دي
ابتسم عاصي وقبل أن تتخطاه أمسك يدها فوقفت ونظرت إليه بتساؤل، صمت للحظات ثم نظر لها بإمتنان وقال:
– شكرًا، شكرًا على كل حاجه وآسف برضو على كل حاجه
طالعته رحيل بذهول وعيون متسعه:
– معقول عاصي بيشكر وبيعتذر من رحيل في نفس الجملة، أحلام العصر دي صح!!
ضحك الآخر رغماً عنه فقالت بابتسامة:
– صحيح في سؤال متأخر أوي بس عايزه أعرفه، أنت ليه أول يوم اتقابلنا فيه حبستني وقولتلي في الأول مين اللي باعتك؟
ابتسم عاصي وقال:
– شوفتك وأنتِ قدام الشركة نازلة من عربية راجل غريب وبعدها أداكِ الكارت بتاعه، وطبعاً بعد المصيبة اللي عملتيها قدام الفوج افتكرت إنك جاسوسة
– جاسوسة مرة واحدة!! في جاسوسة بالعبط ده الله يخليك، اليوم ده حصل فيه مليون مصيبة أول حاجه نسيت أحط بنزين والعربية وقفت بعدين الراجل ده خبط عربيتي خبطة جامدة عشان كده وصلني لحد ما وصلت للناس الصينين دول، بجد أنا حظي وحش جداً
– بس أنا حظي حلو عشان شوفتك
كان يطالعها بعيون لامعه فتوترت الأخرى بشدة وقالت:
– ياااه على البني آدم ده أنت مكنتش طايقني في الأول يا راجل
– معروفه المحبة بتيجي بعد العداوة، مع إني عمري ما كنت عدوك أنا كنت عدو غباءك بس
نظرت له بابتسامة خجولة وفجأة تغيرت تلك الابتسامة إلى العبوس وقالت:
– لو حصل وجرالي حاجه، هتفضل فاكرني؟
شدد قبضته على يدها وقال بنفي:
– مش هيجرالك حاجه بلاش الكلام ده، كلنا عايزينك معانا عشان كده هتحاربي أي مرض وتفضلي
ابتسمت بحزن وقالت:
– بس الدكتور قال إن قلبي ضعيف أوي
قال عاصي بابتسامة:
– مصدقش، القلب اللي قدر أنه يتخلص من العاصي اللي جوايا قوي جداً، أقوى مني أنا شخصياً
– بجد؟!
قالتها رحيل بضحكة واسعه فضحك الآخر بطريقة لا إرادية، وبعدها ذهبت رحيل إلى الغرفة التي جهزتها لها الممرضة ونامت على إحدى السريرين الموجودين بها وقد غطت في النوم بسرعه من كثرة تعبها، وبعد فتره دلف عاصي إلى الغرفة أيضًا ونام على السرير المقابل لها، استلقى على جنبه وظل ينظر إليها وهي نائمة أمامه، ولأول مرة يشعر بكل هذا الخوف، يخاف أن يخسرها، يخاف أن تحقق المعني من أسمها وترحل عنه، الكثير من الضغط العصبي الذي يتعرض إليه لذلك حاول أن ينام حتى يرتاح قليلاً..
وفي الصباح..
استيقظت رحيل أولاً وعندما وجدت عاصي نائم لم تود أن تيقظه، لذلك خرجت من الغرفة واتجهت إلى العناية حتى تطمئن على ليلى، ولكنها عندما وصلت لها وجدت غرفة العناية فارغه!!
عادت إلى عاصي مرة أخرى وايقظته رغماً عنها وعندما استيقظ قالت بقلق:
– العناية فاضية ليلى راحت فين!
انتفض الآخر من مكانه واتجه إلى العناية فوجد كلام رحيل صحيح، بحث كالمجنون عن الطبيبة المسؤولة عن حالتها حتى وجدها وكانت هي أيضًا تبحث عن ليلى التي اختفت فجأة!
قال عاصي بقلق:
– ليلى فين؟!
ردت عليه الطبيبة بقلق كبير:
– حالتها استقرت وإحنا نقلناها اوضة عادية، أنا كنت مستنيه حد فيكم يصحى عشان افرحه بالخبر، هي كانت موجودة في الاوضة أنا مش فاهمه راحت فين !
وللحظة جال بذهن عاصي هذا الخائن الذي يُدعى أحمد، حاول أن يهدأ قليلاً وهو يقول:
– في كاميرات في المستشفى صح؟
– أيوة بس لازم إذن من البوليس عشان تدخل الاوضة نفسها
أومأ عاصي برأسه ثم نظر إلى رحيل وقال:
– هتتحركي معايا دلوقتي هوصلك بيتك وأنا هشوف الموضوع ده
حاولت رحيل أن تعترض ولكنه اسكتها ونفذت كلامه في النهاية، وبعد أن اوصلها بيتها أتصل بعز الدين واستدعاه إلى المستشفى حتى يتمكنوا من الدخول إلى غرفة الكاميرات..
***
الكاتبة ميار خالد
-هي كده مرتاحه صح؟
قالها أحمد بقلق، رد عليه الطبيب الموجود بجانب ليلى:
– كويسة الحمدلله بس هتاخد وقت لحد ما تستعيد وعيها تاني، عموماً الممرضة هتفضل معاها برضو ولو حصل أي حاجه كلمني..
ثم خرج من الغرفة، جلس أحمد بجانب ليلى وكان ينظر لها مشاعر كثيرة لا يفهمها، وأفاق على صوت شريف الذي قد دلف إلى الغرفة وقال:
– محتاج حاجه تاني؟
نهض أحمد من مكانه وقال:
– أنا مش فاهمك بصراحه، أنا كنت فاكر لما اجي أقولك على الفكرة دي هترفض مش تساعدني
أبتسم شريف وقال:
– بالعكس ده أنا اللي استغربت عشان أنت مكنتش عايز تدخل بنتك في أي حاجه
– ولحد دلوقتي مش عايز أدخلها في حاجه بس عِناد في عاصي هخليها عندي لحد ما تخف وهخليها تكرههم كلهم
– ركز أن البنت مش على اسمك وأنت معترفتش بيها أصلاً يعني أنت كده قدام البوليس خاطفها
– عارف بس أنا عايزك تساعدني وإحنا في الأخر مصلحتنا واحده
– وماله ماشي
وخرج شريف مرة أخرى، ونظر أحمد إلى الطفلة النائمة وتذكر كيف انتشلها من تلك الغرفة ومن المستشفى بأكملها في ثواني، فلم يشعر أحد به ولكن ما لم يحسب حسابه هو كاميرات المراقبة التي تمكنت من رصده، وقد تأكد عاصي من شكوكه تلك عندما وجد وجه أحمد في الفيديو..
حاول عز أن يُهدأ من غضب عاصي قليلاً، فقال الآخر:
– أنا مش فاهم البجاحه اللي هو فيها، زمان دمر حياة مريم ودلوقتي جاي يكمل عليها، بس أنا مش عارف مين الطرف التاني معاه
قال الجملة الأخيرة بتفكير، قال عز بتذكر:
– فاكر لما قولتلك في البداية إن طرف منهم ليك حساب قديم معاه بخصوص صفقة تقريباً، كده الصورة هتوضح بالنسبالك أكتر حاول تفتكر
ولكن عاصي لم يتذكر أي شيء بخصوص هذا الموضوع، وظل الاثنان معاً يبحثون في هذا الموضوع، حتى جاءت مكالمة لعاصي من الشركة فذهب إليها بعد فتره غياب طويلة..
في منزل عاصي..
استيقظت مريم من نومها بفزع لتجد حنان بجوارها وقد نظرت إليها بلهفه وخوف، قالت مريم بقلق:
– عايزه أروح لليلى بنتي
ابتسمت حنان وقالت:
– متقلقيش هي كويسة أخر مره عاصي كلمني فيها امبارح قالي أنها كويسة، غير كده رحيل معاها وجنبها هي بتحبها أوي
نهضت مريم من مكانها بهدوء ووقتها لاحظت تلك الغرفة التي تنام بها، أخر مره تتذكر أنها نامت على الأريكة عندما كان شادي معها، نظرت إلى الغرفة بشعور غريب عندما تذكرتها على الفور، غرفتها البسيطة والهادئة التي تحمل في ثناياها العديد من الذكريات القاسية و السعيدة في نفس الوقت، لم يتغير أي شيء بها ما عدا صورها التي قد اختفت منها، وعندما لاحظت حنان نظراتها تلك قالت بابتسامة:
– الاوضة وحشتك صح
لم ترد عليها مريم وظلت تطالع كل شيء بصمت حتى وصلت بعيونها إلى حنان، ظلت تنظر لها بصمت وهدوء وكأنها تروي عطش عينيها برؤية والدتها وسماع صوتها بعد كل تلك السنوات، قلقت حنان للحظات فقالت مريم:
– كنتِ واحشه عيوني مش عارفه لا أتكلم ولا أحس بأي حاجه غير إني عايزه ابصلك
وتلك كانت الإشارة لدموع حنان حتى تنطلق، بكت بقهرة وأخذت ابنتها في أحضانها وظلوا هكذا حتى قالت حنان بتوعد:
– قلبي مش هيسامح عاصي على اللي عمله ده، كدب عليا ودمر حياتك ودمر حياة ليلى إزاي هثق فيه بعد كده
ابتعدت مريم عن حضنها وقالت:
– لولا عاصي مكنش زماني في الحياة أصلاً
نظرت لها حنان بعدم فهم وتساؤل، فتابعت الأخرى:
– اللي أنتِ متعرفيهوش إني حاولت أقتل ليلى وهي لسه صغيرة، كانت لسه مولودة جنبي في السرير بتاعها محستش بنفسي غير وأنا كنت هقتلها، كنت هقتلها وأقتل نفسي بعدها، النار اللي جوايا مكنتش هتهدى غير بموتي، عقاب عاصي كان تأديب بنسبالي، حتى لما دخلت المصحة حاولت أقتل نفسي كتير وكل مره كانوا بيلحقوني، أخر مره حاولت أقتل فيها نفسي عاصي هو اللي منعني، كان جوايا غضب كبير اوي ناحيته وكنت شايفه أنه السبب في كل حاجه، في اللحظة اللي قدرت فيها إني اتخلص من الغضب ده قدرت أقف على رجلي، الغضب ده كان حِمل تقيل اوي عليا
نظرت لها حنان بعد أن قالت الأخرى تلك الكلمات، أي عقاب هذا أن تسمع تلك الكلمات من فوهة ابنتها الوحيدة، أي عقاب هذا الذي يجعلها ترى نظرة الألم تلك في عيون أولادها، ماذا فعلت في حياتها ليكن عقابها هو التألم على اولادها بهذا الشكل..
وكان جوابها على كلمات مريم هو عناق قوي ودموع، في بعض الأحيان يكون علاج ألم الروح هو عناق بسيط من احبتنا، عناق بسيط لا يدوم سوى بضع ثواني قد يكون الحل للكثير من الألم والأسى..
***
الكاتبة ميار خالد
كانت تجوب غرفتها بتوتر، حتى دلفت داليا إليها واخبرتها بموضوع فارس وأنه سوف يأتي لخطبتها بعد يومين، فرحت رحيل لها ولكنها لم تبدي رد فعل قوي لذلك تعجبت داليا وسألتها إذا حدث معهم شيء ولكن الأخرى لم ترد عليها ولم تخبرها أي شيء بخصوص ليلى وما حدث، تفهمت داليا أن من الممكن أن تكون رحيل تشعر بالضيق والتوتر من كثرة الاحداث التي تعيشها فقالت بمكر:
– إيه ده عاصي؟!
وكأنه قد خرج من أفكارها لتسمع اسمه أمامها فقالت بلهفه وبسرعه:
– عاصي إيه بيتصل ولا جه؟!!
ضحكت داليا بصوتٍ عالٍ ففهمت الأخرى أنها تمزح معها، قالت بضيق:
– أنتِ شايفه ده وقت هزار يعني
قالت داليا بدهشه:
– والله؟! شوف مين بيتكلم، إيه التغيير ده كله
ابتسمت بحزن وصمتت، لا تعرف ماذا حدث ليحل الظلام على روحها هكذا، برغم معرفتها لمرضها منذ شهور ولكن ولأول مره تشعر أنها خائفة، تائهة، حزينة، الكثير من المشاعر..
وعندما وجدتها داليا بهذا الضيق لم تود أن تزيد الأمر عليها فتركتها وعادت إلى غرفتها..
في شركة عاصي..
كان يقرأ العديد من الأرواق الموجودة أمامه بشرود، عقله مع ليلى وقلبه خائف أن يحدث لها أي شيء، وانتشله من مستنقع الخوف هذا هاتفه الذي صدع رنيناً برقم غريب، نظر إلى الهاتف بعدم تركيز ثم رد عليه، قال:
– الو
قال الطرف الآخر:
– أنت عاصي القاضي ؟؟
– أيوة خير؟
– أنا عارف ليلى بنت اختك فين، أنا متصل بيك عشان أساعدك
انتفض عاصي من مكانه وقال بلهفه:
– فاعل خير صدقني نيتي الوحيدة أني اساعدك، أنا أعرف أحمد هو صاحبي وعارف هو وليلى فين، بس مش هنقدر نرجعها النهاردة، هو لسه خاطفها النهاردة احتمال تتعب أو يجرالها حاجه، أنا هديك ميعاد نتقابل بكره وهنروح وهات البوليس معاك احتياطي
قال عاصي بدون تصديق:
– دي لعبه جديدة مش كده ؟
قال الآخر بصدق واضح في كلماته:
– صدقني ولا لعبه ولا حاجه ولو ليلى مرجعتش لحضنك أعمل اللي أنت عايزُه، أنا هقفل دلوقتي وبكره الساعة ٢ هتلاقيني قدام الشركة عندك جهز نفسك عشان نتحرك
– أنت مين ؟
– قولتلك فاعل خير وعموماً بكره هنتقابل..
ثم أنهى المكالمة ونظر عاصي أمامه بشك كبير، ولكن جزء صغير بداخله اطمئن لهذا الشخص لا يعرف السبب، شعر وكأنه يقول الحقيقة فعلاً
ترا ماذا سوف يحدث؟؟
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية رحيل العاصي ) اسم الرواية