رواية اوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد عبر مدونة دليل الروايات
رواية اوصيك بقلبي عشقا الفصل الثالث 3
“أجل أقرّ بأنكِ في وقتٍ ما كنتِ لعبتي.. و لكن عليكِ الاعتراف؛ أنتِ طلبتِ هذا يا صغيرتي، لقد أحببتيه و قد راق لكِ… كما أني أحببتكِ أيضًا!”
_ مراد
وضعت “أمينة” آخر صحن فوق مائدة العشاء، كان “أدهم” يجلس الآن في مكانه المعتاد، يجاوره “مراد” مطرقًا برأسه ترقبًا و اضطرابًا في آن، يتأهب لمجيئ “إيمان” بأيّ لحظة …
-يلا يا أمي بقى أقعدي ! .. قالها “أدهم” مشيرًا لأمه حتى تجلس
ثم نظر إلى “مراد” مكملًا :
-باين مراد بيه مش راضي يمد إيده على الأكل غير لما تيجي.. و لا إيه حضرتك ؟
رفع “مراد” بصره و اكتفى بابتسامة خفيفة ردًا عليه …
تربت “أمينة” على كتف ابنها قائلة :
-هاروح بس أشوف إيمان و أجيبها في إيدي و أجي يا حبيبي.
-ماشي يا ست الكل. بس بسرعة أنا مابحبش أكل حاجة باردة.
ذهبت أمه مسرعة، فالتقط “أدهم” كأس العصير و بدأ يرتشف القليل و هو يشرع بتجاذب أطراف الحديث مع ابن خالته :
-يا رب تكون أعصابك هديت يا باشا. أنا حاسس إنك بقيت أحسن عن الصبح لما كلّمتني !
نظر له “مراد” بسكينة أكدت فرضيته، فابتسم الأخير قائلًا :
-طيب.. احنا ناكل الأول و بعدين نقعد نتكلم على رواق. و خير إن شاء الله يا مراد ماتقلقش.
اومأ له “مراد” و لم يرد أو ينظر إليه.. و كأنه مُخدر الآن، من شدة التوتر و الضيق في آن، إلى أن شعر بحرارة طفيفة إلى جانبه استرعت انتباهه فورًا، لينظر فإذا يرى فتاة صغيرة، قدّر عمرها بين العامين و الثلاثة أعوام على الأقل، كانت ناصعة و مكتنزة في هذا الثوب المستوحى من شخصيات الرسوم المتحركة “كورتي البُعبُع”.. كانت طفلة جميلة ؛
مستديرة الوجه، ذات نظرة أفعونية ماكرة، تليق بجمال عينيها الرماديتين، وجنتان ناتئتان، و غمازة واحدة في خدها الأيسر بانت لمّا ابتسمت قليلًا بتلقائية طفولية، و شعرها البّني مرفوع كله كذيل حصان.. إنها لذيذة جدًا و كم يود أن يُقبّلها …
-هاي يا قمر ! .. قالها “مراد” مبتسمًا بلطف
أدار جسمه قليلًا لياقبلها و حنى رأسه نحوها، بينما انبعث صوت “أدهم” مُعرّفًا :
-دي بقى يا سيدي الآنسة لمى.. بنت أختي إيمان.
تجمّدت ملامح “مراد” في هذه اللحظة لبُرهةٍ، ثم حاول تبديد الاضطراب قليلًا، فتكلّف ابتسامة و هو يمد يده مداعبًا خد الصغيرة :
-أهلًا أهلًا بالجميلة.. انتي حلوة أوي ما شاء الله. أنا اسمي مراد !
تعاطت معه بشكلٍ أذهله و هي ترد برقة متوّثبة في وقفتها :
-و أنا اسمي لمى سيف الدين حسن عزام.
أجفل “مراد” و لا زال يبتسم، أما “أدهم” فضحك بمرح ٍ :
-أهي قالت لك اسمها رباعي. كده تبقى حبتك و أخدت عليك خلاص.. مش كده يا لمى. عمو مراد طلع Nice !؟
اومأت الفتاة مرتين، فلم يقاومها “مراد” أكثر من ذلك و ضمها إلى حضنه متمتمًا :
-انتي إللي سكر و قمر خالص. إيه الحلاوة دي كلها بس.. جايباها منين ؟
الجواب كان عبارة عن صدرى يتردد بأعماقه، لكنه لن يجرؤ أبدًا على التفوّه به، لقد كان يرى فيها تلميحًا كبيرًا لأمها.. لحبيبته… “إيمان” !!!
*****
-يعني إيه مش هاتطلعي تسلمي على ابن خالتك. انتي اتجننتي يابت !؟؟؟
للمرة العاشرة حتى الآن تحاول “أمينة” عبثًا إقناع ابنتها بالعدول عن قرارها الأحمق غير المُبرر، و لكن “إيمان” لم تتزحزح من مكانها فوق الفراش، حيث مددت باسترخاءٍ غير مبالية …
-ماما ريحي نفسك. مش هاطلع !
ثارت “أمينة” بحنقٍ :
-طيب لـيه ؟ أفهم لــيه !!؟؟
تنهدت “إيمان” بعمقٍ و قامت نصف جالسة على مضضٍ، نظرت إلى أمها و قالت بهدوء :
-ماما. من الآخر.. انتي مُصممة ليه على خروجي من أوضتي عشان أسلم عليه ؟
أمينة ببلاهةٍ : يعني إيه مش فاهمة ؟ إيه السؤال ده !!
تململت “إيمان” بشيء من العصبية، و قالت من جديد :
-ماما.. أنا عارفاكي كويس. منغير لف و دوران. إللي في دماغك مش هايحصل.. مش معنى إنه إتزفت طلّق و أنا أرملة يبقى احنا مناسبين لبعض و إن دي فرصة.. لأ. مش هايحصل !
رمقتها “أمينة” بتعبيرٍ خاوي، ثم قالت عاقدة ذراعيها أمام صدرها :
-انتي يعني لسا باقية على عشرة المرحوم سيف. صحيح يا إيمان ناوية تكملي بقية عمرك منغير راجل ؟ هاتقدري يا إيمان !؟
إيمان بثقة : آه يا ماما هقدر. هقدر أوي كمان.
أمينة بسخرية : هه.. متهيألك. يابنتي انتي لسا شابة. في عز شبابك. لو مش إنهاردة بكرة هاتلاقي نفسك محتاجة راجل. هي دي طبيعتنا إللي خلقنا عليها ربنا. مش هاتقدري على الوحدة يابنتي طاوعيني !
تأففت “إيمان” بانفعالٍ :
-خلاص بقـى يا ماما. ماتضغطيش عليا من فضلك.. موضوع الارتباط ده ادّفن تحت الأرض مع سيف. انتهينا خلاص !!!
أغمضت “أمينة” عينيها بشدة متأسفة و حزينة ف ينفس الوقت على مآل حياة ابنتها، أطلقت نهدة حارة من صدرها، ثم مشت ناحيتها على مهلٍ، جلست قبالتها على طرف السرير، أمسكت بيديها و خاطبتها بلينٍ الآن :
-طيب يا إيمان. ماعنتش هاغصب عليكي.. بس عشان خاطري. من باب الذوق. اخرجي سلّمي على ابن خالتك و اقعدي معانا. ماتسوّديش وشي !
*****
قسرًا عنها، وجدت نفسها هكذا مجبرة على الالتقاء به مجددًا.. فقط نزولًا عند رغبة أمها ؛
أصرت “أمينة” على البقاء معها حتى ترتدي ثيابًا ملائمة، فاختارت “إيمان” عباءة منزلية داكنة الأوان على الطراز الخليجي، و وضعت حجابها، ثم آخر شيء.. عطرها المفضل “المِسك الأبيض”
نثرت منه بداخل جسمها، بحيث لا يتشممه سوى من يقترب منها كثيرًا أو من يضمها من محارمها، كأخيها و زوجته، أو حتى طفلتها، فهي تهوى الاهتمام بنفسها كثيرًا، حتى لو لم يكن من أجل رجل …
-السلام عليكم !
رأت تصلّب ظهره من مكانها، كانت تقف خلفه، على بعد خطواتٍ قليلة من السفرة، أمها بجانبها، بينما تراه ينهض واقفًا و يلتفت صوبها باسرع مِمّ تخيّلت، حبست أنفاسها فورًا، حين إلتقت نظراتيهما، و انتابتها نفس المشاعر.. كلها التي شعرت بها منذ رأته اليوم قبل ساعةٍ من الآن
التوتر، دفقات الأدرنالين، الخيّبة، الحب و الكراهية في آنٍ !!!!
-و عليكم السلام. إزيك يا إيمان !
حاول “مراد” أن يبدو طبيعيًا أمام خالته و ابن خالته، قدر استطاعته جاهد حتى يستطيع النظر في عينيها مباشرةً، إذ كان صعبًا، خاصةً أنه قرأ فيهما ما توقّعه تمامًا… الخذلان !
لا.. إنه لن يطيق هذا إن استمر أكثر
لن يطيقه مطلقًا …
كان يعرف بأنها لا تصافح، أو بمعنى أصح كان يعرف بأن للمنزل الذي يقف فيه قوانين صارمة، و أن النساء هنا حتى و إن كُنّ أقارب، لا يُمسسن بأيّ شكل !!
-إزيك انت يا مراد ! .. هتفت “إيمان” و هي تتقدّم نحو الجهة الأخرى المقابلة له فوق السفرة
رد عليها متجنبًا النظر إليها بأقصى ما يمكنه، و جلست هي بجوار أخيها، أخذت منه صغيرتها التي كانت تجلس على قدمه، جلست “أمينة” بدورها ثم بدأ الجميع بتناول العشاء …
-أمال سلاف فين يا أدهم !؟ .. تساءلت “إيمان” بعفوية هادئة
جاوبها “أدهم” و هو يلوّك قطعة خبز :
-فوق مع الولاد. هي كانت عاوزة تنزل تتعشّى معانا عشان تسلّم على مراد كمان. لكن عبد الرحمن حرارته عليت شوية ف قلت لها تقعد و تبقى تنزل بكرة ان شاء الله.
-ألف سلامة عليه يا أدهم ! .. تمتم “مراد” و هو يتظاهر بالانهماك في طعامه
بالكاد كان يبتلع بضعة لقيمات
و لحسن الحظ مرّت ساعة العشاء على خير، فقاما الرجلين و توجها إلى الشرفة البانورامية الإطلالة، و قد أوصى “أدهم شقيقته بصنع فنجانيّ قهوة له و لابن خالته.. و كم كان هذا ثقيلًا عليها
الشر ليس من شيمها، و لكن رغبة مُلحة داهمتها في أن تضع سُمًا بأحد الفناجين، إلا أنها سيطرت على وساوسها المجنونة بسرعة.. و بسرعة أيضًا أعدت الشاي ؛
ثم اتجهت ناحية الشرفة، و لا تعرف لماذا تملّكها الفضول لتقف، و تسترق السمع لحظة سماعها التالي :
-بس أنا محتاج أعرف تفاصيل أكتر يا مراد. ماتتكسفش و خليك صريح معايا أرجوك. عشان أقدر أفيدك !
بدا صوت الأخير مترددًا و هو يخبره :
-مش مكسوف يا أدهم.. بس مش عارف أشرحها لك إزاي. بص.. احنا في بداية جوازنا كنا زي الفل مع بعض. و كانت مبسوطة معايا و أنا كمان كنت مبسوط. يمكن في الأول كان عادي. بس شوية شوية بدأت أحبها بجد. تصدق من كتر حبي ليها كنت بتعامل معاها بحذر شديد. كنت شايفها ملاك. يعني غير كل إللي عرفتهم قبلها.. فاهمني !؟
-كمل !
-مع مرور الوقت بدأت تتغير. بقت متطلبة و جريئة.. فاجئتني بصراحة. ماكنتش مصدق إن عندها الميول دي. كنت فاكرها رومانسية زيادة بس و حاجات شبه كده. بس للأسف الوضع كان بيزداد سوء كل مرة. ماكنتش متقبل شخصيتها و أفكارها الجديدة. بالنسبة لي كانت صدمة.
-الطلاق حصل كام مرة ؟
-أول مرة اطلقنا لسبب تافه جدًا. بس الخناقة كانت جامدة. و قبل ما دماغك تروح لبعيد أنا عمري ما مديت إيدي عليها إلا انهاردة بس !
-و تاني مرة ؟
-دي كانت بسبب الإقامة في لندن. كانت مكتئبة فترة عشان بعيد عن أهلها و نفسها نرجع و نستقر في مصر بس أنا كنت متفق معاها قبل الجواز إن هي دي حياتي و مستقبلي و وافقت.. كانت مُصرّة ف طلّقتها. ساعتها أبوها جالنا على هناك و اتصالحنا.
-حصل طلاق للمرة التالتة يا مراد !؟
سكت صوته للحظاتٍ، ثم قال مراوغًا :
-مش فاكر يا أدهم !
-يعني إيه مش فاكر ؟ هي دي حاجة تتنسي.. ما تتكلم يا مراد !!
-يا أدهم صدقني من كتر الضغط مش فاكر أي حاجة.
-مش فاكر و لا مش عايز تقول !؟
-……….
-طيب الخلاف الأخير كان على إيه ؟
سكت صوته للمرة الثانية… ليقول بعد دقيقة كاملة بصوتٍ تثقله الغصّة :
-و احنا مع بعض.. انت فاهم يعني. غلطت و قالت اسمه. خدت أكبر قلم في حياتي ساعتها.. ماتتخيّلش حالتي كانت إزاي. كنت هاتجنن. ماحستش بنفسي غير و أنا قايم بحجز تذاكر الطيارة و مجرجرها من شعرها من لندن لحد بيت أهلها في اسكندرية.. رجعتها و جيت على هنا علطول !
-هممم.. طيب أنا هسألك السؤال الأهم دلوقتي. انت لسا بتحبها ؟
لم يتأخر ردّه بتاتًا هذه المرة :
-بحبها يا أدهم.. بحبها و مش قابل فكرة أنها ممكن تخونّي حتى و لو بقلبها. أنا حتى مش قادر أتخيّل إللي جاي من عمري منغيرها.. بحبها و عاوزها !!
كانت تبكي في الزاوية، بلا حسيب و لا رقيب.. حتى تفوّه بكلماته الأخيرة ؛
انقبض قلبها النازف منذ ما ينوف عن إثنى عشر سنة، الآن فقط أحسّت بقدر جريرتها، الآن فقط أدركت مدى غبائها و أنها أبخست بنفسها إلى الحضيض يوم وثقت به و سلّمته عِرضها …
أخذت الأرض تميد تحت قدميها، و بالكاد أبصرت أمها تقترب، قبل أن تراها تدور أمامها بفعل الدوخة التي أمسكت برأسها.. و كان آخر ما سمعته هو صراخ “أمينة” قبل أن تسقط مغشية ! ……………………………………………………..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اوصيك بقلبي عشقا ) اسم الرواية