رواية اغصان الزيتون كاملة بقلم ياسمين عادل عبر مدونة دليل الروايات
رواية اغصان الزيتون الفصل الرابع و الثمانون 84
“الحقيقة مثل عُقدٍ، لو انفرطت حبةٍ تساقطت باقي اللؤلؤات.”
____________________________________
خرج الطبيب من غرفتها وعلى وجهه تعابير الأسف، ناول مساعدتهِ الحقيبة خاصته وأشار إليها وهو يُملي عليها أوامرهِ في خفوتٍ هادئ، فـ استبقته للخارج بينما اقترب هو من “صلاح” ليشرح له حقيقة الوضع المحزنة :
– للأسف الحالة من سئ لأسوأ، انت عارف إن العامل النفسي بيلعب دور مهم جدًا في أي خطة علاج، والمدام كل مدى في النازل.
ذمّ “صلاح” على شفتيه ممتعضًا، ثم سأله مباشرة عن الحل المقترح :
– يعني نعمل دلوقتي؟.. طالما مفيش أمل الشلل ده يخف على الأقل تفضل عايشة.
– أنا بنصح إنها تتنقل المستشفى وهناك هتلقى الرعاية الكاملة، وجودها هنا مش مفيد بأي حاجه.
هز “صلاح” رأسه رافضًا تلك الفكرة من أساسها :
– لأ مش لازم، اللي محتاجينه نوفره هنا وخلاص يا دكتور، أنا مش فاضي لمواويل المستشفيات دي.
فـ حذره الطبيب بدورهِ، كي يُخلي كامل مسؤوليته إذا ما أصابتها أي انتكاسة :
– أنا حذرت وقولت إنها محتاجة رعاية مشددة وده دوري، الباقي عليكم.. لا قدر الله ممكن تصاب بسكتة دماغية في أي وقت تؤدي للوفاة.
لم يتحمل “صلاح” سماع تلك الحقائق المحزنة، فـ مدّ يدهِ في فظاظةٍ فجة ليصافح الطبيب في شئ من العجالة قائلًا :
– شكرًا على زيارتك وتعبك يادكتور، إذا جدّ جديد هتواصل معاك.
انسحب الطبيب دونما إضافة أي قول آخر، مقررًا عدم متابعة الحالة مرة أخرى، طالما إنه يواجه تقليلًا من نصائحه وعدم تقدير تواجده هنا الآن. أما “صلاح” فقد أصرف عقله عن التفكير مطولًا بشأن هذه الأمور -السطحية- كما يراها، وقد انهمك كُل تفكيره مع كيفية الوصول لقاتل ابنته من ناحية، والإنتقام لشرفهِ من ناحية أخرى، شاعرًا بجوع مشاعرهِ العدائية التي لم تخمد إلا إذا ثأر لابنته وعائلته، مهما كلفهُ ذلك من ثمن.
***************************************
بعدما أعدّت رضاعة الصغير وانتهت من تجهيزها، وضعتها للحظات في الماء البارد كي تهدأ حرارتها قليلًا فيتمكن من تناول وجبتهِ دون أن يؤذيه مذاقه الساخن. كل ذلك وعقلها يعمل عملًا دؤوبًا گالترس دون أن يتوقف، وكل ما في خاطرها هو استرداد لمشاهد سابقة، محاولة استعادة أي تفصيل يخص تلك الليلة المشؤومة، بعدما أخبرها “زيدان” بتلك المعلومة الجديدة.
—عودة للأمس—
وضعت “سُلاف” المادة المُطهرة موضع جروح قدمهِ، وأغرقت الجلد بها من أجل تعقيمها وتطهيرها من أي تلوث، بينما كان “زيدان” واقفًا جوارها يراقب ما تفعله بتركيز، حتى قاطعها قائلًا :
– أنا مش عارف ليه رافضة أساعدك!.
تأففت” سُلاف” بتذمرٍ وهي تهتف بنبرة منزعجة :
– ما قولتلك لأ، هفضل أعيد وأزيد في الكلام كتير ولا إيه!.
رمقها “زيدان” بنظراتٍ ساخطة، وهو يُدلي باعترافٍ خطير، لأول مرة سيخرج للوسط :
– طالما انتوا الجوز مش مفرطين في بعض أوي كده بتعملوا كده ليه في بعضيكوا!!.. ولا هو وجع قلب وخلاص!؟.
انتبهت كل حواسها له، وزجرتهِ بنظراتٍ غاضبة وهي تصيح بإنفعال :
– انت بتقول إيه انت؟؟.
– بس متزعقيش أوي كده، أنا بقول الحقيقة.. هو شالك على دراعاتهُ في عز وجيعته، وانتي دلوقتي بتمسحي على جروحه!!!.. انتوا عُبط ولا بتستعبطوا ولا انتوا إيه حكايتكوا بالظبط عشان افهم بس!.
تجاهلت كل ما كانت تقوم به، ونهضت عن جلستها لترمقه بإستغرابٍ متحفزّ، ثم سألت بترقبٍ :
– أنا بتقول ايه انا مش فاهمه حاجه؟.. مين شال مين؟.
تلوت شفتي “زيدان” مستهجنًا، ثم فسّر لها :
– اليوم اللي اتصابتوا فيه بالرصاص، الباشا شالك بنفسه وهو بينزف عشان يلحقك، مفكرش حتى في نفسه.. وانتي بعد كل ده آ….
قاطعته غير راغبة في سماع باقي كلماتهِ، مُشيرة بيدها للخارج :
– أخرج بـرا، مش عايزة أسـمع حـاجه تـاني منك.
تقزست شفتي “زيدان” وهو يوليها ظهرهِ ليخرج، وأثناء ذلك كان يغمغم بـ :
– هي كده كلمة الحق بتقف في الزور.
—عودة للوقت الحالي—
انتشلت “سُلاف” رضاعة طفلها من الماء، ثم تحسستها ببشرة وجهها، كي تتأكد من إنها باتت ملائمة له، وحينما التفتت تفاجئت به خلفها مباشرة، فـ شهقت بصوت مكتوم وهمست بـ :
– بسم الله الرحمن الرحيم.
مشى بتعرجٍ نحو المبرد وهو يهتف بسخرية :
– إيـه شوفتي عفريت؟؟.
فتح المبرد ليتفاجأ به ممتلئًا حتى آخره، فـ التفت يرمقها بذهولٍ وهو يقول :
– إيه كمية الأكل دي ؟؟.. انتي جاية عاملة حسابك تعمري هنا بقى؟.
تأففت بضجرٍ ولم توليه أدنى اهتمام، فـ استوقفها قبل أن تخرج قائلًا :
– إيه موضوع اللبن الصناعي ده!! ما ترضعي الولد بنفسك ولا خايفة على نفسك من الترهلات!.
التفتت رأسها فجأة نحوهِ، ترمقه بذهولٍ حاد :
– إيه بقولك كلام غريب؟؟.
صفق باب المبرد وهو يعيد سؤاله :
– مش بترضعي زين طبيعي ليه؟.
كان جهادًا شديد الصعوبة، أن تبذل أقصى وسعها لئلا تُظهر توترًا أو تردد، لتجيب بيُسرٍ غير مثير لأي شك :
– في تفاصيل كتير تخص زين مش من حقك تعرفها، انت فقدت الحق ده من ساعة ما زين اتولد وملقاش أب معاه.. فهمت ولا أعيد تاني.
سرت في خطواتٍ مدروسة، لم تتعجل فيها أو تُبطئ، حتى اختلت بنفسها في الغرفة التي اختارتها، فـ أحست وكأن دقات قلبها گقرع طبول الحرب، يضخ الدماء بقوةٍ، تنفست بصعوبة وهي تضع يُمناها على موضع قلبها، ثم ازدردت ريقها وهي تخطو بتمهلٍ نحو “زين”، حملته أولًا لتشم رائحتهِ وتُعبئ صدرها بها، ثم بدأت في ملاطفته كي تتغلب على المشاعر السلبية التي غمرت بواطنها، لتبدأ في إرضاعهِ على الفور، وفي صدرها هواجسٍ متخوفة مرتعبة، يرافقها إصرار مستميت يرفض التخلّي والإستغناء مهما كانت عاقبة الأمر.
أما عنه، فقد بدا الأمر شائكًا بالنسبة له، محتلًا جزء كبير من تفكيرهِ، تناول بعض من شرائح الأناناس المُحلّى وهو يدبر في ذهنه أمر ما، سيُخلصه من تلك الحيرة التي طفت على سطح مشاعره فجأة، دون أن ينتبه قطّ إنها المرة الأولى التي يفكر فيها بالموضوع، لكن كل ما حوله يؤكد أن ثمة موضوعات كُثر لم يكشفها بعد.
نظر “حمزة” لأقدامهِ بفضولٍ، فأحس برغبةٍ في الكشف عنهما وتغيير الأربطة بأخرى نظيفة. خرج من المطبخ وتوجه بخطوات بطيئة نحو الخارج، وجلس أمام الطاولة التي استندت عليها حقيبة الإسعافات الأولية التي ابتاعتها “سُلاف”، وبدأ يكشف عن قدمهِ حتى ترآت له جروحهِ التي لم تكن غائرة لحدٍ كبير. غمس القُطن بمحلول المطهر الأحمر الداكن (بيتادين) وبدأ يمسح على جروحهِ برفق، ثم بطنّ قدمه جيدًا قبيل إغلاقها برباط الشاش الطبي، وكذلك فعل في قدمهِ الأخرى. ترك كل شئ وبدأ تعقيم يداه بالكحول الإيثيلي، كي يجري مكالمة هامّة احتاج لإجراءها الآن، فوجد الرد السريع قد آتاه :
– إيه ياحمزة انت فين؟.. قلبت عليك الدنيا.
أسند “حمزة” ظهرهِ للخلف وهو يجيب :
– هقولك يا نضال، بس ركز معايا في حاجات محتاجها من المكتب، هقولك عليها وابعتها مع زيدان.
عرض عليه “نضال” في ترقبٍ أن يذهب إليه :
– طب ما تقولي انت فين وانا هجيلك بنفسي.
تنحنح “حمزة” قبل أن يرد بعفوية :
– طيب.. هبعتلك location للمكان وتعالى.
– ماشي.
أغلق “نضال” المكالمة وهو ينهض عن مكانهِ، فـ وقف “راغب” عن جلسته أيضًا وقد رأى الحماسة التي تشكلت على تعابير” نضال”، فأيقن إنه توصّل لشئ ما :
– إيه عرفت؟.
تابع “نضال” هاتفه بتشوقٍ حتى آتته الرسالة التي تفيد بموقعهم :
– آه.. هروحلهم دلوقتي وبعدين نتكلم.
– أنا جاي معاك.
كان باديًا عليه الإصرار لولا تدخل “مصطفى” الغير قابل للنقاش أو المجادلة :
– لأ ياراغب، مش هبعتك لإبن القرشي.. كفاية علينا نعرف نرجع سُلاف من هناك، خلاص مبقاش معانا غير نضال اللي يقدر يتحرك بحرية، كلم عِبيد قوله يرجع.
تأفف “راغب” وهو يلقي هاتفهِ بنفاذ صبر، وغادر الصالة كلها مُبديًا اعتراضهِ، في حين كان “نضال” يتجهز للتحرك على الفور وهو يقول :
– خلاص عرفت هما فين، هبقى على تليفون معاك يا عمي.
– خلي بالك من نفسك يا نضال، أوعى تغامر يابني.
تفهم “نضال” مخاوف “مصطفى” طالما أن “سُلاف” بعيدة عن عيناه، فـ ضمن له أن يتصرف بحنكةٍ وتعقل :
– متقلقش، حمزة مش هيحس ولا هيفهم أي حاجه.. سلام.
حرر “مصطفى” زفيرًا مختنقًا من صدره وهو يرد على مضضٍ :
– سلام.
***************************************
خرج “صلاح” من بوابة العقار الذي يسكنه، وفتح سيارته عن طريق المفاتيح الإلكترونية، ثم استقر خلف المقود وفتح النافذة استعدادًا للقيادة، وقبل أن يتحرك خطوة واحدة كانت الدراجة النارية تمر من جوارهِ مباشرة وبسرعة البرق، ثم قذف سائقها كيس بلاستيكي شفاف يحتوي على ظرف أبيض مغلق وطارت الدراجة بسرعة مهولة. أسرع “صلاح” بالترجل عن سيارته وهو يصيح عاليًا :
– استنى هـنـا!.
لحظات وكانت الدراجة تختفي كليًا، فـ امتعضت تعابير “صلاح” أكثر وأكثر، وفتّش عن الشئ الذي قُذف بداخل سيارتهِ حتى وجده، مزّق الكيس بإنفعالٍ حتى كشف عن الظرف بداخله، فـ فتحه بحذرٍ كي لا يُفسد ما بداخله، حتى رأى صور حية ملتقطة من حادث مقتل ابنتهِ. انتفض بدنهِ وقد سرت قشعريرة فيه كله، وهو يقلب صورة خلف الأخرى بمجموع خمسة صور. تجمد وهو يتطلع على مشاهد قهرتهُ وبددت قوتهِ خلال ثوانٍ، وفي النهاية كانت تتواجد تلك الورقة المطوية، والتي فتحها ليجد مدونًا فيها عنوان تفصيلي لمنزل بمحافظة مرسى مطروح، مع ملاحظة في نهاية الورقة :
(لا تسأل عنّي، في كل الأحوال سوف نتعرف في نهاية الرحلة؛ ولكن بعد القصاص).
أسند ظهره المحنيّ على السيارة، وأبعد عن مرمى بصرهِ تلك الصور التي لم تكن واضحة كفاية؛ لكنها أصابت صميم قلبهِ، استغرق الأمر منه بضع لحظات تملكت منه الصدمة، حتى بدأ يفيق على سؤال واحد، من فعلها؟؟ ولماذا؟.
عاد يركب سيارتهِ وترك كل شئ جوارهِ، ثم بدأ في القيادة وقد عقد النية على الثأر، مهما كلفهُ الأمر سيثأر، وسينال الحريق الذي بداخله من كل من طاله دنس الجريمة الشنيعة، جزاءًا عدلًا بعدما سوّلت لهم أنفسهم الغدر بها.
**************************************
أوشك الليل على تغطية الأجواء كلها بظلامهِ، وأسدل الغسق غُرتهِ على السُحب المنتشرة السماء مُعلنًا أول الليل. تركت “سُلاف” طفلها نائمًا مستغرقًا بالنوم، وخرجت بكأس المياة الفارغ كي تُبدله بآخر. نظرت من حولها فلم تجد له أثرًا؛ فـ سلكت طريقها نحو المطبخ لتُجدد كأس الماء وشرائح الليمون الذي تُفضّله، فرأت “زيدان” يقف أمام الموقد ويُعدّ الطعام، وما أن رآها حتى تبسّم ابتسامة عريضة وهو يقول :
– اتفضلي معانا ياست الأستاذة.
تجاهلت تدقيق النظر فيما يفعله، وفتحت المبرد وهي تقول :
– مش عايزة آكل.
اختفت ابتسامته وهو يقول :
– لأ مبقولش اتفضلي كلي، أقصد اتفضلي اطبخي.. انتي مش ولية ولا إيه؟.
رمقتهُ بحِدةٍ وهي تصيح فيه :
– ولية في عينك!.. متتكلمش معايا خالص انت فاهم.
بدأ “زيدان” يغترف من الطعام في الأطباق وهو يقول :
– على كيفك.
ما أن أحس “حمزة” خروجها من غرفتها، حتى تسلل ببطءٍ حريص نحو غرفتها، دخل وأغلق الباب من خلفهِ، بينما تسلطت عيناه على “زين”. دنى منه وهو يخرج رضاعة أطفال من جيبه، ثم نزع من فمه رضاعتهِ ووضع الجديدة بدلًا عنها، وتلقائيًا كان الرضيع يمتصها أثناء نومه دون أن يشعر بإختلاف، وقبل أن يتعمق أكثر كان “حمزة” يستعيدها من فمه ويضع له خاصتهِ مرة أخرى، ثم غطاها بغلافها الواقي وخبأها في جيبه، ومن جيبه الآخر أخرج لاصقة طبية، فتحها ومررها على الوسادة التي كانت تنام عليها “سُلاف”، فالتصق فيها بعض الشعيرات المتساقطة من شعرها، فأغلقها “حمزة” بغلافها وأعادها في جيبه أيضًا، وهُنا حرر تنهيدة مسترخية، ثم جلس على الفراش بجوار الصغير واقترب منه، أمسك أصابعه الصغيرة وتحسس ملمسها الناعم گالحرير، فـ تشبثت أصابع “زين” الصغيرة بأصبعهِ الكبير، كي يدّب شعور النشوة في أعماقهِ، وترتفع ابتسامة عفوية على ثغرهِ. مال عليه برقةٍ يُقبّله، فـ تخللت رائحتهِ أنف “حمزة”، رائحة جميلة، رائحة مُثيرة للحُب، وقع “حمزة” أسيرها، فـ جدد قُبلاتهِ الرقيقة على رأسهِ ووجنتهِ ليشتمها مجددًا، حتى لحظة دخول “سُلاف” من جديد. تشكلت تعابير الإنزعاج على وجهها، وأسرعت نحو المنضدة لتترك كأس الماء خاصتها، ثم توجهت نحوه وهي تهتف بـ :
– بتعمل إيـه هنا؟؟.
اعتدل “حمزة” في جلسته وهو يردف :
– مش محتاج أفكرك كل شويه إن زين ابني، ولا تحبي أعلق شهادة ميلاده اللي انتي بنفسك جيبتهالي على صدري عشان تشوفيها في الرايحة والجاية!!.
اقترب منها خطوتين، ومازالت عيناه متولية مهمة النظر الدقيق لعيناها، ثم سألها بهدوءٍ رتيب أصاب أعصابها :
– انتي خايفة مني؟.
لم تُظهر اهتزازًا واحدًا، وهي تجيبه ببسمةٍ ساخرة :
– أنا مبخافش من حد يا حمزة.
لحظتين كان ينظر فيهما لمشبك الشعر الذي رفعت به شعرها لأعلى، ثم مدّ أصابعه وانتزعه من رأسها، أثناء قوله :
– انتي مش بس خايفة، انتي مرعوبة.
فرّط شعرها بأصابع يديهِ الأثنتين على كتفها وظهرها متابعًا تحليله المنطقي :
– مرعوبة اتعلق بالولد وآخده منك.
صوت أنفاسها المتراقصة بتوترٍ وصل إليه، مع رمشة عيناها المتعلقة بالنظر إليه، أكد له صدق حدسهِ. ترك مداعبة شعرها وأنزل يداه حتى ذراعيها، ثم ضغط ضغطةٍ ذات مفعولٍ مُطمئن، ليقول بعدها في ودٍ غير مسبوق :
– بس انا مش هاخده.. طول ماانتي معايا الولد هيكون في حُضنك يا سُلاف.
لم تقوَ على كبح جماح تمردها، رافضة شرطهِ المستحيل :
– أنا مش هفضل معاك يا حمزة، دي حقيقة لازم تكون فاهمها كويس أوي.
وأبعدت ذراعيهِ عنها متابعة :
هزّ “حمزة” رأسه مُعلنًا إصراره هو أيضًا :
– مش هتقدرى، خلاص قدرك بقى مربوط بيا، حتى لو كان اللي بينا دم.. ياأما معانا، ياأما تمشي.. لوحـدك.
خطى خطوة نحو المنضدة، أخذ من عليها كأس المياه الخاص بها بعدما لفت إعجابهِ، ثم خرج بتؤدةٍ وهو يشرب منه جرعات كبيرة حتى راق له مذاقهِ، فلم يتركهُ إلا فارغًا. دخل “حمزة” للمطبخ كي يجد “زيدان” جالسـا يأكل بنهمٍ، فتلوت شفتاه بنزقٍ وهو يقول :
– أغسل إيدك وتعالى.
نهض “زيدان” عن جلسته وبدأ يغسل يداه بالفعل، ثم سار إليه دون ينطق كلمة، وقد امتلأ فمه بالطعام حتى آخره، مما أعجزه عن فتح فمه للتحدث أو الرد أخرج “حمزة” من أحد الضلف علبة صغيرة من علب المطبخ البلاستيكية، ثم وضع فيها العينات التي استطاع الحصول عليها من رضاعة وخصلات شعر، ثم ناوله العُلبة وهو يردف بخفوت :
– تروح المعمل وتحلل العينات دي DNA، وأدفعلهم اللي هما عايزينه عشان النتيجة تطلع بأسرع وقت.. أنا عايز أعرف إيه هو السر اللي فاضل…
***************************************
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اغصان الزيتون ) اسم الرواية