رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل التاسع و الثلاثون 39
توقفت مكانها تنظر له برهبة واضحة بينما تقدم هو بسرعة نحوها يتسائل بقلق :-
” هل انت بخير ..؟!”
أكمل وهو يتفحص كفها بعناية :-
” لم أقصد إفزاعك ..”
رفع عينيه ينظر الى وجهها الباهت يتسائل مجددا بنفس القلق :-
” حياة ..!! هل تسمعينني ..؟!”
نظرت له وقد أفاقت من تلك الرهبة التي تملكتها لتومأ برأسها وهي تجيب بهمس :-
” انا بخير .. لا تقلق ..”
قال بجدية :-
” عودي الى الغرفة وسوف أنظف الزجاج …”
قالت بسرعة :-
” كلا ، انا سأفعل ..”
أكملت وهي تنتبه لطريقتها المثيرة للريبة فتبتسم بلطف :-
” عد الى الغرفة وإنتظرني .. سأنظف الارضية وأعد القهوة لكلينا ..”
هتف بدهشة :-
” قهوة الآن ..؟! ”
برمت شفتيها تردد :-
” الوقت متأخر أليس كذلك ..؟!”
أكملت وهي تبتسم له بخفة :-
” سأعد مشروب الكاكاو بالحليب .. تحبه أليس كذلك …؟!”
رد مبتسما بصدق :-
” كل شيء من صنع يديك يكون رائعا وأحبه دون شك ..”
لمعت عيناها بقوة وهي تردد بإبتسامة أبرزت غمازتيها :-
” إذهب هيا وإنتظرني ..”
” سأفعل شيئا واحدا وأغادر …”
نظرت له بتساؤل لتتفاجئ به ينحني نحوها طابعا قبلة خفيفة فوق شفتيها يتبعها بأخرى فوق موضع غمازتها اليمنى ليردد وهو يغمز لها :-
” هذه تصبيرة فقط .. سأنتظرك .. لا تتأخري..”
إحتقنت ملامحها وهي تهز رأسها دون رد ليبتسم وهو يغادر المكان لتنظر الى آثره بشرود إستمر للحظات قبل أن تنخفض بجسدها نحو الأرض تلتقط حبة الدواء بأناملها تنظر إليها بحذر …
تشعر إنها تخونه بما تفعله وكم يؤذيها هذا الشعور ..
كانت قد إتخذت قرارها مسبقا عندما قررت أن تستمر في زيجتها منه ونفذت الأمر دون تردد حيث سارعت تشتري حبوب منع الحمل وتتناولها بإنتظام لكن لا تعرف لماذا فجأة بات يتملكها شعور غريب من تأنيب الضمير ..
بالطبع لإنها تصرفت دون إخباره .. دون أن تستشيره ..
لا تعلم لماذا لم تخبره وهي تشعر داخلها إنه لن يعارض كما إنها ترى من منظورها الشخصي وتفكيرها العقلاني إن تصرفها صحيح جدا …
هل يمكن أن ينزعج من تناولها تلك الحبوب ..؟!
هزت رأسها نفيا بسرعة وهي تردد داخلها :-
( بالطبع لا ، ما زال الأمر مبكرا جدا على الإنجاب .. هو بالتأكيد يدرك ذلك أيضا …)
نظرت الى الحبة بحيرة استمرت لثواني قبل أن تحسم أمرها وهي تتناول الحبة تتبعها بالماء …
أحذت نفسا عميقا ثم إتجهت تخرج الحليب ومسحوق الكاكاو من مكانه لتعد مشروب الكاكاو بالحليب الدافئ لكليهما …
بعد مدة قصيرة حملت الكوبين وتوجهت الى غرفتهما لتدلف إليها فتجده مستغرقا في نومه …
وضعت الكوبين على الطاولة بسرعة وتقدمت نحوه حيث جلست جانبه تتأمل ملامحه الهادئة عندما مدت كفها تلمس لحيته برقة وملامحها مليئة بالحب ..
الحب فقط لا غير كان يسيطر عليها في تلك اللحظة …
أبعدت أناملها عن لحيته وهي تبتسم بنفس الحب عندما عادت تلمسها مجددا لتشهق بفزع وهي تراه يسحبها من كفها لتسقط على صدره فتتسائل بجزع :-
” ألم تكن نائما ..؟!”
قال وهو يقرص مقدمة أنفها :-
” هل صدقت إنني نمت حقا ..؟! كيف أنام وأتركك هكذا يا حياة ..؟؟ لن تتخلصي مني بسهولة ..”
همست مشاغبة :-
” أنت تتقن التمثيل يا نديم .. ظننتك نائما حقا .. يا لك من ممثل شاطر …”
” انت لم تر شيئا بعد .. مواهبي متعددة ..”
قالها وهو يغمز لها بشقاوة تراها لأول مرة على ملامح وجهه لتضحك وهي تهتف :-
” أحب أن أرى جميع مواهبك …”
قلب جسدها يحاصره من الأعلى مرددا بعبث :-
” سترين جميع مواهبي .. أعدك بذلك …”
أكمل وهو يلتقط فمها بقبلة عميقة إستجابت لها على الفور تبعها بقبلات متفرقة فوق وجهها ثم عنقها أشعلت لهيب الرغبة فيه وفيها فذابت بين ذراعيه كالعادة تمنحه الحب والعاطفة بسخاء مبالغ …
تتفاعل معه بشوق لا يقل عن شوقه …
تندمج معه وكأنها خلقت له منذ الأزل …
وهو بدوره يكتمل بها .. يتناغم معها بشكل لم يستوعبه .. يرغبها بجنون .. يعشق تلك اللحظات التي يقضيها وهي بين ذراعيه أو هو بين ذراعيها .. لا يهم .. ما يهم إن معها وبين أحضانها ينسى كل شيء .. الماضي والحاضر وحتى المستقبل .. لا يفهم كيف تمنحه هذا الشعور المميز .. الهدوء والرغبة المشتعلة في آن واحد ..
معها يتوحد كليا وبها يجد ضالته …
هي إمرأة أجادت إختراق عتمته حتى بات لا يرضيه شيئا أكثر من وجودها بين ذراعيه وبات إمتلاكها أساس سعادته ..
همست بصوتها المبحوح وهو يضمها داخل أحضانه طابعا قبلة طويلة فوق جبينها :-
فيعاود طبع قبلة أخرى مغمضا عينيه مستمتعا بوجودها هكذا بين ذراعيه ..
………………………………………………………………
كانت ممددة بين ذراعيه تستند بوجهها فوق صدره العاري تنظر أمامها بشرود تام فيسألها وأنامله تسير فوق وجهها :-
” بم تفكرين ..؟!”
ردت بصدق :-
” لم أستوعب بعد ما يحدث وكيف أصبحنا هنا ووصلنا الى هذه المرحلة ..”
ابتسم مرددا بثقة :-
” كنت أعلم إننا سنصل الى هنا وقريبا وحدث ذلك بالفعل ..”
رفعت عيناها نحوه تتأمله عن قرب .. ملامحه الرجولية الوسيمة بجاذبيتها المدمرة .. عيناه الخضراوين وبشرته السمراء .. لحيته الخفيفة وملامحه التي تجمع بين الوسامة والحدة … كل شيء به جذاب بشكل مرهق …
وكل مرة تنظر إليه تتأكد إنها تعشقه بكل كيانها ..
تعشقه بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
” ثقتك هذه تخيفني … ”
رددتها بعفوية ليبتسم وهو يرد بثقة :-
” ثقتي دائما كانت في محلها .. انا أعلم جيدا ما أريده وأسعى لنيله دون تردد … انتِ ما أريده يا شيرين ولإنني سعيت بقوة لنيلك لم يكن لدي شك إننا سنصل لهذه اللحظة …”
همست بخفوت :-
” بقدر ما يسعدني كلامك عن تمسكك بي ورغبتك هذه بقدر ما يخفيني ..”
” مم يخيفك كلامي …؟!”
سألها عاقدا حاحبيه بدهشة لترد بجدية :-
” رغم كل شيء .. دائما هناك داخلي خوف …خوف منك وعليك .. خوف يلاحقني دائما يا عمار .. ”
رفع جسده قليلا معتدلا في جلسته مرددا بتساؤل :-
” مالذي يخيفك بالضبط يا شيرين ..؟!”
إعتدلت هي الأخرى في جلستها فظهر قميص نومها الخفيف لترد :-
” أخاف منك يا عمار .. أخاف من تجبرك وتسلطك .. قوتك التي لا تتوقف عن إستخدامها .. خططك الدائمة .. أخاف من كل هذا وأخشى عليك في نفس الوقت .. أخاف عليك من شيطانك يا عمار .. شيطانك الذي يتحكم بك بكل قوته فتستجيب له ببساطة ..”
اقترب نحوها يحتضن وجهها بين كفيه مرددا :-
” لا تخافي علي يا شيرين .. انا قوي بما فيه الكفاية لحمايتك وحماية نفسي ..”
همست برقة :-
” أنا أحبك يا عمار .. أمنيتي الوحيدة أن أحيا معك بسلام ..”
رقت ملامحه وهو يجذبها داخل أحضانه :-
” وعدتك إنك ستحصلين على كل الحب والسعادة معي ..”
همست بتوسل :-
” لا تخذلني يا عمار .. انا وثقت بك .. سلمتك نفسي وقلبي وكل شيء .. حاربت الجميع لأجلك .. لا تخذلني من فضلك ..”
طبع قبلة قوية فوق شعرها مرددا :-
” أعدك يا شيرين …”
أكمل وهو يشعر بدموعها تبلل صدره :-
” فقط توقفي عن البكاء … لا أحب رؤية دموعك ..”
أبعدها عن صدره يمسح دموعها بلطف يردد :-
” لا أريد رؤية دموعك مهما حدث ..”
همست بصوت إجش :-
” اسفة ولكنني حاولت ألا أفعل .. لم أستطع منع دموعي من التساقط ..”
عاد يجذبها نحو صدره يردد بقوة :-
” إبكي يا شيرين .. أفرغي كافة دموعك لكن هنا .. فوق صدري …”
تساقطت دموعها الحارة مجددا فيشدد من إحتضانها بقوة وحماية تملكت منه ناحيتها ..
ظلا على هذه الوضعية حتى إبتعدت عنه تنظر الى وجهه تهتف بصدق :-
” انت تعلم إنني أحبك كثيرا ..”
هز رأسه يقول بدوره :-
” وأنا أحبك ..”
ابتسمت من بين دموعها تردد :-
” أريد أن أعيش معك ما تمنيته طويلا .. ما عجزت عن الحصول عليه مسبقا .. أريد أن أنسى الماضي وتنسى أنت أيضا ماضيك …”
قاطعها يتسائل وإصبعه يسير فوق وجنتها :-
” دوما ما تتحدثين عن ماضيك بطريقة غريبة .. أخبريني يا شيرين .. ماذا كان يحمل ماضيك …؟! ماذا فعل بك زوجك السابق …؟!!”
نظرت له برهبة ليرد :-
” أعلم إن هناك الكثير حدث في الماضي … أعلم ذلك .. لهذا يهمني أن أعرف .. إفتحي قلبك وتحدثي يا شيرين … ”
إبتعدت عنه كليا تمسح دموعها بأطراف أناملها وهي تقول :-
” هناك الكثير يا عمار ..”
” وانا مستعد لسماعه ..”
قالها بإهتمام لترفع عينيها الحمراوين تههف بعدم تصديق :-
” سوف تستمع لقصتي مع رجل غيرك ..؟!”
رد بقوة ظهرت في عينيه :-
” ذلك الرجل خرج من حياتك … انا الرجل الوحيد في حياتك بعد الآن ولا أحد سواي …”
ردت بجدية :-
” لقد خرج بالفعل ومنذ سنوات .. هل تعلم الشيء الوحيد الذي لم أندم عليه يوما إنني أخرجته من حياتي ..؟! كان أفضل قرار إتخذته في حياتي يا عمار ..”
” مالذي فعله ذلك الحقيرر..؟!”
سألها بملامح شديدة الغضب لتهمس بوجع :-
” الكثير يا عمار .. الكثير مما لا أريد تذكره حتى…”
أكملت والدموع تترقرق داخل عينيها مجددا :-
” لقد حطمني نفسيا .. دمرني يا عمار… ”
أكملت بضعف والدموع الحارقة عادت تتساقط فوق وجنتيها :-
” هناك شيء واحد يمكنني إخبارك عنه …”
نظر لها بإهتمام لتهمس باكية :-
” انا فقدت ابني بسببه .. فقدته مرتين ..”
همس مصدوما :-
” كيف يعني ..؟! هل سبق وأنجبتي منه ..؟!”
هزت رأسها نفيا وهي تردد :-
” حملت .. حملت مرتين .. وفي المرتين خسرت حملي .. بسببه .. ولداي ماتا داخل رحمي بسببه .. لم أستطع تخطي هذا الأمر حتى اليوم … كنت أرغب بهما بشدة رغم كرهي لوالدهما .. غريب أليس كذلك ..؟!”
نظر لها بإنصات لتكمل بحرقة :-
” كنت أريد أن أصبح أما … كنت أريد تجربة شعور الأمومة … في المرة الثانية بلغ حملي خمسة أشهر .. شعرت به يا عمار .. نما وكبر داخلي … قلت سأنجبه وأفرح به .. سأصبح أما أخيرا .. لكنه مات .. تركني وذهب عند أخيه ..”
إنخرطت في بكاء مؤلم فجذبها يعانقها بلهفة وهو لا يصدق ما يسمعه …
” اهدئي .. انا هنا معك .. لا تقلقي …”
ظل يكررها بإستمرار حتى توقفت أخيرا عن بكائها لتبتعد عنه وهي تمسح وجهها مرددة :-
” آسفة .. لقد أفسدت أول ليلة لنا سويا ..”
ابتسم مرددا :-
” ليس مهما .. فقط كوني بخير …”
قبضت على كفه تهمس بصدق :-
” سأكون بخير طالما أنت هنا بجانبي …”
ابتسم وهو يمرر أنامله داخل خصلات شعرها ليقول :-
” هل تعلمين شيئا ..؟!”
نظرت له بتساؤل ليضيف :-
” أرغب كثيرا أن أكون أبا .. أن أنجب طفلا .. طفلا منك انت يا شيرين .. انت دونا عن غيرك …”
همستها بعينين دامعتين ليكمل :-
” انت الوحيدة التي رأيت بها الأم التي أتمناها لأطفالي .. أريد أن ننجب الكثير من الأطفال .. أن نكون عائلة كبيرة …”
أكمل وهو يحيط وجهها بكفيه :-
” ألا تريدين أنت ايضا ذلك ..؟!”
ردت بعينين دامعتين :-
” أريد كثيرا ولكنني أخاف ..”
قال وهو يحرك أنامله فوق وجنتيها :-
” أخبرتك ألا تخافي وانت معي ..”
أضاف بجدية لا تخلو من اللهفة للحصول على طفل منها هي تحديدا :-
” لننجب طفلا يا شيرين … ”
ابتسمت مرغمة لينحني نحوها مقبلا شفتيها برغبة شديدة فتستجيب له وقد تمنت بدورها أن تحقق رغبته والتي تكون رغبتها هي أيضا ..
عاد يحتضنها بين ذراعيه بعد مدة مرددا بقوة :-
” أريد فتاة .. فتاة جميلة للغاية بعينين خضراوين وشعر بني طويل .. وأريد صبي .. صبي قوي وشجاع يحمل إسمي … ”
ضحكت رغما عنها تردد :-
” وماذا تريد بعد يا عمار بك ..؟!”
” أريد الكثير من الصبيان والبنات يا شيرين .. لن أكتفي بطفلين او ثلاثة … لن أكتفي سوى بعدد كبير من الأطفال … ”
همست تتسائل بفضول :-
” هل تريد أن يكون طفلنا الأول صبيا أم فتاة ..؟!”
رد بسرعة ودون تفكير :-
” فتاة .. وسأسميها ديانا …”
…………………………………………………………..
في صباح اليوم التالي ..
جلست أمامها تبتسم بهدوء لتبادلها جيلان إبتسامتها بقليل من التوتر …
هتفت منى بتساؤل وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها :-
” كيف حالك اليوم يا جيلان ..؟!”
ردت جيلان بخجل فطري :-
” بخير الحمد لله …”
قالت منى بجدية :-
” انت تعلمين إن اليوم هي أولى جلساتنا .. يعني الجلسة السابقة كانت مجرد تعارف .. جيلان ..”
نظرت لها جيلان بإنتباه لتقول منى :-
” اولا أريدك ألا تتعاملي معي كشخص يعالجك … انت أساسا لست مريضة .. انت فقط تعانين من مشاكل نفسية مثلك مثل الكثير .. مشاكل سنحلها سويا … لذا نحن شريكان في هذا الطريق .. سنتعاون حتى نهزم كافة مشاكلك … إتفقنا ..؟!”
ابتسمت جيلان وهي تهز رأسها بحذر لتضيف منى وهي تبتسم بدورها :-
” أنا أريد أن نسير خطوة خطوة على مهل .. لا أريدك أن تضغطي على نفسك أبدا .. سأسمعك بتروي .. إذا شعرت بعدم الرغبة في التحدث أخبريني فورا .. لا تجبري نفسك أبدا على شيء لا تريدنه .. ”
أضافت بقوة :-
” انت هنا لإنك تريدين التحرر من آلامك وتفريغ ما يدور داخل جبعتك .. انت هنا مخيرة ولست مجبرة لذا تعاملي على هذا الأساس وإعتبريني أختك الكبرى او صديقتك .. تعاملي معي على هذا الأساس ..”
اومأت جيلان برأسها لتسألها منى :-
” هل أنت جاهزة لنبدأ ..؟!”
هزت رأسها بحذر لتقول منى بجدية :-
” اليوم انت ستتحدثين .. انا لن أسأل ..”
همست جيلان بحيرة :-
” عم سأتحدث ..؟!”
ردت منى بهدوء :-
” عن أي شيء تريدنه .. قولي ما تريدنه .. مالذي يزعجك حاليا مثلا ..؟! ماذا يدور في بالك دائما ..؟! قولي أي شيء تجدين نفسك راغبة في قوله …”
قالت جيلان بتردد :-
” المشكلة إنني أرغب بقول الكثير لكنني لا أستطيع .. أشعر بنفسي عاجزة عن التحدث ..”
رددت منى بتفهم :-
” هذا أمر طبيعي .. أنت ستحتاجين وقتا كي تعتادي على الأمر وتستطيعين التحدث بأريحية .. كما أخبرتك قبل قليل .. سنأخذ وقتا كاملا ولن نستعجل أبدا .. ”
إبتسمت جيلان بإمتنان لتقول منى :-
” إذا لا تتحدثي انت .. سأسألك أنا … ما رأيك ..؟! سنتحدث قليلا دون التطرق لأي شيء مزعج ..”
هزت جيلان رأسها بطاعة لتسألها منى :-
” حدثيني عن الدراسة .. كونك في سنتك الأخيرة .. كيف تستعدين لبدء العام الدراسي الجديد …؟!”
أجابتها جيلان على سؤالها ببطأ وتردد بينما إستمرت منى في سؤالها عن مختلف الأشياء .. جميع أسألتها كانت عادية وبسيطة جدا … كانت تسألها بشكل عام وهي حريصة على عدم التطرق لأي اسألة مزعجة ..
كانت تريدها جلسة ودية وقد أدركت إنها ما زالت غير مستعدة للتحدث لذا قررت أن تمنحها مساحتها الكافية وتسعى للتقرب منها في نفس الوقت ..!
هكذا مرت الجلسة التي إستمرت لمدة ساعة كاملة تجاوبت خلالها جيلان مع منى تدريجيا حتى إنتهت الجلسة وجيلان تودع منى مبتسمة على وعد بزيارتها مجددا بعد ثلاثة أيام ..!
غادرت جيلان مركز العلاج وطلبت من السائق أن يأخذها الى منزل أخيها الجديد بعدما أصر عليها أن تزوره في منزل الزوجية ..
رغما عن كل شيء فرحت عندما علمت بخبر زواج أخيها من شيرين ..
شيرين التي لم ترها سوى مرات معدودة لكنها أحبتها كثيرا وقد شعرت بكم اللطف والحنو الذي تحمله بشكل فطري …
لم تستطع رفض الدعوة خاصة عندما تحدثت شيرين معها بنفسها ودعتها على الغداء لتضطر القبول وهي تخبر عمها برغبتها في زيارة أخيها فيوافق بسرعة ..
وصلت الى المكان أخيرا لتتأمل الفيلا بإعجاب لحظي عندما تقدمت نحو الحارس تخبره عن هويتها فيرحب بها ..
دلفت الى الداخل ليخرج عمار يستقبلها فتتجه نحو أحضانه بشكل عفوي بحت ليحتضنها وهو يبتسم بسعادة وقد أدرك إنه مهما حدث ستظل مكانته عندها كما هي وأكبر دليل جريها بشكل عفوي بحت نحو أحضانه ..
ربت على ظهرها مرددا بفرحة ظهرت في نبرة صوته :-
” سعدت كثيرا بقدومك يا جيلان ..”
ابتعدت أخيرا عنه تبتسم بخفوت لترحب بها شيرين :- ” جيلان حبيبتي ، كيف حالك ..؟!”
همست جيلان بخجل :-
” بخير الحمد لله … مبارك الزيجة .. فرحت كثيرا لكما …”
تقدمت شيرين نحوها تحتضنها بحنو لتستسلم جيلان لأحضانها بحركة أسعدت شيرين التي رددت :-
” أنرت البيت بقدومك يا جيلان ..”
دلفوا بعدها الى الداخل لتقول شيرين وهي تجذبها من كفها :-
” ما رأيك بالفيلا …؟! هل أعجبتك ..؟!”
ردت جيلان وهي تتأمل المكان بإعجاب :-
” نعم ، إنها رائعة ..”
سألتها شيرين :-
” هل ترين غرفتك الآن أم نتناول الطعام أولا ..؟!”
تسائلت جيلان بإستغراب :-
” غرفتي ..؟!!”
رد عمار مؤكدا :-
” نعم غرفتك يا جيلان .. هذا منزلك انت ايضا ..”
قالت شيرين بدورها:-
” لقد أعددنا لك غرفة خاصة بك يا جيلان .. فأنت صاحبة المنزل مثلنا تماما .. أريد أن تخبريني عن رأيك فيها ويمكننا تبديل الأثاث أو أي شيء لا يعجبك …”
هزت جيلان رأسها وهي تبتسم بتوتر ليهمس عمار لزوجته :-
” لنتناول الطعام أولا ..”
ابتسمت شيرين تقول بحماس :-
” دقائق ويكون الطعام جاهزا ..”
تسائلت جيلان بتردد :-
” هل يمكنني الذهاب معك ..؟؟ يعني مساعدتك ..”
قالت شيرين بسرعة :-
” بالطبع يمكنك .. تعالي معي هيا … ”
جذبتها من كفها تسير جانبها وهي تتحدث معها أمام أنظار عمار الفرحة بقدوم شقيقته …
بعد مدة قصيرة جلس الثلاثة على مائدة الطعام يتناولون طعامهم عندما همست جيلان تتسائل :-
” أنت من أعددت هذا الطعام …؟!”
ردت شيرين مبتسمة :-
” فقط المعكرونة بالبشاميل .. الباقي جاهز ..”
قالت جيلان بصدق:-
” إنها لذيذة جدا .. ”
” شيرين طباخة ماهرة ..”
قالها عمار وهو يقبض على كفها لترد ممازحة :-
” لا تبالغ يا عمار .. هي فقط بضعة أكلات تعلمتها لا غير ..”
أضافت بحماس :-
” لكنني سأتعلم جميع الأكلات فأنا أحب إعداد الطعام بنفسي …”
قالت جيلان بتذكر :-
” ماما كانت تكره الطبخ …”
تجهمت ملامح عمار فإنتبهت شيرين لذلك عندما أكملت جيلان :-
” كانت تطبخ في حالتين فقط … عندما أرغب بأكلة معينة منها فهي رغم كرهها للطبخ تجيد صنع الطعام بشكل رائع وعندما يأتي عمار عندنا .. كانت ترفض أن تأتي بأي شيء جاهز وتعد له الكثير من الأطعمة التي يحبها …”
إحتقنت ملامح عمار بقوة لتهمس شيرين برقة :-
” رحمها الله …”
همست جيلان لأخيها :
” أعتذر إذا ما …”
رد عمار بحزم :-
” لا تعتذري .. من الطبيعي ما تقولينه .. والدتنا ستبقى ذكراها حية بيننا للأبد …”
نظرت جيلان الى شيرين تردد بشكل أدهش عمار :-
” لا أعلم لماذا عندما أنظر الى شيرين أرى فيها والدتي …؟!”
أدمعت عينا شيرين بينما غزا الألم ملامح عمار مجددا لتكمل جيلان بخفوت :-
” كانت قوية وذكية وحنونة جدا لكنها غادرتنا مبكرا .. تركتني وانا صغيرة للغاية .. ”
مسحت شيرين دموعها فورا بينما هتف عمار بجدية :-
” سامحيها يا جيلان …”
رفعت جيلان عينيها نحوه تردد :-
” علام أسامحها ..؟! الموت ليس بيدنا ..”
رد وهو يأخذ نفسه :-
” سامحيها فقط … رغم كل شيء هي لم تحب أحدا كما أحبتنا .. ”
ابتسمت مرددة :-
” أعلم ذلك …. ”
أضافت بتذكر :-
” هل تعلم ..؟! كان أكثر ما يخيفها ألا نتصرف كأخوة …؟! مع إنها كانت تعلم مدى حبي لك وفرحتي بقدومك … ”
ابتسم مرددا رغم حزنه :-
” أفضل شيء فعلته إنها أنجبتك يا جيلان .. على الأقل بعدما رحلت تركت قطعة منها تواسيني … ”
منحته جيلان إبتسامة بادلها إياها رغم الوجع الذي سيطر عليه بينما ربتت شيرين على كفه بدعم وقد شعرت بكل ما يدور داخله ..
…………………………………………………….
أغلقت الملف وهي تتنهد بتثاقل ..
ما زال اليوم في بدايته ورغم ذلك تشعر بتعب غريب يصاحبه اكتئاب يبدو إنه لن ينتهي …
مزاجها المتقلب أصبح يرهقها جدا ..
تشعر إن حياتها مشتتة بشدة ولا مكان للإستقرار فيها …
تبحث عن مرسى آمن لكنها تعجز عن إيجاده ..
لا تفهم مالذي عليها أن تفعله وهي التي غرقت في قصة عشق كانت نهايتها مؤلمة وهاهي تعاني تبعات هذه القصة حتى وإن حسمت قرارها سابقا في نسيانه بل وتمسكت بقرارها وهاهي بالفعل تخطو خطواتها نحو النسيان بكل ثقة دون تراجع ..
لكن رغما عن كل هذا ما زال داخلها يحمل جروحا لا تتضب وآلام لا تنتهي ..
ماضيها يلاحقها وخوفها من الستقبل مجهول المعالم يخنقها …
تحاول أن تتفائل لكن بلا فائدة فكل شيء حولها يخبرها إن القادم سيكون صعب للغاية ..
من جهة مشاكلها التي تخصها ومن جهة مشاكل عائلتها ..
لا تعرف ماذا تفعل وفيمَ تفكر تحديدا ..؟!
وضعت الملف جانبا وتمددت فوق سريرها تنظر الى السقف بصمت تام …
عيناها تخبران عن مدى حيرتها وقلقها …
أغمضت عينيها وهي تحاول أن تبعد تلك الأفكار عن رأسها …
ألا تفكر بأي شيء …
أن تريح دماغها …
أن تبعد تلك الصور المتفرقة عن عقلها …
حتى العمل الذي لجأت إليه فشل في إخراجها من حالتها تلك …
إعتدلت في جلستها تسحب هاتفها تنظر إليه للحظات قبل أن تفتح احدى انواع الموسيقى الكلاسيكية الهادئة التي تفضلها …
وضعت الهاتف جانبا بعدما رفعت الصوت الى أعلى نقطة ثم عادت تتمدد فوق سريرها مغمضة عينيها وصوت الموسيقى يتغلل داخل روحها بتروي حتى إندمجت معها كليا …
لطالما كانت تلك طريقتها للهرب من مشاكلها المحيطة بها … طريقتها الناجحة دائما …
إرتسمت إبتسامة خافتة فوق ثغرها تعبر عن ذلك السكون الذي ملأ كيانها وتلك الموسيقى تمنحها شعورا لذيذا كما إعتادت أن تفعل بها …
مر الوقت حتى نهضت من فوق سريرها تسحب هاتفه وهي تأخذ نفسها وقد ملأ كيانها شعور الراحة والإستقرار ..
ربما بالفعل عليها اللجوء الى بعض الأشياء للتخلص من أفكارها تلك ..
ربما عليها أن تعود الى جلسات اليوغا مثلا ..
هكذا فكرت وهي تخرج من غرفتها وتهبط درجات السلم لتجد والدتها تنهي إتصالها مع أحدهم فسألتها وهي تجلس على الكرسي المقابل لها بملامح هادئة :-
” مع من كنت تتحدثين ..؟!”
” مع نهاد زوجة خالك .. دعوتهم على العشاء ..”
قالتها ليلى بقليل من التعجب لتهز فاتن رأسها وهي ترد :-
” نعم ، لم تأتِ الفرصة لي لدعوتهم بعد عودتهم الى البلاد كما كان يفترض بسبب مرض والدك لكن بما إن والدك أصبح بخير فقلت لأدعوهم اليوم …”
هزت ليلى رأسها بتفهم وفكرت لا إراديا بزاهر الذي سيأتي اليوم ولا تعلم لماذا سيطر الحماس عليها فجأة وهي التي لم تره منذ حوالي ثلاثة أيام لكنها سرعان ما نهرت نفسها وهي تبرم شفتيها بعدم رضا ..
” سأتصل بمريم كي تتواجد مبكرا …”
قالتها والدتها وهي تنهض من مكانها تحمل هاتفها معها عندما وجدت عبد الرحمن يهبط الى الأسفل ممسكا بيد مربيته التي قالت :-
” عبد الرحمن يريد اللعب قليلا .. سأخذه الى الحديقة الخلفية ..”
قالت فاتن بسرعة :-
” إنتبهي عليه جيدا ..”
هزت المربية رأسها بطاعة بينما ليلى ترمق الصغير بنظراتها عندما خرج مع مربيته عندما وجدت والدتها تخبرها بجدية :-
” حاولي أن تقتربي منه يا ليلى .. مريم عنيدة ولا تسمع كلامي ولكن انت تختلفين عنها وتدركين جيدا إنه أخيك …”
هزت ليلى رأسها دون رد عندما منحتها والدتها إبتسامة خاصة تخبرها من خلالها بمدى ثقتها بها …!!
عادت بظهرها الى الخلف تشعر بالقليل من الضيق بسبب الحيرة التي تتملكها اتجاه هذا الطفل الصغير الذي تدرك جيدا إن لا ذنب له فيما يحدث …
نهضت من مكانها بعد فترة متجهة الى غرفتها عندما إتجهت لا إراديا نحو خزانة ملابسها تبحث عن فستانا مناسبا ترتديه ..
لا تفهم مالذي يجعلها تهتم قليلا بدعوة الليلة ولا تفهم لماذا تسعى لأن ترتدي شيئا تنتقيه بعناية مع إنها دائما ما كانت أنيقة ولا ترتدي سوى كل ما هو جذاب وأنيق …
توقفت عما تفعله وهي ترى شقيقتها تقتحم غرفتها لتمنحها نظرة معاتبة فتهتف الأخيرة بعدم إكتراث :-
” نحن شقيقتان .. لا داعي لهذه الرسميات بيننا ..”
” حقا ..؟! هذه ليست رسميات .. هذه خصوصيات علينا إحترامها …”
قالتها ليلى بجدية لتتجاهل مريم حديثها وهي تتسائل بإبتسامة ذات مغزى :-
” عائلة خالك سيأتون الليلة إذا ..؟!”
رسمت ليلى اللا مبالاة وهي تجيب بإعتيادية :-
” نعم ، علمت بذلك ..”
هتفت مريم بخبث :-
” ستكون سهرة مميزة بالتأكيد …”
رمقتها ليلى بنظرات حازمة لتضيف مريم بعبث :-
” ماذا هناك ..؟! هل قلت شيئا خاطئا ..؟!”
” توقفي يا مريم .. انت تعلمين إنه لا يوجد شيء مما تفكرين به أبدا .. ”
ردت مريم بتهكم مقصود :-
” نعم والدليل إنك تقفين أمام خزانتك تنتقين ملابسا لأجل الليلة ..”
قالت ليلى ببرود :-
” دائما وأبدا كنت أهتم بمظهري وأناقتي .. لا تدعي الدهشة الآن ..”
هزت مريم رأسها وهي تكتم ضحكتها :-
” نعم نعم .. تهتمين بأناقتك لدرجة إنك تنتقين ملابسك منذ الصباح لأجل دعوة على العشاء ..”
منحتها ليلى نظرات مشتعلة نادرا ما تظهر منها جعلت مريم تردد بسرعة وهي تندفع خارجة غرفتها :-
” سأغادر قبل أن تقتليني …”
ثم غادرت بالفعل لتزم ليلى شفتيها وهي تنهر نفسها مجددا :-
” ماذا أفعل أنا بالضبط ..؟!”
لتتفاجئ بمريم تمد رأسها وهي تخبرها بشقاوة :-
” إرتدي الأسود يا ليلى فهو يجعلك فاتنة بشكل مرهق …”
صاحت ليلى بها بقوة لتضحك مريم بعفوية وهي تغادر بالفعل هذه المرة فتبتسم ليلى بخفة رغما عنها ..!
…………………………،……………………………..
كانت تجلس على أرضية المكان بملامح جامدة وجسدها يهتز بإنفعال شديد ..
أيام مرت وهي محبوسة هنا في هذا المنزل البعيد …
أيام مرت دون أن تفهم شيئا سوى إن هذه أوامر راغب الهاشمي الذي قرر أن يبعدها عن الوسط تماما في منزل صغير يقع في إحدى المناطق النائية بوجود إثنين من رجاله اللذين يجلبان لها الطعام ويسألانها إذا ما تريد شيئا متجاهلين صراخها المستمر وتحطيمها لمختلف الأشياء بلا مبالاة مغيضة …
تجمدت أطرافها كليا وهي تراه يقتحم المكان أخيرا بملامح قوية صلبة لتنتفض من مكانها تصرخ بغضب كالجحيم :-
” وأخيرا أتيت .. كيف تفعل بي هذا … كيف تحبسني هنا ..؟! ”
رد راغب بهدوء وهو يقترب نحوها :-
” نعم أتيت .. ”
أضاف وهو يرمقها بنظراته القوية المهيبة :-
” أتيت يا تقى .. أتيت لنتحدث …”
همست بملامح محتقنة :-
” إخرجني من هنا فورا .. انت لا يحق لك خطفي …”
تجاهل ما تقوله وهو يتحرك متجها نحو الكرسي يجلس عليه واضعا قدما فوق الأخرى مرددا ببرود :-
” أخبرتك أن تبتعدي عن عائلتي .. أخبرتك ذلك أكثر من مرة .. حذرتك عدة مرات … ورغم هذا إستمريت فيما تفعلينه ولن تتراجعي .. في المقابل أنا أيضا تحركت .. في النتيجة لم أكن لأسمح لك أن تنالي من عائلتي أي شيء .. انا نبهت وتنبيهاتي لم تجلب نتيجة .. اللين لم يجلب نتيجة معك فلجأت الى طرق أخرى تناسب أمثالك ..”
” الخطف ..؟! هذه هي الطريقة التي تناسبني ..؟!”
ضحك مرددا بخفة :-
” لو كان بيدي لفعلت أكثر من هذا .. صدقيني .. لكنك للأسف الشديد فتاة ولست أنا من يتعامل بهذه الطريقة مع الفتيات … لهذا رغم كل شيء إلتزمت بحدود لا يمكن تخطيها فنحن تربينا على ذلك …”
” مالذي تريده مني يا راغب ..؟!”
سألته بنفاذ صبر ليتسائل بدوره :-
” ما أخبار الطفل ..؟!”
بهتت ملامحها ليسألها ببرود :-
” هل ستخبريني من هو والده أم …”
قاطعته بغضب :-
” مهند هو والده ولن أسمح لك أن تشكك بهذا ..”
ضحك ملأ فمه ثم قال :-
” كيف ومتى ..؟!”
ردت بتهكم :-
” إسأله هو …”
هتف وقد إختفت ضحكاته تماما وحل محلها الجمود والنظرات المتسلطة :-
” لا داعي لأن أساله فالجواب عندي ..”
ظهر التوتر على ملامحها وهي تسأله :-
” ماذا تقصد …؟!”
أشار لها لتجلس أمامه فهزت رأسها نفيا ليصيح بصرامة :-
” إجلسي لنتحدث … لست مستعدا لتحمل سخافتك …”
إبتلعت ريقها بقلق وهي تتقدم وتجلس مقابله منكمشة قليلا على نفسها ليخرج ورقة من جيبه ويرميها أمامها فتسائلت بتوتر :-
” ما هذه ..؟!”
” إفتحيها وستعرفين …”
جذبت الورقة تقرأ ما داخلها بعينين مهتزتين لتنتفض من مكانها مرددة :
” هذا كذب .. الطفل ابن مهند .. هو ابنه ..”
نهض بدوره مرددا بتهكم بارد :-
” حقا ابنه ..؟!”
هزت رأسها وهي تردد بتأكيد :-
” نعم ، اقسم لك إنه إبن مهند ..”
أكملت وهي تصيح عليه :-
” انت من زورت هذا التقرير .. تريد إبعاد مهند عني كما حاولت مسبقا …”
رد بعدم تصديق مما تفعله :-
” انت تكذبين الكذبة وتصدقيها ..”
أكمل وهو يخرج ورقة أخرى من جيب سترته يفتحها أمام صائحا بقوة :-
” وهذه الورقة أيضا مزورة .. من لجأ لعملية التلقيح الصناعي ..؟! من إتفق مع ذلك الطبيب الحقير على حقنه بنطفه رجل مجهول الهوية ..؟! قولي هيا من ..؟!”
إنتفض جسدها بهلع عندما شعرت بكفه تقبض على ذراعها يصرخ بها :-
” إسمعي يا هذه .. انت تعرفين جيدا ما فعلته … لم يخلق بعد من يعبث معي .. الان معي كل الأدلة التي تثبت إن الطفل ليس من أخي ولا يعنيه … قسما بربي إن لم تختفي من حياته وحياتنا فسأنشر هذه الأوراق في كل مواقع التواصل الإجتماعي وأجعل فضيحتك لا نهاية لها .. يكفي فضائح والدك يا تقى .. لست بحاجة لفضيحة جديدة …”
دفعته وهي تصيح بجنون :-
” إفعل ما تريد ولكن لا تنسى إنني زوجة أخيك .. لا تهددني يا راغب فأنا ما زلت زوجته وهناك ورقة زواج عرفي بيننا …”
ضحك بقوة على بلاهتها لتتأمله بعدم إستيعاب عندما أخرج ورقة ثالثة وفتحها أمامها لتتجمد لا إراديا وهي تهمس بعدم تصديق :-
صرخت وهي تحاول القبض على ورقة :-
” من أين أتيت بها ..؟!”
رد ببساطة :-
” من صديقتك تلك .. لا أتذكر إسمها …”
همست بعدم تصديق :-
” نعم .. هي سوزي ..”
قالها متهكما لتهز رأسها بإنكار فكيف لسوزي أقرب صديقاتها أن تفعل بها هذا ..؟! كيف تمنحه تلك الورقة وهي التي قررت أن تختفظ بها عندها خوفا من أن يسرقها مهند أو أي شخص غيره …
” يا إلهي .. هذا لا يمكن ..”
رد راغب ببرود :-
” بل يمكن .. لأجل المال يفعل المرء أي شيء ..”
أكمل عن قصدد:-
” مثلما فعلت أنت كل هذا لأجل أموال مهند ..”
هتفت بصدق :-
” أنا أحببت مهند .. اقسم لك إنني أحببته … لم أفكر لا بأمواله ولا بأي شيء ..”
قاطعها بغضب :-
” تحبينه وتفعلين به هذا … تحملين بطفلا ليس منه و ..”
قاطعته بسرعة :-
” كنت سأجهضه ..”
أكملت بعينين محتقنتين :-
” انت من أجبرتني على هذا .. ومهند أيضا عندما إبتعد عني … لم يكن أمامي حل آخر سوى هذا ..”
نطق راغب بنفور :-
” انت تثيرين إشمئزازي …”
بكت بحرقة وهي تكمل :-
” انت حاربتني منذ اول يوم وحاربت مهند كي يتركني .. ”
قاطعها بقوة :-
” نعم فعلت ولست نادما .. نظرتي بك كانت صائبة يا تقى .. مهما حاولت لن تغيري نظرتي فيك ..”
أضاف بسخرية :-
” ودموع التماسيح هذه وفريها لنفسك فأنا لا أتأثر بها مهما حدث …”
” انت لا يمكنك أن تكذب حبي له ..”
قالتها مدافعة عن نفسها ليرد ببرود:-
” هذا ليس سبب وجودي هنا ..”
أكمل وعيناه ترمقانها بقوة :-
” انا هنا لأخبرك أن تبتعدي عن مهند تماما .. لا أريدك أن تظهري أمامه مجددا … وإذا لم تنفذِ أوامري ستكون العواقب وخيمة …”
أنهى كلماته وهم بالتحرك لتهتف به :-
” عمار الخولي يعرف كل شيء ومعه نسخة من عقد الزواج …”
إلتفت نحوها يردد بلا مبالاة :-
” لا تقلقي بشأنه .. أنا أجيد التصرف معه .. فكري بنفسك ..”
أكمل وعيناه تضيقان حولها :-
” يمكنك مغادرة المكان .. سأكررها مجددا .. لا أريد رؤيتك حولنا مجددا وإلا حينها سأفعل ما لا يمكنك تصوره ..”
” ماذا ستفعل مثلا ..؟!”
سألته بتحدي وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها ليرد :-
” غير الفضيحة …؟!!”
إدعى التفكير للحظات قبل أن يجيب :-
” لدي الكثير مما يمكن فعله … صدقيني يا تقى أنا لا أهدد هكذا لمجرد التهديد .. أنا أتحدث عن ثقة .. كما حصلت على كل الدلائل التي تثبت إن حملك كادب بل وجلبت الدليل الذي يثبت طريقة حملك يمكنني فعل ما هو أكثر بمراحل … ”
أكمل بتهديد صريح :-
” خافي على نفسك يا تقى ولا تنسي والدك في سجنه .. لا أحد يعلم .. ربما حكم المؤبد يصبح إعدام ..!!”
…………….:…………………………………..:………
كان مهند يجلس في مكتب أخيه الذي يطالعه بصمت مريب..
صمت شعر إن خلفه شيئا هاما …
راغب الذي عاد الى القصر بعدما أنهى حديثه مع تقى منبها على رجاله أن يراقبوها عند خروجها وألا تغفل عيونهم عنها لحظة واحدة ليتركها وهو مطمئن إنها ستبقى تحت أنظاره يحاوطها بإستمرار وهاهو يجلس أمام أخيه كي يخبره بما حدث والحقيقة الكاملة رغم صعوبتها ..
يعلم جيدا إن حقيقة تقى سوف تكسره ..
سوف تجعله يشعر بالذل أمامه وهذا أكثر ما يزعجه لكنه مجبر على إخباره بكل شيء كي يعلم أي وحل كان يغرق فيه ..؟!
مد يده بالأوراق التي تحمل إحداهما تحليل الدي أن أي والأخرى أوراق تخص عملية التلقيح الصناعي التي قامت بها لينظر إليها مهند للحظات قبل أن تتجهم ملامحه …
لحظات طويلة وملامحه يسيطر عليها التجهم حتى نطق أخيرا بهدوء مريب :-
” كيف إستطعت القيام بالتحاليل خاصتي ..؟!”
رد راغب ببساطة :-
” ذلك التحليل الذي طلبه منك راجي ..”
توقف عندما لاحظ إشتعال عينيه للحظات ثم سرعان ما خمد لهيبهما وهو يردد بإبتسامة باردة :-
” كنت أعلم أساسا .. لم أصدق كذبة الرجل المريض والذي يحتاج فصيلة دمي …”
هتف راغب بدوره وهو الذي يفهمه للغاية :-
” أعلم ذلك .. كنت أعلم إن الأمر مكشوف بالنسبة لك ورغم ذلك كنت واثقا من قبولك الذهاب والتبرع …”
نظر إليه مهند بجمود ليسأله راغب مجددا :-
” كنت تشك بذلك ..؟!”
هز مهند رأسه دون رد ليتسائل بصوت منخفض :-
” رغم إنتا تقاربنا في تلك الفترة لكنني كنت متأكدا إنه ليس مني … ”
أضاف وعيناه تشردان بعيدا :-
” لم أستطع التصديق إنها خانتني .. رغم كل شيء ظننتها أحبتني …”
زفر راغب أنفاسه وهو يردد :-
” هي خانتك بطريقة مختلفة يا مهند .. ”
هتف مهند بصوت مليء بالغضب :-
” حملت طفل غيري .. كيف تكون الخيانة إذا .. ؟!”
قال راغب بتردد :-
” انت لم تفهم بعد .. إنظر الى بقية الأوراق … تقى تعمدت أن تحمل طفلا وتنسبه إليك لذا لجأت للتلقيح الإصطناعي …”
إستدار مهند بوجهه نحوه ينظر له بعدم تصديق ليهز راغب رأسه مؤكدا ما قاله فيتمتم مهند بعدم إستيعاب :-
” يا إلهي .. لا يمكنني التصديق …”
” بل صدق .. تلك الفتاة مستعدة أن تفعل أي شيء لتربطك بها …”
إعتصر مهند الأوراق داخل قبضته بقوة عندما أضاف راغب بجدية :-
” المهم ، لقد إنتهينا منها .. لا أريدك أن تفكر بها مجددا ..”
قالها مهند بتهكم عندما أضاف يسأله بضحكة هازئة :-
” وكيف تخلصت منها ..؟!”
رد راغب ببرود :-
” تصرفت معها .. أؤكد لك إنها لن تقترب منك بعد الآن ..”
سأله مهند بقوة :-
” أين هي ..؟!”
رد راغب بهدوء :-
” ليس مهما يا مهند .. ”
نهض مهند من مكانه يصيح متسائلا :-
” أخبرني أين هي ..؟! أريد معرفة مكانها ..”
نهض راغب بدوره يسأله بهدوء متفهما غضبه :-
” لماذا تريد معرفة مكانها ..؟!”
رد مهند بنظرات متوعدة :-
” أريد رؤيتها والتحدث معها ..”
هتف راغب بحزم :-
” تلك الفتاة إنتهت من حياتك تماما .. إفهم هذا وإستوعبه …”
” أريد معرفة مكانها يا راغب .. هذا من حقي …”
أضاف وعيناه تلمعان بحقد مخيف :-
” لا تنسى إنها زوجتي …”
قال راغب بقوة وحزم :-
” كانت زوجتك .. الورقة معك … مزقها فورا ولينتهي كل شيء … هذا إذا إعتبرنا إن ما كان بينكما زواج بحق …”
رمقه مهند بطرف عينيه يردد :-
” لماذا ترفض إخباري بمكانها ..؟!”
رد راغب وهو يتنهد بعمق :-
” انا لم أعد أعرف مكانها .. لقد إحتجزتها لفترة في منزل بعيدا ثم تركتها بعدما أخبرتها بكل شيء وهددتها أيضا لذا أطلب منك يا مهند أن تنسى تقى بكل ما فيها وتبدأ من جديد ..”
” وهل يفترض بي أن أفعل ..؟!”
سأله مهند وهو يضيف :-
” هل انا مضطر لتنفيذ كلامك ..؟!”
رد راغب ببديهية :-
” لو كان كلامي يتعارض مع مصلحتك فلا تنفذه …”
قال مهند متهكما :-
” دائما كلامك لصالحي ..”
رد راغب بثقة :-
” هذه الحقيقة ..”
قال مهند بتحدي :-
” سأجدها بنفسي .. لا داعي لخدماتك …”
غمغم راغب بعدم مبالاة :-
” انت حر .. ”
منحه مهند نظرات حادة وهو يندفع مغادرا المكتب ليهمس راغب بملل :-
” يبدو إن مهند هو الآخر يحتاج لمن يراقبه ..”
اما مهند فخرج مندفعا من المكتب ومنه خارج القصر بخطوات راكضة غير منتبها لتلك التي عادت من منزل أخيها أخيرا ليصطدم بها فتسقط أرضا وهي تصرخ بألم ..
زفر أنفاسه بقوة وهو ينظر إليها بعينيه الزرقاوين متمتما :-
” هذا ما ينقصني …”
ثم سألها من بين أسنانه وهو يراها تنهض من مكانها :-
” هل انت بخير ..؟!”
ردت وهي تنفض الغبار عن ملابسها :-
” نعم بخير …”
نظرت الى ركبتها التي جرحتها تلك الحجارة لتهمس بعفوية :-
” جرحت ركبتي …”
تأمل الدماء الخفيفة على ركبتها ليقول بجدية :-
” تعالي لأداويها …”
همست وهي تزم شفتيها :-
” وهل أنت طبيب لتداويني ..؟!”
” لماذا تتحدثين وكأن هناك رصاصة أصابتك ..؟!”
ثم أشار له تتقدمه :-
” سيري أمامي هيا …”
سارت أمامه على مضض عندما إتجه بها نحو المطبخ ليخبرها :-
” إجلسي هنا …”
جلست على الكرسي الذي أشار نحوه بينما طلب من إحدى الخادمات هناك أن تجلب له معقم الجروح وبعض القطن ولاصق الجروح ..
تأملته وهو يطلب منها أن تمد قدمها ويهم بفتح علبة المعقم لتقول بسرعة :-
” لا داعي للمعقم .. انه جرح خفيف …”
” نعقمه أفضل ..”
همست برجاء :-
” لكنه يحرقني …”
نظر لها مرددا بنفاذ صبر :-
” مدي ساقك يا جيلان …”
منحته نظرة متوسلة ليصيح بها بحدة أجفلتها :-
” قلت مدي ساقك ..”
مدت ساقها بسرعة وهي تضغط على شفتيها كي لا تبكي عندما وضع القليل من المعقم فوق القطن وبدأ يعقم مكان الجرح بعناية ..
وضع أخيرا اللاصق يغطي الجرح بالكامل ليقول :- ” بإمكانك النهوض الآن …”
نهضت من مكانها تتأمل مكان الجرح المغطى باللاصق لترفع عينيها نحوه وتردد بضيق :-
” انت وحش ..”
هتف بإمتعاض :-
” وانت طفلة مدللة ..”
تمتمت وهي تندفع خارح المكان :-
” وانت احمق …”
شهقت وهي تشعر به يجذبها من ذراعها مرددا :-
” تتجاوزين حدودك كثيرا يا جيلان .. لا تراعين حتى فرق السن بيننا ..”
همستها بخوفها ليهمس هازئا :-
” طالما إنك تخافين لهذه الدرجة ، لماذا تثيرين غضبي …؟!”
ترك ذراعها لترمقه بنظرات كارهة فيهمس ساخرا :-
همت بالرد عندما وجدا زهرة تهبط من درجات السلم وهي تردد بسعادة :-
” لقد عادت هالة يا مهند ..”
…………………………………………………
عانقت همسة أختها بسعادة شديدة وهي التي لم ترها منذ عدة أشهر عندما زارتها في الخارج لأسابيع قليلة مع طفليها …
أختها التي غادرت البلاد لأجل دراسة الطب وما زالت مستمرة في دراستها هناك …
لقد عادت فجأة في زيارة غريبة وهي التي لم تأتِ الى البلاد منذ مغادرتها لها في التاسعة عشر من عمرها فكانت ترفض القدوم بسبب ضغط الدراسة هناك مما يجعلها هي من تسافر لها سنويا وتبقى معها لأسابيع قليلة برفقة زوجها وخالتها في أغلب الأحيان …
إبتعدت هالة من بين أحضانها تردد بفرحة خالصة :-
” إشتقت لك كثيرا يا همسة …”
إحتضنت همسة وجهها وهي تردد بحب :-
” أنا أكثر يا هالة ..”
“دعيني أسلم على صهري ..”
قالتها بمرح وهي تستدير نحو راغب الذي إحتضنها بحنان أخوي أقرب للأبوة وهو يهمس لها مبتسما :-
” وأخيرا تذكرت العودة الى البلاد ..”
ابتسمت هالة وهي تبتعد عنه مرددة بحب :-
” إشتقت إليك حقا .. كيف حالك ..؟! ”
رد وهو يربت على وجنتها :-
” انا بخير يا هالة .. المهم أن تكوني انتِ بخير ..”
رددت بصدق :-
” انا بخير طالما أنتم جميعا بخير ..”
سألتها همسة بجدية :-
” لماذا لم تخبرينا إنك ستأتين اليوم ..؟!”
أجابتها هالة وهي تستدير نحوها :-
” أحببت أن أفاجئكم ..”
قال راغب بإهتمام :-
” كان يجب أن يستقبلك أحدهم في المطار على الأقل …”
قالت هالة وهي تغمز له :
” ولكن هناك بالفعل من إستقبلني …”
تسائلت همسة بإستغراب :-
صدح صوت فيصل وهو يدلف الى الداخل :-
” بالطبع أنا .. هل يوجد غيري ..”
همست له همسة معاتبة :-
” انت كنت تعلم ولم تخبرني ..”
” كنت أعلم منذ إسبوعين والوحيد الذي يعلم .. ”
ثم أشار الى هالة :-
” هي من أرادت هذا وانت تعرفين أختك .. لا يمكن المزاح معها ..”
اندفعت هالة نحو أحضان أختها تردد :-
” أردت أن أفاجئك ..”
طبعت همسة قبلة فوق وجنتها تردد :-
” كانت أحلى مفاجئة ..”
صدح صوت زهرة وهي تتقدم بلهفة نحوها :-
” هالة .. وأخيرا عدت ..”
اندفعت هالة نحو أحضان زهرة تردد :-
إحتضنتها زهرة بأمومة خالصة فهي بمثابة أمها الثانية التي تولت تربيتها منذ أن كانت في العاشرة من عمرها …
ظلت زهرة تشدد عليها وهي تهمس بسعادة غير مصدقة عودتها :-
” كم إشتقت إليك يا حبيبتي …”
ابتسمت هالة داخل أحضانها وهي تردد بفرحة لا تخلو من شقاوتها :-
” وأنا إشتقت إليك أكثر يا زوز ..”
قرصتها زهرة من وجنتها ثم قبلتها على وجنتيها عندما قالت هالة وهي ترى مهند يتقدم خلفة فتاة صغيرة بعض الشيء عرفتها من حديث أختها عنها :-
” دعيني أسلم على ابن خالتي …”
ثم إندفعت نحو مهند تحتضنه فبادلها عناقها قبل أن تبتعد عنه تسأله :-
” كيف حالك يا ابن خالتي العزيز ..؟!”
رد مهند وهو يرسم إبتسامة على شفتيه رغم ضيقه من مواجهته مع راغب وحقيقة تقى الصادمة :-
” بخير يا هالة .. الحمد لله على سلامتك ..”
شعرت هالة بوجود خطب ما فإبتسمت له وهي تربت على كتفه قبل أن تنظر إلى جيلان وهي تهتف بترحيب :-
” وانت جيلان بالطبع ..”
ابتسمت جيلان وهي تردد بخجل :-
” نعم ، اهلا بك والحمد لله على سلامتك ..”
قالت زهرة تعرف عن هالة :-
” هذه هالة يا جيلان .. إبنة أختي وشقيقة همسة ويمكنك أن تعتبريها إبنتي أيضا …”
” حدثتني همسة عنك كثيرا .. قالت إنك جميلة للغاية ولم تكذب ..”
احمرت وجنتي جيلان وهي تشكرها بخفة :-
اقترب فيصل نحو جيلان يحتضنها بعفوية مرددا :-
” جيلان فخر إنتاج عائلتنا عزيزتي هالة …”
ردت هالة تمازحه :-
” إنتاج عائلتكم بالذات يستحق التقدير يا فيصل ..”
سألت بعدها أختها بلهفة :-
” أين الصغيرين .. ؟! إشتقت لهما …”
قالت همسة بجدية :-
“في غرفتهما .. سأذهب وآتي بهما …”
قالت هالة بسرعة :-
” بل سأصعد لهما وأفاجئهما …”
” سآتي معك ..”
قالتها همسة وهي تسير جانبها عندما فتحت هالة غرفة الصغيرين وهي تصيح بمرح :-
” انا أتيت ..”
قفز الصغيران من مكانهما مرددين بفرحة :-
ثم هجما عليها يحتضانها ويقبلانها فتبادلها العناق والقبلات المتفرقة …
” إشتقت لكما كثيرا …”
قالتها وهي تحاوطهما بين ذراعيها ليرد سيف :-
” ونحن أكثر خالتي ..”
” هالة .. اسمي هالة .. توقفا عن قول خالتي ..”
برم نزار شفتيه مرددا بعدم رضا :-
” بابا وماما يخبرانا أن ننادي من يكبروننا سنا هكذا …”
هتفت هالة :-
” لا علاقة لي بما يقوله بابا وماما .. ستنادوني هالة .. هالة فقط …”
ثم عادت تحتضنهما بشوق وهي تشير لأختها التي تراقبها بسعادة :-
” إشتقت لهما كثيرا ..”
بعد قليل كانت قد وزعت هالة الهدايا على الجميع حتى جيلان عندما جاء دور الصغيرين فرددت بمرح :-
” أنتما لم أجلب لكما هدية …”
زم الإثنان شفتيهما بضيق لتهتف بمرح :-
” جلبت لكما حقيبة هدايا ..”
صاح الصغيران بصخب عندما حملت هالة حقيبة متوسطة الحجم ووضعتها أمامهما ليهبط الصغيران بجانب الحقيبة وهبطت هالة معهما تفتحها وهي تخبرهما :-
” أتيت من كل قطعة إثنتين .. كل واحد يأخذ واحدة له .. القطعتان متماثلتان تماما …”
نهضت من مكانها بعدما فتحت الحقيبة ليبدأ الصغيران بإخراج ما بها من ألعاب عندما عادت هي تجلس بجانب خالتها التي إحتضنتها فرددت :-
” إشتقت لك يا زوز ….”
” وانا أكثر يا حبيبة زوز …”
سألها راغب :-
” طمأنيني عنك وعن أخبارك هناك ..؟!”
ابتسمت هالة وهي تجيبه :-
” رغم إنك تتصل بي بشكل شبه يومي وتطمئن علي لكنني سأجيبك .. كل شيء يسير بأفضل ما يكون ..”
قال فيصل مازحا :-
” الكبير يجب أن يعرف كل شيء عن الجميع …”
قالتها هالة وهي ترفع رأسها بخيلاء ليصفق فيصل وهو يردد :-
” لقد عادت من تدافع عنك بشراسة يا راغب …”
” لا تتدخلي بيني وبين هالة يا فيصل ..”
قالها راغب وهو يضربه بخفة فوق ذراعه لتنهض هالة من مكانها وتتقدم نحو راغب تحتضنه من الخلف مرددة :-
” الكبير يظل كبير يا فيصل …”
ابتسم راغب وهو يربت على شعرها بحب عندما تسائلت وهي تعتدل في وقفتها :-
” أين عمي عابد .. ؟! اشتقت له كثيرا .. وراجي وتولاي …”
رد راغب بجدية :-
” عمك عابد خرج مع صديقه وحان موعد عودته على ما أظن وكذلك توليب خرجت مع صديقتها .. راجي لا موعد محدد لديه للعودة كما تعلمين …”
ابتسمت وهي تعاود تبادل الأحاديث معهما عندما جاءت توليب أخيرا لتصرخ بسعادة وعدم تصديق :-
نهضت هالة من مكانها تصرخ بنفس الحماس :-
ضرب فيصل كفا بكف وهو يردد :-
” هيلا وتولاي .. لا أعلم ما مشكلة إسميكما كي تستخدمان هذه الأسامي الغريبة ..”
همست توليب وهي ما زالت تعانقها :-
” لا تتدخل يا فيصل .. نحن نحب أن نستخدم أسماء تدليل ننادي بها بعضنا ..”
أكمل فيصل ساخرا :-
” إبتعدي عنها يا ابنتي .. من يراكما هكذا لا يصدق إنكما تعيشان في مكان واحد ولا تفترقان سوى وقت النوم ..”
قالت هالة ممازحة :-
” لم أرها منذ أكثر من شهر ..”
” نعم نعم معك حق .. مدة طويلة للغاية ..”
قالت زهرة مؤنبة فيصل :-
” ليديم الله عليهما هذه المحبة والأخوة .. انت لا تحشر أنفك بينهما …”
ضحكت توليب وهي تخرج له لسانها ليحمل مخدة الكنبة خلفها ويرميها نحوها عندما نهره راغب خلال نظرات عينيه ..
جاء عابد بعد مدة لتنهض هالة تستقبله بسعادة فيحتضنها بسرعة مرحبا بعودتها فرحا بقدومها …
” كيف حال دكتورتنا الصغيرة ..؟!”
سألها عابد وهو يربت على كتفها مبتسما لتهمس هالة :-
” ما زال الوقت مبكرا على لقب دكتورة ..”
رد عابد وهو يحتضنها من كتفيها :-
” ستنالينه بالطبع .. انت تستحقين هذا اللقب بل أكثر من يستحق ..”
شكرته هالة بسعادة وهو الذي دائما ما كان يعاملها كإبنته توليب تماما فعوضها عن عدم وجود أب في حياتها منذ الطفولة ..
بعد مدة صعدت هالة مع أختها نحو جناحها الذي كان جاهزا فزهرة كانت حريصة على العناية بجناحها وجناح توليب بإستمرار رغم سفرهما وإستقرارهما في الخارج ..
سألت همسة شقيقتها وهي تجلس جانبها :-
“‘كم من الوقت ستبقين هنا ..؟!”
ردت هالة بجدية :-
” اسبوع واحد لا غير ..”
قالتها همسة بحزن لتهمس هالة بخفوت :-
” لدي محاضرات مهمة لا يمكنني تفويتها ..”
قالت همسة بجدية :-
” إستغربت مجيئك كثيرا .. لم تفعليها منذ سفرك للخارج ..”
تنحنحت هالة تبتسم بخفة لترمقها همسة بنظراتها وهي تتسائل :-
” هل هناك سبب خفي وراء قدومك ..؟!”
اومأت هالة برأسها لتسألها همسة بإهتمام :
” ماذا هناك يا هالة ..؟!”
ابتسمت هالة بقليل من التوتر لتسألها همسة مجددا :-
” هل هناك شاب يتعلق به الأمر ..؟!”
اومأت برأسها وهي تردد :-
” نعم ، نفس الشاب الذي حدثته عنك …”
ابتسمت همسة وهي تردد :-
” إذا مالذي يجري بينكما حاليا ..؟!”
همست هالة بخفوت :-
” لقد إعترف لي بحبه ..”
قالتها همسة بفرحة وهي تضيف :-
” وماذا عنك …؟!”
قالت هالة بحماس ظهر في عينيها بقوة :-
” انا سعيدة جدا .. وسأعترف قرييا جدا له بمشاعري …”
” لم أكن أظن إنك تحبينه ..”
قالتها همسة بجدية لتقول هالة بدورها :-
” ولا أنا .. كان الأمر مجرد صداقة ثم تحول الى حب .. هكذا فجأة وبسرعة ..”
” اتمنى لك التوفيق معه …”
ابتسمت هالة لتكمل همسة بجدية :-
” هل أتى معك ..؟!”
هزت هالة رأسها وهي تقول :-
” ويجب أن أذهب معه اليوم الى حفل زفاف اخته ..”
” لهذا السبب أتيتِ ..؟!”
سألتها همسة بقليل من الدهشة لتهز هالة رأسها وهي تردد :-
” لقد توسلني أن أحضر حفل الزفاف ليعرفني على عائلته ..”
أكملت تسألها بتردد :-
” لا توجد مشكلة ، أليس كذلك ..؟!”
قالت همسة بسرعة :-
” كلا بالطبع لا توجد . يمكنك الذهاب … انا أثق بك…”
” إنه شاب محترم ورائع …”
قالتها هالة بصدق لتبتسم همسة وهي تردد بسعادة لأجل شقيقتها :-
” أثق بذلك لإنني أعلم مدى وعيك يا هالة … ”
ارتمت هالة بين أحضانه لتربت همسة فوق جسدها وهي تدعو لها داخلها أن يمنحها الله السعادة ..
…………..::…..،،……………………………….
وقفت أمام المرآة تتأمل طلتها بملامح حزينة عندما وقفت شقيقتها جانبها تربت على كتفها بدعم وهي تهمس لها :-
” إبتسمي يا نانسي .. لا تنسي إن هذه حفلة زفافك ”
أغمضت نانسي عينيها بقهر تردد :-
” لا أستطيع .. هناك غصة داخلي تتحكم بي … ”
أكملت وهي تقاوم دموعها :-
” ماما لن تأتي يا هايدي …”
ضغطت هايدي على كتفها تدعمها :-
” حتى لو لم تأتِ .. انا هنا بجانبك .. عمي ايضا … ”
إلتفتت نانسي نحوها تهمس بصعوبة :-
” لكنها أمي .. لا أحد يمكنه أن يأخذ مكانها ..”
رددت هايدي بأسى :-
” من فضلك لا تفعلي .. ارجوك يا نانسي ..”
أخذت نانسي نفسا عميقا قبل أن تسيطر على دموعها المتراكمة داخل عينيها عندما سمعتا صوت طرقات على الباب لتهتف هايدي بصوت مرتفع قليلا :-
فُتِح الباب وطل من خلفه شاب طويل القامة أشقر الشعر عندما صاحت نانسي بعدم تصديق :-
اتجه كرم نحوها يعانقها بسعادة لتهمس ببحة باكية:-
” ظننت إنك لن تأتي …”
همس كرم وهو يبتعد عنها محيطا وجهها بكفيه :-
” هل تعتقدين إنني سأتركك في يوم كهذا …”
همست نانسي من بين دموعها :-
” إشتقت لك كثيرا يا كرم …”
عاد يحتضنها بخفة وهو يردد :-
” انا أكثر يا نانسي ..”
إبتعد عنها ملتفتا نحو هايدي التي عانقته بسعادة وهي تهمس بينما تضربه بكفها على ظهره :-
” وأخيرا عدت أيها الشقي …”
ضحك وهو يبتعد عنها مرددا :-
” إشتقت لك انت الاخرى … وإشتقت كثيرا لشجارنا ..”
ضربته على كتفه مرددة :-
” واضح جدا كم إشتقت لي .. انت لا تتصل سوى قليلا ..”
رد معتذرا بصدق :-
” صدقيني مشاغل الجامعة والدراسة هناك تأخذ أغلب وقتي..”
استدار نحو نانسي يتأملها على مهل مرددا بعدم تصديق مذهولا من جمالها وجاذبيتها بذلك الفستان الأبيض :-
” يا إلهي يا نانسي .. تبدين أكثر من رائعة ..”
ابتسمت نانسي بخجل ليقبض على كفها مرددا وهو يجعلها تدور أمامه :-
” أجمل عروس رأيتها في حياتي …”
” انا سعيدة بوجودك معي يا كرم …”
قالتها نانسي وهي تعانقه مجددا ليبادلها عناقها قبل أن يسمع هايدي تسأله :-
” متى أتيت ولماذا لم تخبرنا مسبقا …؟! ”
رد بجدية وهو يقف جانب نانسي يحيطها بذراعه :-
” رغبت أن يكون مجيئي مفاجئة لكما … ”
” مفاجأة رائعة ..”
همست بها نانسي بحب ليقبلها من وجنتها فتسأله هايدي بإهتمام :-
” هل رأيت عمي ..؟!”
قال كرم بجدية :-
” كلا سأخرج الآن لرؤيته .. لقد أتيت مباشرة الى هنا لرؤيتكما اولا …”
قالت هايدي بسرعة :-
” ستجده في القاعة .. ”
هز رأسه وهو يشير لهما قائلا:-
” سأذهب هناك لتحيته هو والموجودين …”
أكمل بجدية :-
” أراكما بعد قليل …”
غادر المكان لتبتسم نانسي بسعادة فقالت هايدي بفرحة :-
” وأخيرا إبتسمتي…”
همست نانسي :-
” كنت أشعر بالإشتياق الشديد نحوه ..”
رددت هايدي :-
” وها قد عاد .. ما زال مشاغبا …”
ضحكت نانسي وهي تردد :-
” المهم ألا تتشاجران كالعادة …”
أكملت وهي تتنهد :-
” كلما يكبر كلما يزداد وسامة .. يشبه والدي بشدة ..”
تمتمت هايدي :-
” رحمة الله عليه ..”
أضافت وهي تنظر إليها :-
” اجلسي حتى يأتي عريسك وتخرجان سويا ..”
ابتسمت نانسي مرددة بتهكم :-
قالت هايدي بجدية :-
” نعم عريسك يا نانسي ..”
قالت نانسي بصعوبة :-
” انا خائفة جدا يا هايدي .. بل انا مرعوبة من ردة فعله عندما يعلم أمر حملي ..”
قالت هايدي بجدية :-
” لا يمكنه أن يفعل شيئا يا نانسي .. انت يحق لك أن تحتفظي بطفليك ..”
ردت نانسي بجدية :-
” وهو يحق له ألا يعترف بهما ..”
هتفت هاي بحدة :-
” هو مجبر على ذلك .. هما أبنائه … هذه حقيقة لا يمكن تغييرها ..”
” ليته يقبل بهما ويكون أبا حقيقيا لهما ..”
قالت هايدي بسرعة تؤازرها :-
” ربما يفعل .. لماذا تعتقدين السوء…”
همست نانسي بصوت معذب :-
” أتمنى ذلك .. أتمنى أن يخذلني حدسي هذه المرة ..”
………………………………………………………..
وقف شريف بجانب والدته التي ترحب بالضيوف يهمس لها :-
” حاولي ألا تظهري ضيقك لهذه الدرجة يا أمي …”
قالت نجاة بضيق شديد :-
” كيف أفعل ذلك يا شريف ..؟! انا لست مقتنعة بكل ما يحدث أساسا … ”
أضافت بحنق :-
” يكفي إن والدة العروس لم تحضر .. الناس تتسائل يا شريف ..”
رد شريف بجدية :-
” تجاهليهم من فضلك .. العيب عليها وليس علينا … هي من تركت إبنتها في أهم يوم في حياتها ..”
” لا أصدق إنني أحضر زفاف أخيك اليوم وأستقبل مباركة الضيوف لزيجته .. انت اكثر من يعلم إن صلاح لا يمكنه الإستقرار وتحمل المسؤولية ..”
قال شريف بجدية :-
” هو مجبر على ذلك بعد الآن .. لا حل آخر أمامه .. طالما إختار أن يتزوج الفتاة فهو مسؤول عن إختياره ومجبر على تحمل المسؤولية كاملة …”
تأففت نجاة بعدم رضا عندما وجدت صباح تتقدم وجانبها غالية حيث باركت لها صباح :-
” مبارك زواج صلاح يا نجاة .. عقبال شريف بإذن الله …”
ابتسمت نجاة محاولة إخفاء إنزعاجها وهي تردد :-
” أشكرك يا صباح … عقبال غالية حبيبتي وتفرحين بها كأخيها ..”
ابتسمت غالية وهي تتدخل في الحوار مباركة لزوجة عمها :-
” مبارك زواج صلاح يا زوجة عمي ..”
قبلتها نجاة من وجنتيها وهي تردد :-
” عقبالك انت حبيبتي ..”
ابتسمت غالية ثم اتجهت تحيي شريف بهدوء قبل أن تسير بجانب والدتها متقدمة نحو طاولة العائلة حيث تجلس زوجة عمها رحاب مع إبنتيها اروى ونرمين عندما حيت زوجة عمها ونرمين التي سعدت برؤيتها ورحبت بها ما عدا أروى التي ردت تحيتها بتحفظ تجاهلته تماما ..
جاء نادر إبن عمها يرحب بها وبوالدتها فردت تحيته عندما همست غالية لوالدتها :-
” نديم تواصل معي اليوم ..”
قالتها صباح بإهتمام وهي تضيف متسائلة :-
” ما أخباره …؟!”
ابتسمت غالية تطمأنها :-
” يبدو جيدا للغاية .. طلب مني أن أجعله يتحدث مع صلاح قبيل إنتهاء الزفاف كي يبارك له بل وطلب مني أن أشتري له هدية له ولعروسه بإسمه وإسم زوجته …”
” ليحميه الله هو وزوجته ويسعدهما ..”
آمنت غالية على دعائها عندما عادت تستقر في جلستها فتلتقي نظراتها بنظرات أروى التي أشاحت وجهها فورا فهزت رأسها بضيق وأخذت تتحدث مع نرمين التي تحدثت معها بلطف عكس شقيقتها …
اما شريف فكان واقفا يستقبل الضيوف مع والدته متغافلا عن نظرات اروى التي تحاصره بين الحين والآخر خشية أن تكشفه وهو ينظر لغالية …
تقدم عمار وشيرين تتأبط ذراعه حيث تقدم نحو زوجة عمه التي إستقبلته ترحب به وقد إبتسم هو مباركا لها …
عمه حسن وزوجته نجاة الأقرب لقلبه من عائلة والده خاصة نجاة التي لطالما حملت الود نحو والدته …
بارك لها ثم عرفها على شيرين قائلا :-
” أعرفك يا زوجة عمي .. شيرين زوجتي ..”
بالكاد سيطرت نجاة على دهشتها وهي تردد :-
” زوجتك ..؟! مبارك يا ولدي .. ”
أضافت وهي تحتضن شيرين التي باركت لها زيجة إبنها :-
” ماشاءالله .. ”
أكملت وهي تتأملها :-
” زوجتك رائعة الجمال يا عمار .. ماشاءالله عليها ..”
” شكرا يا هانم ..”
قالتها شيرين بخجل لتقول نجاة بسرعة :-
” ناديني بعمتي نجاة … انت واحدة من العائلة الآن .. لا داعي للألقاب الرسمية .. ”
قالتها شيرين وهي تبتسم بمحبة لتهمس نجاة وهي تربت على كتف عمار :-
” وفقك الله يا عمار في زيجتك ورزقك الأولاد الصالحين ..”
” ان شاءالله يا زوجة عمي ..”
قالها عمار بتمني عندما اتجه نحو شريف وهو يردد :-
” اخر ما توقعته أن أحضر حفل زفاف صلاح …”
ابتسم شريف يردد ممازحا :-
” في هذه العائلة أصبح كل شيء متوقع …”
أضاف بجدية :-
” مبارك انت لك زيجتك .. ”
بارك لشيرين ايضا لتشكره برقة ويشكره عمار مرددا :- ” أشكرك يا إبن العم وعقبالك .. حان دورك فنادر ما زال صغيرا على الزواج ..”
قال شريف بقليل من الوجوم :-
” شكرا ولكنني إكتفيت بنفسي ..”
قال عمار وهو يردد بمرح :-
” لا يجوز هذا … سنزوجك يعني سنزوجك يا دكتور …”
ابتسم شريف دون رد فأضاف عمار بصدق :-
” ستجد يوما من تناسبك لا تقلق …”
اتجهت أنظاره نحو أخته لا إراديا وهو يضيف :-
” ولا أحد يعلم .. ربما القدر يجمعك بمن يهواه قلبك يوما ما …”
” التغيير واضح عليك يا عمار .. لم أرك مرحا ومتفاعلا لهذه الدرجة منذ مدة .. تأثير المدام قوي عليك ..”
لمعت عينا عمار وهو ينظر الى شيرين التي إندمجت بالحديث مع نجاة ليبتسم دون رد فيربت شريف على كتفه مرددا :-
” اتمنى لك السعادة والإستقرار حقا يا عمار ..”
” وانا اتمنى لك المثل يا ابن العم ..”
ربت شريف على كتفه بأخوة بينما اتجه عمار مع شيرين التي تتأبط ذراعه وهو يتلقي التحية من الموجودين فيبادلهم إياها عندما وصل الى طاولة العائلة ملقيا التحية وهو يضيف :-
” كيف حالكم يا آل الخولي …؟!”
أضاف وهو يشير الى شيرين :-
” أعرفكم شيرين زوجتي ..”
تجهمت ملامح صباح بينما سيطرت الصدمة للحظة على غالية اما رحاب زوجة عمه نهضت تبارك له تتبعها إبنتيها حيث باركتا له ولشيرين ثم نادر عندما أشار عمار لغالية الصامتة :-
” ألن تباركي لي يا غالية …”
نهضت غالية من مكانها تبتسم مرددة برسمية :-
” مبارك الزيجة .. مبارك لك يا شيرين ..”
أكملت بنظرات ذات مغزى :-
” إختيار موفق يا عمار …”
ابتسمت شيرين بحرج بينما رد عمار تحيتها ثم أشار لصباح :-
” ألن تمنحينا مباركتك يا زوجة أبي ..؟!”
ردت صباح ببرود :-
” مبارك لكما ..”
ابتسم عمار وهو يرمقها بنظرات ذات مغزى عندما سحب الكرسي لشيرين كي تجلس عليه وجلس هو جانبها يتبادل أطراف الحديث مع نادر ونرمين وكذلك زوجة عمه رحاب …
نظرت غالية لا إراديا نحو شيرين التي تعرفها حق معرفها كونها كانت صديقة ليلى المقربة بينما كانت تشعر شيرين بالتوتر يغزوها تماما عندما أخذت تنظر بعيدا محاولة تجاهل الوضع الغير مريح لها إطلاقا ..
……………………………………………………
دلف كرم الى القاعة حيث تقدم نحو عمه الذي كان يقف بجانب بعض الضيوف يحييهم فإندهش عمه من قدومه قبل أن يحتضنه بسرعة …
إبتعد عنه بعد لحظات ليبارك له عمه زواج أخته عندما تقدمت زوجة عمه ترحب به …
اتجه بعدها نحو نضال الذي رحب به وهو الذي لم يره طوال سنوات حياته إلا قليلا…
وأخيرا تقدمت حنين والتي كانت تنتظر قدومه بلهفة ليبتسم وهو يتأملها بعدم تصديق مرددا :-
” حنين .. لا أصدق.. كبرتِ كثيرا يا فتاة ..”
ابتسمت بخجل وهي تحييه :-
” كيف حالك يا كرم..؟! الحمد لله على سلامتك ..”
ابتسم وهو يتأمل ملامحها التي نضجت وقد تحولت من طفلة صغيرة الى صبية ملفتة ليقول :-
” أشكرك يا حنين .. أصبحت جميلة جدا يا صغيرة …”
نبض قلبها بقوة وتمكنت منها السعادة وهي تسمع هذا الكلام من ابن عمها وحبيب طفولتها الذي أحبته منذ صغرها بصمت لتشكره مجددا بخفوت عندما إستدار نحو عمه مرددا بإمتنان :-
” أشكرك على ما فعلته مع نانسي يا عمي .. لقد أخبرتني هايدي بكل شيء ..”
ردد عمه وهو يربت على كتفه :-
” نانسي ابنتي يا كرم .. لا داعي للشكر .. انا سعيد بقدومك حقا .. كنت قلقا ألا تأتي …”
قال كرم بجدية :-
” هل يعقل أن أترك أختي في يوم كهذا ..؟!”
ربت عمه على كتفه مرددا بسعادة :-
” هذا ابن اخي الذي أفتخر به ..”
ابتسم كرم عندما أخذه عمه يعرفه على بعض الموجودين …
بعد مدة وجد حنين تتقدم منه وهي تقول :
” ستنهي دراستك قريبا ، أليس كذلك ..؟!”
ابتسم مرددا :-
” بإذن الله …”
سألته بلهفة :-
” وستعود الى البلاد بعدها ..”
” لا أعلم .. ربما أعود وربما لا …”
زمت شفتيها بعبوس عندما سألها هو :-
” وانت ما اخبار دراستك ..؟! ماذا تدرسين حاليا ..؟!”
ردت حنين بحيرة :-
” لا أعلم .. لم أختر تخصصا بعد ..”
” إختاري تخصصا تستطيعين النجاح به …”
قالت بجدية :-
” فكرت في العديد من التخصصات ولكنني لم أقتنع تماما بأيا منهم …”
ابتسم مرددا ببساطة :-
” إبحثي مجددا عن تخصصات أخرى …”
” سأبحث بالطبع ..”
قالتها وهي تسأله مجددا بلهفة :-
” هل تنصحني بتخصص معين ..؟!”
” على حسب رغبتك انت وما تحبينه .. الهندسة مثلا ..؟!”
إمتعضت ملامحها وهي تردد :-
” اكره الرياضيات ..”
ضحك بخفة وهو يضيف :-
” إذا اختاري تخصص ادبي كالتاريخ او ال…”
قاطعته بجدية :-
” أساسا أنا أفكر في الدراسة خارج البلاد .. في أمريكا مثلا ..”
رد مشجعا :-
” فكرة جيدة .. إذا تريدين ذلك حقا يمكنني مساعدتك .. ”
قالتها بفرحة واضحة ليبتسم مرددا :-
” بالطبع ، إدا لم أساعد إبنة عمي فمن أساعد ..؟!”
توقف عن حديثه وهو يرى نضال يتقدم نحويهما يسأل :-
” ماذا تفعلان ..؟! ماذا هناك يا حنين ..؟!”
إلتفتت حنين نحوه تثرثر بعفوية :-
” كرم سوف يساعدني في أمر دراستي في الخارج ..”
قالها نضال وهو يتأمل لمعة عينيها بقلق وقد فهم مشاعرها الشفافة على الفور ..
أخته غارقة في حب ابن عمه ..
ألقى نظرة عابرة على كرم عندما وجد هايدي تتقدم نحوهم وهي تهتف :-
أضافت تتأمل حنين بإعجاب :-
” تبدين رائعة يا حنين …”
شكرتها حنين بإبتسامة صادقة بينما هتفت بنضال :-
” كيف حالك نضال ..؟!”
رد بإبتسامة مقتضبة :-
” بخير الحمد لله ..”
تقدم أشرف نحوهم يشير الى هايدي :-
” هايدي إذهبي عند أختك وأخبريها أن تستعد فالزفاف سيبدأ ..”
” حسنا عمي ..”
قالتها هايدي وهي تتحرك بعيدا مبتسمة عندما أشار نضال لأخته بجدية :-
” هيا يا حنين .. نجلس على طاولتنا ..”
هزت رأسها وهي تسير جانبه تاركة كرم على مضض والذي أخذ يتحدث مع والدها بإندماج ..
…………………………………………………………..
دلف صلاح الى الغرفة التي تجلس بها نانسي ليتأملها للحظات بصمت قبل أن يبتسم بخفة وهو يردد :-
” تبدين جميلة …”
نظرت له بمزيج من الحزن والخوف ليتنهد وهو يضيف :-
” الليلة فقط .. بعدها سينتهي كل شيء .. أشهر قليلة ونننفصل ..”
أضاف بجدية :-
” وحينها أكون أوفيت بوعدي لك …”
هزت رأسها بملامح محتقنة ليقول مكملا :-
” الجميع ينتظرنا في الخارج …”
مد يده لها لتتأمل كفه الممدود للحظات قبل أن تمد يدها بتردد فيقبض عليها لتنهض من مكانها والخوف يتضاعف داخلها فتسمعه يردد بمزاح محاولا تخفيف الأجواء المشحونة :-
” من كان يصدق أن نقف انا وانت يوما هكذا في وضع كهذا ..؟! ”
لم تستجب لمزاحه فقال بجدية :-
” انت تبدين عروس بائسة للغاية .. من فضلك حاولي أن تدعي السعادة ولو قليلا .. ”
هزت رأسها بأنفاس مكتومة عندما دلفت هايدي إليهما تهتف بجدية :-
” هل أنتما جاهزان ..؟!”
رد صلاح بهدوء :-
” نعم جاهزان ، أليس كذلك يا نانسي ..؟!”
اومأت نانسي برأسها ليفتح لها ذراعه فتتأبطها وهي تأخذ نفسا عميقا قبل أن يسيران سويا متجهان الى القاعة حيث يوجد الجميع هناك ..
بعد مدة كان صلاح يراقصها على إحدى الأغاني الرومانسية الهادئة وقد لاحظ تشنجها الغير مفهوم بالنسبة له منذ بداية الليلة ..
سألها بإهتمام :-
” هل انت بخير يا نانسي ..؟! هل هناك شيء ما ..؟! انت متشنجة وغير طبيعية منذ بداية الحفل ..”
ردت بتوتر :-
” لا شيء .. فقط الموقف نفسه مرهب قليلا ..”
رفع حاجبه مرددا :-
” أي موقف بالله عليك .. لا تقلقي يا نانسي .. هذه تمثيلية سرعان ما ستنتهي .. ”
أكمل مشاكسا محاولا إخراجها من وضعيتها تلك :-
” وأعدك لن أضايقك طوال فترة زيجتنا المؤقته بل سأكون ضيفا خفيفا جدا ولن أتدخل في حياتك .. ”
همست بتردد :-
” هناك الكثير من الأشياء التي تقلقني ..”
جذبها نحوه أثناء الرقصة وهو يردد :-
” أشياء مثل ماذا …؟! لماذا تتحدثين بالألغاز ..؟!”
قالت بخفوت :-
” ليس مهما .. ”
أضافت وهي تنظر إليه بتردد :
” سنتحدث فيما بعد ..”
أكملت مبررة :-
” انا فقط أشعر بالإختناق من هذه الاجواء ..”
قال بجدية :-
” هذه الاجواء كانت ضرورية جدا .. لا بد من حفل زفاف تقليدي كي يبدو الأمربرمته طبيعيا ولا يجلب الشكوك .. ”
أضاف بتعقل :-
” يكفي إن كل شيء حدث بسرعة غريبة فاجئت الجميع ..”
هزت رأسها موافقة لتقول :-
” ربما أيضا غياب والدتي تسبب لي بهذا الضيق ..”
قال موافقا :-
” بالتأكيد هذا السبب ..”
أكمل يواسيها :-
” لا تقلقي .. سوف تتقبل هذه الزيجة عاجلا أم أجلا .. وحتى لو لم تتقبلها .. بكل الأحوال سننفصل بعد مدة وحينها يمكنك العودة نحو أحضانها معتذرة …”
أجفلت بقوة وهي تستمع الى نفس الكلام من فمه عدة مرات منذ بداية الحفل وكأنه يتعمد تذكيرها بذلك ..
يذكرها بحقيقة زيجتهما المؤقتة ..
” ماذا حدث ..؟!”
سألها وقد إنتبه الى إختلال توازنهاعندما شعرت بالدوار يسيطر عليها فقبض على كفها يسألها بعدما توقفا عن الرقص :-
” هل انت بخير ..؟!”
همست بصعوبة :-
” لنجلس من فضلك ..”
جذبها من كفها وهو يسير بها نحو المكان المخصص لهما لتجلس جانبه بملامح حزينة للغاية وقد فشلت في رسم قناع السعادة على وجهها ..
……………………………………………………….
كانت أجواء الحفل قد بدأت بالفعل عندما سأل عمار زوجته :-
” هل أعجبك الحفل ..؟!”
ابتسمت وهي تجيبه :-
قال بجدية :-
” يمكننا إعداد حفل أضخم منه بمراحل …”
قالت وهي تمسك كفه :-
” لا أميل الى الحفلات الضخمة .. أكتفي بحفل بسيط يضم من نحبهم …”
ابتسم لها بينما تأملتهما صباح بضيق قبل أن تشير الى ابنتها بحنق :-
” سأنهض وأتحدث مع صديقتي …”
ثم نهضت من مكانها تتجه الى الطاولة الأخرى حيث توجد احدى صديقتها ..
تأملت غالية عمار المندمج مع زوجته بشدة ثم عادت تنظر أمامه عندما وجدت شريف يتقدم نحوهم يحييهم مجددا فردت تحيته بخفوت وهي تشيح وجهها بعيدا فتلاحظ أنظار أروى التي تعلقت به منذ قدومه..
تبادل شريف بعض الأحاديث مع عمار عندما نهض عمار معه يتحدث على إنفراد بينما نظرت هي الى شيرين التي ابتسمت لها بخجل فلم تستطع ألا تبادلها إبتسامتها عندما تحدثت بهدوء :-
” مبارك مرة أخرى زيحتكما يا شيرين .. الحقيقة زيجتكما كانت مفاجئة ..”
ردت شيرين بنفس الهدوء :-
” نحن تزوجنا منذ يومين … ”
قاطعتها غالية :-
” وجاءت حفلة اليوم فرصة لإعلان الزيجة …”
اومأت شيرين برأسها عندما تسائلت غالية بجدية :-
” ألا تفكران في إقامة حفل زفاف ..؟!”
ردت شيرين تبتسم بحرج :-
” لا أحبذ ذلك ..”
صمتت قليلا فبادلتها غالية الصمت وأخذت ترتشف من العصير خاصتها عندما سمعت شيرين تسألها بتردد :-
” هل يمكنني سؤالك عن شيء معين ..؟!”
ردت غالية وهي تهز رأسها :-
” بالطبع ، تفضلي …”
همست شيرين بحرج واضح :-
” كيف حال ليلى ..؟! يعني ما هي أخبارها ..؟!”
ردت غالية بصدق :-
أضافت برجاء :-
” اتمنى أن تكون بخير ..”
قالت شيرين بدهشة :-
” كيف يعني لا تعلمين وانت ..”
قاطعتها غالية مبتسمة بحسرة :-
” ابنة خالتها وصديقتها .. غريب أليس كذلك ..؟!”
سيطر الألم على ملامحها وهي تكمل :-
” للأسف كنت هكذا لكنني لم أعد كذلك ولا أظن إنني سأعود ..”
” هل إنقطعت علاقتكما ..؟!”
سألتها شيرين بعدم تصديق قبل أن تضيف بخجل :-
” لا أقصد التدخل ولكن غريب فأنتما إبنتا خالة قبل أن تكونا صديقتين ..”
ردت غالية وهي تتنهد بعمق :-
” انا السبب ..”
نظرت لها شيرين بدهشة من صراحتها عندما أكملت غالية بنفس الصدق :-
” انا من خذلتها ولم أكن الصديقة التي تستحقها وبالتالي هذا ما كان يجب أن يحدث …”
” ولكن انا اعرفك يا غالية .. ربما ليس بقدر ليلى لكنني أعرفك .. انت لا تؤذين أحدا .. يعني رغم قوة شخصيتك وثقتك بنفسك لكنك طيبة القلب نقية السريرة …”
ابتسمت غالية وهي تردد بحزن :-
” ولكنني في النهاية بشر قد يخطئ وانا أخطأت في حقها ..”
” وها انت تعترفين بهذا .. بالتأكيد سينتهي هذا الخلاف يوما ما ..”
قالتها شيرين وهي تبتسم بتشجيع لتهمس غالية بخفوت :-
” أشك في ذلك مع إنني أتمناه حقا … ”
همست شيرين بدورها :-
” تمنيت رؤيتها بعد عودتي من السفر لكن بعدما حدث سيكون هذا صعبا للغاية…”
قالت غالية بجدية :-
” صعبا عليك أم عليها ..؟!”
ردت شيرين بحرج :-
” هي بالطبع لن تتقبلني بعد زواجي من عمار ..؟!”
ضحكت غالية مرغمة وهي تقول :-
” إذا انت لا تعرفين ليلى جيدا … اطمئني آخر سبب يجعلها تنزعج منك هو زواجك من عمار بل ربما تشكرك على ذلك …”
سيطر الذهول على ملامح شيرين للحظات عندما نهضت غالية من مكانها وانحنت نحوها تربت على كتفها وتدعمها :-
” قابليها إذا حقا كنت تريدين ذلك .. ليست ليلى من تكسر بخاطر أحد مهما حدث ..”
أضافت وهي تنظر لها بعمق :-
” لدي طلب أخير منك ..”
نظرت لها شيرين بإهتمام لتهتف غالية بصوت مبحوح :-
” عمار ، عمار يحتاج لشخص ينير ظلام قلبه .. يذيب جليده القاسي .. رغم كل شيء لدي أمل في ذلك .. ساعديه يا شيرين .. ساعديه أن يغلب شيطانه فأنت الأمل الوحيد المتبقي لي …”
” هل تظنين إنني أستطيع ..؟!”
سألتها شيرين بحيرة لتبتسم غالية وهي تردد :-
” أظن ذلك …”
سألتها شيرين بحيرة أكبر لتهمس غالية بصدق :-
” لإنه يبدو مختلفا جانبك .. لأول مرة أرى جانبا جديدا منه …”
صمتت قليلا ثم قالت :-
” يبدو سعيدا ، راضيا وممتنا … طوال سنوات لم أره هكذا … وجودك بجواره له تأثير واضح عليه .. إستغلي هذا التأثير من فضلك ..”
” هل تساعديني ..؟!”
سألتها شيرين بتردد لتتطلع إليها غالية بصمت إمتد للحظات عندما أجابت بحسم :-
” هو أخي .. مهما حدث يظل أخي .. حاولت أن أكرهه لكنني فشلت .. واجبي نحوه كأخت يجبرني على الموافقة .. لذا أنا معك يا شيرين .. متى ما إحتجتني ستجدينني جانبك …”
……:.::……………………………………………….
كانت حنين تتأمل كرم الذي يراقص هايدي بنظرات حالمة بينما نظرات أخيها كانت تحاوطها فيزفر أنفاسه بضيق وهو يعاود النظر نحو ابن عمه الذي يراقص أخته …
أشار الى حنين فجأة :-
” هل ترقصين يا حنين ..؟!”
سيطرت الدهشة على ملامح حنين وهي تردد :-
” ترقص مع معي ..؟!”
اومأ برأسه بهدوء لتبتسم وهي تنهض من مكانها تمد يدها نحوه فيستقبلها وينهض بدوره متجها بها نحو منتصف القاعة تحت أنظار والده الفرحة بإهتمامه المفاجئ بأخته لأول مرة …
اخذ نضال يراقصها محاولا إشغالها عن كرم عندما فوجئ بهايدي تتقدم نحوها وهي تطلب منه أن يراقصها بينما ترقص حنين مع كرم ..
تجمد في مكانه غير مصدقا جرئتها وهم بالرفض لكنه تراجع مفكرا في منظرهم جميعا أمام الضيوف ليقبض على كفها يراقصها بينما تضع حنين يدها في كف كرم الذي سألها مبتسما وهو يراقصها :-
” لماذا ترتجفين هكذا ..؟!”
ردت بصوت خافت :-
” انا لا أرتجف .. انت تتوهم ..”
ابتسم بخفة أبرزت وسامته المرهقة لقلبها الصغير فأخفضت عينيها وقد تمنت داخلها أن تفتح أي حديث معه لكن لسانها إنعقد تماما في حضرة وجوده ..
اما نضال فكان يحاصر كرم وحنين بنظراته تحت أنظار هايدي التي همست له بخفة :-
” كف عن مراقبتهما .. كرم لن يأكلها .. لا تقلق …”
نظر له بجمود لتضيف بخفة :-
” أعلم ما يحدث لذا فكرت في منحهما القليل من المساحة ..”
” لا تفكري مجددا ..”
انتهت الاغنية عندما انسحب من الرقصة تتبعه هي وكذلك كرم وحنين الذي إنتبه لدخولها الى قاعة الحفل فيسارع لإستقبالها ..
توقفت هايدي أثناء سيرها تنظر الى أخيها الذي يسير بإتجاه فتاة تبتسم له بعذوبة وفعلت حنين المثل حيث تجمدت مكانها وهي تراه يرحب بلهفة بتلك الفتاة …
سار كرم بجانب الفتاة متجها بها نحو نانسي حيث باركت لها ولصلاح قبل أن يتجه بها نحو طائلة العائلة حيث سحبت هايدي حنين نحو الطاولة وتجهمت ملامح نضال كليا وهو يرى الصدمة على ملامح اخته ..
تقدم كرم وهو ممسك بيد الفتاة يقدمها لهم قائلا :-
” هالة صديقتي .. تدرس في نفس جامعتي في الخارج ..”
رحب بها أشرف بينما تأملت هايدي الفتاة بملامحها الجميلة وجسدها الممشوق وفستانها الجذاب …
كانت جذابة للغاية وأخيها بدا مولعا بها بوضوح ..
أشار كرم نحوها :-
” هذه هايدي يا هالة .. شقيقتي الثانية … ”
ابتسمت هايدي ترحب بها بدبلوماسية :-
” اهلا هالة …”
ردت هالة تحيتها وهي تبتسم برقة عندما اشار الى نضال وحنين :-
” نضال ابن عمي وحنين ابنة عمي ايضا وبمثابة اختي الثالثة ..”
رحب نضال بها عندما نظرت هالة نحو حنين تهمس لها مبتسمة :-
” مرحبا حنين …”
ردت حنين بملامح محتقنة :-
” اهلا بك …”
جذب نضال حنين من كفها مرددا بسرعة :-
” تعالي لنرقص مجددا ..”
بينما جذب كرم هالة من كفها وسار معها يتحدث عندما سألته عن والدته ليجيب بعد تنهيدة طويلة :-
” لم تأت كما توقعت ..”
” والدتك عنيدة جدا ..”
قالتها ممازحة ليبتسم بخفة فتضيف بجدية :-
” أختك مسكينة .. بالطبع الأمر أزعجها ..”
” معك حق …”
قالها يوافقها عندما تأمل نظراتها التي تتحدث عنها فقبض على كفها بقوة يخبرها :-
” ماما حرة في قرارها ونحن كذلك حران تماما في قرارنا .. ”
أكمل وهو ينظر إلى عينيها الغير راضية :
” انا احبك يا هالة ولن أسمح لأي مخلوق أن يقف في وجه حبنا …”
بينما حنين كانت تتابع ما يحدث وقد شعرت بقلبها ينشطر الى نصفين في تلك اللحظة فالحبيب الذي إنتظرته لسنوات هائما بغيرها ..
……………………………………………………….
كان الإنزعاج يسيطر على وجهها عندما همست لها شقيقتها :-
” إبتسمي قليلا يا اروى .. جاملي على الأقل ..”
ردت اروى بضيق :-
” ماذا تريدين يا نرمين ..؟!”
قالت نرمين بجدية :-
” انت ماذا تريدين يا اروى ..؟! هل مقتنعة حقا بتصرفاتك هذه ..؟!”
استدارت اروى نحوها تهمس لها بحدة :-
” وما بها تصرفاتي آنسة نرمين ..”
قالت نرمين بهدوء :-
” انا وانت نفهم ما يحدث .. ما تفعلينه لن يغير شيء .. شريف لا يفكر بك ولا يراكِ سوى ابنك عمه .. إقتنعي بهذا وإخرجيه من عقلك ..”
زفرت أنفاسها تردد بحنق :-
” من قال إنني أفكر به أساسا ..؟!”
” هل تمزحين معي يا أروى ..؟! انا أختك وأعرفك جيدا .. أنا أفكر في مصلحتك .. إفهمي هذا …”
سيطر الوجوم على ملامح اروى عندما همست بضعف :-
” لا أفهم لماذا لا يرى سواها ..؟! لم هي من أرادها ولست انا ..؟! هي لم تحبه يوما وانا احبه طوال عمري ..”
قالت نرمين بجدية :-
” يكفي حقا يا اروى .. المشاعر ليست بيدنا .. انت لا يمكنك لومه او لومها ..”
” لولا وجودها كان سيختارني انا ربما ..”
هتفت نرمين بعدم تصديق :-
” هل تمزحين يا اروى ..؟! ما علاقة غالية بالأمر ..؟! لا تنسي إنه خطبهاورفضته ..”
هتفت اروى بحنق :-
” وهذا ما يثير غيضي .. رفضته وما زال يفكر بها .. بل الأسوء إنها إرتبطت بغيره وما زالت تخطف نظره بسرعة وتسرق إهتمامه دون أدنى مجهود …”
” اروى حبيبتي .. هذا ليس ذنب غالية ..”
قاطعتها اروى بغضب :-
” لماذا تدافعين عنها بهذه الطريقة .. انا أختك وليست هي ..”
قالت نرمين بتجهم :-
” انا لا ادافع عنها .. انا أخبرك الحقيقة كي لا تعيشي في أوهام لا نهاية لها ..”
أضافت بجدية :-
” غالية فسخت خطبتها يا اروى .. ”
” يعني ..؟!”
سألتها اروى بتجهم لتجيب نرمين بنفس الجدية :-
” يعني الطريق ما زال مفتوحا أمام شريف …”
أكملت بترجي :-
” إهتمي بنفسك يا أروى ولا تعلقي أمالك به …”
إحتقنت ملامح اروى بقوة ورغما عنها نظرت الى غالية التي تبتسم وهي تتبادل الأحاديث مع بعض البنات حولها فتشعر بالكره ينمو داخلها نحوها رغما عنها …
غالية من سرقت الرجل الوحيد الذي تمنته زوجا لها ولم تتمنَ غيره يوما ..
……………………………………………………….
تقدمت هايدي نحو نضال الذي إمتقع وجهه تماما عند رؤيتها لتفاجئ بالإعتذار :-
” انا اسفة ..”
تسائل بضيق :-
” علام تعتذرين ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أقسم لك إنني لم أكن أعلم …”
سيطر الوجوم على ملامحه عندما أوضحت :-
” لم أكت أعلم بوجود تلك الفتاة ..”
أضافت بخفوت :-
” تفاجئت مثلكم تماما …”
” ليس مهما ..”
قالها بعدم إكتراث لتهتف بجدية :-
” حقا لم اقصد .. انا علمت بمشاعر حنين منذ مدة ولهذا فكرت في مساعدتها ..”
قاطعها نضال بحزم :-
” حنين ما زالت مراهقة .. مشاعرها ليست حقيقية …”
نظر لا إراديا نحوها ليجدها تقف شاردة بعيدا قليلا تتأمل الموجودين بملامح حزينة فقدت رونقها وسعادتها فيتألم قلبه لأجلها وهو الذي ظن إنه لا يهتم لأمرها …
همست هايدي مجددا :-
” اسفة نضال لكن والله تصرفت على سجيتي .. انت تصدقني ، أليس كذلك ..”
زفر أنفاسه وهو يردد :-
” حسنا هايدي .. لقد حدث ما حدث .. انا أصدقك لا تقلقي … فقط لا تتصرفي بهذه الطريقة مجددا من ذاتك …”
ابتسمت تهتف برقة :-
اما حنين فكانت تتأمل الموجودين بملامح شاردة عندما شعرت بأحدهم يقف جانبها يهمس لها :-
التفتت له تنظر إليه بإستغراب فيعرف عن نفسه :
” انا نادر .. ابن عم نديم زوج أختك والعريس ايضا … هل تذكرتني ..؟!”
هزت رأسها وهي تتذكره فإبتسم وهو يقول :-
” وانت حنين .. أتذكرك جيدا …”
ابتسمت بتصنع وهي تجيب :-
” تبدين جميلة ..”
قالها وهو يتأملها بإعجاب صريح لتجيب بعدم إنتباه :-
حاول أن يفتح الأحاديث معها فسألها :-
” انت في الجامعة ، أليس كذلك ..؟!”
ردت بخفوت :-
” سأدخل الجامعة قريبا ..”
” حقا ..؟؟ وماذا سوف تدرسين ..؟!”
ردت بنفس الخفوت :-
” هل انت بخير ..؟!”
سألها بإهتمام لتجيب بنبرة محتقنة :-
” انا بخير .. بخير جدا …”
همس متسائلا :-
” هل تشربين شيئا ما ..؟!”
نظرت له بصمت ليقول بجدية:
” تعالي لنشرب عصيرا …”
ثم سار معها نحو البوفيه عندما أعطاها كأسا من عصير البرتقال لترتشف منه القليل عندما سألها :-
” ماذا تفضلين أن تتناولي ..؟! هل تريدين قطعة من الكيك ..؟!”
هزت رأسها بصمت عندما منحها طبقا يحوي قطعة من كيك الشوكولاتة فبدأت تلتهمها بسرعة وكأنها تهرب من أفكارها خلال الطعام ..
تأملها نادر مبتسما وهو يعتقد إنها كانت جائعة وقد تأكدت ظنونه عندما وجدها تتناول المزيد من الحلوى ليهمس وهو يكتم ضحكته :-
” انتن الفتيات تعشقن الحلوى ..”
وفي تلك اللحظة إستوعبت ما تفعله فتجمدت تماما وهي تتذكر مرضها الذي يمنعها من تناول الحلويات نهائيا فظهر الفزع على ملامحها عندما سألها بقلق :-
” هل انت بخير ..؟! ”
تركت ما بيدها وتحركت مبتعدة عنه ليلحقها بسرعة عندما وجدها تفقد وعيها في منتصف الصالة فيصرخ بإسمها ويركض نحوها عندما إنتفض نضال الذي كان يتحدث مع هايدي وركض نحوها ليجد نادر يحملها ويتجه بها خارج القاعة عندما أشار له أحد الموظفين الى احدى الغرف الحانبية ..
تقدم نضال نحوه يسأله لاهثا :-
” ماذا حدث ..؟”
تبعته أحلام وهي تسقط جانبها تمسك بيدها وكذلك أشرف وبعدهما هايدي وبعض الموجودين عندما قال نادر :-
” كانت تتناول الحلوى وفجأة ..”
صرخت أحلام لا إراديا :-
” هي مريضة سكر .. ”
رددها نادر بعدم استيعاب بينما قال نضال بسرعة :-
” سأجلب طبيب حالا ..”
قالت هايدي بسرعة :-
” شريف أخو صلاح طبيب ..”
لكن نادر أوقفهما وهو يردد :-
” توقفا لحظة .. انا طبيب ..”
اكمل بجدية :-
” نحتاج الى الإنسولين فورا ..”
قالت أحلام بنبرة باكية :-
” معي .. انا دائما أضع الإنسولين في حقيبتي …”
ركضت هايدي بسرعة تجلب الحديقة بينما تقدمت نانسي وخلفها صلاح ومعهما كرم الذي سأل بقلق :- ” ما بها حنين ..؟!”
سأل صلاح ابن عمه :-
” ما بها حنين يا نادر ..؟!”
رد نادر بسرعة :-
” نوبة سكر ..”
شهقت نانسي بفزع بينما حاول نادر طمأنتهما عندما تقدم شريف أخيرا يهبط نحوها يفحصها فهمس له نادر :-
” نوبة سكر . لقد تناولت الكثير من الحلوى ..”
جاءت هايدي بحقيبة أحلام عندما أخذتها أحلام فورا وأخرجت منها الإنسولين ليأخذها نادر بسرعة ويبدأ بالإجرائات المطلوبة بسرعة شديدة …
بعد مدة من الزمن بدأ وضعها يستقر عندما همس نادر بجدية :
” لا تقلقوا سوف تستيقظ تدريجيا …”
تقدمت أروى تسأل أخيها وإبن عمها :-
” هل تحتاجان لمساعدة ..؟!”
رد شريف يشرح لها الحالة بإختصار قبل أن يطمأنها :-
” شكرا يا اروى .. وضعها يستقر تدريجيا …”
اومأت برأسها متفهمة عندما قالت بعملية :-
” من الأفضل ألا نتجمع حولها لأجل التهوية …”
نهض شريف من مكانه يخبر الجميع :-
” اروى معها حق .. غادروا جميعا وانا ونادر سنبقى هنا …”
” انا لن اترك ابنتي ..”
قالتها أحلام وهي تبكي ليهتف نادر بجدية :-
” بالطبع يا هانم ستبقين معنا ..”
ثم أشار الى شريف :-
” غادر انت ايضا يا شريف .. انا سأبقى هنا وأراقب حالتها ..”
هز شريف رأسه بتفهم وهو يقول :-
” سأتي بعد قليل .. ”
ثم أشار الى البقية ليغادروا حيث همس أشرف لنانسي وصلاح :-
” عودا الى الحفل … ”
همست نانسي بنبرة باكية :-
” ستصبح بخير ان شاءالله ..”
ربت أشرف على كتفها وهو يردد :-
” ان شاءالله حبيبتي ..”
غادر الجميع وبقي نادر مع أشرف وأحلام يتابع وضعها عندما بدأت حنين ترمش بعينيها بعد مدة عندما هتفت أحلام بلهفة :-
” حنين حبيبتي …”
بدأ نادر يساعدها أن تستيقظ عندما دلف نضال يتسائل بقلق :-
” هل إستيقظت ..؟!”
أجابه أشرف بصوت منهك :-
” بدأت تستيقظ …”
مرت مدة من الزمن كانت قد إستيقظت حنين فيها بالفعل فطلب منها نادر أن تبقى ممددة على الأريكة حتى يستقر وضعها تماما وبقيت أحلام جانبها تبكي بصمت بينما نضال واشرف يقفان يستندان على الحائط يراقبنها ..
دلفت هايدي الى الداخل وتقدمت نحوها تهمس لها :-
” حمد لله على سلامتك يا حنين ..”
ردت حنين بضعف :
” شكرا يا هايدي …”
ابتسمت حنين بدعم عندما قررت الخروج مجددا لتجد كرم يتقدم نحوها يسألها عن وضع حنين فتجيبه بإقتضاب :-
” إستيقظت الحمد لله ..”
” سأدخل لأطمئن عليها ..”
قالها وهو يهم بالتحرك عندما أوقفته هايدي :-
” لا تدخل يا كرم …”
سألها مندهشا :-
ردت بجدية :-
” من فضلك لا تدخل .. لأجل الفتاة لا تدخل ….”
هز رأسه بعدم إستيعاب وهو يتحرك مبتعدا عن المكان تاركا هايدي تتابعه بحزن عندما قررت العودة الى القاعة لتقف بجانب أختها فوجدت غالية تتقدم نحوها وهي تسألها عن أحوال حنين قبل أن تستأذن لتدخل وتراها ومعها والدتها فتذكرت علاقتهما بحياة شقيقة حنين لتبتسم لهما وهي تسمح لهما بالدخول ..
…………………………………………………….
قبل نهاية الحفل ..
دلف شريف الى الغرفة يتسائل وهو يبتسم بهدوء :-
” كيف حال صغيرتنا الآن ..؟!”
أجابت حنين والتي كانت قد إعتدلت في جلستها وشحوب وجهها بدأ يختفي أخيرا :-
” أفضل الحمد لله ..”
” الحمد لله غلى سلامتك ..”
قالها شريف مبتسما عندما أجابه كلا من أشرف ونضال وكذلك أحلام التي كانت تحتضن كفها بحنو ..
هتف نادر بدوره والذي لم يتركها لحظة واحدة :-
” الحمد لله على سلامتك يا حنين ..”
شكرته بخفوت عندما قال أشرف بجدية :-
” انا أشكركما حقا على ما فعلتماه مع إبنتي .. شكرا كثيرا يا دكاترة ..”
ابتسم كلا من شريف ونادر بدماثة قبل أن يعطي شريف بعض النصائح لحنين ثم يستأذن للمغادرة ..
تبعه نادر ليشير نضال الى والده وزوجته :-
” برأيي حان الوقت أن تعودا الى الحفل .. الحفل سينتهي بعد قليل ويجب أن تكونا متواجدين ..”
” انا لا يمكنني ترك ابنتي ….”
قالتها احلام بسرعة لتهمس حنين :-
” انا بخير ماما .. لا تقلقي …”
قال نضال بجدية :-
” انا سأبقى هنا ولن أتركها لحظة واحدة .. يجب أن تتواجدا بجانب نانسي في نهاية الحفلة فأنتما مكان والديها ..”
” سننتظركما هنا حيث نغادر الفندق سويا بعد انتهاء الحفل …”
نظرت أحلام الى ابنتها بتردد عندما قالت حنين وهي تبتسم لها بضعف :-
” انا بخير .. لا تقلقي من فضلك .. ”
نهضت احلام من مكانها وغادرت المكان على مضض مع زوجها بعدما منحت نضال الكثير من التوصيات ..
دلفت هايدي بعد خروجهما تطمئن على حنين التي ابتسمت لها بنفس الشحوب وهي تطمأنها إنها أصبحت بخير …
أشار نضال الى هايدي :-
” لا تتأخري على أختك يا هايدي .. الحفل سينتهي بعد دقائق ..”
” معك حق ..”
رددتها هايدي بخفوت قبل أن تنظر إليه وهي تقول :-
“‘سآتي وأطمئن عليها بعد إنتهاء الحفل مجددا ..”
ثم خرجت من المكان واتجهت نحو اختها التي احتضنتها بقوة وهي تهمس لها :-
” ادعي أن تمر الليلة على خير يا هايدي ..”
ربتت هايدي على كتفها تحاول طمأنتها :-
” كل شيء سيكون بخير …”
اضافت بتنبيه :-
” إذا حدث شيء ما تحدثي معي فورا ..”
انتهى الحفل بالفعل وغادرت نانسي مع زوجها وكذلك غادر الضيوف عندما اتجهت هايدي مع عمها وزوجته الى غرفة حنين لينهض نضال يستقبلهما قبل أن تساعد كلا من هايدي وأحلام حنين بالنهوض …
سار الجميع الى الخارج وحمدت هايدي ربها إن كرم غادر الحفل عندما وجدا نادر في وجههما يهتف :-
” جئت لأطمئن على الآنسة حنين قبل المغادرة ..”
ردت أحلام :-
” هي بخير الحمد لله .. نشكرك حقا يا دكتور ..”
ابتسم نادر مرددا :-
” لم أقم سوى بواجبي ..”
قال أشرف بجدية :-
” وفقك الله يا بني …”
غادر الجميع الفندق عندما أشار أشرف لهايدي :-
” تعالي نامي عندنا الليلة يا هايدي .. أفضل من العودة الى المنزل اليوم ..”
ظهرت الحيرة على ملامحها عندما قالت أحلام بدورها :-
” هذا افضل يا هايدي .. والدتك بالتأكيد غاضبة جدا والأفضل ألا تتواجهي معها تجنبا للمشاكل ..”
قال نضال بتعب :-
” حسنا اركبي يا هايدي سيارتي وانتم كذلك .. ”
نظرت هايدي له بدهشة مما قاله لكنها سرعان ما أخفت دهشتها وهي تسير خلفه حيث ركبت سيارته وهي تبتسم بينها وبين نفسها في سعادة جديدة عليها ..
…………………………………………..
تقدمت ليلى نحو صالة الجلوس تستقبل عائلة خالها حيث رحبت بخالها ثم زوجة خالها التي حيتها بطريقة أقل تحفظا من السابق ثم أخيرا زاهر الذي إبتسم لها برزانة وهو يضغط على كفها لتمنحه إبتسامة رقيقة وهي تتجه نحو شقيقتها …
جلست بجانب شقيقتها التي همست لها :-
” لماذا لم ترتدي فستانا أسودا كما قلت ..؟!”
رمقتها ليلى بنظرات محذرة عندما تحدثت زوجة خالها تسألها :
” كيف حالك يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى بهدوء :-
” الحمد لله بخير …”
ابتسمت لها نهاد بهدوء عندما تقدمت فاتن تخبرهم :-
” العشاء جاهز .. تفضلوا ..”
نهض احمد يشير الى جمال الذي سار بجانبه وجانبهما زاهر تتبعه نهاد بجانبها فاتن ثم ليلى ومريم خلفهما …
جلس الجميع على طاولة الطعام عندما بدأت الخادمة تصب لهم الطعام حتى إنتهت مما تفعله ليبدأ الجميع في تناول طعامهم ..
سألت فاتن زوجة أخيها :-
” كيف حال زينب يا نهاد ..؟! ”
ردت نهاد مبتسمة :-
” بخير للغاية .. لو ترين طفلتها يا فاتن .. رائعة …”
ابتسمت فاتن مرددة بحب :-
” أرسلت لي صورتها عدة مرات .. جميلة كوالدتها وجدتها ..”
ابتسمت نهاد وهي تهتف بنبرة ذات مغزى :-
” عقبال اليوم الذين ترين فيه احفادك من ليلى ومريم ..”
تجمدت ملامح ليلى ونظر زاهر نحو والدته بتأنيب بينما ردت فاتن برقة :-
” ان شاءالله ..”
انتهى طعام العشاء ما بين أحاديث مختلفة عندما تقدمت ليلى من زاهر الذي كان يقف في الحديقة يدخن سيجارته تسأله :-
” كيف حالك ..؟!”
ابتسم مرددا :-
” بخير وانت ..”
ردت مبتسمة :-
” الحمد لله بخير ..”
اضافت بجذية :-
” لم أكن أعلم إنك مدخن ..”
ابتسم قائلا وهو يطفأ سيجارته ويرميها في سلة المهملات القريبة منه :-
” حاولت تركها كثيرا ولم أسطتع ..”
قالتها بعفوية قبل أن تضيف بثرثرة :-
” أكرهها لإن جدي رحمه الله توفي بسببها ..”
أضافت بشرود :-
” التدخين قتله لذا أصبحت أكرهها بشدة ..”
” رحمة الله عليه .. معك حق .. التدخين مضر جدا ..”
سألته بجدية :-
” لماذا لا تتركه إذا ..؟؟”
رد ببديهية :-
” حاولت كثيرا .. ”
” انت تدمنها ..”
قالتها بجدية ليضحك بخفة وهو يهز رأسه لتهتف بعفوية :-
” لم أكن أعلم إنك تدخن من قبل …”
ابتسم مرددا :-
” لم تكوني تعلمي عني أشيائا كثيرة …”
هزت رأسها وقد ظهر الحرج على ملامحها ليضيف بجدية لا تخلو من الغموض :-
” ما زال الوقت أمامك لتعرفي عني الكثير …”
ابتسمت بنفس الحرج عندما تقدم نحوها أكثر يسألها :-
” هل تريدين أن تعرفي عني كل شيء يا ليلى ..؟!”
تعجبت من سؤاله ولم تعرف بماذا تجيب ليضيف متسائلا :-
” هل تريدين الإقتراب مني ..؟!”
توترت ملامحها وهي تهمس بخوف لا ارادي :-
ابتسم مرددا بخفوت :-
” لا تخافي يا ليلى .. انا لن افرض نفسي عليك ابدا .. لم أفعلها مسبقا ولن أفعلها الآن بالطبع .. انا صبور يا ليلى .. صبور جدا .. سأنتظر حتى تأتي اللحظة التي تقررين فيها السير نحوي … إقتحام حياتي والتغلغل فيها .. أعلم إنها قادمة .. أثق بذلك أكثر من أي شيء ..”
تحرك نحو الداخل بعدما أنهى كلماته لتتأمل آثره بعدم إستيعاب عندما تحركت أخيرا الى الداخل حيث تقدمت نحو صالة الجلوس وهي تنوي الإستئذان والذهاب الى غرفتها عندما سمعت زوجة خالها تقول وهي تنظر إليها بإبتسامة واسعة :-
” ها قد أتت العروس …”
تطلعت إليها بعدم إستيعاب عندما وجدت والدتها تقول بسعادة :-
” زاهر تقدم لخطبتك يا ليلى …”
اتسعت عيناها بعدم تصديق وهي لا تستوعب إنه فعلها … وضعها أمام الأمر الواقع وهو الذي كان يتغنى بصفات لا وجود لها .. لم يمهلها الوقت كما إدعى .. فجر قنبلته وتركها في وسط صراع ما بين الرفض وتحطيم هذه الجلسة الجميلة والترابط الأسري وبين قبولها بزيجة وهي في وضع لا يسمح لها مجرد التفكير بأي رجل …
رأت السعادة الواضحة في عين والدتها والأمل يشع من عيني والدها ومريم ترجوها أن توافق دون أن يفهموا إنهم يضغطون عليها بتصرفهم هذا . يجبرونها على الموافقة كي لا تطفئ الفرحة المشعة داخل أعينهم دون أن يدركوا ذلك …
نظرت أخيرا الى زاهر والخيبة ظهرت في عينيها .. خيبة إمرأة وثقت في رجل عاملها بعناية لم ترها مسبقا وهاهو يفعل كمن سبقه ويخذلها مثل من سبقه وإن إختلفت الطريقة ..
كانت تجلس بكآبة فوق سريرها وعقلها لا يكف عن التفكير بما حدث مساء البارحة والحديث الذي دار بينها وبين زاهر وكيف إنتهى بهذه الطريقة المزعجة ..
أفاقت من أفكارها على صوت طرقات على باب غرفتها فسمحت للطارق بالدخول ..
” صباح الخير ..”
قالتها مريم وهي تتقدم نحوها لترد ليلى بخفوت:-
” صباح النور ..”
اتجهت مريم نحوها وجلست جانبها عندما قالت بتردد :-
” كيف حالك اليوم ..؟!”
تنهدت ليلى وهي تجيب :-
سألت مريم :-
” ألن تخبريني عما يحدث معك يا ليلى ..؟!”
رمقتها ليلى بنظراتها وهي تردد :-
” ماذا يحدث معي مثلا يا مريم ..؟!”
غمغمت مريم بجدية :-
” البارحة لاحظت عليك شيئا غريبا .. جميعنا لاحظنا لكننا إلتزمنا الصمت ..”
” من تقصدين بجميعا ..؟!”
سألتها ليلى بريبة لترد مريم بخفوت :-
” ماما مثلا …”
همست ليلى بتعب :-
” انا بخير يا مريم .. لا تقلقي وأخبري ماما ألا تقلق ..”
قالت مريم بسرعة :-
” كلا لستِ بخير … ”
أضافت بجدية :-
” أنا أعرفك جيدا يا ليلى .. ماذا حدث البارحة ..؟!”
أكملت بتروي :-
” إنظري لقد فرحت بسبب أمر خطبتك في البداية ولكن سرعان ما لاحظت تبدل ملامحك بل مزاجك كليا .. انت لست راضية عما حدث ولكن لماذا وافقتِ يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى تفضفض عما يدور داخلها :-
” لم يكن أمامي حل آخر يا مريم .. لم يكن بوسعي الرفض …”
” ماذا يعني هذا ..؟! لماذا لم يكن بوسعك الرفض ..؟!”
سألتها مريم بعدم تصديق لتلتفت ليلى نحوها تخبرها بهدوء :-
” الأمر كان محرجا جدا يا مريم .. من الصعب أن أرفض زاهر امام الجميع .. عائلته وعائلتي …”
” ولكن من السهل أن تقبلي بإرتباط وخطبة لا ترغبيها ..”
رددتها مريم بتجهم لتبتسم ليلى بمرارة وهي تتسائل :-
” ماذا حدث ..؟! ألم يكن زاهر ملائما لي وكنتِ تشجعيني على منحه فرصة ..؟!”
قاطعتها مريم :-
” نعم هذا كان رأيي به وما زال كما هو ولن يتغير .. ولكن هذا لا يعني أن توافقي عليه مجاملة ومنعا للإحراج …”
تمتمت ليلى بصوت مرهق :-
” لقد حدث ما حدث ..”
قالت مريم بحزم :-
” أخبري ماما وبابا عما حدث وإنك وافقت مجبرة ..”
قالت ليلى بسرعة :-
” كلا لن أفعل ..”
أضافت بهدوء :-
” زاهر سيفعل …”
” ماذا سيفعل ..؟!”
سألتها مريم بعدم فهم لتجيب ليلى بشرود وهي تتذكر كلماته :-
” هو سيتصرف ويوضح سوء الفهم الذي حدث ..”
سألت مريم بعدم إستيعاب :-
” هل زاهر يعلم إنك وافقتِ لهذا السبب وليس رغبةً بالإقتران به ..؟!”
اومأت ليلى برأسها وهي تجيب :-
” نعم ، لقد تحدثنا بعدما حدث …”
قالت مريم بضيق :-
” بالتأكيد أحزنه هذا كثيرا ..”
قالت ليلى بتجهم :-
” وتشاجرت معه ايضا .. ”
سألتها مريم بدهشة لتجيب ليلى :-
” بسبب ما حدث .. لإنه وضعني أمام الأمر الواقع وهو يعلم بظروفي وعدم رغبتي في الدخول بأي علاقة حاليا ..”
” ولكن زاهر لم يكن يعلم ..”
قالتها مريم بجدية وهي تضيف :-
” والدته من تحدثت بالأمر وهو كان مصدوما مثلك تماما حتى أنا لاحظت الدهشة تسيطر عليه ولكنني لم أهتم لإنني أعلم إنه يحبك ففهمت إن زوجة خالي تعمدت وضعكما أمام الأمر الواقع …”
” زوجة خالي هي من تحدثت ..؟!”
سألتها ليلى بصوت متحشرج لتجيب مريم بجدية :-
” نعم والجميع كان مدهوشا مما قالته رغم سعادتهم .. ”
سيطر الألم على ملامح ليلى عندما قالت مريم بتأنيب :-
” كيف تتهمين زاهر بشيء كهذا يا ليلى ..؟! نعم زاهر يحبك بل يعشقك ولكنه لا يمكن أن يفعل شيئا كهذا ..؟! زاهر آخر رجل قد يفرض نفسه على إمرأة مهما بلغ عشقه لها .. انا أعرفه جيدا ..”
توقفت عن حديثها وهي تسمع ليلى تغمغم :-
” لا أصدق ما فعلته …”
أكملت وهي تنظر الى مريم :-
” لقد تصرفت بحماقة شديدة …”
أضافت بحزن :-
” جرحته يا مريم …”
قالت مريم بضيق :-
” لماذا يا ليلى ..؟!”
قالت ليلى بصوت مبحوح :-
” كنت منفعله وتحدثت بلا وعي …”
” انا لا اصدق حقا .. انت في العادة تحكمين عقلك ولا تتسرعي في أي تصرف أو كلمة تصدر منك …”
قالت ليلى بخفوت :-
” ولكنني إنسانة وقد يغلبني الموقف أحيانا ويتحكم بي غضبي ..”
قالت مريم بجدية :-
” يجب أن تعتذري منه وتصالحيه …”
تمتمت ليلى بعدم إستيعاب :-
” أصالحه ..؟!”
هزت مريم رأسها بتأكيد لتقول ليلى :-
” سأتحدث معه وأعتذر منه … ”
سألتها مريم بضيق لترد ليلى بحزم :-
” نعم يا مريم فقط …”
سألتها مريم بوجوم :-
” لماذا تقسين عليه بهذه الطريقة ..؟! لماذا لا تحاولين منحه فرصة يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى بعقلانية :-
” هكذا أفضل.. أنا لا أريد أن أؤذيه ..”
رددت مريم بدهشة :-
” أن تمنحينه فرصة يعني ستؤذيه ..”
قالت ليلى بحشرجة :-
” فرصة يعني أملا .. أملا لشيء غالبا لن يحدث …”
“ربما لإنك لا تريدنه أن يحدث ..”
قالتها مريم وهي تنظر نحوها بقوة لتهمس مريم بترجي :-
” إنسي الماضي يا ليلى .. إنسيه ارجوك وابدئي من جديد …”
أخذت ليلى نفسا عميقا ثم قالت :-
” حتى لو نسيت الماضي .. ماذا سأفعل بالحاضر يا مريم ..؟!”
أكملت وهي تنظر نحو شقيقتها :-
” ماذا سأفعل بما يحدث حولي أخبريني ..؟! انت تظنين إنني أرفض زاهر أو أرفض الدخول في علاقة مع أي شخص بسبب الماضي ونديم .. حسنا لن أنكر الماضي ما زال يتلبس روحي ومشاعري نحو نديم ما زالت موجودة وإن لم تعد كالسابق ولكن لا تظنين إنني أرفض الإرتباط او الدخول في علاقة بسبب هذا فقط … كلا يا مريم .. انا لست مستقرة في حياتي حتى الآن .. هناك مئة مشكلة تدور من حولي .. كل شيء حولي عبارة عن فوضى .. انا لا أصلح للدخول في أي علاقة الآن ولن أصلح لذلك حتى تنتهي جميع الفوضى المحيطة بي …”
أكملت تثرثر بعفوية :-
” يكفي عمار وموضوع الشيكات .. يكفي إنني أعيش في قلق مستمر من عدم قدرتي على تسديد تلك الشيكات خلال المدة المحددة … عمار لن يرحمني حينها .. أنا أعرفه جيدا …”
سيطر الجمود على ملامح مريم وهي تستمع لكلمات شقيقتها عندما نهضت من مكانها تنسحب خارح الغرفة بسرعة تاركة ليلى جالسة في مكانها بصمت حتى تنهدت بتعب ثم إتجهت تحمل هاتفها تنظر إليه بتردد قبل أن تحسم أمرها وتتصل به ..
جاءها صوته الهادئ القوي يرد عليها :-
” نعم يا ليلى ..”
تمتمت بتردد :-
” ظننتك لن تجيب على مكالمتي …”
سمعت صوت تنهيدته وهو يسألها :-
” ماذا تريدين يا ليلى ..؟!”
همست بخفوت :-
” أريد الإعتذار منك … أنا آسفة على كل ما قلته البارحة ..”
صمت للحظات قبل أن يجيب ببرود :-
” ليس مهما …”
همست مجدداا بإرتباك :-
لكنه قاطعها :-
” إعذريني يا ليلى .. يجب أن أنهي المكالمة الآن فأنا أنتظر مكالمة مهمة تخص العمل بعد دقائق ..”
قالت بنبرة متحشرجة :-
” حسنا مع السلامة ..”
أغلق الهاتف لتعتصر هاتفها داخل قبضة يدها وقد خيم الحزن عليها كليا وبروده الواضح معها آلمها بشدة …
…………………………………………………………
فتح عينيه أخيرا وهو يشعر بصداع شديد في رأسه بسبب تأثير مشروب البارحة …
تنهد بتعب وهو يعتدل في جلسته فيتأوه بوجع بسبب ألم جسده من نومته بتلك الطريقة ..
زفر أنفاسه بضيق وهو ينهض من مكانه ببذلته يعبث بخصلات شعره وهو يتثائب مجددا …
تأمل باب غرفتها المغلق ليتذكر لقطات مما حدث البارحة فيشعر بالضيق يملأ كيانه ..
غمغم ببعض الكلمات الغاضبة مع نفسه وهو ينظر الى الباب بتردد …
عليه أن يأخذ ملابسه من الداخل ..
أخذ نفسا عميقا ثم طرق على الباب بخفة ليتفاجئ بها تفتح الباب له فورا بملامح ناقمة ..
كانت ترتدي بيجامة محتشمة تمامامن الستان الناعم وشعرها الأشقر بخصلاته الطويلة مرفوع عاليا بكعكة بسيطة وملامحها بدت بائسة تماما رغم جمودها ..
” أريد ملابسي ..”
أزاحت جسدها جانبا تسمح له بالدخول ليدلف الى الداخل بخطوات بطيئة ويتجه نحو الخزانة فيبحث عن ملابسه التي أتى بها الى هنا فيجذب بنطالا وقميصا متجها بهما نحو الحمام عندما توقف في طريقه مرددا وهو ينظر إليها :-
” سآخذ حماما سريعا …”
إبتسمت بقليل من التهكم على طريقته المؤدبة معها فظهر الإنزعاج على ملامحه عندما سمعها تهمس بقوة :-
” أنتظرك خارجا لنتحدث …”
هز رأسه ببطأ وهو يتحرك نحو الحمام بينما وقفت هي مكانها تبث الدعم والقوة الى نفسها وهي التي ستخبره بكل شيء بعد خروجه …
اتجهت الى الخارج وجلست على الكنبة تعقد ذراعيها أمام صدرها وتهز قدمها بحركة تدل على توترها …
ظلت تنتظره لوقت طويل فسيطر عليها الملل عندما تمتمت بضيق :-
” ماذا يفعل كل هذا ..؟! ”
عادت بظهرها الى الخلف وهي تزفر أنفاسها بضيق لتمر حوالي عشر دقائق قبل أن يخرج من الحمام منتعشا وهو يجفف شعره الكثيف بالمنشفة …
تقدم نحوها مبتسما بخفة لتمنحه نظرات جامدة فيسألها بتردد :-
” هل تتناولين القهوة معي ..؟!”
ردت بجمود :-
” شكرا لا أريد .. أريد فقط التحدث معك …”
قال بجدية :-
” سأعد القهوة أولا ثم نتحدث …”
هزت رأسها على مضض عندما اتجه هو نحو ماكينة إعداد القهوة ليبدأ في إعدادها ..
تقدم نحوها بعد مدة وهو يحمل كوبا كبيرا من القهوة الثقيلة عندما جلس أمامها يتسائل :
” ألن تطلبي طعام الفطور لك ..؟!”
ردت بخفوت :-
” لا أريد .. لا شهية لدي …”
وضع كوبه على الطاولة أمامها وهتف بجدية :-
” ماذا يحدث يا نانسي .. ؟! منذ البارحة وانت غير طبيعية ..”
ردت بنبرة مقصودة :-
” من الجيد إنك تتذكر ما حدث البارحة ..”
تمتم معتذرا :-
” يؤسفني ما فعلته لكنني لم أكن بكامل وعي حينها ..”
منحته نظرات لائمة وهي تردد :-
” لم يكن عليك تناول المشروب يا صلاح .. على الأقل راعي وجودي ..”
هتف معتذرا :-
” آسف حقا يا نانسي .. تصرفت بطيش كعادتي …”
غمغمت بأسف :-
” الطيش هو سبب كل ما نحن به أساسا …”
رأت التجهم يسيطر على ملامحه عندما أضافت :-
” طيشنا نحن الإثنين .. لست وحدك المسؤول .. ”
” حسنا يا نانسي .. لقد تصرفنا بشكل خاطئ وها نحن نتحمل عواقب تصرفاتنا .. ما المطلوب أكثر ..؟! هل علينا أن نعاقب أنفسنا للأبد على لحظة طيش حدثت دون وعي منا ..؟!”
قالت بقوة :-
” كلا ، ليس علينا أن نعاقب أنفسنا للأبد ولكن يجب تحمل جميع عواقبها دون إستثناء ..”
قال بجمود :-
” وها أنا تحملت نتاج تصرفي وتزوجتك .. ماذا أفعل بعد ..؟!”
همست بنفس الجمود :-
” لا تحملني جميلا بسبب ما فعلته .. ”
قال بعصبية خفيفة :-
” انا لا أفعل .. على العكس تماما .. انا معترف بخطأي وسارعت لإصلاحه وبالفعل أصلحته ..”
” حقا ..؟!! هل تظن إنك أصلحته بالفعل ..؟!”
سألته بملامح متألمة لينهض من مكانه مرددا بضيق :-
” تزوجتك يا نانسي …تزوجتك وأعدت لكِ شرفكِ الذي ضاع بسببي وسببك .. ماذا يجب أن أفعل أكثر ..؟!”
نهضت من مكانها بدورها تردد بملامح محتقنة :-
” انا حياتي تدمرت تماما .. تدمرت تماما يا صلاح ..”
مسح على وجهه قبل أن يردد :-
” انا أتفهمك .. بالطبع ما حدث ليس هينا .. لا الزواج هينا ولا مقاطعة والدتك لكِ هينة ولكن صدقيني جميع هذا الأيام ستمر .. ستمر وكل شيء يعود كما كان والمياه بينك انت ووالدتك ستعود الى مجاريها …”
تمتمت بتعب :-
” ليت الأمر يتعلق بوالدتي فقط .. الأمر أكبر من هذا بكثير .. تجاوز هذا بمراحل ..”
” يا إلهي كم تعشقين المبالغة … ”
قالها بضجر لتصيح بتعب :-
” انا لا أبالغ .. انت تتحدث هكذا لإنك لا تعرف شيئا .. لا تعرف أي شيء …”
سألها بوجوم :-
” ومالذي لا أعرفه بالضبط يا نانسي …؟!”
إبتلعت ريقها بقوة قبل أن تجيب بصوت متحشرج :-
” انا حامل …”
ظهرت الصدمة على ملامح وجهه للحظات قبل أن تتفاجئ به يضحك بخفة …
ضحكاته إستمرت قليلا قبل أن يردد بإستهزاء :-
” ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ..؟!”
ردت وهي تكتم دموعها :-
” هذا ليس هراء .. انا بالفعل حامل .. أحمل طفلك ..”
صرخ بغضب :-
” ماذا تقولين انت ..؟! هل جننت ..؟! ماذا تعنين بحامل ..؟! ”
صرخت بدورها منفعلة :-
” حامل يا صلاح .. ما الشيء الغير مفهوم في قولي .. ؟! انا حامل منك .. هل علي تكرارها مئة مرة كي تستوعبها ..”
قال بعينين جامدتين تماما :-
” هذا مستحيل .. من المستحيل أن يحدث شيء كهذا ..”
” لكنه حدث .. المستحيل حدث يا صلاح ..”
قالتها وهي تشعر بنفسها على وشك الإنهيار عندما تقدم نحوها يجذبها من ذراعيها يهزها وهو يردد :-
” انت تكذبين .. قولي ذلك .. إعترفي إن هذه مجرد كذبة ..”
تساقطت دموعها على وجنتيها وهي تهز رأسها نفيا ليدفعها بقوة وهو يسألها :-
” متى حدث هذا ..؟! متى ..؟!”
ردت باكية :-
” لقد علمت بأمر الحمل مؤخرا و …”
قاطعها بقسوة :-
“ليس ابني ..”
شهقت بعنف وتساقطت الدموع من عينيها أكثر لتهمس بصوت متحشرج :-
” كلا إنه ابنك .. انت تعلم ذلك جيدا ..”
صمتت لوهلة تحاول أن تسيطر على أنفاسها المتهدجة لتهمس مضيفة بصوت مختنق :-
” انت تعلم إنك الرجل الاول في حياتي .. لم يلمسني سواك ..”
حاول ان يصدق لكن هناك شك كبير داخل قلبه ..
يتذكر جيدا ما حدث ليلتها وحسب ما رآه فهو الأول بالفعل ..
لكن كيف ..؟! كيف تحمل منه نتيجة ليلة واحدة حدثت بالخطأ ودون وعي منهما ..؟!
” هل كانت هذه خطة منك ..؟!”
نظرت اليه بعدم استيعاب ليقبض على ذراعها مجددا يهدر بها بعنف مخيف :-
” هل كنت تخططين لتلك الليلة كي تجعلني أتزوج منك وتورطيني بطفل ليس من صلبي ..؟!”
ابتعد عنها قليلا وهو يقبض على خصلات شعره بأنامله :-
” ولم لا ..؟! انا لا استغرب شيئا منك … قد يكون هذا بأكمله مخطط .. مخطط وانا تورطت به .. ”
هطلت دموعها بغزارة أكبر حتى أغرقت وجهها كليا وهي تصرخ باكية بعدم تصديق :-
” والله ابنك .. من صلبك .. انت اول رجل في حياتي والوحيد ايضا ..”
” ليس ابني ولن اعترف به .. هل فهمت ..؟!”
قالها بنبرة حارقة لتتطر إليه بعدم تصديق وهي تهمس :-
” انا لم أعتقد يوما إنك بهذه الحقارة أبدا …!!”
” حقارة ..!! هل هذا جزاء ما فعلته لك .. ؟! نعم انا حقير وانت الملاك الطاهر .. رجل آخر غيري ما كان ليفعل ما فعلته ويتورط في زيجة لإنقاذ سمعة فتاة لم تحافظ على نفسها بل طوال عمرها وهي تتصرف بطيش وقلة تربية .. هل تتذكرين نديم الذي كنت تلاحقينه مثل ظله وتلتصقين به دون خجل ..؟! أم نسيتِ ماضيك المخجل نانسي هانم ..؟!”
تقدمت نحوه بسرعة شديدة وصفعته على وجهه ليتجمد مكانه للحظات غير مستوعبا ما فعلته فتهدر به :-
” نذل وحقير .. ستبقى هكذا طوال عمرك ..”
قبض على كفها بقوة يصيح بها بشكل مخيف لم تظن إنه سيظهر عليه يوما :-
” انت تجاوزت كافة حدودك يا نانسي .. من تظنين نفسكِ لتصفعين صلاح الخولي يا هانم ..؟! من انت لتفعلي ذلك ..؟!”
حاولت تحرير كفها من كفه ليهمس من بين أسنانه بغضب مضاعف :-
” قسما بربي لن أمرر صفعتك هذه مهما حدث أما عن طفلك اللعين فسارعي للتخلص منه لإنني لن أعترف به مهما حدث ..”
تحررت من قبضته بقوة تمسك كفها بألم قبل أن تقول بحرقة :-
” لقد فات الآوان يا صلاح .. لا يمكنني التخلص منه … تجاوزت الأشهر المسموحة لإجهاضه ..”
اتسعت عيناه وقد نسي كل شيء بإستثناء شيء واحد .. هي إستغلته وتريد تحميله مسؤولية طفل لم ولن يريده …
قال بملامح كارهة :-
” أيتها اللعينة … تعمدت فعل هذا .. إنتظرت مرور الأشهر الأولى لتوريطي …”
أضاف وعيناه تلمعان بشكل مخيف وجبروت ملامحه ونبرته أرعبتها :-
” ستجهضينه يا نانسي وإن لم تفعلي ذلك سأفعله أنا بنفسي ..”
هزت رأسها نفيا وهي تردد برعب :-
” لا يمكن .. لا يمكن ذلك .. ألا تفهم ..”
جذبها من ذراعها لتصرخ بفزع فيهمس بنظرات حادة :-
” أقسم بربي إن لم تسارعي للتخلص منه سأفعل هذا بنفسي فلم تخلق من بعد من تجبرني على شيء لا أريده …”
دفعها بكل قوته لتسقط أرضا وتحرك خارج المكان بعنف بينما بقيت هي متجمدة مكانها لا تصدق ما حدث ..
هل هذا هو نفسه صلاح ..؟! صلاح اللطيف العابث ..؟! من أين جاء بكل هذه القسوة والجبروت ..؟؟ العنف والإجرام ..؟؟ كلا هذا لم يكن صلاح الذي تعرفه جيدا .. هذا شخصا آخرا .. شخصا لا علاقة له بصلاح الذي تعرفه منذ مدة طويلة …
هزت رأسها نفيا بشكل متواصل وهي تخبر نفسها إنه ليس هو .. إنها تتهيأ أشياء لم تحدث .. إن كل ما حدث وما رأته كان من وحي خيالها فقط لا غير ..!!
………………………………………………………….
فتحت عهد باب شقتها لتجده أمامها يتأمله بهدوء مريب إستمر للحظات قبل أن يسألها :-
” هل يمكنني رؤية تميم …؟!”
هزت رأسها دون رد وهي تفسح له مجالا للدخول ليردد بتهكم مقصود :-
” يبدو إن والدتك هنا لهذا سمحتِ لي بالدخول ..”
ردت بحيادية :-
” نعم هي في الداخل …”
أضافت وهي تشير نحو الكنبة المقابلة لهما :-
” تفضل إجلس وأنا سأنادي تميم …”
ثم تحركت بسرعة دون إنتظار رده ليجلس مكانه يتأمل الشقة البسيطة بملامح متجهمة عندما جاء ابنه بعد لحظات فيمنحه إبتسامة خاصة وهو يفتح له أحضانه مرددا :-
” تميم حبيبي ..”
تقدم تميم نحوه وإندس داخل أحضانه ليربت فراس عليه بحب فتتأملهما عهد للحظات ثم تقول مقررة الإنسحاب تاركة الأب وإبنه لوحديهما :-
” سأترككما لوحدكما …”
هز فراس رأسه بتفهم دون أن ينظر نحوها عندما غادرت فينظر إلى إبنه يسأله بإهتمام :-
” كيف حالك يا حبيبي … ؟!”
رد تميم مبتسما بهدوء :-
” بخير بابا ..”
عاد فراس يسأله :-
” وما أخبار الدراسة ..؟!”
رد الصغير :-
” لقد بدأت منذ إسبوع … لم نأخذ سوى القليل من الدروس …”
قال فراس بجدية :-
” أريد علامات كاملة كعادتك ..”
ابتسم ابنه مرددا بثقة شديدة :-
” لا تقلق يا بابا .. سأكون الأول على دفعتي بالتأكيد …”
ابتسم فراس مرددا بفخر وهو ينظر الى إبنه شديد الذكاء والثقة بنفسه :-
” احسنت يا تميم .. انا فخور بك حقا .. انت رائع يا وحيدي …”
ابتسم تميم بسعادة فهو يحب أن يعززه من حوله بهذه الطريقة ليقول متفاخرا بنفسه :-
” لقد تفوقت على الجميع في تدريبات السباحة أيضا ..”
أضاف وهو ينطلق متحمسا نحو غرفة نومه :
” سأريك بعض الصور ..”
تأمل فراس حماسه ورغما عنه إعترف إن هناك شيء ما تغير داخل إبنه ناحيته نحو الأفضل ..
يبدو إن مكوثه مع والدته جعله يتصرف بهذه الطريقة …
عاد ينهر نفسه رافضا الإعتراف إنه مخطأ وإن تصرفاته السابقة جعلت ابنه بعيدا عنه رافضا التواصل معه كنوع من العقاب على حرمانه له من والدته ..
عاد تميم وهو يحمل جهازه اللوحي الضخم والذي إشتراه له والده قبل ثلاثة اعوام رغم عدم موافقة عهد التي كانت ترفص وبشدة تصرفات فراس مع ابنها وطريقته معه وهو الذي يشتري له الغالي والنفيس بشكل لا يرضيها ولا يشبه التربية التي تريده أن ينشأ عليها ..
أخذ تميم يريه الصور عندما توقف عند إحدى الصور تجمعه بفتاة من نفس عمره جميلة للغاية فقال بفخر :-
” وهذه مايا.. صديقتي …”
ابتسم الأب مرددا بخفة :-
” صديقتك إذا …”
هز رأسه موجبا وهو يضيف :-
” أنا صديقها الوحيد .. لا تلعب ولا تجلس ولا تتحدث مع أحد سواي..”
عقد فراس حاجبيه متسائلا بتعجب :-
رد تميم ببرود :-
” لإنني أمنعها من ذلك .. ”
قالها فراس مدهوشا ليرد تميم بقوة وسلاطة :-
” مايا تخصني ولا أسمح لأي شخص سواي أن يقترب منها …”
هز فراس رأسه بصمت ورغما عنه تذكر نفسه وهو صغير فإنتبه للمرة الأولى إنه إبنه يشبهه كثيرا بل يتفوق عليه من ناحية السلطة والهيمنة والتحكم فهو لم يكن مثله عندما كان صغيرا أما تميم فهو يمتلك كل هذه المواصفات وغيرها من ثقة بالنفس لا تخلو من الغرور والعنجهة رغم سنوات عمره التي لم تصل عشرة سنوات بعد ..
قال وهو يسيطر على أفكاره :-
” حسنا حبيبي .. هل يمكنك أن تنادي والدتك .. أريد التحدث معها ..”
قالها تميم وهو يندفع بسرعة نحو والدته عندما عاد وعهد خلفه لتهتف بخفوت :-
” أردت التحدث معي ..؟!”
اومأ فراس برأسه قبل أن يشير الى ولده :-
” إتركنا لوحدنا قليلا يا تميم ..؟!”
ظهر الرفض على ملامح تميم ليقول والده بجدية :-
” سنتحدث في أمور خاصة قليلا ..”
حمل تميم جهازه اللوحي وخرج من المكان مرغما عندما جلست عهد أمامه تسأله بجدية :-
” ماذا هناك يا فراس ..؟!”
وضع فراس قدما فوق الأخرى مرددا بهيمنة :-
” يجب أن نتحدث بشأن تميم يا عهد ..”
سألته بقلق :-
” ما به تميم ..؟!”
” نتحدث بشأن وضعه القادم ومستقبله ..”
قالت بسرعة :-
” تميم معي .. قانونيا هو معي ..”
” وانا لا أنوي أخذه منك … هو بالفعل أصبح معك بعرف القانون .. ”
سألته بحيرة ليقول مبتسما ببرود :-
“تميم ابني الوحيد واهم شخص في حياتي .. حبي له لا يقل عن حبك له حتى وإن إختلفنا في طريقة حبنا ..”
صمت قليلا ثم أكمل وهو يتأمل ملامحها المترقبة لبقية حديثه :-
” وصايته أصبحت لك وهذا أمر مفروغ منه ولكن انا والده ولي الحق في تقرير كل شيء يخصه ولن أتنازل عن هذا الحق ابدا ..”
” ماذا تقصد يا فراس ..؟!”
سألته بنفاذ صبر ليرد بقوة :-
” مبدئيا ابني لن يعيش هنا .. ابن فراس الطائي لا يعيش في شقة متواضعة كهذه ..”
تمتمت بضيق :-
” هذه شقتي ومكان إقامتي يا فراس وانت لا يمكنك تغيير هذا ..”
” كلا يمكنني .. طالما ولدي يعيش معك ..”
سألته بتعب :-
” مالذي تريده يا فراس ..؟!”
أجاب بجدية :-
” ابني سوف يعيش في منزل يليق به وبمركز والده وانت ستوافقين …؟!”
سألته بعدم إستيعاب :-
” ولم سأوافق ..؟!”
” لأجل مصلحته يا عهد .. لأجل مصلحة الطفل ستوافقين …”
رددت بعدم تصديق :-
” انت تعتقد إن مصلحته تعتمد على مدى الرفاهية التي سوف يعيش بها … ”
أضاف بذهول :-
” ألن تكف عن طريقة تفكيرك هذه ..؟! هل تظن حقا إن هذا ما يحتاجه طفل في عمره .. ؟! تميم يحتاج الى الحب والرعاية والإحتواء وليس إلى هذه المظاهر المادية الفارغة ..”
قاطعها بملل :-
” حسنا توفقي .. لقد مللت من إسطواناتك التي لا تنتهي .. مثالياتك الزائدة .. لا مانع أن نمحنه كل ما ذكرتيه مسبقا ومعها حياة مرفهة تليق به وبالعائلة التي ينتمي اليها .. لن أترك إبني يعيش في شقة عادية في حي بسيط كهذه وأنا بإمكاني أن أشتري له فيلا بل قصرا حتى ..”
نهض من مكانه مرددا بحسم غير آبها بالرفض الظاهر في عينيها :-
” أخذتِ حضانته ورضيت .. ولكن لا يمكنك أن تقرري حياة تميم لوحدك .. انا أبحث حاليا عن فيلا مناسبة تليق بي وبه .. سأجلب له الصور وربما أخذه ليختر بنفسه المكان الذي يرغب أن يعيش به … سأشتري له الفيلا التي يريدها وسينتقل للعيش بها وانت بالطبع معه ..”
أنهى كلماته وخرج دون سماع ردها وكأنه يخبرها من جديد إن ردها لا يهمه وإن قرار الحضانة لن يغير شيء …
هو سيظل المتحكم الأول والأخير في حياة إبنها وبالتالي في حياتها هي الأخرى فحياتها دائما وأبدا مرتبطة بحياة إبنها ..
………………………………………………………….
إندفعت الى داخل مكتبه بغضب لينتفض من مكانه مرددا بعدم تصديق :-
” ماذا تفعلين هنا …”
الحدة المرسومة على ملامحه جعلته يدرك إن هناك شيء ما يحدث فأشار للشرطي الذي كان يحاول منعها أن يغادر قبل أن يسألها بقوة :-
” ماذا يحدث يا غالية هانم وكيف تدخلين مكتبي بتلك الطريقة ..؟!”
تقدمت نحوه بخطواتها الراقية المتأنية رغم غضبها وجمود ملامحها ..
وضعت حقيبتها على الكرسي جانبها وتقدمت نحوه أكثر حتى وقفت وجها لوجه أمامه لا يفصلهما سوى المكتب خاصته فبدت تقاربه بالطول بفعل كعب حذائها العالي كثيرا ..
همست بصلابة :-
” لقد نفذت وعدي لك .. أعطيتك الفلاش بكل ما فيه .. وانت بالمقابل وعدتني بالحماية . ليس حمايتي فقط بل حماية تلك الفتاة …”
رد بجدية :-
” نعم .. وعدتك بالفعل وما زلت على وعدي ..”
صاحت بقوة :
” ولكنك لم تفِ بوعدك … ”
سألها بحزم :-
” ماذا تقصدين ..؟! تحدثي دون مراوغة …”
ردت بجمود :-
” منذ حوالي ساعة إتصلت صديقة فرحة بي … هي في المشفى ..”
سألها وهو يخشى أن يسمع جوابا يعرفه جيدا :-
” ماذا تفعل هناك .،؟!”
ردت بملامح ثابتة رغم القلق الذي ينهشها من الداخل :-
” هناك مجموعة من الرجال هاجموها وضربوها بطريقة لا يمكن تخيلها … هي حاليا في العناية المشددة ووضعها خطير جدا ..”
أكملت بصوت متحشرج :-
” ربما تموت ..”
ظهر عدم التصديق على ملامحه عندما همست بإتهام :-
” انت السبب .. لقد وعدتني بحمايتها ولكنك لم تفِ بوعدك … الفتاة ستموت بسببك .. ”
أكملت والدموع تكونت داخل عينيها :-
” انت السبب … ”
أضافت بإنهيار لا يناسب ثباتها المعتاد :-
” وأنا أيضا السبب .. لم يكن علي فعل هذا .. لكنها هي من أصرت بل هي من طلبت ذلك .. هي أرادت الإنتقام لشقيقتها وأقنعتني.. والله هي من فعلت ..”
تقدم نحوها قائلا بجدية وثبات :-
” اهدئي يا غالية … اهدئي من فضلك …”
أكمل بنفس الثبات لا يتزحزح مهما بلغت صعوبة الظروف :-
” دعينا نذهب الى المشفى يا غالية .. يجب أن نراها ونطمئن على وضعها ..”
رمقته بنظرات حادة متوعدة وهي تردد بقوة عادت تسيطر عليها :-
” قسما بربي إن توفيت الفتاة فلن تكفيني دماء أخيك ..”
قال بهدوء متفهما غضبها :-
” هيا يا غالية …”
سارت معه على مضض تخبره عن مكان المشفى عندما ذهب كلاهما سويا الى المشفى لكن كلا منهما في سيارته …
وصلا أخيرا الى هناك ومنه صعدا الى الطابق الذي توجد به فرحة والتي ما زالت في غرفة العناية المشددة ..
وجدوا صديقتها التي إستقبلتهما عندما أشارت لغالية :-
” أعطتني رقمك منذ يومين وطلبت مني إذا ما أصابها مكروه أن أخبرك بهذا .، أصرت على ذلك .. ”
أكملت باكية :-
” كان قلبها يشعر بما ينتظرها ..”
شعرت غالية بعدم قدرتها على التحمل فسارعت تجلس على الكرسي جانبها عندما سأل فادي الفتاة :-
” هل رأيت الحادث ..؟!”
هزت الفتاة رأسها وهي تجيب :-
” كلا .. لكن هناك شخصين شاهدا ما حدث .. قالا إن هناك سيارة عارضتها أثناء سيرها في احد الشوارع المحلية بعد منتصف الليل .. خرجوا من سيارتهم وهجموا عليها يضربونها بكل ما يملكون بقوة .. الشابان خافا أن يقتربا فكانوا خمس رجال لذا إنتظروا مغادرتهم حتى يبلغون الشرطة ويتصلون بالإسعاف ..”
أكملت باكية :-
” حالتها خطيرة جدا .. لن تنجو من هذه الحادثة إلا بمعجزة … ”
إنخطرت الفتاة في بكائها بينما خيم الصمت على فادي الذي لم يستوعب لأي مرحلة وصلت دناءه أخيه …
هز رأسه بقوة ينفض أفكاره عن رأسه وقل لمعت عيناه بتوعد شديد لأخيه .. لن يرحمه وهو الذي حذره من هذا مسبقا .. لقد تجاوز شقيقه جميع الخطوط الحمراء بفعلته هذه وهو لن يكون فادي الطائي إن تجاهل فعلته هذه ..
شعر بالضيق يملأه ورغما عنه يشعر إنه سببا بما حدث عندما لم يحمِ الفتاة كما وعد …
لعن نفسه فهو تماهل بالموضوع بل بالأحرى لم يعتقد أن يحمل أخيه داخله كل هذا الإجرام …
اتجهت ملامحه أخيرا نحو غالية ليجدها تجلس مكانها بوجه مخفض نحو الأسفل …
تقدم نحوها يهمس بتردد :-
” غالية ..”
رفعت وجهها نحوه فكانت ملامحها ثابتة تماما بل جامدة ولكن عيناها حمراوين بقوة ..
هي تحبس دموعها داخلها بوضوح ..
قال بجدية :-
” سأفعل كل شيء لأخذ حقها من فراس .. أعدك بهذا ..”
قلت ساخرة :-
” انت لم تفِ بوعدكِ لي بحماية الفتاة فهل تطلب مني تصديق إنك ستعاقب أخيك لأجلها ..؟!”
قال فادي بقوة :-
” سأفعل ذلك وأكثر .. صدقيني أنا لم أتصور أن يفعل فراس ذلك ..”
إنتفضت من مكانها تهمس بصوت حازم لكنه قوي :-
” تتصور ماذا ..؟! أخوك مجرم .. قاتل .. الفتاة تصارع الموت بسببه .. أخوك قتل الفتاة وانت تقف أمامي تتحدث عن عدم تصورك لتصرف كهذا منه ..”
أكملت وهي تلوم نفسها هذه المرة :-
” لم يكن علي تصديقك .. ما كان يجب أن أثق بك .. الفتاة تصارع الموت .. كنت أعلم إنه سينتقم .. كنت أدرك جيدا إنه لن يمرر فعلتنا مرور الكرام لكنني صدقتك .. وثقت بوعدك لي ومنحتك الفلاش بكل غباء …”
” اهدئي من فضلك ..”
قالها بجدية لتكمل بصوت متحشرج :-
” فرحة ستموت وبهذا نال هو إنتقامه منها وأنا أيضا دوري القادم … بالطبع لن يتركني والله وحده يعلم ماذا يجهز لي …”
قاطعها بحزم :-
” لا يمكنه أن يفعل شيئا ..”
قالت بشراسة :-
” إنظر إلي .. والله إذا فكر أن يلمس شعرة مني فسوف أدمره … انا لدي أخين وأولاد عم لن يسمحوا لمخلوق قذر كأخيك أن ينال مني .. قسما بربي سيقتلونه لا محالة إذا ما فكر أن يلمس شعرة واحدة مني …”
قال بثقة :-
” لن يفعل .. لن أسمح له بذلك ..”
ضحكت مرردة بتهكم :-
” حقا ..؟! ستقف بوجه شقيقك لأجلي .. يا لك من مضحي ..”
تجمدت نظراتها وهي تسمعه يهمس لها بهدوء لا يشبه تعامله السابق معها :-
” نعم سأقف في وجهه لأجلك و إذا إقتضى الأمر سأفديك بروحي أيضا …”
إهتزت حدقتيها رغما عنها فقالت بصوت متحشرج قليلا :-
” ما يهم الآن هو فرحة .. هي أهم شيء الآن ..”
أنهت كلماتها وتركته ليغمض عينيه بقوة معتصرا كفيه بقوة يجاهد للسيطرة على غضبه الذي إن فشل في السيطرة عليه سيبتلع كالإعصار جميع من يقف في طريقه دون رحمة …
………………………………………………….
كانت تجلس بجواره تشرب القهوة بينما هو يتابع احدى المباريات بإهتمام عندما سمعته يهمس لها بخفوت :-
” أريد قليلا من القهوة ..”
رددت وهي تزم شفتيها بمشاغبة :-
” انت لا يروق لك تناول القهوة إلا من كوبي .. ”
رد وهو يسحب كوبها بتلقائية ويرتشف القليل منه ثم يهمس بتلذذ :-
” لإن طعمها يكون أروع عندما يختلط بطعم أنفاسك وشفتيك ..”
رددت رغم إحتقان وجهها :-
” انت أصبحت وقحا جدا يا نديم …”
همس بلا مبالاة وهو يعاود الإرتشاف من الكوب :-
” عليكِ أن تعتادي على ذلك .. أخبرتك مسبقا بذلك .. ”
أكمل وهو يرمقها بنظرات حارة :-
” الوقاحة مع زوجتي لن تضر بشيء على العكس أبدا …”
جذبت الكوب منه ترتشف ما تبقى من القهوة وهي تردد بمزاح :-
” هات قهوتي قبل أن تتناولها كلها ..”
تمتم بسخرية :-
” لم أعهدك بخيلة يا زوجتي …”
مطت شفتيها وهي تضع الكوب الذي فرغ تماما :-
” عليك أن تعتاد على ذلك إذا ..”
تقدم نحوها أكثر يحيط كتفيها بذراعيه :-
” تقلديني إذا ..”
حركت كتفيها وهي تتسائل بدلال غير مقصود :-
” ألا يحق لي ..؟!”
رد وعيناه تشتعلان بقوة تتأملان ملامح وجهها الناعمة وشفتيها بشغف لا ينتهي :-
” بل يحق لكِ كل شيء يا زوجتي …”
خجلت كليا بعدما إنتبهت لنظراته التي تعرفها جيدا فهمست بصوت مبحوح :-
” المباراة يا نديم ..”
قال بنبرة قاطعة :-
” فلتذهب الى الجحيم ..”
رمقته من أسفل رموشها وهي تردد :-
” إنه فريقك المفضل …”
ضحك مرددا بعبث :-
” يمكنني إعادة المباراة فيما بعد .. المبارة قابلة للتأجيل لكن هناك أشياء غير قابلة للتأجيل …”
وقبل أن تتفوه بحرف واحد وضع أنامله فوق فمها يردد بخفوت :-
” لا تقولي شيئا .. ”
أضاف بعينين شديدتين الإشتعال بعدما أبعد أنامله من فوق فمها :-
” إتركي نفسك لي مرة واحدة دون حديث ..”
وأمام نظراته تلك ونبرته الواضحة لم تستطع سوى الإستسلام ..
بعد مدة من الزمن كان يحتضنها بقوة فوق سريرهما وهو يطبع القبلات فوق شعرها بخفوت بينما تبتسم هي بسعادة لا إرادية …
كل يوم يقتربان من بعضهما أكثر كلما تشعر بشغفها الشديد نحوها …
ظنت إن هذه الرغبة والشغف سوف ينتهيان بعدما ينالها لكن حدث العكس فهي تشعر برغبته نحوها تزداد مع مرور الوقت وتكرار ما يحدث بينهما ..
لكن ما حدث الليلة كان مختلفا .. هو نفسه كان مختلفا .. كان شغوفا بشكل مختلف … لمساته كانت تعبر عن شوقه الشديد لها رغم إنهما يعيشان حياة زوجية طبيعية لكنه تصرف وكأنه لم يقربها منذ فترة طويلة …
اسلوبه معها وكل شيء كان يروي روحها العاشقة له الهائمة به ..
كان يمتلكها بشغف ، رغبة وجنون جعلها تتجاوب معه كما لم تفعل من قبل حتى نست تماما خجلها الذي كان يطغي عليها رغما عنها في جميع المرات السابقة ..
هذه المرة إستسلمت له بكل كيانها ومنحته كل شيء دون خجل أو تواري ….
” هل تأكدتِ الآن إن هناك أشياء غير قابلة للتأجيل ..؟!”
إبتسمت بخفة دون رد ورغما عنها سبحت في أفكارها وهي تتذكر ما فعلته صباح اليوم عندما قررت التخلص من تلك الحبوب بقرار مفاجئ بالنسبة لها …
ورغم خوفها مما هو قادم لكنها شعرت بضميرها يرتاح وهي تتخلص من تلك الحبوب مقررة أن تتحدث معه أولا كي يتفقان على هذا الأمر وهي تثق به جيدا وتعلم إنه لن يرغمها على ما لا تريد …
أطلقت تنهيدة مسموعة ليسألها بإهتمام :-
” ماذا هناك ..؟!”
ردت بخفوت :-
” لا شيء .. ”
صمتت للحظة ثم أكملت :-
” كنت أفكر قليلا بالقادم .. ”
أضافت وهي تستدير بوجهها نحوه :-
” ما ينتظرنا في المستقبل …”
صمت بدوره عاقدا حاحبيه بتفكير مرددا :-
” ماذا ينتظرنا مستقبلا برأيك ..؟!”
هزت كتفيها وهي تردد بعدم معرفة :-
” لا أعلم ..”
شرد بأفكاره وهو يتخيل مستقبلهما سويا بينما هي تتأمل شرود ملامحه اللحظي ثم تلك الإبتسامة الخفيفة التي تشكلت فوق شفتيه فسألته بجدية :-
” لماذا تبتسم ..؟!”
ضحك بخفة وهو يجيب :-
” أتخيل مستقبلنا سويا .. أتسائل ما الشيء الذي ينتظر أي إثنين متزوجين حديثا في المستقبل ..”
أضاف وهو يمرر أنامله داخل خصلات شعرها البنية القصيرة :-
” بالطبع الأطفال .. يعني بعد الزواج والإستقرار يأتي دور الأطفال ..”
تجمدت ملامحها كليا وهي تردد بذهول لحظي :-
” الأطفال …”
اومأ برأسه وهو يردد :-
” نعم الأطفال … ”
أضاف يتسائل وهو يمرر أنامله فوق وجنتها هذه المرة :-
” هل قلت شيئا خاطئا ..”
سألته بهدوء رغم ثورة المشاعر المتناقضة التي تشكلت داخلها :-
” هل تريد أطفالا يا نديم …؟!”
ضحك مرغما وهو يهتف :-
” ما هذا السؤال الغريب يا حياة ..؟!”
منحته نظرة لائمة فعبس وهو يضيف :-
” لا أفهم ما يحدث بالضبط .. جمودك ونظراتك ولكنني بالطبع أريد …”
جذبت الغطاء فوق جسدها قبل أن تخبره بإرتباك غير ظاهر وهي تعتدل في جلستها :-
“نحن يجب أن نتحدث…”
رفع حاجبه يسأل :-
” عم سنتحدث والآن تحديدا ..؟!”
نهضت من فوق السرير وهي تلملم جسدها كاملا بالغطاء قبل أن تخبره وهي تبحث عن ملابسها :-
” يجب أن نتحدث يا نديم .. سأغير ملابسي وأتي …”
تابعها وهي تحمل ملابسها وتختفي داخل الحمام الملحق بغرفته والتي أصبحت غرفة نومهما منذ مدة ليتعجب تصرفاتها قبل أن يجذب ملابسه ويرتديها على عجلة منتظرا خروجها فتخرج بعض لحظات وهي مرتدية بيجامتها سريعا وشعرها ما زال منثورا حول وجهها قليلا فتأملها بإستمتاع لا إرادي وهو يتذكر ما حدث بينهما قبل قليل ليبتسم لها فتبادله إبتسامته بأخرى متوترة وهي تجلس جانبه تردد :-
” نديم ، سنتحدث بشأن موضوع الأطفال ..”
قالتها بسرعة ودون مقدمات ليتسائل بحيرة :-
” أنا لا أفهم لماذا إنقلب مزاجك فجأة عندما جلبت سيرة الأطفال ..؟!”
همست بخفوت :-
” ربما لإنني لم أكن أعلم برغبتك تلك …تفاجئت قليلا ..”
ردد بعدم إستيعاب :-
” مم تفاجئت بالضبط …؟! ”
قالت مبررة :-
” أقصد إنك لم تخبرني برغبتك تلك..”
رد بجدية :-
” لم أكن أعلم إن شيء كهذا يجب أن أخبرك عنه مسبقا ..”
أضاف بهدوء وجدية :-
” الطبيعي أن يرغب الرجل المتزوج بأطفال ..”
أكمل بتهكم :-
” في الحالة المعاكسة على الزوج أن يخبر زوجته ولكن طالما أريد فأين المشكلة ولم عليَّ أن أخبرك بشيء بديهي أساسا ..؟!”
أضاف وهو يتسائل بقوة :-
” أم إن رفض هذا الأمر يكمن عندك و …”
قاطعته بسرعة :-
” ليس تماما …”
” إنظري الى وجهك وستدركين إنه تماما جدا ..”
قالها وهو يرىقها بنظرات حارقة لتهمس بتردد :-
” انا بالفعل مترددة بهذا الأمر … يعني فكرت إنه ما زال مبكرا .. نحن تزوجنا منذ فترة قصيرة جدا فلمَ العجلة … هكذا فكرت .. ”
زفر أنفاسه مرددا بتأني متفهما سبب تفكيرها :-
” لا أنكر إن الحق معك .. ولكن عن نفسي انا أريد أطفالا .. لن أجبرك على الإنجاب إذا لم تكونِ مستعدة وراغبة تماما ولكن لن أخفي رغبتي هذه عنك ..”
تسائلت بعينين محتقنتين :-
” أليس غريبا أن ترغب بالإنجاب ونحن ما زلنا في بداية زواجنا ..؟!”
رد بثقة :-
” كلا ليس غريبا .. انا رجل تزوجت .. تزوجت لأجل الإستقرار وتكوين عائلة أيضا … بالطبع سأرغب بالأطفال وكثيرا كما أرغب بوجودك معي .. يعني هذا الشيء المنطقي والذي يحدث مع الجميع فلا أفهم حقا سبب دهشتكِ الغريبة يا حياة…”
أكمل وهو يتسائل بجدية :-
” أم إنك ما زلت تعتقدين إن رغبتي بالإقتران بك مؤقته وإنني سأتركك يوما ما لذا تفاجئت برغبتي بالحصول على طفل منك …؟!”
إبتلعت ريقها وهي تهز رأسها نفيا دون رد ليسألها بإصرار :-
” إمنحيني تفسيرا واضحا لما يحدث وسبب إعتقادك هذا يا حياة ..؟!”
أجابت بهدوء :-
” انا لم أعتقد .. انا فقط فكرت إن تأجيل الإنجاب أفضل لكلينا .. العجلة في هذا الأمر ليست من صالحنا .. ”
أكملت وهي ترمقه بنظرات عاجزة :-
” أنا آسفة .. كان يجب أن أخبرك بوضوح عما أفكر به ..”
تنهد بقوة قبل أن يبتسم لها وهو يربت على جانب وجهها :-
” لا عليك يا حياة .. انا أتفهم مخاوفك .. إذا كنت تريدين تأجيل الأمر فلا بأس .. لنؤجله حتى تكوني مستعدة له ..”
تأملته غير مصدقه تفهمه ومدى لطفه معها ..
لامت نفسها كثيرا لإنها لم تخبره بذلك مسبقا ولجأت الى تلك الحبوب دون علمه ..
عاد ضميرها يؤنبها مجددا كما كان يفعل بها منذ أول يوم إشترت به تلك الحبوب …
هي لم تكذب يوما ..
طوال حياتها وهي صريحة وواضحة ..
كيف كذبت عليه بشيء كهذا ..؟! شيء يخص كلاهما ..؟!
ترقرقت الدموع داخل عينيها فجذبها نحوه وهو يهمس بعذوبة :-
” لا تبكي يا حياة من فضلك .. ”
تساقطت دموعها فوق وجنتيها ليتسائل بعدم إستيعاب :-
” مالذي يبكيك هكذا لا أفهم ..؟!”
إبتعدت عنه تردد معتذرة :-
” أنا آسفة حقا …”
” يكفي حقا يا حياة .. توقفي عن الإعتذار .. انت لم تفعلي شيئا ..”
نظرت له بعينيها الحمراوين وقالت رغما عنها :-
” انا كنت أتناول تلك الحبوب …”
تجمدت ملامحه كليا وهو يتسائل وكأنه فقد الفهم :-
” أية حبوب …؟!”
أخفضت عينيها أرضا لتتسارع أنفاسه كليا ..
لحظات صمت ليست بقصيرة مرت بينهما وهما على هذه الحالة عندما تسائل بصوت محتقن تماما :-
” لماذا ..؟! ”
رفعت عينيها نحوه مجددا فصدمتها تلك النظرة في عينيه .. نظرة تمثل مزيج من الألم والضعف والخذلان ..
همست بتوسل :-
” نديم ..؟!”
همس بصوت قوي ما زال محتقنا بالكامل :-
” لماذا يا حياة ..؟! لماذا لم تخبريني ..؟! لماذا تصرفت دون علمي …”
أكمل والألم يظهر في نبرة صوته هذه المرة :-
” انا لم أكن لأعترض.. لم أكن لأفعل مطلقا ..”
” أقسم لك إنني لم أقصد ..”
صاح بقوة وغضب ظهر بقوة في نظراته ونبرة صوته :-
” دائما لا تقصدين .. دائما هكذا .. ”
انتفض من مكانها يصيح بعصبية :-
” لماذا تفعلين هذا يا حياة ..؟! لماذا تضعيني بهذا الموقف بإستمرار ..؟! لماذا تتصرفين في أمورنا سويا من تلقاء نفسك ..؟! ”
أكمل ببحة مليئة بالوجع:-
” لماذا تصرين على خذلاني دائما وبشكل مستمر ..؟!”
نهضت من مكانها تحاول التقدم منه وهي تهمس :-
” كلا يا نديم … انا لم أرد خذلانك والله .. ”
هز رأسه نفيا معترضا على حديثها :-
” ولكنك خذلتني بالفعل …”
أضاف :-
” في الوقت الذي أنا أسعى فيه لتكوين عائلة حقيقية معك انت …”
إبتلع غصته وهو يهمس بمرارة :-
” انت تتناولين تلك الحبوب … تريدين عدم الإنجاب مني والأسوء من ذلك إنك لم تمنحيني حق مشاركتك قرار مهم كهذا ..!!”
قالت بسرعة :-
” من قال إنني لا أريد الإنجاب منك ..؟! هذا ليس صحيحا ..”
صرخ وقد فقد أعصابه كليا :-
” لماذا تناولت تلك الحبوب إذا ..؟! لماذا يا حياة …؟! ما التفسير المنطقي لتناولك تلك الحبوب سوى عدم رغبتك بالإنجاب مني ..؟!”
ردت ودموعها تتساقط على وجنتيها مجددا :-
” أنا فكرت إنك لا تريد الآن أو الأمر لا يهمك .. إعتقدت ذلك ..”
شهقت وهي تجذه يجذبها من ذراعها بقوة يهتف بغضب مشتعل :-
” كالعادة .. تفكرين دوما نيابة عني .. تعتقدين أشياء لا وجود لها .. ”
أكمل وهو يضغط على ذراعها أكثر :-
” لماذا تتصرفين وكأنك تقرئين أفكاري ورغباتي ..؟! لماذا تمنحين لنفسك حق التقرير نيابة عني …؟!”
أضاف متهكما :-
” في كل مرة تظنين إنني أفكر بطريقة معينة وكأنك تعيشين داخل رأسي .. تنسجين أفكارا من وحي خيالك وتنسبينها إلي وتتصرفين بناء عليها .. كم مرة علي إخبارك بإن ما تفكرين به لا وجود له ..؟! كم مرة علي إخبارك ألا تقرري نيابة عني وتلحقيني بأفكار لا وجود لها سوى في مخيلتي …؟!”
دفعته بقوة وهي تصرخ به باكية :-
” يكفي … ”
أضاف وهي تنظر له بقوة وقد توقفت عن البكاء :-
” هل تريد أن تعلم لماذا تناولت تلك الحبوب ..؟! لماذا لا أريد الإنجاب حاليا ..؟!”
قالت بصعوبة وقد عادت الدموع تغشي عينيها :-
” لإنني خائفة .. خائفة من مستقبل مجهول الملامح .. خائفة من زيجتنا التي ربما لن تستمر .. خائفة وأنا أراك تسير متخبطا هنا وهناك وانت لا تعرف ما تريد .. خائفة وانا لا أدرك إلام تخطط بشأن أخيك وإسترداد حقك المسلوب .. ”
أكملت بصوت باكي :-
” خائفة أن أنجب طفلا يعيش بين أبوين منفصلين بعدما فشلا في الإستمرار سويا ..”
همس مصدوما :-
” انت تخفين كل هذا داخلك … تخافين من كل هذه الأشياء ..”
قاطعته بنفس البكاء المؤلم :-
” وأكثر .. أكثر من هذا بكثير ..”
سأل بملامح باهتة :-
” لماذا …؟! لماذا تفكرين بهذه الطريقة وتخافين من أشياء لن تحدث ..؟!”
سألته بإبتسامة مريرة :-
” هل أنت متأكد إنها لن تحدث …؟! ”
رد على الفور :-
” طبعا .. أخبرتك مرارا .. انت زوجتي ومستقبلي وركن أساسي في حياتي .. انت المرأة التي إخترتها ولا أنوي الإبتعاد عنها مهما حدث..انت مستقبلي الذي أرغب في عيشه ..”
قاطعته تسأله بعدما توقفت عن بكائها :-
” لماذا ..؟! ”
نظر لها بعدم فهم لتتسائل مجددا ووجهها أصبح شديد الإحمرار من شدة البكاء :-
” لماذا أنا أمثل كل هذا بالنسبة لك ..؟! لماذا أخبرني ..؟!”
همس متعجبا :-
” ما هذا السؤال يا حياة .. ؟! سؤالك غريب وغير منطقي كونك تعرفين جوابه ..”
قالت بإصرار :-
” أريد سماعه منك ..”
صمت للحظات مندهشا مما تفعله عندما قال بخفوت :-
” لإنك حياة .. لإنك من وجدت معها الراحة والهدوء والإستقرار الذي فقدتهم منذ زمن بل وجدت معك السعادة وشعرت جانبك بالأمان .. لإنك تمنحيني القوة والدعم والثبات .. لإنك تمنحيني كل شيء فقدته … تمنحيني الحياة بوجودك معي ..”
” هكذا فقط ..؟! أليس هناك شيئا عدا هذا ..؟! ”
سألته بجمود ليردد بقلق غزاه كليا :-
“شيء مثل ماذا ..؟! ماذا يحدث يا حياة ..؟!”
ردت بقوة وثبات رغم الألم الذي ينحر قلبها :-
” الحب .. انت ذكرت كل شيء عداه .. ماذا عنه ..؟! ألا وجود له هو الآخر ..؟!”
غمغم بحيرة بل ضياع إبتلعه كليا :-
” الحب ..؟!!!”
بدت له الكلمة غريبة وغير مفهومة .. لم يعرف ماذا يجب أن يقول ربما لإنه بالفعل لا يوجد ما يقوله …
إبتسمت بمرارة تهتف وهي تنظر إلى عينيه مباشرة :-
” هذا ما إنتظرته .. أتمنى أن تكون فهمت الآن سبب مخاوفي وتصرفي هذا ..”
تحركت قليلا عندما أخذت نفسا عميقا ثم إستدارت نحوه تهمس بهدوء وهي تجاهد للسيطرة على دموعها :-
” صحيح ، انا قررت التوقف عن تناول تلك الحبوب صباح البارحة حتى إنني تخلصت من الشريط ورميته في سلة المهملات .. ضميري لم يسمح لي بالإستمرار هكذا أكثر وضميري هو من دفعني لإخبارك أيضا .. مهما حدث أنا لم أعتد أن أخدع أحدا أو أكذب عليه ولهذا لمت نفسي كثيرا لإنني تناولت تلك الحبوب دون علمك وسأظل ألوم نفسي لإنني تصرفت بطريقة لا تشبهني أبدا …”
أنهت كلماتها وغادرت المكان تاركة إياه يتابعها بصمت وقلبه يملأه الخوف والضياع ..!!
………………………………………………………
في صباح اليوم التالي
تقدمت غالية نحو والدتها تلقي عليها تحية الصباح وهي تجاهد كي لا تظهر عبوسها أمامها ..
ابتسمت صباح وهي تقول بعدما ردت تحيتها :-
” تعالي وتناولي فطورك معي …”
ردت غالية وهي تجاهد لرسم إبتسامة خفيفة فوق شفتيها :-
” شكرا ماما .. يجب أن أغادر حالا .. لدي إجتماع هام مع مدراء المشروع الجديد ..”
نهضت صباح من مكانها وإحتضنت وجنتيها تردد بإهتمام :-
” إعتني بنفسك جيدا حبيبتي …”
إحتضنتها غالية بسرعة وقد شعرت بالقلق يخنقها بقوة …
إبتعدت عنها تمنحها إبتسامة هادئة وهي تغادر عندما وجدت رقم غريب يتصل عليها فنظرت له بتردد قبل أن تحسم أمرها وهي تجيب :-
” نعم ، من معي ..؟!”
جاءها صوته الرزين يقول :-
” انا فادي يا غالية …”
سألت بريبة :-
” ماذا هناك يا فادي ..؟!”
أجابها بجدية :-
” كنت عند فرحة في المشفى ..”
سألته برعب من أن يخبرها بوفاتها :-
” ماذا حدث ..؟! هل هي بخير ..؟!”
رد بخيبة :-
” ما زال وضعها كما هو .. ”
أكمل بجدية :-
” لكنني تحدثت مع الطبيب كي أنقلها الى مشفى خاص مناسب ..”
قالت بسرعة :-
” هناك مشفى جيد انا أعرفه .. يملك كل الإمكانيات اللازمة .. ابن عم يعمل بها وهو جراح معروف جدا …”
قال بسرعة :-
” جيد .. أخبري ابن عمك كي يجهز لها غرفة العناية لإستقبالها كما يجب أن نرسل له كافة التقارير والتفاصيل حتى يتم نقلها ..”
” سأتحدث معه حالا ..”
قالتها بجدية قبل تسأله :-
” ماذا فعلت مع أخيك ..؟!”
رد بضيق :-
” أبحث عنه منذ البارحة ..”
هدرت بغضب :-
” هرب …!!”
قال فادي بقوة :-
” سأجده .. لا تقلقي .. أين سيهرب مني يعني ..؟!”
ردت بوجوم :-
” اتمنى ذلك ..”
أنهت مكالمتها وسارعت تتصل بشريف وهي تتجه نحو سيارتها …
ركبتها بالفعل وهي تسمع صوت رنين هاتفها عندما شغلت السيارة وإنتهت المكالمة دون رد ..
تمتمت وهي تدير مقود السيارة :-
” سأتصل به بعد قليل …ربما لديه عمل مهم الآن ..”
ما إن تحركت خارج الفيلا حتى سمعت صوت هاتفها يرن فوجدت شريف يتصل لتهم بالرد عليه عندما وجدت سيارة تقتحم طريقها ليسقط الهاتف من يدها وقبل أن تغلق باب السيارة كان احد الرجال يفتح الباب ويسحبها بقوة رغم محاولتها مقاومته عندما دفعها داخل السيارة بعدما رش المخدر فوق وجهها ففقدت وعيها بين ذراعيه …
بعد مدة من الزمن كان يقف يتأملها وهي جالسة على الكرسي أمامه فاقدة لوعيها تماما وذراعيها مقيدتان من الخلف..
ابتسم وهو يشير الى رجاله :-
” غادروا خارجا وإتركوني معها …”
ثم تقدم نحوها وهو يحمل قنينة كبيرة من المياه …
بدأ يحرك كفه فوق وجنتها قبل أن يضرب جانب وجهها بخفة وهو يهمس :-
” هيا إستيقظ يا غالية .. من المفترض أن ينتهي مفعول المخدر بعد قليل …”
أكمل وعيناه تتأملان مظهرها وهي مخدرة تماما لا حول لها ولا قوة :-
” ما أجمل هذا المنظر …”
توقفت عيناه على عينيها المغمضتين ليفتح غطاء القنينة ثم يسارع بتفريغ المياه فوق وجهها دفعة واحدة فتشهق بفزع وهي تستيقظ أخيرا …
إتسعت عيناها بهلع وهي تستوعب المكان الذي هي فيه ومن يقف أمامها ..
تأمل ملامحها المدهوشة وصدرها الذي يعلو ويهبط بقوة …
ابتسم بقوة وهو يردد :-
” لا مهرب لكِ مني يا حلوتي …”
صاحت بكره :-
” ماذا تفعل أيها الحقير …؟! ألا يكفيك ما فعلته بالفتاة المسكينة …”
رد بنفس الإبتسامة :-
” كلا لم يكفيني .. لقد جاء دورك يا غاليتي ..”
بصقت على وجهه وهي تردد :-
” سافل وحقير ولا تملك ذرة من الرجولة …”
تقدم نحوها وصفعها بقوة على وجهها لتصرخ ألما عندما قبض على شعرها الطويل وهو يردد :-
” ألم تستوعبي بعد وضعك الحالي ..؟! ألا ترين ما حولك …؟! أنت الآن أسيرة عندي وأنا سأفعل بك ما أشاء …”
حاولت ألا تظهر الخوف المعتمل داخلها وهي تهدر بثبات :-
” لن تستطيع فعل أي شيء … انا لست كتلك الفتاة المسكينة .. انا لدي عائلة تمحيك من على وجه الأرض إذا ما فكرت بلمسي ..”
ضحك رغما عنه مرددا :-
” وهل يفترض بي أن أخاف الآن …؟!”
رددت بثقة جعلت الغيظ يشتعل منها داخله أكثر :-
” عائلتي يدعسونك تحت أقدامهم إذا ما لمستني …”
انحنى نحوها وقبض على فكها يردد بتوعد :-
” أكثر ما وددت فعله منذ أول يوم تعرفنا عليه هو كسر غرورك وإعتدادك بنفسك … إذلالك يا غالية …”
قالت بتحدي :-
” خسئت يا فراس .. لم يخلق بعد من يذل غالية الخولي ..”
ضغط على فكها أكثر وهو يردد :-
” بل هو واقف أمامك بشحمه ولحمه يا ابنة الخولي … ”
أكمل وعيناه تسيران فوق ملامحها الشامخة بتحدي :-
” لا بد لكل هذا أن ينتهي .. لقد أتى من يحطم غرورك ويدمر شموخك .. من يكسر أنفك المرفوع بعنجهة طوال الوقت …”
” لن يحدث هذا سوى في أحلامك ..”
قالتها بقوة ليضحك بقوة بعدما حرر فكها من قبضته قبل أن يقول وعيناه تلتهمان جسدها برغبة جعلت جسدها يتصلب بقوة :-
” سيحدث وحالا وأريني حينها كيف سوف تسيرين برأس مرفوع شامخ بين الجميع بل كيف ستنظرين في وجوه من حولك يا ابنة الخولي …”
همست بتحذير صلب:-
” إياك أن تفكر حتى ..”
ليبتسم بمكر وهو ينحني نحوها :-
” رغم كل شيء ستظلين وجبة لذيذة أتوق بشدة لتناولها ..”
وجدته يبدأ بفك الحبل الذي يربط يديها لتغمض عينيها بقوة وهي تحاول الثبات قدر المستطاع ..
الثبات لآخر لحظة …
حرر كفيها ووقف يتأملها بينما عيناها الجميلتان تنظران نحوه بتحدي ليقترب نحوها ويهم بلمس وجهها عندما انتفضت من مكانها تدفعه بقوة وهي تلكمه على صدره ..
تجاهل ألمه وهو يسير نحوها وهي التي إتجهت نحو الحائط خلفها تلتصق به تصرخ به :-
” إياك أن تقترب ..”
قال ببرود :-
” لا يمكنك الهرب مني يا غالية … انظري حولك .. الغرفة فارغة .. لا يوجد سواي انا وانت ..”
هزت رأسها نفيا ترفض الإنهزام عندما اندفعت بسرعة نحو الكرسي تحمله نحو الأعلى وهي تصرخ به :-
” إبتعد عني هيا …”
” ما تفعلينه لن يفيدك بشيء …”
قالها مبتسما بمكر عندما شعر بأحدهم يندفع الى الداخل لينصدم فادي أخيه وهو يهجم عليه مرددا :-
” اياك أن تلمسها … ”
إنقض فادي نحو أخيه يلكمه بينما وقفت غالية جانبا تتابع ما يحدث برعب …
تأملت الصراع الذي بدأ بين الأخوين عندما ركضت خارج المكان بسرعة تاركة كل شيء خلفها لكن صوت الرصاصة الذي إنطلق في الداخل جعلها تتجمد مكانها ..
………………………………………………..
كانت تجلس أمامه تتسائل :-
” انا لا أفهم لماذا تصر على إدخال ليلى في خطتنا لهذه الدرجة ..؟!”
رد بحزم :-
” انا حر فيما أفعله يا بوسي ..انا أخطط بالشكل الذي أراه مناسبا .. وانتم تنفذون دون مناقشة ..”
قالت بجدية :-
” لكنها لن توافق .. لقد حاولت معها ولن ينالني منها سوى مثاليات فراغة و …”
قاطعها بثقة :-
” ستوافق هذه المرة .. ”
اكمل وهو يشرد بعينيه :-
” ليلى ستكون معنا .. مجبرة لا مخيرة ..”
قالت بوسي بضيق :-
” انا لن أتحدث معها مجددا .. لن أفعل ذلك مرة ثانية ..”
هدر بها بصلابة :-
” يكفي حقا .. ألم تفهمي بعد …؟! انا لا أطلب منك .. أنا أامرك ..”
تأملته برهبة رغما عنه وهي تفكر إن هذا الرجل مرعب .. مرعب للغاية ولكنها مضطرة الى التعاون معه لأجل إنتقامها وهي تدرك جيدا إنه الوحيد الذي يستطيع الوقوف بوجه عمار الخولي والإنتصار عليه ..
سألته بتردد :-
” بمَ يمكن أن تفيدنا ليلى ..؟! ”
رد بهدوء:-
” ستفيدنا كثيرا .. ”
أكمل شارحا بشكل لا يخلو من الغموض :-
” البداية ستكون من عندها أساسا … ”
” انا لا أفهم حقا ..”
قالتها بضيق مكتوم ليقول مراوغا :-
” ليلى سيتم إستخدامها بشكل مختلف عنك انت ومريم .. يعني هي ستكون في منطقة بعيدة عنكن تماما والأهم إنها لن تدرك مهما حدث مع من تتعامل وبالطبع لا يجب أن تعلم بتعاون مريم معنا …”
” وماذا عن مريم ..؟! إذا علمت بإستغلالك شقيقتها ستفضح كل شيء ..”
رد بجدية :-
” لن تعلم يا بوسي .. الشقيقتان ستتعاونان كلتيهما معنا دون أن تدركا ذلك ومن جهة مريم فإطمئني .. قريبا جدا سأعرف كيف أغلق فمها كليا وأحركها طوع بناني دون أن تفتح فمها بحرف واحد …”
هزت رأسها بصمت قبل أن يقول وعيناه تلمعان بقوة :-
” والآن ستتصلين بليلى وتخبريها ما سأقوله لك بالحرف الواحد ثم تذهبين لمقابلتها وتخبريها أيضا بما سأقوله بالحرف الواحد ..”
…………………………………………………….
بعد مدة من الزمن ..
كانت بوسي تجلس على احدى الطاولات تنتظر قدوم ليلى بنفاد صبر ..
تقدمت ليلى نحوها وجلست أمامها تهتف بضيق صريح :-
” ماذا تريدين مني مجددا ..؟! ألم أخبرك ألا تتصلي بي بعد الآن ..”
قالت بوسي محاولا تهدئتها :-
” اهدئي يا ليلى .. انا أردت التحدث معك هذه المرة ليس لنفس السبب السابق .. أنا هنا لتحذيرك فقط … ”
سألتها ليلى بعدم فهم :-
” تحذيري من أي شيء ..؟!”
قالت بوسي وهي تصطنع التردد :-
” مريم في خطر يا ليلى .. يجب أن تنقذيها بأي شكل ..”
تجمدت ملامح ليلى وهي تردد بعدم إستيعاب :
” ماذا تقولين انت ..؟! ما بها مريم ..؟! هي بخير .. صباحا كانت معي ..”
قاطعتها بوسي :-
” مريم تجمعها علاقة بعمار …”
سيطر الجمود على ملامح ليلى للحظات قبل أن تصيح غير مصدقة :-
” ماذا تقولين انت .. هل جننت ..؟!”
” اهدئي من فضلك ودعيني أشرح لك ..”
قالتها بوسي مصطنعة الأسف لتنهض ليلى من مكانها وهي تهدر :-
” لن أسمع منك حرفا واحدا .. وإياك ثم إياك أن تتصلي بي مجددا ..”
قالت بوسي بتحدي :-
” هناك صور تجمعهما …”
توقفت ليلى مكانها للحظات قبل أن تستدير نحوها بملامح غير مصدقة لتخرج بوسي مجموعة من الصور من حقيبتها ..
تقدمت ليلى نحوها بخطوات ضعيفة حتى سحبت احدى الصور فترى عمار وهو يقبل شقيقتها داخل سيارته …
جذبت صورة أخرى فوجدت مريم بين أحضانه ..
صورة أخرى وهو يحاوطها بذراعيه …
شحبت ملامحها كليا وأخذت الدموع تتراكم داخل عينيها وهي لا تصدق ما تراه .. لا تستوعبه …
استندت بكفيها على الطاولة وقد تشنجت ملامحها كليا وعقلها يرفض التصديق ..
شقيقتها الصغيرة .. مريم … أختها والتي تعتبرها إبنة روحية لها .. بين أحضان زوجها السابق .. الرجل الذي دمر حياتها .. بين أحضان الشيطان .. عمار الخولي ..
شعرت بذراعها تتصلب بشكل مؤلم قبل أن تتشوش الرؤية من حولها فصرخت بسبب ألم ذراعها أرضا ليكون آخر ما تراه تجمهر الكثير حولها حتى غابت عن الوعي تماما ..
……………………………………………………….
توقفت أمام العمارة التي توجد بها شقته وهي تتذكر إتصالها به حيث طلبت منه المجيء لأمر طارئ …
منذ صباح اليوم وعقلها لا يكف عن التفكير ..
الألم ينهشها لأجل شقيقتها .. شقيقتها الذي ما زال عمار يتحكم بها بكل حقارة مستغلا تلك الشيكات ..
الشيكات التي لن يرضى بسواها مقابلا لها …
عقلها لم يكف عن التفكير وروحها تأن كلما تتذكر وجع أختها وحريتها المقيدة بسببه …
حريتها التي تقيدت لسنوات بسببه وما زالت كذلك ..
رغبتها في الإنتقام تسحقها دون رحمة ومشاعرها تنفعل بشكل يصعب السيطرة عليه …
أغمضت عينيها بتعب وهي تسأل نفسها للمرة الأخيرة ..
هل هي واثقة مما ستفعله ..؟!
هل ستمنحه ما يريده بالفعل ..؟!
فيجيب قلبها نيابة عن عقلها بإن شقيقتها تستحق أن تفيدها بروحها … شقيقتها التي لا تريد شيئا سوى أن تراها سعيدة ومرتاحة بعدما أنهكتها السنوات وسرقت بريق سعادتها ..
إذا كان الأمر يتعلق بسعادة شقيقتها التي لم تبخل عليها يوما بشيء فستفعل .. نعم ستفعل كل ما في وسعها لتحررها من ذلك الشيطان حتى لو كان مقابل ذلك دخولها هي في عرينه …
أخرجت هاتفها من حقيبتها وأخذت تتأمل رقمه ..
لم تعد تتواصل معه إلا نادرا وهو الذي أخذ موقفا منها بعد تصرفاتها الغير مفهومة ..
لا تلومه فلا يوجد مبرر لما فعلته …
ضغطت على زر الهاتف تنتظر أن يجيبها عندما سمعت صوته يرحب بها فهمست بضعف خفي :-
” أكرم ..”
” نعم يا مريم ..”
سألها بصوت ناعس ويبدو إنها أيقظته من نومته العميقة لتأخذ نفسا طويلا قبل أن تردد :-
” انا اسفة …”
صمت لوهلة ثم سألها :-
” علام تعتذرين ..؟!”
ردت بعينين دامعتين :-
” عن كل شيء … أعتذر عن كل شيء يا أكرم ..”
أكملت وهي تشعر بالكلمات التي تتفوه بها تحرق قلبها قبل قلبه :-
” انت كان معك حق … انا بالفعل تغيرت … تغيرت كثيرا .. ولأجل هذا أنا أنهي أي شيء يربط ببعضنا .. من هذه اللحظة انت حر يا أكرم ..”
” مريم ..”
قالها بعدم إستيعاب لتضيف بخفوت وشفاه مرتجفة :-
” انا أريد إنهاء كل شيء والإستقرار .. هذا أفضل لكلينا لكن رغما عن كل شيء ورغما عن جميع تصرفاتي كن متأكدا إنني أحببتك بحق ولم أكذب يوما بشأن مشاعري نحوك .. لكن كالعادة دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وهذا هو نصيبنا ..”
أغلقت الهاتف بسرعة دون أن تنتظر رده ثم سارعت تحظر رقمه من على هاتفه قبل أن تحمل حقيبتها وتخرج من السيارة متجهة الى شقته ..
فتح لها باب شقته يتأمل جمود ملامحها عندما سألها :-
” نعم يا مريم .. ما الأمر المهم الذي أردتني لأجله ..”
دفعته وهي تدلف الى الداخل قبل أن تشير إليه :-
” تعال … يجب أن نتحدث ..”
سار نحوها بالفعل ليجدها تقف أمامه تناظره بصمت قبل أن تخلع التيشرت الذي ترتديه فيتأمل النصف العلوي من جسدها والذي لا يستره سوى حمالات صدرها ..
” ماذا تفعلين يا مريم ..؟!”
سألها مستنكرا لتجيب وهي تقترب منه اكثر :-
” أفعل ما تريده منذ زمن .. أمنحك جسدي بكل حرية ورضا .. ”
” والمقابل ..؟!”
سألها متهكما لترد بقوة :-
” تتنازل عن تلك الشيكات بأكملها … وانا منذ هذه اللحظة سأكون لك كما تريد .. فقط مقابل أن تتنازل عن حقك في الشيكات …”
” أخبرتك إنك ستأتين يوما بنفسك تمنحيني جسدك بكل سخاء ”
قالها ببرود وعيناه تلمعان بشكل مخيف …
ابتسمت بجمود وهي تؤكد ما قاله :-
” وها قد أتيت .. حدث ما قلته .. ها أنا أمامك .. بين ذراعيك ..”
مد يده يلمس عنقها الأبيض الطويل بأناملها بينما تقف هي ثابتة دون حراك تقابل نظراته المبهمة بنظراتها الثابتة ..
هبط بأنامله أسفل عنقها يسير بأنامله فوق عظم الترقوة خاصتها ثم كتفها ليهمس مبتسما بهدوء وأنامله تتوقف فوق نهديها مباشرة :-
” عرض جميل ومغري …”
أكمل وهو يدفعها بخفة بعيدا :-
” لكنه مرفوض …”
تجمدت ملامحها بعدم استيعاب عندما ابتسم ضاحكا بخفة وهو يردد :-
” غريب أليس كذلك ..؟! أتذكر إنني أخبرتك إنني لم أعد مهتم بك بالفعل وإن هناك إمرأة ملأت حياتي بأكملها بل وكياني أيضا ..”
” أعتذر حقا يا مريوم ولكن عرضك مرفوض بكل آسف .. ”
” ماذا تفعل انت ..؟! ماذا تريد ..؟!”
سألته والحقد يشتعل داخل عينيها ليردد بهدوء :-
” ماذا حدث ..؟! هل صدمتك ..؟! انا اسف .. ولكن جسدك لا يستحق أن أتنازل عن مبلغ كهذا لأجله .. بل أنت كلك لا تستحقين …”
توقف عن حديثه وهو يلاحظ الصدمة التي سيطرت على وجهها ليلتفت الى الخلف فيرى شيرين أمامه تنظر إليهما بعدم تصديق وهي التي دخلت من الباب الذي نساه هو مفتوحا دون أن يدرى ..
” شيرين …!!”
همسها مصدوما والمشهد كان صادما بالنسبة لها .. صادما ومقرفا جدا ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية