رواية ندوب الهوى كاملة بقلم ندا حسن عبر مدونة دليل الروايات
رواية ندوب الهوى الفصل السادس و العشرون 26
“الإقتراب من المجهول”
قبل شهور مضت تعرضت إلى محاولة انتهاك لروحها، وجسدها، قبل شهور تعرضت لمحاولة الذبح ببطء شديد وبرود رهيب من قبل الطرف الآخر..
كادت أن تموت الحياة بداخلها وتحيا النيران المشتعلة اعتراضًا على الأمر، تحيا الأحزان، تحيا الخذلان والقهر، كادت أن تقتل مرحها وشراستها، سعادتها وابتسامتها، فقط لأجل حدث تعرضت إليه وحمدًا لله قد مضى كل هذا بعد أن تقدمت هبة من الله والذي كان “جاد الله” اسمه على مسمى، تقدم بكامل العنف القابع داخله ليقوم بانقاذها وطمئن قلبها، قام بإرجاع الحياة لها ورسم الابتسامة على ثغرها مرة أخرى وكأن شيء لم يكن..
الآن بعد أن أصبحت زوجة له قد ذهب إلى البعيد وعاد مرة أخرى الذئب الذي يريد انتهاك حق ليس له بل مُحرم عليه ومع ذلك لا يريد التنازل عن فعله..
زوجها ليس معها، الأمن والأمان، الطمأنينة والراحة، ليس معها!.. هي وحدها بين أيدي من لا يرحم مهما قالت ومهما فعلت..
ألقى بها بكامل العنف على الأريكة بالصالة وكأنه ينتقم منها قبل أن يفعل أي شيء، رفضها له، تحديها له، وقوفها أمامه بتلك الشراسة التي تنبع من داخلها، تفضيلها لرجل آخر عليه مزقه إلى أشلاء، كل ذلك جعل منه رجل يريد أن يأخذ حقه منها إن كان بالرضا أو العنف التام..
مال عليها فحاولت دفعة بيدها الاثنين ومازالت عينيها تهطل بالدموع الغزيرة وكأنها أمطار في موسمها تهبط، أمسك بيدها الاثنين بيد واحدة والأخرى وضعها داخل جيبه يخرج منه شيء ما فصرخت بعنف وقوة هائلة لكي يخرج صوتها إلى الشارع أو يصعد إلى شقيقتها في الأعلى..
ولكنه لم يترك لها الفرصة لفعل ذلك وترك يدها الاثنين متبادلًا معها ووضع يده على فمها وفي تلك اللحظة أخرج قطعة قماش صغيرة من جيب بنطاله فحاولت دفعة بقوة وهي تبكي ويدها ترتعش بشدة..
لم ولن تكن بتلك القوة التي تدفعه عنها وهي بهذه الحالة، يدها ترتعش بقوة بل جسدها بالكامل الارتجاف يكسوه، عينيها مشوشة من كثرة البكاء ولا تستطع حتى الصراخ..
تركها تفعل ما يحلو لها بهذه الطريقة الهشة خائرة القوى، وقام هو بوضع قطعة القماش على فمها ليتأكد من عدم صراخها، حاول ربطها أكثر من مرة وهي تمانع حدوث ذلك بدفعة عنها وتحريك رأسها بقوة..
تحامل أكثر من اللازم لكي يفعل ذلك، ولن يذهب قبل أن يأخذ كل ما يريد، دفعته بقوة بيدها في صدره وهو مائل عليها فعاد للخلف لحظة وبها حاولت الجلوس لتبتعد عنه وصرخت مرة أخرى ولكنه منعها بطريقة بشعة وهو يدفعها بقوة ثم هبط بكف يده العريض على وجنتها بكامل قوته لتصدر الصفعة صوتًا حادًا عاليًا ألمها مع أثرها بطريقة أبشع مما تتصور..
ازدادت في البكاء الحاد وصوتها يتصاعد إلى الأعلى ولا تستطيع إبعاده، وضع قطعة القماش على فمها مرة أخرى وهي مازالت تحاول المقاومة ولكنه هذه المرة فعلها..
عاد إلى الخلف ناظرًا إليها بشماته وهي أسفل يده يتمسك بيدها الاثنين جيدًا يهتف بصوتٍ شيطاني حقير:
-كده مش هتقدري تعملي حاجه
وقع الحجاب عنها يلتف حول عنقها وظهرت خصلاتها منذ لحظات، ارتفعت عباءتها عنها إلى منتصف قدميها وهي تحاول الإبتعاد بالقوة عنه، حرك عينيه عليها من الأسفل إلى الأعلى ولعابه يسيل لهذا المظهر الشهي المُحرم عليه:
-مش قولتلك هناكل الشهد سوا… كنتي تقدري تاكليه معايا بالرضا مش بالغصب
ابتسم بسخرية مُميتة وقهرته داخله لا يريد أن يظهرها لها:
-بس أنتِ اتنكتي عليا وروحتي لابن أبو الدهب.. ابقي خليه ينفعك بقى
وجهها بالكامل أحمر قاتم مختنق بعنف، البكاء جعلها تختنق أكثر وأكثر وقلبها يدق بعنف هائل خائف، مرتعبة مما يريد فعله وليس هناك من يمنعه بعد أن كمم فمها حتى لا يخرج صوتها.. قلبها يا الله، قلبها سيقف من شدة الرعب إن حدث هذا، “جاد” حبيب عمرها، كيف سيكون إن حدث هذا؟ وهي كيف ستتحمل؟.. أغمضت عينيها بقوة والدموع لا تريد التوقف وحركة جسدها المتشنج تساعدها في الخروج وما عليها غير الدعاء بمعجزة من معجزات الله التي حدثت معها ومع زوجها سابقًا تحدث الآن..
شعرت به يمسك يدها الاثنين بيد واحدة والأخرى تجذب حجابها من حول عنقها، فتحت عينيها سريعًا تنظر إلى ما يفعله، جذبه عنها بعنف ووضعه حول يدها الاثنين لتحاول جذبهم برهبةً ورعب يتخلل كل عضو بها..
قام بوضع حجابها حول يدها الاثنين تحت المقاومة الهشة الخائفة، يقيد حركتها بالقوة الكبيرة منه، عاد للخلف ينظر إلى قدميها البيضاء التي تظهر بسخاء ليراها تنظر إليه بقهر محاولة مد يدها إلى قدميها ترفع العباءة عليها ولكن لا تفلح في فعل ذلك..
جلس على الطاولة أمام الأريكة وابتسم بتشفي ناظرًا إلى قهرها ورعبها منه، السعادة داخله لا تقدر بثمن ولا يستطيع وصفها مهما قال، سعادة لا تضاهي أي شيء:
-فين بقى اوضة النوم؟..
تسائل وهو يوزع بصره في أنحاء الشقة أثناء ما هي تحاول فك الرباط على فمها بيدها المقيدة، يراها تفعل هذا ولكنه على يقين أنها لن تستطيع فوقف على قدميه يذهب إلى الغرف قائلًا بسخرية:
-هكتشف بنفسي يا برنسس
بكت بحرقة وقهر لا تستطيع وصفه، قلبها لا تفهم أهو سيقف أم لا؟. خوف ورهبة، حزن وأشياء أخرى لا تستطيع فهمها ألا وهي جميعها تتلخص في الموت، الموت البطيء يتقدم إليها عن طريق “مسعد” في كل مرة..
تحاول بكل الطرق الممكنة لها أن تبعد القماش عن فمها لتصرخ، لتبكي بصوت على الأقل!.. حاولت فك قيود يدها أو حتى تجلس!.. لا تستطيع الجلوس بسبب حمل بطنها الصغير وأيضًا تلك الرعشة والتوتر لا يجعلها تفعل أي شيء..
وجدته يتقدم منها بابتسامة عريضة مُرتسمة على وجهه الحقير وتظهر أسنانه الصفراء قائلًا بتشفي:
-لقيت الاوضه.. على فكرة بقى ذوقك مش حلو لا في الرجالة ولا الاوض
تقدم ليقف أمامها ثم مال عليها وهي تنظر إليه برعب وقد وضع يده الاثنين أسفلها على حين غرة يرفعها عن الأريكة مكملًا بنبرة يملؤها الحماس المُحرم والرغبة الكريهة:
-بس أنا النهاردة هخليكي تجربي حاجه تانية خالص
حركت نفسها بعنف على يده ولكنه لم يتأثر بالمرة، هي لا تأثر به يغلبها بكل سهولة ولكنه لو كان “جاد” لفعلها في بنطاله من نظرة واحدة تحمل الشراسة له..
دلف بها إلى الغرفة ثم ألقاها على الفراش الخاص بها هي وزوجها بنفس ذلك العنف في المرة الأولى، ناظرًا إليها بقوة والرغبة بها تكسو ملامحه الكريهة بعد أن رأي قدميها البيضاء التي ارتفعت عنهما العباءة أكثر من السابق..
تركها تحاول الإبتعاد إلى آخر الفراش بجسدها وتحاول فك ربطة فمها لتفعل أي شيء، هناك قلة حيلة رهيبة تشعر بها، العجز يسيطر عليها والحزن يقتلها لأنها لا تستطيع الحفاظ على نفسها في غياب زوجها.. وتلك الربطة تكاد تهشم فمها..
لقد رحل اليوم فقط لا تستطيع الحفاظ على نفسها لأجله ولأجلها؟. لا تستطيع المقاومة لتبقى زوجته هو وحده وحلاله هو وحده، لتبقى إمرأة نقية عفيفة، بضع ساعات ذهب بها لا تستطيع أن تكون تلك الزوجة الشرسة التي ظهرت إليه سابقًا، شعور بالندم والخذلان، القهر والذل، كثيرًا من المشاعر السيئة تطاردها وقلبها لا يتحمل أي شيء من هذا..
وبدأ هو في فك أزرار قميصه ببطء وبرود وكأنه يقتلها خاصة بتلك النظرة الواثقة بأنه سيفعل ما يريد، أبعد قميصه عنه ليبقى بالقميص الداخلي، أقترب منها وصعد على الفراش يجسو فوقها مبتسمًا بقوة ولعابه يسيل لهفتةً للنيل منها ومن زوجها السارق..
احتل الرعب المكانة الأكبر بها عندما وجدته يفعل ذلك، عقلها وقف عن العمل وقلبها ازدادت نبضاته أكثر وأكثر يقول أنه سيخرج من مكانه في الحال
في تلك اللحظات في الخارج كان “سمير” يصعد الدرج بعد أن عاد هو وعمه من عند المحامي الخاص بـ “جاد” وقف أمام شقة ابن عمه للحظات وهو يفكر هل يدخل إلى زوجته ليخبرها بما حدث؟. أم يصعد إلى شقته ويجعل “مريم” تهبط إليها أو تصعد هي لأن الوقت أصبح متأخر ولن يكون ذلك جيدًا إن دلف إليها..
سيصعد يخبر زوجته بما حدث بالكامل ثم يجعلها تخبر شقيقتها أو من الأفضل يحادثها هو في الهاتف ليجعلها تطمئن، صعد على الدرج بهدوء مُكملًا إلى الدور الثاني ذاهبًا إلى شقته، وتفكيره بالكامل منصب على شقيقه وابن عمه الذي ظهر موقفه ضعيف في هذه القضية التي حلت عليه من العدم..
لو كان “جاد” غير ذلك الرجل الذي هو عليه لم يكن سيحزن هكذا ولكن “جاد” من أتقى الرجال هنا، من أفضلهم، لا يحب الكذب ولا الخداع، يسير على طريق مستقيم به وحده الصواب يفعله وأن شكك أنه ليس صواب يبتعد عنه في الحال..
ولكنه على يقين أن هذا ابتلاء وسيمر، وقف “سمير” على أعتاب باب شقته، أخرج المفتاح من جيبه ثم فتح الباب وهم بالدخول..
قبل تلك اللحظة بثوانٍ معدودة جذبت “هدير” قدمها اليمنى إليها تقوم بثنيها وهو فوقها يبتعد بمسافة إصبع واحد ولكنها فعلتها!.. وعلى حين غرة ولم تحدد إلى أين توجه قدمها قامت بضربه بقوة خارقة لم تأتي إليها إلا عندما علمت أنها حتمًا النهاية..
النهاية المُرة إن لم تحاول إنقاذ شرفها وشرف زوجها، فعلتها ولحظه السيء أتت الضربه القوية هذه أسفل الحزام ليصرخ بعنف مبتعدًا للخلف بقوة جعلته يقع من فوق الفراش مصطدم بالأرضية بقوة على ظهره..
انتهزت الفرصة سريعًا وابتعدت بجسدها إلى مكان نوم زوجها ناحية الباب وهي تحاول أن تفك عنها ربطة فمها، حركت رأسها على الفراش بقوة عدة مرات ربما تستطيع فعلها بذلك ثم جذبتها مرةٍ واحدة بقوة رهيبة ألمتها كثيرًا، لتصرخ في نفس اللحظة التي أبعدت عنها قطعة القماش بقوة هائلة لدرجة أنها شعرت بتقطع أحبالها الصوتية، ضاربه تلك المزهرية المنيرة بيدها الاثنين من على الكومود لتقع متهشمة مصدرة صوتًا عاليًا مع صوتها الصارخ الحاد..
ما كاد “سمير” إلا أن يغلق الباب خلفه ولكنه أستمع إلى تلك الصرخة المنبعثة من الأسفل مع صوت تحطيم شيء، نظر خلفه باستغراب وهو يرى زوجته تتقدم منه بلهفة متسائلة عن هذا الصوت الذي استمعت إليه يأتي من ناحية باب الشقة ولكنه قابلها بالدهشة إلى حين استمع صوت زوجة شقيقه تهتف بصراخ وقوة مستغيثة:
-الحقوني…. يا ناس الحقوني
ترك باب الشقة الذي كان يمسكه بيده وفي لمح البصر خرج منها راكضًا على الدرج وزوجته خلفه تهبط بسرعة كبيرة شاعرة بالقلق والخوف على شقيقتها التي استمعت إلى صوتها الصارخ خارجة بملابسها البيتية وخصلات شعرها ظاهرة بالكامل..
وقف أمام باب الشقة يهتف بصوتٍ صارخ قوي:
-هـديـر… هـديـر
أجابته من الداخل ببكاء حاد وصوت عالي قوي لكي يستمع إليه في الخارج وهي تحمد الله داخلها بلهفة وفرح لا تستطيع الشعور به:
-الحقني يا سمير… بسرعة
حاول “سمير” كسر الباب بجسده ولكنه لا يستطيع، عاد إلى الخلف مرة بعد مرة في محاولة منه ليفعلها ولكن الباب متين للغاية، وقفت “مريم” على أول درجة جوار الباب واضعة يدها على فمها بخوف على شقيقتها وتتخيل بأبشع الطرق ما الذي من الممكن أن يكون يحدث معها في الداخل
بينما هو تألم بقوة وكثرة واضعًا يده أسفل الحزام ومازال ينام على الأرضية فكانت الضربة قوية للغاية عليه، لكنه استمع إلى صوت “سمير” في الخارج فوقف ببطء شديد والألم مرتسم على ملامح وجهه بالكامل متقدمًا منها بضعف..
جذبها إليه من خصلات شعرها بعنف وقوة لتجلس على الفراش ثم بيده الحرة صفعها مرة أخرى بقوة أكثر من السابق لتطلق صرخة مدوية يستمع إليها من بالخارج..
وقع قلب “مريم” و “سمير” بين قدميهم خائفين من الذي يحدث لها بالداخل ثم عاد إلى الخلف بقوة ليقوم بدفع الباب..
جذبها “مسعد” من خصلاتها بقسوة وهو يقوم بتبديل يده الأخرى ليستطيع صفعها جيدًا وقد فعلها حقًا ثم ألقاها على الفراش مصمم على التكملة وهو يعلم أن “سمير” بالخارج، ولكن كل هذا لن يذهب هدرًا..
أمسك بمقدمة عباءتها وبكامل قوته جذبها لتنشق نصفين محاولًا الإقتراب منها أكثر ولكنها تقاومه بكل قوتها صارخة في أذنه بحدة وقسوة:
-جاد هيميحك من على وش الدنيا يا زبالة يا حيوان
صرخ هو الآخر في وجهها صافعًا إياها أكثر من صفعة متتالية وهو يقول بحرقة:
-جاد هيتعفن في السجن
وما كاد ينهي جملته إلا واستمع إلى صوت تكسير الباب وهناك من يقف فوق رأسه.. نظر “سمير” بصدمة كبيرة إليها ولم يجعل عينيه تستمر بالنظر على زوجة شقيقه، تقدم بعنف وقوة يبعد الأفكار عن عقله الآن متقدمًا منه وجذبه من على الفراش لاكمًا إياه بعنف وقوة ثم جذبه للخارج لكي يستطيع فعل ما يريد بعيد عنها وعن هيئتها هذه..
وفي لحظتها كانت “مريم” تحاول فك قيد يدها والبكاء يغرق وجهها كما شقيقتها بالضبط..
خرج إلى الصالة ليحاول “مسعد” ضربه في وجهه ولكن “سمير” لم يجعله يفعل هذا وبدأ في ضربه بقسوة وقوة كشقيقه بالضبط عندما يحضر..
الدماء تغلى بعروقه على تلك الهيئة وهذا المظهر القذر الذي رآه.. أخذ يلكمه بقوة في كل مكان بجسده وهو يتذكر حديث ابن عمه، هل لأنه ذهب لساعات فقط لم يستطع هو الحفاظ على أهل بيته؟..
دفع “سمير” “مسعد” بكل قوته إلى الحائط لتصطدم رأسه به وتخرج الدماء منها في الحال، ارهقه كثيرًا ضربه له.. لقد أخرج كل الكبت الذي كان يشعر به تجاه كل شيء ولم يترك لـ “مسعد” الفرصة للدفاع عن نفسه..
وقع على الأرضية يفتح عينيه ويغلقها مرة بعد مرة فابتعد “سمير” سريعًا إلى باب الشقة يغلقه ثم صرخ بقوة على زوجته يُناديها:
-مـريـم.. مـريـم
خرجت إليه تبكي بقوة ونظرت إلى “مسعد” الملقى أرضًا لتضع يدها على فمها شاهقة بعنف وقلق:
-يالهوي ده مات
تحدث بحدة وقوة وهو ياخذ أنفاسه بصعوبة كبيرة:
-خلي أختك بسرعة تغير هدومها….
وجدها تقف ولم تتحرك تتسائل بعينيها عن السبب بغباء حقيقي ليصدح صوته يصرخ بغضب:
-بسرعـة بقولك.. وخليها تجيب دهابها كله يــلا
دلفت إلى شقيقتها لتفعل كما قال، لكن “هدير” كانت في وضع لا تحسد عليه أبدًا، لم يكن بها عقل لتفعل هذا ولم تكن تستطيع تحرك أي عضو بها فتولت “مريم” هذه المهمة وبدلت لها عباءتها وهي تحاول أن تخفف عنها بأي حديث تقوله.. والأخرى داخلها نيران لن يستطيع أحد إطفائها سوى “جاد”..
أخذتها وذهبت للخارج، نظر إليها “سمير” متقدمًا منها قائلًا بجدية وقوة محاولًا تقدير موقفها:
-علشان خاطري يا هدير اصحي معايا وكأن مسعد معملش معاكي أي حاجه..
عندما نظرت إليه لتحاول فهم ما الذي يريده قال بجدية:
-ادخلي هاتي كل دهبك، ولو في أي فلوس هاتيها..
وجد الاثنين ينظرون إليها بدهشة فعاد بنظرة إلى “مسعد” الذي بدأ يتحرك، ليقول بجدية لا تحتمل النقاش:
-يلا مفيش وقت
اومات إليه بهدوء ودلفت إلى الداخل مرة أخرى لتأتي بما طلب فصاح إلى زوجته:
-حطي طرحه على شعرك واطلعي البلكونه صوتي
قابلته بعدم فهم، ونظرة غريبة، منهدشة، تحاول الاستفسار بعينيها ولكنه لم يعطي لها الفرصة وقال بقوة:
-يلا يا مريم
ذهبت لتأتي بالحجاب وتقدمت منه “هدير” بصندوق الذهب وبعض النقود الخاصة بـ “جاد” فوضعه على الأرضية جوار “مسعد” بعد أن فتحه وجعله يقع مفتوحًا، وألقى بالنقود أيضًا جواره ثم أشار لزوجته بفعل ما قاله..
تقدمت “مريم” بفتح الشرفة ثم خرجت وأخذت في الصراخ عاليًا ليستمع إليها جميع من يمر من الشارع:
-الحقونا.. يالهوي
أخذت تصرخ بعنف وقوة حقيقة وكأنه ليس مزيفًا، خرجت أم “جاد” في الناحية الأخرى إليها في شقتها تقف في الشرفة تتسائل بلهفة وقلق وأتى على خلدها ابنها “جاد”:
-ايه يا مريم.. جاد حصله حاجه؟ في ايه انطفي
لم تعطيها فرصة للرد وهي تسأل كثير من الأسئلة ورأت والدتها تخرج إلى الشارع هي الأخرى والكثير اجتمع في الشارع ومنهم من صعد إلى الأعلى عندهم ومنهم من بقى في شرفته لتقول بخوف:
-مسعد اتهجم علينا
نظرت والدة “جاد” بقوة واندهاش حقيقي بعد الاستماع إلى هذه الكلمات! كيف قام بالتهجم عليهم وهم وحدهم في المنزل؟. كيف يتجرأ ويدلف منزل “جاد أبو الدهب” في غيابه؟.. كيف يوسوس له عقله أن يتقدم بخطوة أو نصف إلى هذه الناحية!.. كثير من الحديث والأفكار داخل عقلها وعقل الجميع كوالدتها التي صعدت إليهم وكوالدة “سمير” التي هبطت من منزلها سريعًا بعد هذه الكلمات التي وقعت على مسامعها..
صعد من يهمه الأمر بالحارة ومن يود المساعدة ومسك بمسعد في الجرم المشهود، نائم على الأرضية بعد الكثير من ضربات “سمير” الظاهرة عليه بوضوح جلي، صندوق الذهب ملقى على الأرضية ومعه المال أيضًا، وبيده بعض منهم!.. يا له من تفكير..
هدير تجلس على الأريكة دون حديث.. دون نظرة.. دون حركة، دُمية تجلس على الأريكة وكأنها ليست موجودة بالمرة، تفكيرها لا يتركها تشعر بالراحة أبدًا، أليس من المفترض أن تسعد لكونها تخلصت منه!.. الآن هي تريد من الجميع أن يخرج من هنا لتقوم بالصراخ إلى الصباح بكل قوتها.. لتقوم بالبكاء الحاد..
تريد أن تبقى وحدها.. أن يبتعد الجميع ولا ينظر إليها أحد كما الآن، وكأنهم يشكون فيما حدث يوزعون نظراتهم عليها بغرابة ودقة..
وأمام الجميع وبصوت عالي تحدث “سمير” بأنه قد تهجم على البيت وكانت به فقط زوجة شقيقه التي لم تستطع التصدي له وحدها، وهو من تقدم في الوقت المناسب للإمساك به..
بعض من الناس لم يدلف عقلهم أن “مسعد” كان يسرق لا.. إنه كان هنا لغرض آخر وهو زوجة “جاد الله”، السبب الوحيد الذي يجعله يصعد إلى هنا بكامل قواه العقلية هو “هدير” ابنة “الهابط” غير ذلك فلا..
حاولت والدة “جاد” أن تطمئن على “هدير” بعدما علمته من “سمير” ولكنها لا تستجيب للحديث معها! ولا حتى مع غيرها.. لم تجيب والدتها ولا تعطي نظرة إلى شقيقتها.. ضيقت ما بين حاجبيها باستغراب وشك لما قد يكون حدث منه معها!.. هي ليست غبية!.. الفتاة تجلس كالصنم لا تتحرك لا تنظر لا ترمش بعينيها حتى، لا تفعل أي حركة أو رد فعل على حديثهم.. ما بها؟
قالت “مريم” لجميع من تقدم من جيران وأصدقاء يطمئنوا عليها بأنها تعرضت لصدمات كثيرة اليوم فلا تشعر بالراحة أبدًا بل كانت حالتها النفسية سيئة للغاية فلا تستطيع أن تُجيب على أحد..
والدة “هدير” شعرت هي الأخرى أن هناك شيء قد حدث مع ابنتها، فهي هكذا ليست على ما يرام أبدًا، لقد كانوا هنا قبل أن يحدث هذا، كانت حزينة على فراق زوجها لها ولكن لم يكن بهذا القدر.. مؤكد أنه أول أن يؤذيها بشيء ما من أفعاله القذرة..
كانت خطة سريعة ولا أروع من “سمير”، فكر مسرعًا بشيء ما يستطع أن يفعله بمسعد بعد ضربه إليه وليكن بالقانون هذه المرة بعيد عن زوجة شقيقه فلم يكن يريد أن يمسها حديث أو تلميح وقد كان حقًا..
قام “سمير” بالتبليغ سريعًا وأتت الشرطة في حضور الجميع وألقت القبض على مسعد بتهمة التعدي والسرقة وقد تحدث “سمير” مع “هدير” عن كل شيء من المفترض أنه حدث منذ دلوف “مسعد” إليها وأخذه الذهب الذي لم يحدث من الأساس إلى أن أتى “سمير” من الخارج واستمع إليهم..
ما طلبه من زوجته كان غاية في الذكاء ليصعد أفراد من الحارة وينظرون إلى المشهد أمامهم ثم يقوم بالتصديق أن “مسعد” سارق ووقع بالجرم فيقوم بالشهادة ضده إذا طُلب لأنه رآه وهو في منزل “جاد” معه الذهب والمال محطم الرأس والجسد بعد ضرب “سمير” له..
أمام الجميع “مسعد الشباط” سارق، لقد تم القبض عليه متلبس.. واقع في جريمة بشعة قذرة أكثر من جرائمه الذي من المفترض أن يحاسب عليها في مثل هذا الوقت.. ألا يمر عليه مثل من حفر حفرة لأخيه؟..
الجزاء من جنس العمل، وهذه البداية على كل ما فعله منذ أول يوم وقعت عينه على الحرام واستمر به وتكبر عن العودة إلى الله بل استمر في المكابرة إلى أن وقعت عينه على ما لا يحل له وعندما علم أنه لن يكون له مهما حدث كان بأكثر الأشياء بشاعة إلا وهي الفضيحة لاثنين لم يفعلوا شيء له سوى أنهم قابلوا عاصفته المحملة بكل ما هو حرام الله بالرفض التام.. ليقوم بكل ما يريد بعيدًا عن أمور دينه الصحيحة ولكن..
أقترب الميعاد للغاية والمحاكمة تنصب من الله في هذه اللحظات لكل من كابر وسار في طريق ليس طريقه، لكل من استلز من الحرام أكثر من الحلال..
العقاب أتى للجميع والجميع عليه أن يتحمل.. بينما من وقع في اختيار صعب عليه أن يصبر ويحكم قلبه وعقله وإيمانه ومعه يقينه بالله ليستطيع أن يجتاز ذلك الإختبار وبأعلى الدرجات التي تجعله يكمل الدرب بصدر رحب وسعادة لا نهائية تحقق كل ما يريد بثقة وعزيمة تأتي من الله عز وجل مكافأة لمن امتع عن الحرام وملزاته وأصر على تذوق الحلال الكثير..
❈-❈-❈
مر اليوم!.. لا لم يمر بعد ولن يمر أي يوم ولا ليلة واحدة في غيابه عنها.. وستكون هذه أطول الليالي وأكثرها حرقة وحزن..
رحل الجميع بعد انتهاء ما حدث، طلبت والدة “هدير” منها أن تأخذها معها إلى بيتهم ولكنها رفضت رفض قاطع غير قابل للنقاش أو الإعادة مرة أخرى، لن تترك بيتهم وعشهم، لن تترك مكان تواجد رائحته وروحه..
لن تبتعد عن مكان وجود حبيبها وحتى لو كانت بالذكرى، وإن حدث فتذهب إلى بيت والده لترى كل شيء به هناك قد تركته هنا..
جعل “سمير” الجميع يرحل وقال أنه سيترك معها زوجته حتى لا تكون بمفردها مرة أخرى.. الآن تجلس بينهم غائبة عن وعيها وهي مستيقظة.. تفكر فيما حدث بقهر وخذلان بشع.. تسترجع لحظة دخول “سمير” ورؤية لها.. تتذكر كل ما فعله “مسعد” بها..
جلست مريم على الأريكة مقابلة لها لا تستطيع أن تتحدث معها في أي شيء فهي لا تستجيب من الأساس، عقلها مشوش بطريقة مرهقة، تنظر إلى الأرضية بثبات وبعينيها كامل الحزن القابع بقلبها، حزنها مما حدث بينها وبين جاد في الفترة الأخيرة، حزنها على غيابه عنها ووقوعه في هذه المصيبة، حزنها على ما مرت به بين أيدي حقير بشع لا يعرف الله..
كل هذا وأكثر حزن ليكون الوحيد الذي يقف معها في وحدتها وشدتها مصاحب لاصدقائه معه حتى لا يكون وحده.. مصاحب للقهر والخذلان، الضعف والبكاء، الخوف والرهبة.. لم يترك أي شعور سيء إلا وأتى به معه ليكونوا معها في غياب مُعذب الفؤاد..
دلف “سمير” من الشرفة حيث أنه كان يقوم بإجراء مكالمة هاتفية، نظر إلى زوجة شقيقه ثم إلى زوجته بحزن يبادلها تلك النظرات المشفقة على شقيقتها متقدمًا ليجلس جوارها..
عندما شعرت بوجود “سمير” أخيرًا رفعت نظرها عليه بلهفة وقلق تترقب لاستماع اي معلومة عنه، تناست كل ما كانت تفكر به منذ لحظة وهتفت متسائلة والقلق ينهش قلبها:
-عملتوا ايه مع جاد يا سمير؟.. هيخرج امتى
ابتلع ما وقف بجوفه ثم شعر بمرارته البشعة، كبشاعته عندما يقول لها أن زوجها لن يأتي الآن بل ولا يعرف متى سيأتي!. حاول أن يكون هادئ قدر الإمكان ثابت في حديثه:
-التحقيقات شغالة وإن شاء الله خير
أقتربت بجسدها للأمام مضيقة ما بين حاجبيها باستغراب ودهشة لحديثه الذي يظهر وكأنه يطمئن شخص غريب عنه!. اردفت بقوة:
-يعني ايه الكلام ده؟ أنا عايزة افهم انتوا عملتوا ايه
تنهد بعمق وهو يُجيبها بهدوء متقدمًا للأمام محاولًا بث الاطمئنان بها:
-جاد اتحبس على ذمة التحقيق بس إن شاء الله هيخرج متقلقيش.. المحامي طمني
تسائلت مرة أخرى وعينيها تنظر إليه بثبات غير قادرة على تحريكها إلا عندما ترى تعابيره وتفهم منها إن كان يكذب أم لا:
-هيخرج امتى؟
بقلة حيلة أجابها وفي نفس الوقت لا يريد أن يتحدث معها ويتعمق في ذلك فتفهم أن موقفه صعب للغاية:
-مش عارف بس هيخرج.. مش هيتحاكم، جاد برئ وهيخرج منها
صاحت بقوة وحدة، شراسة قليلة ظهرت منها وكأنها لم تكن تصارع الموت منذ قليل، حياة أخرى انفجرت بداخلها عندما خص الأمر زوجها:
-يعني ايه الكلام ده أنا عايزة افهم اللي حصل.. المحامي قال ايه؟ هو قال ايه؟ الظابط قال ايه؟ أنا مش عايزاك تطمني قولي اللي حصل يا سمير
أجابها على حديثها بجدية متفهم حالتها بعد مرورها بيوم عصيب منذ بدايته إلى الآن:
-والله ده اللي حصل جاد اتحبس على ذمة التحقيق مفيش أكتر من كده وهنروح بكرة تاني
مررت حديثه عما حدث وعما قاله لأنه لا يعطيها الحقيقة الكاملة وأردفت بحزم وجدية شديدة مشيرة إليه بيدها:
-أنا عايزة أروح معاكم ومتقوليش لأ يا إما هروح لوحدي… أنا عايزة أشوفه
أومأ إليها بعدما رأى نظرتها وإصرارها على الذهاب، فلو رفض ستذهب وحدها حقًا فهي مجنونة وستكون في مأزق إن تركها وحدها:
-حاضر يا هدير… حاضر
وقف على قدميه بعد أن تنهد مرة أخرى والحمل وقع على عاتقه في لحظات معدودة، قال بجدية:
-أنا هطلع أنا خلي مريم معاكي الليلة دي
اردفت بجدبة هي الأخرى تبادلة قائلة:
-لأ أنا كويسه مش محتاجه حاجه
تحدثت “مريم” بعد أن تقدمت وهي تستمع إليهم، محاولة إقناعها بالجلوس معها حتى إلى الصباح فقط ثم بعد ذلك لن تبقى:
-خليني معاكي بس….
قاطعتها بحزم وجدية غير قابلة وجودها هنا، لتكون معه وحدها، لتعبر عما داخلها وحدها دون تطفل أحد عليها:
-لأ يا مريم اطلعي بيتك أنا كويسه وهقفل الباب كويسه متقلقوش
هتف “سمير” بهدوء:
-لو احتاجتي حاجه كلمينا يا هدير
أومأت إليه بهدوء يماثله وصمت تريد أن تنعم به فأكمل وهو يسير متجهًا إلى باب الشقة:
-تصبحي على خير
وقفت “مريم” خلف زوجها ثم تقدمت من شقيقتها قائلة بحنان وقلق عليها:
-متأكدة إنك كويسه؟.. أنا عايزة أقعد معاكي يا هدير هيكون أحسن
أجابتها بحزم وقوة:
-أنا كويسه يا مريم متقلقيش اطلعي
خرجت “مريم” خلف زوجها وتركتها وحدها، لم تكن تريد ذلك فهي تعلم أنها ليست على ما يرام، ليست بخير أبدًا، عينيها تتحدث نيابة عن شفتيها وكل ما بها ينطق بالألم والقهر الذي تعرضت له، تشعر بكم الحزن الذي يجتاحها، قلبها يشتعل لأجل شقيقتها وعينيها بُهتت بحزن طاغي لما تواجهه منذ وفاة والدهما، إلى اليوم لم تستطع أن تشعر بالراحة قليلًا حتى بعد زواجها من “جاد”..
أترى كم الحزن الذي تشعر به لأجلها! هناك منه أضعاف مضاعفة في قلب شقيقتها، هناك ما لم تعرفه هي يومًا، تشفق عليها وتود لو تحمل عنها القليل من الألم والضعف، تود لو تحمل عنها القليل مما تمر به ولكنها لا تسمح لها بذلك.. لا تسمح لها بالبقاء معها حتى..
كيف يمكنها أن تساعدها في مثل هذه المصيبة التي تمر بها.. ليست وحدها بل هذه مصيبة وقعت على العائلة بأكملها تهدد جمعهم، تهدد وجودهم مع بعضهم، تهدد كل جميل كان بينهم..
وقفت “هدير” من خلفهم وتقدمت بعد خروجهم تغلق الباب عليها بأحكام، أغلقته بالمفتاح عدة مرات وتركته في المزلاج، استدارت تستند على الباب تنظر إلى الشقة الفارغة عليها من كل إتجاه.. حان وقت الإنهيار لقد صمدت أمام الجميع كثيرًا..
دون صوت!. دون حركة واحدة تصدر منها خرجت الدموع بصمت تام من عينيها العسلية باكية على نفسها قبل “هدير” عينيها تبكي لأجل ما شاهدته ووقعت به، وقعت على الأرضية تجلس خلف الباب وشعور القهر يلازمها، الرهبة والضعف الشديد..
والخوف زحف إلى قلبها بمهارة عالية، إنها لم تشعر بالخوف يومًا، وجوده كان يغنيها عن كل شعور سيء، رغم كل ما مرت به معه إلا أنه كان كل شيء لها ومازال، لن تزعجه مرة أخرى عند عودته، ستكون هي مكان راحته وأمانه.. ستكون كل ما يحتاجه حتى وإن كان على حساب نفسها..
“جاد” رجل لا يقدر بثمن، ليس هناك مثله ولن يكون هناك، في جلستها وأثناء تفكيرها به عادت إلى رأسها صورة لها وذلك الحيوان يقوم بالتهجم عليها وهنا ازداد البكاء والقهر، كيف له أن يقوم بفعل شيء كهذا وهي إمرأة ضعيفة للغاية!.. تظهر شراستها في الحديث والصوت العالي غير ذلك فلا يوجد..
لو لم يأتي “سمير” لكانت الآن مع الموتى!.. لن تستطيع إبعاده ولن تستطيع فعل أي شيء معه، قوته تضاعفها أكثر من اللازم، كيف له أن يكون هكذا، رجل كبير ولديه زوجات وأطفال، كيف له أن يكون هكذا؟..
كيف له أن يستحل ما حرمه الله عليه ويسرق حلال رجل آخر؟ كيف له أن يهتك عرضها بهذه الطريقة البشعة الحقيرة، التي لو كانت حدثت كانت ماتت من بعدها..
حمدًا لله على نعمته، في كل آخر لحظة يرسل لها المنقذ ليغير حياتها ويسترد ما كان سيقع منها في وادي الذئاب..
وقفت على قدميها تمسح على وجهها بحدة بكفي يدها، تقدمت إلى الداخل تسير متجهة إلى غرفة النوم، دلفت إليها ووقفت أمام الفراش تنظر إليه بغل وكره بسبب ذلك البغيض الذي جلس عليه، تقدمت وبقوة جذبت الملاءة الموضوعة على الفراش وألقتها بعنف على الأرضية، ثم جذبت مفروشات الوسادة هي الأخرى وتركت الفراش هكذا..
استدارت وأخذت العباءة التي كانت ترتديها وقميصه القذر ثم وضعته معهم وأخذتهم إلى الخارج تضعهم في سلة القمامة!.. لا يجوز أن يبقى رائحة أو ملمس لرجل آخر في بيت “جاد الله”..
عادت تدلف إلى المرحاض ثم وقفت أسفل صنبور المياة بعد أن تخلصت من ملابسها، تتهاوى المياة عليها من أعلى رأسها إلى أسفل قدميها، تود التخلص من أي لمسه قد تكون حدثت من قِبله، تود محو كل ما حدث لتستطيع مقابلة زوجها في الغد دون أن يكون هناك ذكرى تشوب عقلها أو جسدها..
أخذت تمسح بيدها بقوة على وجهها تمحي أثر صفعاته التي تركت علامات واضحة بقوة، تمحي كل جرح ترك ندب من خلفه..
انتهت من كل ذلك وخرجت ترتدي ملابسها وأخذت زجاجة العطر الخاصة به ونثرت منها في أنحاء الغرفة لتكون رائحته في كل مكان، مرة أخرى تتقدم إلى الخزانة تفتحها تأخذ منها قميص لزوجها الحبيب به رائحته الرجولية المعهودة منه، وتقدمت إلى الفراش تصعد عليه تأخذ قميصه في أحضانها تستنشق رائحته وكأنه ينام معها وجوارها.. لم يرحل لأي مكان
مازالت الدموع تخرج ولن تتوقف الليلة!..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
ذهبت “هدير” مع “سمير” لزيارة “جاد”، هو يوم واحد فقط الذي غاب به عنها ولكنه بالنسبة إليها كعام مضى دون رؤيته والنظر إلى رمادية عينيه الساحرة، عام مضى لم تشعر بالراحة والسكينة جواره..
جلست مقابل “سمير” أمام مكتب الضابط الذي خرج من الغرفة وتركهم ينتظرون “جاد” لرؤيته والتحدث معه وإليه، والتشبع من نظراته وكلماته..
لحظات تمر كالأيام والاشتياق قاتل والإنتظار مرهق، تنظر على الباب المغلق منتظرة لحظة دخوله إليهم، عينيها تتخيل رؤيته يدلف الآن، لم يدلف! الآن سيكون هنا!.. لا، مازالت تتخيل محاولة قتل هذه الدقائق واللحظات الكريهة لتراه.. لتقع عينيها على مُعذب الفؤاد..
وفي تلك اللحظة بالضبط حضر على ذكر مُعذب الفؤاد وفُتح الباب ليطل منه بهيئته التي مازالت أجمل من الجمال نفسه مهما حدث به..
وقف “سمير” سريعًا يتقدم منه يحتضنه بقوة ليبادله الآخر العناق ناظرًا إلى زوجته التي مازالت تجلس باشتياق جلي غريب غرابة ما يحدث هذه الفترة..
-عامل ايه يا جاد
ابتسم “جاد” بهدوء وكأن ليس هناك شيء يزعجه ولم يشعر بالخوف أبدًا مُجيبًا إياه:
-الحمد لله بخير
عاد “سمير” للخلف قائلًا بجدية وأمل يود أن يبثه فيه هو الآخر:
-متقلقش خير إن شاء الله.. المحامي طمني يا جاد وبإذن الله هتطلع منها
أومأ إليه برأسه عدة مرات متتالية ونظراته تبتعد منه إلى حبيبته التي تريد أن تنال جزء منه هي الأخرى، هتف “سمير” مرة أخرى:
-مش محتاج أي حاجه يا جاد؟.. إحنا جبنا معانا حاجات بس أنتَ لو محتاج حاجه قول
عاد بنظره إليه بعد أن أبتعد عن زوجته قائلًا بجدية وضيق مضحك:
-ياض مش عايز حاجه أخفى من وشي بقى
أنهى حديثه بغمزة عين تحمل مراوغته الرائعة المفتقدين لها جميعًا، ابتسم “سمير” بتفهم ثم استأذن منهم ذاهبًا إلى الخارج..
وقفت على قدميها فور خروجه، تنظر إليه بعينين دامعة، حزينة، مرهقة لأبعد حد، أقترب منها بهدوء ناظرًا إليها باشتياق قاتل وحب كبير يتضاخم داخله، الابتسامة على وجهه لم تبتعد عنه، جسده كما هو وطوله كما هو لم يحدث له شيء هو على ما يرام وهيئته كما هي إذا لا يحدث ما تراه في التلفاز مؤكد.. أي غباء هذا الذي تفكر به!..
أقترب إلى أن وقف أمامها مباشرةً فلم تعطي إليه الفرصة لا بالحديث ولا أي شيء آخر، ألقت نفسها داخل أحضانه تنعم بها فقد حرمت منها وبالقوة، وجدها تدس نفسها داخله تتشبث به كطفلة خائفة من أحد يأخذها من والدها عنوة..
حاوطها بذراعيه الصلبة بقوة كبيرة يقربها إليه أكثر شاعرًا بالدفء والحنان ينبثق من ذلك العناق، ولم يكن يحتاج إلا لهذا..
تنهد بصوتًا مسموع وهو يشتد بيده عليها ليشعر بالحب أكثر والراحة تتضاعف معه، ليشعر بأنه في منزله مع زوجته في وسط أهله، وليكون كل ما يمر به كابوس شاهده عندما خرج من أحضانها..
شعر بها تبكي وترتعش على عضلة قلبه، ترتعش وشهقاتها تظهر مرة وتختفي الأخرى ومازالت تتشبث به بقوة غير تاركه له مجال ينظر إليها حتى..
أنزل يده من حولها وحاول أبعادها لينظر إلى ملامحها ويتحدث معها ولكنها متمسكه به بقوة شديدة ولا تريد الإبتعاد عن ذلك الأمان المنبعث منه..
أردف بصوتٍ رخيم وهو يحاول جذبها بعيدًا عنه ليرى وجهها:
-هدير!.. بُصيلي
حركت رأسها بالنفي على صدره فابتسم بهدوء قائلًا بمرح محاولًا إخراجها مما هي به:
-ياه للدرجة دي مش طايقة تبصي في وشي
عادت للخلف بهدوء ووجهها ينظر إلى الأرضية فرفعه بيده بحنان بالغ يرى تلك الوردة الحزينة الباهتة، التي بهتت أكثر عندما تركها وذهب، وضع إصبعه الإبهام على وجهها يمسح دمعاتها بحنان:
-بلاش عياط.. أنتِ شيفاني هنعدم يعني!
هتفت بسرعة وقوة ناظرة إليه بحدة وهي تبعد يده عنها:
-بعد الشر عليك
ضحك وظهرت أسنانه بقوة يهتف بحماس:
-أيوه كده هي دي مراتي
أظهرت الضعف الذي داخلها وقلة حيلتها في غيابه وعدم الأمان الذي هجم عليها:
-وحشتني أوي يا جاد.. مش عارفه أقعد من غيرك، حاسه إني خايفة ومرعوبة مش حاسه بالأمان وأنتَ بعيد عني
أقترب يضع وجهها بين كفي يده قائلًا بحنان بالغ وعينيه تتحرك على عينيها بعمق:
-وأنتِ كمان وحشتيني أوي بس أنا مش عايزك تخافي الكل معاكي هناك محدش يقدر يكلمك وبعدين أنا سايب راجل ورايا… اومال كنتي منشفاها عليا ليه الله
أكمل حديثه مازحًا مستنكرًا ما كانت تفعله معه، فأجابت بقوة وهي تتذكر أفعاله ثم بضعف ولين:
-مهو من عمايلك.. بس خلاص أعمل اللي تعمله والله مش هتكلم نهائي
عينيه ترسل إليها كلمات الحب كل لحظة والأخرى غير شفتيه التي تحركت باغراء لها قائلة:
-مش هعمل حاجه يا هدير… غير إني أحبك
ابتسمت وهي تندمج في الحديث محاولة تناسي كل شيء والوجود معه فقط، تسائلت باستفهام:
-تفتكر مين عمل كده يا جاد
أخذ يده الاثنين مبتعدًا للخلف قليلًا ناظرًا في الفراغ بعد أن أدار رأسه بشرود:
-لأ مفتكرش أنا عارف ومتأكد
تسائلت باستغراب جاد وهي تراه يعلم من الذي فعلها، أهو “مسعد”؟
-مين؟
-كاميليا
إجابته لم تكن في الحسبان، لم ترد عليه بل أكملت نظرها بذهول تام وصدمة كبيرة احتلتها، “كاميليا” من كانت تخاف منها! التي كانت تخاف أن تسرق زوجها هي من زجت به في السجن:
-مالك مذهولة ليه.. والله هي
مرة أخرى تتسائل بصدمة وعينيها مُتسعة تنظر إليه:
-ليه؟
تنهد بعمق يُجيبها متذكرًا ما الذي كانت تريده تلك الغبية غريبة الأطوار التي لا تعرف دين ولا أخلاق:
-كانت نيتها وحشة زي ما قولتي ولما رفضت نيتها السودة اللي زيها دي لبستني قضية أهو
-وكانت عايزة ايه
لن يفيد بشيء الحديث عنها، إنها رحلت وحدث ما حدث ولكن إن خرج من هنا فلن يكن هذا هو تفكيره، سيتغير لا محال:
-مش هيفيد بحاجه الكلام ده
أعادت سؤالها مرة أخرى مصرة على معرفتها ما الذي كانت تريده منه وقام برفضه ثم بعد ذلك يدعوها إلى أن تجعله يسجن في مثل هذه القضية:
-كانت عايزة ايه يا جاد
بمنتهى البرود أجابها:
-اتجوزها… ارتاحتي!..
اتسعت عينيها أكثر بصدمة أكبر لأنها على علم بأن تلك المرأة متزوجة بالفعل:
-دي متجوزة!..
أردف بضيق وضجر، لا يريد الحديث عنها، لا يريد ذلك:
-ست مجنونة، وأنا مش عايز أتكلم عنها ممكن؟، قوليلي عامله ايه كويسه؟.
تنهدت بحزن تُجيبه وهي تقترب منه:
-هبقى كويسه إزاي وأنتَ بعيد
ابتسم قائلًا بمرح ومزاح محاولًا الخروج بها من هذا الجو الحزين الذي يسيطر عليهم:
-بلاش دراما بقى شكلك مبسوطة أصلًا
استنكرت حديثه وضربته في صدره بخفة تهتف:
-أخص عليك دا أنا هموت علشانك
مرة أخرى يقول بمرح يغمز لها بعينيه متذكرًا حديثهم في السابق:
-اوعي انطس حكم جامد تقومي تطلقي وتاخدي فلوسي
-أنت رخم أوي على فكرة
أقترب يضع يده الاثنين خلف خصرها يقربها إليه يقف أمامها يمزح بمرح خافيًا ألامه في هذا اللحظات:
-ما أنتِ عارفه كده يا وحش
وضعت يدها الاثنين هي الأخرى على صدره تبتسم بسعادة متذكرة مناداته لها بهذا الاسم الذي افتقدته:
-تصدق وحشتني الكلمة دي
بعينيه الرمادية يغمز إليها ملقيًا عليها كلماته ذات المعانى الكثيرة:
-أطلع من هنا بس ونصفي اللي بينا ده وهخليكي تفتكري كل حاجه كان بيعملها الوحش معايا
نفت حديثه عن كون هناك تصفية بينهم، فهي لو كانت تريد معاقبته بعد ما علمته الآن منه وبعد أخذه منها لن يكون هناك تصفيات أبدًا:
-لأ نصفي ايه.. أنا خلاص نسيت أي حاجه حصلت ومش فاكرة غير إني بحبك
أقترب منها “جاد” يطبع قبلة رقيقة على شفتيها بعد الاستماع إلى كل هذه الكلمات التي تستفزه كثيرًا وتطالبه بفعل المزيد ولكنه لا يستطيع فعل ذلك..
نظر إلى وجهها بعمق وهو يعود للخف ثم هتف عندما لاحظ احمرار وجنتها عن الأخرى وكأن هناك علامات بها:
-وشك ماله أحمر كده
ليس عليها أن تتوتر، إنه يتسائل فقط، إن توترت سيفهم كل شيء لأنه يعرفها جيدًا، اصطنعت أنها لم ترى هذا وأنه من الأساس ليس هناك شيء:
نظر مرة أخرى بدقة على وجنتها يشعر بأن هناك احمرار حقًا وقال مُجيبًا إياها باستغراب وجهل ما بها:
-مش عارف أحمر كده
تعمقت بعينيه ونظرتها حنونة وصوتها هادئ يقتله:
-لأ عادي يا جاد مفيش حاجه
مرة أخرى ينظر إليها بعمق وشغف مجنون وداخله يحترق لأجل ذلك البعد الذي بدأ منذ أيام ليس الآن فقط، أقترب مرة أخرى يقبلها تحت اعتراض منها قائلة:
-حد يفتح الباب
بكامل البرود واللامبالاة أجابها مقتربًا أكثر تاركًا كل شيء خلفه مقررًا فعل ما يريده:
-اللي يفتح يفتح هي موته ولا أكتر
عاد ليفعل ما نوى فعله محاولًا أخذ ما يريد قدر المستطاع فبعد هذه المرة لا يدري ستحدث مرة أخرى أم لأ.. على الأغلب لن تحدث ثانيةً.. فلا يوجد شيء يبشر بالخير أبدًا.. إلا إن حدثت معجزة أخرجته من هنا..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية ندوب الهوى ) اسم الرواية