Ads by Google X

رواية غرام العنقاء الفصل السابع 7 - بقلم داليا احمد

الصفحة الرئيسية

  رواية غرام العنقاء كامله بقلم داليا احمد عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية غرام العنقاء الفصل السابع 7

 

-هى كاميليا فين؟

تفوهت بها والدة كاميليا لكمال ابنها الصغير

رد عليها كمال قائلًا:

-شوفتها من شوية كانت جاية من بره من عند المحامي تقريبا.. ناديت عليها لكن مسمعتنيش

نهضت الأم “صفاء”:

-طيب أنا هروح أشوفها

ذهبت إلى غرفة ابنتها .. طرقت الباب عدة مرات لكنها لم تفتح وكذلك لم تجب ..فحاولت أن تفتحته لكن بلا فائدة فهي أغلقته من الداخل.. فخرج الجد من غرفته على صوتها

قالت صفاء بقلق :

-كاميليا افتحى الباب

لم تسمع صوتها فقال جدها بصوت عالى :

-يا كاميليا افتحي..

خرجت فاتن من غرفتها واقتربت هي وكمال من والدتها.. ثم فتحت كاميليا الباب قائلة بانهيار:

– أكيد أنا وحشة أكيد أنا السبب .. يمكن العيب كان مني أنا .. معرفتش أعمله كل اللي هو عايزه

هزت فاتن رأسها بنفي :

– لا يا كاميليا أنتِ مش وحشة ولا أنتِ السبب .. هو اللي سلبي و ابن أمه ومعندوش ثقة في نفسه ولا في حد أصلًا و بيطلع عقده عليكِ .. صدقيني بكرة ربنا هيعوضك باللي يتمسك بكِ ويحبك.. أنتِ لسه صغيرة والحياة لسه قدامك وطول ما أنتِ مظلومة اتأكدي إن ربنا هيعوضك عوض هينسيكي إللي أنتِ فيه دلوقتي وهيجى يوم تضحكي على الأيام دي و وقتها هفكرك.. بس أنتِ ارمي ورا ضهرك وعيشي حياتك وكملي دراستك .. كملي الـ ٣ سنين إللي فاضلين في الكلية واشتغلي و عيشي علشان بنتك إللي جاية

رد كمال شقيقها الصغير :

– الطلاق ده مش آخر الحكاية ولا آخر الدنيا

أخذتها أمها في حضنها وجلست معها على سريرها وهي تحاول تهدئتها:

– ادعي يا كاميليا .. ادعي ربنا يا بنتي وقولي دايما اللهم أجرني في مصيبتي و اخلفني خيرا منها يارب… و إن شاء الله ربنا يعوضك كل الخير و عن كل إللي مريتي به

أومأت فاتن بإيجاب:

-فوضي أمرك لله واتفرجي على حقك وهو بيرجعلك ولو بعد حين واتأكدي طول ما أنتِ مظلومة ربنا هيعوضك أكيد بأمر الله ده وعد ربنا لنا

صرخت كاميليا بقهر:

– ليه هو إللي سابني بعد كل ده هو اللي سابني !! .. أنا حبيته واستحملت كل ده علشانه يا ماما .. وكنا ممكن نكمل لو عيشنا في شقة بعيد عن أهله .. ليه كل ده .. ليه أصلًا

مكملناش

وليه خليتوني ارجعله…رجعتي للبيت ده تاني كسرتني…عيشت يوم صعب صعب بكل ما فيه… ياريتني ما رجعت ياريتني

قال جدها :

– حقك عليا يا كاميليا انا اللي وافقت ترجعي واقنعتك ترجعي معاه..بس يا بنتي اوعي تتمني انك كنتِ ممكن تصلحي حاجة

الغلط الأكبر إنك كنتِ تكملي في علاقة فيها راجل ملوش شخصية وبيمشي برأي أمه …

ردت كاميليا بصوت مختنق :

– حتى بنتي الدكتور عايزني أنزلها .. قال لي احتمال تطلع مشوهة.. وبيقول لازم تنزل

لما روحتله امبارح قالي كده

قال جدها بحزم:

– خلاص ما كده أفضل .. يمكن ربنا عمل كده.. بدل ما كان فيه أطفال تربطك بِه.. يمكن

ده الأنسب لكِ وده إللي ربنا شايفه أفضل

أومأت أمها :

– نزلي البيبي طبعا .. ربنا بعتلك فرصة تعيشي بطولك من غير عيل يربطك بهِ .. بلاش تضيعي الفرصة دي

همست كاميليا رافضة بنبرة شاحبة ضعيفة:

– لأ .. مش هقدر … أنا خايفة

صاحت أمها بغضب :

– بطلي بقى سلبية و تفكير غلط .. مش كفاية اختارتي غلط وكمان عايزة يبقى معاك عيل منه.. وأنتِ إللي هتشيلي المسؤولية في الآخر

صاحت كاميليا باندفاع:

– أنتم إللي كفاية .. أنا مش هفضل كده ماشية وراكم واستنى كل شوية حد يقرر لي حياتي … اتجوزي بدري يا كاميليا .. حاضر .. اخدمي أهلي يا كاميليا .. حاضر .. اسمعي الكلام .. كل حاجة أقول حاضر و بس .. وكأن كاميليا دي هي العيلة الصغيرة إللي مالهاش شخصية ولا رأي ومستنية الناس كلها تقرر لها … لكن لا .. كفاية بقى .. أنا مش هستنى حد يقرر لي أعمل ايه ومعملش ايه … انا كبيرة كفاية وأقدر آخذ قراراتي بنفسي .. أنا خلاص مش هسمح لحد يتحكم في ولا بحياتي .. كفاية بقى حياتي اللي باظت

هزت أمها رأسها بيأس:

– هتفضلي كده غبية … ومش هتتغيري.. هتستفادي ايه لما تجيبي بنت تظلميها حرام عليك

قالت كاميليا بنبرة مترددة:

– أنا صليت استخارة و قلبي بيقولي منزلش البيبي … خايفة أعمل عكس كده … أنا مش هقدر ما يمكن دي اللي تعوضني عن كل اللي مريت به.. ما يمكن ربنا ميبقاش رايد أتجوز و أخلف تاني و تبقى هي الوحيدة

– فرصتك كانت هتبقى أحسن لو مش معاك عيال بس أنت اللي غاوية تتعبي نفسك

قالت فاتن بشرود:

– خلاص يا ماما سيبيها تعمل اللي هي عايزاه.. يمكن البنت تطلع كويسة ومفيش حاجة

سألها جدها مغيراً الموضوع :

– طب عملتي ايه مع المحامي؟ مفيش اخبار جديدة

– بيقول التنازل اللي مضتني عليه سمحية ده لو مكنش حصل كنت هرفع قضية طلاق للضرر واخد كل حقوقي من غير ما يماطل في الطلاق الرسمي..بس للأسف انا كده حقوقي ضاعت !

زفرت فاتن بحنق:

– هو لو واحد عنده عقل زي البني ادمين الطبيعيين كان عرف أن كل ده تخطيط من اهله عشان تتطلقوا… لكن هو صدقهم…دي كانت مجهزة كل حاجة.. كانت مجهزة كمان ورق التنازل

– طب وبعدين هنعمل ايه ؟

– انا مش هفضل عمري كله على ذمة البني ادم ده على الورق…حتى لو طلقني بالكلام.. لكن انا عايزة اخلص

كلم عمي يا جدو خليه يحدد معاه ميعاد

– رافض يطلق رسمي قبل ما تتنازلي…وكمان بيهدد بقايمتك يا بنتي انك مش هتاخدي حاجة

– انا مش قادرة اصدق… إللي يعمل كل ده في مراته مش هستبعد أنه يحرمها من حقوقها

ردت فاتن متعصبة :

– بني ادم قذر وحقير…والله ما بكذب لما بقول عليه سامج

_____________

بعد مرور بضعة أيام … وبعد تحديد جلسة مع عمها وجدها ورجلين من عائلته…تم الاتفاق على الانفصال واخذ قائمة منقولاتها ..

بسبب مساومته لها … تنازلت عن المحضر… فهو من الممكن أن يأخذ كل شيء منها كما هددهم.. خاصةً أن الشقة في “بيت عيلة”

ندمت كاميليا على تنازلها بشدة…شعرت أن حقها ضاع…ولكن ماذا تفعل ؟؟

فهو كان سيأخذ كل شيء منها

هي لم تتهنى أساساً بشيء من جهازها

.. وبعد تنازلها عن المحضر اتفقوا على ميعاد للطلاق رسميًا على يد مأذون

.. أخذت حقوقها قائمة منقولاتها كاملة.. ما عدا المؤخر والنفقة ونفقة المتعة والذهب..

قال المأذون وهو ينهي آخر شيء في الإجراءات:

– قول ورايا يا أستاذ سامح ” وأنتِ طالق مني على ذلك “

هتف سامح وهو ينظر إلى عينيها بكل قسوة و جمود :

– وأنتِ طالق مني على ذلك

كانت عينيها جاحظة بشدة .. لا تصدق… بالتأكيد هي تعيش كابوسًا .. كابوس

بكل ما حدث لها لم تكن تتوقع أن هذا المشهد كان سيمر عليها بهدوء… أصعب مشهد رأته بحياتها كلها

حتى لو هي مقتنعة به تماماً وأصرت على الطلاق الرسمي بسرعة

ولكن المشهد نفسه صعب

صعب على أي شخص

ولكنها تماسكت أمامه تماماً… لتمسك الورق وتمضي بكل قوة وشموخ وتلقي الورق أمام المأذون وهي تنهي اخر الإجراءات

صرخت في سامح بغضب :

-ليه عملت فيٌ كده ؟؟؟؟ ليه بسببك كل حاجة بتبوظ وخسرتها

ثم أردفت بندم:

– ليه اتجوزتني … ليه مسبتنيش أصلًا .. أنا كنت مرتاحة كده لوحدي.. حياتي من غيرك كانت مثالية.. ليه بسببك محطوطة قدام مواقف صعب حد يتحملها…

أظهر سامح شيئًا من اللامبالاة بكلامها وقال لها:

– وأنا مالي بكل ده!

صاحت باستغراب من بروده:

– ليه كنت متجوزة عيل ؟؟

قال لها ساخرًا:

– أيوة فعلا اعتبريني عيل

زفرت بضيق :

– ليه العيال يتجوزوا هااا.. أنت ليه تتجوز و تدمر حياة بنت مالهاش أي ذنب .. ليه خلتني استحمل كل مشاكلك أنت وأهلك وأتحمل مسؤولية مش بتاعتي

أمسك سامح ذراعيها بعنف وقال محتدًا:

-اسكتي بقى يا كاميليا … مش ذنبي إن دي غلطتك أنتِ من الأول… مش ذنبي إنك استغفلتيني ومبتسمعيش كلامي … أنتِ اللي مكنتيش عايزة تعيشي .. وفاكرة إن الجواز زي الأفلام الرومانسية اللي بتشوفيها .. متعرفيش إن الواقع غير

نفضت ذراعها من يده وهي مشمئزة منه .. ثم خرج قالت بصوت قوي وهي تقول باستهانة محاولة طعنه بنفس الخنجر الذي طعن به قلبها بلا رحمة :

– عارف … لما خذلتني ومأخدتش حقي من اللي أساؤوا ليّ وظلموني وضربتني بسببهم وقتها بس نزلت من نظري كراجل

يومها عرفت إنك كذاب علشان زمان وعدتني إنك هتبقي سند حقيقي ليّ .. بس للأسف طلعت مسنودة على حيطة مايلة أخذتني ووقعت بي

صاح سامح مهددًا إياها :

– وأنا خلاص مبقتش عايزك في حياتي … خلاص أنا كرهتك

ولو حاولتي ترفعي قضية نفقة ولا تطالبي بحقوقك اللي كده كده اختي مضيتك على تناول عنها… ولو حاولتي تيجي ناحيتي … أنا بقى وقتها هدمرك ..

أنتِ كده كده اتنازلتي عن القضية يعني خلاص مفيش حاجة تخوفني منك دلوقتي

ردت كاميليا بقوة :

– انا مش مسامحاك ..

و ان شاء الله زي ما ظلمتني يتردلك في نفسك مش في حد تاني… ولا اخواتك ولا امك ولا اهلك لا هيتردلك انت يا سامح

بكرة تدوق كل اللي عملته فيا…

دفعته بعنف وهي تدلف إلى غرفتها وهي تبكي بشدة ولكن هذه المرة ليس أمام أحد..

هذه المرة كانت تبكي وحدها

دعت امها عليه بحرق :

-ان شاء الله بكرة يحتار فيك الدكاترة والدوا سنين…انا مش مسامحاك على إللي عملتوه في بنتي

بينما سامح ينظر أمامه بكل برود وهو ينهي آخر إجراءات الطلاق

المراة المطلقة تستلم ورقة طلاقها وتوقع عليها بيديها في مشهد يتصدره الحيرة بين فرحتها بنيلها الحرية والافراج عنها من سجن زواجها الاليم، وبين خوفها من نظرة المجتمع إليها كمطلقة، في هذة اللحظة يصبح الطلاق وقتها شهادة دكتوراه تحصل عليها بعد دراسة في الحياة الزوجية القاسية التي مرت بها ، والنتيجة بدل حصولها على لقب الدكتوراه يلتصق بها لقب “مطلقة”وبامتياز ، ومن هنا تضيع ابتسامتها

بسبب انها مطلقة !

بسبب لقب يكرهه المجتمع

بسبب لقب كانت لا تتمنى أن تحصل عليه وهي صغيرة بالسن ببداية حياتها

بسبب رجل مريض وفاشل ولا يستحق أن يتزوج أساساً

همست فاتن بسعادة:

– ده ربنا نجدها نوسة والله…

لتضيف بسخرية :

– متنساش تمضي سامج بقى

زمجر سامح من بين أسنانه مصححاً لها :

– قولتلك قبل كده اسمي سامح…

ردت بتبرير :

-أحنا اعتمدنا الاسم خلاص…طب والله لايق عليك

رد باندفاع :

– متخلينيش اغلط فيكي…انا عامل احترام لجدك واهلك

– متقدرش اصلا

رد جدها بتحذير:

– بس يا فاتن خلاص

___________

دلفت فاتن إلى غرفة اختها..لتجدها متكورة على نفسها على السرير

تكتم شهقاتها بصعوبة… لتدخل خلفها امها وهي تغلق الباب فسألت فاتن امها عن سامح والمأذون وقالت بأنهم خرجوا

ليحاولوا تهدئة كاميليا…حتى لو كانت أمامهم بكل هذه القوة والثبات ولكن المشهد نفسه صعب عليها

مشهد جعلها تشتعل لتسأل امها :

– هو كده طلقني يا ماما صح ؟

– أه يا بنتي كده خلاص.. ربنا يعوضك خير يارب

سألتها بهجوم:

– هو أنتِ فاكر أنه طلقتي من شوية بس ؟

لتردف بصراخ بينما الدموع تملأ عينيها وهي تنظر لأختها وامها :

-هو انتوا فاكرين أن الطلاق هو اللي حصل مع المأذون من شوية بس !!!

هزت أمها كتفيها بشدة تهدئها:

– في إيه يا كاميليا مالك بس

دفعت أمها عنها وهي تقترب من اختها قائلة :

– الطلاق كان بيحصل نفسيا قبلها بكتير .. بكتير أوي

ثم أردفت وهي تشملهم بنظرات نادمة:

-في كل مرة احتاجت فيها جوزي يطبطب عليا وسابني بعد أول شهر واسبوع جواز وسافر … و في كل مرة حكيتله علي إللي واجعني وكان بيستهزأ به ويقلل منه .. ولا لما كنت بتمنى يبقى رومانسي معايا ولو لحظات ويحسسني إني ست … ولا ..

في كل مرة كنت بوريه فيها شكلي في فستان جديد و يتريق ويتنمر على شكلي و حسسني فيها إني نص ست وإني مش كفاية له رغم أنه كل الناس كانت بتشهد اني حلوة ..

شحب وجهها بشدة وهي تهز رأسها وأخذت دموعها تجف على خديها :

-الطلاق حصل من زمان أوي … بس النهاردة كان مجرد إثبات على ورق … الطلاق حصل لما كنت بعيط لما بطلت أشوف فيلم رومانسي واتضايق لأني نفسي أعيش لحظات زي دي مع جوزي ..

– ياااه ده الطلاق ده حصل من زمان أوي… 6 شهور جواز عشت فيهم مع جوزي بس شهرين…

ظلمني واخد حقوقي…مؤخر ودهبي اللي بعته عشانه…

اتنازلت عن المحضر عشان بيساومني اخد القايمة بتاعتي…وأنه ممكن يحرمني من كل جهازي

عانقتها امها وهي تبكي :

– ربنا هيعوضك يا حبيبتي والله ربنا هيعوضك عن كل حاجة مريتي بيها

ردت فاتن بتصميم:

– لا بقولك ايه….احنا مش هنزعل على الزفت سامج ده ولا يستاهل اصلا دمعة واحدة…اسمعي احنا هنخرج النهاردة…وهنروح ماكدونالدز إللي في كايرو فستيفال سيتي ..

وتطلبي اغلى حاجة هناك ونلف شوية بقى.. وبعدها نتمشى شوية بالعربية بتاعة جدو وكمال هو اللي هيسوقها

همست بضعف :

– لأ مش هقدر .. روحوا انتوا

دلف كمال إلى الغرفة قائلا بحزم :

– لا بقولك ايه احنا هنخرج النهاردة..والله ما هنسيبك اليوم ده لنفسك وافكارك

احنا النهاردة هنخرج سوا أساساً

ليضيف بشقاوة:

– ده انا هخرجك خروجة تحلفي بيها

ابتسمت كاميليا بتعب قائلة:

-ربنا يخليكو ليّ…انتوا احسن اخوات في الدنيا

بالفعل خرجوا سوياً وحاولوا أن يشغلوا أختهم عن الطلاق والتخفيف من حدة الموقف

كن على يقين تام من أن اللحظة ، مهما كانت ثقيلة ، ستمر … ستمر بأي طريقة وبأي وسيلة

________________________________

في صباح اليوم التالي

– كوكي حبيبة قلبي .. صحيتي ؟

قالتها فاتن وهي تدخل غرفة كاميليا

ابتسمت كاميليا:

– اه يا تونا تعالي..

دخلت فاتن الغرفة فجلست على سريرها بجوارها وقالت لها :

– حجزتلك مع دكتورة شاطرة جدا .. هي ثيرابيست ناجحة جدا وهتسمعك كويس أوي .. وهتساعدك تتخطي التجربة اللي مريتي بيها

نظرت إليها كاميليا بامتنان وهي تقول:

– متشكرة أوي يا تونا.. أنت أحسن أخت في الدنيا كلها

عانقتها فاتن بحب وقالت لها :

– متقوليش كده أنا جنبك.. و واثقة إن ربنا هيعوضك

ثم أومأت قائلة بتذكر:

– يلا ميعادك معاها النهاردة بالليل .. هوصلك وأروح اخلص شوية حاجات و ارجع اخدك

_______

مهما حاولت، وحلّلت وفكّرت لن يغير الماضي في شيء.. لهذا كُنْ شاكرًا فقط لتِلك التجارب.. وامضِ قدمًا.

فى المساء ذهبت كاميليا إلى عيادة الأخصائية النفسية

تحدثت معها عن معظم الأشياء التي حدثت لها وبعد مرور أقل من ساعة

تحدثت الأخصائية النفسية قائلة:

– كاميليا .. أنتِ تستاهلي حد أحسن من كده … اللي زي ده محبش ولا عمره يعرف يحب

أغمضت عينيها بتعب:

– بس يا دكتورة … انا حاسة إني مش قادرة أفوق..مش قادرة أبطل ألوم نفسي على كل حاجة.. وإني أنا اللي عملت في نفسي كده .. من أول ما وافقت على الجواز من واحد زيه لحد آخر لحظة رجعت له فيها قبل الطلاق..

– “الضربة والماضي صحيح بيوجع بس أما تعيش فيه أو تتعلم منه”

الجملة دي كانت في كرتون سمبا.. تبان بسيطة لكن تطبيقها عايز مجهود ..

عشان كده خدي وقتك من الألم متقاوميش احنا بشر وإن شاء الله هتتعافي وتتعلمي وربنا كريم وكبير وعوضه جميل

قالت بصوت يملؤه الأسف :

-اكتشفت إني كنت بديله هو و أهله من حبي ووقتي وصحتي بدون أي حدود ولا مقابل ولا حتى كلمة شكر.. لدرجة إني قاعدة الوم نفسي إزاي كنت بغسل لمامته المواعين و عمالة أقول لنفسي كنتي شايفة نفسك خدامة لدرجة أنك بتنظفي لها قرفها و شايلاها هي و عيالها و في الآخر ياكلوا علي حقي و يتهموني في شرفي و آخد علقة موت اتطلق بسببها ؟

ثم أضافت بقهر:

-ومش قادرة أسامح نفسي إني سيبتهم يمنعوني من زيارة بابا مريض الكانسر و هما عارفين أنه في آخر ايامه و مات من غير ما أشوفه..بنهار نفسيا لما بفتكره ..

-بصي كل حاجة بسبب متظلميش نفسك بجلد الذات إنك إزاي سكتي، يمكن لو كنتي مشيتي في الأول كنت هتفضلي تسألي نفسك هل أنا تسرعت ؟ بس بعد ما استحملتي وعديتي قدرتي تفهمي

أدي وقت الزعل حقه عشان لما ترجعي أحسن تبقي أقوي

شهقت كاميليا بندم:

-عمالة أقول كنت ساكتة ليه ؟

إزاي أسامح نفسي إني عملت في كدا ؟ ..و إزاي مزعلش إنها اتحسبت عليا جوازة و هما كلهم شهرين أو ثلاثة اللي قعدتهم مع زوجي والباقي كنت عايشة لوحدي مع أهله .. اللي حصل مكنش سهل أبدا

-علشان كده بقولك خدي وقتك في الزعل لكن متستمريش عليه .. متسمحيش له يظلمك مرتين .. هو ظلمك قبل كده.. لكن إياك تسمحي لنفسك أنه يظلمك مرة تانية وتفضلي واقفة مكانك بسببه

انسي انسي و تجاوزي و اشتغلي على نفسك و شخصيتك و تفكيرك واشغلي نفسك أوي و متبصيش وراك الماضي راح بإيجابياته و سلبياته اتعلمي بس و كله بالوقت بيعدي

همست كاميليا بملل:

-المشكلة إني بفكر في طليقي طول الوقت سواء بالسلب او الإيجاب و مش عارفة أطلعه من دماغي إزاي

-التجربة حصلت وعديت بيها للأسف وأثرت على فترة في حياتك مينفعش تخليها تأثر على الباقي كمان وهو لازم تلغيه من عقلك ومتعاقبيش نفسك على حاجة ملكيش ذنب فيها

المهم دلوقتي يا كاميليا .. هطلب منك شوية حاجات تبدأي تعمليها إن شاء الله بعد ما تقومي بالسلامة .. هنبدأ نروح چيم و نتعلم تمرين يوجا ونقرأ كتب معينة هكتبلك أسماءهم اشتريهم هتفيدك جدا وتعرفك أكتر عن شخصيتك.. واليوجا ياريت تلتزمي بيها بجد بتخرج كل الطاقة السلبية .. وكمان نهتم كويس أوي بدراستنا علشان تكوني أنجح وأشطر .. أنا عايزة ال ٣ سنين الجايين دول كاميليا تكون خلصت دراسة واتخرجت واشتغلت و معاها بنوتة جميلة.. عيشي علشانك.. علشان كاميليا وبنتها اللي جاية في الطريق

في يوم من الأيام ستدرك أن أصعب شيء مررت به كان خيرًا عظيمًا وفر عليك وجعلك أقوى مما كنت عليه من قبل ، وهو الشيء الذي سيبهرك وسيجعلك تنسى هذا الألم ، فلا تيأس.

_______

بعد مرور اشهر الحمل…

وضعت كاميليا طفلتها .. وتمت عملية الولادة على خير

تحدث الطبيب بذهول وامتنان:

– الحمدلله يا رب … بنتك طلعت سليمة تماماً ومفيش أي حاجة … أنتِ محظوظة

همست كاميليا بضعف وامتنان :

– أنا محظوظة بكرم وعوض ربنا

سألت أمها :

– بنتي شبهي يا ماما ؟؟

أمها بابتسامة :

– شبهك أخدت شوية من ملامحك ولون بشرتك ..بس عيونها زرقا .. و شعرها !

كاميليا باستغراب :

– ماله ؟

همست فاتن بغيظ:

– نفس لون شعر الزفت سامج.. لونه عسلي فاتح

قال جدها بسخرية:

– كويس انها خدت منه لون الشعر بس .. الحاجة الوحيدة العدلة فيه

ثم أردف قائلًا :

– صحيح أنا اتصلت بسامح قولتله تعالى شوف بنتك ، كاميليا ولدت

– ليه يا جدو كده

– دي الأصول يا بنتي لازم نعمل اللي علينا لآخر لحظة حتى لو ميستاهلش بس أهو أبوها في الأول والآخر

بعد مرور نصف ساعة .. دلف سامح إلى المستشفى و رأى بنته ثم سألهم:

– هتسموها ايه ؟

همس الجد:

– دانا

زفر سامح بغضب:

– نعم؟؟ وكمان سميتوها من غير إذني.. و إيه دانا دي كمان .. بدل ما تسموها سماح على اسم أمي .. أنا كده مش دافع أنا حاجة للمستشفى بقى ولا مصاريف علشان تبقوا تسموها على مزاجكم من غير ما ترجعوا لأبوها

قالت فاتن بغيظ :

– ليه عشان تضمها لعيلة السماح؟ العيلة اللي مش لايق عليها اسمها خالص !

رمقها بحدة ثم تركهم وخرج

صاحت فاتن بغيظ :

– البني آدم ده كل ما بيتكلم بتأكد أن الطلاق كان أنسب حل لكاميليا

__________

بعد مرور ثلاث سنوات وشهرين

ذهبت كاميليا إلى الجامعة … لترى نتيجتها ظهرت أم لا .. فأوقفها طالب معها بالكلية .. قائلًا لها :

– شوفتي النتيجة؟

هزت رأسها بنفي لتسأله بتردد:

– لا هي نزلت ؟

ابتسم الشاب قائلًا :

– آه مبروك .. أنت الأولى على الدفعة في المادة بتاعت دكتور سليم والدكتور في القسم بيقول للكل إنه مبسوط من ورقتك جدا

شكرته كاميليا وقابلت صديقتها أمل لتبارك لها بسعادة:

– مبروك يا كوكي…

كاميليا بسعادة غير مصدقة ما قاله لها زميلها الطالب منذ قليل :

– أمولة.. أنا لحد دلوقتي مش مستوعبة إن عوض ربنا لي حلو أوي كده .. الحمدلله يارب

ابتسمت أمل بفخر:

– ولسه أنا واثقة إن ربنا هيكرمك .. أنت تعبتي كتير أوي في حياتك وإن شاء الله ربنا هيعوضك.. ده كفاية إنك كنت شايلة مسؤولية بنتك طول السنين اللي فاتت وكنت بتشتغلي مع الدراسة وده كان صعب عليك

زفرت كاميليا بحزن:

– كنت هعمل إيه بس .. قولت أشوف شغل كول سنتر قريب من البيت عشان مصاريف دانا ولو تعبت ولا لو حصلها حاجة أو مصاريفها .. أنت عارفة .. سامح مشافش بنته غير يوم ما اتولدت وعليها لحد دلوقتي ميعرفش أي حاجة عن بنته ولا مصاريفها ولا بيبعت نفقة ولا أي حاجة

– محاولتيش برضو ترفعي قضية أو تبهدليه

ردت كاميليا بثقة:

– حقي منه لو مش هاخده في الدنيا .. كفاية إني هاخده عند ربنا … كل جنيه اتصرف على بنتي من جيبي و ربنا اللي يعلم تعبت إزاي معاها … هو هيصرفه ديون كتير أوي عليه في الآخرة .. علشان هو اللي كان مسؤول يصرف ويتعب

أمل بذهول :

– والله يا كوكي بستغرب إزاي واحد زي سامح ده يسيب واحدة زيك زي القمر و معاه بنوتة أي حد في الدنيا يتمنى يكون معاه بنوتة زيها … إزاي معندوش فضول يشوف بنته حتى .. البنت مفيش في جمالها والله

ابتسمت كاميليا وقالت :

– المهم سيبك بقى من سامح والسيرة دي عايزين نحتفل بمناسبة تخرجنا خلاص أخيرا إفراج

_________

رجعت إلى منزلها بعد احتفال بسيط مع زميلاتها بالكلية بمناسبة نجاحهم.. دلفت إلى المنزل فوجدت ابنتها بنت السنوات الثلاث عند جارتها بالعمارة تلعب مع أطفالها عمر و زينة فهما صديقاها الوحيدان و كاميليا تثق بأمهم جدا وتحبها

دلف شقيقها كمال الذي يدرس بالمرحلة الثانوية إلى غرفتها

ابتسمت كاميليا عندما رأته .. فأحضر معه علبة صغيرة بها بعض قطع أنواع الشيكولاتة ولكن ثمنها غالٍ جدا على مصروف كمال الصغير وهو يقول لها بابتسامة :

– كوكي بصي جبتلك ايه .. الشوكولاتة البيضا اللي بتحبيها جبتلك احلى انواع فيها

ابتسمت كاميليا قائلة بعتاب :

– بس دي غالية أوي على مصروفك يا كيمو .. ليه بس كده تتعب نفسك

رد كمال بثقة :

– يا حبيبتي أنتِ تستاهلي أحلى وأغلى حاجة مفيش حاجة كتير عليكِ .. ده أنتِ أختي

-ربنا يخليك ليّ يا كيمو

أضاف كمال متذكرا:

– الشوكولاتة البيضاء إللي بالبسكويت لدانا عشان عارفها بتحبها زيك

ابتسمت كاميليا بسعادة:

– متحرمش منك يا أحلى وأحن أخ في الدنيا .. دايما بقول إني مطمنة على دانا وأنت موجود

ليضيف بتذكر :

– صحيح هصلح التكييف النهاردة…جهاد جارتنا هتبعت واحد يصلحه

– طب كويس

– هي دانا عند جهاد صح؟

– اه بتلعب مع عيالها عمر و زينة

بعد مرور ساعة

دلف شاب في اخر العشرينات من عمره

يرتدي بنطال اسود وقميص ابيض وبليزر اسود

ملابس رسمية أنيقة

يبدو وكأنه رجل اعمال !

او يعمل بشركة كبيرة

وليس فني تصليح تكييف !

لا يوجد عيب أساساً بعمله…فكل شخص مبدع بعمله ويجب أن يفتخر به

ولكن ملابسه لا تدل على ذلك إطلاقا

ليصلح التكييف بكل سهولة وبعد أن حاسبهم

سألته ام كاميليا باستغراب :

– معلش عندي سؤال…حضرتك يعني ماشاء الله شكلك بيقول انك شغال في شركة … او حاجة كده مختلفة

قهقه الشاب ضاحكاً:

– انا فعلا شغال في شركة…الشغل ده حاجة اضافي كده جنب شغلي…كهواية بس

– اه انا قولت كده برضو

سألته كاميليا :

– شركة ايه ؟؟ وايه شغلك الأساسي بقى ؟

– المهدي … ليهم كمان فرع في كندا وفرعين في القاهرة

– ايه ده … ماشاء الله دي من أهم شركات الهندسة المعمارية هنا… أنت مهندس معماري صح ؟

– أيوة…وشغلي ده اه بعيد عن دراستي بس هي مهنة إضافية كده

همس كمال بفخر :

– برافو عليك والله يا باشمهندس محمود… كاميليا كمان مهندسة

– مهندسة معمارية؟

– أيوة بس انا خريجة السنة دي لسه متخرجة… متعرفش بيحتاجوا حد للشغل ولا ايه الدنيا عندهم ؟

– بصي هما بيحتاجوا بس مدير الشركة يعني ساعات بيبقى متشدد شوية بس ممكن اشوفلك كده…ممكن تاخدي رقمي واول ما يعلنوا أنهم محتاجين ناس اكلمك وتقدمي

قاطعه كمال بسرعة:

– لا خد رقمي انا يا باشا وكلمني انا

أومأ محمود بموافقة :

– ماشي مفيش مشكلة

– بس ياريت بجد متنساش

– حاضر متقلقيش حضرتك

_______

بعد مرور أربعة أشهر على التخرج..

دلفت تلك الطفلة الجميلة ذات الثلاث أعوام ونصف .. ببشرتها البيضاء و شعرها العسلي الاشقر الفاتح .. وعيون زرقاء

تسلقت السرير لتجلس بجانب أمها وهمست بصوتها المدلل :

ـ مامي…

همست كاميليا :

ـ نعم يا دانا…

ـ أنتِ نمتي؟؟

نهضت كاميليا وهي تقبل طفلتها من خدها الممتلئ الجميل :

ـ لأ.. كنت مريحة شوية

سألتها دانا بفضول:

-هو أنا هكلم بابا أمتى؟

أشاحت بوجهها للجهة الأخرى قائلة بضيق :

– تكلميه إزاي ؟؟

قالت دانا:

– زي عمر ابن طنط جهاد لما بيكلم باباه .. هو بيكلمه قدامي حاجة اسمها ڤيديو كول يا مامي.. علشان باباه مسافر زي بابي بتاعي أنا .. بس هو بيكلمه كل يوم مش زيي

شهقت كاميليا وحاولت التحدث بثبات:

– ها .. اه اه يا حبيبتي هبقى أشوف كده

زفرت دانا بزهق:

– مامي مش أنتِ قولتيلي قريب هبقى أشوف بابا

دمعت عيناها وردت بصوت مختنق:

– أيوة يا حبيبتي بس هو مشغول أوي .. وبعدين بابا عمر غير باباكِ .. باباكِ عنده ظروف

أسبلت الطفلة جفنيها بحزن :

ـ وهي الظروف دي مش عاوزاني أشوف بابا ولا حتى أكلمه ليه؟

همست كاميليا بحزن:

ـ إن شاء الله قريب هتشوفي بابا

لاحظت الطفلة حزن أمها فسألتها بحنية :

ـ مامي… ميكي أنتِ زعلانة ؟

ابتسمت لذلك اللقب المدلل الطفولي “ميكي” الذي تسميها طفلتها به

– لا يا حبيبتي مش زعلانة

ـ قولي لبابا دانا زعلانة منك أوي علشان مش بتكلمها ومش بترجع من السفر

سالت بعض من دموعها عندما ضعفت مقاومتها، ضمتها إلى صدرها بحنان قائلة:

ـ إن شاء الله هنفرح قريب يا روح مامي .. ممكن بقى كفاية كلام و ننام عشان مامي رايحة تعمل انترفيو شغل بكرة وأنتِ عندك حضانة

كيف لم يرَ طفلته حتى الآن؟؟

مرت ثلاث سنوات ونصف دون أن يراها ولو لمرة واحدة !!

كيف هان عليه أن يترك طفلته طوال هذه السنوات وهي تعطي لابنتها مبررات حتى لا تجرحها كما جرح كاميليا

_____

زفرت والدتها بضيق بعد سماعها حديثها المعتاد مع ابنتها مع اختلاف المواقف .. نهضت كاميليا من جانب ابنتها وقبلتها على رأسها وتركتها تنام

همست أمها بغيظ:

-هتفضلي لحد امتى تكذبي على بنتك !

غاصت يداها في خصلات شعرها وهمست بتوتر:

-لحد ما ييجي الوقت اللي تقدر تفهم وتستوعب الحقيقة

سألتها والدتها بغضب:

-وامتى ده إن شاء الله .. ولا أوعي تكوني مستنياه يرجع !

اعتدات كاميليا في جلستها وههمست:

-لا اطمني هو مش هيعرف يرجع خلاص… عارفة ليه! عشان عرفت النهاردة إنه متجوز بقاله سنتين

وغير كده انتِ عارفة اني مستحيل ارجع للبني ادم ده تاني

جحظت عيناها بصدمة قائلة:

– اتجوز ! و دي إيه ظروفها بقى! شبهه كده و..

قطعت حديثها وقد ملئت عيناها بالدموع قائلة :

– لا خالص .. خالص يا ماما.. الطيور مطلعتش بتقع على أشكالها المرة دي زي ما بيقولوا.. اللي سمعته إنها أدب إيه وأخلاق إيه و جمال إيه !

قلبت عينيها بملل وقالت:

– مالك بتشكري فيها أوي كده .. ليه وهو أنت وحشة مثلا ولا قليلة !

وضعت يدها على قلبها قائلة بسخرية:

– لا بس أنا فاشلة .. مش ده كلامك يا ماما !!

أنا فشلت .. فشلت أنجح حياتي معاه.. وفشلت في اختياري لشخص مش كويس زيه

هزت رأسها تنفي حديثها :

– لأ يا كاميليا لأ ..

أجابت كاميليا بعبوس سرعان ما تحول لصراخ:

-هو ايه اللي لأ

-خلاص كفاية كفاية

انهارت باكية بصوت عالى وصرخت بقهر:

– نعم؟؟؟ مش ده كلامك يا ماما !! ده كلامك أنت لي كل يوم وكل دقيقة …

لم تستوعب كاميليا للحظات وهي تستكمل حديثها إلى أن شعرت بعِناق والدتها وهي تقاطعها بقهرة :

– ده كلام أم .. أم موجوعة على بنتها .. كلام أم كبرت و ربت وفرحت وبعدها اتكسرت فرحتها لما بنتها رجعتلها مطلقة وحامل في بنت تربيها لوحدها.. كلام أم قلبها بيوجعها وخايفة على بنتها اللي الناس مش سايباها في حالها .. كلامي خارج من نظرة الناس اللي حوالينا لك وتصرفاتهم الحقيرة معاك .. غصب عني يا كاميليا .. غصب عني صدقيني

المطلقة ليست زوجة فاشلة بل صاحبة خبرة ثاقبة ففشلها مع رجل لا يدل على فشل مع كل رجل, ولعل الطلاق لم تكن سببه المطلقة وانما هي امرأة منطلقة لا تعرف معنى التردد والخوف ورخصة الطلاق جاءت في موضع الدواء والطلاق علاج من رب العالمين لا عقوبة تعاقب بها المرأة.

المطلقة قد تكون انجح واكثر استقامة من المتزوجات والأمهات المستقرات

_________

في الصباح

بعد أن وصلت ابنتها للحضانة وهي في طريقها للعودة إلى شقتها.. ذهبت إلى شقة جارتها جهاد لتتحدث معها وتنبهها لشيء بخصوص دانا

استقبلتها جهاد قائلة بترحيب:

– أهلا يا كاميليا ازيك .. دانا عاملة ايه؟

كاميليا بتردد:

– الحمدلله بخير .. كنت عايزة اطلب منك طلب

– اتفضلي.. طب ادخلي هتفضلي واقفة على الباب كده

– معلش علشان ورايا حاجات هخلصها ولسه هعدي على دانا أجيبها من الحضانة

جهاد بتصميم وهي تدخلها إلى الشقة :

– لا طبعا اتفضلي برضو

كاميليا بخجل :

– كنت عايزاك تنبهي على عمر ابنك ميكلمش باباه فيديو كول قدام دانا بنتي .. أنا عارفة إن دانا بتحب تلعب مع عمر و زينة ولادك بس أنا بنتي بتفضل تسأل بابا مش بيكلمني زي بابا عمر ليه وأنت عارفة ظروف والوضع بتاعها

قالت جهاد بحدة:

– الظروف دي أنت اللي عاملاها يا كاميليا .. مش ولادي اللي هم سبب فيهم

ثم أردفت بتحذير:

– أنا أقدر أمنع ولادي يكلموا باباهم المسافر قدام بنتك .. بس أنت بقى تقدري تمنعي زمايلها لما تروح الحضانة.. هتقدري تمنعي الناس اللي في الشارع !

نظرت اليها وكأنها نادمة على طلبها ثم قالت بضيق :

– أعتقد مالوش لازمة الكلام ده .. أنا طلبت منك حاجة معينة وخلاص

– لا لازم تسمعي الكلام ده .. اللي أنت عاملاه لبنتك ده غلط

ردت كاميليا مدافعة عن نفسها:

– والصح إني أقولها أنا وبابا منفصلين وتتعقد وتحس إنها مظلومة ومش سوية نفسيا وأقل من غيرها

قطبت جهاد حاجبيها بدهشة :

– والصح بقى إنك تعشمي بنتك أن لها أب موجود!!

كاميليا بغيظ :

– عشان أبوها موجود .. بس مختفي ومش بيسأل عنها و ده ميخصنيش .. انا يخصني نفسية بنتي متحسش إنها أقل من حد

قاطعتها جهاد بغضب

– غلط يا كاميليا.. أكبر غلط .. كذبك على بنتك في حاجة زي كده في حد ذاتها كارثة.. خلقتي جواها أمل إن بابا راجع في يوم وهيكلمك بس مسافر بس مشغول .. بنتك كل ما تقعد مع ولادي مش عندها سيرة غير بابا اللي مسافر وهيرجع قريب.. صارحي بنتك يا كاميليا.. صدقيني لو صارحتيها من دلوقتي هتزعل شوية بس أحسن لو عرفت بعدين .. لو عرفت بعدين هيتكسر جواها حاجة كبيرة ناحيتك ويمكن وقتها متقدريش تداويها .. لو بتحبي دانا قوليلها الحقيقة وخليكي فخورة بكده .. بالعكس هتقدر إنك كنت أم و أب لوحدك لها .. كنت شايلة مسؤوليتها كاملة .. من دكاترة لو تعبت لتمرين لحضانة لمذاكرة و هدوم و أكل و هدايا وكل حاجة.. كل حاجة كنت مسؤولة عنها لوحدك

بلعت ريقها برعب وهي تنتبه لكذبتها الصغيرة التي سوف تكلفها الكثير:

– صعب أوي .. كل يوم أقول لازم أقول لها .. كل يوم قلبي بيوجعني وهي بتسألني عن أبوها … نفسي أنسى وكل ما أبص في وشها افتكر كسرته لي .. مش قادرة أصارحها دلوقتي.. خايفة تتوجع زيي .. خايفة تحس إنها اتسابت زي ما أنا اتسابت زمان .. اكتشفت إني اختياري الغلط بتعاقب عليه في كل لحظة .. حتى بنتي بقيت خايفة إنها هي كمان تيجي يوم وتسيبني

– دانا بتحبك جدا .. ومستحيل هي كمان تسيبك.. وأنت دلوقتي أحسن من زمان بكتير أوي .. أنت دلوقتي قوية .. واحدة غيرك مكنتش استحملت كل ده واستسلمت.. صدقيني بكرة ربنا هيعوضك ويجيبلك حقك من اللي ظلمك .. بس أنت اعملي زي ما بقولك و صارحي بنتك من دلوقتي بالحقيقة

______

ذهبت كاميليا لتأخذ ابنتها من الحضانة وأخذتها معها إلى مقر العمل الذي أرسلت إليه السيرة الذاتية لكي تعمل معهم بالشركة

تحدث كاميليا بابتسامة لموظفة الاستقبال:

– مساء الخير..كنت عايزة أقدم على الوظيفة المطلوبة .. كنت بعت ال CV بتاعي لحضرتك

– ممكن الاسم؟

– كاميليا مجدي

– تمام .. اتفضلي مستر رأفت هيخلص الميتنج اللي معاه ويعمل معاك انترفيو

بعد مرور دقائق .. خرج رجل في نهاية الثلاثينيات من عمره .. فنظر إلى كاميليا وتفحص مظهرها سريعا :

– أنتِ باشمهندسة كاميليا ؟

– أيوة انا

– ممكن تتفضلي مكتبي

همست دانا بخوف:

– مامي .. أدخل معاكِ

ابتسمت كاميليا برقة:

– خليكي يا دانا هنا.. علشان أعمل انترفيو

نظر لها رأفت متفحصاً إياها ثم نظر إلى يديها ليرى إن كانت ترتدي دبلة أم لا ثم سألها بتوجس:

– دي بنتك ؟

– اه.. كانت في الحضانة بس وجبتها معايا علشان مكنش فيه وقت أروحها

– تمام مفيش مشكلة ممكن تستني هنا مع أميرة لحد ما نعمل انترفيو و نشوف

– تمام خليكي مع طنط يا دانا

دانا بأدب:

– حاضر يا مامي .. متتأخريش

دلفت كاميليا إلى مكتبه .. وجلست على الكرسي المقابل له فسألها بشك :

– بس حضرتك يعني مش لابسة دبلة .. هو بابا بنتك فين؟

زفرت كاميليا بغيظ لتدخله فيما لا يعنيه ولكن لا يهم هي تريد الوظيفة :

– منفصلين

كتم فرحته بداخله قائلا بغزل:

– إزاي حد يسيب واحدة زيك

همست كاميليا من بين أسنانها :

– عادي متفقناش.. ممكن تفاصيل عن الشغل أكتر

ابتسم بمكر:

– اه اه طبعا.. شوفي يا مدام كاميليا.. في كذا بنت مقدمة على الوظيفة دي غيرك.. بس أنا قررت اوافق عليك .. ومش بس كده .. بمرتب أعلى كمان من اللي محطوط.. ضعف المرتب يعتبر

كاميليا باستغراب:

– معقولة … أنا متشكرة أوي لحضرتك.. بس حضرتك عجبك ال CV بتاعي يعني عشان كده وافقت علي

غمز لها قائلا:

– ال CV وصاحبته كمان اللي زي القمر

نظرت اليه باستغراب :

– هو ده انترفيو شغل ولا غزل ومعاكسة ؟؟

الرجل باستغراب:

– إيه اللي بتقوليه ده .. هو بلاش أقول إعجابي بموظفة تشتغل معانا

صاحت بحدة:

– اه طبعا مش من حقك

ثم قام من مكانه ليقترب منها قائلا بنبرة شيطانية :

– ولا من حقي حتى …

قاطعته بغضب وهي تصده بقوة:

– انت اتجننت ولا ايه .. احترم نفسك..

شهق بقوة وعينيه جاحظة ، عندما تلقى لطمة قوية علي وجهه :

– أنتِ اللي مجنونة .. أنت إزاي تعملي كده يا غبية أنت!

ثم أضاف وهو يضع يده على وجهه من الالم .. الضربة كانت قوية حقا :

-تصدقي انا غلطان اني وافقت عليكي وكمان كنت مزودلك المرتب.. بس ملحوقة .. انا بقى مش هخليكي تعرفي تشتغلي في اي مكان .. وهقول انك حاولتي

ضربت كاميليا على سطح المكتب بقوة وهي تقول بكل ثبات وحزم :

– طب جرب كده تطلع تعملي حاجة وأنا أفضحك أقول أنت حاولت تعرض عليا ايه ! ولا تحب تقولهم الباشمهندسة ضربتني .. شوف بقى ضربتك ليه !! هتبقى فضيحة قوية وهتعجبهم أكتر من الكذبة اللي أنت هتحاول تخترعها

شهق الرجل بخوف لم يتوقع أبدا فعلها ذلك .. كان يتوقعها ضعيفة مثل غيرها .. فقال بنبرة مزيفة ساخرة :

– أهو النوع اللي زيك ده عمره ما هيوصل فوق ولا هيلاقي مرتب عالي زي اللي عرضته عليك

هزت كتفيها بسخرية قبل أن تخرج قائلة بقرف :

– أشبع بالمرتب .. وتتحرق الوظيفة ولا إني اشتغل مع بني آدم حقير وسافل زيك

على المجتمع أن ينظر إلى المطلقة بالرحمة والرأفة ، ولا يطمع بها أو يغريها.. قد تكون أختك أو ابنتك أو أحد أقاربك.. فقد كرمها الله وأعطاها حق حريتها.

على المجتمع أن يعطيها فرصة أخرى لحياة كريمة ، ولا ننظر إلى الماضي أو نعايرها عندما يكون هناك اختلاف في الرأي ، بل نستفيد منها ومن خبراتها.

____________

وإذا تأثرت تلك الطرق المرتبطة بأحلامي وأنا على وشك السقوط ، فالله معي وبقوته سوف تصيب..

شعرت كاميليا بالغيظ ولكنها كانت سعيدة عندما تصرفت هكذا مع ذلك الرجل الوقح ..

فذهبت إلى شقة شقيقتها فاتن .. فهي تزوجت منذ عدة اشهر بعدما أنهت دراستها الجامعية.. أختها فاتن تصغرها بعام واحد فقط ..

جلست كاميليا مع أختها وهي تقص عليها هي و زوج أختها أحمد ما حدث .. بينما دانا كانت مشغولة بعيد عنهم بألعابها

همست كاميليا بضيق:

– أنا مش فاهمة الناس بقت وحشة ليه… ليه القرف ده كله اتعرضله .. وليه الناس بقت بتشوف البنت المطلقة حاجة سهلة ويقدر يغريها

رد أحمد زوج أختها بغيظ:

– دي الناس المريضة بس يا كاميليا.. إنما أنتِ زي الفل .. مش ناقصك حاجة

قالت كاميليا بغضب:

– أنا تعبت بجد .. تعبت من القرف بتاع الناس .. أنا بتعاقب على لقب ! مجرد كام شهر اتجوزت فيهم دمرولي حياتي.. ده غير بقى أمي .. عايزاني اتجوز أي واحد من اللي بيتقدمولي اللي أول شرط عندهم سيبي بنتك مع أمك وأنا مستحيل أسيب دانا..

قاطعتها فاتن بحدة فهي تعرف رأي أمها وشجارها مع كاميليا بخصوص الزواج :

– كاميليا.. محدش من حقه يجبرك على حاجة أنت مش عايزاها

تنفست كاميليا بعمق وهي تقول بزهق:

– طب والناس دي.. دي تاني وظيفة أقدم فيها ونظراتهم لي تكون مقرفة علشان مطلقة

خطر ببال أحمد فكرة فقال :

– وأنتِ ليه اصلا تقولي إنك مطلقة دي !!

– أومال أقول إيه لما يسألوا عن الحالة الاجتماعية

قال أحمد بحدة:

– مش مجبرة أصلا تقولي … أوعي تقولي إنك مطلقة والكلام ده .. قولي إنك آنسة .. هما يعني هيدوروا وراك

– بس كده مش كذب

رفع حاجبه بثقة:

– كذبة تحميك.. وصدقيني كده أحسن

– تفتكروا ؟

– اه طبعا

ليتصل بها كمال شقيقها يذكرها بالرجل الذي أتى إليهم منذ عدة أشهر يصلح التكييف وأخذ رقم كمال .. ليخبره عن إعلان بالشركة لموظفين جدد لتقدم كاميليا به ففرحت كاميليا بشدة وحكت لأختها وزوج شقيقتها..ففرحوا بشدة

قال أحمد بتحذير :

– روحي و قدمي.. وبلاش تعرفي حد هناك إنك مطلقة أساسا

همست كاميليا بترجي:

– يارب اتقبل بقى واشتغل

تأتي الراحة في أصعب اللحظات.

في لحظة ما قبل اليأس ..

______________

بعد تحديد موعد للمقابلة بالشركة ..

كانت تسجل بياناتها أمام موظفة الاستقبال قبل أن تقابل ال HR للشركة

سألتها الموظفة وهي تملأ الورقة :

– الحالة الاجتماعية ؟

ترددت كاميليا .. ثم همست بنبرة قوية:

– آا.. آنسة

سمعت صوت أنثوي خلفها بذهول:

– إيه ده ! كاميليا !!!

*******

 

google-playkhamsatmostaqltradent