Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثاني و الاربعون 42 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

 رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثاني و الاربعون 42

   
عاد الى الفيلا التي يقطنها مع زوجته حديثا متأخرا قليلا بعد يوم طويل قضاه بين العمل والتفكير بحديث مريم ..!!
مريم التي صدمته بما قالته عن زوجته ..
زوجته التي لم ينطلِ عليها كذبه فقررت أن تتقصى بنفسه عن الحقيقة لتضعه وتضع نفسها في موقف محرج مع مريم التي لم تتوانى لحظة واحدة عن كشفها أمامه ..
مريم التي يدرك جيدا إنها لم تفعل ذلك إلا لتدمر علاقته بشيرين كونها تحمل غاية خلف هذا ..
ليس حبا فيه بالطبع بل هناك سبب خفي وراء تصرفاتها ..
سبب شبه متأكد منه ..!!
هبط من سيارته متجها الى داخل الفيلا عندما دلف الى هناك بعدما فتحت الخادمة له الباب ليسمع صوتها وهي تتحدث مع إحداهن ..
ألقى التحية بإقتضاب شعرت به وهو يتقدم يرمي بجسده فوق الكنبة مسترخيا في جلسته تماما وهو يتابعها بعينيه ..
أنهت مكالمتها وإتجهت تبتسم له برقة وهي تسأله :-
” هل أطلب من الخادمة تجهيز المائدة …؟!”
هتف بجدية وهو يشير على المكان جانبه ؛-
” تعالي وإجلسي جانبي ..”
إتجهت تجلس جانبه بملامح مليئة بالإهتمام عندما سألت :-
” هل تحدثت مع جيلان ..؟!”
عقد حاجبيه يتسائل بإهتمام :-
” ما بها جيلان ..؟! هل حدث شيء ما ..؟!”
أجابت بسرعة :-
“كلا لم يحدث شيء لكن كان من المفترض أن تزورنا اليوم …! ”
هتف وقد تذكر هذا الأمر :-
” صحيح لم تأتِ ..”
نهض من مكانه مسرعا يتصل بها عندما جاءه صوتها الرقيق يحييه فسألها بسرعة :-
” لماذا لم تأتِ اليوم كما إتفقنا يا جيلان..؟! هل حدث شيء ما ..؟! هل أنتِ بخير..؟؟”
ردت بسرعة :-
” نعم بخير ..”
أضافت برقة :-
” فقط معدتي متعبة قليلا لهذا عدت الى القصر فورا بعد جلسة العلاج .. أعتذر عن عدم مجيئي .. سأحاول أن آتي غدا ..”
سألها مجددا بقلق :-
” ما بها معدتك ..؟! جيلان ..!! هل أنت مريضة ..؟! هل أجلب لكِ طبيب ..؟! ”
قاطعته بسرعة :-
” فقط متعبة قليلا .. معدتي تؤلمني قليلا وأشعر بالغثيان … لا تقلق .. منذ فترة وتأتيني أعراض مشابهة ثم تنتهي بعد ساعات قصيرة كما إنها أعراض خفيفة .. ”
هتف متمهلا :-
” منذ فترة وأنتِ تعانين من آلام بالمعدة .. لماذا لم تخبريني ..؟!”
قاطعته تطمأنه :-
” صدقني آلام خفيفة والأكثر عادة هو الغثيان الذي يصيبني صباحا .. ”
زفر أنفاسه مرددا بجدية :-
” غدا صباحا ستذهبين الى الطبيب .. سآتي بنفسي وأخذكِ ..”
قالت بترجي :-
” انا بخير حقا يا عمار .. وكي تتأكد سآتي غدا بنفسي إليك .. ”
أضافت بخفوت :-
” انا حقا بخير وسترى ذلك بنفسك غدا لكن دعنا من أمر الطبيب فأنا لا أحب زيارة الأطباء ..”
تمتم بعدم إقتناع :-
” حسنا يا جيلان .. سأنتظرك غدا .. إعتني بنفسك ..”
ودعها أخيرا لتسأله شيرين بقلق واضح :-
” ماذا حدث ..؟! هل هي مريضة ..؟!”
أجاب يخبرها بإختصار عما أخبرته به عندما قالت شيرين بجدية :-
” ليتها تعيش معنا يا عمار .. برأيي إن مكانها بجانب أخيها في منزله أفضل كما إنني سأكون دائما جانبها ومعها في جميع الأوقات ..”
قال وهو يوافقها :-
” معك حق .. ”
أضاف يشرح لها :-
” لكن الأفضل أن أتركها على راحتها مؤقتا .. لن أضغط عليها حتى ترتاح نفسيتها تماما .. وعندما يأتي الوقت المناسب سأطلب منها أن تستقر معنا ..”
قالت شيرين مؤيدة..
” معك حق .. من الخطأ أن نضغط عليها في الوقت الحالي ..”
أردفت :-
” في النهاية سوف تستقر هنا معنا .. بالتأكيد ستفعل لإنك أقرب شخص لها ..”
ردد بشرود :-
” وهذا ما سيحدث .. بالتأكيد سيحدث …”
نظر بعدها نحوها لتتأمل نظراته التي بدت مختلفة وتحمل شيئا ما فسألتها بجدية :-
” هل هناك شيء ما يا عمار ..؟! لماذا تنظر إلي هكذا ..؟!”
هتف بصوت هادئ لكنه قوي :-
” لماذا لم تخبريني إنك تحدثت مع مريم أو بالأحرى إلتقيت بها ..؟!”
سيطرت الدهشة عليها بوضوح ..
لم تصدق إن مريم أخبرته بلقائهما …
إبتسم على ملامحها التي ما زالت كما هي منذ سنوات .. شفافة تماما لا تجيد إخفاء إنفعالاتها وما يطرأ عليها من تحولات ..!!
هتفت أخيرا بعدما سيطرت على صدمتها مما سمعته مستجمعة قواها :-
” نعم إلتقيت بها وتحدثت معها .. كنت أريد سماع الحقيقة منها …”
سألها بتهكم متعمد :-
” وهل سمعتها ..؟! هل حصلتِ على الحقيقة كاملة يا شيرين …؟!”
ردت متجاهلة تهكمه الصريح :-
” هي أخبرتني إنك عرضت الزواج عليها سرا مقابل التنازل عن الشيكات وهي رفضت لكن هذا كان قبل قرارك بالزواج مني ..”
سألها ببرود :-
” وهل صدقتها ..؟!”
ردت بصدق :-
” ليس تماما .. لا يمكنني الجزم ولكنني ما زلت أشعر إنها تكذب ..”
إلتوى فمه وهو يسألها :-
” وكيف ستتأكدين ..؟!”
همست ساخرة :-
” ماذا يحدث يا عمار ..؟! هل ستبقى تتحدث بهذه الطريقة ..؟!”
قاطعها وقد إشتعلت عيناه كليا :-
” هل تصرفك كان صائبا يا شيرين ..؟! هل الموقف الذي وضعتني ووضعتي نفسك به كان لطيفا ..؟!”
قاطعته بجمود :-
” انت تتحدث عن الإتفاق الذي عرضته على مريم ..”
قاطعها بعصبية :-
” نعم ، الإتفاق الذي رفضته مريم ولم تكتفِ بهذا بل سارعت لتأتي وتخبرني بما طلبتيه منها وهي تتبجج بتصرفات زوجتي التي تدل على عدم ثقتها نهائيا بي وجعلتنا مصدرا للسخرية أمامها …”
إبتلعت ريقها وهي تردد بخفوت :-
” أردت الحقيقة فقط لا غير ..”
إنتفض من مكانه مرددا بصوت غاضب :-
” الحقيقة لن تأخذينها من مريم .. إفهمي هذا .. إستوعبيه ..”
أكمل وهو يشير لها بكفه :-
” مريم تلك التي كنتِ تدافعين عنها رغم الوضع المخزي الذي رأيتها عليه وأصريت على دفاعك ومبرراتك عنها سارعت لتفضحك أمامي دون تردد … لم تفكر لحظة واحدة لتفعل هذا ..”
نهضت من مكانها تسأله بغضب مكتوم :-
” لماذا ..؟! لماذا فعلت مريم هذا ..؟! بالتأكيد هناك شيء ما … انا متأكدة من هذا …”
نظر لها بقوة مرددا :-
” تريد تخريب زيجتنا .. تسعى لذلك بقوة .. زيجتنا هي السبب الذي جعلني أتراجع عن طلبي بالزواج منها … وبالتالي جعلها تخسر الأمل الوحيد للتخلص من تلك الشيكات .. ”
قاطعته تصيح منتفضة :-
” وأنت كيف تفعل هذا ..؟! كيف تعرض الزواج عليها ..؟! كيف ..؟!”
قال ببرود :-
” وأين المشكلة في ذلك ..؟! كانت تعجبني .. فقررت نيلها وهذه الطريقة الوحيدة أمامي …”
هتفت بذهول :-
” و تقولها بهذه البساطة ..؟! هل تعي يا عمار ما تتفوه به ..؟!”
قال بلا مبالاة :-
” نعم ، مبدئيا أنا أتحدث عن شيء حدث قبل عودتنا سويا يعني لا يحق لك محاسبتي .. ثانيا انا مثلي مثل أي رجل .. كان لي علاقات نسائية وكنت أرغب بالنساء ومريم مثلها مثل أي إمرأة ، أعجبتني فقررت الحصول عليها بهذه الطريقة ولكن عند عودتنا سويا وقررت خطبتك أنهيت الأمر كليا …. ألم تخبرك هي بهذا ..؟!”
هزت رأسها وهي تهمس :-
” نعم ولكن ما لا أستوعبه حقا إنك فكرت بها .. بشقيقة زوجتك ..”
صحح لها :-
” طليقتي … ليلى طليقتي يا شيرين والأهم إنك تتحدثين عن زواجي من ليلى وكأنه زواج طبيعي .. بالله عليك لا تعيشي دور الصدمة مما فعلته .. اولا زواجي بليلى كان لسببب محدد وبالتالي لا يمكن إعتباره زواج إعتيادي ولعلمك انا كان لدي علاقات مع العديد من النساء أثناء زواجي منها ..”
جحظت عينيها بينما يضيف بنفس الصراحة :-
” ولا تدعي الصدمة مجددا لسماعك هذا فأنت تدركين إنني لم أكن قديسا أبدا ولدي العديد من التجارب قبلك وسأكررها مجددا ، انت لا يحق لك محاسبتي لإن جميع ما حدث سواء ما يخص مريم او غيرها كان قبل زواجنا بل حتى قبل عرض الزواج نفسه ..”
منحها نظرة أخيرة حادة وهو يردد منهيا الحوار :-
” أتمنى ألا تفعلي هذا مجددا .. تصرفات كهذه لا تليق بك يا شيرين .. عن إذنك .. أحتاج بضع ساعات من النوم بعد يوم عمل طويل ومرهق جدا .. ”
غادر المكان تاركا إياها تتابعه بعينين لامعتين بفعل الدموع الحبيسة التي ملأتها تماما بعد هذه المواجهة التي حدثت بينهما والتي كانت قاسية على مشاعرها …
………………………………………………………..
بالكاد أفاق من صدمته وهو يتقدم نحوها راكضا بعدما إستوعب ما حدث ….
كان صاحب السيارة قد سبقه وهبط من سيارته متجها نحوها بفزع بينما تقدم بعض الناس في الشارع نحوها أيضا ..
إندفع نحوها يصرخ بإسمها ..
كان مرعوبا بشدة وعقله لم يستوعب تماما ما فعلته بنفسها …
رفع وجهها بين ذراعيه يصيح بإسمها بهلع بينما تجمع بعض الناس حوله يتابعون ما يحدث بملامح متأسفة والبعض الآخر وقفوا يتابعون من بعيد عندما أخذ صاحب السيارة يردد :-
” والله هي من رمت نفسها أمامي .. والله الخطأ لم يكن مني …”
عندما تدخل أحدهم يصيح به:-
” دائما ما تقولون هذا .. حسبي الله .. ما ذنب الفتاة لتخسر حياتها بسببك ..”
تدخل رجل آخر يردد بسرعة :-
” الفتاة ما زالت حية على ما يبدو .. سارعوا بإنقاذها أفضل من هذه الأحاديث الجانبية ..”
بدأ صلاح يستعيد إستيعابه عندما سمع ما قاله الرجل الأخير والذي تبعه آخر يؤيده :-
” ليتصل أحدكم بالإسعاف…”
لكن صلاح كان قد أفاق أخيرا من صدمته وإستوعب ما يحدث وما ينتظره وينتظرها فقال وهو يحملها :-
” إنها زوجتي .. سآخذها الى المشفى ..”
قال صاحب السيارة التي إصطدمت بها :-
” ضعها في سيارتي بسرعة ..”
لكن صلاح قاطعه وهو يسير بها نحو سيارته التي كانت تصطف في مقدمة الكراج عندما تبعه حراس كراج الفندق الذين جاؤوا يساعدونه :-
” سآخذها بسيارتي …”
ثم طلب من احد الحراس أن يفتح له السيارة ليضعها في الخلف ويغلق الباب قبل أن يجلس في مقعده يحرك سيارته متجاهلا الرجل الآخر الذي وقف للحظات يتسائل عما يفعله قبل أن يحسم أمره ويركض نحو سيارته مقررا إتباعه فقلبه لن يطمئن حتى يفهم ما حدث رغم إنه لا ذنب له في الحادث وهي من رمت نفسها أمامه …
أخذ صلاح يقود سيارته وأثناء قيادته كان أخرج هاتفه من جيب بنطاله وسارع يتصل بأخيه وهو يتجه نحو المشفى التي يعمل بها ويمتلك جزءا كبيرا من أسهمها في نفس الوقت ..
أخذ يدعو ربه أن يجيب شقيقه على إتصاله فحدث ما أراد عندما أجابه شريف بصوت لا يخلو من التعجب :-
” أهلا صلاح ..”
سأله صلاح بسرعة :-
” أين أنت الآن يا شريف ..؟!”
رد شريف بإستغراب :-
” في المشفى .. ماذا هناك ..؟!”
قال صلاح بسرعة :-
” أنا آتي إليك ..”
قاطعه شريف بعدم تصديق :-
” كيف يعني ستأتي إلي ..؟! متى عدت من الخارج أساسا ..؟!”
هتف صلاح بعصبية تملكت منه :-
” دعك من هذا الآن .. نانسي صدمتها سيارة .. سآتي بها حالا عندك .. ”
” ماذا تقول انت ..؟! حسنا انا في انتظارك ..؟!”
” سأصل بعد قليل .. إنتبه لا أحد يعلم إننا هنا ..”
قالها منهيا حواره عندما زاد من سرعة سيارته وقد ساعدته الطرق التي كانت مفتوحة عموما في هذا الوقت من اليوم فوصل بعد مدة قصيرة قليلا الى المشفى عندما عاد يتصل بأخيه الذي أخبره إنه في طريقه إليه ومعه من يساعده في نقلها الى الطوارئ ليتم فحصها كليا وتشخيص حالتها ومدى خطورتها محذرا إياه ألا يحركها أبدا فربما تكون مصابة بكسر ما خطيرا في أحد عظام جسدها ..
وبالفعل بعد لحظات جاء صلاح ومعه من يساعده من ممرضين عندما تم نقل نانسي الى الداخل حيث الطوارئ ليستقبلها طبيب شاب يعمل تحت إشرافه فيسارع للقيام بالإجرائات المطلوبة في حالتها هذه بينما هتف صلاح بخوف :-
” ماذا سيحدث الآن ..؟!”
هتف شريف الذي كان في وضع لا يسمح له بالتحدث مع أحدهم او مسايرته حيث تركيزه كله منصاب على نانسي الفاقدة للوعي :-
” إخرج انت الآن يا صلاح .. لا يجب أن تبقى هنا ..”
وقبل أن يتحدث صلاح كان يشير الى احد الممرضين :-
“خذه الى غرفتي من فضلك ..”
غادر صلاح على مضض يتبع الممرض بينما بدأ شريف في عمله المعتاد في هذه الحالات مع الطبيب الآخر ..
مر بعض الوقت تم خلالها القيام بالإسعافات الأولية التي تولى الطبيب الآخر أمرها ثم ما تبعه من أشعة وتحاليل بينما بقي شريف ينتظر النتائج عندما تقدم الطبيب نحوه أخيرا فيسأله شريف بقلق :-
” ماذا حدث يا عصام …؟! ما وضعها أخبرني ..؟!”
قاطعه عصام يسأله بجدية :-
” دكتور شريف .. ألم تكن تعرف إن المدام حامل …”
وتلك كانت الصدمة الحقيقة بالنسبة لشريف الذي إستوعب أخيرا ما يحدث وتأكدت شكوكه الأولى عندما قرر شقيقه الزواج بهذه السرعة ..
………………………………………………
كان يسير داخل غرفة شقيقه الخاصة في المشفى ذهابا وإيابا وعقله لا يتوقف عن التفكير وتخيل أبشع السيناريوهات ..
ماذا سيحدث لو ماتت ..؟! هل سيعيش حياته بالكامل يحمل ذنبها فوق رقبته ..؟! كيف ستحمل عذاب الضمير وقتها ..؟!
لعن نفسه ولعن تلك الليلة التي جمعته بها ..
لولا تلك الليلة ما كان ليحدث كل هذا ويصلان الى هنا ..
لقد تدمرت حياة كليهما ..
أغمض عينيه برعب حقيقي وهو يتخيل إنها ستموت .. ستخسر حياتها .. وسيكون هو سبب هذا ..
” يا إلهي ..”
قالها بخفوت وهو يقبض على خصلات شعره البنية المجعدة الكثيفة بأنامله ….
سيطر عليه الإختناق فأخذ يصيح بإنفعال مكتوم :-
” لماذا حدث كل هذا ..؟! لماذا ..؟!”
أكمل بنفس الإنفعال يلومها :-
” لماذا لم تجهضيه ..؟! لماذا إحتفظت به ..؟! لماذا يا نانسي ..؟!”
أخذ نفسا عميقا عدة مرات قبل أن يقول وهو يحاول أن يبعد الذنب من فوق كاهله :-
” كلا انا لست مذنبا .. هي السبب .. هي من تسببت بهذا لنفسها .. هي من أذنبت بحق نفسها .. هو لا دخل له .. لم يخطأ بما فعله .. كان يريد صالحها كما يريد صالحه ..”
توقف عن أفكاره وهو يشاهد دخول أخيه بملامح قاتمة الى المكان ليتقدم نحوه وهو يسأله بلهفة :-
” ماذا حدث .. ؟! ”
ردد بقوة تخفي خلفها غضب مخيف :-
” هل كنت تعلم إنها حامل ..؟”
شحبت ملامح صلاح للحظات قبل أن يهتف بسرعة :-
” لا يجب أن يعلم أحد بهذا من فضلك .. ستكون فضيحة كبيرة في حقها وحقنا ايضا ..”
صاح به بغضب أذعره قليلا :-
” هل هذا ما يهمك الآن ..؟! هذا ما تفكر به في وضع كهذا ..!!”
” انت لا تفهم .. انا أفكر بها قبلي … لا يجب أن يعلم أحد بأمر الحمل .. ستلتصق تلك الفضيحة بها حتى نهاية العمر …”
قالها بجدية ليهمس شريف بقرف :-
” انت حقا تثير إشمئزازي …”
” من فضلك لا تفعل الآن .. أنا أتيت بها الى هنا بسرعة كي تساعدني ..”
أضاف يتوسله :-
” عالج الأمر بسرعة قبل أن تحدث فضيحة لا يمكن السيطرة عليها …”
لم يتحمل شقيقه أكثر فلكمه بقوة على وجهه ليسقط صلاح أرضا والدماء إنفجرت من أنفه ..
مسح أنفه بسرعة ونهض من مكانه يردد بترجي :-
” ارجوك يا شريف .. عالج الأمر من فضلك .. ”
قاطعه شريف بعصبية :-
” ماذا أعالج بالضبط ..؟! انت تخطيت كل الحدود المسموحة بتصرفك هذا …”
أضاف وهو يتأمله بعينين محتقرتين غير مصدقا إلى أي مرحلة من الحقارة والإستهتار وصل شقيقه :-
” أنت حتى لم تسأل عن وضع الفتاة ..!! لم تهتم حتى إذا ما زالت حية أم فقدت حياتها ..! لم تفكر سوى بالفضيحة ..”
قاطعه صلاح يتسائل بتلعثم :-
” ماذا تعني بحديثك هذا ..؟!”
شحبت ملامح وهو يتسائل بخوف تملك منه :-
” هل تعني إنها ماتت ..؟! هل نانسي ماتت يا شريف ..؟!”
منحه شريف نظرة قاتمة ليقبض صلاح على كفه يرجوه:-
” لماذا لا تجيب يا شريف … نانسي حية ، أليس كذلك …؟!”
أبعد شريف كف أخيه من نفور وهو يردد :-
” نعم ما زالت حية … لكن وضعها خطير …”
” كيف يعني ..؟! ماذا سيحدث الآن ..؟!”
سأله صلاح مجددا عندما تنهد شريف يخبره مرغما :-
” الحادث شديد لكن من حسن حظها إنه لم يتسبب لها بنزيف داخلها أو كسور خطيرة .. لكن هذا لا ينفي إن حياتها وحياة الطفلين بخطر …”
هتف صلاح غير مصدقا :-
” قلت طفلين ..؟!”
هز شريف رأسه وهو يؤكد :-
” نعم .. نانسي حامل بتوأم .. ”
أضاف يتسائل ساخرا :-
” ألم تكن تعلم ..؟!”
هز صلاح رأسه نفيا وهو يضيف متسائلا بتوتر :-
” لم تفقدهما إذا ..؟!”
رد شريف بجمود :-
” حتى الآن كلا لكن الخطر عليها وعليهما شديد للغاية ويمكن أن نخسرها لا سامح الله او نخسر أحد الطفلين أو كليهما في أي لحظة ….”
أضاف أخيرا وهو يتنهد بقوة :-
” أتمنى أن تنجو نانسي من هذه الحادثة بسلام .. اما عن الطفلين فلا أعرف ماذا أقول حقا .. يجب أن أدعو لهما أيضا بالنجاة لكنهما لا يستحقان حياة كالتي سيعشينها مع أب مثلك يا صلاح …”
لم يتحدث صلاح عندما أضاف شريف :-
” لكنني سأحاول أن أنقذهما قدر المستطاع فهذا واجبي كطبيب ..!!”
إبتلع صلاح ريقه وهو يهز رأسه متفهما عندما أنهى شريف الحوار :-
” سيتم نقلها الى غرفة العناية حيث ستخضع هي والطفلين الى المراقبة المستمرة حتى نرى ما سيؤول إليه وضعهما ..”
أنهى حديثه وهم بالتحرك خارجا ليذهب عند نانسي عندما قبض صلاح الى ذراعه فنظر له شريف بجمود لينطق صلاح :-
” لا تنسى يا شريف .. ما حدث سيبقى بيننا ..”
رمقه شريف بنظرات باردة وهو يبعد ذراعه من قبضته متجاهلا حديثه خارجا من المكان يتابعه صلاح بقلق بديهي وهو يسأل نفسه :-
” يا إلهي .. ماذا يجب أن أفعل الآن ..؟!”
………………………………………………..
في صباح اليوم التالي ..
كان يقف أمام المرآة يسرح شعره البني الناعم قبل أن يحمل عطره المفضل من إحدى أشهر وأغلى الماركات العالمية فيضع منه فوق عنقه والجزء العلوي من جسده ..
جذب ساعته الثمينة يرتديها ثم هم بإلقاء نظرة أخيره على هيئته ببذلته الرسمية الأنيقة عندما رن هاتفه فحمله ليرى إسم والدته يسطع فوق الشاشة …
أجاب عليها ليأتيه صوتها المعاتب كعادتها :-
” أين أنت يا كنان ..؟! لماذا لا تجيب على إتصالاتي ..؟!”
رد بجدية :-
” صباح الخير يا والدتي العزيزة .. إعذريني لكنني كنت مشغول تماما طوال البارحة ولم أجد الوقت لأتصل بك بعدها …”
قالت بحنق خفي :-
” ألم تجد خمس دقائق لتتصل بي بعد هذا الكم من الإتصالات ..؟!! لا أصدق حقا يا كنان .. ”
أضافت بضيق صريح :-
” لا يجوز ما تفعله حقا .. انا والدتك .. لا يجب أن تتجاهلني مهما حدث ..”
تنهد وهو يردد :-
” حسنا شريفة هانم .. أعدك إنني لن أكررها مجددا … ”
تمتمت بجدية :-
” أنت تسخر مني يا كنان .. أعلم ذلك ..”
قال بحنق :-
” ماذا قلت الآن …؟! مهما قلت لا يرضيكِ .. مالذي يجب أن أفعله بالله عليك ..؟! لا أفهم حقا ..”
أضاف بعدم تصديق :-
” هذا كله لإنني لم أجب على إتصالاتك …”
قاطعته بجمود :-
” بل لإنك تعمدت تجاهلها كما إعتدت أن تفعل …”
قاطعها بحدة خفية :-
” لم أتعمد يا ماما … أنتِ فقط من تعتقدين هذا … ”
زفرت أنفاسها تردد :-
” مرة واحدة فقط إعترف بأخطائك …”
هتف متململا :-
” للأسف هذا أصعب شيء بالنسبة .. إنها عادة موروثة لدينا .. لا نجيد الإعتراف بالإخطاء مثلما لا نجيد الإعتذار وأشياء أخرى ..”
هتفت متهمكة :-
” تقصد إنك ورثت صفاتك هذه مني ..”
ردد وهو يتأمل نفسه بالمرآة أمامه :-
” وكلي فخر لهذا ..”
قالت بتباهي :-
” بالطبع يجب أن تفعل ..أنت إبن شريفة هانم نصار … إسمي لوحده فخر لك وللجميع …”
ضحك بخفة وهو يردد :-
” ارجوك يا ماما لا تبدئي الآن وتتحدثي عن تاريخ عائلتك العريقة الطويل الذي لا نهاية له.. ”
أكمل عن قصد :-
” وإلا سأتحدث حينها عن تاريخ عائلة والدي التي لا تقل أصالة وعراقة عن تاريخ عائلتك ..”
تمتمت متجاهلة ما قاله :-
” على العموم انا إتصلت بك لأطلب منك أن تأتي غدا الى القصر عندنا حيث ستجتمع العائلة على الغداء ..”
أكملت بجدية :-
” لن أسمع أي أعذار .. ستتواجد غدا يا كنان .. لا مفر لك من ذلك …”
رد بجدية :-
” سأفعل يا ماما .. ستجديني قبل الجميع في القصر .. هل تريدين شيئا آخرا …؟!”
غمغمت بخفوت :-
” أتمنى ذلك …”
أنهى مكالمته مع والدته أخيرا ليتنفس الصعداء وهو يخرج مغادرا الفيلا الواسعة التي يسكن بها لوحده بعدما ترك منزل عائلته منذ سنوات طويلة مقررا أن يستقر في منزل خاص به فهكذا أفضل بالنسبة له ..
غادر الفيلا مخبرا الخادمة إنه لن يتناول فطوره الصباحي عندما أشار الى السائق يخبره :-
” إلى مجموعة شركات آل سليمان …”
ثم جلس في الجزء الخلفي من السيارة يقلب في هاتفه متابعا أعماله لكنه توقف عن ذلك بعد قليل وهو يستوعب إن أفكاره لم تكن مع أعماله بل كانت تتمحور حولها ..!!
أخذ ينظر الى الخارج من النافذة يتأمل الشوارع المزدحمة قليلا عندما وصل أخيرا الى الشركة …
فتح السائق الباب له ليهبط من سيارته متجها الى داخل الشركة عندما توجه نحو الطابق الذي يوجد به مكتب المدير للعام والذي يعلم جيدا إنها تستقر به حاليا بدلا من والدها …
تقذم نحو السكرتيرة يعرفها عن نفسه لتنهض الأخيرة مرحبة به بسرعة قبل أن تتجه ركضا لتخبر ليلى عن قدوم كنان نعمان الى الشركة …
بالكاد إبتلعت ليلى صدمتها وهي تهتف بها :-
” دعيه يدخل …”
ثم سارعت تجلس على كرسيها غير مصدقة إنه أتى بهذه السرعة ….
تأملته وهو يتقدم نحوها بملامحه الرجولية الواثقة يمنحها إبتسامة شديدة الرسمية وهو يلقي التحية عليها لتنهض من مكانها وهي تمنحه إبتسامة رسمية تماثل إبتسامته وترد تحيته عندما تأملت يده السمراء الممدودة فوضعت كفها بتردد خفي داخل كفه ليضغط عليه بخفة قبل أن يحرره وهو يتوجه نحو الكرسي المقابل ويجلس عليه بكل ثقة واضعا قدما فوق الأخرى يتأملها بتفحص جعلها تتوتر قليلا لكنها سارعت تسيطر على توترها وهي تجلس مكانها تتسائل مقررة أن تبدأ هي الحديث وليس هو :-
” تفضل كنان بك … ما سبب هذه الزيارة المفاجئة ..؟!”
رد بجدية :-
” لا أعتقد إنها مفاجئة أبدا ليلى هانم فنحن سبق وتحدثنا في الحفلة ..”
قاطعته بسرعة :-
” نعم ولكنني لا أتذكر إنني وافقت على عرضك …”
هتف بدوره بثقة :-
” لكنك لم ترفضِ في نفس الوقت .. ولا أظن إنك سترفضين في وضع كهذا …”
” ماذا تعني بوضع كهذا ..؟!”
سألته بقليل من الحنق ليهتف برزانة :-
” لا تفهميني بشكل خاطئ ولكنني رجل صريح وأظن إنكِ كذلك …”
منحته نظرات واجمة قليلا عندما أضاف :-
” وضع شركتكم سيء للغاية وإذا لم تسارعِ في إنقاذها ستنهار حتميا … ”
سألته بملامح متحفزة :-
” وأنت من سيفعل ..؟! أنت من ستنقذ الشركة ..؟!”
ردد بثقة :-
” بالطبع .. وسأعيدها مثل الأول بل أفضل مما كانت حتى …”
سألته مباشرة :-
” لماذا ..؟! مالذي يجعلك تفعل هذا ….؟! مالذي يدفعك للدخول في شراكة كهذه …؟!”
كان يريد أن يجيبها إنه يفعل ذلك لأجلها لكنه تراجع وهو يردد بغموض :-
” سأحتفظ مبدئيا بأسبابي لنفسي حتى يحين الوقت المناسب ..!!”
رفعت حاجبها تردد :-
” عفوا ..؟! أنا لن أدخل في شراكة معك حتى أفهم مالذي يدفع رجل اعمال ناجح مثلك للدخول في شراكة مع شركتنا التي كما قلت قبل لحظات إنها في وضع سيء تماما وعلى وشك الإنهيار ..!!”
ابتسم بخفة وهو يقول :-
” بم تخصكِ أسبابي وماذا ستغير بالنسبة لك …؟! من المفترض إن ما يهمك هو الإتفاق نفسه وما سينتج عنه وكيف سيتحسن وضع شركتكم من خلالها أما بقية الأشياء فليست مهمة لكِ على ما أعتقد ولن تؤثر في أي خطوة سنخطوها …”
لم تجبه عندما هتف بجدية :-
” فكري جيدا يا ليلى هانم .. صدقيني شراكتك معي ستنقذ شركتكم … أعدك إنك ستلاحظين الفرق خلال مدة قصيرة .. بإمكانك أن تسألي عني وعن مدى نجاح أعمالي وتقدم شركاتي في مختلف المجالات وستدركين إلى أي مدى ستكون هذه الشراكة في مصلحتك ..”
نهض من مكانه يردد أخيرا :-
” سأمنحك وقتا تفكرين به كما إنني سأرسل لك التفاصيل التي تخص الإتفاقية التي ستتم بيننا كي تحددي قرارك بناء عليها .. سأطلب من سكرتيرك حسابك الألكتروني .. حسنا ..”
نهضت من مكانها وهي تغمغم :-
” حسنا …”
منحها إبتسامة أخيره وهو يودعها تاركا إياها تتابعه بنظراته حتى غادر المكان وقد سيطر الجمود عليها كليت للحظات .. جمود تبعه قلق وتوتر كبيرين ..
…………………………………………………
مساءا ..
غادرت الشركة أخيرا بعد يوم طويل قضته تدرس وضع الشركة بالكامل مقررة إنه بات عليها أن تكون أكثر جدية وتتحمل المسؤولية كاملة فوالدها لا ينوي العودة حاليا وبالتالي هي مجبرة على تحمل مسؤولية الإدارة والتصرف كمديرة للشركة حتى يعود هو ويتولى مسؤولية ..
في الواقع ليست متذمرة مما يحدث وإمتناعه عن العودة بقدر قلقها الشديد لقراره هذا والذي تشعر إن خلفه شيء ما .
التغيرات واضحة على والدها ورغم تحسن وضعه الصحي بناء على حديث طبيبه الخاص إلا إنه تصرفاته وكلامه يبثان القلق داخلها …
في الكثير من المرات تشعر إنه يتعمد أن يتحدث معها بتلك الطريقة ويلقي تلك الكلمات على مسامعها مثلما يتعمد ألا يعود للإدارة وكأنه يجهزها ويجعلها مستعدة ل …
منعت أفكارها من الوصول الى تلك النقطة وهي تتجه نحو سيارتها بحركة سريعة وتفتح بابها ثم تجلس خلف المقود بملامح جامدة كليا ..
لا يمكن أن يكون ما تفكر به صحيحا ..
والدها بخير والطبيب طمأنها عليه …
وضعه الصحي جيد ..
بالتأكيد هذه الأفكار من وحي خيالها .. مجرد هواجس لا وجود لها ..
ورغما عنها عادت تفكر بنفس الطريقة فتتخيل خسارتها لوالدها التي لن تقوى على تحملها أبدا ..
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تتوسل الله سبحانه وتعالى ألا يحدث هذا .. ألا تخسر والدها ..
ليس والدها تحديدا ..
هو تحديدا لن تتحمل فقدانه ..
ليذهب كل شيء الى الجحيم ويبقى والدها حيا ..
شعرت بالإختناق يغزو صدرها وروحها والعبرات أغشت عينيها تأبى الهطول …
ضغطت على زر التحكم بالنافذة لتفتحها فتتنفس الهواء الطلق وهي تأخذ نفسها عدة مرات وتحاول السيطرة على عبرات عينيها المتراكمة..
في تلك اللحظة كانت خائفة بل مذعورة تماما ..
فكرة فقدان والدها تخنقها كليا دون رحمة ..!!
الآن فقط أدركت إن جميع الخسارات قابلة للتعويض عدا الخسارات التي تمس عائلتها …
تراجعت الى الخلف مغمضة عينيها وهي تحاول أن تطرد تلك الأفكار السلبية من رأسها حيث تخبر ذاتها إن والدها بخير ولن يصيبه مكروه بإذن الله ..
فجأة رن هاتفها فجذبته تحمل بقلب مذعور عندما لمحت إسمه …
لم تصدق إنه يتصل وقد بدا وكأنه شعر بحاجتها الماسة لوجود أحدهم جوارها في هذه اللحظة ..
لم تنتظر أكثر وهي تجيبه تهمس بصوتها المختنق :-
” زاهر …”
هتف بهدوء :-
” مرحبا ليلى ..”
همست بنبرة متحشرجة :-
” اهلا زاهر .. ”
أضافت تسأله وهي تجاهد لخنق عبراتها داخل عينيها :-
” كيف حالك ..؟!”
رد بنبرة عادية:-
” انا بخير .. وانت ..؟!”
” بخير ..”
قالتها بخفوت كاذب فهي ليست بخير أبدا عندما حل الصمت بينهما .. صمت إمتد للحظات ..
همست ليلى أخيرا بتردد :-
” سامحني يا زاهر .. لقد أخطأت في حقك ..”
قاطعها بصوته الرخيم :-
” توقفي يا ليلى .. لقد إعتذرت أساسا عن طريق تلك الرسالة التي أرسلتها لي ..”
همست بحزن :
” ولكنك لم تجب عليها .. ظننتك إنك لم تقبل إعتذاري ..”
قال بجدية :-
” لم أقرأها حتى صباح اليوم لكنني أجلت الرد عليكِ لإنني كنت مشغولا قليلا ..”
سألته بإهتمام :-
” هل هناك شيء ما ..؟! ”
قاطعها بجدية:-
” كلا ، أمور عمل فقط لا غير ..”
تمتمت بخفوت :-
” حسنا …”
سألها بجدية وهو يهم بإنهاء :
” هل تريدين شيء ما قبل أن أغلق..؟!”
أرادت أن تخبره إنها تريد رؤيته لكنها تراجعت وهي تردد :-
” كلا .. شكرا لك ..”
أضافت بسرعة تمنعه من إنهاء المكالمة :-
” فقط أردت أن أسألك عن شيء ..”
قال نيابة عنها :-
” تسألين عما حدث بشأن الخطبة .. لا تقلقي .. لقد تحدثت مع والدي وأخبرته بحقيقة الأمر وفعلت نفس الشيء مع والديكِ صباح اليوم ..”
تملكتها الدهشة مما قاله غير مصدقة إنه تصرف بهذه السرعة لكنها همست بنبرة ضعيفة :-
” لم أكن أسأل عن هذا الأمر يا زاهر ..؟!”
سألها :-
” إذا عما كنت ستسألين ..؟!”
هتفت بخيبة :-
” لا شيء .. يعني ليس مهما .. حسنا وداعا ..”
” توقفي يا ليلى ..”
قالها بسرعة قبل أن يسألها بعدها :-
” قولي ما لديك يا ليلى ..”
هتفت بإباء :-
” أخبرتك إنه ليس مهما …”
قال بإصرار :-
” لكنني أريد أن أعرف …”
أكمل بعدها :-
” هل تضايقت مني يا ليلى ..؟! لا أظن إنتي قلت أو فعلت شيئا يضايقك ..”
تنهدت وهي تجيب :-
” كلا لم يحدث هذا .. انا فقط لا يوجد شيء لدي أقوله حاليا .. لا تضغط علي من فضلك ..”
” حسنا .. كما تشائين ..”
قالها وهو يضيف :-
” لكن متى ما أردتِ أن تتحدثي أو تخبريني شيئا ما فلا تترددي في الإتصال به ..”
” بالتأكيد…”
قالتها بعينين محتقنتين وهي تودعه عندما أغلقت الهاتف وتراجعت بجسدها الى الخلف تأخذ أنفاسها مجددا ..
لحظات قليلة وإهتز هاتفها يخبرها عن وصول رسالة فسارعت تفتحها ظنا إن زاهر أرسل لها شيئا ما لكنه وجدته رقما غريبا ففتحت الرسالة لتقرأ ما بها عندما إتسعت عيناها وهي تقرأ محتوى الرسالة :-
” مبارك طلاق نديم يا ليلى .. الساحة باتت مفتوحة أمامك مجددا .. ”
سارعت تتصل بالرقم الذي أرسل الرسالة عندما وجدته مغلقا لتقبض على هاتفها وهي تهز رأسها بعدم تصديق ..
ما معنى هذه الرسالة ومن أرسلها ..؟!
مالذي يحدث بالضبط ..؟!
هل يعقل إن ما قرأته صحيح أم إن هناك أحد ما يتلاعب بها ..؟!
ولو كان هذا حقيقيا فمن له المصلحة في أن يخبرها بشيء كهذا ومن أين علم بهذا الخبر أساسا …؟!
تزاحمت أفكارها للحظات قبل أن تهمس بعينين قاتمتين :-
” عمار …!!”
…………………………………………………
وقفت أمام المرآة تلقي نظرة أخيرة على هيئتها وملابسها المكونة من بنطال جينز يلتصق بجسدها فيبرز أنوثتها الخطيرة فوقه قميص أبيض اللون ذو تصميم جذاب ومختلف بقماشه من نوعية الدانتيل الجذاب والذي يغطي ذراعيها حتى منتصفها ..
شعرها مصفف بعناية ومكياجها متناسق جدا …
تعترف إنها تشعر بالحماس الشديد لهذه الليلة ..
كلا لن تنكر هذا ..
هي تشعر بالحماس الشديد للخروج مع سيادة المقدم المغرور والتعرف عليه عن قرب …
في بادئ الأمر أرادت رفض دعوته لكنها لم تستطع فوافقت في النهاية وهاهي تتجهز للخروج معه بعدما دعاها على العشاء متحججا بهذه الدعوة كإعتذار بسيط عما فعله شقيقه لكنها تجزم إنه يكذب وهذه الدعوة ليست سوى رغبة منه لرؤيتها والتعرف عليها كما ترغب هي … !
ابتسمت وهي تلقي نظرة أخيرة على هيئتها عندما رن هاتفه برقمها فردت عليه ليأتيها صوته الرخيم يخبرها :-
” انا أمام الفيلا ..”
قالت بسرعة :-
” سأخرج حالا ..”
ثم سارعت تحمل حقيبتها وتلقي نظرة أخيرة على نفسها في المرآة قبل أن تغادر غرفتها بحماس ومنه الى خارج الفيلا حيث كان يصف سيارته الى الجانب لتتجه نحوه بينما كان هو ينظر أمامه دون أن ينتبه إليها حتى فتحت الباب ليلتفت بسرعة يتأملها وهي تصعد السيارة وتجلس جانبه بينما تلقي التحية عليه ..
تأملها مبهورا للحظات بجمالها الآخاذ الذي سيطر على الأجواء تماما ونبرة صوتها المميزة مع إبتسامتها العذبة …
كانت ساحرة تماما .. هذا الوصف الدقيق لها ..
رد تحيتها بخفوت عندما نظرت له تبتسم برزانة بادلها إياها وهو يسألها :-
” هل أنت مستعدة للمغادرة ..؟!”
هزت رأسها وهي تجيبه :-
” مستعدة ..”
عاد يسألها :-
” إلى أي مطعم تفضلين أن نذهب ..؟!”
ردت بجدية :-
” ليكن مطعم من إختيارك ..”
رفع حاجبه مرددا :-
” من إختياري أنا …”
هزت رأسها تسأله :-
” هل هناك مشكلة ..؟!”
قال مبتسما :-
” أبدا ولكن ربما لن يعجبك ذوقي في المطاعم ..”
مطت شفتيها وفضولها دفعها لتتعرف على ذوقه في إختيار المطاعم التي يرتادها :-
” لنجرب إذا …”
سألها وهو يميل نحوها قليلا :-
” هل أنت واثقة ..؟! ربما تندمين فيما بعد ..”
ردت وهي ترفع ذقنها بشموخ :-
” انا لا أندم أبدا ….”
منحها إبتسامة خافتة وهو يهز رأسه قبل أن يحرك سيارته منطلقا بها وهو يهتف :-
” جيد إذا .. سآخذك الى أحد المطاعم المفضلة بالنسبة لي بل يكاد يكون أفضلهم عندي …”
نظرت له بحماس سرعان ما خمد وهي تتأمل تلك المنطقة الشعبية التي دخلت بها سيارته الضخمة الراقية
بموديلها الحديث جدا ..
كانت تتأمل الشوارع المليئة بالناس الذين لم تلتق بهم مسبقا وكيف ستلتقي بهم وعالما يتمحور حول فئة معينة من المجتمع ..؟!
همست لنفسها تخبرها إن المطعم ليس هنا بالتأكيد وإن هذه المنطقة هي مجرد مؤدية للمطعم ليس إلا لكن أمالها تبخرت على الفور وهي تجده يصف سيارته على الجانب ويهبط منها لتسارع تفتح باب السيارة وتهبط بدورها تتابعه بذهول وهو يتبادل التحية مع بعض الرجال هناك الذي رحبوا به بحفاوة عندما أشار لها بعينيه أن تتقدم نحوه فسارعت تسير إتجاهه متجاهلة النظرات التي تتأملها بتعجب شديد عندما سارت جانبه متجهة الى داخل المطعم محاولة تدارك صدمتها ..
بعد قليل من الوقت ..
كانت تتأمل المكان حولها بملامح تجمع بين الإستغراب وعدم الإرتياح ..
مطعم شعبي للغاية وجميع من فيه ينتمي لطبقة لا تذكر إنها تعاملت معهم في حياتها ..
الأجواء بدت غريبة للغاية فالمطعم مزدحم للغاية والعاملون يتحركون هنا وهناك يحاولون أن يواكبوا من الزخم في المكان ..
” استرخي في جلستك يا غالية وتذكري إنك من منحتني حرية الإختيار ..”
ردت وهي تعتدل في جلستها وقد بدت من عالم مختلف تماما عن بقية الموجودين في المطعم خاصة بتلك الملابس الراقية التي ترتديها والتي رغم بساطتها تمنحها طلة راقية فخمة لا تناسب بساطة المكان :-
” انا مسترخية .. يعني لا مشكلة عندي .. انا فقط أشعر إنني ..”
صمتت للحظة ليسألها بجدية :-
” إنها المرة الأولى التي تدخلين فيها مكان كهذا صح ..؟!”
أومأت برأسها وقبل أن ترد أتى النادل يضع لمياه أمامها وآخر يتبعه يضع وعائين يحويان حساء العدس…
ابتعد النادلين لتجيب على سؤاله :-
” المشكلة ليست في المكان نفسه .. يعني فقط لو كنت أخبرتني لكنت إرتديت ملابس تلائم المكان قليلا ..”
ضحك مرددا :-
” لا أظن إنك تمتلكين ملابس تلائم هذا المكان من الأساس ..”
زمت شفتيها تردد بعبوس :-
” كنت سأرتدي بنطال جينز مع تيشرت عادي قليلا .. ”
ابتسم يهتف بجدية :-
” المشكلة ليست في الملابس فقط .. المشكلة فيكِ أنتِ يا غالية ..”
سألته بتجهم :-
” كيف يعني المشكلة في أنا ..؟!”
رد بجدية وهو يتأملها بعينيه المتفحصتين :-
” يعني انتِ حتى لو إرتديت ملابس قديمة بالية سوف تبقين كما انتِ .. جميلة ولامعة وحضورك طاغي في أي مكان تدخلينه ..”
شعرت بالخجل مما يقوله فسحبت الملعقة بتردد ترتشف القليل من الحساء دون أن تنتبه على نوعه لتزم شفتيها بعبوس وهي تردد:-
” عدس .. حساء عدس ..”
” ألا تحبينه ..؟!”
سألها وهو يكتم ضحكته من ملامحها النافرة كليا لترد بجدية :-
” لا أطيقه ..”
ابتسم بخفة ثم سألها :-
” هل تريدين أن أغير المكان ..؟! أخذكِ الى مطعم مناسب ..”
قاطعته بجدية :-
” كلا ، سأبقى هنا … أساسا المكان يبدو لطيفا ..”
قالت حملتها الأخيرة كاذبة ليسألها بجدية وقد أدرك كذبها بلمحها واحدة على عينيها :-
” إذا ماذا ستتناولين ..؟!”
ردت بتعجب :-
” ألا توجد قائمة طعام ..؟!”
رد بجدية :-
” توجد لكن ليست مهمة لإن الطعام هنا واضح ومعروف .. إما المشويات او الزر مع اللحم او الدجاج المشوي والكثير من المرق ..”
هتفت ببلاهة :-
” رز ولحم ومرق الساعة التاسعة مساءا ..!!”
كتم ضحكته بصعوبة مرة اخرى لتهتف بخفوت :-
” حسنا .. المشويات لا بأس بها .. ”
” ألا تحبينها ..؟! أخبريني بصراحة .. هل تتناولين المشويات عادة ..؟!”
ردت بصدق :-
” بالطبع أحبها وأتناولها .. أحب الكباب كثيرا ..”
ابتسم وقال بثقة :-
” إذا كوني واثقة إنك ستتناولين أطيب وجبة كباب في حياتك هنا …”
رفعت حاجبها مرددة :-
” سنرى يا سيادة المقدم ..”
أشار فادي الى النادل الذي جاء مرحبا به سعيدا بقدومه قبل ان يطلب منه فادي أن يجلب طبقين من المشويات له ولغالية …
” أنت زبون معتاد هنا ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد بجدية :-
” نعم وآتي دائما ..”
سألته بعفوية :-
” كيف تعرف هذه الأماكن والمطاعم ..؟؟ يعني انت ثري و ..”
قاطعها موضحا :-
” انا بطبيعتي أتردد على مختلف الأماكن .. اليوم تجديني في احد ارقى المطاعم وغدا تجديني في مطعم شعبي في منطقة نائية ربما .. طبعا طبيعة عملي ساعدتني على ذلك .. كما إنني أمتلك أصدقاء من جميع الطبقات والأهم إنني أواكب أي مكان مهما كان اختلافه ..”
أضاف بصدق :-
” ولأكن صريحًا فأنا أعشق الطعام الشعبي والمطاعم الشعبية عموما لإن طعامهم رائع ودسم وفيه لذة خاصة لا أشعر بها وأنا جالس ببذلتي في ذلك المطعم الراقي بهدوءه الممل ..”
ابتسمت مرغمة على حديثه ليضيف وهو يغمر لها :-
” اخرجي معي عدة مرات وأعدكِ إنكِ بعدها ستأتين بنفسك الى هنا ولا تجدين اللذة في طعام كالذي تحدينه هنا …”
” لا تكن واثقا هكذا ..”
قالها وهي تنط شفتيها قبل أن تضيف بجدية :-
” انا منحتك حرية اختيار المكان الملائم مع إنه كان من المفترض أنا من أختار ..”
” هل تنكرين إنني سألتك عن المكان الذي تحبين الذهاب إليه ..؟!”
سألها مصطنعا الدهشة لترد بخفة :-
” نعم ولكنكِ أخبرتني أيضا إن هناك مكان رائع معتاد أن تذهب إليه وانا بدوري تحمست و..”
قاطعها ضاحكا :-
” بذمتك أليس المكان رائعا ..؟!”
تأملته بعينيها بعدم اقتناع عندما جاء النادل ووضع طبقي المشويات أماميهما ومعهما السلطان والخبز الحار ..
من حسن حظها إن هناك شوكة موضوعة بجانب سكينة وملعقة فسحبت الشوكة تقطع قطعة صغيرة من الكباب أمامها وتتناوله ليسألها بإهتمام :-
” أخبريني ..؟! كيف الطعام اذا ..؟!”
ردت مرغمة لإن الطعام كان فائق اللذة بالفعل :-
” لذيذ جدا ..”
ابتسم وهو يسحب قطعة من الخبر ويبدأ في تناول الطعام بطريقة بدت لا تشبه طريقتها أبدا بينما أكملت هي تناول الطعام بالشوكة والسكين غافلة عن عيناه اللتين لا تفارقها وهو يتأملها تتناول قطع صغيرة للغاية من الطعام ببطأ فيبتسم مرغما مفكرا إنه صدمها صدمة عمرها عندما أتى بها الى هنا ولكنها رغم كل شيء ورغم إندهاشها حاولت مجاراته وهذا إن كان يدل على شيء فهي ليست مغرورة او متعجرفه كما كان يظن ..!!
هي فقط ذكية وراقية وواثقة بنفسها ..
إرستقراطية بالفترة وجميلة .. جميلة جدا ..
توقف عن أفكاره ينهر نفسه فهو لا يجب أن يفكر بها بهذه الطريقة أبدا ومهما حدث ..!!
………………………………………………………
بعد مدة من الزمن ..
إنتهيا من تناول الطعام الذي وجدته غالية رائعا عندما قال وهو يتأمها مبتسما :-
” أتمنى أن يكون الطعام أعجبك حقا ..؟!”
ردت وهي تبتسم له :-
” جدا .. كان معك حق .. إنه رائع ..”
سألها بجدية :-
” هل تتناولين الشاي معي ..؟!”
هزت رأسها بقليل من التردد عندما أشار فادي للنادل يطلب منه أن يجلب إثنين من الشاي لهما …
عاد ينظر إليها لتشكره :-
” أشكرك حقا على هذه العزومة …”
أضافت بجدية وهي تتأمل الأجواء حولها :-
” كتت بحاجة لهذا النوع من التغيير خاصة بعد الأجواء الأخيرة التي مررت بها ..”
رد مبتسما :-
” على الرحب والسعة ..”
أضاف يسألها بإهتمام :-
” أتمنى ألا تكوني تقصدين بحديثك هذا فراس فأنا شعرت إنك تخطيتِ ما حدث نوعا ما ..؟!”
قالت بسرعة تنفي أفكاره :-
” كلا الأمر لا يتعلق به .. انا بالفعل تخطيت ما حدث ..”
هتف بجدية :-
” يسعدني هذا حقا يا غالية خاصة إنني كنت سببا لما حدث ..”
قالت بجدية :-
” لا تقل هذا من فضلك .. حتى لو كنت سببا فما فعلته كان كافيا لمحو أي ذنب قد تشعر به …”
قال ممازحا :-
” من كان يصدق إننا سنجلس يوما هكذا ونتحدث بهذه الأريحية ..؟!”
هتفت بدورها :-
” في الحقيقة إذا كان هناك شيء فاجئني حقا ولم أصدق إنني سأشهده يوما فهو إبتسامتك…”
رفع حاجبه مرددا :-
” كيف يعني ..؟!”
أجابت بصدق :-
” طوال المرات التي رأيتك فيها لم تكن تبتسم إطلاقا ..هذه أول مرة أراك تبتسم ..”
رد بصراحة :-
“في الحقيقة وجودك لم يكن يروقني وبالتالي كان يصعب علي الإبتسام حتى لو مجاملة …”
منحته نظرة باردة وهي تردد :-
” في الحقيقة وانا كذلك .. أساسا هذا كان واضحا علي وانت بالتأكيد لاحظته ..”
تأمل النادل وهو يضع الشاي أماميهما فيردد وهو يرفعه ويرتشف منه قليلا :-
” نعم كان واضحا ويسعدني …”
سألته بتجهم :-
” لماذا يسعدك …؟!”
رد بجدية :-
” لإنه كان يثبت مدى تأثرك بحديثي الذي كنتِ تنكرينه .. انا كشفت غايتك منذ اول يوم وهذا ما جعلكِ تنزعجين مني …”
هتفت ببرود :-
” ليس تماما .. واقعيا انت لم تكتشف اي شيء .. نعم أدركت إن هناك غاية خلف موافقتي على تلك الخطبة لكنك لم تدرك غايتي وما أخطط له ..”
رد بجدية :-
” من الأفضل ألا نتطرق لهذا الموضوع ..؟!”
رفعت حاجبها وهي تردد :-
” لماذا يعني ..؟!”
تنهد وهو يقول :-
” لإن رأيي بهذا الموضوع تحديدا لن يعجبك ….”
تمتمت بخفوت:-
” لا أنكر إن رأيك صحيح ولكن انا كنت مضطرة وفرحة من شجعتني لهذا ..”
أضافت وهي تطلق تنهيدة :-
” صدقني أحيانا أشعر بالندم لإنني تصرفت بطريقة غير لائقة ولكن عندما أتذكر نتاج هذا التصرف حيث عاد تميم الى حضن والدته تعود الراحة تغزوني …”
سأله سؤالا كان يلح عليه دائما :-
” أليس غريبا أن تهتمي بأمر تميم الى هذا الحد ..؟!”
نطرت له بصمت للحظات قبل أن تجيب أخيرا بخفوت :-
” لإنه ذكرني بأخي الكبير الذي عايش لسنوات طويلة بعيدا عن والده .. وهذا ما آثر بشكل كبير على شخصيته بل وعلاقته بنا وبجميع من حوله ..”
” كنت تخشين أن يصبح تميم مثل أخيك ..”
قالها بصراحة لا تخلو من الجرأة فأجفلت لا إراديا قبل أن تهز رأسها بصمت عندما قال بصدق :-
” لا أعلم ما هو عليه أخيك الآن تماما لكنني بشكل أو بآخر أصبحت شبه متأكد إن الأهل وتحديدا الأب والأم سببا رئيسيا في ما يعايشه أولادهم من مشاكل وما يصبحون عليها من نسخ مشوهة مستقبلا …”
” معك حق .. العائلة تتحمل مسؤولية هذا بشكل كبير …”
قاطعها بخفوت :-
” ولكن هذا ليس مبررا كافيا لتصرفاتهم السيئة … والدليل إن هناك من ينشئون وسط أقذر العائلات ومع هذا يكبرون كأشخاص أسوياء دون أن تتأثر نفوسهم بماضيهم وحتى لو تأثروا نفسيا فليس من الضروري أن يتسببوا بإيذاء من حولهم …”
” تتحدث وكأنك تعايش. تجربة مماثلة …؟!!”
قالتها بجدية ليبتسم مرغما وهو يقول :-
” هذا صحيح …..”
أرادت أن تسأله إذا ما كان يقصد فراس أم غيره لكنها تراجعت عن ذلك عندما باغتها قائلا :-
” لكن رغم كل شيء يظل أخيك .. لا تنسي هذا … ولا تنسي إن أخوتكما تجعل محاولة تقويمه وإصلاحه واجب عليك …”
هتفت بصدق :-
” سنوات وأنا أحاول ذلك … منذ أن كان والدي حيا .. ولم أجد أي نتيجة أو إستجابة ولو بسيطة …”
قال بثقة ؛-
” لا بد أن يأتي يوم ويدرك قيمتك عندما يتذكر مواقفك الجيدة معه وحينها سيتغير …”
قالت بحسرة :-
” لقد فات الآوان … للأسف لم يعد هناك مجال لذلك …”
هتف بإصرار على موقفه :-
” لا أحد يعلم ما سيحمله المستقبل .. المهم أن تتمسكي بموقفك وتسعي دائما لتذكيره برابط الأخوة بينكما ….”
ابتسمت مرغمة وهي تردد :-
” انت تتحدث هكذا لإنك لا تملك أخوة من أم ثانية .. عمار لإنه من أم ثانية لا يرانا أخوته … يعتبرنا غرباء …”
أضافت بجدية :-
” ليت والدي بقي مع والدته ولم يطلقها … ليته لم يفعل ما فعله .. ما كنا سنصل الى هنا …”
” والدتك كانت الثانية إذا..؟!”
هزت رأسها وهي تتأسف داخلها فهي لطالما كرهت الزوجة الثانية وكانت تكره أي إمرأة تأخذ رجلا من زوجته وحتى بعدما أدركت إن والدتها تزوجت والدها وهو متزوج غيرها لم تتغير نظرتها تلك رغم حبها الشديد لوالدتها لكن مبادئها كانت ثابتة وربما هذا ما يجعلها تنظر الى والدتها بلوم في بعض الأحيان لكنها تتجاهل هذا بعدها وهي تذكر نفسها إنها والدتها التي تحبها وعليها أن تتجاهل تلك الحقيقة المرة فقط لإنها والدتها ..
……………………………………………..
تقدمت نحو أخيها الذي كان يعمل على حاسوبه فسألته بجدية :-
” هل أطلب من الخادمة تجهيز العشاء لك …؟!”
رد نضال وهو يرفع نظره من فوق حاسوبه نحوها :-
” شكرا يا حنين .. لكنني لا أتناول الطعام ليلا عادة ..”
هزت رأسها عندما عادت تسأله :-
” متى يفترض أن تصل والدتي الى هناك ..؟!”
رد وهو ينظر الى ساعة يده :-
” بعد حوالي ستة ساعات تقريبا ..”
همت بالتحرك عندما تقدم والدها يبتسم لهما فبادلته إبتسامته وهي تلقي نفسها بين أحضانه عندما تمتم بخفة :-
” صغيرتي الجميلة …”
ضحكت برقة بينما هتف وهو يشير إليها :-
” تعالي وإجلسي .. هناك شيء هام أريد إخبارك به… كما إن أخيك هنا وهو يجب أن يعرف ما سأقوله ..”
تسائل نضال بحيرة :-
” ماذا هناك ..؟!”
جلست حنين جانب والدها الذي قال بجدية :-
” هناك شاب تقدم لخطبة حنين ..”
علت الدهشة ملامح حنين بينما هتف نضال بإهتمام :-
” حقا ..؟؟ من هو ..؟!”
رد أشرف بجدية:-
” إبن صديقي محمود … لقد تحدث معي وأخبرني برغبة إبنه الصغير بخطبة حنين …”
أكمل بجدية وهو يتأمل ملامح ابنته الصامتة :-
” انا بالطبع لست موافقا ولكنني يجب أن أخبرك بكل الأحوال فمن حقك أن تعرفي بأمر كهذا كونه يخصك ..”
سأل نضال مجددا :-
” لماذا لست موافقا ..؟! هل الشاب سيء …؟!”
قال أشرف بسرعة :-
” إطلاقا .. إنه شاب ممتاز .. لكن حنين ما زالت صغيرة حدا .. هي لم تتجاوز عامها التاسع عشر .. ما زال الوقت مبكرا على الخطبة ..”
هز نضال رأسه متفهما قبل أن يسأل حنين :-
” ما رأيك أنت يا حنين ..؟! ”
ردت بجدية :-
” كما قال والدي .. انا ما زلت صغيرة .. ما زال الوقت مبكرا جدا على الإرتباط …”
ابتسم أشرف يربت على كتفها :-
” أحسنتِ صغيرتي .. الآن فكري في مستقبلك ودراستك .. جامعتك ستبدأ بعد أيام قليلة وكل شيء عدا هذا ليس مهما الآن ..”
نهض من مكانه وإستأذن متجها الى غرفته للراحة عندما نظرت حنين بطرف عينيها الى نضال الذي كان يتأملها بنظرات مريبة فسألته :-
” هل هناك مشكلة ما يا نضال ..؟!”
” ليست مشكلة .. فقط هناك نصيحة صغيرة سأقولها ..”
نظرت له بإهتمام عندما قال بجدية :-
” من لا يشعر بك لا يستحق أن تمنحينه ولو جزءا صغيرا جدا من مشاعرك .. مشاعرك غالية فلا تمنحينها إلا لمن يستحقها ويقدرها ويدرك قيمتها جيدا ..”
تلعثمت وهي تهتف :-
” لم أفهم .. لماذا تقول هذا الآن ..؟! انا ..”
قاطعها بإقرار :-
” كرم .. ”
اتسعت عيناها بهلع عندما اضاف :-
” تعرفين إنني صريح ولا أجيد المراوغات ..”
أضاف بتمهل :-
” انت أختي وأنا من حقي أن أخشى عليك مثلما من واجبي نصحك وتوجيهك …”
نظرت له بإهتمام فقال عن قصد :-
” مهما بلغت قوة مشاعرك لشخص ستتخطينها يوما ما طالما مشاعرك تلك لا تجد صدى مقابلا لها …”
همست بتلعثم وقد أحرجها إنها باتت مكشوفة أمامه :-
” أنا … أنا لا أهتم أساسا و ..”
ابتسم بخفة مرددا :-
” من الجيد إنك لم تنكري …”
قاطعته بصدق :-
” لم أرتكب شيئا مشينا لأنكره .. ”
أضافت وعيناها تلمعان بقوة :-
” مشاعري نحوه ليست إثما او شيئا سيئا أخجل من الإعتراف به أو أسعى لإخفائه …”
تنهد وهو يردد بصدق :-
” بالطبع يا حنين .. إنظري إلي .. أنت ما زلت صغيرة .. صغيرة جدا .. مشاعرك ليست ثابتة إطلاقا .. ستتغير تلك المشاعر وسيأتي اليوم الذي تكتشفين فيه إن مشاعرك تلك لم تكن بتلك القوة التي تعتقدينها ..”
همست بخفوت :-
” أتمنى ذلك حقا …”
أضافت وهي تبتسم بعذوبة :-
” شكرا يا نضال .. ”
هم بالرد لكنه توقف وهو يسمع صوته يتردد قريبا منهما لتتجهم ملامحه كليا بينما يسيطر التوتر على ملامح حنين خاصة عندما وجدته يتقدم منهما مبتسما بخفة وهو يردد :-
” جئت لتوديعكم قبل السفر ..”
أضاف وهو ينظر نحوها بإهتمام :-
” كيف أصبحت يا حنين ..؟!”
ليأتي رد أخيها الذي وقف مواجها له كدرع حامي لمشاعرها التي إضطربت كليا :-
” حنين بخير يا كرم .. ما حدث في حفل الزفاف مجرد نوبة إعتيادية ومرت بسلام ..”
ابتسم كرم مرددا بنبرة ودودة :-
” حماك الله يا حنين والحمد لله على سلامتك ..”
إحتقنت ملامحها وهي تردد بخفوت :-
” شكرا ..”
لكن سرعان ما سيطرت الصدمة على ملامحها وهي تسمعه يردد :-
” هل يمكننا التحدث على إنفراد ..؟!”
نظر نضال نحوه يسألها بقوة :
” ماذا هناك يا كرم لتتحدث عنه على إنفراد ..؟!”
همس كرم مستنكرا :-
” أريد أن أخبر حنين بشيء يخصها و ….”
قال نضال بحنق :-
” وهل أنا شخص غريب …؟! انا أخيها .. يمكنك أن تتحدث ..”
تسائل كرم متفاجئ من نبرة ابن عمه العدائية :-
” ماذا يحدث يا نضال ..؟!”
قالت حنين بسرعة تحاول السيطرة على الوضع :-
” تحدث يا كرم .. أسمعك …”
هم كرم بالتحدث لكن أوقفه صوت رنين جرس الباب عندما تأمل ثلاثتهم الخادمة وهي تتقدم لتفتح الباب ..
تصنم نضال مكانه وسيطرت الدهشة تماما على حنين وهي تتعرف على المرأة التي أتت الى منزل والدها فهي لم تكن سوى طليقة والدها وأم أخيها ..
السيدة إنتصار العمري ….
…………………………………………….
في قصر عائلة الهاشمي ..
تمددت على سريرها بملامح مرهقة بعد قضائها يوما كان مرهقا الى أكبر حد …
منذ الصباح وهي تتألم والغثيان يسيطر عليها ..
أطلقت تنهيدة طويلة وهي تضع كفها على بطنها وذلك الألم في معدتها يعود مجددا …
لحظات قليلة والألم بدأ يزداد ورغبتها بالتقيؤ ازدادت بقوة حتى نهضت من مكانها مسرعة متجهة نحو الحمام لكن قبل أن تصل الى المغسلة كانت تسقط أرضا حيث فرغت ما في جوفها على ارضية الحمام المرمرية ..
تقيأت اكثر من مرة حتى شعرت إن معدتها فرغت تماما من كل شيء ..
بالكاد نهضت من مكانها والدوار سيطر عليها تماما عندما خرجت من الحمام تستند على الحائط وألم معدتها ورغبتها في التقيؤ تزداد …
أطلقت صرخة فزعة وهي تستمع صوت إرتطام الفازة الموضوعة جانبها بعدما إرتطم كف يدها بها دون قصد ليسمع هو صوت صرختها عندما كان مارا جانب جناحها متوجها الى جناحه …
وقف للحظات ينظر الى باب الجناح المغلق بتردد وعقله يخبره أن يغادر لكن صوت صرختها في هذا الوقت بعد منتصف الليل أقلقه فقرر أن يدخل ويرى ما يحدث ..
لم تنتبه إليه وهو يتقدم نحوها بل لا تعلم متى جاء أصلا حيث سألها بقلق عما يحدث ..
انتفض جسمها في موجة بكاء عارمة سيطرت عليها وما حدث أوجعها كثيرا …
شعرت به ينحني نحوها يسألها بقلق مضاعف وهو يستمع الى أنينها الخافت :-
” جيلان ..! أنت بخير ..؟!”
شعر بإرتجاف جسدها فسارع يحملها بين ذراعيه متجها بها حيث السرير ..
وضعها على السرير الذي شعرت به باردا للغاية هذه المرة قبل أن ينحني مجددا نحوها يسألها بإهتمام :-
” ماذا حدث ..؟! هل تناولت شيئا من الخارج ..؟! ”
أجابته وهي تمسح دموعها :-
” أبدا … لم أتناول شيئا منذ الصباح .. ”
اومأ رأسه بتفهم قبل أن يقول بجدية :-
” سأجلب لك دواء من الأسفل تتناولينه…”
لكن قبل أن ينهي كلماته كانت تنتفض من مكانها مجددا تتجه نحو الحمام تفرغ ما يحتويه جوفها من جديد …
تأملها وهي تخرج من الحمام بملامح شاحبة مرهقة تستند بكفها على الحائط جانبها وكفها الآخر موضوع فوق بطنها …
هتف بسرعة وهو يخرج هاتفه :-
” سأتصل بالطبيب ليأتي ويراكِ …”
ثم تذكر إنه لا يعرف رقم طبيب العائلة فغمغم بملامح عابسة :-
” سأذهب الى راغب وأخذ منه رقم الطبيب ..”
خرج تاركا إياها تجلس على السرير بضعف وألم قبل أن تجد الباب يفتح مجددا حيث دخل مهند تتبعه زوجة راغب التي تقدمت نحوها بقلق تسألها عما تشعر به …
” سيأتي الطبيب حالا ..”
قالتها وهي تربت على شعرها بحنو بينما يجاور مهند أخيه راغب الذي أخذ يراقب ما يحدث بصمت رغم قلقه من أن تكون الفتاة تعاني من مشكلة ما …
جاء الطبيب أخيرا ليبدأ في فحصها بوجود زوجة راغب بينما خرج كلا من راغب ومهند من الجناح ..!!
خرج الطبيب أخيرا من الجناح يتأمل كلاهما بصمت قبل أن يسأل :-
” كم عمرها ..؟!”
تعجب مهند من سؤاله لكنه أجاب بجدية :-
” في السابعة عشر من عمرها ..”
عاد الطبيب يسأله بفتور وقد خمن هويته :-
” أنت زوجها ، أليس كذلك ..؟!”
اومأ مهند برأسه وشعور القلق تضاعف داخله بينما عاد الطبيب يلقي نظرة متأسفة عليها قبل أن يشير الى مهند بضيق خفي :-
” الفتاة حامل .. ”
تجمدت ملامحه تماما بينما رمقه الطبيب بنظرات نافرة فكيف لشاب في عمره أن يتزوج من مراهقة لم تبلغ سن الرشد حتى ..؟!
” لا داعي أن أخبرك إن عمرها الصغير وجسدها الصغير يحتاج الى رعاية خاصة … ”
لم يكن يسمع ما يقوله الطبيب بل عيناه كانتا تنظران أمامه بجمود بينما راغب لم يكن منتبه من الأساس لنظرته حيث صدمته بما سمعه سيطرت عليه تماما …
خرج مهند يودع الطبيب بملامح محتقنة قبل أن يرى راغب يرمقه بنظرات مشتعلة وأول ما خطر على باله بعدما علم بحمل جيلان هو موقف عمار وما سيفعله بعدما يدرك ما حدث وما فعله أخيه الأحمق والذي فشل في الحفاظ على الفتاة الصغيرة رغم تحذيره عدة مرات وإخبارها مرارا وتكرارا إن الفتاة أمانة في رقبته …
اما في الداخل وقت همسة مكانها متصنمة بعدما سمعت ما أخبر الطبيب به زوجها وشقيقه بينما لم تكن جيلان سمعت شيئا حيث كانت مرهقة تماما عندما همست تخبر همسة :-
” أريد النوم .. انا مرهقة جدا ..”
بالكاد سيطرت همسة على صدمتها وهي تتجه نحوها تساعدها في النوم حيث دثرتها جيدا وهي لم تستوعب بعد متى حدث هذا وكيف هي حامل طوال هذه المدة ولم يشعر أحد …
لكنها تذكرت إن جيلان ما زالت صغيرة والفترة السابقة عانت من عدة أشياء لذا من الطبيعي ألا تدرك إنها حامل فهي لا تفهم بالطبع الأعراض التي كانت تصيبها …
خرجت من الجناح بملامح يملؤها الحزن وهي تتخيل صدمة الفتاة المسكينة بهذه الحقيقة المرة عندما وجدت زوجها واقفا قرب الجناح بملامح جامدة فتقدمت نحوه تنظر له بخيبة عندما عاد مهند إليهما لترمقه همسة بنظرات شديدة اللوم تجاهلها وهو ينظر الى راغب مرددا بخفوت :-
” راغب انا …”
لكن سرعان ما صفعه راغب على وجهه بقوة لتشهق همسة بصدمة بينما يضع مهند كفه على جانب وجهه مكان الصفعة وهو ينظر الى أخيه بعينين تشكلت الدموع داخلهما لأول مرة ..
…………………………………………………….
كان يهم بالخروج من شقته لينهي بعض الإجرائات التي تنتظره عندما فوجئ بها تقف أمام باب شقته ما إن فتح الباب لتتسع إبتسامتها وهي تهتف بسعادة :-
” صدفة جميلة …”
ثم دفعته وهي تتقدم الى داخل الشقة ليتبعها بعينيه قبل أن يتقدم نحوها تاركا الباب مفتوح :-
” ماذا تفعلين هنا ..؟!”
إلتفتت تنظر إليه تهتف بنبرة معاتبة :-
” لم أتوقع هذا الإستقبال منك يا نديم .. كن ألطف قليلا على الأقل ..”
قال ببرود :-
” إنظري إلي .. لست فارغا لهذه التفاهات .. غادري فورا هيا ..”
هنفت بتحدي :-
” وإذا لم أفعل …”
منحها نظرات قاتمة قبل أن يقول :-
” إبقي هنا كما تريدين .. سأغادر أنا .. ”
هم بالتحرك عندما سارعت تركض نحوه تقبض على ذراعه ليبعد قبضتها من فوق ذراعه بنفور ..
” أنتِ ماذا تريدين بالضبط يا هذه ..؟!”
سألها بحنق وهو يضيف :-
” هل أنت مجنونة …؟!”
همست وعيناها تتأملانه بجنون حقيقي :-
” نعم مجنونة … مجنونة بك ”
همس وهو يهم بدفعها :-
” توقفي بالله عليك .. لا ينقصني سوى هذا الآن ..”
همست وعيناها السوداوان غرقت رغما عنها في زرقة عينيه :-
” تمتلك عينان رائعتان حقا … تجببرانني على الغرق فيهما ..”
قاطعها وهو يبعدها برفق :-
” ماذي من فضلك ..”
همست وهي تقترب منه أكثر تغويه بملامح فائقة الأنوثة ورائحة عطرها القوية تخترق حواسه :-
” ماذا حدث الآن ..؟! انت لم تعد مرتبطا … انت حر الآن …”
مد كفه فوق ذراعها يدفعها بتمهل لتقبض على كفه وتسحبه فوق موضع قلبها تهمس بصوت شديد النعومة :-
” وضعت يدك هنا فوق قلبي كي تشعر بنفسك بتلك الخفقات العالية فيه .. نبضاته تقرع كالطبول …”
مالت نحوه أكثر تراهن على هذه اللحظة الفاصلة .. ستجعله يستسلم مجبرا لا مخيرا فهي تمتلك من السحر والإغواء ما يجبره هو وغيره على الخضوع دون مقاومة …
” أنا أريدك .. كلا ليس هذا فقط .. انت ..”
صمتت تدعي التردد قبل أن تقول بتلعثم كاذب :-
” انا أغرمت بك منذ اللحظة الأولى .. قد يكون ما أقوله غريب وغير منطقي .. مفاجئ ولكنه حقيقي .. انا أحبك يا نديم …”
لحظات قليلة مرت وهي تنظر إليه بقوة وسحر آخاذ حيث تحاوط وجهه بنظراتها شديدة الجاذبية والتأثير عندما فوجئت به يهمس ببرود أشعل غيظها :-
” هل إنتهيت ..؟!”
تراجعت الى الخلف قليلا فأكمل وهو يشير نحو الباب :-
” يمكنك أن تغادري الآن …”
إبتعدت خطوتين ونظراتها تكاد تحرقه حيا من شدة الغضب لتهمس من بين أسنانها :-
” ما بالك أنت يا هذا ..؟! من تظن نفسك ..؟! لماذا تتصرف وكأنك قديس ..؟!”
رد بجمود :-
” كلا انا لست قديسا .. بل على العكس تماما .. انا شخص مليء بالأخطاء …”
صمت قليلا ثم قال :-
” هل تعلمين إن أحد أعظم أخطائي التي إرتكبتها ولم أسامح نفسي عليها يوما ولن أفعل هو معاشرتي لإحدى العاهرات .. ”
شحبت ملامحها عندما أضاف بقوة :-
” كان خطئا جسيما لم ولن أسامح نفسي عليه ولا أنوي تكراره أبدا …”
أنهى كلماته وهو يشلمها بنظرة واضحة التفسير عندما تشنجت ملامحها بغضب شديد وقبل أن تنطق كانت حياة تطرق على الباب بخفة قبل أن تمد رأسها نحو الداخل وهي تنادي :-
” هل أنت هنا يا نديم ..؟!”
ليلتفت كلاهما نحوها بصدمة لم تقل عن صدمتها عندما رأتهما هي بدورها ..
ظلت واقفة مكانها للحظات تنظر إليهما بثبات غريب وملامحها صامتة تماما لا تظهر أي إنفعال كما هو متوقع ..
كلاهما كانا ينتظران ردة فعلها …
ماذي تتوق لردة فعل منطقية .. تريدها أن تغضب وتثور وتتهمه بالخيانة وستعزز هي ذلك وقتها وتنال مرادها …
اما نديم فكان يترقب .. ملامحه هادئة تماما .. عيناه ثابتتان … كل شيء به يتسم بالهدوء الظاهر وكأن وجود ماذي معه في شقته أمرا عاديا ..
كان يتقصد إظهار هذا … لن يسارع ويبرر او يشرح سيكتفي بهدوء تام وبساطة في التصرف لكن داخله هو ينتظر .. يترقب ويخشى من ردة فعل ستهدم رباطا آخرا بينهما ..
فلو ظنت حياة به السوء هذه المرة ستكون قتلت شيئا جديدا بينهما …
هو لن يتجاوز الجرح الذي سببته له بإصرارها على تركه دون تراجع أو تفكير كي يتقبل شكوكها به إو إتهامه بالخيانة ..
إذا فعلت هذا فستكون قضت على أهم شيء يشعر به نحوها ..
الإحترام والإعجاب وسيفهم حينها إنها لم تعرفه يوما .. لم تفهمه بما يكفي وربما لم تحبه أيضا كما تدعي وتعتقد هي ..!!
وأخيرا نطقت بهدوء بدا مترسخا في نبرة صوتها ونظرات عينيها العادتين تماما :-
” مرحبا ..”
أضافت وهي تشمل ماذي بنظراتها :-
” أهلا ماذي .. غريب .. ماذا تفعلين هنا ..؟!”
أضافت تبتسم بشكل بدا طبيعي جدا :-
” ألم تخبرك جينا إنني تركت الشقة هنا ..؟!”
تلعثمت ماذي للحظة وقد خاب ظنها تماما وهي التي كانت تنتظر ردة فعل معاكسة ..
سرعان ما سيطرت على تلعثمها وهي تجيب بنفس الإبتسامة التي تحمل خلفها طيا من الخبث شعرت به حياة لأول مرة :-
” أتيت لأتحدث مع نديم …”
أضافت وهي تلمس ذراعه بكفها :-
” شعرت إنه بحاجة الى الصحبة بعد إنفصالكما ..”
حافظت حياة على إبتسامتها وهدوئها :-
” لم لا ..؟! أمرٌ جيد .. جميعنا نحتاج الى الرفقة خاصة عندما نعايش فترات صعبة …”
أبعد نديم كف ماذي برفق كي لا يجذب إنتباه حياة وهو يردد ببرود متجاهلا قدوم حياة :-
” عن إذنكما .. لدي عمل هام يجب أن أنجزه ….”
أضاف وهو يشير الى حياة :-
” يجب أن أغادر الآن …”
لكنها قاطعته فورا :-
” نديم إنتظر لحظة …”
توقف مكانه دون أن ينظر نحوها فأشارت هي الى ماذي تمنحها إبتسامة باردة تماما هذه المرة :-
” يمكنك المغادرة أنت يا ماذي .. أريد التحدث مع نديم بأمور خاصة بيننا ..”
هزت ماذي رأسها بنفس البرود وهي تتحرك خارج الشقة دون أن تنبس بكلمة واحدة عندما نظر نديم أخيرا نحوها يسألها ببرود مقصود :-
” نعم ..؟!!”
سألته بتردد :-
” كيف حالك ..؟!”
رد بنبرة عادية :-
” جيد .. ”
تنحنت تهتف بحرج :-
” أتيت لجمع أغراضي و …”
قاطعها مدعيا عدم الإهتمام :-
” حسنا .. الشقة مفتوحة أمامك .. إفعلي ما تشائين …”
أضاف عن قصد :-
” حاولي ألا تتركي شيئا أبدا لإنني سأغادر الشقة خلال أيام …”
سألته بإهتمام :-
” لماذا ستترك الشقة ..؟!”
رد ببرود :-
” سأعود الى البلاد .. ”
كادت أن تخبره إنها ستفعل لكنها تراجعت وهي تكتفِ بهزة من رأسها عندما هم بالتحرك لتوقفه مجددا :-
” نديم …”
أخذ نفسا عميقا ثم إستدار نحوها يرمقها بعينيه وهو يسأل :-
” نعم يا حياة …؟!”
تسائلت بإرتباك:-
” متى أتت ماذي ..؟!”
رد بحزم :-
” منذ قليل ..”
أضاف وعيناه تنظران إلى عينيها بقوة :-
” إذا كان لديك أسئلة أخرى فلا داعي لطرحها لإنني لن أجيب عليها ..!!”
سألت بملامح شاحبة :-
” ماذا تعني ..؟! انا لا أفهم ..”
رد بتهكم :-
” انتِ تفهمين .. مثلما أنا أفهم عليك جيدا … أدرك ما يجول داخل عقلك وإلى أي منحنى تتجه أفكارك ورغم هذا فأنا لن أبرر ولن أشرح أي شيء لإنكِ لا تمتلكين الحق أساسا في الحصول على أية مبررات منتظرة …”
إحتقنت ملامحها وهي تهمس ببحة متألمة :-
” هل إنتيهت ..؟!”
لم يجبها بل بقي يتابعها بصمت عندما أضافت :-
” لا أحب طريقتك هذا .. لا تفرغ غضبك مني بهذه الطريقة ..”
هم بالتحدث فأوقفته بحزم :-
” لا تتحدث من فضلك .. لا تقل شيء يدمر ما بيننا أكثر …”
إبتسم هازئا وهو يقول :-
” لم يبقى بيننا شيئا سليما كي يُدمر ..”
إبتلعت غصتها وهي تهتف :-
” عليك أن تعلم إن سؤالي ليس للدافع الذي تعتقده أبدا .. انا أعلم إنك لست كذلك .. ”
تنهدت وهي تسترسل :-
” سألت فقط لإنني إستغربت وجودها بهذه السرعة فيبدو إنها سارعت تركض إليك ما إن علمت بأمر إنفصالنا …”
سألها عاقدا حاجبيه :-
” أنت من أخبرتها ، أليس كذلك ..؟!”
ردت بحذر :-
” ليس تماما .. كانت تتصل بي بإستمرار وانا لم يكن لدي مزاج يسمح للرد عليها فردت جينا عليها وأخبرتها بإختصار عما حدث ..”
أردفت بجدية :-
” توقعت إنها ستفعل ذلك ..”
نعم توقعت لا تنكر بعدما أخبرتها جينا عما شعرت به أثناء مكالمة ماذي ومعرفتها بخبر الإنفصال فأخذت تراجع تصرفات ماذي منذ البداية وتتذكر رأي نديم بها وضيقه من وجودها في حياتهما وما تبعه من ذلك حتى شعرت إن تلك الفتاة ليست لطيفة كما إعتقدت وقد أكدت لها رؤيتها اليوم شعورها هذا ..
” انا رغم كل شيء حدث بيننا أثق بك .. أعلم إنك لست من هذا النوع ولن تكون ..”
” أي نوع …؟!”
سألها وهو يلوي فمه بتهكم لاذع لترد بجدية متجاهلة تهكمه :-
” يعني انت لا تركض خلف النساء ولا تسارع لرمي نفسك بين أحضان أول أنثى تطرق بابك … لست من النوع الذي ينجرف في علاقات عابرة مع ماذي او غيرها … انت لست هكذا أبدا …”
قال بجمود :-
” من الجيد إنكِ ترين بي صفة جيدة كهذه …”
قالت بصدق وعيناها لمعتا بعشق يحتل كل إنش من خلاياها :-
” انت مليء بالصفات الجيدة … انت رجل رائع وأقرب للمثالي …”
همس وهو يمنحها نظرات لائمة :-
” و لهذا تركتني …؟!”
ردت بألم نبع من عينيها البنيتين :-
” ربما المشكلة تكمن بي … الخلل عندي وليس عندك … ”
ردد بقسوة :-
” نعم ، ربما هكذا بالفعل …”
هزت رأسها تبتلع دموعها التي كانت على وشك الهطول عندما هتفت مغيرة الموضوع :-
” ماذي رهيبة .. لم تنتظر يومين حتى على مغادرتي الشقة لتأتيك راكضة ..”
هتف يقلدها بتهكم :-
“لماذا تقولين هذا ..؟! إنها فتاة مسكينة حقا وليست سيئة كما تبدو …!!”
منحته نظرة جامدة وهي تردد:-
” أخطأت في ذلك … جل من لا يُخطئ…”
هتف ببرود :-
” معك حق .. الجميع يخطئ دون إستثناء .. ”
أضاف يبتسم بإقتضاب :-
” من الجيد أدركت خطئك أخيرا عسى ولعل تدركين البقية …”
أكمل يرمقها بثبات ونظرات مقصودة تماما :-
” لكن إنتبهي .. هناك أخطاء لا يمكن تصحيحها بسهولة .. لذا كوني حذرة وأنت ترتكبين أخطائك القادمة يا حياة ..!!”
رمشت بعينيها وهي تردد :-
” اخطائي القادمة ..؟!! لن يكون هناك أخطاء قادمة بإذن الله ..”
أضافت تسأله :-
” هل ستعود الى البلاد حقا ..؟!”
اومأ برأسه وهو يجيب :-
” نعم ، سأعود خلال أيام كما ذكرت منذ قليل .. ”
هزت رأسها بتفهم ليضيف بجدية :-
” هل يمكنني المغادرة الآن أم إن هناك شيئا أخر ..؟!”
نظرت إليه للحظات قبل أن تهز رأسها نفيا عندما هم بالمغادرة لتنادي عليه فيتوقف للحظات قبل أن ينظر نحوها فتهمس بنبرة ضعيفة :-
” انا أيضا سأعود الى البلاد قريبا جدا …”
تلاقت نظراتهما للحظات … لحظات قليلة قطعها وهو يبعد عينيه عن عينيها ويكتفي بإيماءة مختصرة من رأسه وهو يغادر الشقة لتبقى هي وحدها في أركان الشقة التي عاشت بها معه لشهور قليلة تدرك جيدا إنها لن تنساها أبدا وستبقى مطبوعة في قلبها وذاكرتها الى الأبد …!!
……………………………………………………..
لحظات قليلة تبعت تلك الصفعة عندما إنطلق مهند خارجا من القصر بأكمله بسرعة شديدة …
اتجه نحو سيارته وحركها متجها خارج القصر يسير بأقصى سرعته دون توقف ودون وجهة محددة …
كان يضغط بأنامله على مقود سيارته بينما عيناه حمراوين تماما وتلك الدموع التي تشكلت بهما بدأت تغشيهما مما أجبره على التوقف جانبا ليغمض عينيه بقوة شديدة بينما أخذ صدره يعلو ويهبط بشدة جعلته يشعر إنه سيفقد حياته من شدة غضبه وقهره وإنفعاله …
فتح باب سيارته وإندفع خارجا منه عندما أخذ يركلها بقدمه وصوت صياحه الذي بدا كزئير أسد محبوس في حفرة مظلمة ضئيلة جدا تصاعد مصاحبا لركلاته التي لن يتوقف عنها حتى شعر بالألم يغزو قدمه بفعل الضربات الشديدة ليبتعد عدة خطوات متكئا على قدميه بإنهاك وأنفاسه عادت تعلو وتهبط دون توقف …
كان يود أن يصرخ بصوت أعلى .. يود أن يصيح ويصيح دون توقف ..
كان يود أن يبكي .. أن يفرغ تلك الطاقة المليئة بالتعب والوجع داخله ..
لمَ كل شيء حوله يزداد تعقيدا مع مرور الوقت ..؟؟
إلى متى سيبقى يدفع ثمن أخطائه السابقة ..؟!
هو أخطأ كثيرا ويعترف بهذا …
لكن ما يحدث معه يفوق قدرته على التحمل …
بعد كل ما مر به وبعدما بدأ يستشعر اخطائه التي إرتكبها في حق نفسه قبل الجميع جاء هذا الخبر كصفعة مدوية فوق وجهه تخبره إنه لا أمل له بالتحرر من ذنوب الماضي ولا مجال للعودة عن الطريق الذي سلكه …
هو الذي شعر برغبة شديدة في التراجع .. التوقف عن تلك الأفكار المسمومة التي لم يزرعها سواه في رأسه .. النظر بشكل أكثر عمقا و جدية لجميع من حوله…
هو الذي كان ينوي أن يفتح صفحة جديدة في حياته … يتحرر من قيود الماضي التي كبل هو بها نفسه لا أحد غيره .. أن يدرك قيمة ما لديه وأن يوازن بين رغباته المجنونة وواقعه ..
كل ما أراده وما خطط له ذهب سدى ….
جيلان تحمل طفله …
طفلا أتى نتيجة فعلته المتهورة … تصرفا أرعنا يشابه جميع تصرفاته التي إرتكبها طوال السنوات الماضية ..
لكن هذه المرة الوضع يختلف .. تصرفه هذا لا علاج له وخطأه لا يمكن تخطيه أبدا ..
هناك طفل آتٍ في الطريق … طفل جاء نتيجة غبائه وغروره الذي جعله ينال جيلان قسرا ليس لرغبة فيها بل لأجل إثبات حقيقة معينة يستغلها ضدها وضد شقيقها ليسقط هو في النهاية في بئر عميق مظلم تماما نتيجة تصرفه وطيشه ..
ماذا سيحدث الأن ..؟!
هل سينجب طفلا حقا ..؟! ومِن جيلان ..؟؟ جيلان بحق الله ..!!
سيصبح أبا لطفلا من فتاة صغيرة قاصر لم تبلغ سن الرشد بعد ..
مراهقة لا يعلم عنها شيئا سوى إنه تزوجها لفترة قصيرة مضطرا ليس إلا ..
أي حظ عاثر يمتلك ليتورط في ورطة كهذه وأي مصيبة تلك التي وقع بها ..؟!
مسح على وجهه متجاهلا التعب الذي يكاد يفتك بكل جزء من جسده عندما توجه نحو سيارته يجر أذيال خيبته خلفه فصعد في مقعده الأمامي ليتأمل ملامح وجهه المنهكة عندما وقع بصره لا إراديا فوق جانب وجهه الذي صفعه شقيقه بقوة جرحته في الصميم ..
أغمض عينيه بقهر مفكرا إن هذه الصفعة أعادت كل شيء بينهما كما كان حيث نقطة الصفر..
هذه الصفعة صنعت شرخا جديدا بينهما وهو الذي كان يعتقد إن الشرخ القديم بدأ يلتئم أخيرا …
اما في قصر الهاشمي ..
أخذت همسة تتابع زوجها وهو يسير داخل غرفة نومهما في جناحهما الضخم ذهابا وإيابا بملامح شديدة الغضب بينما أخذ السباب ينطلق منه دون توقف ..
لا تتذكر إنها رأته يوما على هذه الحالة من الغضب وفقدان السيطرة على أعصابه ..
لطالما كان جامدا صلبا لا يظهر غضبه لكن اليوم بدا منفعلا بشكل مخيف …
شهقت بصمت عندما حمل أحد عطوره الثمينة ورماه أرضا لتنتفض من مكانها تتقدم نحوه تهتف بفزع :-
” توقف يا راغب بالله عليك ..”
أضافت بتوسل :-
” اهدأ من فضلك وحاول أن تفكر وتجد حلا و ..”
قاطعها بإنفعال ؛-
” أي حل بالله عليك ..؟! من أين سأجد حلا ..؟! الفتاة حامل .. حامل منذ مدة ونحن لا نعلم شيئا … ”
أضاف بغضب مخيف :-
” اللعنة عليك يا مهند .. اللعنة عليك أيها الغبي .. إلى متى سأتحمل أخطائك الغبية ..؟! كيف سأصحح خطئك اللعين هذه المرة ..؟!”
عقدت ذراعيها أمام صدرها بملامح يائسة بينما أخذ هو يسير ذهابا وإيابا وعقله لا يسعه التفكير مما ينتظرهم …
” ماذا سأقول لوالدي والأهم ماذا سنقول لعمار الخولي وكيف سنتعامل مع ردة فعله حينها ..؟!”
تملكها القلق بينما أضاف وهو يكز على أسنانه :-
” بسببه أصبحت في موقف غبي كهذا .. موقف لم أمر به طوال حياتي .. لأول مرة في حياتي يفعل أحدهم بي هذا .. انا منحت كلمتي لعمار والآن سأبدو ضعيفا غبيا فشلت في الحفاظ على كلمتي ووعدي له .. ”
أضاف يهمس بتوعد مجنون :-
” بسبب شقيقي الأحمق حدث كل هذا .. بسببه هو .. الغبي .. جعلني أبدو كالأبله امام ذلك الحقير .. نكس رأسي أمام عمار بل أمام الجميع ..”
قالت همسة بخفوت سمعه :-
” انت ايضا تتحمل المسؤولية يا راغب وليس مهند وحده ..”
نظر إليها بعينين مشتعلتين عندما إسترسلت بشجاعة :-
” كان عليك أن تتوقع حدوث شيء كهذا عندما قررت تزويج جيلان من مهند بل وأصريت على أن تبقى جيلان معه في جناحه .. ماذا كنت تنتظر ..؟! هل تعتقد إن مهند قديس مثلا ..؟!”
أضاف وهي تهز كتفيها :-
” برأيي انت وعمار من تتحملان المسؤولية أولا قبل مهند نفسه حتى .. انت من خططت لهذه الزيجة وعمار من وافقك عليها .. أنتما ألقيتما بالفتاة المسكينة يين أحضان مهند دون تفكير في عمرها الصغير ولا وضع مهند نفسه بينما مهند وافق مجبرا وجميعا نعلم ذلك وجيلان لا حول لها ولا قوة ولم تكن تعلم أساسا بما يحدث …”
هتف بعصبية مكتومة :-
” هل هذا الكلام المناسب برأيك ..؟! هل هذا ما يفترض أن تقولينه وانا في حالة كهذه ..؟!”
قالت بجدية :-
” أنا أقول الحقيقة فقط .. ”
أكملت وهي تتنهد :-
” حاول أن تهدأ يا راغب وتفكر جيدا … لقد حدث ما حدث .. لا حل آخر أمامنا سوى القبول بالأمر الواقع ..”
أضافت والقلق يساورها اتجاه مهند الذي غادر القصر منفعلا :-
” انا قلقة على مهند بشدة .. لم يكن عليك أن تصفعه هكذا يا راغب ..؟! إلى أين سيكون ذهب ومتى سيعود ..؟!”
رد بغضب :-
” إلى الجحيم .. ذهب الى الجحيم يا همسة …”
منحته نظرات لائمة عندما هتف بها بصرامة :-
” برأيي الأفضل أن تنامي وتتركيني لوحدي فأنا لا ينقصني سوى تأنيبك ولومك الآن …”
همست بجمود :-
” كيف سأنام وأنت تتجول في الغرفة ذهابا وإيابا دون توقف ولا تتوقف عن إطلاق الشتائم والسباب ..؟!”
منحها نظرة قاتمة وهو يسحب هاتفه من فوق الطاولة جانبها يخبرها :-
” سأترك الجناح بأكمله لك يا همسة .. فلتهنئي بنومك من فضلك ..”
ثم إندفع خارج الجناح لتتأمل خروجه المندفع بعصبية شديدة بضيق قبل أن تتنهد بتعب وقد ضغطت عليها أحداث الليلة بشدة ..
…………………………………………………
هتف أخيرا وكأنه إستوعب وجودها أمامه :-
” ماما .. ماذا تفعلين هنا ..؟!”
هتفت والدته ببرود وهي تتجه بأنظارها نحو حنين التي تقف جانبه :-
” هل هذه الطريقة المناسبة لتستقبل بها والدتك يا نضال ..؟!”
هتف كرم مقررا الإنسحاب بعدما شعر بتوتر الأجواء حوله :-
” حسنا .. لأغادر أنا الآن أفضل .. عن إذنكم ..”
لكنه توقف وهو يستمع الى سؤال إنتصار المهتم :-
” أنت كرم أليس كذلك ..؟!”
رد كرم بعدما أوما برأسه :-
” نعم يا هانم .. سعدت بلقائك ..”
سألته بإهتمام كاذب :-
” كيف حالي والدتك تهاني …؟!”
رد وهو يرمقها بهدوء :-
” بخير الحمد لله …”
إنتقلت بأنظارها نحو حنين تتأملها قليلا قبل أن تهتف بإبتسامة خفيفة ساخرة :-
” أختك كبرت يا نضال …”
إحتقنت ملامح حنين قليلا عندما إسترسلت إنتصار ببرود:-
” أين والدتك يا صغيرة ..؟! أليس من المفترض أن تتواجد لإستقبال ضيوفها ..؟!”
همت حنين بالرد لكن صوت نضال الصارم جعلها تتراجع وهو يخبرها :-
” أوصلي كرم الى الخارج بنفسك يا حنين … ”
فهمت حنين إنه يصرفها بطريقة غير مباشرة عندما أشار كرم لها بعينيه كي يغادران تتبعها أنظار زوجات أبيها والتي بالرغم من سكونها تحمل حقدا دفينا واضحا …
خرجت حنين بجانب كرم عندما توقفا قريب الباب لتهتف هي بجدية :-
” أعتذر عن الموقف الذي حدث بالداخل وأيضا أعتذر نيابة عن نضال وطريقة حديثه معك .. هو فقط كان غاضبا قليلا قبل مجيئك ..”
هز رأسه مغمغما بصدق :-
” لا داعي للإعتذار يا حنين .. أتفهم موقفه ..”
نظرت له بإستغراب عندما تدراك حديثه فقال وهو يبتسم لها بجدية :-
” على العموم يجب أن أغادر . سآتي مجددا لتوديع عمي …”
سألته بإهتمام :-
” ماذا كنت تريد أن تقول لي ..؟!”
رد بسرعة بديهية :-
” أبدا .. فقط كنت سأخبرك إنني جاهز لمساعدتك إذا ما أردتِ الدراسة في الخارج ..”
إبتسمت تردد بإمتنان :-
” شكرا يا كرم ولكنني سأداوم هنا في احدى الجامعات الخاصة .. لقد تم قبولي رسميا وسأبدأ دوامي بها قريبا ..”
سألها بإهتمام :-
” حقا وماذا ستدرسين..؟!”
رد بجدية :-
” العلوم .. علوم الكيمياء ..”
قال مشجعا :-
” تخصص جميل ومهم ..”
بادلته إبتسامته بأخرى خجول عندما تنهد وهو يقول :-
” حسنا ، هل تودين شيئا مني قبل مغادرتي ..؟!”
هزت رأسها نفيا وهي تقول :-
” أبدا .. يمكنك الذهاب …”
هز رأسه وهو يتمتم :-
” مع السلامة …”
ردت تحيته بخفوت عندما تحرك مغادرا فأخذت هي تتابعه حتى صعد سيارته لتستدير نحو الخلف وهي تضع كف يدها على خافقها الذي أخذ ينتفض داخل أضلعها بعنف بينما بقي هو ساكنا مكانه يتأملها للحظات وهو يلعن غبائه الذي جعله يفكر في التحدث معها بموضوع حساس كهذا …
حديثه كان سيجرحها أكثر فهي لن تتفهم سببه ولن تستوعب مقصده الحقيقي ..
أشار لنفسه قائلا :-
” سوف تكبر وتفهم يا كرم .. هي ما زالت صغيرة .. عندما تكبر ستفهم إن مشاعرها كانت مجرد مشاعر مراهقة كاذبة مندفعة ليس إلا …”
ثم سحب هاتفه من جيبه يتأمل صورته هو وحبيبته التي تحتل الشاشة فيزفر بضيق وهو يتذكر شبه إنعدام التواصل بينهما منذ عودتهما الى البلاد فهي دائما منشغلة إما مع شقيقتها أو في الخارج مع توليب وفيصل أبناء خالتها او مع صديقاتها القدامى وغيرها من أشياء تسردها بإختصار عليه تبرر من خلال ذلك سبب إنشغالها الدائم عنه منذ وصولها الى البلاد ..
نقر على حروف الشاشة المضيئة يرسل لها :-
” إشتقت لك يا هالة …”
ثم ضغط على زر الإرسال وأغلق هاتفه وهو يتنهد بملل بينما قلبه يشتاق لها بشدة فيخبر نفسه إنه لم يتبقَ سوى بضعة أيام ويعودان الى أمريكا ويقضيان أغلب أوقاتهما سويا ..
……………………………………………………….
تقدم نضال نحو والدته يتسائل بحنق :-
” مالذي أتى بك الى هنا ..؟!”
سألته ببرود :-
” وهل هناك ما يمنعني من ذلك ..؟!”
أضافت عن قصد :-
” أم إن زوجة والدك ترفض وجودي هنا ..؟!”
زفر مرددا بضجر :-
” ما علاقة هذا الآن ..؟! انا اتسائل بوضوح فأجيبي بنفس الوضوح ، ماذا تفعلين هنا ..؟!”
ردت بقوة :-
” أتيت لأجلك بعدما تركتني وسافرت بل وتجاهلت إتصالاتي طوال المدة السابقة …”
هتف بسخرية متعمدة ؛-
” حقا ..؟! وما المشكلة في ذلك ..؟! قررت أن أفسح لك المجال لتقضي وقتك كاملا مع زوجك …”
” لا تتواقح ..”
قالتها بجزم وهي تضيف :-
” توقف عن التحدث معي بهذه الطريقة ..!!”
” آية طريقة …؟!”
سألها بإستفزاز لترد بجدية :-
” وكأنني إرتكبت جرما عظيما ..”
هز رأسه يردد بنفي :
” كلا ، من قال هذا لا سامح الله ..؟! انت لم ترتكبي جرما أبدا .. انتِ فقط تصرفتِ بشكل يصعب علي تقبله لذا أنا قررت الإنسحاب من حياتك بعد قرارك الأخير فعلام تلومينني بالضبط ولماذا أتيت هنا أساسا ..؟!”
هتقت بعدم تصديق :-
” أنت تنوي مقاطعتي حقا ..؟! تنوي أن تتركني للأبد .. وأنا التي فنيت حياتها لأجلك .. أنا التي ضحت بسنوات عمرها لأجلك ..”
هدر ببرود :-
” حسنا توقفي عن هذه المناحة .. طريقتك هذه لم تعد تجدي نفعا معي .. غادري من هنا بسرعة ولا تعودي مجددا .. إذهبي لزوجك …”
قبضت على ذراعه تصيح به :-
” إنتبه على حديثك يا نضال .. انا والدتك .. لا يحق لك أن تتحدث معي بهذه الطريقة ..”
أضافت بقوة :-
” انت في الثلاثين من عمرك يا هذا .. لست صغيرا لكي لا تفهم كيف يجب أن تتحدث مع والدتك وتحترمها..!!”
ضحك مرغما وهو يردد :-
” حقا ..؟! الآن تذكرتِ إنني في الثلاثين من عمري ..!! لماذا لم تتذكري هذا وأنت تتزوجين مجددا وأنا في هذا العمر دون مراعاة لي ولمظهري أمام الجميع …؟!”
” ما به مظهرك .. لم أفعل شيئا حراما .. لقد تزوجت على سنة الله ورسوله ..!!”
قالتها بعناد ليرد ببرود :-
” حسنا هنيئا لك .. لكن عن نفسي لا يمكنني تقبل هذا .. انت حرة في قرارك لكن لا تنتظري مني تقبله او التعامل معه ولا يمكنكِ إجباري على هذا …”
صاحت بعدم تصديق
” أنا أمك يا هذا .. انت مجبور أن تتعامل معي وتحترمي وترعاني ..”
هتف ببرود متأصل به :-
” بالله عليك لا تفعلي هذا .. هل تظنين إن حديثك هذا سيؤثر بي حقا ..؟! ”
توقف عن حديثه عندما وجد والده يهبط درجات السلم متقدما نحويهما برزانة بينما كانت حنين ما زالت في الخارج تمتنع عن الدخول حتى تغادر والدة نضال فهي لا تريد أن تختلط بها بأي شكل من الأشكال ..
” اهلا إنتصار ..”
قالها والده محييا والدته برزانة لتبتسم إنتصار بسخرية وهي تردد :-
” أهلا أشرف ..”
أضافت وهي تتأمله عن كثب :-
” أصبحت عجوزا …”
هتف ببرود :-
” ماذا تتوقعين بعد كل هذه السنوات مثلا …؟! هل سأبقى شابا كما أنا … ؟! ”
هتفت بإستهزاء :-
” بالطبع لا .. لكن هذا لا يعني أن تبدو أكبر من عمرك بعقدين وأكثر ..”
قال ببرود مستمر :-
” تركت الشباب والجمال لك يا إنتصار ..”
هتفت بغرور متأصل بها :-
” بالطبع عزيزي .. كنت ولا زلت الأجمل والأصغر ..”
إستغفر نضال داخله محاولة السيطرة على غضبه من تصرفات والدته التي إستطردت تتسائل :-
” أين زوجتك يا أشرف ..؟! أليس من المفترض أن تسارع لإستقبال ضيوفها كأي سيدة مجتمع راقي ..؟! أم إنها لا ترغب برؤيتي هنا …”
هم نضال بالرد لكنه والده أوقفه بنظرات حازمة وهو يخبرها بصبر طويل :-
” أحلام ليست هنا .. هي مسافرة ..”
همست بتهكم تدعي التصديق :-
” صدقت.. صدقت …”
زفر نضال أنفاسه بعصبية بينما هتف أشرف بدبلوماسية :-
” تفضلي يا إنتصار .. لا يجوز أن تبقي واقفة هنا …”
همست ببرود :-
” وأخيرا قال أحدكم كلمة منطقية في هذا المنزل ..”
ثم تحركت بغرور الى الداخل ليأمر أشرف ولده :-
” إذهب خلف والدتك وانا سأذهب وأرى أين ذهبت أختك وآتي فورا ..”
ثم تحرك الى الخارج ليجد حنين تقف في الحديقة تقلب في هاتفها عندما نادى عليها فسارعت تركض نحوه ليسألها :-
” لماذا تقفين في الخارج يا حنين ..؟!”
ردت تبتسم كاذبة :-
” أبدا .. ودعت كرم .. ثم إنشغلت في التحدث مع صديقتي ..”
سألها والدها مدهوشا :-
” متى أتى كرم ومتى غادر ..؟!”
ردت بجدية :-
” أتى لتوديعك قبل سفره لكنه غادر عندما أتت والدة نضال وقال إنه سيأتي مجددا ويودعك قبل سفره ..”
” حسنا ، تعالي الى الداخل ..”
سألته بحذر :-
” هل والدة نضال ستبقى هنا ..؟!”
سألها بجدية :-
” هل أزعتجك بشيء يا حنين ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أبدا .. مجرد إستفسار ليس إلا ..”
تنهد وهو يقول :-
” هي ضيفة في منزل وعلينا أن نضيفها بأفضل طريقة ..”
أضاف وهو يربت على وجنتها بحنو :-
” وبما إن والدتك ليس هنا فأنتِ ستتولين مهمة ضيافتها ..”
” أنا ..؟!!!”
قالتها بعدم تصديق ليهز رأسه وهو يقول :-
” بالطبع يا حنين … لقد كبرت وآن الآوان لتتعلمي الأصول والواجبات …”
هزت رأسها وهي تردد على مضض :-
” حسنا …”
ثم دلفا الى الداخل لتتجه حنين الى المطبخ تطلب من الخادمة تجهيز الضيافة بينما عاد أشرف الى صالة الجلوس ليجد نضال يتأمل والدته التي تجلس بتفاخر كعادتها بوجوم شديد ..
تقدم أشرف وجلس قبالتها يتسائل :-
” كيف حالك يا إنتصار ..؟!”
ردت إنتصار وهي تضع قدما فوق الأخرى :-
” بأحسن حال كما ترى ..”
أضافت وهي تنظر الى نضال :-
” أتيت لرؤية إبني الذي لم يرفع سماعة الهاتف ويتصل بي منذ عودته الى هنا ..”
قال أشرف بحيادية :-
” إعذريه يا إنتصار .. ربما كان مشغولا …”
قالت بعدم تصديق :-
” مشغول عن والدته …”
تدخل نضال مرددا من بين أسنانه :-
” أخبرتك إنني لا أريد التواصل معك بعد الآن…”
قاطعه أشرف بحزم :-
” توقف يا نضال .. لا يجوز أن تتحدث بهذا الإسلوب مع والدتك ..”
لوت إنتصار فمها تردد بسخرية متعمدة :-
” ونعم التربية يا نضال .. تتجاهلني وتقرر مقاطعتي ثم ترفع صوتك علي .. لم يتبقَ سوى أنت تضربني …”
” إنتصار من فضلك ..”
قالها أشرف بتنبيه لتهز كتفيها وهي تردد :-
” ماذا قلت الآن ..؟! هل أخطأت ..؟! ماذا تفسر تصرفاته هذه ..؟! أنت فشلت في تربية ابنك .. ابنك الذي يتجاوز حدوده مع والدته ..”
هتف نضال ببرود :-
” ولماذا لم تنجحي أنتِ في إصلاح فشله في تربيتي وأنا أُقيم معك منذ إثني عشر عاما ..”
هدر أشرف بحزم :-
” يكفي توقفا .. ما هذه الطريقة ..”
همت إنتصار بالحديث لكنها تراجعت وهي ترى حنين تتقدم أمام الخادمة التي تحمل الضيافة لتزم شفتيها بعبوس عندما إبتسمت لها حنين تردد :-
” مرحبا بك يا هانم ..”
بالكاد ردت إنتصار بنبرة شديدة الإقتضاب :-
” أهلا ..”
” تعالي يا حنين … إجلسي جانبي ..”
قالها أشرف وهو يشير الى المكان جانبه عندما تقدمت حنين وجلست جانبه لتتأملهما إنتصار للحظات قبل أن تتمتم :-
” إبنتك كبرت وأصبحت شابة جميلة يا أشرف ..”
ابتسم أشرف وهو يربت على كتف حنين :-
” هل رأيت يا إنتصار ..؟! الأولاد كبروا ..!!”
مطت شفتيها وهي تضيف :-
” لكنها ليست جميلة بالقدر الذي توقعته ..”
منحها نضال نظرات نارية لتكمل تدعي العفوية :-
” انا لم اقصد .. هي بالطبع جميلة .. لكنها لم ترث شقارك وعيونك الملونة كنضال .. تشبه والدتها كثيرا ..”
هم أشرف بالرد لكن حنين سبقته وهي تهتف بإبتسامة واثقة :-
” معك حق .. انا لم أرث ملامح بابا لكنني ورثت صفاته … كما إنني محظوظة لذلك لإنني لا أحب العيون الملونة والشعر الأشقر عموما .. لكن بابا ونضال إستثناء لذلك بالطبع ..”
أنهت جملتها الأخيرة وهي تنهض من مكانها تضيف :-
” عن إذنكم .. يجب أن أذهب الى غرفتي الآن
…”
ثم تحركت بخفة خارج المكان ليهتف نضال بوالدتها :-
” ما هذا الذي تفعلينه بالضبط ..؟!”
” لم أفعل شيئا ..”
أضافت وهي تنظر إليه :-
“أنا باقية هنا لبضعة أيام .. يجب أن نتحدث يا نضال ..”
أضاف وهي ترمق أشرف عن قصد :-
” أنتظرك غدا في الفندق الذي أقيم به كي نتحدث على إنفراد …”
ثم غادرت المكان ليهتف نضال بعصبية :-
” طالما تريد أن نتحدث على إنفراد، لماذا أتت هنا وتصرفت بهذه الطريقة ..؟!”
هتف والده وهو ينهض من مكانه ويتقدم نحوها يربت على كتفه :-
” لا بأس يا نضال … اهدأ يا بني …”
منح والدته نظرة صامته للحظات قبل أن يتحرك منفعلا نحو غرفته في الطابق العلوي تاركا والدته يضرب يده كفا بكفا وهو يردد :-
” أتمنى أن تنتهي زيارتك على خير يا إنتصار دون مشاكل كالعادة ..”

google-playkhamsatmostaqltradent