رواية كاليندا كاملة بقلم ولاء رفعت عبر مدونة دليل الروايات
رواية كاليندا الفصل الثالث 3
بعد أن عاد إلي منزله، مكث في غرفته لينعم بهدوء وراحة بعد شقاء عمل طوال النهار، يفكر في أيامه القادمة والتي يتحمل من أجلها أي تعب، يهون كل شيء في سبيل امتلاك شمسه.
أمسك بالهاتف وكعادته كل ليلة قبل النوم يفتح الملف المُمتلئ بصورها و ضحكتها الخجولة التي يعشقها، تنهد بحرارة وقال:
_ هانت يا شمسي، كلها أيام و تبقي في حضني اللي مش هاتفارقيه أبداً .
أراد أن يرسل لها كلمات بمناسبة عيد مولدها مع بعض كلمات الحب والغزل العفيف، ضغط علي تفعيل خدمة الإنترنت من شبكة هاتفه وبمجرد أن أتصل بالإنترنت، صدح رنين رسالة واردة و اسمها يعلوها، كانت الابتسامة تكسو ملامحه.
فتح محتوي الرسالة وجدها فيديو مُرسل أنتظر حتي أكتمل التحميل، و قبل أن يضغط لفتحه قرأ الرسالة النصية
(أنا خليتها لا تنفعك ولا تنفع لغيرك يا عريس الغفلة)
انتفض وكأن لدغته أفعي، فتح الفيديو ليري محتواه، ضغط علي وضع التكبير حتي يرى من تلك الفتاة ضحية هذا المغتصب الفاجر فوجدها هي!
※※※
صفعات يتبعها صرخات ومقاومة من يدين يتملك منها الوهن، يقابلها صياح شيطان لا يعرف الرحمة يعتدي عليها بكل وحشية، كانقضاض الضباع علي غزالة شاردة في وسط غابة مُعتمة.
هكذا كانت تفاصيل الكابوس المُخيف الملازم لها منذ الحادث، تستيقظ علي صرخة دوي صداها في جدران المنزل، ركضت علي إثرها والدتها لتطمئن عليها وتأخذها بين ذراعيها، تمسد علي ظهرها وخصلاتها قائلة:
_ أعوذب بالله من الشيطان الرجيم، إهدي يا حبيبتي ده كابوس وراح لحاله، ما تخافيش.
وأخذت تتلو عليها آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين حتي هدأت وبدأت رجفة جسدها في السكون.
_ قومي يا شمس، قومي تعالي أغسلك وشك وهاروح أحضرلك هدوم عقبال ماتخدي لك دش أكون حضرت لك الفطار.
أجابت شمس بصوت يخرج بصعوبة:
_ مش عايزة أكل.
_ ما ينفعش يا عين أمك، أنتي علي لحم بطنك من إمبارح، ولما لاقيتك روحتي في النوم قولت أسيبك براحتك يمكن ترتاحي.
بدأت الأخرى في وصلة بكاء جديدة بصوت ذو بحة:
_ أرتاح!، فين الراحة يا ماما، ما خلاص، خلاص.
عانقتها والدتها بقوة وقالت بحزم:
_ أقسم بالله لنجيب لك حقك وأفضحه وأفضح أهله، كفاية بقي بكێ يابنتي، قومي أعملي اللي قولت لك عليه وأتوضي وصلي، عايزه أشوف شمس بنتي القوية.
أنسحبت من حضن والدتها ونظرت لها بعينيها الدامعتين ونظرات قلة حيلة وانكسار.
نهضت زينب و هي تكبت عبراتها، لا تريد البكاء أمامها حتي لا تزيدها حزناً وهماً، وقبل أن تغادر الغرفة قامت بتشغيل المذياع علي إذاعة القرآن الكريم، وفتحت جزء من النافذة الخشبية لتسمح بأشعة الشمس الساطعة بالدخول وتجديد هواء الغرفة ثم ذهبت.
※※※
_ يلا يابني أخرج، الفطار هيبرد، أنا عامله لك الطعمية السخنة أم سمسم اللي أنت بتحبها.
قالتها سحر والدته، فأجابت إسراء عليها بعد أن خرجت من المرحاض تجفف وجهها بالمنشفة:
_ سبيه يا ماما، آبيه لسه نايم من شوية، وسألته لو عايز حاجة قالي ماحدش يصيحني.
عقدت حاجبيها بتعجب وقالت:
_ غريبة، أخوكي عمره ما سهر للفجر، ده بينام ويصحي يصليه وينام له شويه ويصحي يفطر ويروح علي شغله.
_ مش عارفة بقي يا ماما، هو إمبارح راح أطمن علي شمس وقعد عندهم شويه ورجع دخل علي أوضته، فضلت أخبط عليه عشان أطمن عليها منه بس ماردش عليا.
_ ليكونوا يا بت متخانقين؟، ولا حصل حاجة؟، لاء كده يبقي فيه حاجة، أنا هادخل أصحيه وأعرف فيه إيه.
وقبل أن تدخل غرفة ابنها سألتها:
_ يطمن علي شمس ليه هي جرالها حاجه بعد الشر؟
أجابتها الأخري:
_ أتأخرت في الدرس إمبارح ومكنتش بترد علي آبيه ولا مامتها وتليفونها فصل بعدها ولما آبيه جه من برة راح أطمن عليها وشوية ورجع كان متضايق و دخل أوضته وقفل علي نفسه.
_ طيب أنا داخله له، و أنتي روحي علقي علي براد الشاي لأبوكي.
دلفت سحر بهدوء إلي الداخل، وبمجرد دخولها استنشقت رائحة دخان سجائر والمنفضة علي الكومود ممتلئة بأعقاب السجائر، شهقت واضعه كفها علي صدرها:
_ رجعت للسجاير تاني!، عملت فيك بنت زينب عشان ترجع تدخن بعد ما بطلتها بقي لك سنتين.
فتحت النوافذ وقامت بتشغيل المروحة لتطرد تلك الرائحة النفاذة، ثم أخذت تربت علي كتفه:
_ أصحي يا أحمد، يلا عشان تفطر وتلحق تروح شغلك.
تقلب بتأفف قائلاً بصوت يغلبه النعاس:
_ سبيني أنام يا أمي، مش رايح الشغل.
ردت بإصرار وإلحاح:
_ طيب قوم قولي مالك، حصل حاجه ما بينك و بين شمس إمبارح؟
وحين ذكرت اسمها لتصعقه ذاكرته بما جعل النوم يجافيه طوال الليل، وقد جن جنونه بدون سابق إنذار، نهض كالثور في عنفوانه:
_ مفيش حاجة، وسيبوني في حالي بقي، محدش يكلمني ولا عايز أشوف حد.
هرعت والدته بذعر واتجهت إلي الخارج من صياح نجلها و غضبه الذي ثار كالعاصفة الهوجاء، أخذ يلقي كل شيء في الحائط و علي الأرض، مما أفزعهم جميعاً و ذهبوا ليروا ما حل به، وما أن خطت أقدامهم باب الغرفة، صفقه في وجوههم.
صاحت والدته غاضبة:
_ بقي كده يا أحمد!، والله لهروح لها بنفسي و أشوف إيه اللي خلاك زي المجنون كده علينا.
رد عليها زوجها:
_ سبيه يا سحر، لما هيهدي هيجي يحكي لك كل حاجة.
_ أنت ما شوفتش منظره كان عامل إزاي، ده مش أحمد إبني، مليون في الميه البت وأهلها عملوا فيه حاجه ولا نكدوا عليه.
أخبرتها ابنتها:
_ خليكي يا ماما، وأنا هاروح لشمس وأشوف إيه الحكاية، وإن شاء الله خير.
※※※
و في منزل شمس، انتهت والدتها من إعداد الفطار وأخذت تنادي عليها، ثم ذهبت إلي غرفتها، فوجدتها تقيم فرضها و أنين بكائها وصل لسمعها فنظرت نحوها بآسي وحزن علي حال ابنتها، انتبهت إلي رنين جرس المنزل، فقالت:
_ و مين اللي جاي الساعة دي.
فتحت الباب لتجدها إسراء:
_ صباح الخير يا طنط، شمس صاحية؟
ردت بابتسامة مصطنعة تخبئ ما يكسوهم من الحزن والهم:
_ صباح النور، أدخلي لها هي بتصلي في أوضتها.
ولجت إلي الداخل واتجهت إلي غرفة صديقتها فوجدتها ترفع يديها في وضع الدعاء وتبكي بشدة، تقول:
_ يارب، مليش غيرك يارب، يارب أمنحني الصبر علي هذا الإبتلاء.
طرقت الباب الموارب:
_ شمس؟
ألتفت إليها وبمجرد أن رأتها أخذت تبكي، ركضت الأخرى نحوها وعانقتها وقلبها انتفض من رؤيتها في تلك الحالة البائسة.
_ مالك يا شمس؟، فيكي إيه يا حبيبتي؟، أنا جيت لك أتطمن عليكي وأشوف حصل إيه؟، آبيه زعلك في حاجة؟
أشتد بكائها وقالت كلماتها من بين شهيقها:
_ أحمد خلاص هايسيبني، مش هيطيق يبص في وشي تاني.
سألتها الأخري بقلق وخوف:
_ لا حول ولاقوة إلا بالله، ليه بتقولي كده؟
كادت تجيب لتقاطعها والدتها وتنظر لها بتحذير:
_ يلا يا شمس هاتي إسراء وتعالوا عشان تفطروا.
※※※
طرقت الباب إحدى جارات عائلة السفوري، فتحت لها شقيقة حمزة الصغيرة، فسألتها:
-أندهي لي ماما يا حبيبتي، قولي لها أم عفاف عايزاكي.
أومأت لها الصغيرة وذهبت إلي الداخل لتبلغ والدتها التي كانت تصرخ و توبخ شقيقها:
– أنت أتجننت يالاه، إزاي جالك قلب وتعمل فيها كده، ده لو أبوها معملش حاجة، ممكن خطيبها يقطعك حتت.
صاح الأخر:
– ولا يقدر يعملي حاجة و خصوصاً بعد ما بعتله فيديو وأنا بغتصب شمس.
تحدجه بأعين جاحظة وعدم استيعاب، ما هذا الجُرم والفُجر الذي وصل إليه ابنها.
أخذت تردد بنواح:
-يا خيبتك القوية يا هدي، ابنك علي أخر الزمن هيخلي اللي يسوي و مايسواش يجيب في سيرتكم.
نظر إلي والدته بازدراء و قال معقباً:
– ده كل اللي همك؟!، سيرتكم!
دخلت الصغيرة إليهما لتخبر والدتها:
-ماما طنط أم عفاف عايزاكي بره.
رمقتها الأخري بنظرة نارية وهمست:
– يا نهار أسود عليكم، زمان الولية سمعتنا و دي ما بيتبلش في بوقها فولة.
ركضت إلي الخارج لتلحق بها قبل أن يفتضح أمر ابنها، ولكن لم تجد أحد وباب المنزل مفتوحاً، يبدو إنها قد غادرت.
و بالخارج في الشوارع و الطرقات، ارتفعت الهمهمات بين الناس وبدأ القيل والقال والخبر أندلع في القرية بأكملها كاندلاع النار في الهشيم، وكالعادة السيئة كل من يخبر الآخر يضع لمساته فوق الخبر حتي يزيد الطين بلاءً.
لم تنتظر الجارة أن يصل الخبر إلي عائلة أحمد كامل، أخذت تطرق الباب، حتي فتحت لها سحر:
_ خير يا أم عفاف، مالك بتخبطي كده ليه علي الصبح؟
تلتفت السيدة من حولها لتتأكد أن لا يوجد أحد يراها لاسيما من منزل عائلة شمس، ولجت إلي الداخل لتخبرها:
_ عايزاكي في موضوع مهم أوي يا أم أحمد.
أغلقت الأخرى الباب وأشارت لها بالدخول في غرفة الاستقبال، وجلست هي والأخرى التي قالت:
_ بصي يا أم أحمد، أنتي حبيبتي وربنا يعلم معزتك أنتي و ولادك في قلبي إزاي، حتي البت عفاف بنتي بتحبكم أوي.
تنهدت بضيق وقالت:
_ ما تقولي يا أم عفاف فيه أي وغوشتي قلبي وأنا مش ناقصة، أنا واحدة مريضة ضغط وقلب.
اقتربت منها وأجابت كأنها تروي لها أسرار عسكرية خطيرة:
_ كنت لسه في بيت السفوري، عشان أخد من أم حمزة الجمعية، و سمعتها ماسكه في خناق الولاه أبنها، و شكله عامل كارثة، كارثة إيه قولي مصيبة.
لوت ثغرها و ربتت علي صدغها بشكل تمثيلي ساخر، فأردفت:
_ ربنا يستر علي ولاينا من الفضايح يارب.
صاحت الأخرى بعد أن نفذ صبرها:
_ ما تنجزي يا وليه و أختصري، ما هو إيه الجديد في كده علي طول ابنها جايب لهم المصايب.
_ ما أنا جاية لك في الكلام أهو، بس زي ما هقولك كده ده اللي حصل، الموضوع طلع إن الواد حمزة أستغفر الله العظيم غلط مع البت شمس خطيبة ابنك.
نهضت سحر من مكانها وصاحت بغضب مستطير:
_ بتقولي إيه يا وليه يا خرفانه أنتي.
نهضت الأخرى وتراجعت قليلاً وتصنعت ملامح الوداعة علي وجهها:
_ وحياة ولادي زي ما بقولك، وهي الست هاتتبلي علي ابنها، ده صوتهم كان مجلجل حتي كانت بتقوله يا خربيتك ده خطيبها يقتلك فيها قام الولاه بكل بجاحة، أنا مصـ…
صمتت حينما خرج أحمد من غرفته لا يري أمامه ووقف أمامهما وعينيه الشرار يتطاير منهما، فانتفضت السيدة من مظهره الخوف وقالت:
_ فوتك بعافيه بقي يا أم أحمد، لما أروح أفطر العيال وأبوهم.
قالت كلماتها وأطلقت ساقيها للريح.
حدجت سحر ابنها بصدمة أيقنت إنه قد سمع ما تفوهت به جارتها فقالت:
_ ما تاخدش علي كلام الوليه دي شكل…
قاطعها ابنها وعينيه بدأت بإسدال العبرات من القهر الذي يمتلك قلبه، وفي يده هاتفه أعطاها إياه لتري الفيديو المُرسل إليه.
※※※
ما زالت إسراء برفقة شمس تستمع إليها بقلب مفطور علي ما حدث لها، فقالت لها الأخرى:
_ أوعي يا شمس، أوعي تتنازلي عن حقك، الكلب ده لازم يتحبس و يتحاكم، أنا لو مكان القاضي هحكم عليه بالإعدام.
هزت الأخرى رأسها بيأس قائلة:
_ حتي لو أتعدم، هيفيد بإيه، دمر لي حياتي، قضي عليا، ده كان خلاص فرحي بعد أيام.
تذكرت إسراء حال شقيقها، فقالت بتردد:
_ هو أنتي كلمتي آبيه أحمد وحكيتي له اللي حصل؟
أومأت بالنفي وأجابت:
_ أحمد ماعرفش عنه حاجه من إمبارح وعرفت إنه جالي بالليل و ساب لي مع بابا هدية عيد ميلادي.
أخبرتها الأخرى:
– ربنا يستر، ده قافل علي نفسه من وقت ما جه لحد ما أنا مشيت وجيت لك.
صاحت ببكاء:
_ يبقي بالتأكيد الحيوان باعت الفيديو زي ما قال.
عقدت الأخرى حاجبيها وسألت:
_ فيديو إيه؟
وقبل أن تجيب شمس صدح رنين هاتف إسراء، فقالت:
_ دي ماما، ربنا يستر.
أجابت:
_ ألو يا ماما؟
_ أخرجي من عندك حالاً وتعالي علي البيت.
_ في إيه يا ماما؟
_ إسمعي الكلام زي ما بقولك، دقيقة وألاقيكي قدامي.
أغلقت سحر المكالمة، فتعجبت الأخرى من أسلوب حديث والدتها الفظ، ازدردت ريقها ورمقت صديقتها بخجل قائلة:
_ معلش يا شمس، ماما عايزاني ضروري عشان رايحين مشوار، وأنا هابقي أكلمك وأطمن عليكي.
ربتت صديقتها علي يدها بشبه ابتسامة:
_ و لا يهمك يا حبيبتي، مجيتك ليا هونت عليا شوية، ربنا ما يحرمني منك أبداً.
عانقتها بقوة قائلة :
_ ويخليكي ليا، ولو في أي حاجة محتاجها أنا جمبك، وما تقلقيش أنا هاتكلم مع آبيه وهافهمه اللي حصل ده لو عرف.
أرادت شمس أن تخبرها بأن لا نفع من ذلك فهي تعلم ما سيحدث، و إن زواجهما من المحال أن يكتمل خاصةً بعد رؤيته لمشهد الاعتداء عليها.
لا عجب في هذا، هذه عادات وتقاليد وأفكار اي رجل شرقي لا يقبل الزواج من فتاة تعرضت للاغتصاب إلا من رحم ربي.
※※※
يجلس السيد محمد في عمله شارداً وأمامه دفتر ورقي، يستند عليه برأسه يتملك منه الحزن، لم تغف جفونه منذ البارحة ود لو أمسك نحر هذا الشيطان المدعو حمزة بين يديه وأزهق روحه، لكن دماثة أخلاقه تمنعه من ذلك، طالما اتسم بالطيبة والسماحة لا يحب الأذى سواء له أو الآخرين.
دلف إلي الغرفة إحدى زملائه والذي يقطن معه في قريته وبالطبع لن يفوته خبر اليوم.
_ صباح الخير يا محمد.
لم ينتبه إليه الآخر، فجذب الرجل كرسي وجلس بجواره قائلاً بصوت مرتفع:
_ يا عم محمد؟
انتفض الثاني في مكانه ونظر له وهموم الدنيا تتجمع في عينيه:
_ خير يا عامر، معلش غفلت شوية.
وقام بفرك عينيه، فأجاب الأخر:
_ أنا طلبت لنا أتنين قهوة، بس قولي فطرت ولا أجيب لك فطار؟
_ الحمدلله.
تحمحم قبل أن يبدأ ثم قال:
_ أنا عرفت باللي حصل.
أشاح وجهه للجهة الأخرى، تمني لو أتي ملاك الموت وأزهق روحه، فأردف الآخر:
_ ما تقلقش يا محمد يا أخويا، كلنا عارفين أخلاقك وأخلاق بنتك وأنا كنت أتمني ابني كان كبير وتبقي عروسته، بس زي ما أنت عارف أكبر عيل عندي في إعدادية.
زفر دون أن يتفوه بكلمة، فهو يكره إحساس الشفقة هذا ولن يقبل به.
_ أنا جاي أعرض عليك المساعدة وأقوم لك محامي وترفع قضية علي ابن حماد السفوري اللي مش شايفين غير نفسهم ونازلين ظلم وافتري علي الخلق.
قال محمد بقلة حيلة:
_ والمحامي ده عايز له مبلغ وقدره، وأنا كل اللي حيلتي علي يديكم أشتريت بيه جهاز بنتي وعليا أقساط هافضل أدفع فيها لخمس سنين قدام.
ربت صاحبه عليه وقال:
_ عيب الكلام ده، أومال إحنا أصحاب وجيران إزاي!، وعايزك تطمن المحامي ده معرفة و سمعت إنه قريب جماعتك من بعيد، فبالحب والمعرفة ممكن نقسط له أتعابه وأنا هاتكفل بيها.
_ وقفتك معايا فوق راسي، بس معلش سامحني أنا مقدرش أخد حاجة مش هاقدر أسدها دلوقتى.
_ هاعتبر إني ما سمعتش كلامك، و شمس بنتي وإن كان علي الفلوس إعتبره مبلغ وشايله عندك، وأنا تحت أمرك في أي حاجة، قولت إيه يا أخويا؟
تنهد الأخر وقال:
_ هاقول إيه، لله الأمر من قبل ومن بعد، تسلم يا عامر، و ربنا يقدرني وأردلك فلوسك وجميلك اللي عمري ما هنساه.
※※※
انتهت من آداء فرضها للتو، فولجت والدتها تحمل صينية الطعام.
_ بصي بقي، والله لو الأكل ده ماخلصش لساني ما هيخاطب لسانك، أنتي ما حتطيش لقمة في جوفك من إمبارح .
ردت شمس بسأم:
_ يا ماما مش قادرة، والله ما قادرة أكل، ولا هتخليني أكل غصب عني؟
تلألأت الدموع في عينيها، مما جعل والدتها تشعر بالضيق والغضب، فوضعت الصينية علي المضجع وتركتها وغادرت لتضع الطعام لزوجها.
فقال محمد الذي يجلس و يحمل علي كاهليه هموم الدنيا بأسرها:
_ حطي علي قدك أنتي، أنا داخل أريح لي ساعتين.
صاحت زوجته بنفاذ صبر:
_ يعني بنتك مش عايزة تاكل ولا أنت، أروح أرمي الأكل يعني للفراخ والبط!
تركها وذهب إلي غرفة النوم قائلاً:
_ اعملي اللي تعمليه.
ولم يمهلها جرس المنزل أن تفرغ غضبها، صدح رنينه ففتحت الباب و وجدت سحر أمامها، الوجوم يعتلي ملامح وجهها الصارمة.
_ سلام عليكم يا أم شمس.
أجابت الأخرى وفي قلبها غصة:
_ وعليكم السلام يا أم أحمد، أتفضلي.
ولجت إلي الداخل وجلست وكأنها في مهمة رسمية يجب عليها الانتهاء منها علي وجه السرعة.
سألتها بابتسامة تخبئ خلفها حزن مرير، تدرك سبب مجيئها:
_ تشربي إيه يا حبيبتي؟
أجابت بنبرة جدية ورسمية:
_ شكراً، مفيش داعي، أنا جاية لك في كلمتين وماشية علي طول.
جلست زينب بهدوء في الكرسي المقابل لها:
_ خير يا أم أحمد؟
ارتسمت سحر ملامح الجمود وبكل قساوة ألقت كلماتها بدون إكتراث إلي أن ما يربطهما ليس النسب وفقط بل هما جيران منذ عقود و من أصول واحدة وكل منهما يعلم كل شيء عن الآخر.
_ من غير ما ندخل في تفاصيل وأسباب وتجريحات ملهاش لازمة، كل شيء قسمة ونصيب!
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية كاليندا ) اسم الرواية