رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الواحد و الاربعون 41
صاحت سهام بحدة :-
” ماذا تقول انت ..؟! انت تهذي بالتأكيد …”
عادت ليلى تجلس مكانها تتأملها بشماتة بينما أكملت سهام بنظرات حارقة :-
” انت تضعني أمام الأمر الواقع .. تمنحني ورقة سخيفة من المفترض إنها تضمن حق ولدي بينما كل شيء في الواقع يبقى تحت سيطرتك …”
هتف بهدوء مصطنع :-
” هذه الورقة ستضمن لك حقوقهما مستقبلا بعد عمر طويل .. وطوال حياتي أنا سأتولى مسؤوليتهما كاملة .. يعني سأقوم بكل واجباتي في حياتي وبعد مماتي سينالان حقوقهما كاملة .. ماذا تريدين أكثر من هذا ..؟!”
هتفت بنبرة طامعة :-
” أريد حقوقهما كاملة على أن تكون تحت تصرفي …”
” تحلمين ..!!”
قالها بصوت حازم قبل أن يضيف :
” انا لم أمت لعد لتطالبي بهذا ..”
رددت سهام هازئة :-
” وحتى لو مت .. لن تمنحني حق التحكم بأي شيء حتى يبلغان سن الشرد ..”
هتف مذهولا :-
” إذا أنت ما يهمك في الحقيقة هي الأملاك وليس ولديكِ ..”
نظرت ليلى الى والدها بشفقة بينما قالت سهام بإباء :-
” توقف يا أحمد .. انا أطالب بما هو حقي …”
نهض أحمد من مكانه فوقفت ليلى لا إراديا تنظر إليه بحذر وقلق من أن يحدث معه شيء سيء وهو الذي خرج لتوه من المشفى عندما سمعت والدها يقول :-
” لا حقوق لكِ عندي .. ”
أكمل بقوة وهيمنة :-
” الشيء الوحيد الذي ستنالينه مني مؤخر طلاقك ونفقتك .. ”
أضاف متحكما بكل شيء هذه المرة :-
” حتى ولدك لن تأخذينه بعد الآن والطفل القادم سآخذه منك حالما تلديه فمن مثلك لا تؤتمن على ولديَّ … ”
نظرت له ليلى بألم لا إرادي مفكرة في وضع الطفلين بينما قالت سهام ببرود :-
” جيد إنك ستمنحني حقوقي كاملة لكن ضع في بالك إنني لن أرضى بهذا .. سأحارب لأنال حقوق ولديَّ ومعهما حضانتهما …”
ضحك أحمد بخفة قبل أن يردد :-
” لا تكوني واثقة الى هذا الحد فأنت لا تعرفيني جيدا يا سهام .. انت لم ترِ حتى الآن سوى جانب معين مني .. يمكنني أن أُريكِ جوانب أخرى كثيرة أثق جيدا إنها ستصدمك ..”
صاحت ليلى فجأة بلا وعي :-
” توقفا أنتما الإثنان .. انا لا أصدق ما تفعلانه .. تتحدثان بهذه الطريقة وتتحديان بعضيكما متناسيين وجود طفل وحده من يتحمل نتائج هذه التصرفات وطفل أخر قادم في الطريق ..”
أكملت تشير إليها بنبرة حزينة مؤنبة :-
” يوجد طفلان بينكما … يجب أن تفكران بهما في كل خطوة تخطيانها وفي أي تصرف تقومان به …”
هدرت سهام بحدة :-
” والدك من فعل هذا .. لو كان يهتم لأمر طفليه لمنحني ما أريد وأنهى هذه المهزلة …”
أخذ أحمد نفسا عميقا يحاول السيطرة على غضبه بينما همست ليلى بنفور :-
” انت لا يمكن أن تكونِ أم … الأم لا تفعل هكذا .. لا تستغل أطفالها … لا تزيد عليهما …”
” وما أدراكِ أنتِ بالأمومة يا حلوتي ..؟! هل جربتها مسبقا وأنا لا أعلم..؟!”
قالتها سهام بتهكم لتهمس ليلى وهي ترمقها بإحتقار :
” لم أجربها بعد ولكنني رأيتها أمامي وأعرف قيمتها وأهميتها … أعرف إن الأم بحق هي من تفعل أي شيء كي تبقى بجانب أطفالها .. تحميهم وتفديهم بروحها إذا إقتضى الأمر .. أعرف جيدا إن الأم بحق هي من تفضل راحة وسعادة أطفالها على كل شيء وأولهم نفسها ..!!”
همت سهام بالرد لكن أحمد قال بجدية :-
” إنتهينا يا ليلى .. واحدة مثلها لن تفهم هذا .. هي لا تستحق أن تكون أم ..”
نظرت له سهام بحدة عندما قال مضيفا :-
” إنظري إلي .. سأعقد إتفاقا معك .. ”
تأملته ليلى بقلق بينما أكمل هو بهدوء :
” سأمنحك مبلغا ماليا ضخما يضمن لكِ حياة مرفهة حتى آخر عمرك ومعه عقد الفيلا بشرط أن تتنازلي عن حضانة الطفلين لي فأنا لا أريد لهما أن ينشئان مع أم مثلك …”
هزت ليلى رأسها برفض مفكرة بوضع الطفلين اللذين سوف ينشئان بدون أمهما بينما تأملته سهام بملامح جامدة عندما همست أخيرا تتسائل ببرود وقد أدركت إن جميع الطرق باتت مغلقة تماما في وجهها مثلما أدركت إنها خسرت طليقها الى الأبد فهو بات يعرفها جيدا وتمثيل البراءة ومحاولة كسب عطفه لن تجدي شيئا :-
” كم المبلغ …؟!”
جحظت عينا ليلى بعدم تصديق رغم إدراكها مدى حقارة تلك المرأة بوضوح عندما أخبرها أحمد بالمبلغ لتصمت سهام للحظات تدعي التفكير قبل أن تجيب أخيرا بحسم :-
” موافقة ..”
لم تتحمل ليلى الموقف أكثر فإندفعت خارج المكان بعصبية تاركة والدها يكمل أتفاقه مع زوجته ..!
اندفعت الى غرفة والدتها حيث كانت فاتن تجلس هناك منعزلة منذ وصول سهام لتنتفض من مكانها وهي تجد ليلى تتقدم نحوها ترتمي داخل أحضانها عندما إحتضنتها فاتن بقوة لتشهق ليلى باكية داخل أحضانها ..
ربتت فاتن على ظهرها وهي تشدد من إحتضانها تتسائل بقلق :-
” ماذا حدث يا ليلى ..؟! ماذا حدث يا إبنتي ..؟!”
كانت ليلى مستمرة في بكائها تفرغ من خلاله آلامها التي لا تنتهي .. المشاكل التي تحيطها من جميع الجوانب دون توقف ..
كانت تبكي الماضي ومعاناتها .. تبكي ما حدث بين والديها .. تبكي خوفها على شقيقتها من عمار وآلمها على ما حل بأخيها المسكين الذي لا يعي لشيء والآخر الذي لم يبصر النور بعد …
ظلت على هذه الوضعية بينما أخذت والدتها تهدهدها بحنان كطفلة صغيرة حيث أخذت تخفف عنها بالكلام الذي تبعته بقراءة آيات من القرآن الكريم حتى هدأت ليلى أخيرا بين أحضانها ..
بعد لحظات إبتعدت ليلى وهي تمسح وجهها بكفيها ثم تأخذ أنفاسها عدة مرات عندما إسترخت ملامحا أخيرا وقد ساعدتها نوبة البكاء العنيفة التي سيطرت عليها في التخفيف من ثقل روحها ..
سألتها والدتها وهي تربت على ذراعها بحنو وإهتمام :-
” ماذا حدث يا روحي..؟! ماذا يحدث معك يا ليلى ..؟!”
ردت ليلى بصوت مبحوح :-
” لا شيء …”
أكملت وهي تنظر الى والدتها بمقلتيها الحمراوين وهي تضيف بتروي :-
” انا فقط متعبة قليلا هذه الأيام ..”
قالت فاتن بجدية رغم قلقها :-
” أنتِ تضغطين على نفسك كثيرا يا ليلى والأسوء إنك لا تشاركين همومك وضغوطاتك أحد … تحدثي يا إبنتي .. أخبريني عما يحدث معك .. شاركينا همومك يا ليلى ..”
ربتت ليلى على كف والدتها تردد بإبتسامة مصطنعة :-
” انا بخير .. مشاكل بسيطة معتادة ليس إلا ..”
أضافت بعينين شاردتين :-
” ضغوطات الفترة السابقة ومع تبعها من مواجهة بابا مع طليقته قبل قليل فجرت الألم داخلي ..”
أضافت بعينين عادت الدموع تغزوهما :-
” سهام هذه بلا قلب يا ماما .. تخلت عن طفليها لأجل المال ..”
شحبت ملامح فاتن وهي تتسائل بعدم إستيعاب :
” ماذا تقولين يا ليلى ..؟! كيف يعني تخلت عن طفليها لأجل المال ..؟!”
شرحت لها ليلى :-
” لقد عرض بابا عليها مبلغا ماليا مقابل التنازل عن حضانة عبد الرحمن والطفل القادم وهي وافقت ..”
صاحت فاتن بعدم تصديق :-
” وكيف يفعل والدك شيء كهذا ..؟! ألم يفكر بطفليه ..؟! كيف يمكنهما العيش بدون والدتهما ..؟!”
قالت ليلى بسرعة:-
” لا تلوميه يا ماما .. هو مضطر لذلك وإذا وضعنا العواطف جانبا سنجد إن تصرفه هو الصحيح ..!”
همت فاتن بالتحدث عندما قاطعتها ليلى بجدية :-
” سأخبرك ما حدث قبل قليل وستتأكدين إن الحق مع بابا ..!”
ثم سردت لها ما حدث بين والدها وسهام حتى وصل الأمر الى هنا عندما زفرت والدتها أنفاسها بضيق وهي تردد :-
” لا أصدق ما يحدث ..”
أكملت بشفقة :-
” واقعيا كلاهما لا يهماني ولا يستحقان الشفقة .. فقط الطفل المسكين وأخيه القادم هم من يجعلاني أشفق عليهما وأتمنى لو لم ينتهي الوضع بين والدك وسهام بهذه الطريقة لأجل الصغيرين ليس إلا ..”
تمتمت ليلى بخفوت :-
” وانا مثلك يا ماما .. أشفق عليهما من مصيرهما القادم …!!”
أضافت وهي تهمس لوالدتها بحب :-
” شكرا لك يا ماما ..”
سألتها فاتن بإستغراب :-
” علام تشكرينني يا صغيرتي ..؟!”
ردت ليلى بإبتسامة شاحبة :-
” على كل شيء .. على أمومتك الرائعة وعطائك الذي لا ينتهي .. على حنانك الدائم ورعايتك المذهلة .. شكرا لك يا ماما .. شكرا لوجودك في حياتنا .. شكرا كثيرا ..”
ابتسمت فاتن بعينين دامعتين قبل أن تجذبها داخل أحضانها مجددا تضمها بحنو أمومي بالغ ..!
………………………………………………………………
أراد فراس أن ينتفض من مكانه ما إن سمع حديث شقيقه لكنه لم يستطع فهدر به :-
” انت جننت حتما .. أتزوج من ..؟! تلك العاهرة ..؟!”
قال فادي بجمود :-
” هي أصبحت عاهرة بسببك .. بسبب ما فعلته بشقيقتها المسكينة .. انت دمرتها تماما وجعلتها تلجئ لهذا الطريق ..”
ضحك فراس مرددا بعدم تصديق :-
” انت تدافع عنها ..”
هز فادي رأسه نفيا مؤكدا :-
” أبدا لم أفعل … هي أخطئت خطئا جسيما ولكن هذا لا يلغي حقيقة إنك سبب الخطأ الأساسي وليتك إكتفيت بهذا بل كدت أن تقتلها لذا عليك أن تدفع ثمن أخطاؤك وبعد تفكير طويل وجدت إن هذه الطريقة الوحيدة لذلك رغم إنها لن تغير من حقيقة ما فعلته بها وما تسببت به لها من آلام ومحاولة قتلك لها .. ”
” هذا جنون .. انا لن أتزوج منها وانت لا يمكنكِ أن تجبريني على ذلك ..”
قالها فراس بنبرة عصبيك ليرد فادي ببرود :-
” لا تراهن على ذلك فأنا أستطيع فعل ذلك وأكثر …”
ابتسم فراس ساخرا وقال :-
” حقا وكيف ستفعل ذلك يا سيادة المقدم ..؟!”
إبتسم فادي بنفس البرود وهو يقول :-
“لدي أكثر من طريقة يا فراس لكنني سأختصر الحديث .. ”
رمقه بنظرات ماكرة وهو يضيف بتمهل :-
” ذلك الفيديو ، هل تتذكره ..؟! ”
سأله فراس بتوجس :-
” أي فيديو ..؟!”
رد فادي بهدوء مغيظ :-
” الفيديو الذي صورته فرحة لك ..”
قال فراس بعدم إستيعاب :-
” لقد أخذته وحذفته وإنتهى أمره تماما ..”
إتسعت إبتسامة فادي وهو يقول :-
” صحيح نسيت أن أخبرك .. لقد إحتفظت بنسخة من الفيديو عندي … كنوع من الذكرى يعني ..”
قال جملته الأخيرة هازئا لينتفض فراس من مكانه فيتأوه ألما قبل أن يردد :-
” انت تكذب .. تهددني فقط .. انا أعلم هذا جيدا …”
” أبدا لا أفعل ..”
قالها فادي وأضاف وهو يخرج هاتفه من جيب بنطاله ويبحث عن الفيديو قبل أن يظهره فيقدمه نحو فراس الذي تأمله بعينين جاحظتين قبل أن يحاول الإنقضاض عليه وهو يصرخ بها :-
” لماذا إحتفظت به ..؟! لماذا ..؟!”
أكمل وهو يلتقط أنفاسه :-
“انت وعدتني …”
قاطعه فادي وهو يقبض على كتفيه بقسوة :-
” وانت وعدتني وخلفت وعدك .. هذا الفيديو ما كان ليرى النور لو لم تتصرف هكذا .. لو لم تخذلني يا شقيقي العزيز .. لكن لا بأس .. ستدفع ثمن اخطائك .. خطئا تلو الآخر ..”
هدر فراس من بين أسنانه :-
” لم تكتفِ بما فعلته بي .. لم تكفيك تلك الرصاصة التي ضربت بها قدمي …”
إبتعد فادي عنه يردد لاهثا :-
” كنت تستحقها …”
قال فراس ساخرا عن قصد :-
” نعم أستحقها .. طالما الأمر يتعلق بغالية هانم فأنا أستحق ذلك بل وأكثر ..”
” ماذا تقول انت ..؟!”
سأله فادي بعدم إستيعاب وغضبه يزداد من أخيه ..
” كنت تفعل هذا لأجلها …”
قالها فراس بتهكم ليصيح فادي محذرا :-
” ما هذا الهراء الذي تتفوه به ..؟! هل جننت ..؟!”
ضحك فراس دون مرح وهو يضيف متعمدا :-
” كانت خطيبتي يا فادي .. كنت تفكر بها وهي خطيبتي .. ”
أكمل وعيناه تقسو بنظرات جامدة :-
” كيف جرؤت على هذا ..؟! كيف سمحت لنفسك بهذا ..؟! تتحدث عن الإحترام والشرف وأنت كنت تفكر بخطيبتي يا هذا …”
أنهى جملته الأخيرة بإنفعال مكتوم ليتقدم فادي نحوه يقبض على ياقة قميصه مرددا بصياح :-
” إخرس يا فراس .. لو كنت في حالة غير هذه لما تركتك سليما ..”
هتف فراس بإستفزاز :-
” كلا لا تفعل .. قم بضربي لأجلها كما ضربتني بتلك الرصاصة لأجلها .. غالية هانم ..”
” توقف …”
قالها وهو يكز على أسنانه قبل أن يضيف بصوت قوي :-
” هذه الأفكار لا توجد سوى في رأسك القذر .. رأسك الذي يصور لك إن الجميع مثلك يا فراس .. غالية لا تعنيني بشيء … انا تصرفت معها كما تصرفت مع فرحة لكنك كالعادة لا ترى إلا ما يصوره لك عقلك المريض …”
” أنت وقفت في وجه شقيقك الأكبر لأجلها ..”
قالها فراس بحقد ليقاطعه فادي بحزم :-
” لأجل الحق .. لأجل الحق يا فراس ..!!”
قال فراس بسخرية باردة :-
” جيد .. إستمر على هذا المنوال ولا تنسى إنها كانت خطيبتي يا فادي كما لا تنسى أيضا إنها ليست هينة أبدا فالتي تتعامل مع عاهرة لأجل الإيقاع برجل وتبتزه بهذه الطريقة القذرة تمتلك من الجرأة ما يفوق التصور و لا يمكن أن تمنحها ثقتك أبدا لإن شخص مثلها يمكنك توقع منها أي تصرف مهما بلغت جرئته وقذارته .. ”
” يكفي حقا يا رجل .. انت بالذات لا يمكنك أن تتحدث عمن حولك بهذه الطريق وأنت بأكملك غارق في وحل من القذارة …”
قال فراس ببرود :-
” ومع هذا سأحذرك للمرة الأخيرة .. تلك الفتاة ليست هينة … لا تسمح لها أن تسيطر عليك ..”
هدر فادي بحزم :-
” أخبرتك إنه لا يوجد شيء بيننا ..”
ضحك فراس بخفة وقال :-
” سنرى .. سنرى يا شقيقي العزيز …”
رمقه فادي بنظرات محتقرة قبل أن يندفع خارج المكان يتابعه فراس بتوعد ..!!
………………………………………………………….
فتحت جينا الباب لتجد حياة أمامها بملامح جامدة كليا فتطلعت لها بقلق قبل أن تسألها :-
” هل أنت بخير ..؟!”
دلفت حياة الى الداخل وإتجهت نحو صالة الجلوس حيث رمت حقيبتها على الكنبة وجلست جانبها بنفس الملامح الجامدة تماما لتتقدم جينا نحوها وتجلس جانبها تسألها بإهتمام وتوجس :-
” ماذا حدث يا حياة ..؟! لماذا تبدين بهذا الشكل ..؟! ماذا حدث معك ..؟!”
همست حياة أخيرا بصوت متحشرج وعينين تشكلت الدموع بهما رغم جمودهما التام :-
” طلقني .. ”
” ماذا ..؟!”
هتفت جينا بعدم فهم :-
” ماذا تقولين ..؟! كيف يعني طلقكِ ..؟!”
إبتلعت حياة ريقها ثم قالت بصوت مبحوح :-
” انا ونديم تطلقنا يا جينا .. إنتهى كل شيء .. إنتهينا …”
ضمتها جينا وهي تردد بمواساة :-
” حسنا اهدئي .. يوجد حل لكل شيء ..”
قالت حياة بألم :-
” ألم تفهمي بعد يا جينا ..؟! نحن إنتهينا بالفعل هذه المرة ..!!”
همست جينا وهي تعانقها أكثر :-
” حياة من فضلك ..!!”
لكن حياة فاجئتها وهي تبتعد عنها قليلا تردد بجمود وثبات :-
” لكن هذا أفضل .. هذا ما كان سيحدث أساسا ..جيد ما حدث …”
نهضت من مكانها وقالت تستأذن جينا :-
” أريد أن أرتاح قليلا يا جينا ..”
قالت جينا بشفقة :-
” بالطبع حبيبتي .. خذي راحتك …”
تحركت حياة بآلية متجهة نحو الغرفة التي أعدتها جينا مسبقا لها ..
دخلت الى هناك وجلست على سريرها بتعب عندما خلعت حذائها ورفعت الغطاء لتتمدد بجسدها فوق السرير وترمي الغطاء بثقله فوقها …
شددت من ضم الغطاء نحوها وأغمضت عينيها تريد النوم لا غير ..
حاولت أن تنام دون فائدة فمشاعرها كانت تضغط عليها دون رحمة ..
مريج من الألم والحسرة والخيبة والقهر ..
كل شيء كان يضغط عليها والذكريات تغزوها دون رحمة ..
ذكرياتهما سويا بما فيها من حلو ومر ..
كلماته الأخيرة تتردد داخل رأسها فتتذكر نظرة الخيبة في عينيه .. خيبة كانت هي سببها هذه المرة فيتضاعف شعور القهر داخلها ..
لم تتحمل أكثر فهطلت دموعها بغزازة فوق وجنتيها ..
دموع حارة أغرقت وجهها وعقلها لا يكف عن التفكير بكل ما حدث …
لم تكن تريد هذا .. لم تكن ترغب بنهاية كهذه .
لم تكن تريد أن تؤذيه وتؤذي نفسها ..!!
كانت تبكيه وتبكي نفسها ..
كانت تتألم لأجله كما تتألم لأجلها ..!
تبكي وجعه كما تبكي وجعها …
تحاول أن تقنع نفسها إن هذا الأفضل له ولها فتعود وتتذكر نظراته وحديثه وخيبته فيزداد وجعها ويتضاعف بكائها ..
ظلت تبكي بصمت لأكثر من ساعة عندما شعرت بجينا تفتح الباب وتتقدم نحوها حيث أتت لتطمئن عليها لكنها فوجئت بها مستيقظة وهي تبكي بصمت ..
تقدمت نحوها وجلست جانبها على السرير تهمس بحزن :-
” حياة ارجوك لا تفعلي هذا …”
إزداد بكاء حياة وقد بدأت شهقاتها تعلو فقالت جينا بتوسل :-
” حبيبتي لا تفعلي هذا .. كل شيء سيتحسن …”
ثم حاولت جعلها تنهض من نومتها فإعتدلت حياتها في جلستها ليظهر وجهها كاملا مغطى بالدموع ..
” اهدئي يا حياة ..!”
مسحت حياة وجهها بكفيها عندما تحدثت أخيرا بنبرة مرتجفة :-
” انا اتألم يا جينا .. لا يمكنني تحمل ما حدث …”
أضافت تكتم شهقاتها :-
” أشعر بألم شديد في قلبي يا جينا .. ألم لا يمكن تحمله ..”
همست جينا وهي تردد :-
” طالما تحبينه لهذه الدرجة ، لماذا تركتيه ..؟!”
أجابت حياة بصوت باكي متقطع :
” لإنني لا يمكنني الإستمرار هكذا .. دون مشاعر .. دون حب .. لا يمكنني أن أبني آمالا كاذبة بإنه سيحبني يوما وهو لن يفعل أبدا .. أستجدي المشاعر دون فائدة ..”
أضافت وهي تحدث نفسها ويبدو إنها نست جينا تماما حيث تحدثت بالعربية التي لا تفهما الأخيرة :-
” هو لم يحبني ولن يفعل .. انا مجرد دواء لمشاعره .. مجرد تخدير لا أكثر .. مشاعره لم تتحرك نحوي يوما .. مهما حاولت ومهما فعلت لن أنجح في ربح قلبه .. هو لن يحبني أبدا … ”
أضافت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة :-
” لكن لا بأس .. سأنساه .. هو ليس أول شخص لم يستطع أن يحبني .. هاهي والدتي لم تحبني يوما ومع هذا تجاوزتها وتجاوزت ما إقترفته بحقي .. لن يكون ألم خسارته أكبر من ألم خسارة والدتي ..!!”
كانت جينا تتابعها بحزن عندما إستدارت حياة نحوها وهي تردد وقد تذكرت وجودها :
” لقد إنتهى كل شيء .. حدث ما كان يجب أن يحدث … هكذا فقط …”
أكملت بعدما أخذت نفسا طويلا :-
” يجب أن أتقبل الحقيقة كما هي فأنا أساسا من سعيت لهذا ..”
” ستكونين بخير .. لا تقلقي ..”
قالتها جينت بدعم لتبتسم حياة بحزن وهي تقول بثبات مصطنع :-
” أساسا أنا بخير .. بخير تماما ..”
أنهت كلماتها لتعاود دموعها التساقط فتجذبها جينا نحوها تعانقها بزن لتنهار حياة باكية بين أحضانها مجددا ..
بقيت على هذه الحال لفترة حتى هدأت قليلا فأخذت نفسها ثم قالت تشير الى جينا :
” يجب أن أتخطى ما حدث وأفكر بما هو قادم ..”
سألتها جينا بتوجس :-
” ماذا تعنين ..؟!”
ردت حياة بجدية :-
” لا داعي لبقائي هنا بعد الآن .. يجب أن أعود من حيث أتيت ..”
” ولكنكٍ بدأت دراستك هنا بالفعل .. ”
قالتها جينا بجدية لتقول حياة بصوت مرهق :-
” سأكملها هناك ..”
أضافت بصوت حاسم :-
” يجب أن أعود الى البلاد في أقرب وقت حتى لو إضطررت لتأجيل هذه السنة الدراسية بأكملها..”
……………………………………………………
دلف الى شقته بعدما قضى عدة ساعات في الخارج يتجول في سيارته دون وجهة محددة ..
عقله تعب من كثرة التفكير فلم يتوقف لحظة واحدة عن التفكير بما حدث وكيف آلت الأمور بينهما وإنتهيا بهذه الطريقة ..!!
كان يشعر بخليط من مشاعر الغضب والألم والخيبة والضياع ..
الإختناق طغى عليه كليا خاصة عندما عاد الى شقته فشعر بألم حاد يخنق روحه دون هوادة وهو يتأمل الشقة الفارغة وقد إستوعب حقيقة إنه وحيدا بها دونها ..
ورغم ذكرياتهما القليلة هنا ورغم إنهما لم يبقيا هنا سوى مدة قصيرة لكنه شعر بروحها تتجسد في جميع الأماكن ورائحتها تسيطر على المكان ولمستها في كل تفصيلة …
أغمض عينيه بتعب قبل أن يفتحها ويلقي مفاتيحه فوق الطاولة بإهمال يتبعه بهاتفه عندما توجه بجسد مرهق نحو غرفته …
دلف الى داخل غرفته وهوى بجسده فوق السرير ورغما عنه عاد يفكر بها .. بكل شيء .. بذكرياتهما القليلة سويا … بكل لحظة تشاركها .. بكل حديث دار بينهما .. بكل وجع تقاسماه .. !
لماذا فعلت هذا ..؟! لماذا تركته ..؟!
عاد يسأل نفسه مرارا فلا يجد إجابة واضحة ..
لإنه لم يحبها …؟! وهل الحب مهما لهذه الدرجة ..؟!
هل صور لها عقلها إن الحب أساس نجاحهما سويا وإنهما بدونه لن ينجحا أبدا ولن يستطيعان الإستمرار ..؟!
هذا تصور سخيف لكنه لا يلومها بشكل مطلق ..
فهي تتصرف بهذه الطريقة لإنها لم تعش ما عاشه ..
لم ترَ الحب بصورته الحقيقة ..
حقيقته التي لا تشبه ما يتصوره الناس عنه ..
الحب ليس كما تعتقد هي .. هو ليس منبع السعادة وليس أساس الحياة والعلاقة الزوجية ..
هي لن تفهم هذا ولكنه يفهم ذلك ..
ما جمعه بها ليس الحب وهذا بحد ذاته كان سيكون كافيا لبناء علاقة حقيقية متينة لا تعتمد على المشاعر فقط .. المشاعر التي تؤذيك أكثر مما تسعدك ..!!
لكنها لم تفهم هذا ولن تفعل ..
عقلها يفكر بطريقة واحدة فقط ..
لديها إعتقاد راسخ داخلها إن الحب هو أساس كل شيء وبدونه لا يكتمل أي شيء ..
إعتقاد سخيف فما بينه وبينها ليس حبا ولكنه مهما وعميق ..
ما يجمعهما أشياء كثيرة ربما أعمق من الحب حتى ..
ليتها تفهم إن روحه تعلقت بها وإن وجودها في حياته جاء ليملأ تلك القطعة الناقصة في حياته ..
هي بإختصار نصفه الثاني الذي يكتمل به كل شيء وتتوازن به مشاعره وروحه ويرتاح كيانه كليا ..
ليتها فقط تدرك هذا .. ليتها تستوعب هذا ..
إعتدل بجسده يستند على السريز خلفه وهو يمسح وجهه بكفيه لينظر نحو السقف بعينين غائرتين قبل أن يتمتم بضياع :-
” يا إلهي .. متى سينتهي كل هذا .. ؟! متى سأجد راحتي المنشودة ..؟! متى سأصل الى سلامي النفسي ..؟!”
تسائل مرارا دون رد ..
عادت الذكريات تغزوه .. ذكريات تجمع بين ماضيه وحاضره ..
عاد عدة سنوات الى الوراء ..
عندما كان شابا يافعا مليئا بالحياة ..
تذكر كيف كانت تسير حياته بشكل مثالي ..
كل شيء يسير بالشكل الذي يريده …
كل شيء كان مثاليا ..
تذكر حبه لليلى .. مشاعره القوية نحوها .. حبه الصادق لها ..
تذكر ما تشاركه معها من حب ومشاعر صادقة بدأت منذ المراهقة ..
تذكر نجاحه وتفوقه في دراسته ثم عمله ..
مدى التقدم الذي حققه في كل خطوة كان يخطيها ..
تذكر كل شيء حتى وصل الى ذلك التاريخ عندما لم يعد أي شيء كما كان ..
عندما تلقى تلك التهمة الشنيعة وألقي في السجن لسنوات ..
تذكر ضعفه وألمه حينها ..
تذكر زواج محبوبته من أخيه ..
تذكر عذاب الحب الذي حطم قلبه بل كيانه كاملا ..
رجولته تحطمت كليا بزواج ليلى من عمار الذي لم يكتفِ بتحطيم مستقبله ..
تذكر إنكساره وخذلانه …
تذكر كيف تحول الى شخص آخر محطم تماما بارد القلب والمشاعر مليء بالندوب التي لا تشفى ..
تذكر ما تلى ذلك من خروجه من السجن ومعاناته وعذابه وشعوره بالضياع التام رغم وجوده وسط عائلته وأصدقائه ..
كل شيء بدا حوله مظلما تماما حينها حتى دخلت هي حياته وأرغمته على الخروج من قوقعته ..
يوما تلو الآخر كان يتعلق بوجودها في حياته …
يوما تلو الآخر كان يغرق معها تماما فينسى كل شيء عداها ..
هي وحدها من إخترقت ظلامه ..
هي وحدها من منحت روحه المشتعلة السكينة وهي وحدها من منحته الحياة التي ظن إنه فقدها دوم رجعة ..
لكنها خذلته .. مرة تلو الآخرى .. خذلته مرارا ولم ترأف بحاله .. خذلته دون تردد .. خذلته كما فعل الكثير من قبلها …!
شعر بالدموع تملأ عينيه لا إراديا مفكرا إن خذلانها هي بالذات كان أصعب ما يكون والأصعب منه هو أن يطلقها ..
لكنه لم يجد حلا آخرا ..
ليس بعد كل ما فعلته …
ليس بعدما أذته مرارا وتكرارا ..
كان لا بد أن ينهي هذه المهزلة ..
لا بد أن يمنحها حريتها وهي التي بدت مقيدة تماما معه .. تدعي السعادة كذبا .. تفقد روحها وحيويتها مع مرور الأيام .. !!
هو لم يخطأ في تصرفه .. كان لا بد أن يحررها ويحرر نفسه … هكذا أفضل .. أفضل لكليهما ..
أخبر نفسه بذلك قبل أن يتأمل السرير فيتذكر وجودها بين أحضانه في الليالي الأخيرة فيختنق حلقه بوجع عندما نهض من فوق سريره وإتجه خارجا ..
جلس على الكنبة وحمل هاتفه عندما وجد عدة رسائل أتته من كنان …
تجاهلها كليا قبل أن يحسم أمره وهو يجري إتصالا يحجز تذكرة طيارة له فهو قرر العودة الى البلاد ومواجهة خصمه بنفسه …
لا فائدة من بقاءه هنا بعد مغادر حياة حياته ..
سيعود مجددا وهذه المرة سينال حقه بيده حتى لو كلفه ذلك حياته بأكملها ..
…………………………………………………………
في صباح اليوم التالي ..
كانت تقف أمام المرآة تضع اللمسات الأخيرة على هيئتها إستعدادا لمغادرة المنزل متوجهة الى الشركة التي غابت عنها البارحة …
إنتهت من إعداد نفسها عندما سمعت صوت طرقات على باب الغرفة يتبعها دخول مريم التي ألقت تحية الصباح قبل أن تتسائل بسرعة :-
” صحيح ما سمعته يا ليلى ..؟! بابا سيمنح سهام تلك مبلغا ضخما مقابل التنازل عن حضانة الطفلين ..؟!”
إلتفتت ليلى نحوها تتأملها عن قرب قبل أن تهز رأسها بصمت مؤكدة صحة ما سمعته لتتقدم مريم نحوها وهي تسألها مجددا :-
” وهل برأيك ستبتعد عن حياتنا نهائيا بعدها أم ستعود بعد فترة و …”
قاطعتها ليلى بجدية :-
” أظن إنها ستفعل ولكن ليس هذا ما يهمني الآن ..!”
سألتها مريم بإهتمام :
” ومالذي يهمك إذا …؟!”
ردت ليلى بتفكير :-
” من أين سيأتي بابا بهذا المبلغ الضخم ونحن نمر في أزمة مالية شديدة هذه الفترة ..؟!”
تمتمت مريم :-
” لم أفكر بهذه النقطة في الحقيقة ولكن انتِ معك حق ..”
عادت ليلى تتأمل ملابسها البيتية فتسألها :-
” ألن تذهبي الى الجامعة اليوم ..؟!”
ردت مريم بلا مبالاة :-
” كلا فلا يوجد لدينا شيء مهم ..”
قالت ليلى بعدم رضا :-
” الدراسة بدأت منذ شهر تقربين وانتِ ما زلت تراوحين في نفس مكانك ولم أركِ تذهبين الى جامعتك حتى اليوم ..!”
قالت مريم بسرعة كاذبة :-
” أبدا والله .. انا ذهبت عدة مرات لكن لا يوجد دوام فعلي .. ”
أضافت تمازحها :-
” كما إنهم لا يحاسبوننا على غيابنا المستمر .. في النهاية هم يريدون المال فقط وأي شيء غيره ليس مهما …”
” وهل انت سعيدة بذلك ..؟! ثانيا حسب علمي فإن جامعتك صارمة نوعا ما رغم كونها جامعة خاصة وحتى لو لم تكن كذلك فأنتِ يجب أن تهتمي بدراستك يا مريم أم تريدين أن ترسبي في نصف المواد ككل علم وتأخذي مادتين معك الى المرحلة التي بعدها .. لا تنسي إنك في المرحلة الأخيرة وهذا الوضع لم يعد مقبولا .. نحن ننتظر تخرجك بسلام لا رسوبك مجددا ..”
ظهر الضيق على ملامح مريم التي هتفت بإنزعاج :-
” فهمت ..”
ثم همت بالتحرك خارج الغرفة عندما أوقفتها ليلى تردد بحزم :-
” لم أنتهِ من حديثي بعد ..!”
إستدارت مريم نحوها ترمقها بنظرات حانقة لتسألها ليلى بنبرة جافة :-
” هل هناك ما يحدث معك ولا علم لنا به ..؟!”
أخفت مريم التوتر الذي سيطر عليها بمهارة وهي تهز كتفيها مجيبة :-
” ماذا سيحدث معي مثلا ..؟! لا يوجد أي شيء ولو كان هناك لأخبرتكم بالتأكيد .. على الأقل كنت سأخبرك انت ..”
تقدمت ليلى نحوها ووقفت أمامها تمنحها نظرات هادئة لكن قوية وهي تهمس لها :-
” أتمنى ألا يكون هنا ما لا أعرفه .. أتمنى ألا تصدميني يوما بك وبتصرفاتك .. ”
سألتها مريم بتردد :-
” لماذا تقولين هذا الآن ..؟!”
أخذت ليلى نفسا عميقا ثم قالت :-
” مجرد تنبيه … انا أخشى عليك يا مريم … اتمنى أن تحكمي عقلك جيدا ولا تتصرفي بطريقة تجلب المشاكل لكِ ولنا أيضا .. لا أنا ولا ماما ولا حتى بابا سنتحمل مصيبة جديدة تقع فوق رؤوسنا .. لقد إكتفينا حقا يا مريم ..”
هدرت مريم بإنفعال ؛
” مالذي تقولينه انتِ ..؟! منذ متى وأصبحت مصدرا للمصائب لكم ..؟! اطمئني يا ليلى .. لن أفعل أي شيء يزعجكم ولن أرتكب أي مصيبة كما طلبتِ …”
تمتمت ليلى بتمهل :-
” أتمنى ذلك حقا يا مريم .. رغم كل شيء أنا أثق بك فلا تخذليني من فضلك ..”
تقاطعت نظراتها بنظرات شقيقتها التي إرتبكت كليا فإبتسمت لها ليلى بتصنع قبل أن تغادر الغرفة متجهة الى الطابق السفلي لتجد والدتها تجلس في صالة الجلوس تحمل بيدها كوبا من القهوة وتبدو شاردة لأبعد مدى …
” صباح الخير ..”
قالتها ليلى وهي تبتسم برقة لتنظر إليها والدتها وقد أيقظتها تحيتها من شرودها فتبادلها إبتسامتها وهي ترد تحيتها قبل أن تسألها بعدها :-
” كيف أصبحت اليوم ..؟!”
ردت.ليلى بخفة :-
” بخير جدا .. لا تقلقي …”
عادت فاتن تسألها وهي تضع الكوب على الطاولة أمامها :-
” إلى أين ستذهبين … ؟!”
ردت ليلى على الفور :-
” الى الشركة …”
أضافت تسألها هي هذه المرة :-
” تبدين لست بخير … هل هناك مشكلة ما ..؟!”
قالت فاتن بجدية :-
” ليست مشكلة … انا فقط أفكر بما هو قادم …”
قالت ليلى على الفور :-
” تتحدثين عن قرار الطلاق الذي أجلتيه بعدما أصاب والدي …”
هزت فاتن رأسها وهي تضيف :-
” نعم هذا وغيره أيضا .. ”
قالت ليلى بدعم صادق رغم ضيقها الداخلي من فكرة إنفصال والديها :-
” انا معك في أي قرار تتخذينه .. المهم أن تكوني سعيدة ومرتاحة ..”
قالت فاتن بصدق :-
” أعلم ذلك عزيزي .. لكن القرار ليس هينا كما يعتقد الجميع .. الطلاق بعد سنوات وأنت وشقيقتك في هذا العمر تبدو صعبة جدا وغير مقبولة ومسامحة والدك أصعب بكثير .. انا حقا لا أعرف ماذا أفعل .. منذ أن إستقر وضع أحمد وعاد الى هنا وبدأت أفكر .. وفي كل مرة لا أصل الى قرار نهائي .. أفكر في الطلاق وتبعاته .. لا أهتم لنفسي ومظهري ولكن انت وشقيقتك جل ما يهمني .. لن أتحمل ما ستتعرضان له من أحاديث ومضايقات وأشياء كثيرة في مجتمعنا الغبي و …”
قاطعتها ليلى بجدية :-
” انت قلتيها .. مجتمع غبي وانت لست مجبرة لأن تضغطي على نفسك فقط لأجل إرضاء المجتمع .. لست اول من تتطلق من زوجها يا ماما .. ها أنا أمامك .. مطلقة أيضا والله وحده يعلم ما يقولنه عني وراء ظهري وكيف ينظرون إلي ..”
قالت فاتن بسرعة :-
” وضعك يختلف عن وضعي يا ليلى .. انت ما زلت صغيرة وأمر طلاقك وارد .. نعم سيتحدثون عنك لكن ليس بقدر ما سيفعلونه معي .. فكرة طلاقي بعد تسعة وعشرين عاما من الزواج تبدو صادمة كما إن الأمر لا يتعلق بي .. لو كان الأمر يتوقف علي فقط لتطلقت دون تفكير ولكن أنت ومريم … أنتما في عمر سيجعل الطلاق صعبا جدا ونظرة المجتمع لكما ستؤذيكما .. أنتما في سن حرج يصعب فيه تقبل إنفصال الأبوين … هل تفهمينني يا ليلى ..؟!”
هزت ليلى رأسها بإيجاب مرددة :-
” أفهمك بالطبع … ولكن انا فقط أخبرك ألا تفكري بنا وتضغطي على نفسك لأجلنا … مهما حدث فأنا ومريم نستطيع تدبير أمورنا ..”
همست فاتن بضعف :-
” أعلم إنكما تحاولان التخفيف عني .. لا تريدان أن تكونان سببا في ترددي أو تراجعي مجبرة … ”
صمتت ليلى ولم ترد بينما أخذت فاتن نفسا عميقا قبل أن تقول وهي تصطنع إبتسامة هادئة :-
” حسنا حبيبتي .. إذهبي انتِ الى الشركة .. لا أريد تعطيلك أكثر …”
تقدمت ليلى نحوها وضمتها برفق تهمس لها :-
” تذكري إنني دائما هنا جانبك ومعك في جميع قراراتك …!”
………………………………………………………….
هبطت من غرفتها متجهة الى خارج الفيلا عندما سمعت والدتها تنادي عليها فإلتفتت تبتسم لها بعذوبة لتسألها صباح :-
” إلى أين تذهبين يا غالية ..؟!”
ردت غالية بخفة :-
” الى الشركة …”
أكملت بجدية :-
” يجب أن أباشر عملي ..”
قالت صباح بقلق :-
” حبيبتي انتِ ما زلت تحتاجين الى الراحة ..”
تغضن حبين غالية وهي ترد :-
” انا بخير يا ماما .. لا تقلقي ..”
أكملت وهي تتقدم نحوها وتقبلها من وجنتيها :-
” انا بخير .. لا تقلقي .. ابنتك قوية يا ماما .. لا شيء يمكن أن يكسرها .. اطمئني …”
ربتت صباح على وجنتها تردد بحب :-
” ابنتي الشجاعة .. حماكِ الله وحفظكِ لي ..”
غادرت غالية الفيلا حيث ركبت سيارتها مقررة التوجه إليه ..
كانت ترددت كثيرا طوال ليلة البارحة في أمر الذهاب إليه وشكره على ما فعله لأجلها فهو أنقذها من مصيبة حتمية بل وضرب أخيه بالرصاص بسببها ..
ظلت مترددة حتى حسمت أمرها أخيرا وقررت التوجه نحوه صباح اليوم وشكره وأخذ هدية معها له كتعبير عن إمتنانها ..
أخذت تفكر في هدية مناسبة تهديها لحضرة الضابط المغرور أثناء قيادتها سيارتها قبل أن تلمع عينيها بمكر وتبتسم بشكل رائق وهي تتوجه نحو أحد أشهر متاجر الورود …
إشترت باقة ورد مميزة بلون ورودها الصفراء ثم غادرت المتجر متوجهة حيث مكان عمله ..
دلفت الى مركز الشرطة فتوجهت جميع الإنظار لها كالعادة خاصة مع باقة الورد التي تحملها ..
سارت بثقة حيث مكتبه عندما توقفت جانبه وهي تسمع صوت صياحه على أحد المتهمين فتراجعت قليلا تسمع حديثه الغاضب حتى طلب من الضابط أن يذهب به الى السجن مجددا ..
تأملت الورود بخفة وهي تتخيل ردة فعله على هذه الهدية المختلفة عندما تقدمت بثقة نحوه حيث دلفت الى مكتبه وهي تردد بإبتسامة هادئة :-
” صباح الخير ..”
نظر لها بعدم إستيعاب متأملا إبتسامتها الرائقة بملامحها التي بدت فائقة الحيوية والجمال ثم طلتها شديدة الأناقة كالعادة ..
كانت أنيقة بشكل مبهر وجميلة بشكل مرهق …
سارت نحوه تتهادى بخطواتها الأنيقة المعتادة وتنورتها الأنيقة المنفوشة قليلا تحيط ساقيها بأنوثة فائقه خاصة بلونها الأزرق الجذاب بينما القميص العلوي بلونه الزهري يمنحها طلة شديدة الرقي والأناقة ..!
مدت يدها بباقة الورد نحوه وهي تبتسم برقة..
” ما هذا الآن ..؟!”
سألها وهو يطالع باقة الورد بإستغراب لتجيب ببساطة :-
” ورد .. إشتريته لك .. تعبير بسيط عن إمتناني لما فعلته لأجلي وإنقاذي من مصيبة كبيرة كادت أن تحل بي …”
رفع حاجبه مرددا بعدم تصديق :-
” ورد ..!! تهديني وردا ..”
أضاف وهو يتأمل المكتب حوله :-
” ورد وهنا ..!! في مركز الشرطة ..”
وكأنه إستوعب أخيرا مكان وجودهما فهدر بإنفعال وهو الذي لم يفهم بعد لماذا تصر القدوم الى مقر عمله :-
” ألم أخبرك مسبقا ألا تأتي هنا …؟! ألم أحذرك من ذلك ..؟! ماذا تفعلين هنا يا غالية ولماذا تصرين على عنادك معي ..؟!”
تجمدت ملامحها وهي ترد بقوة وثبات :-
” عفوا ..!! أعاند من ..؟! من أنت أساسا لأعاندك ..؟! أنت لا تهمني يا سيادة المقدم كي أفكر في معاندتك ..”
أكملت وعيناها تتشدقان بكبرياء:-
” ثانيا انت لست وصي علي لتتحكم بتصرفاتي .. انا حرة فيما أفعله .. آتي الى مركز الشرطة أو أذهب الى السجن حتى .. أنا حرة وأنت لا يحق لك أن تمنعني من القدوم هنا فحسب علمي هذا المكان عام ومفتوح للجميع …”
ردد ساخرا :-
” كما تشائين يا آنسة غالية .. تعالي هنا يوميا بل يمكنك المبيت أيضا إذا أردت ..”
توقف عن حديثه عندما وجد أحد الجنود يدخل وهو يجر خلفه رجلا وجهه مليء بالكدمات ورأسه يحوي جرحا كبيرا غائرا فتأملته غالية بقلق عندما قال الجندي ببساطة وهو معتاد على أمور كهذه :-
” هذا الرجل ضربته زوجته ضربا مبرحا يا سيادة المقدم بعدما جمعت أخواتها ليساعدنها في ذلك ..”
شهقت غالية لا إراديا وهي تستدير نحوه ليبتسم ببرود مغيظ وهو يردد بمكر :-
” هاته يا سليم وإطلب للهانم فنجانا من القهوة الثقيلة فليلتها طويلة معنا ولا تنسى أن تجلب الرجل الذي شنق زوجته بعدما حرق جسدها كاملا كي نكمل التحقيق معه ..”
رمقته بنظرات حادة وهي تردد ببرود مصطنع :-
” عادي جدا .. انا لا أخاف أساسا …”
أشار فادي لسليم :-
” خذ الرجل الآن يا سليم وهاته بعد قليل عندما أطلب منك فلدي حديث مهم مع الهانم …”
خرج سليم ومعه الرجل عندما تقدم نحوها يردد بمكر :-
” لا تخافين إذا ..”
قالت بكبرياء :-
” نعم لا أخاف .. أساسا لمَ سأخاف ..؟! هذه قضايا عادية نراها دائما في التلفزيون والمجلات .. ”
أكملت تثرثر بعفوية :-
” هل تعلم كنت سأصبح محامية ..؟! نعم لا تستغرب هذا .. كنت أميل إلى دراسة القانون لكنني غيرت رأيي فجأة ودرست هندسة الحاسوب .. لو كنت درست القانون وأصبحت محامية لكنت تعاملت مع حالات كهذه بإستمرار ..”
قال ساخرا :-
” حينها كان سيكون لديكِ سببا كافيا لمجيئك الى مركز الشرطة بإستمرار ..”
رمقته بنظرات باردة وهي تقول :-
” انا من حقي أن آتي هنا متى ما أرادت .. الشرطة في خدمة الشعب دائما .. لا تنسى هذا يا حضرة الضابط..”
سأل فادي مراوغا :-
” حسنا أيها الشعب .. ما هي الخدمة التي تحتاجها من الشرطة هذه المرة ..؟!”
ردت بدلال عفوي :-
” الشعب لا يريد خدمة هذه المرة .. الشعب يريد أن يشكر الشرطة فقط….”
إبتلع ريقه لا إراديا وقد إضطربت نبضات قلبه بسخافة بينما قدمت هي باقة الورد له مجددا فأخذها بصمت عندما قالت وهي تشير إليه :-
” شكرا مجددا .. ”
همت بالمغادرة ليوقفها مغمغما :-
” لا داعي لأن تشكرينني ..”
أكمل بجدية :-
” أساسا أنا يجب أن أعتذر منك على ما فعله فراس بكِ والذي كنت سببا فيه …”
إلتفتت نحوه تردد بإبتسامة هادئة :-
” إعتذارك وصل من خلال ما فعلته ذلك اليوم .. أنت أنقذتني يا فادي وهذا يكفي ..”
تقدم نحوها بعدما وضع باقة الورد على المكتب جانبا وقال :-
” حتى لو .. يجب أن أعتذر مجددا .. ”
أكمل وهو يتأملها بتمهل :-
” ولكن إعتذاري سيكون مختلفا قليلا ..”
عقدت حاجبيها تتسائل بإستغراب :
” كيف يعني ..؟!”
قال بجدية :-
” إذا دعوتكِ على العشاء كطريقة للإعتذار ، هل ستوافقين ..؟!”
نظرت له بتردد فشعرت بقلبها يضغط عليها بقوة أن توافق بينما عقلها يخبرها أن ترفض وتهرب ..
وبين قلبها وعقلها كانت الغلبة لقلبها الذي جعل لسانها ينطق بلا وعي :-
” موافقة …”
غادرت بعدها المكان يتابعها هو بعينيه عندما عاد نحو مكتبه عندما حمل باقة الورد يتأملها بعينيه بينما عاد عقله يعمل ويخبره إنه مخطئ ..
لم يكن عليه دعوتها على العشاء ولا تبادل الأحاديث معها بهذه الراحة .. لم يكن عليه فعل هذا كله ..
ما كان عليه أن يتصرف بهذه الطريقة ويسمح لها أن تتغلغل داخله بهذه الطريقة ..
نهر نفسه بقوة مخبرا إياها إنها مجرد شخص عادي ..
شخص جمعته به الظروف وحالما ستنتهي تلك الظروف سيخرج من حياته كما دخلها ..!
………………………………………………………..
كان يسير داخل مكتبه يجري إتصالا مع أحد رجاله الذي يخبره إن فراس لا آثر له لا في شركته ولا منزله ..
آمره أن يبحث عنه في كل مكان قبل أن يغلق الهاتف وهو يتمتم بتوعد :-
” أين ستهرب مثلا .. ؟! سأجدك يا فراس وحينها لن يرحمني أي شخص منك …!”
دلفت سكرتيرته تخبره عن وجود ليلى في الخارج ليتمتم بينه وبين نفسه :-
” هذا ما كان ينقصني .. ليلى هانم ..!!”
طلب منها أن يدخلها لتدلف ليلى الى الداخل وتتقدم نحوه وهي تردد بفتور :-
” صباح الخير .. أتمنى ألا يكون لديك عمل عام سأشغلك عنه ..”
ردد بتهكم :-
” حتى لو كان لدي مئة عمل ، أترك جميع أعمالي لأجلك يا لولا … ”
رمقته بنظرات حانقة قبل أن تتقدم نحو مكتبه حيث تجلس على الكرسي المقابل لكرسيه وتضع حقيبتها على الطاولة أمامها فيتبعها هو متجه نحو مكتبه بدوره ويجلس على كرسيه في مقدمة المكتب ..
سألها :-
” ماذا تشربين ..؟!”
ردت ببرود :-
” لا أريد شيئا .. لم آت هنا لأشرب ..”
سألها ببرود :-
” لماذا أتيت إذا ..؟!”
ردت بهدوء مصطنع :-
” لأتحدث معك بأمر الشيكات .. أريد أن نصل الى إتفاق معين بخصوصنا ..”
قال وهو يعود الى الخلف بجسده :-
” انت قلتِ إنك ستعملين على تسديد تلك الشيكات من خلال أرباح الشركة …”
” حسنا .. أريد منك أن تساعدني في ذلك …”
” كيف يعني ..؟؟”
سألها مستغربا لترد بتروي :-
” سنعمل سويا … ”
إستخري في جلسته مرددا بسخرية :-
” ليلى هانم سليمان ستضع يدها في يد مجرم حقير مثلي …”
منحته نظرات هادئة تماما وهي تردد :-
” للأسف سأفعل خاصة عندما أُدرك إن المجرمين أمثالك هم من يمنحونا ما نريده ويحققون غاياتنا ..”
تقدم بجسده نحوها يتسائل :-
” هل تخليت عن مثاليتك فجأة يا ليلى ..؟!”
رد وهي تزفر نفسا بطيئا :-
” ليس تماما .. لكنني قررت وضعها جانبا لإنها واقعيا لن تفيدني .. ”
ضحك مرددا بعدم تصديق :-
” هل هذا تأثير تخلي نديم كليا عنك ..؟!”
لم تبدُ على ملامح وجهها أي ردة فعل وهي تقول :-
” ليس من شأنك ..”
تمتم عمار بمكر :-
” معك حق … ليس من شأني أبدا .. المهم … انت إذا ستضعين يدك في يدي ونتشارك سويا … ”
هزت رأسها مؤكدة حديثها ليبتسم مرددا بغلظة :-
” وأنا غير موافق …!!”
نظرت له بدهشة سرعان ما أخفتها وهي تردد بجمود :-
” انت حر ..”
نهضت من مكانها وقالت بجدية :-
” لكن هناك شيء هام يجب أن تعرفه ..”
نظر لها بصمت عندما أضافت بهدوء لا يخلو من القوة :-
” انا تغاضيت عن أفعالك السابقة في حقي … قررت نسيان ما حدث .. تركتك لعقاب الله يا عمار وقررت أن أبدأ من جديد .. ”
لم يبدُ على ملامحه أي تعبير عندما أكملت وهي تميل بجسدها نحوه تستند على حافة المكتب بكفيها :-
” لكن حذارك أن تعاود الكرة مجددا .. أياك أن تفكر في إيذائي أنا وكل من يخصني مجددا يا عمار لإنني هذه المرة لن أصمت ولن أتوانى عن محاربتك بكل ما أملك بقوة ..”
” هل تهدديني ..؟!”
سألها هازئا لترد بثبات :-
” إعتبره تهديدا .. ضع في بالك فقط إنني لست ليلى القديمة .. التي أمامك هي ليلى جديدة .. ليلى صنعتها الأيام والأزمات والآلام .. ليلى صلبة بما يكفي لتقف في وجهك انت ومن يحاول أن يقترب منها وممن يخصها .. ”
أنهت كلماتها الأخيرة بحزم وغادرت تاركة إياه يتابعها بنظراته وإبتسامة هازئة تشكلت فوق ثغره وهو يردد :-
” أتوق حقا لرؤية وجهك الجديد يا لولا ..”
……..:…………………………………………………
عادت القصر بعد جلستها المعتادة مع منى التي بدأت تشعر بتحسن جديد في كل مرة تجلس بها معها ..
تلك الجلسات تفيدها نوعا ما ومنى تلك رائعة حقا تعرف كيف تتحدث معها وتحاورها دون أن تضغط عليها مما جعلها ترتاح معها كثيرا وتعتاد عليها وتشاركها تفاصيلا جديدة في كل مرة تلتقي بها …
كانت تشعر بالأمل يسيطر عليها في كل مرة تخرج من عندها وهي تخبر نفسها إن كل شيء سيتحسن والحياة سوف تبتسم لها أخيرا خاصة بوجود عمها الذي يدعمها بقوة وأسرة عمها حيث جميعهم لطفاء معها ما عدا شخص واحد تكره وجوده حولها رغم قلته …
اتجهت نحو جناحها بملامح سعيدة عندما غيرت ملابسها حيث إرتدت فستان قطني خفيف ورفعت شعرها الطويل بشكل ذيل حصان ثم وضعت عطرها المفضل برائحة الفراولة وغادرت الجناح متجهة الى الأسفل وهي تشعر برغبة شديدة في التحدث مع أحدهم كهمسة التي تحبها كثيرا او توليب اللطيفة جدا او زوجة عمها .. حتى هالة التي تعرفت عليها منذ أيام معدودة بدت لها لطيفة جدا ومرحة بشكل أجبرها على تبادل الأحاديث معها براحة والتخلي عن تحفظها المعتاد ..
ليس النساء فقط ففيصل كذلك أصبح قريب منها نوعا ما وراجي بهدوءه ورزانته محببا لها حتى راغب رغم هيمنته وسلطته يعاملها بلطف شديد …!!
شعرت لأول مرة إنها محظوظة في وسط عائلة حقيقية تهتم بها وتسعى لإسعادها وعلى رأسهم عمها الحبيب ..
سألت الخادمة التي كانت تنظر لها بغرابة :-
” أين الجميع ..؟! لم لا أرى أحدا ..؟!”
ردت الخادمة وهي تبتسم بطريقة غريبة :-
” توليب هانم خرجت مع هالة هانم للتسوق .. همسة هانم غادرت مع زهرة هانم لزيارة أقاربهما .. والبقية في العمل …”
هزت رأسهت بتفهم وقالت :-
” سأشاهد التلفاز في صالة الجلوس إذا ..”
ثم سارت الى هناك مفكرة إنها ضجرت من البقاء في جناحها ..
ما إن دلفت الى صالة الجلوس حتى صدمت بوجوده بينما نظر هو لها بتهكم وهو يهمس بسخافته المعتادة :-
” ما بالك مصدومة هكذا ..؟!”
أرادت أن تهرب بسرعة لكنها منعت نفسها وهي تخبر نفسها من جديد أن تتحلى بالثقة والقوة فسارت بخطوات رزينة نحو الكنبة المقابلة له وجلست عليها …
كان يتأملها ببرود وهو يراها تدعي القوة واللا مبالاة بطريقة مضحكة قليلا عندما تنحنحت تسأله عن جهاز التحكم بالتلفاز فسألها :-
” هل تريدين مشاهدة التلفاز ..؟!”
هزت رأسها بصمت ليحمل الجهاز والذي كان موضوعا جانبه عندما أخذ يقلب في القنوات دون أن يسألها عما تحب مشاهدته فنظرت له بغيظ قبل أن تشاهده يتوقف عند إحدى محطات الكرتون ..
” ما هذا الآن ..؟!”
سألته بضيق ليردد بخفة :-
” فيلم كرتون .. ”
سألته مجددا :-
” ومن أخبرك إنني أريد مشاهدة الكرتون …؟!”
هتف متهكما عن قصد :-
” ومالذي ستشاهده فتاة في سنك سوى أفلام الكرتون .. أخبريني .. ما هو كرتونك المفضل ..؟! سبونج بوب أم سندريلا ..؟!”
ردت وهي تكاد تضربه بتلك الفازة فوق رأسه :-
” الأميرة النائمة …”
هتف ساخرا :-
” وبالطبع ستكونين أنتِ الأميرة ..”
ردت بنبرة هجومية :-
” بل سأكون الساحرة الشريرة التي ستلقي تعويذة فوق رأسك تجعلك تنام للأبد وتريح البشرية من غلاظتك ..!!”
تأملها للحظات بعينين ناعستين فشعرت بالتوتر يسيطر عليها وقد تأكدت إنها تسرعت في حديثها فعظت لسانها وهي تؤنب نفسها قبل أن ترفع وجهها بثقة زائفة عندما نهض من مكانه وتقدم نحوها لتنكمش على نفسها فتشهق وهو يميل بجسده الضخم فوق جسدها يحاوطها بذراعيه من الجانبين ..
” ماذا تفعل ..؟!”
سألته بنبرة مرتجفة فيهتف وهو يبتسم بخبث :-
” تتطاولين علي إذا .. ”
همت بالتحدث لكنه أوقفها متابعا :-
” تتجاوزين حدودك كثيرة يا جيلان .. ماذا تحاولين أن تثبتي من ذلك …؟! هل تحاولين إخباري إنك تغيرت ..؟! كبرت مثلا ..؟!”
هتفت رغم ذعرها من قربه :-
” انا بالفعل تغيرت .. تغيرت كثيرا ..”
ابتسم بخفة قائلا :-
” عليك أن تشكرينني إذا ..”
تغضن جبينها وهي تسأله :-
” ولم سأشكرك ..؟!”
رد بثقة :-
” لإنه لولاي ما كنت لتتغيري .. انا سبب تغييرك يا جيلان ..”
تمتمت بسخط :-
” أبدا لم تكن سببا في ذلك .. ”
أضافت وهي تنظر له بقوة جديدة عليها :-
” انت كنت شخصا دخل حياتي وقتما كانت مليئة بالخراب .. لم تغير شيئا سوى إنك زدتَ من عذابي وآلمي لكن رغم كل شيء نهضت بنفسي وتجاوزت هذا الخراب ليس بسببك انت او غيرك .. بل بفضل الله سبحانه وتعالى وعمي عابد من بعده .. عمي عابد الذي إنتشلني في لحظة كنت على وشك خسارة حياتي فيها .. أما أنت والبقية فجميعكم إستغليتموني بشكل أو بآخر .. كنت ضحيتكم جميعا مهما حاولتم أن تنكروا هذا ..”
أراد أن يرد لكنه لم يستطع .. وجد نفسه عاجزا عن الرد فبقي يتأملها عن قرب بصمت مريب عندما سمع صوت نحنحة خفيفة ليستدير فيجد هالة أمامه لتنتفض جيلان بسرعة مستغلة الموقف وهي تخرج من المكان فتضحك هالة بخفة وهي تتسائل بمكر :-
” ماذا يحدث هنا ..؟!”
رد مهند بلا مبالاة :-
” لا شيء ..”
رددت هازئة :-
” واضح ..!!”
تجاهل سخريتها وهو يتسائل :-
” أين كنت إذا ..؟!”
أحابت بصوت خافت :-
” كنت مع توليب نشتري أغراض لأجل عيد ميلاد جيلان ..”
عقد حاجبيه مرددا بتعجب :-
” عيدميلاد جيلان اليوم ..؟!”
هزت رأسها وهي تضيف :-
” نعم ونحن سنحتفل به .. جهزنا كل شيء ولم يتبقَ سوى الفستان حيث ذهبت توليب لتجلبه بعدما حجزناه منذ يومين ..”
” عادت هالة وعادت أجواء الحفلات والمفاجئات ..”
ضحكت مرددة بتفاخر :-
” دائما وجودي يفرق يا ابن خالتي وانت بالذات لا تنكر إنك سعيد لوجودي هذا …”
” سأكون سعيدا أكثر إذا عدت بشكل نهائي …”
قالها بصدق لتبتسم وهي تقول :-
” لم يتبقَ سوى القليل ..”
ربت على كتفها فتسأله :-
” ماذا ستجلب هدية لجيلان إذا ..؟!”
أدهشه ما قالته فردد قائلا :
” في الحقيقة لم يخطر على بالي شيء معين فأنا لم أكم أعلم بعيدميلادها من الأساس ..”
” يمكنني مساعدتك في إنتقاء شيء مناسب ..”
قالتها هالة بصدق لتلمح على شفتيه إبتسامة ماكرة وهو يقول ويبدو إنه لم يسمع عرضها أساسا :-
” لكن لا تقلقي سأجلب لها أفضل هدية … إنها جيلان العزيزة ..”
ثم تحرك مبتعدا تتابعه هالة بدهشة لتغمغم بينها وبين نفسها :-
” اللعنة .. هذه النظرة أعرفها جيدا .. لا يأتي من ورائها خيرا أبدا ..”
………………………………………………………
فتحت عيناها الخضراوان على صوت رنين هاتفها فتثائبت بتعب وهي تجذب الهاتف تتأمل الرقم الغريب بإستغراب قبل أن تجيب فيأتيها صوت رقيق :-
” مرحبا شيرين …”
ردت شيرين بحيرة :-
” أهلا ، من معي ..؟!”
تنحنت مريم وهي تعرف عن نفسها :-
” انا مريم … ”
إندهشت ملامح شيرين للحظات من هذه المكالمة التي أتت بسرعة بينما هي كانت تستعد للتحدث مع مريم لكن مريم سبقتها وإتصلت هي بها ..
همست شيرين بصوت مبحوح تبتلع دهشتها من هذا الإتصال السريع والغير المتوقع :-
” أهلا مريم …”
سألتها مريم بتردد :-
” هل يمكنني رؤيتك يا شيرين ..؟!”
أضافت بضيق خفي :-
” نحن يجب أن نتحدث ..!”
أخذت شيرين نفسا عميقا ثم قالت :
” حسنا يا مريم … يمكننا بالطبع …”
قالت مريم بسرعة :-
” شكرا كثيرا يا شيرين .. هل يمكننا أن نلتقي الآن ..؟!”
سألتها شيرين :-
” أين أنتِ …؟!”
أخبرتها مريم بمكان المطعم الذي تنتظرها فيه فوافقت شيرين على الذهاب ….
نهضت من فوق سريرها وإتجهت الى الحمام الملحق بغرفتها .. وقفت أمام المغسلة تغسل وجهها عدة مرات قبل أن تجففه فتتأمل ملامحها الجميلة بصمت إستمر قليلا وعقلها يخمن ما ستقوله مريم فتجبر نفسها على الإستعداد لسماع العديد من الصدمات عن زوجها ..
خرجت بسرعة تغير ملابسها حيث إرتدت ملابس بسيطة للغاية مع حذاء رياضي خفيف وإكتفت برفع شعرها عاليا ..
غادرت الفيلا متجهة الى المطعم الذي إختارته مريم لتجدها هناك بالفعل ..
وقفت تتأملها للحظات تشاهد الصمت الذي يسيطر على ملامحها وقد بدت مريم هادئة تماما عكس ما توقعت فلا يظهر عليها أي قلق أو توتر ..
أخذت نفسا عميقا تعزز ثقتها بنفسها وقدرتها على تحمل سماع أي حديث مهما كان عندما تقدمت نحوها ترسم إبتسامة رسمية على شفتيها قابلتها مريم بواحدة مماثلة لها وهي تغمغم وقد إرتسم الخجل على ملامح وجهها لا إراديا :-
” أهلا شيرين …”
سحبت شيرين كرسي لها وجلست فوقه لتجيب تحيتها فتسألها مريم :-
” هل ترغبين بتناول شيء ما ..؟!”
ردت مريم وهي تهز رأسها نفيا :-
” شكرا يا مريم .. ما أريده هو سماعك ..”
أضافت بجدية :-
” كنت سأطلب منك أن نلتقي لكنكِ سبقتني …”
كحت مريم بخفة ثم قالت بنبرة خرجت ثقيلة :-
” أردت أن ألتقيك لأشرح لك ما حدث ذلك اليوم … ”
سيطر الوجوم على ملامح شيرين بسرعة ما إن تذكرت الموقف فتنحنحت مريم تضيف بحرج :-
” شيرين انا آسفة حقا …”
رمقتها شيرين بنظرات متعجبة قليلا فتضيف مريم بخجل :-
” لقد تصرفت بشكل غبي بل بشكل منحط لكنني أقسم لك إنني إضطررت لهذا فقط لأجل شقيقتي .. لأجل ليلى يا شيرين …”
قالت شيرين بهدوء:-
” أعلم ذلك .. أعلم إنك فعلتِ هذا لأجل ليلى .. لكن تصرفك كان خاطئا جدا يا مريم وغير لائق أبدا .. ”
أضافت تؤنبها :-
” انت شابة محترمة وواعية و من عائلة معروفة .. كيف تلجئين لتصرف كهذا ..؟! كيف تفكرين أساسا أن تفعلي شيئا كهذا ..؟!”
قالت مريم بسرعة :-
” والله كنت مضطرة لأجل ليلى … لم أفكر سوى في كيفية إنقاذها …”
قاطعتها شيرين قائلة :-
” فقررتِ أن تلبي رغبة عمار وتمنحينه جسدك مقابل الشيكات …”
رسمت مريم الدهشة على ملامحها وهي تردد مدعية الغباء :
” رغبة عمار ..؟!!”
أضافت بحاجبين معقودين :-
” هو من أخبرك بهذا .. ”
همت شيرين بالتحدث لكن مريم سبقتها :-
” كلا ، هذا تخمينك أنتِ يا شيرين .. عمار لن يفعل شيئا كهذا .. بالتأكيد لن يتهم نفسه بشيء كهذا حتى لو بدافع تحسين موقفي أمامك ..”
تحدثت شيرين أخيرا بحزم :-
” انا لست غبية يا مريم … أعلم جيدا إن تصرفك هذا نتيجة طلبه هو ..”
قالت مريم بجدية :-
” كلا يا شيرين .. أقسم لك .. عمار لا دخل له .. هو لم يطلب مني شيء كهذا أبدا ..”
ضحكت شيرين مرددة بعدم تصديق :-
” هل تعتقدين إنني غبية ..؟! إنظري إلي يا مريم .. أعرف عمار جيدا مثلما أعرفك .. انت ما كنتِ لتلجئين لتصرف كهذا لو لم تجدِ رغبة مسبقة من عمار …”
شعرت مريم إنها أخطأت الحديث فشيرين أذكى من أن تصدق إدعائاتها الكاذبة وإنها عرضت نفسها على عمار من ذاتها ..!!
” إنظري سأكون صريحة معك أكثر ..”
قالتها مريم بتأني لتأخذ شيرين نفسها ثم تقول بجدية :-
” أتمنى هذا حقا …!!”
تحدثت مريم بتردد قليلا :-
” انت تعلمين كيف تزوج عمار بليلى … بالتأكيد هو أخبرك …”
ردت شيرين بإختصار :-
” تزوجته مجبرة بعدما هددها .. أعلم ذلك جيدا يا مريم ..”
هزت مريم رأسها بتفهم ثم إسترسلت :-
” عمار بعدما طلق ليلى لم يتركها وشأنها فهو لديه شيكات تتجاوز قيمتها السبعة ملايين دولار ويستطيع إستخدامها ضدها متى ما أراد وهذا ما جعل ليلى خائفة دائما ومتوجسة حذرا منه .. انا لم أتحمل هذا أبدا .. لقد عانت ليلى لسنوات وأنا لم أتحمل رؤيتها تعاني أكثر فقررت التصرف ومساعدتها .. وقتها ذهبت الى عمار وطلبت منه أن يتنازل عن الشيكات .. ترجيته ولم يقبل وعندما أصريت فاجئني بإنه عرض علي الزواج ..”
تأملتها شيرين بعينين مصدومتين عندما أضافت مريم بلهجة حزينة :-
” قال وقتها لي الزواج منه سرا مقابل الشيكات .. حينها رفضت بقوة .. غادرت دون رجعة لكن رؤيتي ليلى تنهار كل يوم أكثر بسبب الضغوطات حولها جعلتني أراجع نفسي ..”
قاطعتها شيرين بتجهم :-
” فقررتِ أن تفعلين ما فعلته ..”
” كلا ، لم أفعل ذلك أولا … بل ذهبت إليه قبل زواجه منك بأيام قليلة .. بالطبع لم أكن أعلم إنكما ستتزوجان .. أساسا لم أكن أعلم بأي شيء .. أخبرته إنني موافقة ومستعدة لتنفيد ما يريد لكنه رفض …”
أكملت وهي تتأمل صمت شيرين المريب :-
” رفض وأخبرني إنه سيتزوج .. ظننته يمزح لكنه أكد لي حديثه وأخبرني إنه سيتزوج بك فهو يحبك منذ سنوات ولولا زواجك وسفرك لكان متزوجا بك منذ أعوام .. وعندما سألته عن عرضه السابق لي أخبرني إنه تراجع كليا عنه فهذا العرض كان قبل عودتك الى حياته وإنه يحبك ولن يتزوج غيرك حتى لو سرا …”
سألتها شيرين بعدم رضا :-
” طالما إنه أخبرك بهذا لماذا فعلتِ ما فعلته ..؟!”
ردت مريم بعجز :-
” لإنني كنت عاجزة .. فكرت مرارا ولم أجد أمامي سوا هذا الحل .. كان تصرفا أحمقا جدا .. أعلم هذا ولكنني كنت عاجزة تماما ..!! ”
أضافت بعينين دامعتين :-
” راهنت على شخصية عمار التي أعرفها .. على مدى قذارته وحقارته وإنه لن يتردد لحظة واحدة في إمتلاكي إذا ما عرضت نفسي عليه لكنه فاجئني عندما رفضني بقسوة وأظن إنك أتيت بنفسك وسمعتِ رفضه .. ”
نظرت شيرين لها بعدم إقتناع عندما أكملت مريم بتوسل :-
” صدقيني يا شيرين .. هذا ما حدث ..”
قالت شيرين أخيرا :-
” انا لا يمكنني التصديق يا مريم .. لا يمكنني تصديق إن عمار لا يرغب بك وإنك لجئت لتصرف كهذا فقط لإنه أراد إمتلاكك مسبقا .. ”
” ولكن هذه الحقيقة ..”
قالتها مريم بحذر لتبتسم شيرين مرغمة وهي تردد:-
” لإنني أعرفك وأعرف زوجي جيدا فلن أصدق هذا الكلام .. ربما يكون جزءا مما قلتيه صحيحا لكن هناك أشياء خفية لم تذكريها .. ”
قالت مريم بسرعة :-
” أقسم لك إن هذا كل شيء .. كيف أجعلك تصديق هذا يا شيرين ..؟! لكن هذا كل ما حدث …!”
نظرت شيرين لها بصمت إستمر للحظات قبل أن تهتف بنبرة حاسمة :-
” إذا كنتِ تريديني أن أصدق ما تقولينه فإثبتي لي صدق حديثك …”
” كيف ..؟!”
سألتها مريم بدهشة لتقول شيرين بنبرة ثابتة قوية :-
” سأخبرك يا مريم ..”
………………………………………………………….
مساءا …
طرقت هالة على باب جناح جيلان لتسمع صوتها يسمح لها بالدخول ..
تقدمت الى الداخل وهي تهتف بمرح :-
” مساء الخير يا حلوة ..”
كانت جيلان ممددة فوق سريرها كعادتها حيث تنام فوق بطنها وأمامها لوحة ترسم عليها بتركيز عندما رفعت وجهها من فوق اللوحة وردت وهي تبتسم :-
” اهلا هالة ..”
” ماذا تفعلين ..؟!”
سألتها هالة بإهتمام وهي تتقدم نحوها لترد جيلان وهي تعتدل في جلستها :-
” أرسم كالعادة ..”
جذبت هالة الرسمة الغير مكتملة تتأملها وهي تقول بصدق :-
” رائعة .. انت فنانة يا جيلان ..”
ضحكت جيلان بخجل وهي تردد :
” ليس لهذه الدرجة ..”
قالت هالة بجدية :-
” انا لا أجيد المجاملة يا جيلان .. انت موهوبة للغاية ورسمك رائع ..”
أضافت وهي تضع اللوحة فوق السرير مجددا :-
” والآن إنهضي هيا .. عليكِ أن تستعدي ..”
سألتها جيلان بإستغراب :-
” أستعد لماذا …؟!”
ردت توليب والتي دخلت تتبع هالة :-
” ما تاريخ اليوم يا جيلان ..؟!”
نظرت جيلان لهما بغرابة قبل أن تهمس أخيرا :-
” اليوم هو يوم ميلادي …”
قالت هالة بسرعة :-
” بالضبط ونحن بهذه المناسبة أعددنا حفلا صغيرا لك.. ”
منحتهما جيلان إبتسامة مرتعشة قليلا وهي تتمتم :-
” شكرا لكما .. ”
أكملت وقد ترقرقت الدموع داخل عينيها :-
” آخر مرة إحتفلت فيها بعيد مولدي قبل وفاة والدتي .. منذ ذلك الوقت وأنا لم أحتفل بعيد ميلادي أبدا ..”
إختنق حلق هالة وترقرت الدموع داخل عينيها عندما تذكرت والديها بينما تقدمت توليب نحو جيلان وإحتضنتها مرددة :-
” وها سنحتفل به مجددا .. ”
أكملت وهي تنتبه الى هالة الساهمة :-
” والآن يجب أن تغيري ملابسك بسرعة وترتدي هذا الفستان قبل أن نقوم بتزيين شعرك ووجهك …”
أخذت جيلان الحقيبة المتوسطة الحجم فقالت توليب وهي تشير لهالة :-
” الفستان إختيار هالة ..”
قالت هالة بصوت مبحوح وهي تبتسم لها :-
” أتمنى أن يعجبك ..”
إبتسمت جيلان بإمتنان وهي تهتف :-
” شكرا يا هالة .. شكرا يا توليب .. أنتما رائعتان حقا …”
قالت توليب ممازحة :-
” نعلم هذا جيدا عزيزتي ..”
بينما قالت هالة :-
” هيا إرتدي الفستان بسرعة كي نبدأ بتجهيزك …”
سارت جيلان نحو الحمام بينما قالت توليب لهالة :-
” أنت ستصففين شعرها ..”
هزت هالة رأسها ثم أضافت :-
” وسوف نضع لها مكياجا خفيفا للغاية يلائم عمرها ..”
قالت توليب بجدية :-
” إنها جميلة أساسا لا تحتاج الى المكياج ..”
أيدتها هالة :-
” معك حق .. أتمنى أن يعجبها الفستان ..”
قالت توليب بسرعة :-
” سيعجبها بالطبع ..”
أكملت تتسائل :-
” همسة تشرف على إعداد الطاولة والصالة أليس كذلك ..؟!”
قالت هالة بجدية :-
” نعم وفيصل وراجي يساعدانها في ذلك ..”
” وماذا عن مهند ..؟! هل سيأتي ….؟!”
سألتها توليب بإهتمام لتنظر هالة لها قبل أن تهمس :-
” أعتقد ذلك ..”
سألتها توليب بتعجب :-
” ولماذا تهمسين هكذا ..؟
ردت هالة بجدية :-
” كان يبدو وكأنه يخطط لشيء ما .. إنه ماكر وانت تعلمين هذا ..”
قالت توليب بضيق :-
” اللعنة ، لا أريده أن يفسد ما نفعله ..”
قالت هالة بثقة :-
” ومن سيسمح له بهذا ..”
ضحكت توليب بشقاوة عندما وجدتا جيلان تخرج بذلك الفستان الزهري الرقيق والذي يلائم سنها …
هتفت توليب بمرح بينما أطلقت هالة صفيرا لا إراديا قبل أن تقول بإعجاب شديد :-
” انت مذهلة يا جيلان ..”
تمتمت جيلان بخجل فطري :-
” شكرا …”
جذبتها هالة من يدها وأجلستها أمام طاولة التجميل وهي تسأله :-
” والآن أخبريني كيف تحبين أن أصفف شعرك ..؟!”
” أحب أن أتركه منسدلا كما هو ..”
قالت هالة بجدية :-
” حسنا كما تريدين ولكن دعيني أضع عليه لمسه خفيفة … قليل من التموجات التي ستمنحه رونقا خاصة ..”
” حسنا …”
قالتها جيلان مبتسمة بينما قالت توليب بسرعة :-
” انا سأذهب لهمسة وفيصل وأرى إذا ما يحتاجان شيئا ثم أعود فورا ..”
خرجت بعدها تاركة هالة مع جيلان حيث بدأت بتصفيف شعرها بعناية ..
………………………………………………………..
………………………………………………………..
كانت الأجواء جميعها تشير الى وجود إحتفال بدءا من الصالة الواسعة المزينة بطريقة جذابة رائعة وطاولة دائرية واسعة موضوعة في منتصف صالة الجلوس موضوع عليها كعكة ميلاد كبيرة نوعا ما وأشهى أنواع الحلويات والعصائر …
كان سيف ونزار يمرحان وسط البالونات التي تزين المكان بينما العائلة مجتمعة حيث تجلس زهرة بجانب زوجها يقابلهما كلا من راغب وراجي وعلى الجانب الأخير يجلس فيصل الذي لا يتوقف عن إطلاق الأحاديث المرحة وبجانبه مهند الصامت أغلب الوقت ..
تقدمت همسة والتي كانت تشرف على إعداد طعام العشاء عندما قالت زهرة بجدية :-
” أتيت أخيرا .. إجلسي وإرتاحي يا إبنتي .. انت حامل ولا يجب أن تجهدي نفسك ..”
قالت همسة وهي تتجه حيث جلست جانب زوجها على الجانب الآخر :-
” انا بخير خالتي .. لا تقلقي .. فقط كنت اتأكد من إعداد كل شيء ..”
همس لها راغب متسائلا بإهتمام :-
” هل تشعرين بتعب ما ..؟! تبدين مجهدة ..”
ردت وهي تنظر له :-
” انا بخير .. لا تقلق ….”
هز رأسه بصمت عندما قال فيصل :-
” متى سنرى جيلان يا جماعة .. لو كانت عروس لتجهزت منذ وقت ..”
قال راجي ساخرا :-
” انت لا تمتلك قليلا من الصبر .. كان الله في عون من تتزوجها …”
” تركنا الصبر لك يا سيادة الطبيب ..”
قالها فيصل ساخرا بنفس الطريقة عندما دلفت توليب تهمس بمرح :-
” ما أجمل هذه الجمعة .. ”
قال فيصل متذمرا :-
” أين جيلان ..؟! انا متحمس جدا لرؤيتها ..”
رمقه مهند بنظرات ممتعضة بينما غمزت توليب له :-
” ستأتي بعد قليل مع هالة …”
لحظات وجاءت جيلان تسير بجانب هالة بملامح خجولة بينما قالت هالة وهي تشير لها بسعادة :-
” ما رأيكما بهذه التحفة النادرة الجميلة ..؟”
نهض فيصل من مكانه وأطلق صفيرا عاليا بينما قالت زهرة منبهرة :-
” ما أجملك يا جيلان … ماشاءالله .. حماكِ الله يا صغيرتي …”
تقدم فيصل نحوها وقبص على كفها وجعلها تدور حول نفسها لا إراديا وهو يقول منبهرا :-
” ما هذا الجمال يا فتاة ..؟؟ تبدين مبهرة …”
ضحكت جيلان برقة بينما كانت هالة تنظر نحو مهند بنظرات خفية فلاحظت وجوم ملامحه عندما نهض عابد يبعد إبنه الصغير وهو يحتضنها متمتما :-
” ميلاد سعيد يا صغيرتي … كل عام وأنتِ بخير يا جيلان ..”
” شكرا عمي ..”
قالتها جيلان وهي تبتسم له برقة عندما نهضت زهرة تعايدها تتبعها همسة التي إحتضنتها وهي تردد على مسامعها :-
” ميلاد سعيد جيلان .. تبدين جميلة جدا ..”
قالت جيلان وهي تشير الى توليب وهالة :-
” الفضل لهالة وتولاي ..”
ضحكت همسة بسعادة بينما تقدم راغب يحتضنها بأخوية أقرب للأبوة وهو يردد :-
” كل عام وانت بخير يا جيلان ..”
شكرته بسعادة عندما تبعه راجي هو الآخر يبارك لها ليأتي دور مهند الذي كان قد نهض من مكانه بتثاقل وتمتم على مضض :-
” كل عام وانت بخير ..”
شكرته بإقتضاب عندما قالت توليب بحماس :-
” لنبدأ الإحتفال إذا ..”
قاطعها عابد بجدية :-
” هناك ضيف لم يأتِ بعد .. سنتتظره اولا .. ”
قالت هالة بسرعة :-
” ما زال الوقت مبكرا أساسا ..”
قال عابد وهو يشير لتوليب وهالة :-
” هالة وتوليب .، شكرا كثيرا على ما فعلتماه .. كل شيء يبدو رائعا .. ”
قال فيصل مازحا :-
” هالة و تولاي دائما ما كانتا المتعهدتين الرسميتين لإحياء المناسبات والحفلات والتجمعات العائلية …”
قال راجي قاصدا إغاظته :-
” على الأقل يقومان بشيء مفيد يا فيصل ..”
منحه فيصل نظرات متوعدة ليحتضنه راجي مرددا :-
” لا تحزن وانت ايضا لديك أفعال مميزة ..”
قال راغب متهكما :-
” يكفي عدد الفتيات اللواتي دخلن حياته حتى الآن .. إنجاز يستحق التقدير حقيقة ..”
زفر فيصل أنفاسه بضيق بينما قال عابد بجدية :-
” توقفوا عن هذا .. نحن نحتفل الآن …”
ابتسم الجميع عندما تمتم راغب وهو يشير إليهم :-
” فلنبدأ الإحتفال إذا ..”
صاح نزار الصغير بمرح :-
” شغلوا الأغاني …”
أشارت هالة له وهي تحمل هاتفها :-
” حالا يا نزار بك .. ”
قال فيصل وهو يرفع أحد أقداح العصير ويتناول رشفة منه :-
” شغلي أغنيتنا المفضلة كي نرقص عليها سويا .. ”
تمتمت هالة تقصد إغاظته :-
” في أحلامك .. لقد توقفت عن الرقص معك منذ زمن ..”
اتجه فيصل خلفها يحاول إلتقاط الهاتف بينما ضحكت توليب وهي تتقدم نحويهما تردد :-
” إتركها تفتح الأغنية يا فيصل …”
تملصت هالة من بين ذراعيه وسارعت تربط الهاتف بالجهاز الألكتروني وهي تردد بمرح :-
” معكم هالة الشامي ، أشهر دي جي في البلاد لإقامة المناسبات ..”
ثم شغلت إحدى الأغاني الراقصة وجذبت جيلان تراقصها فإندمجت جيلان معها رغم خجلها عندما جاءت بعدها أغنية أخرى حماسية فجذب فيصل جيلان من كفها وبدأ يراقصها ليتفاجئ بها ترقص بشكل إحترافي فسألها بجدية :-
” كيف تجيدين الرقص بهذه الطريقة يا فتاة ..؟!”
ردت جيلان وهي تراقصة بمهارة :-
” انا أتدرب على رقص الباليه منذ أن كنت طفلة صغيرة ولم أتوقف عن ذلك حتى وفاة والدي ..”
أدارها فيصل بحركة خاصة فدارت حول نفسها قبل أن يلتقطها هو داخل أحضانها فتتابعها زهرة وهي تغمغم بإعجاب :-
” إنها ترقص بشكل رائع ..”
أيدها عابد عندما إتجهت أنظاره لا إراديا نحو إبنة فوجده يتابع ما يحدث بنظرات واجمة وملامح غير راضية بتاتا ..!!
……………………………………………………….
بعد مدة من الزمن ..
خرجت جيلان الى الحديقة تتأمل السماء التي بدأت تظلم تدريجيا بسعادة وقد شعرت إن اليوم هو أفضل أيامها …
لم تشعر بتلك السعادة من قبل …
سعادة مختلفة تماما وإهتمام لم تحظَ به منذ سنوات ..
شعرت بحركة خلفها فإستدارت لتجده أمامها فإنكمشت ملامحها لا إراديا ..
قال وهو يبتسم بخفة :-
” لا تخافي .. لست هنا لأضايقك مجددا ..”
سألته بريبة :-
” ماذا تريد إذا ..؟!”
” ميلاد سعيد عزيزتي ..”
قالها وهو يبتسم بهدوء مريب لترد بخفوت لا يخلو من الحذر :-
” شكرا …”
مد يده بعلبة متوسطة الحجم مرددا :-
” هذه هدية بسيطة ..”
سألته بتردد دون أن تأخذ الهدية منه :-
” ألست منزعجا مني بعدما حدث ..؟!”
رد مدعيا النسيان :-
” عم تتحدثين ..؟! عما حدث اليوم ..؟!”
قالت بتردد :-
” بل عن أمر الشيك …”
قالتها وهي ما زالت تتذكر ذلك الموقف وما تبعه من نظرات صدر منه ليبتسم بهدوء مرددا :-
” أبدا .. في الحقيقة تصرفك كان مزعجا لكنني لم أهتم .. تغاضيت عن تصرفك هذا لإنك سبق وقدمت لي معروفا كبيرا ..”
سألته بحيرة :-
” أي معروف ..؟!”
رد وهو يبتسم بخبث :-
” أردت الإنفصال عني .. صدقيني أسعدني ذلك كثيرا … أنت أنقذتني من زيجة لم أرغبها يوما ..”
وعلى عكس ما توقع إنفرجت ملامحها وهي تردد :-
” حقا ..؟! أنا أيضا لم أرغب بها ..”
أكملت ببراءة :-
” المهم إننا إنتهينا من هذا الأمر ..”
هز رأسه مرددا بإبتسامة :-
” نعم ، الفرق واضح جدا .. الطلاق كان له تأثير إيجابي عليك حتى إنك تبدين أكثر جمالا من قبل ..”
احمرت وجنتاها ليهمس :-
” ألن تأخذي الهدية وتفتحيها ..؟!”
” حسنا ..”
قالتها وهي تلتقط العلبة منه بخجل ليهمس لها مجددا بنظرات ماكرة :-
” إفتحيها هيا ..”
بدأت تفتح الشريط الذي يغلف العلبة فإبتسمت له بتردد وهي تفتح صندوق العلبة عندما صرخت وهي تقفز رعبا بعدما سقطت العلبة من يدها ليصيح بحزم :-
” ما هذا التصرف الغبي ..؟!”
همست برعب :-
” ما هذا ..؟! ”
جذب الكائن الأخضر يعيده داخل العلبة مرددا ببرود :-
” ضفدع ..!! ألا تعرفين الضفدع ..؟؟ ألم تر ضفدع في حياتك ..؟! ”
صاحت بأنفاس لاهثة :-
” ولماذا أتيت به ..؟!”
رد وهو ما زال ممسكا بالضفدع :-
” هدية لك ..”
صرخت بلا وعي :-
” هدية ..؟!!! تهديني ضفدعا ..”
مط شفتيه مرددا ببراءة مفتعلة :-
” ظننتك تحبين الحيوانات …”
همست ورغبة في البكاء تعتريها من شدة خوفها من ذلك الكائن الصغير :-
” لا أحبه .. إبعده عن وجهي .. إنه مقزز ..”
هتف مفتعلا التعجب :-
” مقززا ..!! على العكس تماما .. إنه لطيف جدا حتى إنه يشبهك .. إنظري إليه …”
صرخت عندما وجدته يحاول تقريبه منها مجددا :-
” إبعده عني ..”
” حسنا حسنا .. ”
تمتم بها وهو يعيد الضفدع داخل الصندوق ويغلقه ليقترب منها فتنكمش بعيدا عندما قال مبتسما :-
” هذا شيء بسيط .. انتقام يناسب عمرك الصغير و تصرفاتك الطفولية .. كوني حذرة في المرة القادمة لإنني أنتقم بطرق مختلفة عادة .. طرق لا تناسب الصغار أمثالك ..”
هم بالتحرك عندما همست بضيق ولا وعي :-
” كان معها حق أن تهرب منك .. انت متوحش ..”
عاد ينظر إليها فعاد الرعب يغزو ملامحها عندما همس لها بتهديد :-
” أدخلي لسانك في فمك بدلا من أقصه لك … ”
أضاف بثقة :-
” كما إنها لم تهرب مني .، انا من تركتها ..”
همت بالتحدث عندما جاءت هالة وأنقذت الموقف وهي تردد بحذر :-
” ماذا يحدث هنا ..”
قال مهند ببرود :-
” كنت أعايد جيلان ..”
قالت جيلان وهي تتقدم نحوها بإنزعاج طفولي :-
” أهداني ضفدعا يا هالة .. هل تصدقين ذلك ..؟
جحظت عينا هالة عندما إلتوى فم مهند بخبث لتتمتم هالة بخفوت :-
” ماكر لعين ..”
ثم أشارت هالة لجيلان :-
” إنه يمزح هالة ..، هذا هو مهند .. مزاحه ثقيل قليلا ..”
قالت جيلان :-
” بل كثيرا .. ثقيل كثيرا ..”
” والله معك حق ..”
قالتها هالة وهي ترمقه بنظرات معاتبة عندما غادرت جيلان المكان لتتقدم هالة نحوه تهتف مؤنبة :-
“هل تمزح يا مهند ..؟! ما هذا التصرف السخيف ..؟؟”
إبتسم مهند عندما أكملت هالة بتذمر :
” كنت أعلم إنك تخطط لشيء ما ..”
وفجأة إندفع مهند ضاحكا بقوة فاجئتها لتهتف ببرود :-
” هذا ليس مضحكا يا مهندد..”
بالكاد توقف عن ضحكاته وهو يقول :-
” لو ترينها كيف بدت وهي تقفز فزعا من الضفدع ..”
” يا لك من خبيث .. وتضحك ايضا ..”
قالتها هالة منزعجة ليستمر في ضحكاته وهو يتحدث :-
” بدت كفأرة مذعوة يا هالة .. منظرها مضحك جدا ..”
زفرت هالة أنفاسه عندما أشارت له :-
” تعال نجلس ونتحدث …”
توقف عن ضحكاته وهو يتبعها لتجلس على عشب الحديقة وهي تتربع في جلستها فيجلس هو جانبها عندما سألته :-
” إذا ، ألن تخبرني عما يحدث معك يا إبن الخالة ..؟!”
رد مهند كاذبا :-
” مشاكل إعتيادية يا هالة …”
” هل تمزح ..؟! زواجك من تقى سرا وما تبعه من مشاكل غير زواجك من جيلان وتطليقك لها .. كل هذا وتقول مشاكل إعتيادية ..؟!!!”
قال مهند بتجهم :-
” بالنسبة لي كذلك ….”
سألته هالة بتردد :-
” كيف وافقت أن تتزوج من قاصر يا مهند .. انت تعلم إن هذه جريمة .. جريمة لا يمكن تقبلها ..”
تمتم بلا مبالاة :-
” إبن خالتك الأكبر من أراد ذلك يا هالة وأنا فقط نفذت أم إنهم لم يخبروكِ بهذا …”
” بل أخبروني ولم أستوعب بعد كيف يتخذ راغب قرارا كهذا ..”
قال مهند بجدية ؛-
” توقفي عن التحدث وكأن راغب ملاكا لا يخطئ ..”
قالت هالة بحزم :-
” هى ليس ملاكا أبدا ولكن قراراته تكون دائما ما كانت صحيحة وفي محلها ..”
” إذا أنت تدعمين قراره ..”
سألها ببرود لترد بنفي :
” إطلاقا .. انا لا يمكنني تقبل أمر كهذا وصدقني لو كان شخصا غير راغب لتصرفت بشكل مختلف .. ”
أضافت بصدق :-
” أنا أشفق عليها يا مهند .. إنها صغيرة وبريئة ..”
أكملت تتأمله بغيظ :-
” لا أعلم كيف تحملت شخصا جلفا باردا مثلك ..”
التزم الصمت عندما أكملت متعمدة :-
” إنها جميلة حقا .. لا أفهم كيف لم تقع في غرامها ..”
ردد مذهولا :-
” هل تمزحين يا هالة …؟! إنها صغيرة جدا .. ”
رددت ضاحكة :-
” ولكنها جميلة .. كأنها قطعة بسكويت مغطاة بالشوكولاته .. ستندم إنك لم تتناولها ..”
هتف ممتعضا :-
” تناوليها أنت ..”
ضحكت بخفة وهي تردد :-
” هي حقا so cute ..”
هز رأسه بعدم إكتراث لتتأمله فتهمس له :-
” تغيرت كثيرا يا مهند ..”
رد وهو يتنهد بصوت مسموع :-
” الجميع يتغير .. كلما نتقدم في العمر كلما نتغير يا هالة ..”
أضاف وعيناه تتأملانها كليا :-
” وأنت أيضا تغيرت .. تغيرت عن السابق ..”
هزت كتفيها تردد :-
” انا ما زلت كما أنا .. ربما كبرت ونضجت فقط ..”
” بل نضجتي كثيرا … ويبدو إنك تجاوزت الماضي ..”
قالها بخفوت لترفع بصرها نحو السماء تتجاهل النظر إليه فيتسائل بتردد :-
” ألن تسألي عنه ..؟!”
ردت وهي تلتفت نحوه بحدة :-
” كلا ..”
أكملت بجدية بعدما هدأت ملامحها :-
” أنا مرتبطة حاليا يا مهند ..”
نظر لها بدهشة لتومأ برأسها مؤكدة ما نطقته فيسألها بإهتمام :-
” حب أم ..”
قاطعته بقوة :-
” بالتأكيد حب .. لو لم أكن أحبه ما كنت لأرتبط به ….”
هز رأسه بصمت وهو يفكر إنها كبرت .. كبرت أكثر من اللازم …
” أليس لديك فضول ولو بسيط لتعرفي أي شيء عنه ..؟! ما حدث معه ..؟! إذا ما سأل عنكِ ..؟!”
ردت بشكل حاسم :-
” كلا يا مهند ولا تفتح هذا الموضوع مجددا وإلا لن أتحدث معك أبدا …”
ثم نهضت من مكانها تتجه بعيدا يتابعها مهند بتعجب من ضيقها الغير مبرر ليزفر أنفاسه ببطء ..
………………………………………………………….
كانت توليب تسير بجانب هالة عندما رن هاتف الأخيرة لتصيح بسعادة :-
” إنه كرم ..”
ثم إبتعدت وهي تجيب عليه تتابعها توليب بملامح سعيدة سرعان ما إختفت وهي تتأمل لهفتها لمحادثة حبيبها فسيطر الألم على ملامحها كليا وهي تتذكره ..
تتذكر حبها العقيم نحوه فتنهر نفسها وهي تبتعد وداخلها تدعو لإبنة خالتها أن تتوفق في علاقتها مع كرم فهي الأخرى عانت يوما ما من الحب مثلها تماما لكن وجود كرم في حياتها غيرها نحو الأفضل وهاهي تعيش أفضل أيامها معه بينما هي ما زالت تراوح مكانها منذ سنوات .،
إتجهت الى الداخل وتحديدا الى صالة الجلوس عندما إنصدمت بوجود أثير إبن عمتها والذي يبدو إنه جاء منذ قليل ..
لم تتوقع مجيئة وأرادت أن تخرج وتنبه تلك التي إنشغلت بمحادثتها مع حبيبها لكن إشارة راغب نحو ابن عمته مرددا :-
” لقد جاء أثير يا توليب ..”
تقدمت نحوه وهي ترسم إبتسامة مرحبة فينهض من مكانه مرحبا بها يحتضنها بأخوية بينما والدتها تقول معاتبة :-
” من الجيد إننا رأيناك يا أثير .. نحن أصبح لا نراك سوى كل عام مرة ..”
رد أثير بجدية :-
” العمل يا زوجة خالي .. صدقيني انا أغلب وقتي خارج البلاد ..”
” ليت والدتك كانت موجودة اليوم ..”
قالها عابد بجدية ليهتف أثير :-
” انت تعلم إنها أضطرت للسفر مع والدي منذ إسبوع …”
ابتسم عابد متفهما بينما أرادت توليب التحرك خارج وتنبيه ابنة خالتها لكن الآوان قد فات عندما تقدمت هالة تردد بمرحها الصاخب المعتادد:-
” ألم يأتِ ضيفكم الموقر بعد لنطفئ الشمع ..”
ثم سرعان ما تجمدت مكانها وهي تراه أمامها وجها لوجه ..
بعد كل هذه السنوات يتواجهان مجددا .. !
سيطرت على رباطة جأشها بحزم وهي ترسم الإعتيادية على وجهها عندما تقدمت نحوه لأجل تحيته ..
تلاقت العينان بنظرات خاطفة يتبعها سلام بارد جدا .. صوتها المنخفض بالكاد ألقى التحية بإختصار :-
” أهلا ..”
هكذا فقط .. دون مصافحة حتى .. ودون أن تنطق إسمه حتى … إكتفت بكلمة مختصرة وبترت ما يليها كما بترت حكايتهما منذ سنوات ..!!
إتجهت بسرعة تجلس جانب فيصل وكأنها تحتمي به بينما سيطر الوجوم على ملامح أثير كليا ..
وجوم أخفاه بمهارة وهو يتبادل الأحاديث مع راغب وراجي بينما عيناه تنظران بين الحينة والآخرى نحوها رغما عنه فيجدها مندمجة في حدثيها مع توليب وفيصل وكذلك الصغيرة جيلان غير مهتمة بوجوده على الإطلاق ..
إبتسم داخله بسخرية مفكرا إن هذه عاداتها فهي لم تهتم يوما ولن تفعل ..
لحظات قليلة وتقدمت الخادمة تشير الى عابد بجدية :-
” لقد وصل عمار بك مع زوجته يا سيد عابدد..”
إستيقظت صباحا بحماس جديد تماما عليها ..
البارحة كان أجمل أيام حياتها بحق ..!!
كل شيء كان مثالي …
كانت سعيدة بشكل لا يوصف ..
إرتسمت إبتسامة واسعة على شفتيها وهي تتذكر تفاصيل ليلة البارحة وحفل ميلادها الذي تحتفل به لأول مرة منذ سنوات ..
كل شيء كان رائعا .. الجميع كان محبا ودودا …
كل يوم تقضيه في قصر عمها تشعر بألفة أكبر وتحب سكان هذا القصر أكثر ..
الجميع لطيف معها .. تشعر بمحبتهم الصادقة ورغبتهم في حمايتها بل وإسعادها …
البارحة كانت ليلة مميزة .. بدءا من ظهورها بذلك الشكل الجذاب المختلف عن عادتها ثم الحفل الذي تم إعداده بشكل رائع رغم بساطته ثم الإحتفاء الذي لاقته من الجميع مما جعلها سعيدة منطلقة طوال الأمسية ..
رقصت مع فيصل كثيرا ومع هالة وتوليب وتعرفت لأول مرة على أثير إبن عمتها زمرد عن قرب ..
تألقت بحق وتفاعلت مع الأجواء بأريحية شديدة عليها حتى توترها الذي سيطر عليها بمجيء أخيها إختفى بعد لحظات عندما علمت إن عمها هو من دعاه في لفتة راقتها كثيرا وتغلغلت الراحة داخلها عندما تعامل راغب ومهند معه بهدوء ورحب به الجميع هو وزوجته التي إحتضنتها بمحبة صادقة فإستمرت السهرة بشكل هادئ كما بدأت …
أهداها أخيها هدية لم تفتحها بعد وودعها في نهاية السفرة بعدما كان حريصا على إطفاء شمعة عيدميلادها السابع عشر وهو يخبرها قبل رحيله أن تزوره في منزله وتبقى عنده لأيام فهو منزعج من إنقطاعها عنه الفترة الأخيرة ..!
وعدته إنها ستزوره قريبا فغادر وهو مرتاحا قليلا بعدما عادت تتجاوب معه بهدوء وأريحية نوعا ما إفتقدها الفترة السابقة ..!
الجميع أيضا منحوها هدايا لم تفتحها بعد ولكنها سعدت بها كثيرا ..
تجهمت ملامحها عندما تذكرت مهند الغليظ بتلك الهدية السخيفة فمطت شفتيها وهي تردد بنفور :-
” تافه … عديم الإحساس ..”
أبعدت تلك الأفكار السلبية عنها عندما نهضت من مكانها ترفع الغطاء عنها بحماس فتظهر بيجامتها الزهرية الخفيفة لتتجه نحو الهدايا الموضوعة بعناية فوق الطاولة التي تتوسط الجناح ..
كانت الهدايا كثيرة فكل فرد أهداها هدية خاصة منه ..
سارعت تسحب هدية عمار أولا فوجدته أهداها عقدا ماسيا يحوي على ثلاث حروف متسلسلة وهي حرفها وحرفه و حرف والدتها وقد إرتبطت الحروف الثلاثة بسلسلة من أحجار الزمرد الناعمة المماثلة للون عينين ثلاثتهم ..
إنتفض قلبها بسعادة وهي تتأمل السلسلة بعينين دامعتين .. كانت رائعة وأروع ما فيها الحروف الثلاثة خاصتها وهي ووالدتها الراحلة وأخيها …
نهضت من مكانها بجسد مرتجف من شدة السعادة التي منحتها رغبة عارمة في البكاء عندما اتجهت تحمل هاتفها وتتصل به ..
لحظات قليلة وجاءها صوته المتلهف يتسائل بقلق :
” جيلان .. هل انت بخير ..؟!”
إبتسمت لا إراديا تطمئنه فيبدو إن إتصالها في هذا الوقت المبكر قليلا أقلقه :-
” انا بخير ..”
سمعت صوت تنهيدته المرتاحة فأضافت وهي ترفع القلادة أمام عينيها تتأملها بحب وفرحة ظهرت خلال نبرة صوتها :-
” شكرا على القلادة .. إنها رائعة ..”
ابتسم وهو يسألها بفرحة إنتقلت له :
” هل أعجبتك حقا …؟
ردت بسرعة :-
” أعجبتني كثيرا .. أحببتها حقا … شكرا كثيرا يا عمار …”
همس عمار بجدية :-
” هذه هدية بسيطة لكنها مميزة .. أساسا إحترت فيما أجلبه لكِ .. لو بيدي لجلبت لكِ أغلى وأثمن شيء في العالم ..!”
قاطعته مبتسمة :-
” يكفيني أن تكوني دائما معي يا عمار .. ”
أضافت تهمس بصوت مبحوح مرتجف قليلا :-
” وجودك جانبي هو أثمن شيء تقدمه لي ..”
قال بسرعة وقد إختقنت أنفاسه داخل صدره :-
” انا دائما بجانبك يا جيلان .. سأبقى بجانبك دائما .. انتِ أغلى شيء عندي .. لن أتركك لحظة واحدة بعد الآن حتى موتي ..”
قالت بسرعة وخوف لا إرادي :-
” بعيد الشر عنك .. لا تقل هذا يا عمار .. انا لا يمكنني العيش بدونك .. لا تفعل من فضلك ..”
إبتسم يسألها بسعادة :
” هل سامحتني يا جيلان ..؟! هل غفرتِ لأخيكِ خطأه ..؟!”
ردت بخفوت وعيناها تلمعان بدموع حبيسة :-
” سأسامحك بشرط …”
سألها بسرعة :-
” ما هو ..؟؟ شروطك أوامر يا أختي …؟!”
إبتلعت غصتها داخل حلقها وهي تهمس :-
” إذا وعدتني إنك لن تتخلى عني أبدا مهما حدث وستقف دائما جانبي وتحبني بحق ..”
قاطعها بصدق :-
” انا أحبك يا جيلان .. لطالما أحببتك وسأبقى كذلك .. أعترف إنني أهملتك كثيرا وإن مشاغل الحياة والمشاكل حولي سرقتني منك كليا .. انا أخطأت كثيرا في حقك ولن أسامح نفسي أبدا على أخطائي تلك ولكن أريدك أن تسامحيني يا جيلان فأنا لا يمكنني تحمل عدم مسامتحك لي …”
ابتسمت من بين دموعها التي تساقطت بحرارة فوق وجنتيها وهي تهتف :-
” سامحتك يا أخي …”
إبتسم مرددا بفرحة بالغة :-
” بهذه المناسبة .. متى ستأتين عندي إذا ..؟!”
ردت بجدية :-
” غدا بإذن الله .. بعد زيارتي للطبيبة سآتي عندك ..”
سألها مهتما :-
” هل تلك الطبيبة جيدة ..؟! هل تشعرين بالراحة معها ..؟!”
أجابت بجدية :-
” كثيرا يا عمار .. إشكر لي شيرين التي نصحتك بذهابي إليها .. لقد إرتحت معها كثيرا وأحببتها أيضا ..”
” هي أساسا زوجة شقيق شيرين .. تعلمين ذلك بالطبع ..؟!”
ردت وهي تومأ برأسها :-‘
” نعم أخبرتني بذلك ..”
قال بعدها :-
” حسنا جيلان .. ننتظرك انا وشيرين غدا .. وضعي في رأسك إنك سوف تبيتين عندنا بضعة ليالي ولا مجال للرفض ..”
ابتسمت مرددة :-
” ان شاءالله .. ”
أضافت بتردد :-
” سأقول شيئا ..”
هتف متعجبا :-
” قولي ما تريدينه يا جيلان .. لا تترددي ..”
هتفت بخفوت :-
” شيرين زوجتك رائعة يا عمار .. إنها جميلة ولطيفة بشكل لا يوصف .. انت محظوظ بها ..”
سألها محتارا :-
” انها كذلك فعلا ولكن ما سبب هذا الحديث ..؟!”
قالت :-
” انت ربما لا تعلم ولكن شيرين لم تتوقف عن التواصل معي طوال الفترة السابقة بل كانت تدعمني طوال الوقت وتلتقي بي بعد مغادرتي العيادة ..”
” كنتما تلتقيان طوال الفترة السابقة ..؟!”
قالها مصدوما لتقول بسرعة :-
” إلتقينا مرات قليلة لكنها تتصل بي يوميا ونتحدث .. هي ساعدتني كثيرا … شيرين رائعة .. أتمنى أن تعتني بها يا عمار فهي تستحق كل الحب والرعاية …”
أضافت بجدية :-
” هي مميزة جدا ومثالية جدا وأنت الآخر تبدو مختلفا للغاية منذ أن تزوجت منها .. انا سعيدة حقا بوجودها في حياتك وأتمنى ألا تفترقان أبدا مهما حدث ..”
قال بثقة يطمأنها :-
” انا وشيرين لن نفترق مهما حدث … سنبقى سويا حتى آخر العمر ..”
ابتسمت براحة قبل أن تودعه بينما أغلق هو الهاتف وشعور الراحة والإستقرار ملأه تماما بعد هذه المكالمة مع أخته ..!
……………………………………………………….
تأملته وهو ينهي إتصاله مع أخته وقد سيطرت الراحة تماما على ملامحه فسألته بإهتمام :-
” كيف حالها جيلان ..؟!”
إلتفت نحوها حيث تأملها للحظة قبل أن يبتسم لها بطريقة غريبة وهو يجيب بينما يتقدم نحوها :-
” جيدة جدا …”
سألته بعدما وقف أمامها يحاوط خصرها بذراعيه :-
” تبدو سعيدا ..”
ردد بإنشراح :-
” جدا ..سعيد جدا يا شيرين .. جيلان سامحتني يا شيرين ..”
إنتقلت السعادة إليها وهي تردد :-
” أخبرنك إنها ستفعل .. هي تحبك ولا يمكنها أن تبقى غاضبة منك ..”
أضافت وهي ترفع سبابتها بتحذير :-
” ولكن إنتبه جيدا .. لا تحزنها مجددا يا عمار .. إذا فعلتها مجددا فلن أضمن لك غفرانها ..”
انحنى يقبل طرف سبابتها وهو يقول بثقة :-
” لن أحزنها أبدا يا شيرين .. انت تعلمين مدى غلاوتها عندي ..”
قاطعته بجدية :-
” المهم هي من تدرك ذلك وان تجعلها انت تشعر بذلك في كل لحظة … ”
أضافت وعينيها تلمعان بقوة :-
” انت أخيها .. أقرب شخص لها .. ستظل تحتاجك أنت أكثر من غيرك .. أنت سندها يا عمار … كن على قدر تطلعاتها ولا تخذلها من فضلك ..”
ابتسم بهدوء قائلا :-
” يستحيل أن أفعل ذلك بعد الآن ..”
ابتسمت بصمت عندما أضاف بجدية :-
” لقد تحدثت عنك أيضا ..”
عقدت حاجبيها تسأله :-
” حقا ..؟! ماذا قالت ..؟!”
رد وهو يمرر أنامله فوق وجنتها :-
” مدحتك كثيرا وأخبرتني عن تواصلك اليومي معها بل ولقائكما أكثر من مرة …”
ابتسمت مرددة بخفة :-
” حاولت أن أفعل أي شيء يساعدها ..”
” انت بالفعل ساعدتيها كثيرا .. لو تسمعينها كيف تتحدث عنك ستدركين إنك ساعدتها كثيرا جدا ..”
همست بسعادة :-
” أنا أحب جيلان حقا .. هي فتاة جميلة وتستحق السعادة ..”
قال وهو يميل نحوها أكثر وذراعيه ما زالتا تحاوطان خصرها :-
” لقد أخبرتني شيئا أعتقد إنه أكثر شيئا صحيحا سمعته في حياتي ..”
” شيء ماذا ..؟!”
سألته بإهتمام فأجاب مبتسما :-
” قالت إنني محظوظ بك جدا .. وانا كذلك بالفعل ..”
ضحكت برقة قبل أن تشاغبه :-
” من الجيد إنك تدرك ذلك …”
أضاف وعيناه تتأملانها عن كثب :-
” تمنت ألا نفترق أبدا مهما حدث …”
إرتبكت ملامحها قليلا وهي تردد :-
” لن يحدث شيء كهذا بإذن الله ..”
غمغم بثقة :-
” بالطبع لن يحدث .. انا لست غبي لأفرط بك يا شيرين .. انت يا شيرين لا يمكن أن تتكرري .. إنسانة لا تأتي في العمر سوى مرة واحدة وانا لست غبيا لأخسركِ بعدما ربحتك …”
قالت وعيناها تنظران إلى عينيه الخضراوين بقوة وعزيمة :-
” يسعدني كلامك يا عمار .. المهم أن تتمسك به للنهاية ..”
ظهرت الحيرة على ملامحه وهو يسألها :-
” لماذا أشعر إن هناك شيء غريب يسيطر عليك هذه الأيام ..؟!”
أضاف يسألها بضيق :-
” هل بسبب ذلك الموقف ..؟!”
قاطعته بحرص :-
” ليس تماما .. انا فقط منزعجة قليلا .. يعني ذلك الموقف ومقاطعه ماما ووليد لي ..”
زفر أنفاسه مرددا بتمهل :-
” صدقيني يا شيرين .. انا لم أكذب عليكِ بشأن ذلك الموقف مع مريم أما والدتك وأخيك فصدقيني سوف يسامحانك .. وإذا لم يفعلا سأحرص أنا على التحدث معهما بنفسي ..”
قالت بسرعة :-
” كلا يا عمار .. لا تفعل شيئا كهذا ..”
هتف بجدية :-
” لكنني أريدك سعيدة يا شيرين .. سعادتك منقوصة دون عائلتك .. انا أشعر بذلك مهما حاولتِ الإنكار ..”
إبتلعت غصتها وهي تردد بنبرة محتقنة:-
” لا بأس .. لا بد أن ينتهي هذا الخلاف .. ”
أحاط وجهها بكفيه يسألها بقلق :-
” انت لست نادمة على زواجك مني أليس كذلك ..؟! لم تندمِ على الوقوف في وجه عائلتك لأجل الزواج مني ..؟!!”
رمقته بنظرات هادئة وهي تجيب بتروي :-
” حتى الآن لست نادمة يا عمار وأتمنى ألا تجعلني أندم يوما ما على ذلك …”
” هذا لن يحدث أبدا ..”
قالها بثقة لتبتسم بضعف وهي تهمس له :-
” يمكنني تحمل كل شيء يا عمار بإستثناء شيء واحد فقط .. خذلانك ..”
بالكاد سيطر على ملامح وجهه وهو يهتف بعدما جذبها داخل أحضانه :-
” لن أخذلك مهما حدث يا شيرين … أنت أجمل شيء حدث لي وأفضل شخص دخل حياتي وسأكون أكبر مجنون إن خسرتك ..”
أغمضت عينيها بعدما إستسلمت لأحضانه تقاوم تلك الدموع الحبيسة داخلها قبل أن تفتحها مجددا وهي تدعو ربها أن يكون صادقا معها ولا يخذلها فهي لن تتحمل ذلك أبدا ..
لن تتحمل خذلانه بعدما منحته كل شيء وأحبته كما لم يفعل أحدا مثلها ..
………………………………………………………
تقدمت جيلان نحو الهدايا بعدما أنهت مكالمتها مع عمار ..
بدأت تفتح الهدايا بحماس وقد أعجبتها الهدايا التي أتتها من جميع أفراد العائلة بدئا من عمها وزوجته وابناء عمومها وعمتها زمرد التي أرسلت لها هديتها مع إبنها رغم سفرها منذ فترة مع زوجها في رحلة عمل بل أثير نفسه قدم لها هدية منه هو وكذلك هالة والجميع دون إستثناء ..
جميع الهدايا كانت جميلة وثمينة وأعجبتها وخاصة هدية شيرين التي منحتها هدية غير هدية عمار فكانت الهدية عبارة عن زوج من الأقراط الماسية الرائعة المرصعة بحجر الزمرد …
ابتسمت وهي تتأمل القرطين قبل أن تحمل هاتفها مجددا وترسل رسالة لشيرين تشكرها على هديتها …
نهضت من مكانها بعدها وأخذت تحمل الهدايا وتضمها في خزانتها بسعادة حقيقية وهي تعد نفسها إنها لن تنسى ذكرى هذا الميلاد المميز مهما حدث …
انتهت أخيرا مما تفعله لتبحث عن ملابس مناسبة لها فأخرجت بنطال برمودا من الجينز الأزرق ومعه قميص زهري اللون كالعادة ذو أكمام مربعة تصل الى ربع ذراعها …
وضعت البنطال والقميص على السرير ثم أخذت بعدها ما تحتاجه من أشياء ودخلت الى الحمام مقررة أن تأخذ حماما دافئا طويلا ..
بقيت في الحمام لأكثر من نصف ساعة حيث إسترخت داخل مياه البانيو الدافئة المليئة بالصابون ذو الرائحة العطرة وأغمضت عينيها بإستمتاع ..
خرجت بعدها وجذبت المنشفة تجفف بها جسدها والإنتعاش يسيطر عليها عندما إرتدت روب الإستحمام وخرجت بشعرها الطويل المبلل خارج الحمام …
وقفت أمام المرآة وسحبت المشط لتسرح شعرها الطويل دون أن تجففه حيث فضلت تركه مبللا منتعشا ..
انتهت من تسريح شعرها لتسارع بوضع عطورها المفضلة برائحة الفراولة التي تستخدما دونا عن غيرها ..
اتجهت بعدها نحو السرير ورفعت الملابس وبدأت ترتديها عندما توجهت بعدها نحو المرآة مرة أخرى ورفعت شعرها أماما من الجانبين قليلا بينما تركته حرا طليقا من الخلف ..
إبتسمت وهي تتأمل مظهرها الذي بدا طفولي نوعا ما قبل أن تحمل هاتفها وتخرج من جناحها ومنه الى الطابق السفلي عندما رحبت بها إحدى الخادمات وهي تخبرها :-
” هل تتناولين فطورك الآن يا هانم …؟!”
أجابتها جيلان وقد فهمت إنها تأخرت عن موعد الفطور اليومي وهي التي ظنت نفسها إنها إستيقظت مبكرا :-
” في الحقيقة لا داعي لتجهير مائدة كاملة .. سأتناول شيئا خفيفا في المطبخ ..”
ابتسمت الخادمة تقول :-
” كما تريدين يا هانم .. الخدم جميعهم تحت أمرك .. إطلبي منهن ما تشائين …”
ابتسمت وهي تهز رأسها قبل أن تتجه نحو المطبخ مقررة تناول شيء خفيف ..
دلفت الى المطبخ لتتفاجئ بزوجة عمها تعد شيئا فهمست مبتسمة :-
” صباح الخير عمتي زهرة ..”
كانت قد إعتادت في الفترة الأخيرة مناداتها بعمتي زهرة بعدما أخبرتها زهرة بذلك وهي تذكرها إنهم في العادة ينادون زوجة العم بلفظ عمتي ففعلت جيلان مثلما قالت ..
استدارت زهرة نحوها تبتسم وهي ترحب بها :-
” صباح النور حبيبتي .. إستيقظت إذا .. تعالي وسأنادي لك الخادمة لتعد لك الفطور ..”
قالت جيلان بسرعة :-
” لا داعي لذلك .. سأتناول شيئا خفيفا ..”
سألتها زهرة :-
” هل تحبين أن أجهز لك شيئا ..؟! بيض مثلا او أومليت أو ساندويش معين ..؟!”
ردت جيلان مبتسمة بخجل وإمتنان :-
” شكرا لك ولكن لا داعي لذلك .. سأتناول التوست مع المربى مع عصير البرتقال …”
” حسنا حبيبتي .. خذي راحتك ..”
قالتها زهرة قبل أن تعاود التحرك في المطبخ الذي كان خاليا من الخدم على غير العادة ..
اتجهت جيلان نحو الثلاجة وفتحتها لتخرج منها علبة المربى بالفراولة قبل أن تسحب قطعتين من التوست التي تم تحضيرهما مسبقا فدهنت كلتيهما بالمربى ..
وضعت القطعتين فوق صحن شفاف ثم جذبت قدحا متوسط الحجم وأخرجت عصير البرتقال الطبيعي وصبته في القدح قبل أن تحمل الصحن والقدح وتضعهما على الطاولة مقابل زهرة التي كانت تعمل على نفس الطاولة من الجهة المقابلة …
جلست جيلان على الكرسي بعدما سحبته ثم قالت بعدما قضمت قطعة صغيرة من التوست خاصتها:
” هل تعدين الكيك …؟!”
اومأت زهرة برأسها وهي تجيب :-
” نعم حبيبتي .. الكيك بالشوكولاتة .. ستحبينه كثيرا …”
ابتسمت جيلان بينما قالت زهرة وهي تنكب على عملها :-
” أنا أجيد صنع كيك رائع يا جيلان .. سيعجبك بالطبع …”
قالت جيلان بسرعة :-
” بالطبع سيعجبني .. أساسا أنا أعشق الكيك بالشوكولاته والفراولة ..”
دخل فيصل الى المطبخ ليتسائل بدهشة :-
” مالذي تفعلينه يا ماما ..؟!”
ثم ألقى التحية على جيلان قبل أن تجيبه زهرة :-
” أعد الكيك يا عزيزي …”
رفع فيصل حاجبه مرددا :-
” غريب .. منذ متى وأنت تعدين الطعام يعني ..؟!”
قالت زهرة بغيظ :-
” من اليوم .. هل لديك مشكلة .. ثانيا انا لا أجهز الغداء او العشاء مثلا ..!! لقد أحببت أن أعد الكيك لكم فأنا أعلم إنكم تحبون الكيك الذي أعده ..”
ابتسم فيصل وهو يسحب كرسي له بجانب جيلان مرددا :
” انا فقط إندهشت .. آخر مرة رأيتك فيها وأنت تقفين في المطبخ منذ عامين او اكثر ..”
قالت زهرة بضيق :-
” لا تبالغ … أتذكر إنني أعددت طعام الغداء لكم قبل سنة وشهرين …”
” ماشاءالله عليكِ حقا .. لا يفوتك شيء ولا تنسين شيء …”
كتمت جيلان ضحكتها بينما رمقته زهرة بنظرات حانقة قبل أن تضيف :-
” لو كان بيدي لدخلت المطبخ بإستمرار لكن والدك يمنعني من ذلك فهو يرفض أن أبذل مجهودا في الطبخ وما شابه بينما هناك من يمكنه القيام بذلك ..”
قال فيصل ممازحا :-
” يخاف عليك يا حبيبة الروح ..”
ابتسمت جيلان لا اراديا بينما رددت زهرة بثقة :-
” بالطبع يخاف علي .. وهل يوجد أغلى مني عنده ..؟!”
أكملت وهي ترمقه بنظراتها :-
” والدك رجل بحق .. يحترم المرأة ويقدرها ..”
مط شفتيه مرددا :-
” جميعنا نفعل يا ماما ..”
توقفت زهرة عما تفعله وهي تردد بتجهم :-
” وهل إحترام المرأة يكمن في خداعها يا فيصل ..؟!”
توترت ملامحه بينما بهتت ملامح جيلان عندما سأل فيصل مدهوشا :-
” ماذا حدث يا ماما …؟! لماذا تقولين هذا ..؟!”
ردت زهرة بحدة :-
” إسأل نفسك يا حبيب ماما .. ماذا فعلت بمها ابنة شادية ..؟! هل تتذكر أم نسيت بعدما إنشغلت بأخرى غيرها ..”
” يا إلهي ..”
قالها فيصل بضيق وهو يضيف :-
” ها قد بدأنا دلال الفتيات الممل ..”
قالت زهرة بعصبية :-
” الفتاة منهارة حرفيا بسببك ووالدتها عاتبتني .. بسببك ولأول مرة أشعر بخجل كهذا .. تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني ..”
هتف فيصل بعدم استيعاب :-
” ولماذا تخجلين ..؟! انا لم أفعل شيئا خاطئا ..”
كادت أن تضربه بأول شيء يقع في طريقها عندما هدرت من بين أسنانها :-
” إخرس يا فيصل ولا تجعلني أفرغ غضبي فوق رأسك ..”
تمتم فيصل ببرود :-
” والله انا لم أجبرها على شيء .. هي من رمت نفسها علي وكانت أكثر من سعيدة .. تواعدنا لفترة ثم مللت .. ماذا كانت تنتظر مني مثلا ..؟! زواج وما شابه ..؟!”
” اسمعني يا فيصل .. قسما بربي إن لم تتوقف عن أفعالك هذه فسيكون لدي تصرف مختلف معك .. بنات الناس لسنَ لعبة في يديك ولا تنسى إنه لديك أخت شابة .. ضع تولاي أمام عينيك وأنت تعبث مع البنات حولك ..”
” انا لا أجبر أي واحدة على مصاحبتي ..”
صاحت بحنق :-
” توقف عن هذه النغمة الغبية .. هذه مجرد حجة سخيفة تتخذها انت وأمثالك من الشباب لتبرير أفعالكم الغبية …”
أضافت بتروي :-
” يا بني .. كسر القلوب ليس هينا .. يوما ما سيعاقبك الله ويأخذ حق جميع الفتيات اللواتي فعلت بهن سوءا منك .. فكر في عقاب الله يا بني وفي شقيقتك وفي بناتك مستقبلا إذا رزقك الله بفتيات مستقبلا .. الحق لا يضيع عند الله يا ولدي ولو بعد مئة عام ..”
تمتم بخشونة :-
” حسنا يا ماما …”
هدرت بعدها بتحذير :-
” وإياك ثم إياك أن تقترب من إحدى بنات صديقاتي …”
أضافت بحزم :-
“حذرتك مسبقا وسأكررها .. العبث مع الأقارب والمعارف والأصدقاء تحديدا ممنوع يا فيصل .. هذه المرة الأخيرة التي أحذرك فيها .. المرة القادمة سأخبر والدك بكل شيء ..”
نهض من مكانه مرددا ببرود :
” فهمت ..”
ثم خرج من المكان بتجهم لتنظر زهرة الى جيلان وهي تردد :-
” والله سوف يصيبوني هؤلاء الأولاد بالجنون خاصة فيصل .. سيقتلني يوما ما بسبب تصرفاته ..”
قالت جيلان محاولة تلطيف الأجواء :
” لا بأس .. سيتغير بالطبع ..”
تمتمت زهرة بخفوت :-
” اتمنى ذلك ..”
أضافت بجدية:-
” هو ومهند لا يتوقفان عن إغضابي والتسبب بالتعب لي … ”
ابتسمت جيلان تردد بحذر :
” دائما ما يكون بعض الأولاد يضايقون والديهم بتصرفاتهم أكثر من البقية ..”
هزت زهرة رأسها وهي تجيبها مؤدية :
” معك حق … بالنسبة لي فيصل ومهند سبب كل المشاكل التي تقع فوق رأسي أنا وعابد .. عكسهما تماما راجي فهو الوحيد الذي كان مريحا جدا وهادئا ولا يفتعل المشاكل رغم إنه ماكر جدا وذكي بشكل مخيف .. تولاي كذلك لم تتعبني .. أما راغب فكان يتعبني بسبب هيمنته وتسلطه المبالغ فيه فأنا لم أكن أستطيع فرض سلطتي عليه كأم منذ طفولته ربما .. لكن على الأقل كان منذ الصغر واعيا ورزينا ولا يركتب الأخطاء عكس هذين الآخرين اللذين لا يتوقفان عن التسبب بالمشاكل لي ولوالدهما ..”
تنهدت وهي تضيف برجاء :-
” أتمنى أن يهديهما الله ويتوقفا عن تصرفاتهما الحمقاء ..”
قالت جيلان بجدية :-
” امين ..”
منحتها زهرة إبتسامة قبل أن تقول :-
” أكملي فطورك هيا ..”
أضافت :-
” بعدما تنتهين من فطورك سارعي لإخراج الفراولة وتقطيعها لقطع متوسطة الحجم حيث سأزين بها الكيك ”
ضحكت جيلان وهي تردد بحماس :-
” سأفعل .. شكرا كثيرا ..”
قالت زهرة وهي تبتسم لها بحنو :-
” لا شكر بيننا يا صغيرتي ..”
………………………………………………………
كانت تجلس بجانبه وهو يقود سيارته تتأمل الشارع بشرود …
صمت لا ينتهي يحيل بينهما ..
فراغ تتسع فجوته دون توقف …
حياة باردة تماما لا روح فيها …
توقف بسيارته أمام إشارة المرور ليلقي نظرة جانبية عليها متأملا وجهها الذي ينظر للجهة الأخرى وكأنها تتعمد ألا تلتقي نظراته بنظراتها وألا يرى ملامح وجهها قدر الإمكان ..
كان معها في زيارتها عند طبيبتها النسائية والتي طمأنتهما على صحة الجنين الذي ينمو بشكل طبيعي جدا …
طفلهما الثالث قادم في الطريق وكل شيء بينهما كما هو لم يتغير ولو بمقدار ضئيل ….
أطلق تنهيدة صامتة وعقله يخبره إنه يتحمل جزءا من مسؤولية ما يحدث … جزءا كبيرا وأساسيا فيعود كبرياءه يتغلب على تفكيره هذا ويخبره إنها سبب بداية كل شيء وأي شيء حدث كان بسببها هي أولا ..
إعتصر مقود سيارته بقبضته وهو يشعر بالغضب يكتسحه بقوة … غضب يسيطر عليه منذ سنوات فيروضه هو بأقصى مقدار يمتلكه من القوة وكم يخشى من تلك اللحظة التي سينتهي بها صبره ويتحرر غضبه فيبتلعها هي قبل الجميع دون رحمة …
أخذ نفسا عميقا قبل أن يهدأ قليلا وهو يحرك مقود سيارته بعدما تحول لون إشارة المرور للون الأخضر …
بعد حوالي عشر دقائق مال بسيارته نحو أحد المطاعم فنظرت له مستغربة عندما ركن سيارته في كراج المطعم وهو يخبرها :-
” سنتناول الفطور هنا ثم نعود الى القصر …”
لم تعلق أبدا حيث هبطت من سيارته تسير بجانبه الى داخل المطعم عندما إستقبلهما النادل وأخذهما الى إحدى الطاولات قبل أن يسألهما عما يحبان تناوله فيطلب منه راغب أن يعد مائدة الفطور لهما …
ابتعد النادل ليسألها وهو يسترخي في جلسته على مقعده :-
” هل أعجبك المكان ..؟!”
ردت بهدوء :-
” جميل …!!”
صمت للحظات قبل أن يقول بجمود :-
” هل تعلمين إنني لا أتذكر آخر مرة كنا فيها سويا لوحدنا …؟!”
ردت بنفس الجمود :-
” لكنني أتذكر .. قبل عام تقريبا .. عندما أجبرتني على تناول العشاء معك خارجا كي نبدو مثل أي زوجين طبيعين أمام العائلة …”
هز رأسه متذكرا فقال بتهكم :-
” صحيح ، لا بأس يا همسة … كنت مضطرا لذلك .. انت بالطبع لا يرضيك أن نثير تساؤلات وتكهنات من حولنا …”
قاطعته ساخرة :-
” بالطبع … أساسا هذا أهم شيء .. أن نرضي من حولنا ونمنحهم الصورة المثالية التي توقفهم عن الحديث والتساؤل ….”
همس من بين أسنانه :-
” لا تتوقعي مني أن أضحي بصورتي المثالية وإستقراري الأسري أمام من حولي لأجل أفكارك الغير مهمة …”
حدقت به بصمت للحظات قبل أن تنطق بتكلف :-
” لم تكن صورتك يوما مثالية ولن تكون .. انت لست مثاليا يا راغب بل على العكس .. انت بعيد تمام البعد عنها .. انت تدعي المثالية بينما حقيقتك عكس ذلك ..”
هزأ منها مرددا :-
” وانت البريئة المسكينة .. الضحية التي تعاني من مثاليتي المزيفة …!!”
هزت رأسها نفيا قبل أن ترد :-
” انا لست ضحية … طالما أعيش معك داخل هذه الصورة بإرادتي فهذا لا يعني إنني ضحية .. الضحية هي من تفعل شيئا ما مجبرة أما أنا فلست مجبرة أبدا …”
منحها نظرات جامدة قوية عندما تقدم النادل يحمل على المائدة المتحركة العديد من الأطباق التي تحتوي أشهى أنواع أطعمة الفطور ..
بدأ النادل يضع الأطباق أمامهما مع أكواب العصير إضافة الى إبريق الشاي الساخن وكوبين خاصين بتناول الشاي جانبه ..
ابتعد أخيرا ليأمرها راغب ببرود :-
” تناولي طعامك …”
ثم سحب شوكته وبدأ يتناول طعامه عندما فعلت هي المثل وبدأت تتناول الطعام على مضض …
تحدث بعدها قائلا بجدية :-
” أظن إننا سنعرف جنس الجنين بعد شهرين من الآن … ”
ردت بخفوت :-
” تقريبا …”
قال بجدية :-
” إذا كانت فتاة فسوف تسمينها انت …”
” غريب .. بالعادة انت من تختار الأسامي ولست أنا …”
قالتها بوجوم ليقول بجدية :-
” أنا أختار أسامي الصبيان وانت الفتيات .. ”
أكمل ببرود :-
” ثانيا أتذكر إنني سألتك عن رأيك في إسمي الولدين قبل تسميتهما وأنت وافقت ..!!”
ردت بحيادية :-
” لإن الإسمين أعجباني … ”
” جيد ، أين المشكلة إذا ..؟!”
سألها بضيق لترد بهدوء :-
” ليس هناك اي مشكلة .. انا تعجبت فقط ..”
أضافت تقول بعفوية :-
” أم إنك تجعلني من إسمي الفتاة لإنك لا تميل الى إنجاب الفتيات كما تفرح بالصبيان ..؟!”
همس مندهشا :-
” ما علاقة هذا الآن ..؟!”
أكمل بجمود سيطر عليه كليا :-
” اطمئني يا همسة .. انا لا أميز بين الصبي والفتاة .. على العكس تماما .. لو جائت فتاة هذه المرة فسأفرح بشدة وأدللها أضعاف دلال أخويها ..”
إبتلعت ريقها تردد :-
” لم أقصد .. هذا فقط ما خطر على بالي عندما قلت إنني سأسمي الفتاة …”
رد بجدية:-
” لإنها فتاة .. فكرت إنك ستحبين هذا فأنا أعلم مدى حبك للفتيات الصغار عموما ورغبتك دائما في إنجاب فتاة ..”
نظرت له بدهشة من إدراكه لرغبتها الشديدة منذ المراهقة أن تنجب فتاة يوما ما وهي التي كانت تتخيل نفسها دائما أما لفتاة صغيرة جدا وجميلة تحبها بشدة وتعتني بها وتختار لها أجمل الفساتين وتسرح شعرها وتشتري لها الدمى …!!
تجاهلت أفكارها وهي تردد بإختصار :-
” لنرى أولا نوع الجنين ثم نفكر في مسألة الإسم ..”
حمل شوكته وهو يردد :-
” لكنني إخترت إسمه بالفعل إذا كان صبيا ..”
ثم قال بجدية بعدما مضغ طعامه :-
” إذا كان صبيا سوف إسميه إبراهيم …”
رددت بدهشة :-
” إبراهيم …”
اومأ برأسه وهو يضيف بنبرة عادية :-
” نعم ، على إسم والدك ..”
حملت قدح الماء جانبها ترتشف منه قليلا قبل أن تضعه فوق المائدة مجددا وهي تهمس :-
” غريب .. ”
سألها بعدم فهم :-
” ما الغريب في الأمر ..؟!”
أكمل يتسائل ببرود :-
” ألا تودين أن يحمل أحد أبنائك إسم والدك …؟!”
نطقت بنفس الخفوت :-
” الأمر ليس هكذا .. انا فقط تعجبت من تفكيرك هذا …”
همس بصوت بارد لا يخلو من التهكم :-
” عادي .. أنت دائما تشعرين بالتعجب من تصرفاتي ..!!! لا جديد أبدا ..”
نظرت إليه وهي تردد بهدوء :-
” ربما لإنك دائما ما تتصرف بطريقة تفاجئني وتثير تعجبي وحيرتي ….”
مال نحوها وعيناه ترمقانها بقوة تحملها نبرته وهو يردد :-
” الخلل ليس في تصرفاتي .. الخلل عندك يا همسة .. أنت من تفشلين دائما في توقع تصرفاتي لإنك لا تعرفينني عن قرب ..”
تحدثت بجمود :-
” ربما لإنني لا أريد هذه المعرفة ..”
ضحك مرددا بصوت هازئ :-
” كلا ، أنت لا تعرفين ذلك .. لا تجيدينه مثلما لا تجيدين أغلب الأشياء …”
شعرت بالإهانة الشديدة من كلامه فرفعت ذقنها وهي تتحدث مدعية اللا مبالاة :-
” جيد … من حسن حظك إنني لا أجيد أغلب الأشياء لإنني لو فعلت لما كنت باقية هنا بجوارك …”
ابتسم مرددا بخفة :-
” واضح جدا … على العموم الطريق أمامك مفتوح .. يمكنك المغادرة متى ما أردت …”
نهض من مكانه يتابع جمود ملامحها التام فيضيف وعيناه ترمقانها بإزدراء شديد :-
” لكن عليكِ قبلها أن تدركي جيدا ما ستدفعينه ثمنا لمغادرتك … ”
أنهى كلماته مرددا قبل أن يضع مبلغا من المال فوق الطاولة و يتجه خارج المكان :-
” أنتظرك خارجا حتى تنهين طعامك ..”
تأملته وهو يغادر بملامح متشنجة تماما قبل أن تسحب المنديل تمسح به كفيها و فمها ثم تنهض من مكانها تتبعه وشعور الإختناق يسيطر عليها تماما …
……………………………………………………….
دلف الى مكتبه في القصر ليجد مهند يجلس هناك في إنتظاره فغمغم بضيق :-
” ما هي المصيبة الجديدة التي أتت بك عندي ..؟!”
سأله مهند متجاهلا ما قاله :-
” هل لديك بعضا من الوقت لي ..؟!”
رد راغب وهو يتجه نحو الكرسي الموضوع خلف المكتب ويجلس عليه :-
” اليوم عطلة يا مهند .. لا أشغال لدي ..”
قال مهند متهكما :-
” واقعيا انت مشغول حتى في يوم العطلة ..”
سأله راغب متجاهلا ما قاله بدوره :-
” إذا ، ماذا هناك ..؟!”
تأمل مهند ملامح أخيه التي بدت مشدودة على غير العادة فسأله ببرود :-
” تبدو لست بخير .. هل هناك مشكلة ما ..؟!”
سيطر راغب على أعصابه التي كانت متشنجة بشدة بسبب زوجته ليرد بهدوء مصطنع :-
” أبدا .. قل ما لديك .. أسمعك ..”
سأله مهند بجدية :-
” أين تقى يا راغب ..؟!”
رد راغب ببرود :-
” لا أعرف ..”
” توقف عن ذلك وأخبرني عن مكانها ..”
قالها مهند بقوة ليردد راغب بصدق هذه المرة :-
” حقا لا أعرف .. لقد رحلت بعدما تحدثت معها وعلمت إنني أعرف حقيقة ما فعلته ولا أدري أين ذهبت …”
رفع مهند حاجبه مرددا بعدم تصديق :-
” وانت تركتها تذهب بهذه السهولة ..؟؟ لا يمكنني تصديق ذلك ..”
سأله راغب ببرود :-
” وماذا كان يجب أن أفعل ..؟!”
قال مهند :-
” انا أعرفك جيدا يا شقيقي العزيز .. انت لن تترك تقى دون عقاب يليق بتصرفها لذا أخبرني أين هي من فضلك بدلا من إدعاء إنك تركتها دون أن تفعل بها أي شيء ..”
” ولكنني لا أدعي يا مهند .. انا بالفعل تركتها .. اضافة الى إنك لا تعرفني جيدا لإنك لو كنت تعرفني لأدركت إنني لن أنتقم منها ولن أفكر في ذلك أساسا .. هل تعرف لماذا ..؟!”
نظر له مهند بترقب ليسترسل راغب :-
” لإن مشكلتي مع تقى كانت واحدة فقط .. وجودها في حياتنا وتلونها لأجل الإنتماء الى عائلتنا بالكذب والخداع لذا بعدما كشفتها تماما بشكل يجعلها لن تفكر مجددا بالإقتراب من العائلة لم يعد هناك حاجة لفعل أي شيء معها ..فكرة الإنتقام لا تعنيني خاصة إنها لم تؤذِ أحدا يخصني عداك أنت وكونك كنت مستسلما لما يحدث راضيا بخداعها لك ومتمسكا بها رغم علمك بحقيقتها فأنا لن أتنازل وأنتقم منها لأجل عيونك يا مهند … لن أسعى لنيل حقك منها وأنت من سمحت لها بأن تفعل ما فعلته ..”
انتفض مهند من مكانه مرددا بعصبية مخيفة :-
” انا يجب أن أجدها .. يجب أن أجدها وأحاسبها على ما فعلته ..”
قال راغب بحزم :-
” توقف عن هذه التصرفات الصبيانية … علام تحاسبها ..؟؟ انت من سمحت لها بأن تتصرف هكذا .. أنت من أدخلت حرباء مثلها حياتك فلا تأتي الآن وتدعي إنك المسكين الذي تم خداعه …”
ضرب مهند سطح المكتب بقبضتيه مرددا :-
” لقد خانتني يا هذا …”
قاطعه راغب بنفس البرود المستفز :-
” لم تخنك .. واقعيا لم يكن هناك رجل في حياتها غيرك .. أما عن حملها بتلك الطريقة الشيطانية الحقيرة فهو يعتبر خيانة من نوع آخر .. ”
أضاف متعمدا :-
” وسأكررها يا مهند .. طالما إخترت أن تدخل واحدة مثلها حياتك فعليك أن تتحمل نتائج إختيارك هذه …”
أضاف وهو يحاول إمتصاص غضبه هذه المرة :-
” إنساها يا مهند .. تلك الفتاة انتهت من حياتك .. دعها تذهب الى الجحيم .. انا وانت نعرف جيدا إنك لم تحبها يوما وإن تمسكك بها بدافع العناد والتحدي ليس إلا .. لا داعي أن تكذب على نفسك وعلينا جميعا بعد الآن .. لقد أنقذك الله من هذه الشيطانة وتخلصت منها فلا تسعى لإدخالها حياتك من جديد وتخريبها ..”
قال مهند بغضب لمع داخل عينيه الزرقاوين :-
” إنها زوجتي يا راغب .. لا تنسى هذا ..”
قال راغب بجمود :-
” ما بينكما مجرد ورقة تم تقطيعها … هي لم تعد زوجتك هذا إذا إعتبرنا ما كان بينكما زواجا ..”
أضاف وهو يتأمل ملامح أخيه الغاضبة :-
” انا أعلم جيدا مقدار صعوبة ما تمر به .. أتفهمك يا مهند .. لكن صدقني أنا أفعل كل هذا لأجلك .. أنا أريد مصلحتك ..”
قاطعه مهند ضاحكا بخفة :-
” انت تريد مصلحتي .. لا أصدق هذا … ”
تقدم راغب نحوه ووقف أمامه قائلا بصدق ظهر بقوة في عينيه :-
” انا لا أريد شيئا سوى مصلحتك يا مهند .. حتى لو كانت طريقتي خاطئة بشكل ما ولكنني كل ما فعلته كان لأجلك …”
” نفس كلام والدك سابقا .. دائما ما تدعيان إنكما تفعلان هذا لأجلنا .. دائما ما تدعيان إنكما تريدان مصلحتنا وتدركانها أكثر منا ..”
قالها مهند بإنفعال مكتوم وهو يضيف :-
” السنوات تمر وأنت ووالدك لا تتغيران .. تتصرفان بنفس الطريقة وتتخذان دور الوصي علينا …”
قال راغب بهدوء متفهما حالته في هذه اللحظة :-
” ولكن في المرتين سواء انا او أبي كان معنا حق ..”
صاح مهند :-
” أبي لم يكن معه حق أبدا …”
سأله راغب متجاهلا ما قاله عن أبيه :-
” وأنا ..؟! ألم يكن معي حق بخصوص تقى …؟؟ ”
لم يجبه مهند فأضاف راغب بجدية :-
” هل تعلم .. ؟! الشيء الوحيد الذي كان يصبرني على تصرفاتك وتمسكك اللعين بها إنني كنت أدرك جيدا إن تمسكك بدافع العناد ليس إلا .. محاولة سخيفة للإنتقام من والدي ومني … ”
أضاف بجدية :-
” انت تعتقد إننا نحرمك من كل شيء ترغبه لأجل مصلحتنا … كلا يا مهند .. تقى تحديدا انا لم أرفضها لإنها لا تناسب عائلتنا .. لم أرفضها بسبب والدها المتهم بقضايا مشينة .. صدقني لو كانت تقى فتاة جيدة كنت سأضطر لتقبلها خاصة لو كنت بدورك تحبها حقا .. ربما لم أكن محبا لوجودها بيننا لكنني كنت سأتقبلها فقط لأجلك .. لإنك تحبها ولإنها تستحق .. لكن منذ البداية وأنا أدركت حقيقتها وإنها فتاة مستهترة عديمة التربية .. ولو تتذكر فدائما ما كنت أقف ضد صداقة توليب بها وأطلب منها أن تنهي هذه الصداقة والحمد لله قبولها بالزواج عرفيا منك أكد لي صحة تفكيري وإنني لم أظلمها أبدا .. ”
أخذ راغب نفسا عميقا ثم أشار الى مهند الذي ظهر تضارب مشاعره على وجهه :-
” أخبرني مالذي أخطأت به يا مهند لتتعامل معي بهذه الطريقة وتلقي فوق رأسي جميع هذه الإتهامات …؟! مالذي فعلته معك يجعلك تنظر إلي كشخص مؤذي ديكتاتوري لا يفكر سوى بنفسه ومصالحه ..؟؟”
سأل مهند متهكما :-
” ألست كذلك يا راغب ..؟!”
ضرب راغب على سطح المكتب مرددا :-
” كلا ، انا لست كذلك .. وانت تدرك ذلك جيدا .. تدرك ذلك يا مهند فلا تدعي عكس الحقيقة ..”
نطق مهند بصوت ثابت رغم حشرجة نبرته :-
” كنت ذلك في نظري .. كنت دائما كذلك حتى تلك المرة التي تخليت بها عني … انت تتذكرها بالطبع .. تتذكر عما أتحدث .. عندما خذلتني يومها يا راغب … ”
أخذ نفسا عميقا ليضيف بخفوت متألم :-
” قبل ذلك اليوم كنت أظنك سندي .. انت لم تكن أخي الكبير فقط يا راغب بل كنت أبي أيضا ..”
قاطعه راغب بصدق :-
” وانت كنت بمثابة ابني يا مهند .. كنت ولا زلت ..”
ضحك مهند مرددا بمرارة :-
” نعم ، ولهذا تخليت عني في أول مرة إحتجتك بها … تركتني أواجه والدك بمفردي وانت تدرك جيدا إن لا أحد يستطيع الوقوف في وجه عابد الهاشمي عداك انت …”
قال راغب مدافعا عن نفسه :-
” لم أتركك يا مهند .. والله لم أفعل … انا دعمتك ولكن بشكل سري … إفهمني يا مهند .. وقتها وقفت في المنتصف بينك وبين والدي .. كنت محتارا .. من جهة والدي الذي يعتبرني سنده و شريكه ومؤازره الأول في جميع الأمور ومن جهة انت .. شقيقي الصغير الذي أحبه أكثر من نفسي ولا أريد سوى سعادته .. ”
” فإخترت طرف والدي الذي جعلك إمتدادا له في المستقبل فلم يكن من المنطقي أن تخذله وتخسر تلك المكانة ..”
قالها مهند بسخرية ليهتف راغب بحزم :-
” لا تخلط الأمور ببعضها … وقتها لم أكن راضيا عن قرارك وكنت متفقا مع وجهة نظر والدي ومع هذا لم أقل هذا .. إتخذت موقف الحياد بينما إتفقت مع راجي على دعمك سرا … سعينا للوصول الى حل ولكن أبناء الصافي سبقونا وزوجوا الفتاة .. ”
ضحك مهند مرددا :-
” ومن السبب في ذلك ..؟! أليس والدك ..؟! ”
سأله راغب بجمود :-
” ماذا كنت تنتظر من والدي ..؟! أن يضع يده في يد أكبر منافس له في السوق ..؟!”
قال مهند بعينين لمعتا بقوة :-
” إذا أنت تعترف أن والدي فضّل أعماله وتجارته علي وعلى مشاعري …”
قال راغب بقوة :-
” ليس هذا السبب الوحيد .. أبي لم يكن يرغب بمصاهرة تلك العائلة .. فهم بالرغم من كونهم عائلة راقية ومن نفس طبقتنا لكنهم عائلة وصولية في نفس الوقت .. عائلة باطنهم يخفي الكثير من السواد والحقد … أفراد العائلة نفسهم كانوا على عداء سافر مع بعضهم فكيف سيكونون معك وانت الغريب عنهم والأسوء إنك ابن أكبر منافسيهم ..؟! لم يرد والدي أن تدخل في دواما عائلة الصافي الذين لم يكن ليتوانوا لحظة واحدة عن تمزيقك كليا … ”
” مبررات واهية ..”
قالها مهند مبتسما بإستهزاء ليرد راغب :-
” هذه ليس مبررات .. هذه حقيقة ..”
تنهد راغب بعدها ثم قال :-
” إنسى الماضي يا مهند .. لقد رحل الماضي بكل ما فيه .. نحن أبناء اليوم … ”
أكمل بصدق :-
” انا لم أتخلى عنك كما كنت تعتقد .. اقسم لك إنني كنت أسعى لمساعدتك لكنهم سبقوني …”
قاطعه مهند :-
” هل تتذكر عندما قررت فسخ خطبتك من يسرا …؟!”
عقد راغب حاجبيه متسائلا بتعجب :-
” مالذي ذكرك بهذا الموضوع الآن ..؟!”
هتف مهند ساخرا :-
” كنت ما زلت صغيرا حينها .. لم أكمل عامي الثامن عشر حتى .. ورغم ذلك وقفت معك حينها .. واجهت والدك ووالدتك وأخبرتهما أنهما لا يحق لهما أن يجبرانك على الإستمرار في علاقة لا تريدها .. رغم صغر سني وقتها لكنني دافعت عنك بضراوة لإنني كنت أحبك وأريد راحتك وسعادتك التي فقدتها بسبب تلك الخطبة ..”
قال راغب بصدق :-
” أقسم بالله وبحياة ولدي وطفلي القادم يا مهند إنني دائما ما كنت أريد المثل لك وأسعى لها وإن جميع تصرفاتي كانت بدافع حمايتك ولأجل مصلحتك وحتى في موضوع جوليا فأنا سعيت لجمعك بها وبإمكانك أن تسأل راجي وهو سيخبرك بكل شيء .. لماذا لا تصدقني حقا لا أفهم …؟!”
منحه مهند إبتسامة خائبة وهو يقول :-
” حتى لو صدقتك فلن يتغير شيء …”
” سيتغير كل شيء عندما تفهم إن لا أحد سيحبك بقدر عائلتك يا مهند .. عندما تدرك جيدا إنك أهم عندنا من أي شيء … إستوعب هذا من فضلك ولا تقسو على نفسك وعلينا أكثر … ”
منحه مهند نظرات باهتة قبل أن يهز رأسه وقد سيطر عليه الضياع كليا في تلك اللحظة ..
تأمله راغب بملامحه تلك فجذبه نحوه يعانقه بأخوية خالصة والغريب إن مهند إستسلم لعناقه فكانت هذه المرة الأولى التي يتعانق بها الأخوين منذ سنوات ..!!
…………………………………………………………
فتح عينيه بتعب وهو الذي نام لمدة طويلة جدا …
اكثر من ثلاثة عشر ساعة وهو نائم .. ربما هذه أكثر مدة نام فيها طوال حياته ..
إعتدل في جلسته فشعر بألم في ظهره ليتأوه بصمت قبل أن يتأمل المكان حوله بإرهاق يسيطر على كل إنش من جسده ..
تأمل هاتفه لا إراديا فتذكر موعد طائرته نهاية الإسبوع أي بعد ستة أيام ..!!
نهض من مكانه مقررا إنهاء كافة الإجرائات التي يجب أن ينهيها قبل سفرها ولكن قبلها عليه أن يتصل بصديقه داني ويخبره بأمر مغادرته البلاد هنا بعد أيام ..
حمل هاتفه وإتصل به يخبره بقرارة المفاجئ والذي صدم صديقه مكتفيا بإجابات مختصرة كاذبة عن أسباب عودته بهذه السرعة ..
أنهى إتصاله مع داني فإتجه نحو المطبخ يعد له كوبا من القهوة …
حمل كوبه بعد مدة وإتجه نحو الكنبة التي تتوسط صالة الجلوس فجلس عليها وبدأ يتناول قهوته عندما رن هاتفه فرفعه ليجدها غالية تتصل به …
أجابها بعد لحظات ليأتيه صوتها المتهلف كالعادة وهي تسأل عليه وتخبره عن مدى إشتياقها له ورغبتها برؤيته ..
أراد أن يخبرها إنه سيعود وستراه بالفعل بعد أيام لكنه كان قد قرر أن يخفي الأمر عنها وعن والدته حتى عودته لكن ما تبع ذلك وهي تسأله :-
” كيف حال حياة يا نديم ..؟! لقد إشتقت لها هي الأخرى كثيرا ..!! ما أخبار دراستها ..؟! وما أخباركما سويا …؟! ”
صمت ولم يعرف ماذا يجيب وفي نفس الوقت إستغرب من سؤالها الأخير فخمن إنها لاحظت توترا خفيا أثناء حديثها السابق مع حياة أو معه …
سمع صوتها يسأله بتوجس :-
” لماذا لا تجيب يا نديم ..؟! هل حياة بخير ..؟! هل أنتما بخير .؟!”
نطق أخيرا وبحسم :-
” نحن تطلقنا …!!”
صاحت بعدم تصديق :-
” ماذا تقول ..؟! تطلقتما ..؟!”
رد بهدوء مصطنع :-
” نعم يا غالية .. انا وحياة تطلقنا ..”
تسائلت بعدم إستيعاب :-
” كيف يعني هذا ..؟! كنتما بخير منذ يومين ..؟! كيف تتطلقان ..؟! ماذا يحدث معكما يا نديم ..؟!”
رد نديم ببرود :-
” عادي يا غالية .. نحن تطلقنا مثلنا مثل أي زوجين يقرران ذلك … لماذا تضخمين الموضوع ..؟!”
” توقف يا نديم من فضلك ولا تثير غضبي الآن ..”
قالتها بعصبية مكتومة وهي تضيف :-
” أخبرني ماذا ولمَ تطلقتما ..؟!”
رد وهو بالكاد يسيطر على إنفعاله :
” هي أرادت الطلاق وأنا طلقتها …!!”
هتفت غالية بصدمة :-
” هكذا ..!! بكل بساطة ..!!”
هتف ساخرا :-
” وهل يفترض بي أن أجبرها على البقاء معي وهي لا تريد ذلك ..؟!”
سألته غالية بإتهام صريح :-
” ومالذي جعلها تطلب الإنفصال ..؟! مالذي جعلها ترفض البقاء معك ..؟!”
رد بجمود :-
” إسأليها هي ..”
صاحت منفعلة :-
” بل أسألك أنت .. ماذا فعلت بالفتاة ..؟! لماذا طلبت الإنفصال بهذه السرعة …؟! مالذي فعلته بها لتسعى لذلك ..؟! ”
هتف غير مصدقا :-
” هل تستوعبين ما تقولينه يا غالية ..؟! بمَ تتهميني بالضبط ..؟!”
هتفت بحزن :-
” لا بد إنك أذيتها .. آلمتها كثيرا مما جعلها تنفصل عنك بهذه السرعة ..!!”
سألها بخيبة :-
” هل تعتقدين ذلك حقا ..؟!”
ردت بصوت متحشرج :-
” حياة تعشقك .. لو لم تكن أذيتها كثيرا ما كانت لتتخلى عنك …”
قاطعها بأنفاس ضائقة :-
” لكنها فعلت .. تخلت عني .. تركتني ورحلت ..”
قالت غالية غير واعية إنها تضغط على جرحه بقسوة :-
” بالتأكيد هناك سبب قوي دفعها لذلك .. هناك سبب يا نديم … أليس كذلك يا شقيقي ..؟!”
هدر منفعلا بغضب شديد :-
” انا السبب يا غالية .. هل إرتحتِ الآن ..؟! هل منحك جوابي هذا الراحة ..؟! نعم أنا أذيتها وآلمتها لدرجة جعلتها تفر هاربة مني .. هل إرتحت الآن..؟!”
” ماذا يحدث يا نديم ..؟! ما بالك تتحدث هكذا …؟! حسنا انا تسرعت لكن دعني أفهم ..”
قالت جملتها الأخيرة وقلبها تمزق ألما وهي تسمع نبرة التعب واليأس في نبرة صوته لتضيف بهمس موجوع :-
” ماذا حدث يا نديم ..؟! انا غالية .. شقيقتك .. أخبرني من فضلك .. دعني أفهم كي أساعدك ..”
هتف بصوت يائس :-
” لا أحد يمكنه مساعدتي .. لا أحد يستطيع …”
همست بنبرة شبه باكية :-
” لماذا يا نديم ..؟! انا يمكنني فعل أي شيء لأجلك .. فقط دعني أفهم .. لماذا طلقت حياة ..؟! لماذا أرادت هي الإنفصال ..؟! أنتما كنتما متفاهمين وهي تحبك و …”
قاطعها بضعف :-
” نحن لم نتفاهم يوما يا غالية .. واقعيا انا وهي كنا مختلفين في كل شيء ..”
” كيف يعني ..؟! انت أساسا تمسكت بها بسبب هذا … بسبب إحساس الهدوء والراحة الذي كنت تشعر به معها .. كنت مستقرا هادئا تماما في وجودها … حياة كانت نقطة إتزانك يا نديم وانت كنت حبيبها وحبها لك كان كالشمس واضح لا خلاف عليه .. كيف آلت الأمور بينكما الى هنا …؟! كيف حدث هذا فجأة ..؟! مالذي تغير ..؟!”
همس بجمود :-
” المشكلة الحقيقية إنني لم أكن لها ما تريد … لم أحقق لها ما تمنته دائما … ”
” ماذا تقصد ..؟!”
سألته بحيرة ليرد بوجع :-
” لم أحبها يا غالية … ”
أضاف وحلقه يختنق كليا :-
” لم أبادلها حبها الواضح للجميع كالشمس وهي بدورها لم تتحمل هذا فإختارت الرحيل …”
حل الصمت المطبق بينهما .. صمت امتد للحظات قبل أن تهمس بتساؤل :-
” ومن قال إنك لا تحبها …؟! ”
رد ببديهية :-
” انت تعرفين مشاعري نحوها لم تكن يوما حبا .. مشاعري ناحية حياة مختلفة .. هكذا كانت دائما …”
” وعلى أساس حكمت إنها ليست حبا ..؟! وإذا لم تكن مشاعرك نحوها حبا فماذا ستكون إذا ..؟!”
لم يجبها .. إلتزم الصمت مفكرا إنه سأل نفسه هذا السؤال فلم يجد جوابا منطقيا عليه …!
رد أخيرا بجهل حقيقي :-
” لا أعرف يا غالية …”
هدرت به :-
” أيها الغبي الأحمق .. إنظر الى حالتك وانت تتحدث ومدى الألم في نبرة صوتك وستدرك حقيقة مشاعرك نحوها …”
ختمت حديثها بأنفاس لاهثة قبل أن تغلق الهاتف في وجهه :-
” سأقول شيئا أخيرا قبل أن أغلق الهاتف .. حاول أن تدرس مشاعرك ناحية حياة جيدا فإذا لم تكتشف انت بنفسك حقيقة ما تشعره نحوها لن ينجح أي أحد في ذلك .. انت وحدك من تستطيع فعل ذلك لا احد سواك …مع السلامة يا نديم .. ”
……………:……………………………………………..
حملت حياة هاتفها وأخذت تنظر إليه بتردد …
يجب أن تتصل بوالدتها وتخبرها بأمر طلاقها ورغبتها بالعودة الى البلاد بأسرع وقت فهي يجب أن ترتب أمر عودتها الى البلاد والى جامعتها السابقة وهذا يجعلها بحاجة الى المال إضافة الى مساعدة أحدهم وبما إنها لا تمتلك أحدا سوى والدتها فهي مضطرة أن تخبرها بذلك ..
فتحت هاتفها وأخذت تبحث عن رقم والدتها فتطلعت لها للحظات تذكرت خلالها رفضها لهذه الزيجة فسارعت تغلق الهاتف وهي تتأفف بضيق ..
جلست على السرير تنظر الى الهاتف بضياع شديد قبل أن تحسم أمرها وتكتفي بكتابة رسالة مقتضبة لحنين تحتوي على كلمتين :-
” انا تطلقت …”
ثم سارعت تغلق الهاتف وتضعه على السرير قبل أن تتمدد جانبه ..
لحظات قليلة وإنتفضت من مكانها على صوت رنين هاتفها فوجدت حنين تتصل بها ..
حملت الهاتف وأجابت عليه بتردد ليأتيها صوت حنين المتلهف :-
” ماذا هذه الرسالة يا حياة ..؟! هل هذه مزحة ..؟؟!”
إبتلعت حياة غصتها وهي تنفي ما قالته أختها :-
” كلا يا حنين .. انا بالفعل تطلقت …”
صرخت حنين بعدم تصديق لتتجاهل حياة صرختها وهي تضيف :-
” أخبري والدتي بالأمر فأنا أحتاج أن أعود الى البلاد في أقرب وقت .. ”
” ماذا تقولين يا حياة ..؟! كيف يعني تطلقتي ..؟!
سألتها حنين بعدم إستيعاب لتردد حياة بتوسل :-
” من فضلك يا حنين .. ارجوك لا تبدئي الآن .. لا طاقة لدي بالحديث عن أي شيء .. تحدثي مع والدتي فقط .. هذا كل ما أريده منك … ”
” حسنا ..”
قالتها حنين بخفوت لتودعها حياة وهي تعاود التمدد على سريرها ليهتز هاتفها مجددا فتزفر أنفاسها بملل عندما جذبت الهاتف تنظر إليه وهي ما زالت على وضعيتها لتجد ماذي تتصل بها ..
تأملت إسمها للحظات قبل أن تضع الهاتف جنبها بعدما رفضت المكالمة لكن ماذي عادت تتصل بها …
زفرت أنفاسها بضيق وهي تعاود رفض المكالمة عندما وجدتها تبعث لها رسالة بعد لحظات كتبت فيها :
( أين أنتِ يا حياة ..؟! لماذا لا تجيبين ..؟؟ هل أنت بخير ..؟! أجيبيني من فضلك وإلا سآتي الى الشقة بنفسي لأطمئن عليك ..)
إعتدلت حياة في جلستها تتأمل رسالتها بتجهم لتتنهد بضيق قبل أن تجيب على رسالتها بأختصار :-
“(اهلا ماذي .. انا بخير .. فقط لا أريد التحدث مع أحد الآن .. ولا داعي أن تذهبي الى الشقة لإنني تركتها منذ أيام …)
وضعت هاتفها جانبا وقد رفعت ساقيها نحو جسدها تحيطهما بذراعيها بينما عينيها تتأمل المكان أمامها بشرود …
أفكارها عادت تتمحور حوله مجددا فيعود الألم ينهش قلبها دون رحمة والشوق يعصف بكيانها كليا ..!
عادت يهتز هاتفها مجددا فصاحت بعنف :-
” ماذا تريد هذه أيضا ..؟! ألا تفهم إنني لست بخير ولا أريد التحدث مع أحد ..؟!”
سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فهتفت بخفوت :-
” ادخل …”
دلفت جينا تسألها بقلق :-
” هل انت بخير ..؟!”
حملت حياة هاتفها وهي تقول :-
“هذه تتصل بي دون توقف رغم إنني أخبرتها إنني لا أرغب بالتحدث مع أحدهم … ”
سألتها جينا بحيرة :-
” هل هي صديقتك ..؟!”
ردت حياة بتعب :-
” ليس تماما ..”
أضافت وهي تمنحها الهاتف الذي عاد يرن مجددا :-
” أجيبيها يا جينا وأخبريها بإختصار عما حدث وإنني لا أريد التحدث مع أحد حاليا …”
” حسنا ..”
قالتها جينا وهي تسحب الهاتف وتضيف على مكالمة ماذي الذي هتفت بسرعة :-
” ماذا حدث يا حياة ولماذا تركتِ المنزل ..؟!”
ردت جينا بسرعة وهي لم تفهم لغتها العربية:-
” عفوا انا لا أفهم ما تقولينه … ”
سألتها ماذي بالإنجليزية :-
” من انت ..؟!”
ردت جينا :-
” انا صديقة حياة .. حياة لا ترغب بالتحدث مع أحدهم الآن .. هي مرهقة قليلا ..”
تمتمت ماذي :-
” هل تركت شقة زوجها حقا ..؟! ”
ردت جينا بعفوية :-
” نعم تركتها .. لقد إنفصلت عن زوجها ..”
صاحت ماذي بفرحة عفوية :
” حقا ..؟! ”
عقدت جينا حاجبيها وهي تردد بإقتضاب :-
” نعم … ”
قاطعتها ماذي تسألها بإهتمام شديد :-
” يعني تطلقت ..؟!”
ردت جينا بضيق واضح :-
” نعم ، والآن يجب أن أغلق فأنا مشغولة للغاية ..”
ثم أغلقت الهاتف في وجهها وأعطته الى حياة التي سألتها بتوجس :-
” ماذا هناك ..؟!”
ردت جينا بنبرة جعلتها عادية تماما متجاهلة الإنزعاج الذي أصابها عندما سمعت نبرة تلك المدعوة ماذي بعدما معرفتها بخبر الإنفصال والتي تكاد تجزم إنها كانت سعيدة للغاية :-
” لا شيء عزيزتي .. سأتركك ترتاحين .. حسنا ..”
ثم منحتها إبتسامة مطمئنة وهي تخرج من الغرفة وتغلق الباب خلفها تاركة حياة تتطلع الى آثرها بتعب قبل أن تتمدد مجددا على السرير وتتخذ وضعية الجنين هذه المرة محيطة جسدها بذراعيها ..
………………………………………………………………….
ما إن أغلقت هاتفها حتى صرخت بسعادة ..
لا تصدق ما سمعته .. لقد تطلقا .. هكذا بكل سهولة …
يا لك من محظوظ من عمار ..
في الحقيقة لم يكن عمار المحظوظ الوحيد هنا فهي أيضا محظوظة …
نعم هي تعترف إنها معجبة بذلك البارد حقا .. المغرور الذي يدعي العفة والإحترام أمامها ..
في البداية كان عاديا بالنسبة لها لكن رفضه المستمر لها جعلها تنجذب إليه ..
ربما لإنها لم تعتد على الرفض أو ربما إعتادت على إنجذاب الرجال نحوها ورغبتهم الشديدة في الحصول عليها ليأتي هو ويرفضها بكل تبجج مستفز ..
نعم إستفزها وإستفز بشدة غرور الأنثى داخلها مثلما تغلغل الإعجاب داخلها نحوه في كل مرة كانت تراه فيها وتحاول الإقتراب منه فلا تجد سوى الصد كردة فعل وحيدة …
فتحت هاتفها مجددا وأسرعت تتصل بعمار الذي أجابها بعد لحظات مرحبا :-
” اهلا ماذي الحلوة ..”
هتفت بمحبة حقيقية :-
” إشتقت لك ..”
رد بصدق :-
” وأنا أكثر يا حلوتي ..”
قالت بصوت مفعم بالحماس :-
” لدي أخبار رائعة لك .. ”
سألها مهتما :-
” أخبار تخص نديم ..؟!”
” وهل يوجد غيره ..؟!”
سألته بخفة ليسألها بلهفة :-
” ماذا حدث ..؟؟ هل من جديد ..؟!”
ضحكت بفرحة وهي تقول بسعادة كمن ربح جائزة ذهبية :-
” لن تصدق يا عمار .. لقد طلق زوجته ..”
نهض عمار من مكانه بسرعة مرددا بعدم تصديق :-
” انت تمزحين بالطبع ..؟!!!”
قالت بسرعة :-
” أبدا .. لقد عرفت بذلك منذ لحظات .. لقد تطلقا وحتى هي تركت شقتهما … ”
ابتسم بإتساع وهو يقول :-
” لا أصدق … بهذه السرعة ..!!”
ضحكت مرددة :-
” حتى أنا لم أصدق .. حدث ما كنا نريده قبل أن أتدخل وأضع بصمتي الخاصة حتى ..”
أكملت بخبث :-
” هذا يدل إنك محظوظ جدا يا ميرو ..”
تجاهل ذلك اللقب الذي تتعمد إغاظته من خلاله وقال :-
” دائما ما كنت محظوظ .. ”
أضافت بجدية :
” ولكن الحظ وحده لا يكفي عزيزتي ماذي .. ”
” إذا ..؟! مالذي تريده بعد ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد بمكر :-
” لقد حدث الطلاق ولكن هذا ليس كافيا … يجب أن ننهي هذه العلاقة من جذورها .. نبترها تماما يعني ..”
ابتسمت مرددة :-
” انت مشكلة حقا …”
قال بجدية :-
” ربما يتراجعان ويعودان لبعضهما خاصة إذا لم يكن هناك سبب قوي للطلاق لذا نحن يجب أن نستغل ما حدث جيدا و نقتل أي مجال للعودة بينهما ….”
أضاف بعدها :-
” سأعتمد عليك يا ماذي .. ”
قالت بثقة :-
” كل شيء سيحدث كما تريد .. اطمئن …”
ابتسم مرددا بثقة مماثلة :-
” أثق بذلك أكثر من أي شيء ..”
ودعته وأغلقت الهاتف لتتجه بعدها نحو المرآة تتأمل ملامحها الفاتنة فتلمس خصلات شعرها السوداء وهي تبتسم بمكر شيطاني أصبح مخيفا في تلك اللحظات وعينيها تلمعان بقوة وشراسة قادرة على حرق أعتى الرجال دون تردد ..
………………………………………………..
خرجت حنين من غرفتها متوجهة الى غرفة والدتها ..
طرقت على باب الغرفة ثم فتحتها بعد لحظات لتجدها فارغة فعرفت إن والدتها ليست في غرفتها ..
هبطت الى الطابق السفلي لتجد والدتها تجلس في صالة الجلوس تتابع التلفاز عندما تقدمت نحوها بتردد لتهمس :-
” ماما …”
إلتفتت أحلام وردت وهي تبتسم لها :-
” نعم حبيبتي …”
ثم تسائلت بقلق وهي تتأمل ملامح إبنتها الغير طبيعية :-
” ماذا هناك يا حنين ..؟!”
تقدمت حنين نحوها وجلست جانبها تهتف :-
” لقد حدث شيء ..”
قالت أحلام بسرعة وقلق :-
” تحدثي يا حنين .. لا تثيري ذعري …”
تمتمت حنين :-
” لقد تحدثت حياة معي منذ قليل …”
هتفت أحلام وهي تقبض على ذراعها بلهفة:-
” هل حدث شيء معها .. ؟! هل أصابها مكروه ..؟!”
هزت حنين رأسها وأجابت بسرعة :-
” كلا ، هي فقط .. تطلقت ..!!”
تجمدت ملامح أحلام للحظات قبل أن تهمس بعدم إستيعاب :-
” ماذا ..؟! تطلقت ..؟!”
اومأت حنين برأسها وهي تضيف بخفوت :-
” نعم ، أخبرتني بذلك وطلبت مني أن أخبرك بأمر طلاقها فهي تريد العودة الى هنا بأسرع وقت .. تحتاج الى أحد يساعدها ..”
نهضت أحلام من مكانها تردد بسرعة :-
” سأسافر لها فورا …”
نهضت حنين بدورها وقالت :-
” بالطبع ستفعلين … وانا سآتي معك …”
دلف أشرف ومعه نضال الى داخل الفيلا عندما ركضت أحلام نحوه تهتف بملامح حزينة :-
” يجب أن أسافر الى حياة بأسرع وقت يا أشرف ..”
شحبت ملامح نضال بقلق بينما تسائل أشرف بخوف :-
” ما بها حياة يا أحلام ..؟!”
أجابت أحلام بصوت باكي :-
” تطلقت …. ”
اتسعت عينا أشرف بعدم تصديق بينما إنفرجت ملامح نضال لا إراديا عندما همست أحلام بتوسل :-
” يجب أن أسافر لها حالا .. ارجوك …”
قال أشرف بسرعة :-
” حسنا ستفعلين .. سأحجز لك في أول طيارة تذهب الى هناك ..لا تقلقي .. ”
همست بترجي :-
” بسرعة من فضلك ..”
تدخل نضال مرددا :-
” سأتولى أنا هذا الأمر .. سأتحدث مع صديق لي يعمل في إحدى شركات الطيران وأحاول توفير مقعد في أقرب رحلة ممكنة ..”
” من فضلك يا بني .. ستقدم لي معروفا ..”
قالتها أحلام بدموع حبيسة بينما هتفت حنين بسرعة :-
” إحجز مقعدين يا نضال فأنا سأذهب معها كذلك …”
قالت أحلام بسرعة وهي تلتفت لها :-
” كلا يا حنين .. لن تأتي معي .. ”
عقدت حنين حاجبيها تردد بحزن :-
” لماذا ..؟!”
أجابت أحلام بجدية :-
” هكذا أفضل .. أحتاج الى الإنفراد مع حياة في وقت كهذا ..”
قال أشرف متفهما رغبة زوجته :-
” والدتك معها حق يا حنين … من الأفضل أن تكون مع حياة لوحدها ..”
هزت حنين رأسها بتفهم عندما قال نضال :-
” سأتصل الآن ..”
ثم أخرج هاتفه من جيبه وأجرى إتصاله مع صديقه عندما جلست أحلام على الكرسي جانبها بتعب بينما زوجها يربت على كتفها بدعم ..
أنهى نضال مكالمته بعد دقائق ليتجه نحوهم قائلا :-
” غدا موعد الطائرة في تمام الساعة الحادية عشر مساءا …”
هتفت أحلام تشكره :-
” شكرا حقا يا نضال …”
هتف نضال مبتسما برسمية :-
” لا شكر على واجب ..”
أكمل بعدها بتساؤل :-
” هل هناك شخص ما يستقبلك ..؟!”
ردت أحلام بسرعة :-
” لا أعلم .. انا حتى لا أعلم أين حياة ..؟؟ هل هي في منزل زوجها ..؟!”
إستدارت نحو حنين تسألها :-
” ماذا أخبرتك هي بالضبط ..؟!”
ردت حنين بخفوت :-
” لم تقل أي شيء … فقط أخبرتني إنها تطلقت وإنها لا ترغب بالتحدث حاليا …”
همست أحلام بألم :-
” بالتأكيد هي منهارة الآن …”
قال نضال بتردد :-
” برأيي إنكما ستحتاجان الى شخص ما يتولى المسؤولية هناك خاصة إذا ما قررت حياة العودة ..”
قاطعته أحلام بسرعة :-
” هي أساسا إتصلت بحنين لأجل العودة …”
قال نضال بجدية :-
” لهذا أقول إنكما تحتاجان الى شخص يرافقكما وينهي أي إجرائات يجب أن تتم هناك ..”
قالت حنين وهي تنظر إليه بجدية :-
” ربما يتصالحان يا نضال .. لم نستعجل في أمر كهذا ..؟!”
رد نضال بفتور :-
” تقولين إنها تطلقت .. أي صلح سيحدث …”
قالت حنين بنبرة ذات مغزى :-
” لا أحد يعلم ما سيحدث .. ربما هناك مشكلة ستأخذ وقتا وتنتهي …”
قال أشرف بدوره وهو ينظر الى ولده :-
” حنين معها حق .. لا داعي للإستعجال ..”
ليضيف :-
” وإذا حدث ما تقوله فسأسافر أنا لهما وأنهي جميع الأمور وأعود بهما الى هنا ..”
نهضت أحلام من مكانها تردد :-
” عن إذنكم .. سأذهب لأتصل بحياة عسى ولعل تجيبني واطمئن عليها ..”
” إتصلي بها مع إنني لا أظن إنها ستجيب ..”
قالتها حنين بحزن لتقول أحلام بقلق :-
” فقط أريد. الإطمئنان عليها ..”
” تعالي معي .. سنحاول أن نتصل بها ..”
قالها أشرف وهو يجذبها من كفها ليسيران نحو الطابق العلوي عندما نظرت حنين الى أخيها بنظرات غريبة ليسألها نضال ببرود :-
” ما بالك تنظرين إلي هكذا ..؟!”
ردت بحزم :-
” توقف عما تفعله يا نضال … ”
سألها مبتسما ببرود :-
” ومالذي أفعله ..؟!”
قالت بضيق :-
” انت تفهم ما أعنيه .. حياة تحب نديم لذا لا تحاول ولا تتأمل عبثا ..”
ضحك نضال بخفة قبل أن يردد بإستهزاء :-
” تحبه جدا يا حنين .. الحب بينهما كبير لدرجة إنهما تطلقا بعد شهرين من زفافهما .. يا لها من قصة حب عظيمة …”
قالت حنين بتجهم :-
” سيتصالحان قريبا .. حياة تحب نديم ولا يمكنها أن تتركه بسهولة ..”
رد نضال بثقة ؛-
” صدقيني .. مهما كانت تحبه فهذا لن يغير الحقيقة ..”
سألته بوجوم :-
” وما هي الحقيقة ..؟!”
رد ببساطة :-
” إن هذه الزيجة كانت خطئا منذ البداية وإن حياة تدفع ثمن عجلتها وإنجرافها خلف مشاعرها دون تفكير .. لقد أخبرتها هذا يوما وحذرتها من الإستعجال لكنها أبت أن تقتنع بحديثي والنتيجة كما ترينها أمامك عزيزتي .. طلاق بعد مدة قصيرة جدا لا تكاد تذكر …”
أنهى كلماته بإبتسامة ماكرة قبل أن ينسحب من المكان تاركا حنين تطالع آثره بإنزعاج شديد ..
………………………………………………………..
مساءا ..
دلفت ليلى الى الفيلا لتسأل الخادمة عن والدتها فتخبرها إنها في غرفتها ترتاح قليلا ..
هزت رأسها بتفهم وهي تتجه لتصعد الى الطابق العلوي مفكرة في حفل زفاف اليوم والذي يخص إحدى صديقاتها منذ أيام الدراسة ..
حفل جاء في وقت غير مناسب على الإطلاق لكنها مضطرة أن تذهب فالعروس إحدى أقرب صديقاتها وستحزن كثيرا في حالة عدم حضورها …
سارت بملامح مرهقة نحو غرفتها عندما توقفت للحظة تسمع صوت صياح عبد الرحمن ومحاولات المربية لتهدئته ..
توقفت للحظات حائرة قبل أن تحسم أمرها وتتقدم الى داخل غرفته وهي تسأل المربية :-
” ماذا يحدث يا هيلدا ..”
ردت المربية بلكنتها العربية المكسرة :-
” عبد الرحمن يرفض تناول طعامه ..”
إتجهت ليلى بأنظارها نحو الصغير الذي كان يبرم شفتيه للأسفل وملامحه واجمة تماما …
للمرة الأول تدقق النظر في ملامحه فبدا شبيها بها وشقيقتها وبالتالي شبيها بوالدها حيث ورث الشعر الأشقر والبشرة ناصعة البياض منهما وكذلك لون عينيها العسلي المماثل للون عيني والدها أيضا …
كان عبد الرحمن بدوره يتأملها بتدقيق قبل أن يتسائل بصوته الطفولي المنزعج :-
” من أنت ..؟!”
إبتسمت ليلى لا إراديا وقد شعرت بتأنيب الضمير عندما أدركت إنها تجاهلت الصغير تماما منذ قدومه رغم إنه كان لديها ما يكفيها من مشاكل تجعلها عاجزة عن التفكير به لكنها لامت نفسها كثيرا وهي تتقدم نحوه تبتسم له بحنو وهي تعرف عن نفسها :-
” انا ليلى …”
ثم أضافت وهي تنحني نحوه :
” أختك …”
تقوس حاجبيه بطريقة محببة وهو يهتف بعدم إستيعاب :-
” أختي ..؟! كيف يعني ..؟!”
إبتسمت بخفة وهي تقول شارحة له :-
” بابا أحمد يكون والدي أيضا وبالتالي أنا أختك …”
أضافت تسأله :-
” لماذا ترفض تناول الطعام ..؟!”
رد وهو ينظر الى الخادمة بضيق :-
” انا لا أحب هذا الطعام …”
” حقا ..؟! وماذا تحب إذا ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد وهو يلعق شفتيه :-
” أريد البرغر مع البطاطا …”
قالت هيلدا متدخلة :-
” أخبرتك إن هذا الطعام ليس صحي يا عبد الرحمن ..”
صاح عبد الرحمن بها :-
” لا تتدخلي …”
همست ليلى بحزم لا يخلو من اللين :-
” لا تصرخ بها يا عبد الرحمن .. إنها إمرأة تكبرك سنا .. عيب أن تتصرف هكذا وترفع صوتك عليها …”
عقد عبد الرحمن ذراعيه أمام صدره وأخذ يتأفف بضيق فنظرت له ليلى بدهشة من تصرفاته قبل أن تتمتم بينها وبين نفسها :-
” يبدو إننا سنعاني كثيرا معك أيها الأشقر الصغير ..”
ثم عادت تبتسم له قبل أن تقول بنفس الصوت الحازم :-
” إعتذر من هيلدا يا عبد الرحمن ..”
هم عبد الرحمن أن يرفض لكن نظرة عينيها الحازمة جعلته يتراجع وهو يردد بخفوت :-
” آسف هيلدا ..”
ثم أخفض نظراته نحو الأسفل لتبتسم ليلى وهي تربت على وجنته بحنو :-
” أحسنت يا صغيري .. ولإنك إعتذرت سأمنحك جائزة صغيرة …”
رفع وجهه المتلهف نحوه يردد :-
” جائزة ..؟!!”
اومأت برأسها وقالت :-
” سأطلب من الخادمة أن تجهز لك البرغر والبطاطا المقلية .. حسنا ..؟!”
صفق بسعادة لتبتسم وهي تتأمل ملامحه الطفولية الجميلة عندما شعرت برغبة شديدة في معانقته وتقبيله …
جذبته نحوها تحتضنه ثم تقبله من وجنتيه قبل أن تنهض من مكانها وتشير الى هيلدا :-
” ستجهز الخادمة عشاءه وتجلبه .. حسنا ..”
هزت هيلدا رأسها بتفهم بينما همت ليلى بالمغادرة عندما فوجئت به ينادي عليها بإسمها فإلتفتت نحوه لتجده يحرك كفه أمامها مرددا بإبتسامة :-
” باي ليلى …”
ضحكت بسعادة وهي ترفع كفها بدورها وتحركها بنفس الطريقة :-
” باي عبد الرحمن ..”
غادرت بعدها الغرفة لتجد مريم تخرج من غرفتها وهي ترتدي ملابس الخروج فسألتها وهي تضيق عينيها :-
” أين تذهبين الآن يا مريم ..؟!”
ردت مريم بجدية :-
” سأتناول العشاء مع صديقاتي …”
عقدت ليلى ذراعيها أمام صدرها وهي تردد :-
” حسنا لا تتأخري ..”
رفعت مريم حاجبها تردد :-
” ما هذا الآن …؟! ما رأيك أن تحددي لي موعدا للعودة …؟!”
منحتها ليلى نظرة صامتة لكنها تحمل الكثير من المعاني قبل أن تتحرك من أمامها عندما أوقفتها مريم تسألها :-
” ما بالك تنظرين إلي هكذا ..؟!”
نظرت ليلى نحوها تجيب وهي تهز كتفيها :-
” ما بالها نظراتي ..؟!”
ردت مريم بجمود :-
” غريبة .. هناك شيء ما خلفها …”
ردت ليلى وهس تبتسم بإتساع :-
” ربما تتوهمين يا مريم …”
أضافت وهي تربت على كتفها :-
” إذهبي الى موعد عشائك بسرعة فمن غير اللائق أن تتأخري على صديقاتك ..”
أنهت كلماتها وإتجهت نحو غرفتها تاركة مريم تتابع رحيلها بحيرة وهي أصبحت متيقنة إن هناك شيء يحدث مع ليلى يجعلها تتصرف معها بتلك الطريقة ..
…………………………………………………………..
بعد مرور ساعتين ..
تقدمت الى داخل القاعة التي يقام بها حفل الزفاف بفستانها الأسود ذو التصميم الجذاب وشعرها المصفف بعناية حيث ينسدل بخصلاته الشقراء المموجة على جانبي وجهها ..
إستقبلتها والدة العروس مرحبة بها قبل أن تتجه ليلى نحو العروس التي إستقبلتها بسعادة فتبارك لها وللعريس ثم تتجه بعدها نحو احدى الطاولات حيث يجلس عليها مجموعة من أصدقائها وأشخاص تعرفهم ..!!
جلست تتبادل الأحاديث مع أصدقائها الذين لم تلتقِ أغلبهم منذ مدة طويلة ..
مرت حوالي ساعة عندما نهضت من مكانها تستأذن حيث إتجهت نحو الحمامات النسائية تعدل مكياجها قبل أن تخرج فتسير نحو الحديقة الخارجية كي تبتعد قليلا عن صوت الموسيقى العالي وتستمتع بنسمات الهواء اللطيفة في هذا الفصل المميز ..!
أخرجت هاتفها من حقيبتها وأخذت تنظر إليه بتردد قبل أن تحسم أمرها وتقرر مراسلته بعدما حاولت الإتصال به أكثر من مرة دون إجابة ..
إحتارت فيما ستكتبه له عندما حسمت قرارها أخيرا وهي تكتب بأنامل مرتجفة :-
( انا آسفة يا زاهر .. لم يكن علي التصرف بهذه الطريقة ولا قول هذا الحديث .. أعتذر حقا ..)
ثم ضغطت على زر الإرسال ثم أخذت بعدها نفسا طويلا وزفرته ببطأ ..
سارت بعدها عائدة نحو القاعة مجددا عندما إلتقطت عيناه قدومها وهو الذي كان يتابعها منذ وصولها الى الحفل …
وقفت ليلى في مقدمة القاعة تتأمل الحفل مبتسمة عندما تقدم نحوها ووقف جانبها لتنظر له بتعجب فيبتسم برسمية وهو يخبرها :-
” لم أتوقع أن أراك هنا .. يبدو إنه يوم حظي بالفعل …”
همست بتعجب :-
” عفوا .. من أنت ..؟!”
صدح صوت إحدى الأغاني الكلاسيكية الهادئة عاليا عندما جذبها نحو جسده يراقصها غير آبها بردة فعلها وصدمتها من تصرفه عندما همس لها وهو يسيطر على جسدها بين ذراعيه :-
” كان من المفترض أن نلتقي مسبقا ..”
همست بحدة :-
” كيف تجرؤ على تصرف كهذا ..؟!”
ابتسم مرددا ببساطة :-
” ماذا فعلت ..؟! راقصتك دون إذنك ..”
أكمل وهو يردد ببرود:-
” لو كنت سألتك ما كنتِ لتوافقي ..”
هتفت هازئة :-
” فأجبرتني على ذلك وأنت تسحبني من ذراعي وتراقصني … ”
” يمكنك التوقف عن الرقص ..”
قالها متحديا لترد بقوة :-
” لست أنا من تتصرف بطريقة تثير الأنتباه والتكهنات ..”
ابتسم بنفس الطريقة مرددا بثقة :-
” أعلم .. ”
” من أنت وماذا تريد ..؟!”
سألته بتجهم ليرد معرفا عن نفسه :-
” كنان نعمان .. ”
أضاف وعيناه تلتهمان ملامحها الرقيقة :-
” إنها المرة الأولى التي أراكِ فيها وجها لوجه .. على الطبيعة يعني .. أنا أعرفك جيدا ولكن شكلك على الواقع أجمل بكثير من الصور ..”
همست تتسائل وهي تضغط على أسنانها :-
” لم تجب على سؤالي .. ماذا تريد مني ..؟!”
رد بحيادية :-
” أريد الكثير ..”
إحتدت ملامحها فظهر العبث على ملامحه وهو يضيف :-
” ولكن الآن أريد شيئا واحد ..”
سألته ببرود :-
” وهو ..؟!”
رد ببديهية :-
” شراكة .. صفقة مهمة مع شركة والدك .. صفقة ستدر على شركتكم بالكثير ..”
لاحت التساؤلات في عينيها فيضيف :-
” سوف تساعد في حل الضائقة المالية التي تعانون منها ..”
قالت بسرعة :-
” لا توجد ضائقة مالية او ما شابه ..”
قاطعها بهدوء مليء بالثقة :-
” انا أعلم كل شيء يا ليلى .. لا داعي أن تقولي عكس الواقع .. ”
سألته بريبة :-
” ماذا تعلم ..؟!”
رد بجدية :-
” أعلم كل شيء ومستعد للوقوف جانبك ومساندتك حتى تستعيدي كل شيء كما كان ..”
سألته بجمود :-
” والمقابل …؟!”
رد مبتسما بكياسة :-
” شيء بسيط جدا …”
سألته بتردد :-
” ما هو هذا الشيء ..؟!”
أجابها بخفوت :-
” سأخبرك ولكن ليس هنا .. غدا سأكون عندك في الشركة …”
تراجعت خطوة الى الوراء فهمس ورائحة عطرها الهادئة سيطرت على حواسه تماما :-
” بالمناسبة عطرك رائع … ”
شعرت بلسانها ينعقد عندما أضاف بلطف لا يناسبه :-
” الرقصة إنتهت يا ليلى ..”
سحبت كفها من حصار كفه على الفور وإندفعت تبتعد عنه يتابعها هو بأنظاره التي إحتضنتها كليا فيخبر نفسه إنها مختلفة في كل شيء …
يمني نفسه بقرب سيناله يوما ما ولكن ليس الآن فلديه ما هو أهم ..
سينتهي من عمار الخولي أولا ثم يتفرغ لها ولكنه لن يغفل منذ هذه اللحظة عن تتبعها بإستمرار فلا تغفل عيناه عنها حتى يأتي الوقت المناسب ويقتحم حياتها كما أراد وقرر ..
اما هي فسارت بتوتر بعيدا نحو الجهة الأخرى من القاعة عندما إصطدمت بإحداهن التي إعتذرت بسرعة فإعتذرت ليلى بدورها قبل أن تسمع الفتاة تردد بفرحة :-
” هذه انت يا ليلى .. كيف حالك ..؟!”
ابتسمت ليلى عندما وجدتها احدى صديقاتها المقربات في الجامعة:-
” نائلة .. كيف حالك .. يا إلهي كم تغيرت .. لكنكِ جميلة كعادتك ..”
ابتسمت نائلة وهي تردد :-
” ليس بقدر جمالك أيتها الشقراء اللامعة ..”
ضحكت ليلى وهي تردد :-
” لن تتوقي عن إطلاق هذا اللقب حتى بعد كل هذه السنوات ..”
قالت نائلة بسعادة :-
” ولن أتوقف .. ”
أضافت تسألها بإهتمام :-
” كيف حالك ..؟!”
ردت ليلى وهي تتنهد :-
” بخير الحمد لله ..”
تقدم النادل نحوهما فسحبت ليلى العصير وكذلك نائلة عندما وقفت نائلة جانبها تثرثر بمرح وعفوية كعادتها …
سألتها فجأة من بين حديثها :-
” من أين تعرفين كنان نعمان ..؟!”
نظرت ليلى لها بدهشة وهي تردد :-
” لا أعرفه … هل تعرفينه انت ..؟!”
ابتسمت نائلة مرددة بخفة :-
” بالطبع أعرفه .. انه رجل اعمال مشهور وله ثقله في البلد ..”
أضافت ضاحكة :-
” كنتما ترقصان سويا منذ لحظات .. كيف لم تعرفينه ..؟!”
هتفت ليلى بنباهة :-
” لماذا تفاجئت إذاً عندما رأيتني بعدما إصطدمت بك وأنت رأيتني مسبقا وأنا أرقص …؟!”
هتفت نائلة مبتسمة :-
” دائما ما كنتِ نبيهة … ”
أكملت بجدية :-
” عرفتك من الفستان يا هانم .. في الحقيقة لم أرَ وجهك وهو يراقصك .. كنت توليني ظهرك ولكن كان داخلي فضول لمعرفة الفاتنة التي يراقصها كنان نعمان ..”
” ما بالك تتحدثين عنه بكل هذه الأهمية ..؟!”
سألت ليلى بإنزعاج عندما قالت نائلة بتعجب :-
” انت حقا لا تعرفينه يا ليلى …”
” ومن أين سأعرفه بالله عليك .. انا لم أهتم يوما بعالم التجارة والأعمال …”
قالتها ليلى بجدية عندما هتفت نائلة :-
” لكنه كان صديق زوجك أقصد طليقك ..!!”
” تقصدين عمار ..؟!”
سألتها ليلى بذهول لتمازحها نائلة :-
” وهل تزوجتِ سواه ..؟!”
سألتها ليلى مجددا بعدم إستيعاب :-
” كان صديقه حقا ..؟!”
اومأت نائلة برأسها وهي تؤكد ما قالته :-
” نعم يا ليلى .. كنان كان صديق مقرب لعمار والجميع يعرف بعلاقتهما الوطيدة منذ أيام الجامعة …”
أصافت بجدية :-
” لا أفهم كيف لا تعرفينه وهو كان أقرب أصدقاء طليقك ثم أضحى عدوا له …!”
” وهل أنا مجبرة أن أتعرف على جميع أصدقاء عمار يا نائلة ..؟!”
قالتها ليلى بملل قبل أن تسألها وقد إنتبهت لحديثها :-
” لكن ماذا تقصدين بإنه أصبح عدوه ..؟!”
شرحت لها نائلة :-
” عمار وكنان كانا صديقين لسنوات طويلة حتى إن هناك مشاريع تجارية جمعتهما نتيجة لصداقتهما لكن حدث خلاف مفاجئ وتحولا الى عدوين وأصبحا ينافسنان بعضهما بشراسة ..”
تمتمت ليلى بخفوت :-
” غريب حقا ..”
قالتها نائلة بنبرة جادة لتنظر لها ليلى بتعجب عندما أكملت نائلة :-
” إنه ليس هينا أبدا ..”
” وما شأني به أساسا ..؟!”
قالتها ليلى بحنق عندما قالت نائلة بجدية :-
” طالما راقصك يعني وضعك في رأسه …”
أكملت وهي تغمز لها :-
” وهو جذاب وخطير جدا ..”
هزت ليلى رأسها بنفي :-
” تبالغين حقا ..”
قالت نائلة بجدية :-
” انا لا أبالغ .. إنه جذاب بالفعل .. مختلف ومميز ولكن الأهم من ذلك كله إنه زير نساء من الدرجة الأولى ..”
رفعت ليلى حاجبها عندما أكملت نائلة وهي تميل نحوها :-
“معروف في الأوساط الراقية بعلاقاته النسائية المتعددة إضافة الى كونه لا ينتقي سوى أجمل النساء وخاصة المشاهير من الممثلات وعارضات الأزياء وغيرهن …”
” لماذا تخبريني بهذا الآن ..؟!”
سألتها ليلى بتجهم لتهز نائلة كتفيها وهي تقول :-
” بدافع التحذير ليس إلا ..”
” هو لا يهمني أساسا …”
قالتها ليلى بجدية قبل أن تنظر أمامها مجددا غافلة عن ذلك الذي لم يتوقف عن متابعتها بجميع تحركاتها طوال الحفل وعقله يخطط بكل ما يمتلك من مكر ودهاء للوصول إليها ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية