رواية كارمن كاملة بقلم ملك ابراهيم عبر مدونة دليل الروايات
رواية كارمن الفصل الرابع 4
– عدي مات النهاردة الفجر.
كانت كلمات الممرضة مثل الصاعقة التي اطاحت بها، انتفض جسدها بفزع، نظرت الي والدة عدي وهي تبكي وتصرخ بانهيار، كم تمنت لو كان ما تراه الان مزحه من عدي ام كابوسً مزعجًا وستفيق منه! لكن كل ما يحدث حولها يبدو حقيقًا! نعم عدي لم يعد بهذه الحياة! لن تراه مرة أخرى. لم تستطيع تحمل فقدانه بعد ان اعتادت عليه! ركضت وهي تبكي بانهيار، لا تعلم الي اين تذهب! لكن قدميها اخذتها الي غرفة رشيد.. فتحت باب الغرفه وهي تبكي. كان يقف امام النافذه، التفت ينظر اليها بصدمة، وقفت امامه تبكي وتحدثت بانهيار:
– عدي مات!
حدق بها بصدمة. اقتربت منه وهي تبكي بانهيار وتردد حديثها دون تصديق:
– عدي مات.. روحت غرفته وملقتوش.. مات من غير ما اشوفه.. يعني انا كده مش هشوفه تاني.. كان نفسي اودعه.
اقترب منها وهو يحاول تهدأتها، تحدث اليها بحنان:
– عدي كان تعبان اوي وطول الوقت بيتألم.. هو دلوقتي ارتاح من الألم واكيد هو في مكان احسن.
هزت رأسها بالرفض وتحدثت ببكاء:
– انا كنت حبيته واتعلقت بيه اوي.. ليه يخليني اتعلق بيه واحبه كده وهو هيسبني.. ليه كل الناس اللي بحبهم بيسبوني وبيبعدوا عني.. انا مش عايزة اعيش في الدنيا دي لوحدي.
انقطع نياط قلبه من اجلها، لا يريد رؤيتها في هذه الحالة، يعلم انها تعلقت كثيراً بـ عدي ولا يمكنها تخطي موته وفراقه بسهوله. اقترب منها وامسك بيديها وتحدث اليها بصدق:
– بس انا مستحيل اسيبك او ابعد عنك.. انا هفضل دايما معاكي يا كارمن متخافيش.
نظرت اليه والدموع تنسال من عيناها بغزارة حتى اصبحت لا تستطيع الرؤية، تحدثت بصوتها الباكي:
– لما تخرج من المستشفى اكيد هتنساني.. انا مش عايزة احب حد تاني.. كل اللي بحبهم بيبعدوا عني!
ضغط على يديها بقوة حتى تنتبه لحديثه وتحدث اليها بقوة:
– انا مستحيل انساكي.. عشان انا بحبك.
[عادت من ذكرياتها على اعترافه لها بالحب]
توقفت سيارة الاجرة التي تنقلها هي وصديقتها بالحي السكني التي تقطن به، عادت الي الواقع، لم تشعر بالدموع التي اغرقت وجنتيها اثناء تذكرها للماضي، تحدثت اليها مودة بدهشة:
– مالك النهاردة يا كارمن مش طبيعيه!
جففت دموعها بأناملها وترجلت من السيارة بصمت، وقفت تستنشق الهواء لكي تهدأ قليلاً، وقفت مودة بجوارها وتحدثت بقلة حيلة:
– طب اطلعي ارتاحي يا كارمن شكلك تعبانه النهاردة.
ختمت حديثها وهي تتجه الي العقار التي تقطن به:
– يلا تصبحي على خير.
وقفت كارمن تستنشق الهواء البارد، ليته يبرد قلبها ويهدأها قليلاً، تقدمت الي العقار التي تقطن به، ظلت تصعد الدرج حتى وصلت الي الطابق الاخير، انقطعت انفاسها وظلت تلهث بتعب، توقفت بسطح العقار تنظر إلى الغرفة المتهالكه التي تقطن بها مع والدتها، اتجهت الي الغرفة وفتحت الباب. كانت الغرفه معبئه بالدخان، تقدمت الي داخل الغرفة ويصحابها سعال قوي بعد تعرضها لاستنشاق كل هذا الدخان، ركضت الي النافذه وفتحتها بقوة، التفتت تنظر إلى والدتها الجالسة فوق الفراش براحة وتمسك بيدها احدى السجائر وبجوارها عدد كبير من السجائر المنتهيه بعد تناولها لها، اقتربت من والدتها وتحدثت اليها بغضب:
– ايه كل السجاير دي.. انتي كده بتموتي نفسك بالبطيئ وبتموتيني معاكي!
رمقتها والدتها ببرود، اخرجت الدخان من فمها بالهواء وتحدثت بملل:
– جبتي اكل وانتي جايه؟
حدقت بوالدتها بصدمة، تعلم أن الحديث معها سيأتي بدون فائدة، زفرت بقلة حيلة واتجهت الي البراد الصغير الموضوع بالغرفة، اخذت من داخله قطعه من الجبن مع رغيف من العيش ووضعتهما امام والدتها، رمقتها والدتها بغضب والقت الطعام بوجهها وصدح صوتها بصراخ:
– طول اليوم برا البيت وراجعه تأكليني جبنه!!
اغمضت عيناها بتعب، لم تتحمل المزيد، لقد اكتفت اليوم. فتحت عيناها ونظرت الي والدتها بدون رد فعل، فقط الدموع تنسال من عيناها بصمت، انهارت في البكاء امام والدتها، ركضت من الغرفة الي الخارج، وقفت تلتقط انفاسها بسطح العقار، والهواء البارد يتخبط بجسدها، تشعر بالبرودة الشديدة، لم تعد تتحمل ما يحدث معها، قسوة والدتها وفراق حبيبها وحياتها التي اصبحت بائسه والفقر الذي اصبح رفيقها، وعملها الشاق طوال اليوم دون راحة، وفي المقابل عليها ان تصمت وتصبر وتواجه كل شئ بمفردها. اغمضت عيناها وسمحت لدموعها ان تنسال كما يحلو لها، لا يمكنها فعل شئ اخر لكي تفرغ ما بداخلها من ألم. تذكرت عندما كانت تبكي بضعف مثل هذه الحالة، كيف كان يخفف عنها رشيد، عادت بذاكرتها مرة أخرى الي الماضي، عندما اعترف لها رشيد بداخل المشفي عن مشاعره اتجاهها…. ✋.
– انا مستحيل انساكي.. عشان انا بحبك.
نظرت اليه بصدمة عقب استماعها لكلماته، ابتعدت عنه قليلاً وهمست بزهول:
– بتحبني!!
أقترب منها وأومأ برأسه بالايجاب قائلاً بثقة:
– اه يا كارمن بحبك.
ارتجف جسدها بصدمة وهي تحدق به بزهول، لم يعطيها فرصة للتفكير؛ كيف ومتى احبها؟ توقف امامها وهو يتأملها بنظرات عاشقة واضاف:
– اول مرة شوفتك فيها اتخلق جوايا احساس جديد مكنتش عارف ده ايه! شعوري اتجاهك مختلف واول مرة اشعر بيه، انتي قدرتي تدخلي قلبي في الفترة القليله اللي عرفتك فيها، كل يوم كنت بتأكد ان مشاعري اتجاهك حب مش أي حاجة تانيه، انا بعترف بحبي ليكي دلوقتي وانا واثق ومتأكد من صدق مشاعري.
وقفت تستمع لكلماته بصدمة، شعورها بالحزن لفقدان عدي مع شعورها بالصدمة من حديثه الذي جاء بوقت لم تكن جاهزه للاستماع اليه، توقف عقلها عن التفكير، أرادت الابتعاد قليلاً لكي تستطيع استعاب ما يحدث معها، هزت رأسها بصدمة واتجهت الي خارج الغرفة سريعًا دون رد على حديثه، وقف بصدمة يتابع خروجها من الغرفة، شعر انه تسرع في اعترافه لها بمشاعره، تسلل الي داخله شعور بالندم بعد اعترافه لها بهذه الطريقه وفي ذالك الوقت.
ركضت الي غرفتها وهي في حالة من الصدمة، اغلقت باب الغرفه وجلست فوق الفراش، كلماته كانت تتردد على مسمعها، قلبها كان يخفق بقوة، دموعها تنسال دون توقف، كانت حزينه علي فقدان عدي، وقلبها ينبض بشعور جديد اتجاه رشيد، كانت في حالة سيئة ولا تشعر بشئ سوى ألم وخفقات مسرعه بقلبها ودموع تنسال على وجنتيها دون توقف. ظلت على هذه الحالة حتى الصباح الباكر، دخلت الممرضه الغرفة واخبرتها ان والدتها قد عادت من السفر واخبرت إدارة المشفى ان يسمحوا لها بالخروج الان، واخبرتها ان والدتها تنتظرها الان بالسيارة خارج المشفى، كانت في حاجة شديدة الي والدتها، ساعدتها الممرضه في وضع متعلقاتها وثيابها بداخل الحقيبه، خرجت من الغرفة وهي حزينه وعيناها لامعه بالدموع، نظرت الي غرفته وارادت الذهاب اليه لكي تودعه قبل ان تذهب، لكنها خجلت من مواجهته بعد حديثه أمس، تابعت سيرها وذهبت من المشفى، قلبها كان يخفق بقوة مع كل خطوة تخطوه وتبعدها عنه، كانت تلتفت خلفها وهي في حيرة؛ لا تريد الابتعاد عنه وترك هذا المكان الذي جمعهما ونشأ به حبهما.
كانت والدتها تجلس بداخل السيارة وتنظر الي هاتفها بملل، اقتربت من السيارة وقام السائق بمساعدتها واخذ الحقيبه من يدها ووضعها بالسيارة، صعدت الي داخل السيارة بجوار والدتها بالخلف، كان استقبال والدتها لها باردًا كما اعتادت منها، نظرت اليها والدتها نظره سريعه وتحدثت ببرود:
– عامله ايه دلوقتي؟ كويسه
كان سؤالها يضم الاجابه المنتظره التي تطالبها والدتها ان لا تقول غيرها، أومأت برأسها بحزن واجابة:
– اه كويسه.
أومأت والدتها برأسها بالايجاب وتحدثت الي السائق بلغة الامر:
– وصلنا البيت.
تحركت السيارة من امام المشفى، عادت والدتها بالنظر الي هاتفها دون ان تلاحظ الحزن والألم الذي تعاني منه ابنتها، التفتت كارمن برأسها الي نافذة السيارة المجاورة لها ودموعها تنسال بصمت، تمنت في هذه اللحظة ان تذهب إلى رشيد وتخبره كم هي في الحاجة اليه ان يكون بحياتها وان لا يتركها ابدا…. ✋.
فاقت من شرودها وجففت دموعها بأناملها، تشعر الان انها بحاجة اليه، هذا ما كانت تشعر به بالماضي، ولا يمكنها مواجهته الان بعد ما فعلته به، لقد فعل الكثير من اجلها ومن اجل سعادتها، وهي ماذا فعلت في المقابل! لقد تسببت في تدمير حياته، خسر عمله بالشرطة من اجلها، وكان على وشك ان يفقد حياته ايضًا. انهارت في البكاء من جديد كلما تذكرت ما فعلته به، همست تردد بصوت باكي حزين:
– انا اسفه
********
وصل رشيد بسيارته الي منزل عائلته، توقف بالسيارة امام المنزل، يشعر بألم شديد بقلبه، رؤيته لها اليوم لم تكن في صالحه، لقد ايقظت الماضي بداخله من جديد، كان يعتقد انه استطاع تخطي الماضي وعلى استعداد لبدء حياته من جديد، اصبحت تلاحقه كلما فتح عيناه والماضي يلاحقه كلما اغمض عيناه. استند برأسه علي مقود السيارة وعاد بذكرياته الي الماضي…. ✋.
عندما عاد الي منزله بعد ذهابها من المشفى دون ان تخبره بشئ. استيقظ في صباح ذاك اليوم وانتظرها كثيراً ان تأتي إلى غرفته بالمشفى كما اعتادت ان تفعل كل يوم، أخبرته الممرضه انها تركت المشفى وذهبت مع والدتها في الصباح الباكر. خبر ذهابها من المشفى كان صادم له. لم يستطيع البقاء في المشفى بعد ذهابها، قرر العودة إلى منزله، اتصل على صديقه خالد وطلب منه ان يأتي الي المشفى ويأخذه الي المنزل.
وصل المنزل واعتقد ان عودته ستكون مفاجأة لعائلته، لكن المفاجأة الكبرى كانت من نصيبه، دلف المنزل وهو يستمع الي صوت مشاجرة بين عائلته، وقف يتطلع اليهم بصدمة، والدته كانت تجلس على احد المقاعد وتبكي وشقيقته تقف بجوار والدتها وتربت على ظهرها وتبكي هي الأخرى، على الجانب الاخر كان يقف والده بوجه متهكم وجده يجلس ويخفض وجهه بصدمة وحزن، اقترب منهم بصدمه وتحدث بقلق:
– في ايه! ايه اللي بيحصل هنا؟
استمعت والدته لصوته، رفعت وجهها ونظرت اليه بعيناها الباكيه، وقفت سريعًا وركضت اليه وهي تبكي وتصرخ قائلة:
– رشيد.. شوفت باباك عمل فيا ايه.. معقول انا استحق ده منه بعد العمر ده كله!
فتح ذراعه واخذ والدته في عناق بحماية، صدح صوت والده قائلاً بغضب:
– انا معملتش حاجة تغضب ربنا، انا اتجوزت على سنة الله ورسوله.. انتوا بتحسبوني علي ايه، انا راجل والشرع محللي اتجوز اتنين وتلاته واربعه!
حدق رشيد بوالده بصدمة، خجل والده قليلاً من نظراته ونظرات ابنته التي لم تتوقف عن البكاء، وقف الجد “نور الدين الجبالي” وتحدث الي ابنه بصرامه:
– بس انت مش ناقصك حاجة يا “وجيه” عشان تتجوز على مراتك اتنين وتلاته واربعه.. وبعدين مين دي اللي انت اتجوزتها، وازاي واحدة محترمة تقبل انها تتجوز راجل متجوز وعنده عيال علي وش جواز.. انت ازاي مفكرتش في عيالك وانت بتعمل المصيبه دي!
تحدثت والدة رشيد ببكاء وهي تقف بجوار ابنها:
– كان فاكر اننا مش هنعرف، اتجوز وسافر يقضي شهر عسل ومفهمنا انه كان مسافر في شغل!
لم يصدق رشيد ما يسمعه، كان ينظر إلى والده بصدمة، جلس الجد مرة اخري وخفض وجهه يفكر قليلاً، رفع وجهه ونظر الي حفيدته وتحدث اليها بأمر:
– خدي مامتك يا رهف واطلعوا انتوا على فوق.
صدح صوت والدة رشيد بصراخ:
– انا مش هطلع على مكان قبل ما يطلقني!
نظر اليها زوجها بصدمة، تحدث اليها والد زوجها بتأكيد:
– التانيه اللي هتطلق مش انتي يا ماجدة.. انتي مراته وام عياله، انما التانيه مش اكتر من نزوه وهو لازم يفوق لنفسه ويصلح غلطته.
ارتفع صوت الجد مرة اخره بصرامه:
– يلا يا رهف.. خدي والدتك واطلعوا على فوق.
اقتربت رهف من والدتها واخذتها وصعدت معها الي الطابق العلوي من المنزل. وقف رشيد وهو يحاول استيعاب ما يحدث، انتظر الجد “نور الدين الجبالي” حتى صعدت حفيدته ووالدتها الي الأعلى ثم تحدث الي ابنه بصرامة:
– انت اتجننت! انت ازاي تتجوز على مراتك بعد العمر ده كله بينكم؟!
خفض وجيه والد رشيد وجهه وتحدث بتلعثم:
– يا بابا انا راجل ومن حقي….
قاطعه والده بصرامة:
– انت مش من حقك اي حاجة.. ولادك دول هما اللي من حقهم انهم يرفعوا راسهم وسط الناس.. تقدر تقولي مين اللي انت اتجوزتها دي؟!
نظر رشيد الي والده بترقب، تحدث وجيه بتوتر:
– ست حبتها واتجوزتها.. فين المشكله؟
وضع الجد ملف به معلومات عن الزوجة الجديدة امام اعين والد رشيد وتحدث بصرامة:
– الملف ده فيه المشكله كلها، الملف ده فيه كل المعلومات عن النصابه اللي انت اتجوزتها. انت عارف الهانم اتجوزت قبلك كام مرة.. طب عارف كام واحد اتجوزته واستولت على فلوسه كلها وسابته، ازاي تحط اسمك وسمعتك بين ايدين واحده زي دي!
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية كارمن ) اسم الرواية