رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات
رواية الحب اولا الفصل الثالث 3
وضعت نجلاء الاطباق على السفرة ونادت على أمها
وهي تتخذ مقعداً امام الطعام……
“يلا ياما الفلافل هتبرد………”
خرجت والدتها وهي تضع الهاتف على اذنها…. وتتبسم باتساعٍ للمتصل قائلة وهي تقترب من
ابنتها متخذه مقعد جوارها……
“طبعاً ياسامح…. تنور ياحبيبي…..هستناك… دا نجلاء حتى هتموت وتشوفك…..”برمت نجلاء شفتيها وهي
تغمس اللقمة في طبق الفول……….
ضحكت والدتها بانتشاء متابعة…
” امال مش ابن خالتها……. يوصل ياحبيبي…… طريق السلامة…….” اغلقت والدتها الهاتف
ونظرة اليها قائلة بجذل……
“سامح ابن خالتك جاي يتغدى عندنا النهاردة… اعملي بزيادة……..”
سحبت نجلاء نفساً عميقاً واخرجته بمنتهى
الحنق معقبة بازدراء………
“ابن خالتي !!… على فكرة ياما هو ابن خالتك انتي
مش انا………. وبعدين هو كل شوية ينطلنا ماهو كان هنا من يومين……..”
وضعت والدتها اللقمة بفمها ومضغتها على مهل
وهي تجيب بلؤم النسوة……..
“ومالوا يجي تاني وتالت مش قربينا وبيطمن علينا…مانتي عارفه اننا مقطوعين من شجرة من
بعد موت ابوكي الله يرحمه……. “
نظرت لها نجلاء بطرف عينيها وهي تسابقها
دهاءاً…..
“امه….. انا فهمه دماغك كويس أوي…..بس اللي
في دماغك ده مش هيحصل…… انا مخطوبة
وبحب خطيبي ومستحيل اسيبه لو انطبقت
السما على الأرض……..”
لوحت والدتها بيدها مستهينة بالأمر……
“ياشيخه اتنيلي هي دي خطوبة…. دا مش عارف يجبلك شقة لحد دلوقتي…. يابت دا بقالوا سنتين خطبك ومشفناش منه لابيض ولا أسود…. دا حتى المواسم مبيجبهاش……. بلا نيله…….”
انعقد حاجبي نجلاء بغضب……
“مواسم !!…. مواسم إيه ياما…. دا بدل ما تقوليلنا
تعالوا عيشوا معايا في الشقة لحد ماربنا يفرجها…”
شهقة أمها بصدمة وجحظت عينيها بشكلاً
مرعب………
“إاااااايه ياختي……تعيشوا معايا…….. طمعانه فيا يانجلاء طمعانه في شقه اللي سبهلنا ابوكي… بصه لحتة الشقة دي وسيبه عماير ابوه اللي عالبحر
بطلوا دا وسمعوا ده… “
دافعت عنه نجلاء بحمائية…….
“مش هنخلص بقا من ام العمارتين اللي ملكيش سيره غيرهم…….. ارحميني ياما… حمزة هيعمل ايه يعني ما ابوه اللي مش موافق……..”
لوت امها شفتيها مرددة……
“ان شآء الله ما عنوا ما وافق… مش مشكلتي ولا مشكلتك……..”
جفلت نجلاء سائلة…. “يعني إيه ؟!……”
ردت امها بمكر…….
“يعني تفركشي ياختي وتشوفي نصيبك في حته تانيه….”
هزت نجلاء رأسها سريعاً…..
“مقدرش ياما دا انا روحي فيه……بحبه ياما…. “
هزت امها راسها ساخرة…….
“ها شوف البت…….. الحب ياختي لا بياكل ولا بيشرب……. ولا هو أهم حاجة………
أهم حاجة راجل …. راجل شريكي وعايزك يحترمك
ويلبي طلباتك….. وواحده واحده هتحبيه…..”
تذبذبت كالعادة امام حديث أمها فقالت
بتردد…… “وافرضي مشيت وراكي ومحبتوش……”
إبتسمت امها بانتصار……فمن كثرة التقريع عن أمر
الخطبة والمدة الطويلة التي قضت منها ولم يحدث
فيها شيءٍ إلا الأعذار من خطيبها……بدأت ابنتها تلين لهذا الحديث…… وقريباً ستكتشف ان هذا الارتباط
لن يجلب لها إلا الخسائر…….ويبدو انها ستقتنع بهذا في أقرب وقت….. هناك مثل يقال
(الزن على الأذان آمر من السحر…)
وهي تمشي على الوصفه بحذافيرها ولن تغلب مع ابنتها فهي تحفظها اكثر من نفسها……..
“مش هتخسري حاجة……. بالعكس هتكسبي أولها شقه بأسمك… فلوس في حسابك في البنك… وحتتين صيغه تحطيهم في دراعتك وتتعيئي
بيهم كده قدام الناس…..”
حركت أمها أساورها الذهب المعلقة في ذراعيها مضيفه وهي تلكز ابنتها في كتفها….
” يابت فكري في مصلحتك دا انا أمك وادرى بكل ده…..دا اتمنالك الخير ياهبلة…… وصدقيني سامح موافق على كل شروطك بس انتي قولي آآه……..”
كانت شاردة اثناء حديث أمها……الشبية بفحيح افعى تبخ سمها……….لكن عند نطق اسم هذا الازج….
انتفضت واقفة وقد دوى جرس الانذار
داخلها فجأه………..
“سامح مين…. وااه إيه….. لا طبعاً انا بقولك افرضي
لكن انا عمري ما سيب حمزة لو اي بالذي مقدرش بقولك بحبه……..”
نهضت أمها بحنق….ثم تقدمت منها تربت على كتفها بغضب واستهزاء……..
“بتحبيه طيب ياختي خليكي غرقانه في حبه لحد
ما نفسك يروح وتفطسي معاه……. وساعتها هتقولي ياريتني……..”
رمشت نجلاء بعينيها بتردد وهي تبتلع ريقها
قائلة…..
“متلعبيش في دماغي ياما….. كلامك ده ولا هز
شعره مني انا لسه بحب حمزة وعيزاه……..”
ابتسمت امها بغل وهي تقول بحنق شديد…..
“طيب ياختي ربنا يهني سعيد بسعيدة….”ثم
ابتعدت عنها خطوتين قائلة بقوة……..
“بس انا برضو لسه عند كلامي….ياخد شقتين من عمارة ابوه ويفتحهم على بعض…ويكتبهم بأسمك
ياما كده يانفضها سيره…….”
صاحت نجلاء من خلفها بتشنج….
“انتي كده بتعجزيه ياما……. حرام عليكي……”
توقفت والدتها واستدارت لها قائلة بصوتٍ
جهوري……يفوح منه التسلط والقوة…..
“حرام عليا لو مش في مقدرته ينفذ شروطنا….لكن
دا يقدر ينفذ وأكتر من كده كمان…..لكن انا اللي مبحبش الطمع وطلبت حقك….مهرك ياموكوسة….اللي عايزه تتنزلي عنه لجل
(بحبه ياما)…..”
ثم تابعت سيرها لغرفتها متمتمه بسخرية…….
” قال حب قال بلا قلة ادب وقيمة…..اربي انا وكبر عشان في الآخر تيجي تقعد معايا هي وجوزها…. ناقص أصرف عليكم بالمرة…….ماهي تكيه بقا….”
عضت نجلاء على اظافرها بغيظاً وهي تشعر بنفسها على حافة الضياع….فحديث امها كالسياط على قلبها….. يجلدها بلا رحمة…..أمها محقة……يجب ان تتزوج زيجة مرتاحة مادياً…….لماذا لا يوجد توافق
بين الحب والمال………من معه الحب يصعب عليه الوصول للمال….ومن معه المال…….ربما يصل للحب
كما قالت امها ؟!……
هزت رأسها وهي تتنهد بعذاب…بماذا تفكر….هل عزمت النيه حقاً على ترك حمزة……لأجل سامح ؟!…….
اتجهت نجلاء الى غرفتها تجري اتصال به….لعل سماع صوته يريح هواجس عقلها قليلاً…..ويخفف
نبضات قلبها المرتعبه…..
…………………………………………………………….
“منشية…….. منشيه…….منشية…..” صاح بصوتٍ جهوري امام المكروباص الذي يعمل عليه……
وبداخل أحد المواقف المخصصه لسيارات الاجرة
الكبيرة….. يقف بين السيارات…….ياخذ دوره بعد
مدة من إنتظار زملاؤه ……..
رفع حمزة عيناه للسماء الشمس حارقة أليوم.. يتصبب وجهه عرقاً…… اتجه الى مقعد القيادة وسحب منديلاً ومسح وجهه به وهو يصيح
بصوتٍ عالٍ……..
“منشيه…….سموحة……….منشية… “
اتجه اليه أحد السائقين الذي سيحمل
الركاب بعدهُ وسأله……
“فضلك يامه ياحمزة…….”
رد حمزة بفتور……. “نافرين……..ونبي يا ذكي..
هاتلي كوباية شاي من جلجل لحد ما ربك
يرزق…… “
اوما له الآخر بود….. “عنيا ياصاحبي……..”
اتت سيدة ومعها ابنتها تساله بفتور…..
“منشية ياسطا……..”
“منشية يامي…….. توكلنا على الله……..” أومأ لها حمزة وهو يفتح باب سيارته محتل المقعد قائلاً لزميله من عبر نافذة السيارة….”
“كنسل على الشاي دلوقتي يازيكو…. لم ارجع بقا……….”
“حبيبي ياعمنا……….” اعطى للرجل ورقة من المال قبل ان يتحرك بسيارته……. فأيضاً لموقف السيارات نسبة مع كل حمولة يقوم بها السائق….تمتم
حمزة بقرف….
“حار ونار في جتتكم……… هون يارب…….”
صدح هاتفه في تلك الاوقات ففتح الخط ووضع السماعه في اذانه قائلا…….
“اي يانوجه……..عامله إيه “
(الحمدلله انت فين ياحمزة…….)
رد وهو يحرك عجلات القيادة……
“هكون فين في الشغل من صباحية ربنا…..اي دنيا عندك…….”
(زي ماهي……..حمزة…….انا بحبك أوي….)
مط شفتيه وانعقد حاجبيه معقباً…..
“متحلاش الحوارات دي غير وانا في الشغل…..”
ضحكت نجلاء قائلة…..
(انت مكسوف ترد عليا ياميزو…….)
“هكسف من إيه…….بس مش وقته….لما أروح هكلمك……….يابن ال***”صاح حمزة وهو يتفادى الاصطدام في سيارة ملاكي……..سائقها يلعب على الطريق غير مبالي بارواح الناس من خلفه……..
(مين دا اللي بتشتمه ياحمزة…….)
“اقفلي دلوقتي…….”اغلق الهاتف معها وخرج من السيارة بعدما توقف سائق السيارة الفارهة
أمامه……
صاحت أحد السيدات من السيارة……
“خلاص يابني حصل خير….متعملش عقلك بعقلة….”
ثم قال أحد الرجال أيضاً….
“ايوا يابني بلاش مشاكل…..انت معاك ناس……”
لم يستمع لأحد خصوصاً عندما خرج السائق من السيارة وكان شاب في منتصف العشرون…يرتدي ملابس عصريه وسلاسل طويلة حول عنقه….وحتى قصة شعره تنفر منها النفس كملامحه تماماً…….
“هو انت مش شايف اعمى ولا إيه……”
قالها حمزة بغضب….فرد عليه الشاب
باستفزاز……..
“لا مش شايف اللي ورايا…..بشوف اللي
قدامي بس……..”
ارتفع حاجب حمزة وهو يشير على مرايات
السيارة الجانبيتين…….
“امال دول اي لزمتهم ياحبيبي….هي ماما لما اشترتهالك مقلتلكش ان دول بيخلوك تبص على العربيات اللي جايه من وراك…….”
تحدث الشاب بمزاح ثقيل….
“لا مقالتش………..أصلا دي هدية من دادي…….”
ابتسم حمزة قائلاً ببرود…….
“ياحبيب دادي….. وطالما انت ميح اوي كده…
مجبتش سواق ليه يسوقهالك……..”
“وانت مال اهلك………”قالها الشاب بملل…….
فاقترب منه حمزة…..وقد لمع بريق الاجرام في
عيناه العسلية……..فقال بصوتٍ هادئ….هدوء
ما قبل العاصفة………..
“طب ولي ياحبيب دادي الغلط ده… هما مقلولكش
ان كده كخه……..كخه ياااااالا…….”دفعه حمزة بيده ثم بركلة قوية من قدمه كسر المرآة الجانبية…..
ثم استدار متجه لسيارته……
فصاح الشاب قائلاً بعصبية كالمرأه المغلوب
على أمرها……..
“انت اتجننت انت مش عارف انا ابن مين……..”
لم يلتفت له حمزة بل هز رأسه هازئاً…….
“ابن دادي ومامي…..عرفنا……..سلملي عليهم…
وقولهم المرة الجايه نجيب هدايا عدله شويه…..”
ثم استقلّ حمزة السيارة وإدار محركها…. ثم
انطلق بها وعندما مر عليه أخبره بتوعد…….
“أمشي عدل……… لحسان المرة الجايه مش
هتلاقي حته فيها سليمه……….”
عندما سارت السيارة مبتعده عنه…..تدخلت أحد
السيدات معقبة على حمزة بلوم……..
“مكنش ليه داعيه يابني اللي انت عملته لحسان يأذيك……..”
رد عليها حمزة وهو يركز في الطريق
أمامه……
“احنا ما بنجيش على حد ياحاجة…….كل حوادث الطرق بتحصل بسبب عيال فاقده زي دي……..لسه
من قريب واحد زيه دايس على واحده معديه الطريق هي وبنتها الصغيرة…….قوليلي اللي زي
ده فين دلوقتي…هقولك في بيته……..مبتش ليله
واحد في الحجز…..هما ادفنوا تحت التراب
وحقهم راح…….. وهو عايش ولا على باله……… “
تمتم جميع الركاب بحسرة……
“حسبي الله ونعم الوكيل….. ربنا ينتقم منهم…….”
قال حمزة في سره وهو ينظر للطريق
أمامه………. “وعند الله تجتمع الخصوم………”
………………………………………………………………
في المساء استقل الاسانسير وصولاً للدور السادس
ثم أخرج هاتفه من جيبه مجري أتصل بها وهو
يستند بظهره على سور السلم…….
عندما فتحت الخط سريعاً قال حمزة بصوتٍ
عابساً…….
“معقول تنسي معاد استرحتي….انتي مش في
البيت ولا إيه…….”
اتى صوتها متردد وهي تسأله……
(لا إزاي في البيت….مخدتش بالي ان الساعة جت أربعة…….)
قال حمزة بملل وهو ينظر لسلم الممتد
بالاسفل……
“طب أفتحي انا واقف على الباب……خليني اسلم عليكي……وأشوفك قبل ماطلع اريح شوية ونزل
وردية بليل…. “
(آآه هفتح…..هفتح ثواني……..)مجدداً كان صوتها يثير الريبة قبل اغلاق المكالمة……
ولم تمر الثواني إلا وفتحت باب الشقة وكالعادة طلتها خطفت قلبه لكن ملامحها وعيناها الزائغة
جعلته يهز راسه متسائلاً بقلق……..
“مالك يانجلاء……. وشك مخطوف كده ليه……”
“ولا حاجة……” هزت راسها وهي تنظر في صالة البيت خلفها مما جعله يسألها بشك
“هو في حد جوا ولا إيه……”
وقبل ان تتفوه بحرف اتى صوت امها من غرفة الصالون متهللاً بحفاوة………
“قهوة سامح يانوجة………”
ارتفع جاجبي حمزة وتبسم بشر وتلك الامعة الاجرامية ومضها أربك نجلاء عندما ابعدها
هو عن الباب مدعي المزاح……….
“قهوة سامح يانوجة ؟!…. حبيبي…….وسعي
كده يانوجتي…. “
عندما تخطاها داخلاً الشقة دخلت خلفه قائلة
بقلب ينتفض خوفاً……..
“حمزة…….استنى بس هفهمك…….”
لم يعطي لحديثها اعتبار…..بل اقتحم الصالون بملامح هادئة…. بعينان عسليتان مشتعلتان……..
“سلام عليكم……..”
قالها وهو يوزع انظاره على الجالسين دون
تبسم…
فقلبت والدتها شفتيها وهي ترد السلام بصعوبة…
“عليكم السلام……أهلا ياحمزة……..”
جلس حمزة على الاريكة وكانه يمتلك البيت ومافيه…….. “أهلا بحماتي…….وحشاني………”
ردت والدتها باقتضاب…… “متشفش وحش………”
“اكتر من كده…….”أشار بعيناه عليهما…..
فاحمر وجه والدتها وكذلك هذا السامح…والذي كان يقاربه سناً…….لكن ملامحه المغلفة بالهدوء تبعث
الريبة في النفس……..فهو ممن يدعونا المثالية بشكلاً
مبالغ فيجعلك تفكر مرتين قبل حتى ان تمد يدك للسلام عليه………..
“خير ياحمزة….مش بعادتك يعني تيجي دلوقتي…”
رد حمزة وهو ينظر لسامح بشرٍ……
“جاي اشوف خطبتي……عندك مانع ياسامح……”
هتف سامح بارتباك…… “انا متكلمتش…….”
“بحسب……..”تمتم بها حمزة…..
فقالت امها بتهكم…..
“هو مش المفروض تديني خبر قبل ما تيجي…..”
قطب حمزة جبينه قائلاً….
“هو سامح اداكي خبر قبل مايجي……”
ردت منزعجة….”سامح قاربنا…..”
رد ببساطه……. “وانا خطيبها……..”
“حكم……”مصمصت بشفتيها ساخرة وهي تبعد انظارها عنه…….
دخلت نجلاء عليهم حاملة قهوة سامح ثم وضعتها أمامه قائلة بصعوبة بعدما لمحة نظرات حمزة
القوية عليها……. “القهوة…….”
سحب حمزة الصنية بمنتهى التبجح من أمامه
وحمل فنجان القهوة ثم احتسى منه القليل
وبعدها انزله ونظر لنجلاء قائلاً بمداعبة
جميلة……… “تسلم إيدك ياخطيبتي……”
إبتسمت نجلاء وطأطأت براسها بخجل……
فلوت والدتها شفتيها بتبرم صائحة فيها…….
“انجري يابت ادخلي اوضتك….. بل قلة آدب……”
احتدت نظرات حمزة قائلاً لها بتعجب…..
“جرا اي ياحماتي…..مفيش إحترام ليا…. هتدخل اوضتها لما انا جيت ومن شوية كان..”ثم قلد
صوتها متابع……” فين قهوة سامح يانوجة……..”
لوحت امها بيدها باستهجان……
“بقولك اي يابن الناس متخدنيش في دوكه…. احنا اتفقنا مفيش زيارات ولا مقابلات ولا حتى تلفونات غير لما تجيب الشقة وتكتبها بأسم البت ياما كده يامفيش جواز…….. واعتبر الخطوبة ملغية…. “
“خطوبة اي اللي مغلية….. بنتك تلزمني…… تخصني
ولا انتي لقيتي اللي يشيل…….” نظر لسامح بقوة
متوعداً إيه……
فلم يعره الاخر اهتمام وترك حرية الرد لوالدتها
التي قالت بتكبر واضح……
“والله انا بنتي الف مين يتمناها…….وكل الناس الي جتلها رهن أشار من صبعي واي حاجة هطلبها
هتكون مجابه…….”
استشاط حمزة غضباً……
“هو احنا هنغني على بعض ناس مين اللي اتقدمتلها…..ماكل المنطقة عارفه ان بنتك
تخصني…..مين بقا اللي فكر يعمل راسه
براسي……”
نظر لسامح بقوة فبلع سامح ريقه وهو
يقول بجبن…..
“انا من رأيي استئذان انا…….وحل انت
الموضوع دا بينكم……..”
اوقفته والدتها برفق……
“جرالك اي ياسامح….. قعد يابني……..” ثم
نظرة لحمزة قائلة بتزمت……
“كلامنا خلص ياحمزة….. وزي ما تفقنا مهر بنتي شقه باسمها………..وقدامك مهلة شهر بعضها تعالى خد حاجاتك واعتبر الخطوبة ملغية…..وربنا يعوض علينا بقا في السنتين اللي وقفت حال البت فيهم….”
نهض حمزة وعيناه تشتعل غضباً من هذا
الحديث المستجد…….
“يعني هي بقت كده ياحماتي……..بتبيعي بنتك
للي يدفع اكتر……..”
قلبت حدقتيها بملل وقالت…. “شرفة ياحمزة……….”
اوما حمزة براسه وملامحه تنذر بالشر…قائلاً
وهو يشير على الباب المفتوح…….
“ماشي………..بس طلاق من بنتك اللي جوا دي..
ماهحلكم غير بمزاجي…..مش بمزاجك انتي……”
خرج سريعاً من امامهما بخطوات غاضبة……
بينما اتسعت عينا سامح معقباً بصدمة…..
“طلاق ؟!……..هو اتجوزها امتى انتي مش
قولتيلي انها خطوبة بس………”
لوحت امها باستهانه قائلة…..
“دا اي كلام………سيبك منه……..اشرب قهوتك… “
مر من أمامها سريعاً فلحقت به تنادي عليه
بقوة….
“حمزة……… حمزة استنى……..ياحمزة… “لم يعرها
اهتماما بل غير طريقة نازلاً درجات السلم بدل
من الصعود لشقة والده……..
عادت نجلاء راكضة للصالون صارخة في أمها
وهي تبكي….
“حرام عليكي ياما ليه عملتي كده بس…قولتلك
بحبه……. بحبه وعيزاه………”
وبختها أمها بقوة وهي تنهر نفسها
بغضب صائحة……
“اخرسي يامقصوفة الرقبة……بتحبي في إيه…دا صايع…….دا كان بيعيش في الشارع اكتر من
بيتهم…..بس الغلطه مش غلطتك….انا…انا اللي
وفقت في الاول وربطك بواحد صايع زي
ده……بس انا هصلح ده كل هصلح الشبكة السوده
دي قبل ما الفاس تقع في رأس……….هصلحها……”
تضامن معها سامح قائلاً…..
“انتي صح……انتي صح يابنة خالتي…..هو دا
الكلام المظبوط…….”
نزلت دموع نجلاء وهي تنظر اليهم بحرقة
قلب……..
“حرام عليكم…..حرام عليكم بقولكم بحبه……
بحبه ياناس……..”ركضت لغرفتها وهي تصيح بتلك الكلمات ثم القت نفسها على الفراش تدفن رأسها به باكية…….
…………………………………………………………….
وضِعت الاطباق امامهما….. فنظر سليم لحصة الطعام الموضوعه في طبقة والتي كانت اصناف من الخضار
المطبوخ بشكلاً صحي كما تفضل إيتن………
بدات ايتن بالاكل وهي تسأله بلهفة….
“ها يابيبي قولت إيه…….”
بدأ سليم بالاكل وهو يسالها بعدم إهتمام
“في إيه بظبط……”
انعقد حاجبيها قائلة بدلال……
“في إيه؟!…. بيبي انا بقالي ساعة بكلمك عن الويك اند اللي هقضيه مع صحابي في شرم…….”
رد سليم وهو يمضغ الطعام
بصعوبة……
“انتي كنتي هناك الشهر اللي فات……”
تاففت ايتن معقبة بملل……..
“اديك قولت من شهر….. بجد يابيبي الايام بقت مملة أوي خصوصاً ساعات الشغل الطويلة……”
التوى ثغر سليم بتعقيب ساخط……..
“ساعات الشغل الطويلة ؟!…. انتي شغاله في إدارة شركة الشهاوي مظنش ان الشهاوي باشا حاطت على
بنته في الشغل…….”
ردت ايتن بتعالي وهي تقطع الطعام بالسكين
والشوكة………..
“نو……. بابي ميعملهاش لانه عارف طاقتي في الشغل وعارف اني بزهق بسرعة………..”
اكتفى بهمهمة بسيطة….. “ممم……… كويس…….”
ابتسمت ايتن قائلة بحماسية….
“ها اي رايك تيجي معانا شرم هتنبسط اوي يابيبي…….. صدقني……..”
رفض سليم بتساؤل……..
“مش هينفع………. عندي شغل….. هو انتي هتقضي الويك اند ده مع مين……..”
ردت بفتور…..
“مع كاندي ولي لي….. وشادي………”
ارتفعت انظار سليم عليها بتهكم……
“شادي ؟!…. هو شادي ده مورهوش شغلانه غير السرمحة ورا الستات………”
لاح الاستهجان على ملامح ايتن فهتفت
منزعجة…..
“سرمحه ؟! اي الالفاظ الوكل دي……..بيبي لو سمحت بلاش الالفاظ دي…. وبعدين شادي مش غريب دا ابن خالتي ومتربين سوا……….”
احتقن وجه سليم بالغضب فترك الطعام
وسالها بحدة والغيرة تفور دماؤه…..
“ااه متربين سوا………طب ممكن اعرف ردك إيه في
فرحنا اللي عمال يتأجل باعذار فارغة………”
زفرة ايتن قائلة…….
“اعذار فارغة ؟!…… جرالك اي ياسليم….. احنا خارجين نغير جوا ولا نتخانق سوا………”
تحدث سليم بنفاذ صبر…..
“ايتن انا تعبت من المماطلة دي……. انا عايز رد
بااه او لأ………”
اهتزت حدقتيها بتردد وهي تسأله….
“وان قولت نأجل شوية…….”
رد رداً قاطعاً…. “يبقا انتي كده بتنهي اللي بينا……”
قالت مشدوهةٍ….. “لدرجادي……”
زفر سليم بثقل وهو يحاول ان يهدأ من انفعاله
عليها…… ثم مد يده على سطح الطاولة وسحب
يدها يتكأ عليها بخفة قائلاً بنبرة أهدى
قليلاً……بينما عيناه تأسر عينيها الضائعة منه……
“ايتن…… لازم تفهمي اني محتاجك جمبي اكتر من
اي وقت فات….. العمر بيتسرق مننا يايتن… وانا محتاج اعيش معاكي اللي باقي من عمري…..
حبيبتي انا راجل وليه احتيجاتي….ومش معقول
هنفضل مقضينها تجاوزات كده مع بعض…..بهدف
انك بتصبريني عن حرماني منك……..انا شايف ان مفيش حاجة تمنعنا عن الجواز…..امورنا المادية تمام… بحبك وانتي بتحبيني…. وبقالنا سنتين مع بعض وفهمين بعض كويس…… “
سحبت يدها من بين يده قائلة بنفي……
“بس إحنا مختلفين عن بعض جداً………..مش
قادرين نوصل لبعض ياسليم………”
شعر سليم بالاحباط حينما سحبت يدها…ورغم هذا
الشعور البارد كمشاعر حبها معه…..أوضح بصبرٍ…..
“احنا مش أول اتنين نبقا مختلفين عن بعض…في زينا كتير في الاول بتبقا صعبة بس مع الوقت بيتعوده…… وبالحب كل شيء بيتحل……”
هربت من عيناه قائلة…. “اديني فرصة أفكر……..”
تافف سليم بحنق شديد……..
“وهو كل ده لسه مفكرتيش يايتن…. الموضوع مش جديد عليكي……… انتي بقالك سنتين بتفكري فيه………”
هزت ايضاً رأسها بملل………
“يوووه بقا ياسليم انت مستعجل كده ليه مقولتلك سبني أفكر …….”
نهض سليم فجأه من مكانه متحدثاً بالهجة شديدة
التزمت………
“تمام…….فكري براحتك……..وهستنا منك مكالمة تحددي فيها معاد الفرح…..”
اتسعت عينا ايتن بدهشة أكبر……
“مش معقول……سليم انت بتكلم بجد…….”
“انا عمري ما هزرت في الموضوع ده يايتن….هستنا
مكالمتك……….”أخرج عدت اوراق ووضعهم على الطاولة…..ثم ارتدى نظارته السوداء وخرج من المكان
باكمله تحت انظارها المشدوهة منه ومن اصراره المبالغ تلك الفترة في إتمام الزيجة…….
……………………………………………………………..
عندما دخل الشقة كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة
وقد نام والده مباكراً كالعادة….فهو مزال شخصاً
قيادي نشيط يمشي كعقارب الساعة…… ينام في
وقتاً معين ويستيقظ باكراً………لم يتغير شيءٍ
حتى بعدما أخذ معاش مبكراً مزال
كما هو…….(المستشار/مصطفى الجندي……)
بدل سليم ملابسه باخرى مريحة…..ثم ألقى جسده على الفراش يعبث في هاتفه عبر مواقع التواصل الاجتماعي…….
فأول شيءٍ قابله صورة تغير الملف الشخص
الخاص بحساب كيان………
اتكأ على الصورة بفضول فوضحت أمامه أكثر…فظل لبرهة يتأملها……..كانت صورة متخذه لها على
سهوة دون النظر الى الكاميرا.. فكانت تجلس على أريكة منزلية……وتقضم قطعة من الدونتس !…..
صورة عفوية حلوة……..تنطق بالجمال….ويبدو ان من التقطت الصورة لها تعرف جيداً في اي زاوية تزيد صاحبة الصورة حُسن………..
اتكأ على زر الإعجاب الأزرق……ثم تجاوز الصورة متفحصٍ المستجد………
(شيل الايك الأزرق ياستاذ…….إحنا مش بنشحت…)
أبتسم بل اتسعت الإبتسامة حتى ضحك…..ولم يصدق ان هناك شيء قادر على ان يضحكه بعد مقابلته بأيتن……..
دخل على الرسائل عبر المسنجر…..ثم أرسل لها بصلف…….
“مش عجبك الايك……دا مش بيتعمل لاي حد…..”
أرسلت بفتور……(كنت افضل ريأكت لاف……..)
أرسل بغلاظة يستفزها…….
“دا لو كنت حبيت الصورة….بس انا شايفها عادية…”
أرسلت كيان بوجهاً مصدوم…….
(معقول……داليدا عمرها ماصورتني صورة وحشة…)
خمن وهو يرسل….
“مين داليدا……اللي كنتي عندها النهاردة… “
(آآه………. صاحبتي……)ارسلت مجدداً
بشك……
(هو انت قصدك اني مش حلوة في الصورة….)
كتب بثبات……
“انا قولت عادية……..في فرق…….”
ارسلت هي بتزمر طفولي…….
(هي وجهة نظر….بس كل اللي عندي على البروفيل…..قالوا أنها حلو أوي…….انت
الوحيد اللي حطيت لايك أزرق……..)
ابتسم وهو يسالها بتسلية…..
“اي مشكلتك مع الايك………”
ردت بتزمر أكبر….
(رخم اوي…..مش بحبه…….غيروا……)
“لا…..”أرسلها بغلاظة…..وحينما لم يجد منها رد
ضحك وهو يرسل لها بتسلط……..
“ليه صاحيه لحد دلوقتي…….مش المفروض تكوني قدامي بكرة الساعة تمانيه……..”
ارسلت بتردد…..
(بصراحة دا السبب اللي خلاني أكلمك…….بصراحة
ان عايزه اخد أجازة بكرة………..)
سألها بفضول…… “في حاجة عندك…….”
اخذت وقتها في الإرسال….لكنه انتظرها دون ان
يمل او يكل…..بل وظلت تلك البسمة المتسلية مرسومة على محياه………..
(آآه يعني اختي اجرت مكان كده وناويه تفتحه مطعم…..فمحتاجه تظبط أمورها…وتشوف الدنيا هتمشي إزاي في المكان ده……..فبستأذنك هاخد الخميس والجمعة أجازة…..يعني عشان اكون معاها
ومسبهاش لوحدها………..)
أرسل بتفهم……..
“تمام ياكيان……انا موافق على الإجازة…..ربنا يوفقها…….”
ارسلت بامتنان……
(شكراً ياستاذ…..مش عارفه أقولك إيه……)
“متقوليش حاجة تصبحي على خير…….”
خرج سريعاً دون إنتظار رد………ثم أغلق الهاتف
بعدها ونظر لسقف الغرفة بصمت مفكراً في قرار
ايتن الأخير…..هل ستحدد معاد الزفاف…..ام ستنهي
مابينهما في لحظة تمرد…..والأهم هل سيتركها بعد
كل هذا الحب……..
ابتسم وسط ملامح متحجرة….بسمة تخص صاحبة العيون الفيروزية الشقية البراقة……. وتزمرها الطفولي على أتفه الأسباب……..
“تويتي…….”
تمتم بها وهو يغمض عيناه مستسلماً لنوماً عميق كان عقله بحاجة له بعد دوامة مرهقة من الأفكار……..
……………………………………………………………
دلف لداخل الشقة واغلق الباب خلفه زفر بتعب
وهو يشعر ان عظام جسده كلها غير ثابته في
مكانها من شدة الاجهاد فأليوم كان العمل مرهق….وقد خرج عدت مرات يلبي طلبات زبائن معظمهم عرسان اقترب موعد زفافهم……..ويحتاجاً لغرف نوم وطاقم صالون مفصل بمواصفات
معينة…..
وهو بفضل الله أولا ثم مجهودة وحبه للحِرفة والتي ورثها عن والده (عبد القادر….)أصبح له زبائن عدة يطلبوا عمله بالاسم……فان كان نجار محترف….هو ايضاً يراعي ضميرة في عمله وتلك نقطة تضاف في صيت حرفته……….
جلس على أقرب كرسي قابله في الردهة وهو يرخي اعصابه مرجع ظهره للخلف وعيناه القوية تتحرك يميناً ويساراً باحثه عنها…….
لكنه لم يجدها وكأنها تبخرت……رغم انه واثق أنها لم تخرج بسبب اغلاقه للباب بالمفتاح قبل خروجة…وكذلك هي ليست من محبي النوم مبكراً…
فهي الليل لديها نهار……. ونهار لليل………….
انعقد حاجبيه وهو يشعر بحركة مريبة بالمطبخ…
وبعض الاواني تضرب بعضها مسببه له المزيد من الآرق والصداع…..فتمتم بحنق وهو ينهض من مكانه…
“بترزعي في ايه يازفته انتي…..مابراحه…….”
قالها وهو يدلف للمطبخ لتتسع عيناه بدهشة وقد
فغر فمه لبرهة من هول ما يراه………
تلك الداليد…….لا تنتمي للبشر بتاتاً………..لأول مرة
يراى امرأة تغسل الأواني وهي ترقص !!……
هل جنت؟!….
كانت ترتدي ثوب قصير من اللون الازرق مطبع ببعض آلورود الصفراء………يبرز ساقيها البيضاء النحيلة…
وخصرها المنحوت……..وقدها الغض الانثوي……….
شعرها تلمه على شكل ذيل حصان مربوط بوشاح حريري أصفر اللون……..
كانت تضع سماعة الهاتف في اذنيها وتتمايل على الاوتار الصاخبة ويداها معلقة في حوض الغسيل
تقوم بمهمة غسل الأواني والتي تصدر ضجيج
مزعج……ولم تبالي بكل هذا فكانت في عالم
آخر…….. جسدها النحيل شديد الانوثة يتحرك
على ايقاع غير محدد…
لا تعرف ان كانت ترقص شرقي ام غربي…صراحة الوضع كان مريب…..رغم انها ماهرة في الرقص
وقد شاهد عرض بسيط لها في خطبته السابقة
إلا أنها الان تتلوى كالثعابين….وكأنها تتبع نهج
معين جنوني طالما انها بمفردها ولا أحد معها
أحياناً الإنسان يتصرف مع حالة بتلقائية تعجز عن
فهمها……لكنها تظل تلقائية خاصه بين المرء وحالة
ولا يشاركهُ اي مخلوق…..
أبتسم سلطان بسخرية وهو يميل براسه للناحية الأخرى….اي شيطان تلبسه وهو يطلب يدها
للزواج…..
عندما استدارت داليدا اثناء فقرة الرقص المريبة
تلك ،وجدت سلطان امامها يحدق بها بقرف
فصرخت تلقائيّاً صرخة المفجوع….وكانت أعلى
من المتوقع……..
لذا تقدم منها سلطان سريعاً وكمم فمها بكفه الكبير
وباليد الأخرى خلع السماعة من اذنيها والقاها أرضا
باهمال……..
“اخرسي….. إيه شوفتي عفريت…….”
اتسعت عيون داليدا وهي تنظر إليه بتراقب
قوي ومزالت يده تغطي نصف وجهها باستثناء
العيون السوداوية المضيئة بالحياة………
زم سلطان شفتيه بسخط قائلاً…..
“خايفه من إيه…….. دا انت تخوفي بلد……..”
نظرة إليه بحنق شديد ولم تعقب…… بل انتظرت ان يفك هذا القيد القوي لكنه لم يفعل…. بل ظلوا على حالهما هي واقفه أمامه تكاد تكن في احضانه بينما هو يحيط خصرها بيد والاخرى تكمكم فمها………
نظر إليها بحدة جعلت قلبها يخفق بجنون وبدات تهمهم من أسفل يده بتململ شديد…….
فتركها بدفعه قوية جعلتها تترنح للخلف
فصاحت….
“مابراحه هتوقعني………”استقامت واقفه
تنظر إليه بضيق فقال سلطان
“أول وأخر مرة تحطي الزفته دي في ودنك…..”
تخصرت بتمرد معقبة…..
“كمان الهاند فري بقا ممنوع…….”
نظر لها نظرة مستهينة شملتها ثم اردف
موبخاً….
“مانتي لو بتستعملي الحاجة بالعقل مش هيبقا ممنوع…..انا بقالي نص ساعة داخل من باب الشقة حسيتي بوجودي……. بالعكس دا انتي ولا هنا… لا وأيه….. اول ماشوفتيني رقعتي بصوت…….. “
قالت ببراءة…… “اتخضيت……….”
رد مستهيناً…… “معقول انا بخض اوي كده…….”
اشارة اليه باصبعها بتحذلق……
“طبعاً انت مش شايف حجمك………”
اوما براسه ببرود…..
“آآه شايفه……حضريلي الغد انا جعان……..”
اهتزت حدقتيها فهتفت مندهشة……
“جعان…..جعان إزاي انت مكلتش عند مرات عمي….”
وضح الأمر بصعوبة من بين أسنانه المطبق
عليهم……
“لا مكلتش…..انا طول النهار برا الورشة وساعة ما رجعت زي مانتي شايفه راجع نص الليل…….فأكيد
مش هصحيها عشان تغرفلي……انتي رحتي فين
حطيلي أكل………”
اجابة بفتور……. “بس مفيش أكل……..”
ارتفع حاجبٍ غير متهاون……
“إيه……….يعني اي مفيش أكل……….”
اخفضت راسها وقالت بحرج……
“يعني لما كيان جت طبخت مكرونة بالسجق….و
وكلناها…..كلها….وانا عارفه انك مبتحبش المكرونه
فمرضتش اشلك حاجة……..”
“طب انا جعان دلوقتي اكل إيه……….”سالها بعيون عابسة فاشارة هي على المبرد ببساطه…….
“كل اي حاجة التلاجة عندك…..”
التوى فمه قائلا….. “والله وانتي اي لزمتك……”
ارتفع حاجبي داليدا…..
“قصدك إيه بقا……..انا خدامه عندك..”
صاح سلطان بنفاذ صبر…….
” حاجه زي كده…..اعمليلي أطفح…… جعااااان… “
تململت داليدا بجزع…….
“تعالى كلني….. ما خلاص عرفنا انك جعااان أصبر……خلاص هعملك مكرونة……….”
امتنع باستهجان كطفل متزمر…..
“هو انتي اي حكايتك مع المكرونة……..قولتلك مبحبهاش………اعمليلي اي حاجة خفيفة من التلاجة….”
“صبرني يارب…….”قالتها بزفرة وهي تتجه
للمبرد…..
وعندما استدارت تفتح المبرد مسك سلطان
طرف الوشاح الحريري وهو يقول…..
“متنسيش الشـ…….”عندما ادارة رأسها إليه انسحب
الوشاح بفعل يده المتعلقة به فانسدل شعرها البني
الكثيف حتى غطى ظهرها ونصف وجهها وهي تنظر إليه بضيق………
“عجبك كده…….اربط شعري بالاسكارف تاني
عشان ايدي مش فاضيه……..”
قالتها وهي تغلق باب المبرد بركلة من قدمها بينما يداها الأثنين تحمل الجبن والبيض……
“ااايه…….”
تاففت داليدا بانزعاج واضح وقالت
برجاء…….
“خلص ياسلطان لما بسيبوا كده بيزولني……اربطه بالله عليك…..مانت اللي فكيته………متعرفش تكلمني من غير ما ترفع إيدك…….انا بسمع على فكرة…..”
زفر سلطان وهو يقف خلفها….فكانت تقف امام الرخامة تفرغ الجبنة في طبق……..
انحنى سلطان ارضاً يجلب الوشاح الحريري الملقى
اسفلة……وعندما امسكه انتصب واقفاً…ناظراً الى شعرها البني الكثيف….كثافة ونعومة وطول
ينافس أجمل شلالات العالم في عيناه……..
“خلص بقا ياسلطان………”قالتها بتزمر وقد
اتسخت يدها بماء الجبنة…….
فمد يداه ومسك شعرها برفق…….وبدأ بربطه
بالوشاح الأصفر الطويل……محاول أنهى الأمر
سريعاً……لكن تلك النعومة والرائحة الزكية التي
تفوح منه جعلاه متسمر مكانه كالابلة خلفها…
و قلبه وجسده يعيشان خلل الآن لأول مرة
يستشعر به……..
أبعد يده سريعاً بعد ان انتهى باعجوبة من ربطه…
ثم ابتعد خارجاً من المطبخ وهو يخبرها بصوتٍ
متحشرج……….
“هغير هدومي على ما تخلصي……..”
“اديني عشر دقايق………” قالتها وهي تتحرك عند الموقد غافلة عن ما اصبه………
بعد دقائق وضعت الطعام أمامه على السفرة الصغيرة المربعة………وصاحت منادية…..
“الاكل ياسلطان……”
سحبت مقعداً وجلست واخذت رغيف خبز ووضعته
امامها…..خرج سلطان من الغرفة بعد ان بدل ملابسه
بأخرى مريحة………اتخذ مقعداً وسحب رغيف خبز سائلاً بفظاظة…….
“هو انتي هتاكلي……..”
“آآه……جعانه…….ليه……..”
كانت ملهية في الطعام وهي تجيب عليه فرد
هو بفتور……
“عادي اصلك قولتي انك اتغديت مع صاحبتي…..”
وضعت داليدا اللقمة بفمها وهي ترد
باختصار…
“مانا اتغديت فعلاً لكن دا عشا……عشا خفيف……”
اوما براسه وبدا بالاكل دون تعقيب فسالته
فجأه….
“بس اي رايك في الأكل……..”
نظر سلطان للاطباق بتعجب…….
“رايي في إيه بظبط….دي كلها جبن ومعلبات من التلاجة…..”
“يسلام وبيض العيون……..”اشارة داليدا على الطبق ممتعضة من قلة تقديره….
فرد ممتعضاً هو الاخر……. “ناقص ملح………”
“والله طب ماتكلوش بقا طالما ناقص ملح…..”
سحبت الطبق لعندها……..
فمسكه سلطان من الطرف الأخر قبل ان
يتحرك أكثر……
“طالما اتحط قدامي يبقا هاكله….سيبي الطبق….”
سحبته بعناد قائلة…..
“بس انا مرضاش تاكل حاجة مش عجباك……”
“متقلقيش انا واخد على كده…….”
سهم اخر من سهامه النارية أصأب قلبها
بجرح اخر ……ان كان يراها بهذ الشكل لماذا
تزوجها…… كي يحرق المتبقي من روحها؟!……
عندما ساد الصمت بينهما وتوقفت داليدا عن
الأكل تحدث سلطان بخشونة…..
“بكرة الجمعة….وكلنا معزومين تحت عند امي
وابويا واخواتي البنات هيجوا بجوزهم وعيالهم وهيكونوا موجودين طول اليوم في البيت تحت………عايزك تلبسي حاجة واسعة وتلفي
الطرحة عدل……….وحسك عينك صوتك يعلى في الكلام…… وضحكة الرقاصين دي تكتميها خالص واحنا تحت……”
تاففت داليدا بحنق شديد……
“انا ضحكتي مش ضحكة رقاصين
ياسلطان……وقولتلك الاسبوع اللي فات اني
مكنتش لوحدي بضحك…..أختك وبنتها كان
بيضحكوا معايا…. “
اوما براسه وهو يرد باللهجة شديدة
الخطورة…..
“والله على اساس اني معرفش ضحكتك يادليدا….
دا انا اطلعها من وسط الف……مشاكلي معاكي زمان
اغلبها بسبب ضحكتك وصوتك العالي…ومشيتك في الشارع…….وشكلنا هنرجع نعيد ونزيد تاني….”
ضربت داليدا على الطاولة بقبضة يدها الصغيرة……وهي تنظر اليه بصدمة……..
“يادي النيلة…….ومالها بقا مشيتي……مانا
بمشي عادي………”
رد وهو يغمس اللقمة في الجبنة وياكلها
مردداً……
“بنسبالي انا مش عادي……ماشيه مايعه زي صاحبتها………”
شهقت داليدا مشدوهة من تعقيبة…..
“أحترم نفسك ياسلطان انا مسمحلكش………”
رفع عيناه عليها قائلاً بصلابة……
“مش مستني إذنك في الكلام……..انا اتكلم زي مانا عايز….وطالما في حاجات فيكي مش عجباني…يبقا
واجب عليكي تغيريها…….”
جزت على اسنانها متحدثة….
“حلو اوي انا مستعده أغير اللي مش عجبك…ضحكة الرقاصين…… ومشيتي المايعة…….”
قاطعها مضيفاً……. “وصوتك العالي………”
احمر وجهها من شدة الغيظ…….
“كمان انت جيت في جمل….وصوتي العالي….المهم
انت بقا هتتغير زيي……..”
قطب جبينه عابساً…..
“أتغير ؟!…….في اي بظبط……..”
نظرة اليه داليدا وقالت بقهر…….
“في حاجات كتير….. أولها معاملتك ليا……”
التوى ثغره في إبتسامة ساخرة…….
“سبحان الله….وليكي عين كمان تعلقي على
معاملتي ليكي……….بعد كل اللي عملتيه……….”
هزت راسها وهي تنكر الخطأ
بتعنت…..
“انا مغلطش……….انت اللـ………..”
نهض من مكانه سريعاً وكان حية لدغته ثم
سحب ذراعها بقوة بين قبضته وعندما نهضت
تواجه غضبه الأسود هسهس بنبرة مهيبة امام
وجهها الذي شُحب في لحظة امامه………
“كلمة كمان…..اقسم بالله لو زدتي عن كلمة
كمان…… مش هيطلع عليكي النهار سليمة………”
ازدردت داليدا ريقها بخوف….وهي تشعر باصابعه
تغرز في جلدها تكاد تهشم عظامها………نظرت اليه بارتعاد واضح وهي ترجع رأسها للخلف بخوف
من ان يبطشها بيده…..
فكانت عيناه تتوهج بناراً حارقة…ترعب ناظرها….
فكه متشنج…..وانفاسه غير منتظمة وكانه يصارع شياطين غضبه……..ام ملامحة فكانت متصلبة
وكانه على وشك ان يفسك دماؤها بيده الآن……
لكن نظرة الخوف من عينيها ورجاء الخفي جعلاه يترك ذراعها باعجوبة… دفعها بعيداً عنه…….ثم اتجه هو الى غرفة النوم مغلق الباب خلفة بقوة جعلت جسدها ينتفض من مكانه…….
…………………………………………………………….
دفع الباب الزجاجي ودلف للداخل بمنتهى العنجهية والتسلط…… مصدر صوتٍ يعرف عنه…. كالسلاسل فضية معلقه في عنقه… كرائحة المخدرات التي
تفوح من فمه الشهواني…. كزمجرة الذئاب التي يزمجرها ليرعب اصحاب القلوب الضعيفة….
كانت توليه ظهرها تصور أوراق على مكينة التصوير
لكن عندما احست بوجوده جزت على اسنانها…. متمته بغضب…….
“اصتبحنا وصبح الملك لله…… افندم……”
تحسس صدره بلؤم وعيناه تنهم في جسدها
المخفي تحت عباءة سوداء فضفاضة…..
“القوبيض………بتاع كل أسبوع ياستهم……..”
التفت له أمرأه في اوئل الاربعون من عمرها
أمرأه جميلة بعيون سوداء كحيلة وبشرة
خمرية وملامح أنثوية رغم بساطتها جذابة
على نحو جيد…….صاحت أحلام متاففة….
“اللهم طولك ياروح………..جرالك اي يامرعي……
احنا لسه مستفتحناش بمليم واحد…….”
تحدث المدعو مرعي بضيق…..
“الله هو انا كل ماجي اخد منك المعلوم تعمليلي
فيها الشويتين بتوعك…..قبي بالقوبيض ياحلام
لحسان اكسر المكتبة دي على دماغك……”
توسعت عينيها بحنق……
“يعني إيه……. هو شغل بلطجة……”
زمجر عابساً….
“لا ياختي مش شغل بلطجه انا باخد اجرتي
تعبي…. شقاي…..”
شهقت أحلام بتعجب قائلة…..
“تعبك وشقاك….تكونش مشركني المكتبة وانا مدرياشي…….”
دار بعيناه للحظة على هذا المحل القديم الضيق
الذي يحتوي على الكثير من الكتب وروايات المتنوعة وبعض المستلزمات المدرسية الأخرى وايضاً بعض الدمة اللطيفة للأطفال……..
مط شفتيه معقباً باستنكار…….
“اشركك….يعني يوم ماشركك اشارك في شوية كراكيب…..”
هزت أحلام راسها مخرجة تنهيده مثقلة…ثم رفعت عيناها قائلة بتعجل………
“شوية الكراكيب دول كنز بنسبالي….خلصنا عايز
كام وتحل عن سمايه……..”
رد بتبجح……. “زي كل مرة……”
“حسبي الله ونعم وكيل……”تمتمت بها وهي تفتح الدرج لتبدأ بعد المبلغ الذي يريده…….
رد عليها مرعي باقتضاب…..
“في الظالم ياختي…..انا باخد عرقي…..عارفه يعني إيه….يعني بحميكي من ولاد الحرام والبلطجيه…
انتي وكل الغلابة اللي في شارع الصاوي……”
ابتسمت احلام بقهر وهي تقول بغضب
مكتوم….
“آآه مانت مش قادر غير على الغلابة…….اما اللي زي
عاصم الصاوي وحكيم ومينا النصراني…خط أحمر
هما وكل اللي زيهم…..لكن تيجي تضحك وتستغفل مين بقا….الناس الغلابانه اللي زيي….وزي البايعين اللي بيسترزقه من المكان…….”
رد وهو يعد الاموال
بطمع…..
“كل دول انا بحميهم…….”
هزت أحلام راسها بعصبية…..
“من مين….منك ولا من شوية الصيع اللي ماشين معاك………روح يامرعي…….ربنا يهديك……ويرحمنا منك….. “
اوما براسه وهو يضع المال في جيبه……
“ماشي ياستهم…..بس قبل ماروح…..عايز استفتسر
عن حاجة……”نظرة له احلام بحنق….
” متعرفيش مين اللي أجر مطعم الجمال……”
قالت احلام بكراهية…..
“قصدك مطعم الصاوي اللي كان مأجره الجمال….معرفش وميخصنيش…..وتكل على
الله بقا خلينا نشوف أكل عشنا……….”
تمتم مرعي بمكر……
“مصيري اعرف……واهوه زيادة الخير خيرين….”
اندفع الباب الزجاجي ودخلت منه فتاة مراهقة سألت احلام بلهفة…..
“أحلام الرواية اللي طلبتها منك وصلت……”
قالت احلام مبتسمة ببشاشة…..
“لسه وصله من ربع ساعة استني هجبهالك……”
ثم ضربت على الطاولة الزجاجية الطويلة والتي
كانت كالحاجز بينها وبين الزبائن……
“طريقك أخضر يامرعي…….عايزين نشوف اشغلنا…”
القت عليه نظرة حانقة وهي تتجه لأحد الرفوف وتسحب منه الكتاب…..
………………………………………………………………
“أسمع مني يابني دي سهرة متتفوتش……”هتف بها
حكيم وهو ينظر لعاصم الجالس جواره يسحب من مبسم الارجيلة بداخل قهوة (مينا النصراني) صديقهم الثالث…….صداقة ثلاثية نشأت منذ زمن
في شارع الصاوي منذ بداية دخول عاصم لتجارة الذهب وادارة أملاك العائلة……
رد عاصم ممتنع وهو ينفث الدخان في
الهواء….
“حلال عليك……..مش عايز……..”
هتف حكيم محاولاً اقناعة…..
“صدقني مش هنشرب……. معسل بس…….”
رد عاصم متحججاً…….
“مش عايز انا مليش في السهر….انا لازم انام
بدري…… “
هتف مينا والذي كان يكبر عاصم بعدة اعوام
لكنه متزوج ولديه أولاد…………
“ليه عندك مدرسة الصبح……..”
ضحك عاصم ببرود قائلاً وهو يشير على رأس مينا……
“اي السكر ده…… تصدق ياحكيم بقا دمه خفيف
لم القرعة بانت……..”
رد مينا وهو يتحسس راسه بجزع…..
“قعدوا فكروني بقا……كله من الجواز وشيل
الهم عقبالكم………”
اتسعت عينا عاصم بدهشة وهو ينظر لحكيم
بمناكفة……..قائلاً بمناغشة……
“معقول الجواز يعمل كده…. بسم الله ماشاء الله.. عندك حكيم اهوه ناوي يتجوز الرابعة وشعر صدره
طالع برا القميص…… لا وايه راجل رياضي……”
مط حكيم شفتيه مزمجراً……
“قعد نق ياعاصم…..نق……..نق لحد ماطلقهم التلاته
بالتلاته…….”
رد مينا ضاحكاً…..
“حلو……. واهو تغيرهم كلهم مرة واحده……”
غمز عاصم لحكيم…..
“مش بقولك…….خلت دمه خفيف…..”
رد مينا وهو يتحسس راسه مجدداً…..
“بكرة ازرعو وصبغ كمان……”
ساله حكيم بلؤم…..
“وام رانيا عارفه بالكلام ده ولا هنلاقيك تاني
يوم متقطع حتة في التلاجة……”
هتف عاصم بمناكفة نحوه…..
“المفروض انت اللي تخاف على نفسك لحسان التلاته يتفقه عليك…… وتتسلم تسليم اهالي….”
رفع حكيم راسه للاعلى بصلف…..
“فشر……. انا التلاته اللي عندي ميتخلعوش
من مكانهم….. “
“ربنا يزيد ويبارك ياسيدي…. إلا قولي ياعاصم مش ناوي تعملها تاني…..” نظر مينا لعاصم…..
الذي بدوره سأل…… “هي إيه ؟!……”
ضيق مينا عيناه مردداً…….
“الجواز ياحلو…….. الجواز…. قبل ماحكيم يخلص على ستات الكوكب……..”
ارتشف حكيم من قهوته مردداً بأسى….
“ياريت بس دول كتير اوي وانا مش ملاحق….”
رد عاصم بدوره….
“لا انا كده ملك زماني……. مرتاح اخر راحة… “
رد حكيم متعجباً…..
“في حد يرتاح وهو بعيد عنهم…….”
اوما مينا وهو يبوح لأصدقائه بمحبة………
“عندك حق والله ياحكيم…… طب دا انا مرة ام رانيا زعلت مني وسابت البيت وراحت عند اهلها قعدت اسبوع ضايع من غيرها………ومقدرتش على
بعدها……..وروحت اراضيها علطول…….”
لكز حكيم عاصم بتوبيخ وهو ينظر لمينا
مضيفاً بحرارة……..
“ياسيدي شايف الحب……ياعديم الحب….وانا برضو يامينا ياخويا مرة زعلت من مراتي الأولى…..ام العيال
مانت عارفني بعزها….ضربة معاها خناقه جاامده…
فزعلت وسبتلي البيت….زعلت اوي وتاثرت فروحت
بايت في البيت التاني…ومراتي التانيه مقصرتش
والله هوونت عليا جامد…….اصلي كنت زعلان أوي منها……….”
“اهم حاجة ان الزعل راح……..”قالها عاصم بغمزة..
اوما حكيم بمزاح…..
“هو راح بس سبلي جراح……..يلا الواحد بيشقى وبيتعب عشان مين ماعشان اللي حوليه……”
ردد عاصم الجملة الشائكة بينهم….
“ياسلام…. على الانسانية والحب…. تصدق ياعندليب زمانك…….. عيني دمعت من التقوى……….”
ردد حكيم بتوعد……..
“بكرة تبقا انت كمان عندليب عصرك….وساعتها ههريك تريقه……بس تقع بس وانا مش هسمي عليك…….”
ساله عاصم بلؤم… “اقع في إيه بظبط………”
قال حكيم بصوتٍ عذب ملحن على اوتار
الكلمات….
“هو في غيره الحب…….دا احلى وقعه الانسان بيقعها
هي وقعت الحب….اسالني انا انا وقعت تالت مرات
وناوي اجرب الوقعه الرابعة……..”
هز مينا راسه وهو يجذب وجه عاصم اليه
قائلاً بجدية…..
“سيبك منه ياعاصم…..الحب ده بيجي مرة واحده في الحياة وهي وقعه واحده…..لم بيجي اللانسان بيكون الأهم الأول والأخير……..بيكون كل حاجة بنسباله وأول حاجة بيفكر فيها… الحب وحبيبته… “
شعر بالملل من هذه الجلسة الشاعرية فنهض
قائلاً بسخرية ناظراً اليهم معاً…….
“لا انا مش قاعد مع مينا وحكيم……انا قاعد مع
مغني وملحن……..انا راجع اشوف اكل عيشي سلام …..”
………………………………………………………………
دخلت سيارة بنصف نقل شارع الصاوي محملة ببعض
المعدات الخاصة بالمطعم الجديد والذي سيتم التجهيز له من اليوم بعد ان تم كتابة عقد الإيجار
وتسجيلة رسمياً في شهر العقاري……..
باسم حمزة الدسوقي…..
لفح الهواء وجه شهد فاطار خصلاتها القصيرة والتي
تغطي جبهتها…… فابتسمت شهد وهي تستنشق اكبر قدر من رائحة البحر الممزوجة بشارع الصاوي واناسه البسطاء…………
لكزتها صديقتها خلود والتي تجلس بجوارها وعلى الجانب الآخر في مقعد القيادة يجلس زوجها بشير…….
“سرحان في اي ياجميل……..”
ابعدت عينيها العسلية عن نافذة السيارة التي
تنظر من خلالها ونظرة الى خلود مجيبة
ببساطه….
“في المكان…….والشارع اللي هيبقا بيتنا التاني….
تفتكري المشروع هينجح هنا…..”
قطبت خلود جبينها قائلة بتعجب……
“وليه بقا مينجحش هنا…. اي حاجة فيها اكل
ناجحة بعون الله….. ولا انتي عندك شك……”
نظرة شهد للنافذة مجدداً قائلة بتفكير…..
“مفيش شك من ناحية شغلي… اللي قلقني المكان الناس اللي هنشوفهم وهنتعامل معاهم……. انتي عارفه ان شارع الصاوي بنسبالي زيه زي اي شارع بجيب طلباتي منه وبروح…. وطبعاً مبدخلهوش غير كل فين وفين……. يعني مش عارفه ناسه……”
تدخل بشير زوج خلود في الحديث
قائلاً….
“متقلقيش ياست شهد….. احنا معاكي….وواحده واحده هتتعملي……. وبعدين لو عايزة تنزلي السوق
يبقا لازمن تختلطي بده وده…… ولا اي ياخلود……”
لكز زوجته فاومات خلود برأسها قائلة بجدية…
“معلوم ياخويا…… وبعدين متقلقيش من حاجة انا وبشير اشتغلنا في شارع الصاوي قبل كده…… مش قولتلك ان إحنا كنا واقفين بعربية فول وفلافل
قبل كده….. يعني نعرف ناس فيه…….. ويعرفونا…”
لم تعقب شهد بل اومات برأسه مكتفيه بالصمت وهي تشاهد الشارع والمحلات الراكضة أمامها…. فسمعت
بشير يسألها بفتور…..
“هو حمزة مجاش معانا ليه لمؤخذة…. بما ان يعني هو اللي مأجر المكان من عاصم الصاوي… مش كان المفروض يجي برضو…. عشان الراجل ميشكش في حاجة…….”
عادت شهد اليه قائلة بنبرة عادية……..
“حمزة هيجي ورانا….. هيخلص بس نقلة الركاب اللي معاه وهيحصلنا…… وبعدين مالو عاصم الصاوي لو سالني هقول اني اخته وهشتغل معاه في
المطعم…….”
أوقف بشير سيارة النصف نقل أمام المطعم والذي كان بجوار مكتبة أحلام وعلى الجهة الاخرى محل قديم مغلق بجوار المحل صاغة كبيرة وفخمة
الشكل ملكاً لــ آل الصاوي والذي يديرها
عاصم….. فكان أكبر محل صاغة في الشارع
يتكون من طابقين الاول والثاني………وكله
يحتوي على افخم أنواع واشكال الحلي لجميع الاذواق الشعبية والعريقة…
ترجلت شهد من السيارة وكذلك بشير وخلود…. ثم
نزل من السيارة النصف نقل رجلين من العمال…
الذين سيتكلفوا بحملوة المعدات الخاصة
بالمطعم……
اخرجت شهد المفتاح من جيب تنورتها الطويلة
واتجهت لبوابة المطعم المغلقة……فمنعها بشير
قائلاً بحرج……
“عنك ياست شهد……..”
امتنعت شهد قائلة…..
“لا خليك يابشير انا عايزه افتحه بنفسي….”
اوما لها وهو يفصح لها المجال كي تتقدم….. اتجهت
الى المطعم وانحنت تفتح البوابة الاولى……بسعادة
وقلب يشرق بالأمل……
لكن صوت جهوري اتى من ماضي مظلم دوى في
أذان عليلة………
(وانتي فاكرة انك هتعرفي تحققي حاجة بنفسك واحده زيك آخرها تتجوز وتربي عيالها…..والطبيخ
اللي فكراه هيوصلك للعالمية نهايته معاكي في مطبخ بيتك……..كفاية عبط…….وهبل…. انتي
مش هتعرفي تحققي حاجة بنفسك فوقي….)
انتفض جسدها فجأه ووقع المفتاح من يدها..فنظر بشير لزوجته بتساؤل والتي تقدمت بدورها منها وانحنت تسالها بقلق…….
“شهد انتي كويسة……مالك…..”
نظرت شهد لها بعسليتان محربتان للوجع والماضي
بكل ما تمتلكه من قوة………ثم هزت راسها وهي تلتقط المفتاح وتفتح القفل بحزم…….
“انا كويسة……….كويسة ياخلود……..”
ساعدا الرجال في رفع الباب الجرار للاعلى ثم بمدالية المفاتيح الأخرى وضعت المفتاح الثاني
في الباب الزجاجي الأخير……..
فاتى صوتها الحزين من بعيد في حوار كان هادم للذات……….
(لي مصمم تكسرني….. ليه بتقلل من اي حاجة بحبها…….المفروض انك أبويا….. المفروض
انك تدعمني تقف جمبي…. وتصدق حلمي…)
صاح عثمان حينها بمنتهى القسوة مقلل منها بمنتهى الجمود
(حلمك اهبل وتافه……. والشهادة والخبرة اللي بتكلميني عنها متوصلكيش لحاجة…. اخرتك في
مطبخ بيتك…… فعقلي وبلاش تطمعي في اكتر
من كده……..)
تمتمت حينها بابتسامة مريرة…….
(أول مرة اعرف ان اللي بيحلم بيكون طماع….)
دفعت الباب الزجاجي بقوة ودلفت الى المطعم والذي سيكون أول درجة تتخطاها في حلمها…….تطلعت
شهد في المكان من حولها…….
كان مطعم كبير وشاسع……هناك جزء للطاولات والمقاعد…..بداخله باب يوصل للمكان الخاص
بالطهي…..ومكان منفرد للمراحيض الخاصة بالزبائن………كان جيد لا بأس به….يبدوا انه
سيكون بداية جيدة لها ولن تنساه……
هللت خلود بسعادة وهو تمسك كتف شهد…..
“المكان حلو اوي ياشهد وكبير ومتأسس
صح……”
قالتها وهي تركض للابواب المغلقة تتفحص المطبخ
المخصص للطهي والمراحيض……. وحقاً كان المكان جيد ونظيف يبعث الراحة في النفس…..
صاح بشير قائلاً بحماس للعمال الواقفين جواره…..
“يلا يارجالة ندخل الحاجات اللي في العربية جوا.. عشان نبدأ نظبط المكان……..”
استدارت اليه شهد قائلة بابتسامة جميلة…..
“بشير متنساش جردل الدهان……. عايزة اغير
لون الحيطه ديه…….”
اشارت الى الركن الخاص بزبائن قائلة…..
“عايز يكون في تغير في شكل المكان…..عشان الزبون يحس انه بيدخلوا لاول مرة….. “
“تمام….هجبهولك حالاً……….”
اخرجت شهد تنهيدة حارة حماسية وهي تخلع السترة من عليها وتلقيها على أحد المقاعد ثم ربطت
شعرها على شكل كعكة فوضوية جميلة وارجعت
قليلاً خصلات الغرة المغطيه جبهتها……….
فابتسمت خلود متقدمة منها بجذل……
“واضح انه هيبقا يوم طويل بس جميل……مش مصدقه ان بقا عندنا مطعم…. دلوقتي بقا هنطلع الأوردرات باسم (مطعم الشهد) واحنا حطين
رجل على رجل……. “
اتسعت ابتسامة شهد حالمة معقبة…..
“د انا عملت اليافته مخصوص عشان اعلقها لما نخلص……..”
“اليافته هتنور شارع الصاوي أصلا….ربنا يحققلك كل احلامك ياشوشو…….انتي تستهلي كل خير… “عانقتها
خلود بعد تلك الكلمات فربتت شهد على ظهرها وعسليتاها البراقة متعلقة في المكان بأمل جديد…..
………………………………………………………………
دلف الصبي الذي يعمل عند عاصم الصاوي في محل الصاغة……..
“عم عاصم…….عم عاصم……..”
رفع عاصم عيناه على الصبي الذي ياخذ انفاسه بصعوبة وكانه خرج من سباق للتو……
“في اي يارجب….مالك……في حاجة حصلت عندكم……”
هز الصبي رأسه وهو يقول لاهثاً….
“لا ياعم عاصم لكن في حاجة شوفتها وعايز
اقولك عليها………”
“حاجة اي يارجب خلص عشان مش فاضي…”
قالها عاصم وهو يوزن قطعة من الحلي على
ميزان صغير وهو يجلس باريحية خلف
مكتبه الفخم…….
فقال الصبي واشياً بهمساً…..
“المطعم اللي انت اجارته ياعم عاصم….صحابه جم وفتحوه…..وبينزلوا حاجاتهم فيه……”
رد عاصم بملل وهو يوزن قطعة
أخرى…..
“طب وفيها إيه…..مالمطعم اتأجر ليهم… “
هتف الصبي موضحاً…….
“فيها ان الراجل اللي آجره منك مش معاهم…..وان اللي فتحت المحل واحده ست…….”
“واحده ست ؟!……..”رفع عيناه عليه بقوة…..
فقال الولد واشياً……
“هما اتنين ستات وسواق العربية…بس اللي فتحت المكان واحده ست شكلها صاحبة المكان……”
نهض عاصم قائلاً بحدة…..
“صاحبة المكان إزاي انا مأجره لواحد مش واحده………”
“خليك هنا…….انا رايح أشوف في إيه…
ومين دي…”
أمر الصبي واتجه يتخطى الإدراج بشموخ ووقار
نازلاً للاسفل ومنه على باب الخروج…….متجه
الى هذا المطعم وهو يشم رائحة الخداع
والكذب وان حدث هذا فعلاً……فلن يرحم
حكيم فهو من جلب هذا النصاب إليه…..
………………………………………………………………
سندت السلم على الحائط ثم تسلقت درجات السلم وهي تمسك بين يدها دلو الطلاء وعندما وصلت لأخر السلم وضعت الدلو فوقه..وغمست الفرشاة في الدهان الأزرق الفاتح…. أحد درجات لون البحر المفضل لديها….
ثم بدأت في دهن الحائط وهي تدندن بصوتٍ خافت مع اغنية تصدر من هاتف خلود……..
صاحت خلود اليها من الأسفل…..
“ياشهد انزلي متتعبيش نفسك….. بشير هيطلع
يدهنه مكانك لحسان تقعي…….”
ردت شهد مبتسمة وهي تمشي الفرشاة على الحائط
بسعادة شاعره براحة غريبة بمجرد ان غيرت
لون الحائط بأخر جديد…….
“متقلقيش انا تمام ومرتاحه كده…… المهم الرجالة خلصت…….”
قالتها خلود وهي تتجه للمطبخ مجدداً….
“آآه فاضل حاجات بسيطه……”
دلف عاصم للمكان فوجد الرجال يحملوا
الأغراض للداخل وصوت موسيقى يدوي في
المكان برقي……
دار بحدقتيه حول المكان ليجد من تقف أعلى السلم توليه ظهرها تدهن الحائط… ترتدي تنورة واسعة كحلية اللون عليها كنزة علوية بيضاء ملتصقة قليلاً عليها…….لم يرى وجهها فقط شعر أسود ناعم مربوط على شكل كعكة………
التفت شهد سريعاً خلفها عندما شعرت انها تحت
المراقبة….فالتقط عاصم حدقتين باهداب
طويلة كثيفة سوداء يذوب بداخلهم الشهد
الحلو….
وقتها علم مالذي كان ينقص الخاتم؟……
حجر الكهرمان…. كتلك العيون التي يراها الآن
تضوي بقوة !!…….
تسمرت أعينهما للحظة وكان الكون توقف لثواني فقط ثواني كانت الموسيقي بها تدوي من
حولهما….
(شيء من بعيد ناداني و أول ما ناداني
جرالي ما جرالي….شيء من بعيد ناداني و
أول ما ناداني جرالي ما جرالي…دا مش
بايدي يابااا…….)
لحظات وشعرت ببلاهة الموقف وهي معلقة في الأعلى تنظر اليه بصمت دون سؤال او توضيح….
هي على علم انهُ (عاصم الصاوي) لن تتوه عنه…..فالطالما كانت تتردد على الشارع وتراه
بصدفة بشكلاً عابر…..لكن للحق لم تكن قريبة
منه بهذا الشكل لذا رأيته اربكتها قليلاً خصوصاً ان حمزة ليس هنا……والكلام التي كانت تخطط لقوله ضاع من عقلها فجأه عندما تصادفت به…….
نزلت شهد سريعاً درجات السلم وهي تشعر بالحرج والتوتر من مواجهة هذا الموقف…… وقفت جوار السلم وكأنها تنتظره هو كي يتقدم ويبدأ في السؤال……
ففعل عاصم وتقدم منها وعيناه القاتم تكاد تخترق
عسليتاها المهتزة بارتباك….. سائلاً إياها بصوتٍ خشن….. “انتي مين؟…….”
وصلت رجفة غريبة من نوعها على جسدها وقلبها…ورغم ذلك ردت بمنتهى الثبات امام
هذا الضخم الوسيم….صاحب الهيبة المزعزعة
لثبات المرء………
“شهد…………شهد الدسوقي…..اخت حمزة…….”
دخل أحد العمال مع بشير يحملوا شيءٍ كالوح الخشبي والذي ارتطم عن طريق الخطأ بالسلم الخشبي المجاور لها فاهتز من الأعلى دلو الطلاء….فانكمشت شهد بفزع……لتجد من
يسحب ذراعيها بقوة بعيداً لأحد الأركان…….
وينسكب الطلاء في اللحظة التالية مكانها….
(ناداني من يميني…… ولسة بيناديني
بيقولي حصليني على بلد العجايب
ناداني من شمالي قال يا ام المهر غالي
تعالي قوام تعالي خدي من الحب نايب……)
سحبت نفساً لرئتيها بصعوبة وهي تفتح عينيها بدهشة بعد ان شعرت بظهرها يرتطم بالحائط
الصلب خلفها……
وعندما ابصرت الوضع شهقت شهقة مكتومة…فكان عاصم يقف أمامها كالحاجز المانع وهو يمسك ذراعيها بقوة المتها والغريب انه لم يكن ينظر اليها بل كان ينظر للدلو الذي انسكب ارضاً مكانها…..
تأملت ملامحه الرجولية لثواني معدودة فكان رجل مهيب الملامح وقور الشكل ووسيم بشكلاً خاص…..فارع الطول يصل لستة اقدام ضخم
البنية ببشرة برونزية ولحية حالكة تلمع بشكلاً مذهل……
ابتلعت ريقها وهي تشعر بتوتر من هذا الوضع الذي لم يمر عليه الى ثواني كطرفة عين……….وقد
استدار لها عاصم يسالها بفتور وهو يبعد يداه
عنها بحياء ذكوري…..
“انتي كويسة………”
“آآه الحمدلله محصلش حاجة…… جت سليمة…..”قالتها شهد بنبرة مرتجفة وهي تسعل بحرج…وقد أحمر وجهها
كحبة طماطم بعد هذا الموقف المحرج……..
اقتربت منها خلود الذي خرجت للتو من المطبخ…..
“شهد انتي كويسة مالك اي اللي حصل…..واي اللي وقع جردل البوهيه كده….”
ردت شهد بحرج أكبر بعد ان لاحظت نظرات عاصم
القوية عليها…….
“حصل خير ياخلود انا تمام………”ثم تنحنحت قائلة
“خلود ممكن تجبيلي شوية ماية…….”
فهمت خلود سريعاً نظرات صديقتها فاومات
برأسها بطاعة…
“عيني هجبهالك حالاً…….”
ثم عندما اقتربت خلود من زوجها اشارة له بعيناها ان يتابع عمله هو والرجال……….ففهم الآخر وترك لهم
مساحة للحديث وهو يشير للرجال ان يتبعوه
للخارج…….
تنحنحت شهد وهي تشير لعاصم لأحد الأركان النظيفة كي يجلس على المقعد ويستريح…….
“اتفضل…..معلش يعني ملحقتش أعرفك على نفسي…بس بسيطه….انا شهد…..شهد الدسوقي…
اخت حمزة…. اللي آجر منك المطعم من كام يوم……..”
نظر عاصم للأرض ثم لها سائلاً بخشونة…..
“فهمت…..بس اللي مش فاهمه انتي بتعملي اي هنا…يعني انا فاكر اني اجرة المطعم لاخوكي…..
مش ليكي…..”
ازدردت ريقها وهي تنظر اليه بهدوء مجيبة
بمواربة……
“وانا مقولتش ان انا اللي اجرته…..يعني……انا هشتغل مع حمزة اخويا…..لاني فاهمه في المجال
ده اكتر منه…”
شم رائحة الكذب في صوتها….وراى ألق الكذب
في عسليتاها الجذابة………فعقب باستهجان…….
“غريبة….وهو اي اللي يدخله في مجال هو مش فاهمة…بالعكس دا اخته هي اللي فاهمه فيه……
انتوا بتلعبوا بيا ولا إيه؟!……. “
شعرت شهد بالحنق يتفاقم داخلها فهتفت بأخر ماتبقى من الصبر لها……..
“وهنلعب بيك ليه……هو انت مش ملاحظ ياستاذ عاصم انك مدي الموضوع أكبر من حجمه……..يعني اخويا آجر منك المحل واستعان بمساعدتي…..اي الغلط في ده….”
احتدت نظرات عاصم عليها مزمجراً……
“الغلط انه مجاش معايا دغري…..ومقالش ان
المطعم ده مأجره عشانك…….”
صممت شهد على رأيها قائلة بكبرياء….
“مقولنا مش عشاني احنا هنشتغل فيه احنا الإتنين…..وبعدين اي مشكلتك اذا كان متأجر بأسمي
او بأسمه……….”نظرة اليه بتساؤل…..
فاجاب بمنتهى الجمود المحمل بعنصرية الرجال
نحو المرأة العاملة الطموحة……….
“ببساطه لاني مبمضيش عقود إيجار مع حريم…منعاً للوش……ووقف الحال…. “
اتسعت نظرات شهد وهتفت بحمائية…….
“وش ووقف حال ؟!…..ازاي يعني هي الست لم تحب تشتغل وتثبت نفسها يبقا ناويه على مشاكل….وبعدين حضرتك مش شايف ان تفكيرك قديم شوية….اي مبمضيش عقود ايجار مع حريم…… مش فهماك
يعني هو احنا جربه مثلا……..”
هتف عاصم نافياً……..
“حاشى لله متقولنيش كلام مقولتهوش يامدام شهد….”
هتفت بغيظٍ ملحوظ…. “انسه……..انسه شهد……..”
لماذا غمرته الراحة فابتسم قائلاً بترحيب
طفيف……..
“أهلا تشرفنا………… تشرفنا يانسة شهد……..”
خفق قلبها فجأه فابعدت عينيها عنه قائلة
بجدية….
“خلينا نرجع لكلمنا……حضرتك مش مرحب بوجودي…..”
عبس وجهه بتساؤل….. “مش فاهم……..”
همست تسأله وبرائتها تطل من عينيها…..
“يعني مش عايزني امسك المشروع مع اخويا… كده المشروع ممكن يقع……..يرضيك ؟…. “
نظر عاصم لعيناها الراجية….ولمعة الشهد الصافي
تبرق بجمال في حدقتيها اسما على مسمى…..لم
تكن فقط عينيها الجميلة بل ملامحها حسناء أبية…..وقسمات وجهها صغيرة انثوية…..قصيرة القامة لكن تكوين جسدها يشع أنوثة ناعمة…….. رائحتها طيبة تبعث الراحة في النفس كرؤيتها تماماً……هيئتها توحي انها فتاه في الثامنة عشر………مع انه واثق انها أكبر من ذلك…….
عندما انتبهت شهد لنظراته الغير متهاونة معها وزفرة التي اخرجها وهو شارد في النظر اليها والذي لم ينتبه لها حتى بل هي من راتها…..وقررت ان تتماسك بأخر حل لديها…….وقالت بنبرة رغم انها كانت حاسمة إلا انه كانت رقيقة ناعمة بالفطرة جعلته يتبسم رغماً عنه……………
“بص بلاش تنفخ انا ممكن اضمنلك اني هكون زي النسمة في شارع الصاوي……. مش هتسمعلي صوت ولا هيبقا في اي مشاكل من ناحيتي…….. ولو حصل اي حاجة فأكيد ليا كبير اللي هو حمزة تقدر تكلمه في اي حاجة مش عجباك بخصوص تعاملي في الشارع هنا…”
ثم غيرت تعبير وجهها بشكلاً صارم
أعجبه لوهلة……..
“لكن بنسبة لشغلي فهيكون خط أحمر بنسبالك….
لانه يخصني انا……وطالما مفيش مشاكل من حوليه
يبقا مش هتدخل فيه قولت إيه……..”
لم يعقب بل ظل يأسرها بنظراته القوية….
فتغيرت نظراتها لرجاء قائلة بتساؤل……
“ليه ساكت………”
نهض عاصم قائلاً بحدة…….
“لازم اشوف بعيني الأول…..وساعتها هقرر
يا تفضلي……. هفسخ عقد الإيجار اللي بينا………”
اتسعت عيناها بصدمة وهي تقفز من مقعدها واقفه
امامه……..
“تفسخ عقد الايجار ازاي يعني……هو كلام عيال…..”
احتدت نظراته بشكلاً ارعبها لبرهة حتى فاجأها
برد القاطع وهو يوليها ظهره……
“قولي الكلام ده لاخوكي مش ليا….وبعدين
احمدي ربنا إني اديتك فرصة بعد الفيلم اللي
عملتوا عليا……”
عندما لم يجد تعليقاً منها توقف عن السير وادار
راسه إليها قائلاً…….
“ولو عايزة تفضلي في المكان ده…..اثبتيلي انك تقدري تشتغلي في شارع الصاوي ……ومشروعك ينجح كمان فيه…….”
“هينجح……”صاحت امام عيناه بعزم….
اوما براسه مبتسم ابتسامة خاليه من التعبير….
ثم قال قبل ان يغادر……
“ليكي عندي هدية حلوة لو نجح…..سلام يانسة شهد….”
القت شهد جسدها على المقعد وهي تزفر بتعب
شاعره براحة بعدما حاولت السيطرة عن الوضع
لكن التحدي صعب…..بمثابة رهن خفي بينهما…
وهي على علم ان قبل ان يقيم عاصم الصاوي بينها
الرهان كانت تقيمه هي بينها وبين نفسها…….
فالا بأس من عدت رهانات نهايتها واحده…النجاح..
ربما يزيد عزمها أكثر….من يعلم…..
اقتربت منها خلود هي وبشير
متسائلين…..
“عملتي اي ياشهد….قولتيلوا إيه…….”
زمت شفتيها باستياء قائلة….
“قولتلوا اللي مفروض اقوله…..بس مصدقش…
وواضح انه هيركز معايا اوي عشان لو حصل اي
مشاكل معايا او مني….هيقطع عقد الإيجار…..
وهيقولي بسلامة…..”
قالت خلود بحنق….
“فكك منه….هتيجي منين المشاكل…احنا جايين نشتغل مش نتعارك……”
تاففت شهد….
“والله… قولتله كده بس مصدقش…….”
اخبرتها خلود بتذكر…….
“على فكرة انا شوفت مكروباص حمزة داخل
علينا…….وكيان ركبه جمبه……”
توترت شهد وهي تنبه عليهم بعجلة…..
“حمزة….طب بقولكم….بلاش تجيبوا سيرة
ان عاصم الصاوي كان هنا……”
تدخل بشير…… “ماهو لازم يعرف ياشهد…..”
هزت شهد راسها برفض موضحة…..
“يعرف اي بس يابشير….الراجل اتكلم معايا كلمتين وخلصنا…..وادينا اتفقنا………او تقريباً اتفقنا….المهم
بلاش حمزة يعرف……عشان ميرحلوش ويشدوا قصاد بعض………”
اومات لها خلود متفهمة……
“ايوا عندك حق……بشير مش هيقوله ولا انا……اطمني…….”اوما بشير على مضض…
فقالت شهد بهدوء….
“طب يلا نشوف شغلنا……..”
“من غيرنا…….”قالتها كيان وهي تدلف المكان
حاملة بين يداها أكياس كثيرة وحمزة خلفها
يحمل عدد لا بأس به…..
اتجهت اليها شهد بلهفة قائلة….
“كيان وأخيراً جيتي….كنتي بتعملي اي دا كله…”
“كنت بشتري هدية المطعم الجديد….كام قطعة ديكور هتعمل شغل عالي في المكان……..”وضعت
كيان الأغراض جانباً……
“تعبتي نفسك……ليه….واي اللي انت جايبه دا ياستاذ…….”نظرة شهد لحمزة بابتسامة حلوة…
فقال حمزة بمرح…..وهو يضع الاكياس جانباً…
“زيها هدية المطعم….كام فوطة مطبخ على كام مفارش على طقم سكاكين وتوابل وللي زي
منه…….”
شعرت بالحنق منهم فهم يتصرفوا
كالاغراب معها……
“آآه منك ياحمزة……..كان اي لزمته بس مانا
جيبه كل حاجة ……”
رد حمزة وهو يعانق كتفها بإبتسامة
اخوية تشع فخر بها……. “زيادة الخير خيرين…….”
تفقدت كيان المكان بعينيها سريعاً
ثم قالت بابتسامة جميلة محبة…….
“بس المطعم حلو اوي ياشهد……طلع احلى من اللي في خيالي……. “
قالت شهد بجذل……
“ولسه ياكوكي… لما يتفرش….وكل حاجة تبقا في مكانها…”
شمرت كيان عن ساعديها قائلة بحماسية وهي
تنظر لهما معاً……
“طب ومستنيه إيه….يلا نخلص حاجة حاجة…..ولا
اي ياميزو…. “
غمز حمزة لاخته شهد قائلاً….
“انا مستني الرياسة يأمر بس……”
غمرة السعادة شهد فقالت مبتسمة…..
“الامر لله واحده…..خلينا نعمل سوا حاجة حاجة…”
اومات كيان براسها وهي تفتح حقيبتها وتخرج
قبعة من الصوف باللون الأحمر……
“قشطه أوي…..اربط شعري بقا والبس الايس كاب
ده عشان التراب……”
ابتسم حمزة مشاكساً إياها….
“لا حلوه ياكيمو…… دماغ شغالة ما بتنمش……”
“امال إيه وجبتلك انت وشهد واحد….نفس اللون…”
قالتها وهي تلقي الكاب الصوف عليه فالتقطه
حمزة قائلاً بتزمر…..
“جيباه أحمر………انتي عارفة اني زملكاوي…..”
هتفت كيان بملل…….
“هو احنا رايحين الإستاد….البس وانت ساكت…”
ثم نظرة لاختها قائلة بالطافة…..
“شهد عايزاني اعمل إيه…. “
قالت شهد وهي ترتدي الكاب الصوفي….
“هكمل دهان الحيطه دي وبعدين نكنس المكان ونسيقه….وبشير وخلود بيظبطه المطبخ جوا…”
قالت كيان بطاقة رهيبة……
“اوكيه انا عمتاً بحب الألوان أوي….حمزة يطلع
يدهن من فوق وانا وانتي من تحت وهننجز…..”
كانا الثلاثة شعلة من الطاقة الحب التعاون…..دهنا الحائط معاً وسط مزاح ثقيل وغليظ من حمزة
الذي افسد ملابسهم بالدهان الذي كان يقطر
عليهم منه بالفرشاة من الأعلى…….ورغم ذلك كان الفتيات يضحكا بصخب عالي……مستمتعين بتلك
اللحظات معاً…..سعيدين بأول خطوة تاخذها
اختهما……ويتمنوا لها الأفضل….كما يتمنوا جميعاً
المواصلة والنجاح بعيداً عن كنف عثمان
الدسوقي وقساوة قلبه……
لكن بالصبر ربما يتحقق الاستقلال…..ونصنع الحياة
السوية يوماً لنا ولمن نحب ؟!…….
كان آخر شيءٍ يجب ان يوضع هو الافته على المطعم من الخارج…….
وقفت شهد بالخارج امام المطعم ترى العمال يرفعا
الافته للأعلى ويثبتا اياها بمنتهى الحرص…..والتي كانت تحمل بالخط العريض (مطعم الشهد…)
ابتسمت شهد بسعادة وهي تتأمل اللوحة بمنتهى الرضا رافعة معها أحلام وطموحات ستسعى لتحقيقها……..
احاطت كيان ذراع شهد وسندت رأسها على كتف
أختها التي مزالت تنظر للوحة بعسليتاها المشعة بالفرح…..
“مبروك…….ياشهد….عقبال المطعم الكبير…..”
شقت شفتي شهد ابتسامة جميلة وهي تقول
بتمني….”يارب…….”
حانت منها نظرة جوارها لتجد من يقف امام
محل الصاغة يتحدث في الهاتف وعيناه القاتمة
تأسرها مجدداً بنظرة مختلفه تخترقها وكانها
تحاول التغلغل لاعماقها……..
ابعدت شهد انظارها بتوتر……عائده للافته المعلقة
فتأملها عاصم لبرهة ثم عاد للافته ينظر الى الإسم
باستهانه !!………
لا تستهين بأحلام إمرأة فربما وجدتها يوماً تقف على قمة أحلامك ؟!…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية الحب اولا ) اسم الرواية