رواية كاليندا كاملة بقلم ولاء رفعت عبر مدونة دليل الروايات
رواية كاليندا الفصل التاسع 9
ينتظر رأفت المحامي أمام مكتب المساعد، ينظر في ساعة هاتفه بزفاذ صبر حتي صدح رنين جرس التنبيه فنهض ذلك المساعد قائلاً بابتسامة زائفة:
_ أتفضل يا متر، حماد بيه في انتظارك.
نهض هذا الخائن والسعادة تنبلج علي ملامحه، يعلم ما سيغتنمه من تلك الفرصة الذهبية، علي يقين بأن حماد السفوري علي استعداد دفع مبالغ طائلة من أجل نجله المتهور وألا يمكث في السجن لثانية واحدة.
طرق الباب ثم قام بفتحه وأرتسم علي ثغره ابتسامة سمجة قائلاً:
_ مساء الخير يا حماد بيه.
أشار إليه الآخر بالدخول:
_ أتفضل يا متر.
جلس علي الكرسي أمام مكتبه وقال:
_ أنا عارف وقت حضرتك ضيق، فمش هطول عليك كتير.
تنهد الأخر فأخبره:
_ يبقي أحسن، أتفضل هات اللي عندك.
تبدلت الابتسامة من السماجة إلي المكر والدهاء:
_ اللي عندي يساوي قيمة ولي عهدك، أو نقدر نقول حريته وسمعته وسمعة عيلة السفوري.
رجع الأخر بظهره إلي المسند الخلفي وقال:
_ مش لما أشوف اللي معاك يستحق ولا تكون اشتغاله وأبقي زي اللي بصطاد سمك في ميه.
وضع الأخر حقيبته أمامه علي الطاولة الصغيرة وقام بفتحها وأخرج منها هاتف مُغلف بكيس بلاستيكي ذو سحاب ضاغط وظرف ورقي مُغلق ووضعهما علي المكتب لكن في قبضة يده.
هز الأخر رأسه وسأله:
_ إيه ده؟
أجاب الآخر بثقة بالغة:
_ ده موبايل ابنك اللي نسيه في مكان اللي عمل في عملته و عليه فيديو باللي عمله، والتاني ده ظرف فيه تقرير الدكتور اللي بيأكد إن البنت أتعرضت لمحاولة اعتداء فقدت فيها جزء من عذريتها و اللي يثبت التقرير ده الفيديو اللي في الموبايل، يعني أدلة بتكمل بعضها.
أطلق الآخر زفرة وكأن جبل قد أنزاح من فوق صدره، نهض وذهب أمام خزانته الإلكترونية ووضع كفه فوق الشاشة حتي تطابقت البصمة وفُتحت الخزنة، أخذ من داخلها ظرف كبير ثم أغلقها وعاد إلي كرسيه مُلقياً أمام رأفت الظرف.
نظر الآخر إلي الظرف وسأله:
_ كام دول؟
أجاب حماد بعنجهية:
_ خمسين ألف جنيه وليك زيهم لما أتأكد أنك مش تكون ناسخ من الفيديو اللي علي الموبايل نسخ تانية.
نصف ابتسامة علي ثغر الأخر الذي قال:
_ أبقي مغفل ومجنون لو عملت حركة زي دي، لأن أنا مش عايز فلوس، أنا عايز أكون المحامي الخاص لسيادتك.
قهقه حماد حتي تردد صدي ضحكاته وتوقف لتتحول ملامحه إلي الجدية، قائلاً بتهكم:
_ وأنت بقي يا محامي بير السلم، عايزني أخليك المحامي بتاعي!
ابتلع الأخر الإهانة وأظهر عكس ما بداخله، رمقه بثقة يخالطها نبرة تهديد قائلاً:
_ أنا سامع أن حضرتك ناوي ترشح نفسك نائب في البرلمان، وموضوع زي موضوع المحروس ابن سعادتك لو وصل للجهات العليا هيحطوا علي اسمك علامة إكس بالأحمر.
وأختتم كلماته ببسمة انتصار وتشفي، فأحتقن وجه الآخر ليكشر عن أنيابه وقال:
_ طيب واللي بلغك المعلومة دي مقالكش إن بنفوذي ممكن أخلي أسمك الجميل ده يتشطب من نقابة المحامين؟
نهض ووقف فوضع يديه في جيوب بنطاله قائلاً بزهو وفخر:
_ يبقي حضرتك ما تعرفش مين هو رأفت متولي.
أطلق الأخر زفرة كدليل علي نفاذ صبره:
_ خلاصة الموضوع ده وكلمة وما فيهاش نقاش، تاخد مليون جنيه وما سمعش صوتك تاني ولو عايز تكون محامي لحد واصل ممكن أعرفك علي رجال أعمال وأنت وشطارتك بقي.
أنشقت بسمة عارمة علي وجه هذا الذي يشبه الثعلب في مكره ودهائه وكالعقرب في غدره، جلس علي الكرسي بأريحية قائلاً:
_ يبقي كدة متفقين، والموبايل والتقرير بين أيديك.
تناولهم الآخر بقبضة قوية وأتجه نحو المدفأة، فقام بسكب سائل علي الحطب ثم أشعل عود ثقاب وألقاه لتندلع النيران رويداً رويداً، وبكل قوته دفع الهاتف والظرف لإحراقهم وابتسامة ظافر جائر تعلو شفتيه:
_ خلي محمد نصار يبقي يروح يدور علي مين اللي عمل كدة في بنته.
※※※
دوي رنين جرس المنزل وكانت زينب تقف أمام الموقد تطهو، فتركت ما بيدها وأدارت المقبض فانطفأت النار ثم مسحت يديها في منشفة جافة قائلة بصوت جهوري:
_ حاضر ياللي بترن الجرس.
ذهبت لترتدي خمارها وفتحت الباب فوجدته شقيق زوجها، قالت له بترحاب وحبور:
_ يا أهلاً وسهلاً، أتفضل يا كريم.
دلف وبيديه يحمل أكياساً مُعبئة بالفاكهة المختلفة:
_ السلام عليكم.
أجابت الأخرى:
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ليه التعب ده، ده أنت جاي في بيتك مش عند حد غريب.
وضعهم علي المنضدة المجاورة لباب المنزل وقال:
_ دي حاجه بسيطة عشان شمس.
_ أنت ابن حلال، لسه مخلصة الأكل، أدخل أغسل إيديك وبعدها ادخل صحي أخوك عقبال ما أغرف.
قالتها واتجهت نحو المطبخ، فسألها:
_ أومال فين شمس؟
تنهدت بحزن وأجابت:
_ كالعادة حابسة نفسها يا قلب أمها في أوضتها، الموضوع بقي صعب أوي خاصة بعد ما عرفت بحملها اللي ما كان علي البال ولا الخاطر.
_ ده إبتلاء من ربنا وعليها بالصبر، أنا عارف الموضوع صعب جداً بس مش بإيدينا غير نقف معاها ونجيب حقها من إبن الـ… اللي عمل فيها كده، وعقبال ما ده يحصل معدش ينفع تقعدوا هنا في البلد.
_ قصدك نسيب بيتنا زي اللي عاملين عملة ونهرب!
كان صوت محمد الذي خرج للتو من غرفته، أقترب منه كريم وأوضح له:
_ مش هروب، بس ما ينفعش تفضلوا قاعدين هنا أولاً زمان المحامي اللي وكلته بدأ في الإجراءات وطبعاً زمان حماد عرف، فشيء طبيعي مش هايسيبك في حالك وتجنباً للمشاكل والأمر التاني كلها شهرين ولا تلاتة وبطن شمس هاتظهر وأنت عارف أهل البلد ماورهمش حاجة غير الكلام وبنتك حالتها النفسية مش متحملة كلمة من حد ومحتاجة رعاية و دكتور يتابع حالتها، تقدر تقولي هاتخرج وتدخل إزاي والبلد كلها أوضة وصالة؟!
وقبل أن يجيب شقيقه، سبقته زوجته:
_ كريم عنده حق يا أبو شمس، أنا كنت لسه الصبح في السوق والنسوان كل ما تشوفني يغمزوا لبعض ويتكلموا وأنا لو رديت عليهم مش هخلص غير وإحنا في القسم، والواحد مش ناقص مشاكل ولا حرقة دم.
جلس محمد علي أقرب كرسي بقلة حيلة ويأس قائلاً:
_ وأنا أجيب فلوس لسكن تاني منين، كل مرتبي يا دوب نصه أقساط والنص التاني أكل وشرب ومصاريف البيت.
ربت شقيقه عليه بمؤازرة وقال:
_ ماتشلش هم وأنا موجود.
ارتفعت زاوية فم الآخر بتهكم وقال:
_ عايزني أروح أقعد مع أخواتك اللي باعوا واشتروا في ضنايا كأني مُت.
أخرج من جيب بنطاله سلسلة مفاتيح خاصته وقام بأخذ مفتاح منها قائلاً:
_ عندي شقة كنت شاريها السنة اللي فاتت في إسكندرية، بأجرها كل موسم صيف.
تفهم شقيقه مقصده فسأله:
_ و شغلي اللي هنا؟
أجاب الآخر:
_ خليك أنت هنا أيام الشغل وفي يومين الإجازة أطلع علي إسكندرية أقعد معاهم.
تدخلت زينب قائلة:
_ وأنا موافقة.
رمقها زوجها بضيق فأردفت:
_ كلام أخوك كله صح، ولو عندك حل تاني شور علينا، وإسكندرية غير هنا علي الأقل ما أصتبحش بوش العالم اللي هنا وأسمع تلسين من اللي يسوي واللي ما يسواش.
قال كريم:
_ ولما تجهزوا حالكم عرفوني وما تقلقوش الشقة مفروشة من كل حاجة وفيه سوق قريب، وأنا هابقي معاكم، بس ياريت يكون الكلام ده قبل ما الأسبوع ده يخلص عشان كلموني من الشغل ولازم أسافر.
نهض محمد وتوجه إلي المرحاض، أشار بيده بعدم اكتراث وقال:
_ أعملوا اللي تعملوه.
زفرت الأخرى بامتعاض وقالت:
_ شوفت يا كريم، أهو كده من ساعة لما قام بالسلامة وأنا مش عارفه هو عايز إيه بالظبط.
أجاب عليها:
_ ما تقلقيش أخويا وأنا عارفه، أعذريه الصدمة مشوشه علي تفكيره ومع الوقت هايرجع أحسن، أنتي بس خليكي جمب بنتك هي محتاجة لك أنتي أكتر واحدة، وربنا يطمنا عليها ويقومها بالسلامة.
_ آمين يارب، وينصرها علي الظالم ابن هدي ويحرق قلبهم زي ما قهروا بنتي وحرقوا دمنا كلنا.
※※※
وقبل أن يعدوا للرحيل، ذهب محمد إلي مكتب المحامي لمتابعة الإجراءات لكنه تفاجئ بالباب مُغلق، قام بالاتصال عليه فتلقي رسالة مسجلة بأن الهاتف مغلق أيضاً، تعجب لأن هذا الوقت هو موعد عمله في المكتب، أخذ يضغط علي زر الجرس ويتبعه بطرق الباب عدة مرات حتي ظهر له من خلفه رجل ذو مظهر بسيط يقول له:
_ الأستاذ رأفت مش موجود.
عقد الأخر حاجبيه و سأله والقلق يساوره بداخله:
-أومال هو هيجي إمتي؟
أجاب الرجل:
_ هو ساب المكتب لصاحب البيت وسافر بلاد برة.
أزدرد ريقه وهو يشعر بجفاف حلقه من ما يسمعه للتو:
_إزاي؟
أجاب الرجل:
_والله يا أستاذ كل اللي أعرفه قولتهولك.
و يشاء القدر وتأتيه مكالمة هاتفية من رقم غريب، أجاب علي الفور:
_ ألو، مين معايا؟
أجاب المتصل:
_مش مهم تعرف أنا أبقي مين بس حبيت أقولك أبقي فكر مليون مرة قبل ما تقف قدام حماد السفوري أنت و بنتك، و المحامي اللي أنت وكلته باعك و الأدلة كلها خلاص بح.
صاح محمد بغضب:
_ أنت مين؟
لكن لم يتلق أي إجابة سوي إغلاق الخط في وجهه، فأطلق الآخر السباب والشتائم.
※※※
عاد خالي الوفاض يشعر وكأن الدنيا تهبط عليه بسوطها دون رحمة، ذهب إلي الطبيب الذي دون له التقرير فأنكر معرفته به وبابنته وكاد يجن جنون الآخر، تأكد أن يد حماد الفاسدة قد وصلت إلي الطبيب أيضاً، ما هذا يا الله أراد أن يجلب حق ابنته بالقانون وها هو الذي ردد القسم بنصرة المظلوم و تحقيق العدل قد خالف وعده ونصف الظالم مقابل المال، فما أبشع أن
ترتكب مثل هذا الذنب بل في حد ذاتها كبيرة من الكبائر فهي فتنة هذا العصر وآخر الزمان الذي نعيشه حالياً، قد انقلبت الموازيين عبثاً فالظالم هو من صاحب الحق والمظلوم هو الجاني، الباطل من يمسك باللجام ويقود بلا هوادة لكن هيهات، رب الحق يترك ما يحدث ليري مدي إيمان وصبر المؤمن اختبار دنيوي للظفر بالجائزة الكبرى و هي جنات الفردوس، فيا صاحب الحق لا تيأس ولا تكل ولا تمل، عدل الرحمن أقوي من جبروت أي ظالم كان علي وجه الأرض و التاريخ يشهد علي مر الزمان علي نهاية كل جبار عتي وفاسد، لا تنسي فرعون وكسري و النمرود و كل ذي نفوذ وسلطة تجبر علي الخلائق دون خوف من خالقه فكان مصيره محتوم، جزائه العذاب الأبدي دنيا وآخره، فكن علي ثقة بربك وأذكره دائماً وقت الشدائد، قم بمناداته من أعماق قلبك و سيهديك إلي طريق الحق والنور وتجد إنصاف يجعلك تخر ساجداً باكياً من فرط سعادتك، الحق نور والنور صفة الرحمن فلا تخاف.
※※※
وبعد يومان… عاد والد شمس من عمله بوجه مُكفهر و كأنه يحمل من الهموم جبالاً غير الكارثة التي حلت بابنته.
استقبلته زوجته و سألته عن حالته المُزرية:
_ خير يا محمد، حصل إيه تاني؟
جلس أمامها علي الأريكة مجيباً بخزي:
_ و هيجي منين الخير طول ما أمثال حماد مالين البلد من ظلم وقرف.
جلست بجواره وهي تعقد وشاحها علي رأسها قائلة:
_ هو المحامي قالك حاجة جديدة حصلت في قضية البت؟
وضع كفيه علي رأسه المُنكس إلي أسفل من الحزن والوهن، أجاب بحسرة أب يشعر بالظلم:
_ المحامي ربنا ينتقم منه أو يبتليه بمصيبة طلع بيضحك علينا وباعنا لحماد السفوري وأداله الدليل اللي كنا هنقدمه للنيابة
عشان يجيبوا لنا حق بنتنا، حتي تقرير الطب الشرعي اللي قالي هيستلمه بنفسه روحت أسأل عليه لاقيت الدكتور بينكر كل حاجة، فهمت إن حماد والمحامي أشتروه بالفلوس هو كمان.
شهق بألم ليردف بصوت مختنق:
_بنتنا ضاعت يا زينب، حق بنتي ضاع ومش عارف أعمل إيه، مش عارف هارفع راسي إزاي قدام الجيران ولا البلد ولا في الشغل.
ربتت علي ظهره بمواساة قالت:
_ماتقولش كده يا أبو شمس، ما عاش ولا كان اللي يخليك تحني راسك، بنتك مظلومة ومجني عليها، بنتي العالم كله يشهد بأخلاقها.
رفع رأسه وحدق بنظرة خذل وتقهقر قائلاً:
_ معدتش قادر أستحمل نظرات الناس ليا في الشارع ولا كلامهم اللي من تحت لتحت، اللي يقولي ربنا يقويك ويعينك يا محمد، واللي يقولي أنا عندي عريس لبنتك يستر عليها ، و…
قاطعته بصياح وهي تبكي في آن واحد:
_ قطع لسان كل اللي يجيب سيرة بنتي بكلمة كدة ولا كدة، واللي يقولك حاجة أقف قدامه وأقوله أخرس بنتي أشرف بنت في البلد كلها، وبإذن الله هناخد حقنا من حمزة الكلب هو وأبوه وعيلته اللي فاكرين نفسهم بلطجية و محدش قادر عليهم.
كان هذا الحوار الذي يقطع نياط القلوب تحت مرأي وسمع التي تقف خلف باب غرفتها الموارب، و بصيص من نور الردهة
ينعكس علي عبراتها المنسدلة، تمسك بمقبض الباب وكأنها تعتصره بقوة حتي أبيضت مفاصل أناملها الرقيقة.
كان المسيطر عليها أمر واحد، لابد عليها التخلص من الذي يكسر والدها.
صعدت فوق السرير ووثبت علي الأرض، فعلت هكذا عدة مرات، وإذا يداهمها ألم لم يحتمل أسفل معدتها، أخذت تصرخ وتصرخ، شعرت بسائل دافئ ينسدل من بين ساقيها.
ولجت والدتها مُسرعة إليها، شهقت عندما رأتها في تلك الحالة صارخة:
-ألحقني يا محمد البت شكلها بتسقط.
※※※
و لدي أحمد ومروة الذي مر علي زواجهما أكثر من شهرين، كان الحال بينهما كالماء البارد تارة وتارة أخري كنيران الآتون التي تصهر كل ما يقابلها.
كان صياحها يدوي في كل الأرجاء وهي تتحدث مع زوجة خالها:
_ بقولك يا مرات خالي كنت بروق الدولاب ولاقيت في هدوم المحروس ابنك شريط برشام منع الحمل، البيه كان يستغفلني بقاله شهور وبيحطهولي في اللبن أو العصير وأنا كنت زي الهبلة فكراه بيهتم بيا وبصحتي.
أجابت سحر عليها:
_ أستهدي بالله يا مروة وما تتكلميش معاه لحد ما نطلع لكم دلوقت أنا وأبوه و نتأكد منه هو بيعمل كده ولا لاء.
صاحت بغضبٍ أكبر:
_ أنتي لسه هاتدفعي عنه وبتحامي له يا مرات خالي؟!، علي أساس البرشام هو اللي بياخده، واضحة جداً، الباشا مش عايزني أخلف منه عشان لسه بيفكر في حبيبة القلب اللي مش قادر ينساها، كفاية عمري ما أنسي قهرة قلبي ليلة دخلتنا وأنا في حضنه يقولي بحبك يا شمس، كان هاين عليا أولع فيه وفي نفسي.
_ والله كنتي هاتريحيني.
كان هذا قول أحمد الذي عاد من عمله للتو، فاستشاطت الأخرى حنقاً:
_ سامعة ابنك؟
_ خلاص يا مروة، زي ماقولتلك روحي أقعدي بعيد عنه وملكيش دعوة بيه وأنا مستنية خالك بيصلي وطالعين لكم حالاً، يلا سلام.
_ سلام.
قالتها وهي تزفر نيراناً كالتنين ثم ألقت بهاتفها علي الأريكة ولم تكترث لنصيحة حماتها بل كادت تنفجر من الغيظ عندما دلف لغرفتهما بـ برود وأبدل ثيابه ثم خرج ممسكاً بالمنشفة القطنية وقال كأن لم يحدث شيء:
_ حضريلي الغدا عقبال ما أتوضي وأصلي.
صاحت به وركضت نحوه تسأله باستنكار ساخرة:
_ تصلي؟!، أنت اللي زيك يعرف ربنا؟
قبض علي ذراعها بعنف وأمرها بتهديد:
_ بطلي غلط فيا بدل ما أمسح بكرامتك الأرض.
رفعت في وجهه شريط الحبوب وقالت:
_ لما ألاقي ده في دولابك وناقص منه نصه عايزني أقولك إيه؟!، لو أنت مكاني ولاقتني باخد من وراك البرشام ده ومش عايزة أخلف منك ردة فعلك هاتكون إيه؟
ترك يدها وأراد أن يجعل الموقف في صالحه:
_ وأنتي مين سمحلك تفتشي في دولابي من ورايا؟
أجابت بقهر وغضب:
_ مكنتش بفتش، كنت بروق الدولاب وسبحان الله ربنا كان عايز يكشف خداعك ليا طول الشهرين اللي فاتوا، عماله أروح لدكتور للتاني ومهنش عليا أضايقك وأقولك تعالي حلل عشان نعرف المشكلة عند مين، أتاريك منيمني في العسل وبتحطلي الزفت ده، وكل ده عشان لسه عايش علي ذكري الهانم اللي لسه بتحبها، ولو مش قادر أوي كدة علي فراقها مطلعتش راجل ووقفت قدام أبوك ليه وأتجوزتها؟
وحين ألقت بإهانتها له في وجهه لم يشعر بنفسه سوي وهو يلقنها صفعة قوية علي وجهها جعلتها تسقط علي الأرض، وفي تلك اللحظة دخلت والدته ويتبعها والده بعد أن قاموا بفتح الباب بالمفتاح.
نهضت مروة لترتمي في حضن خالها تبكي بغزارة:
_ ابنك ضربني يا خالو.
ربت عليها خالها و ينظر إلي ابنه بغضب مستطير، فقال لزوجته:
_ خدي مروة وأنزلوا تحت يا سحر.
و قبل أن تنطق الأخرى صاحت مروة:
_ أنا مش هقعد هنا لحظة واحدة أنا هاروح عند ماما.
ربتت عليها و قالت:
_ ده شيطان دخل ما بينكم يا بنتي وهايروح لحاله تعالي معايا تحت، وخالك هياخد لك حقك.
رضخت لكلمات زوجة خالها وذهبت معها وبمجرد مغادرتهما المكان، أقترب كامل من ابنه ونظراته لا تنبأ بخير وإذا به يهوي علي وجهه بكفه قائلاً:
_ أخس عليك وعلي ربايتك، من أمتي وإحنا بنمد إيدينا علي حريمنا؟، أنا وأمك متجوزيين أكتر من 25 سنة وعمري ما مديت إيدي عليها مهما حصل وكذلك أختك، ويوم ما أكون غلطان بعترف بغلطي وأتأسف لها وأخدها في حضني وأحابي عليها لأنها ملهاش غيري وأنا مليش غيرها.
أطلق تنهيدة واستطرد حديثه:
_ الست فيهم يا بني زي الأزازة بالظبط لو كسرتها مش هاتعرف تصلحها تاني ولو عرفت هاتفضل عايشة معاك وجواها شروخ منك مش هاتعرف تنساها، أنا مش هكلمك علي موضوع حبوب منع الحمل اللي بتحطها لها، لكن اللي أقولهولك بلاش تظلمها، وإدي لنفسك فرصة معها وأبدأوا من أول وجديد، هي بتحبك واستحملت كتير منك ولو فاض بيها هاتسيبك وعمرها ماهترجع لك ويبقي لا طولت الماضي ولا الحاضر وهاتعيش وحيد بين الذكريات اللي هتاكلك لحد ما هاتموت من جواك وهاتبقي عايش زي الميت.
وحين ذكر تلك الكلمة الأخيرة، ردد قائلاً:
_ ميت!، ما أنا فعلاً عايش ميت، أنتم اللي أجبرتوني علي كل اللي حصل واللي بيحصل.
_ إحنا أخترنا لك الصح، مشينا بالعقل والمنطق اللي لو كنت خالفته و عملت اللي في دماغك وكملت معاها كنت مش هاتستحمل اللي حواليك وهتطلقها، مش هينوبك غير عذاب قلبك وأنت اللي بنفسك هاتسيبها، فبدل ما تشكرنا أنا وأمك إن أخترنا لك الأصلح ليك ولحياتك جاي بتلومنا!
_ بس دي حياتي وأنا حر فيها.
_ لاء مش حر، حياتنا كلنا مرتبطة ببعض، اللي هيصيبك هيصيبنا ولو مكنتش باصص لنفسك حط في دماغك إن عندك أختك اللي كان هيقف حالها لو كنت كملت جوازتك الأولانية، الناس يا بني ما بيبصوش للي جواك ملهمش غير الظاهر، كلامهم زي السهم بيرشق فيك واحد ورا التاني لحد ما يبقاش فيك حته تستحمل فيها كلمة كمان، خلاصة الكلام أعقل وعيش حياتك مع مراتك وحبها زي ما بتحبك يمكن لما تجيب منها حتة عيل يملي عليكم البيت حب وحياة جديدة تخليك تنسي أي حاجة وجعاك، وهتلاقي نفسك عايش عشان ابنك ولا بنتك اللي ربنا هيرزقك بيهم.
وضع يده علي كتف ابنه ثم أردف:
_يلا روح أتوضي وصلي ركعتين وأستغفر ربنا وتعالي معايا ننزل صالح مراتك و ياريت مسمعش عنكم غير الخير وإلا هتلاقيني واحد تاني غير أبوك اللي تعرفه غير قلبي اللي هيغضب عليك.
تنهد أحمد وأومأ له في صمت مطبق، و قد حسم الأمر بداخله.
※※※
ها هي الآن قد عادت إلي قوتها و إرادتها الصلبة التي لا تنحني أو تنكسر، عزمت علي إنه لابد من إرجاع حقها بنفسها، كل ما تحتاجه الآن أن تصبح قضيتها مُنتشرة في الربوع و في جميع أنحاء المعمورة، بث مباشر زهيد يصل إلي الملايين و علي رؤوسهم المسئولين و جمعيات حقوق المرأة.
ضغطت علي التطبيق الشهير لتجري هذا البث و الذي جعلته بث للعامة و ليس للأصدقاء فقط، جلست في هدوء وسكينة علي الكرسي و أمام هاتفها:
– مساء الخير عليكم، أحب أعرفكم بنفسي شمس محمد نصار، مواليد محافظة الدقهلية، عندي ١٨ سنة، حكايتي بدأت تقريباً من كام شهر……
ظلت تسرد حكايتها، و لم تستطع منع عبراتها بالانهمار، انهالت عليها آلاف التعليقات ما بين مواساة وما بين عروض المساعدة، و في آن الوقت لم يقف عمها كريم مكتوف الأيدي، بل قام بالفعل بتنفيذ وعيده لذلك الظالم حينما كان يرسل لهما رسائل التهديد، دائرة معارفه توصل إلي إحدى الصحفيين الشباب في جريدة شهيرة يتابعها الآلاف علي مواقع التواصل الاجتماعي، وليس هذا فقط بل قام بتوكيل محامي ذو صيت و جعل شمس تسرد له كل ما حدث معها من تعدي وتهديدات، طمأنهم و أعطاهم وعد لا رجعة فيه إنه لن يتخل عن تلك القضية مهما حدث حتي لو تلقي تهديدات من المدعو حماد، وسيجعل بعض المحامين الذين يعملون لديه في مكتبه بالعمل عليها أيضاً والإسراع في الإجراءات حيث لا تأخذ القضية وقت كبير في المحكمة.
وجاء اليوم وقد آتي كريم و برفقته الصحفي لمقابلة شمس و أخذت تسرد كل التفاصيل ويدونها الآخر كتابةً مع التسجيل الصوتي، وسرعان ما نُشر هذا الخبر في الجريدة تحت عنوان
” اعتداء نجل نائب البرلمان علي فتاة الدقهلية ”
وأسفل العنوان تفاصيل المقابلة والتي يقرأها الآن حماد و هو يجلس خلف مكتبه، كان يرتشف قهوته وعندما رأي ذلك الخبر قذف بالفنجان علي الأرض وأخذ يصيح بالسباب والشتائم، فلم يتمهل استيعابه لما قام بقراءته ليأتيه اتصالا هاتفياً، أجاب عليه:
_ الو؟
……
_ لاء يا فندم بالتأكيد في سوء تفاهم ساعدتك، شكل الواد الصحفي أتلغبط في الحروف والـ…
……..
_ يا فندم أنا ابني أصلاً مش هنا بيكمل دراسته بره.
……
_ تحت أمرك يا فندم، حاضر، مع السلامة.
وبعد انتهاء المكالمة ألقي بالهاتف علي الأرض و يجز علي أسنانه التي أصتكت معاً.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية كاليندا ) اسم الرواية