رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات
رواية الحب اولا الفصل الثالث عشر 13
صعد على الدرج بتكاسل بعد يوم شاق ومتعب في العمل…… واثناء صعودة للأعلى كان كل ما يستحوذ
على فكرة الان رؤية الأميرة المدللة……
اشتاق اليها أسبوع كاملاً تقضيه مع والدته بالاسفل
لا تصعد إلا ليلاً في وقت نومه ولا يراها إلا في الصباح الباكر عند ذهابة للعمل واثناء وجبة الغداء والتي يتشاركها وسط والديه ومعها……
لقاءتهما معدودة رغم انهما زوجين ولا يزالا في شهر العسل ؟!!….
مالت زاويتي شفتاه بسخرية سافرة……
فيبدو ان تلك المرحلة لن يصل إليها أبداً مع تلك العنيدة المخادعة الشرسة…….
على ذكرى الشراسة…….. لأول مرة يراها جبارة وكيادة لدرجة فاقت الوصف…. فكلما تكررت
زيارات (أمال..) الشهيرة بأم دنيا تنقلب من الداب
الكسلان الى نمرٍ متوحش وشتات مابين الوصفين
بات يحب رؤيتها تغار الأمر يثير بداخله مشاعر
كثيرة ويزداد أكثر تسليةٍ……..
فتح الباب بالمفتاح و وهو على دراية بانها بداخل…
بعد ان تأكد من أمه……
دلف من باب الشقة منبسط الملامح وعيناه تبرقان
بومضٍ خبيث لمناكفة الجميلة واثارت حنقها قليلاً
لكن سريعاً تبدلت قسمات وجهه وتشنج فكه وهو يرى الشقة منقلبة راسٍ على عقب…..
اتسعت عيناه ودارت حدقتاه في المكان… السجاد
منزوع عن الأرض وملفوف ويقف جانباً …..
والأرض ممتلئة بالماء ورغاوي سائل التنظيف والمعقم… الاثاث منقلب في كل مكان ومرصوص فوق بعضه بفوضوية متعبة للنظر وتليها الأعصاب……..
انعقد حاجبي سلطان بذهول وفتح باب الشقة من جديد ينظر الى السلم الممتد فربما يكون أخفق
في شقته….
لكن للأسف عاد من جديد واغلق الباب فلا مفر من مواجهة الحقيقة القاتمة تلك هي شقته لكن لماذا
هي بهذا الحال وكانها ضربتها عاصفة قوية فاطاحت
بكل شيءٍ أرضاً……
وما هذا الماء…….ماهذا الماء والصابون….من المختال
الذي ينظف بهذا الشكل في منتصف الليل !!…..
جز على أسنانه وشتم بصوتٍ خفيض وهو يتخطى الارضية المبللة بحرص حتى لا يقع على وجهه…
فوجد داليدا تظهر أمامه حاملة سجادة كبيرة وطويلة الحجم تكاد تختفي خلفها….نظرت اليه
بتشفي وقالت بتبرم……
“أهلا ياسلطان…… انت جيت…..”
جز على أسنانه قائلاً بعصبية مكتومة….
“لا لسه بفكر اجي…..اي اللي انتي بتهببي ده…”
وضعت السجادة جانباً بمنتهى البساطه وهي تمصمص بشفتيها بتعجب لتقول
“بنضف البيت…. إيه مانضفش…….”
لوح سلطان بيده بغضبٍ غير مستوعب
بعد…..
“لا ونبي….بتنضفي البيت الساعة حداشر باليل
انتي اتهبلتي ياداليدا……..”
تخصرت داليدا بضيق وهي ترتدي عباءة بيتي بنصف كم ملفوفه على جسدها المغوي كما تلف
فوق شعرها بوشاح معقود عند الجبهة بطريقة
شعبية اصيلة تعبر عن كفاح المرأه في طرد الاتربة
عن منزلها……..
“الله الحق عليا يعني….الشقة ريحتها مكمكمة…دي طلعت كمية تراب رهيبة….تصدق ياسلطن…..”
زم شفتيه بقرف وهو يرمقها بحنقاً….
“اسمي زفت سلطان…….”
ابتسمت بلؤم انثوي…….
“بدلعك ياغالي….احلى سلطن في دنيا……”
احتدت نظرات سلطان وبلهجة شديدة
الخطورة أمر………
“داليدا اتقي شري ولمي نفسك ولمي الدربكة
دي……”
حركت داليدا كتفها بدلال مستفزٍ…….
“الم نفسي سهلة….لكن الم الدربكة دي صعبة عليا…
ماتيجي تساعدني………”
تدفقت الدماء المغلية لأوردته فهدر بانفعال…
“اساعدك…..كنتي فين طول النهار ياهانم… لما جايه تروقي وتسايقي بليل…..”
رفعت رأسها بغرور….
“كنت فوق السطح بأكل البط… وامك خبزت النهارده وعملنا فطير مشلتات….. وانا فردت العجينة وحطيت السمنة جواها….. المرة الجايه هعمله بنفسي وهدوقك….”
كانت تتحدث بمنتهى السعادة منبهرة بانجازاتها
عن التقدم في الطهي…..
فقال هو بحنقاً غير مبالي……
“مبحبش الفطير……..لا المكرونة ولا الفطير……”
رغم غيظها والاحباط البادي على وجهها والذي انطفئ اشراقه فجأه…..قالت بتبرم تذكره…….
“آه نسيت انك بتحب الخوخ….هاا….. الخوخ……”
لم يرد عليها فتابعت وهي تتقدم منه بمهاجمة…
“من امتى وانت بتحب الخوخ….طول عمرك ملكش تقل على الفاكهة…….”
لمعة عيناه بالمكر فعقب
بخبثٍ…
“لا بس الخوخ حاجة تانية………”
أحمر وجهها من شدة الغضب وهتفت بغيرة…..
“تقصد ام أربعة واربعين صح…….طول عمرك عينك
زايغة على الأكبر منك تموت في الستات الكبيرة القرشانات…”
رد سلطان بزهوٍ…….
“على فكرة انا اللي اكبر منها مش هي……”
رقصة حاجبٍ مغتاظٍ وهي تستفسر….
“آه يعني في أمل….لا الف الف مبروك…ما وفق الا مجمع…. لايقين على بعض اوووي…. ”
سايرها سلطان في الحديث بتسلية وبلهجة
لعوبة….
“اي رأيك يادودا….. اهي آمال مننا وعلينا.. وسبق ليها الجواز يعني هتكون عارفه كويس احتيجاتي كراجل وهتعملها من غير ما أطلب…….”
اطبقت على اسنانها معقبة ببغضٍ…..
“كل اللي فارق معاك قلة الادب وبس…. بنسبة
للحب فين……..”
نظر لشفتيها سريعاً متذكر أول قبلة شهيه بينهما
فرد بحرارة صادقة….. “هيجي بعد اول بوسة…….”
“هي وصلت للبوس كمااان…….. “اشتعل صدرها كمرجل ناري وهي تتجه لاقرب زهرية وتلقيها في وجهه دون تفكير…….
تفاداها سلطان في لحظة خاطفة….ثم وجدها
تكمل طريقها مصطدمة بالحائط خلفه متحولة بعدها لأشلاء متناثرة…..عادت عيناه اليها صائحا بوجه
أنبئ بالخطر القادم…..
“يابنت المجنونة انتي اتهبلتي يابت تعالي هنا….”
ركضت داليدا من امامه تدور حول الاثاث الملقي
باهمال من حولهما…….وقد قالت له بعناد ومزالت مشاعر الغيرة تسيطر عليها……..
“مش جايه يارب تقع وتنكسر وافرح فيك… يبتاع
ام دنيا….. ياخاين…….”
كان يطاردها سلطان من كل الاتجاهات
محاول الإمساك بها لكنها كانت اشبة بفأر
صغير شقي صعب الإمساك به مهما كثرت
محاولاتك…..
“تعالي هنا ياجزمه انا لسه محسبتكيش على المرستان اللي انتي عملاه…. في واحده عاقلة
تقلب الشقة كده بحجة الترويق………”
لم ترد عليه داليدا بل كان كل تركيزها مصوب على
الافلات منه……..فتابع سلطان بغضب ومزال يحاول الإمساك بها……
“انا عارف انك قصداها….. عشان تقرفيني اكتر من قرفان منك……..”
وقفت داليدا مكانها وهو فعل المثل وانتبهت لها
كل حواسه…. فقالت داليدا بشفاة مقلوبة بسخرية
منه….
“وطالما انت قرفان اوي كده ياسُكر…. بتتحرش بيا ليه….. ها….. يبتاع الخوخ……..”
عض على شفته بغضب وهو يتحرك من
جديد للامساك بها…..
“تعالي وانا اقولك بتحرش بيكي ليه……”
عندما زاد اصراره على الحاق بها….صاحت
برعبٍ وهي تسير على الأرض المبللة…..
“كده هنقع وهنتكسر يخربيتك……..”
اتسعت عيناه وهو ياخذ انفاسه بعصبية شديد من منظر الشقة الذي يثير حنقه عليها أكثر……
“يخربيتي انا…. اه انا اللي عومت الشقة ماية وقلبت العفش على وطيه… انتي عارفه كل أوضة مصروف عليها كام ياحلوفه….”
برأت نفسها صائحة وهي ترفع كفيها
للأعلى….
“ما قولنا بنروق الشقة مكمكمة………”
هتف سلطان مستنكراً…..
“والله مافي حد مكمكم غيرك……”
وقفت داليدا مكانها ترفع اصبعها محذرة….
“عندك انا باخد شاور كل يوم بافخم وانضف الشامبوهات والعطور……”
مط سلطان شفتيه بجمود…..
“اهم حاجة نضافة القلب…. ودي بقا معدومة عندك…….”
ضحكت داليدا بعصبية…..
“حوش حوش انت اللي قلبك بفته بيضا يابتاع الخوخ……..”
طاردها مجدداً في أنحاء الصالة بين الاثاث الملقي
هنا وهناك…….
“تعالي بقولك هنفضل نلف حوالين بعض……”
من بين انفاسها وهي تركض قالت ببراءة…
“قول لنفسك انا كافية خيري شري….وبروق في امان الله……….”
احتدت نظرات سلطان وهو يهدر بصرامة….
“بتروقي دا ترويق ولا جر شكل تعالي بقولك الفازة
اللي رمتيها في وشي دي لسه هتتحاسبي عليها…”
قالت بعفوية وبنبرة اقرب للبكاء…..
“احسن عشان تحترم نفسك ومتبصش لواحده غيري……..”
رفع حاجباه متعجباً من أمرها……
“عايزاني ابصلك….مانا كنت من شوية قليل الأدب وبتحرش بيكي…..”
وقفت داليدا تاخذ انفاسها وهي تقول
بتقريع محركة ابهامها للخلف تذكره…….
“هو ياما تتحرش بيا…ياما تعاكس الستات قدامي
يبتاع الخوخ……خالتي ام دنيا ها….بتحب واحده
قد امك ياطفس……..”
“تعالي عشان اوريكي الطفاسه…تعالي بقولك….”
مسكها سلطان بقوة من ذراعها أخيراً وسحبها لعنده……
فقالت داليدا بخوف وهي تحاول الفرار
منه…
“عارف لو ضربت هصوت وهطلع اهلك على صوتي ساعتها هتبلى عليك وقول انك ملبوس وعايز تموتني……”
مسكها سلطان من عنق العباءة وكانه يمسك
شيء مقرف من شدة غضبه منها….
“اتوقع منك اي حاجة……بس برضو مش هسيبك اعملي اللي انتي عيزاه……بتحدفيني بالفازة ياداليدا
عايزة تعوريني……في وشي……وشي….”
نظرة اليه كالحمل الوديع محاولة ابتزازه
عاطفياً…….
“سلطان أهدى….دا انا مراتك…حد يعمل كده في مراته… ”
نظر لها سلطان نظرة السفاح الذي يفكر
في طريقة جديد لتعذيب ضحاياه……
“انتي خليتي فيها مراتي…..انتي عملي الردي في الحياة اعمل فيكي إيه…أعمل فيكي ايه قوليلي…..”
هتفت هي بوجوم….. “بطل تاكل خوخ……”
صاح بغضب أسود…..
“كرهته….كرهت الخوخ ارتاحتي……….”
تابعت هي ببراءة…..
“ولي جابتلك الخوخ كمان اكرها…….”
انتبه هو لما تقول….. فرد بنفياً قاصد
اغاظتها……”لا……”
صرخت داليدا في وجهه بغضبٍ هائل…..
“ليه عينك منها……تحب اخزالك عينك دي عشان تحترم نفسك………”
رفع حاجبٍ خطيراً…..
“والله خزئيها كده……يلا وريني شطارتك……..”
عضت داليدا على شفتيها وهي تشعر ان الغضب يتفاقم داخلها بدرجة لا تحتمل…….مما جعلها تميل
على ذراعه في لحظةٍ خاطفة وتقضم لحمه باسنانها
الحادة………
صاح سلطان وهو يبعد راسها
عنه……
“آآه يابنت العضاضة…….”ابعدها باعجوبة فنظرة
اليه بتشفي بعد ان نالت منه…….
“طب تعالي بقاااا……..”انقض عليها سلطان
وجذبها من شعرها…..ثم دفن وجهه في تجويف
عنقها وقضم هذ الجانب باسنانه بقوة
تضاهيها……..
بينما هي تحذره قبل ان يفعلها…….
“اياك تعض جسمي يبعلم ياسلطان………آآآآآي… ”
صرخت بها متالمة فابتعد هو عنها وكان رحيم
بها عكسها تماماً لم تتركه إلا عندما خلص ذراعه
من بين اسنانها بصعوبة وأعجوبة……
ضربته داليدا في صدره وهي تتحسس
جانب عنقها صارخة بعد ان تجمعت
الدموع بعينيها…..
“دا هزار بوابين…….هزار بوابين………”
قال سلطان بانفاساً عالية حانقة……
“روحي لمي الدربكة دي احسلك…وحضريلي عشا….”
ردت داليدا بوجوم وهي تزم شفتيها بقرف بينما
يدها تتحسس اثار الوجع…..
“معملتش عشا…….فيه فطير مشلتت……..”
اغمض سلطان عيناه لثانية ثم فتحها وهو ينظر
اليها بنفاذ صبرٍ………
“مش عايز اطفح مش عايز منك حاجة ياداليدا…
لمي الردبكة دي بسرعة….. منظر الشقة كده بيعصبني……..”
قالت داليدا بوجوم….
“دي نضافة……..نضافة على فكرة…..”
نظر للسقف بجزعٍ وهو في ذروة غضبة…..
“نضافة الساعة حداشر بليل معاد رجوعي من الشغل
ادعي عليكي بأيه…… روحي ياشيخة منك للي خلقك……. ”
قالت بضجر وهي تلقي عليه نظرة جافة….
“ماهو مني لربنا….. هيكون مني ليك…. يبتاع الخوخ……”
برق لها بعيناه لعلها تخشاه… “اتلمي ياداليدا…..”
لكنها لم تخشى شيءٍ وهي تتحداه
قائلة….
“ولو متملتش ياسلطان…… هتعمل إيه…….”
ابتسم بسادية مرعبة بعثت رجفةٍ باردة
لأوصالها…….
“اختاري انتي هتضربي بأيه…….وسيبي الباقي عليا……..”
جزت على اسنانها متاففة……
“همجي ومتوحش……..”
ضحك سلطان باستخفاف قائلاً
بهزل……
“وانتي ملاك نازل من السماء…..حاسب ياملاك الرحمة جناحتك دخلت في عيني……”
ادعت الضحك بسخط….”هاهاها خفيف اووي…..”
لم تلين ملامحه حتى الآن وقد أمرها بسطوة خطِرة………
“انجزي ياداليدا انا روحي بقت في مناخيري منك………لمي الدنيا وكل حاجة ترجع زي ما كانت…….”
غمغمت داليدا وهي تعود ادراجها
من حيثُ بدأت……
“ربنا على الظالم والمفتري………”
سالها سلطان بشك…. “بتقولي إيه……..”
“بقول لا إله إلا الله…….”ردت بإبتسامة صفراء…
فاشار هو لها بيده بغطرسة كي ترحل…..
“بطلي برطمه…… وشوفي اللي وراكي…….قدامك
ساعة وترجعي كل حاجة زي ما كانت….. سامعة…. ”
اومات براسها وداخلها تتوعد له بمكر
النساء…
(ماشي يابتاع ام دنيا…اما طلعتوا عليك خوخاية
خوخاية مبقاش انا داليدا بنت سهير……..)
……………………………………………………………..
جالساً على الاريكة بارتياح شديد كسلطان زمانه…..يشاهد التلفاز وهو يأكل من الشطائر التي اعدتها له سريعاً وباليد الأخرى يشرب من كوب الشاي بتلذذ…. أحياناً تحين منه نظرة عليها في الخفاء وهي تمسح الارضية في الصالة المفتوحة على الصالون……
فيسرق بعض النظرات الغير شريفة أبداً على مفاتنها المتمايلة مع كل حركة تصدر منها……وعندما تمسك به بالجرم المشهود يبتسم باستفزاز وتعود عيناه للتلفاز بالامبالاة فتزفر هي بوجهاً خجول غاضب متمتمه…….
“غض البصر يا محترم…….”
فيضحك بانتشاء دون تعقيب…شهيةٍ هي تثير مشاعره وقلبه…تحرك رغباته بنظرة واحدة…وتثير غضبة بعدة كلمات…….وتنعش خفقاتُ عند الاقتراب
وفي عناقها يحلق فوق السحاب يحيا في احضانها كما لم يحيا يوماً دونها !…….
كيف كانت في الماضي….. ومن اين بدأت قصة زواجهما……واين وصلت به المشاعر نحوها..
طريقٍ مسدود….
مزال يسأل نفسه هذ السؤال المظلم كالمشاعر التي تنتج من خلفه………
هل سيغفر لها خطيئتها ويتابع معها حياةٍ زوجية
طبيعية سعيدة…….
هل سيشعر بالراحة معها هل سيعطي لها الأمان
يوماً بعد ان خذلت عائلتها بفعلة مشينة لا تفعلها
فتاة في الخامسة عشر……وقد فعلتها في سن العشرون ولن نقول صغيرة فهناك نساء تنجب جيشٍ في هذا السن وتحمل مسؤولياتُ كاملة دون ان تمل او تكل
كيف بهذا السن ترتكب هذا الخطاء…كيف ازهدت
في ثمنها حتى باتت كفتاة تبيع الهوى…..
اغمض جفناه بقوة مؤلمة….ها هو يصل تفكيرة للظلام مجدداً…….
ان كان غير قادر على تحمل هذا الخطأ معها لماذا قبل بها زوجة…….ووقف امام والدها حتى لا
يقتلها…….
كان قتلها اهون وقتها…..لكن قلبه حينها عصى
اوامره وتمرد…….
نظرت اليه داليدا من بعيد وجدته يغمض عيناه بقوة
وجسده بأكمله متشنج وهذا ظاهر على قسمات وجهه المتصلبة……
فاقتربت منه بخطوات حريصة….ثم جلست جواره
تلامس كتفه وهي تسأله بقلق…….
“مالك ياسلطان انت تعبان………”
عندما امتزج عطرها الجوري بالهواء تضخم صدره
بمشاعر مختلطه مابين ظلام مخيف ورغبات ناهمة..
أبعد يديها وهو ينهض من مكانه مشتت في أفكاره
غارق في ظلامه وكبرياؤه الرجولي…وشيطانة الذي يوسوس لهُ بكل ماهو سيء نحوها……..
لحقت به ناهضة من مكانها……
“سلطان انت رايح فين……..”
نظر لها بعينين قاتمتين محاربتين لي هواجس
الماضي…….
“رايح أنام…..طفي الشاشة دي وادخلي اوضتك ارتاحي وسيبي كل حاجة لبكرا………”
قلقت داليدا عليه من هذا الانقلاب المفاجئ
فكان منذ دقائق فقط يداعبها بعيناه بغلاظة
اين ذهب هذا الجلف العابث…
“انت كويس…..مالك قلبت كده ليه…….”
لم يرد سلطان بل ظل ينظر لها طويلاً…فقالت
بوداعه معتذرة…….
“انت لسه زعلان عشان قلبت الشقة…….انا آسفه.. ”
نظر لها سلطان طويلاً جدا متأملها بصمتٍ
مبهماً ولسان حالة يقول….
(ليت كانت كل اخطائك تافهةٍ ما كنا وصلنا لهنا
يامدلله…)
هناك اخطاء حتى الإعتذار عنها يُعد ذنبٍ لا
يغتفر….
وللأسف ياصغيرة حتى الان تلومِ الجميع عن
ابعادك عن الخطر……
وان أتاكِ الخطر سترحبِ به من جديد وهذا ما يجعلني اقف على نصل السيف…..
فلا أعرف هل يجب ان اقترب منكِ ، ام أبتعد متوخي الحذر من طعنتكِ القادمة فأنتِ
والخذلان وجهين لعملةٍ واحدة…….
ابتعد سلطان عنها بملامح حجرية فنظرت داليدا لرحيلة بعينين حزينتين مشدوهتين…….
مهما اقتربا او تحدثا او حتى هدأت عواصف غضبة
نحوها تظل خطيئتها بينهما تموج في حلق كلاهما والألم بها اشبه بشفرةٍ حادة مسننة لا تزول !……
سارت داليدا لخارج الصالون حافية القدمين على الارضية الشبة مبللة بعد التجفيف….وللأسف في لحظة شرود منها فقدت توازنها ووقعت بقوة
مرتطمة بالأرض الصلبة
وكان آخر شيءٍ نطقت به قبل ان تفقد وعيها…..
إسمه هو…….. هو وليس من كانت تسعى للهروب
معه سابقاً ؟!……
…………………………………………………………….
تركت القلم من يدها وهي تشعر بتشتت قوي يداهم
ذهنها كلما حاولت التركيز في العمل يستصعب عقلها الأمر عائدا الى التفكير به……….
من آخر يوم تحدثا معاً وأوقفته بصرامة بان يلزم حدوده معها وهو انقلب عليها…….. بات صامت متجهماً….. بارد المعاملة والتي لا تتخطا حدود العمل…….
لماذا هي حانقة من انقلابه الجاد…. وكان الأمر
برمته يعنيها ؟!…… ما دخلها هي فكل ماتبقي
لها هنا ايام وترحل وتتركهُ للعمل وتحضيرات الزفاف……
شعرت بحرقة قوية في صدرها وكانه يحترق على ذكر زفافة الاسطوري الموقع حدوثه الأيام المقبلة…….. أسبلت جفنيها بآسى…….
تخشى ان يزيد هذا الشعور المؤلم داخلها فيكن الكتمان أصعب من البوح ……
رفعت فيروزيتاها البراقتين الى باب مكتبه المغلق…
خلف هذا الباب محتال لعين استحوذ على قلبها بقبضةٍ واحدة وبالحرة يحتجز قلب أخرى معلق خاتمها في اصبعه……
فكيف لها ان تقبل بمشاعرها ومشاعره الواضحة
وهي على دراية بانه يتلاعب بهن….. خائن…..
لعين….أشباه عثمان الدسوقي……… فماذا تتوقع
من معشر الرجال ؟!……
اخفضت عينيها على الملف من جديد تستعيد تركيزها بالاجبار…….
فلم تلبث الدقائق الا ووجدت شريكتها على قلب رجلاً نذل………تدلف الى المكتب بكامل اناقتها شعرها
القصير جداً بقصة شبابية وبنطالها الجينز الضيق مع
كنزة صيفية علوية تصل لنصف خصرها كاشفة عن الباقي فوقها ترتدي سترة زرقاء مفتوحة بشكلا عصري……..
زمت كيان شفتيها بسخرية ممتعضة عمن كان
يدعي المثالية امامها معلقا باستهجان على
ثوبها الضيق قليلاً بينما زوجته المستقبلية تسير
في الشارع شبه عارية………
وقفت كيان بأدب ترحب بها قائلة…..
“اهلاً يانسة ايتن……..”
رمقتها ايتن باتعالِ مشبع بالغيرة….فكم كانت فتاة بسيطه لا تفقه شيء في عالم الموضة…..وقصة شعرها سيئة كما ان لونه باهت….وبشرتها بيضاء
لدرجة مقرفة وكانها تنظر لوجه كوب لبن رائب
فاسد…..حتى ان ملامحها ليست مشدودة بل
مهرولة بوجنتين ممتلئتين قليلاً تليهم شفاه
مكتنزة ورديتان اللون وانف صغير ملائماً
وعينين فيروزيتان مريعتين…….
حتى ان عطرها رخيص الثمن كحذائها والحقيبة الشعبية البسيطة والتي لا تحمل اسم اية ماركة
معروفة حالياً…….
“هاي…..سليم موجود………”
كان قد تمكن الغضب من كيان بعد نظرات ايتن المتسلطه المدققة بتفصيلها وكانها تقيمها من
منظور حقير فكم كانت عينيها شديدتا الكره والحقد……على غير هدى…….
سحبت كيان نفساً طويلا وهي ترتب افكارها في خلال ثانيتين قبل ان تقول…….
“آآه اتفضلي هو مستنيكي جوا……. وبلغني بوصولك………”
“تمام ابعتيلي قهوتي……”
رفعت ايتن انفها بترفع شاعرة بلذة الانتصار وهي
تخطو بقدميها للداخل بمنتهى الصلف….امام عينين
باردتين في التعبير عن اوجاعها……فلا تملك الا وجهين للتعامل مع البشر وهما….. المزاح….. والصمت…….
فالان ستلجأ للصمت بنفساً منهكة… تركت جسدها يهبط على المقعد من جديد بقوة وعينيها محدقة في باب مكتبهُ المفتوح والذي دلفت من خلاله ايتن بمنتهى الهيمنة….
“هاي يابيبي…. معقول لسه بتشتغل….” نطقت بها ايتن وهي تدور حول مكتبه الخشبي ثم جلست بعدها بميوعة شديدة على ساقيه بمنتهى الاريحية وهي تميل عليه وتقبلها قبلة سطحية بينما يديها النحيلة تعانق عنقه……
“وحشتني يابيبي…….”
اتى صوت سليم من أعماق الظلام يبادلها الحب
دون الشعور به…..
“وانتي كمان………”
كان هذا الأمر مستجد داخله فمتى أصبح حبها سراب ومتى اصبح تبادل الكلام العاطفي بينهما مجاملة باردة منه…..
لطالما كان يهيم بها عشقاً وحباً ويشتاق لكل لحظة خاصة وكلمة تتسنى لها وحدها……
اين اختفت تلك المشاعر ومنذ متى اصبح متبلد الإحساس هكذآ……
وكأنها شعرت بما به فمسكت فكه تديره اليها وهي
تسأله باهتمام……
“مالك يابيبي……. مش في المود ليه…….”
هز راسه بنفي وهو يتحسس خصرها العاري من أسفل السترة الزرقاء المفتوحة……
“مفيش ينفع تستنيني ربع ساعة بس….هخلص الشغل اللي في ايدي ونخرج علطوا…….”
اومات براسها برضا تام وهي تبتسم بشفاة
قانية….
“اوكي…….تعرف اني متحمسة اوي للبروڤل….بفكر اعمل سيشن على دريسات الفرح اللي هلبسها…….”
سالها سليم متعجباً….
“وانتي ناوية تلبسي كام فستان…….”
اتسعت ابتسامتها وهي تجيب بغرور…..
“مم… 3 يابيبي…..3بس….”
ابتسم هازئاً معقباً…… “بس…. لا متخليهم دسته………”
نادته بحياء مصطنع….. “سليييييم…..”
هتف سليم بجدية معترضاً…
“انتي بتهزري يا ايتن….تلات فساتين يامفترية……”
قالت ايتن باستهانه وهي تلامس لحيته
باصابعها بدلالٍ……
“اي المشكلة يابيبي طب على فكرة بقا دي أقل حاجة…….”
ابتسم سليم بجفاء…….
“انتي عارفه الفستان الواحد متكلف كام…….”
عقدت حاجباها بدهشة معقبة بمسكنة…..
“من امتى وانت بتكلم في فلوس…..وبعدين مش خسارة فيا………”
سحب سليم نفساً طويلاً ثم حاول بعدها ان يوصل
وجهة نظرة والتي دوماً لا تتوافق معها مهما
استطال في الشرح…….
“انا مش بتكلم في فلوس…… بس انتي مش شايفه ان تلات فساتين فرح هتقعدي بكل واحد فيهم ساعة وهيتلبسوا كلهم في يوم واحد دا أوفر شويه…….”
هزت ايتن راسها بنفي معقبة بغرورٍ…..
“مش أوفر ولا حاجة….كل الناس بتعمل كده……..”
اهتزت ابتسامة سافرة بالضجر على محياه المتصلب…..مجيباً بعدها بأستنكار….
“كل الناس واضح انك مش عايشه في الدنيا…..من قريب جتلي قضية لواحده اتسجنت بس عشان معرفتش تدفع باقية إيجار فستان فرح بنتها ولي كان ايجاره يتخطى التلات تالاف جنية……….”
زمت ايتن شفتيها باشمئزاز…..تحاوره بمنتهى
التعالِ وهي ترفع راسها متباهية بالثراء التي
تنعم به……
“بذمتك دا كلام تقوله….وانا مالي ومالها انا ايتن الشهاوي فرحي لازم يكون اكبر وافخم فرح اسطوري تحكي عنه الناس كلها……. ومش هتنازل أبداً عن تلات دريسات لفرحي…….سوري ياسليم بس دي ليلة العمر……ولو مش معاك انا ممكن اتكفل بالموضوع ده…..متشغلش بالك………”
جز على اسنانه بغضب….. “ااااايتن….”
تراجعت للخلف وهي تحاول ان تتفادى غضبة
بابتزازٍ عاطفي…….
“اوكي أوكي بلاش تقلب عليا خلاص سوري…انا عارفه انك قدها….ومستواك يسمحلك باكتر من كده…بس برضو انا هستكفى باللي طلبته وبس………بحبك……”
اشاح سليم بوجهه عنها قبل ان تقبله….فادارت
وجهه لعندها تراضية بشت الطرق……
“سليييييم…….. ايتس أوكي…….ام سوري……..”
رفض سليم وأبعد راسه للخلف….. “ايتن……..”
فمالت على احضانه أكثر تحاول ان تراضيه هامسة ببحة مغوية لاي رجل…….. “ام سوري بيبي…….. ”
لصقت شفتيها بخاصته محاولة اغواءه بكل الطرق…حتى سلم هو حصونة لها وبادلها القبلة
برغبة باردة وكأنه يهرب من شيء مريع داخل احضانها……احضانها التي لم يجد به الدفء الذي شعر به في احضان أخرى…..
كيان؟!….
نطق الإسم في عقله وهو يحاول ان يسبح بقبلاته لنقطٍ بعيدةٍ كاملة البعد عنها…..لكنه مع كل لحظة يحاول بها يفشل فشل ذريع وتعود ذاكرته تتنشط
من خلالها وكانها اكسير الحيآة……
ويهيأ له انهُ يقبلها هي دون غيرها فيذوب قلبه وتزداد قبلاته نهم على شفتي ايتن التي كانت سعيدة بحميمية المشاعر المشتعلة بينهما ولم تكن تعلم انه يحيا مع أخرى في احضانها ؟!…..
تنحنح انثوي أوقف سيل القبل المتبادلة بينهما….
ففتح سليم عيناه ليجدها تقف أمامه عند الباب تحمل صنية عليها فنجانين من القهوة……
هنا الواقع…..وما عاشه كان خياله المريض
المقرف….
رفعت ايتن عيناها ونظرة الى كيان ببرود تقول بصلف دون ان تنهض من على ساقي سليم……
“مش تستأذني قبل ما تدخلي……هي وكالة……..”
بعيون باردة تلمع بومض غريب هتفت كيان وهي تتقدم منهما بخطوات مستقيمة ثم وضعت الصنية على المكتب قائلة بهدوء…….
“الباب كان مفتوح….ودي القهوة اللي حضرِتك طلبتيها….”
ابعد سليم ايتن فنهضت وهي ترجع شعرها المشعث بفعل يداه للخلف……..
رفعت كيان عيناها متبلدة المشاعر على كليهما ثم تسمرت نظراتها الساكنة على سليم…..الذي يبعد ربطة العنق عن عنقه بتوتر شاعراً بالاختناق والحرج وقد امتنع عن النظر إليها وكأنه محرج مما رأت……..
فلم ترحمه هي بل كانت اقوى منه وهي تحاول المواجهة بالنظرات حتى تعري له جانبة المقرف
فكلتاهما نزوةٍ لرجلا أناني……يتلاعب بهن…….
خطيبته نزوة مستمرة وهي نزوة مؤقته ومزال يسعى للوصول لها……وحمدا لله انها كانت أقوى في كبت مشاعرها وإلا كانت مكانها الان تجلس في احضانه يقبلها كما يحلو له على وعداً بالزواج عما قريب….
“عملتلك قهوة كمان يا استاذ سليم زي ما بتحبها……”
قالتها كيان وهي متسمرة مكانها تنتظر رده… بل تنتظر عيناه……
رفع عيناه بهدوء عليها فوجدها تبتسم بسمة باردة تعني….(ها قد انكشفت نواياك….)
اسبل سليم جفناه قائلاً بجمود……
“شكراً ياكيان…….”
شملتها إبتسامة مشرقة ماكرة وهي تقول لكلاهما
بخبثٍ…….
” العفوو يا استاذ….. هقفل باب المكتب ورايا عشان تعرفوا تاخدوا راحتكم أكتر…. ”
رفع سليم عيناه عليها مشدوهاً فوجدها تولي ظهرها له مبتعدة…….
وعندما تخطت كيان حدود مكتبه الخاص واغلقت الباب عليهما…. ركضت للحمام تتقيأ مما رأت…….
افرغت كل ما بمعدتها وهي تبكي بنحيب مكتوم حتي لا يسمعوها……..وصورت القبلات الحارة والاحضان المتبادلة تتحرك أمامها ببطء يتلف المتبقي من اعصابها………
فتحت صنبور الماء وبدأت تلطم وجهها بقوة بقطرات
الماء وهي تبكي…… تبكي بحرقة كما لم تبكي يوماً في حياتها…. الوجع اقوى من كتمانه مؤلم جداً ان يطعنك الحب فتجد نفسك تفتقر صلاحية العتاب
او حتى العقاب !…..
وهذا شعورها فلا يحق لها…..إلا الصمود والتجاهل فالامر لا يعنيها فليس بينهما شيءٍ واقعي مجرد أحاسيس ملموسة ونظرات مبهمة متبادلة ومراقبات واهية لا شيءٍ بهم يعني أبداً انه من حقها……..
وفي الحقيقة هي على درايةٍ كاملة انهُ ليس أبداً
من حقها…..والبكاء الآن ليس لأجل الخسارة فهي لم تراهن عليه يوماً….بل تبكي حزناً على حالها وعلى ما أوصلها له قلبها……
………………………………………………………………
خرجت من حجرة القياس بثوبٍ أبيض قصير مكشوف من عند الصدر والاكتاف ودارت حول
نفسها بحركة دائرية تشع اعجابٍ بالذات…..
“ها يابيبي اي رأيك……….”
نظر سليم للثوب نظرة مقيمة وسريعاً تجهم معترضاً بمروءة…….
“قصير اوي يا ايتن وعريان… مش هينفع…….”
زمت ايتن شفتيها بملل…..
“ليه مش هينفع هو موضة كده…….”
انعقد حاجباه متهجماً…….
“ايتن انتي عارفه رأيي وتحفظي من ناحية لبسك… فأرجوكي اسمعي الكلام وبلاش تقوحي……”
تاففت بوجوم وهي تحتد بتدريج….
“أوف أوف……..دا تالت دريس تشوفوا وتعترض عليه…كده كتير…….بجد كتير…..”
كان واقفاً بهدوء عن بعد خطوتين منها وهو يقول بخشونة… “لأن ذوقك غير ذوقي…..”
تاوهت ايتن بسخرية سافرة….
“أوه وانا لازم البس على ذوقك بقا…..”
رد سليم بصبرٍ وعيناه لا تبرح عيناها الحانقة…..
“دا شيء طبيعي لانك هتبقي مراتي فلازم يكون مظهرك الاجتماعي قدام الناس أرقى من كده…….”
فغرت ايتن شفتيها وهي تضيق عينيها في خطٍ مستقيم عابسة بريبة……..
“أرقى؟!…. سليم انت مش ملاحظ انك مزودها حبتين…من امتى يابيبي وانت بتعلق على لبسي….طول عمرك مديني حريتي من الناحية دي……..”
بلع غصة مسننة وهو يعلم انه تنازل كثيراً عن
حقوقه في تلك العلاقة حتى ترضى عنه…تنازل
كثيراً لأجل حبها وحاول الصعود اليها فكراً ومستوى
ورغم ان مستواه جيداً يضاهيها تقريباً إلا ان النشأه
والتربية تفرقهما…..فقال بعد صمتٍ…….
“بقيت بعلق يا ايتن….ولازم ترضي بده…..بدون اعتراض…..”
فغرت ايتن شفتاها مجدداً ويبدو انهُ يوم الصدمات
العالمي بينهما…
“بدون اعتراض….Oh my God…..هو احنا في زمن العبودية ولا إيه……فهمني…. ”
احتقن وجه سليم بالغضب قائلاً بصرامة…..
“ايتن دا نظامي واسلوبي…..مش عجبك بلاها فرح
خالص …….”
رغم صدمتها من حديثه إلا انها أخفت الصدمة ببساطه مبتسمة بعدها بهزل وهي تقول……
“أوكي ياسليم……..اوكي…….”
سالها بملامح جامدة…. “اوكي إيه…. مش فاهم……..”
بومضٍ ليس بريئاً أبداً اجابت…….
“هعمل اللي انت عايزة بس ياريت تقولي اي هو الدريس اللي ممكن يعجبك ويرضيك…….”
لانت ملامحه قليلاً وهو بخبرها
بهدوء…..
“حاجة طويلة ومقفولة…….ومحترمة…. ”
اغتصبت الإبتسامة وهي تدعي الجذل…..
“اوكي حلوو التغير ده…….بيـبين قد ايه انت بتحبني….وبتغير عليا………”
لم يرد عليها سليم بل ظل صامتاً ساكناً الملامح….فقالت ايتن وهي تبتعد عن مراى
عيناه…… “ثواني ورجعة………”
عند رحيلها أخرج نفساً مضطرباً متعباً شاعراً بانه بداخل دوامة عاصفةٍ اعلاها متسع واسفلها ضيق تسحبه اليها بقوة وهو فاقد القدرة على الحركة او المعافرة……..
……………………………………………………………..
كانا ثلاثتهن يجلسوا على الاريكة جوار بعضهن
امام شاشة التلفاز يشاهدوا فيلم درامي حزين كوري…..
وكان هذا اقتراح كيان التي اشترت من أسفل العمارة عدد كبير من الحلوى…كالشوكلاته… البسكويت
الكيك….بطاطا مقرمشة…… الكثير من الاشياء التي
تحتوي على نسبة سكر عالية تسبب الاغماء لشخصٍ
طبيعي….بأستثناء ثلاثتهن فهي تعلاج الاكتئاب الذي يحوم حولهن لأيام طويلة………
مسحت كيان بالمنديل الورقي متأثرة من هذا المشهد
والذي يروى عن بطل يقبل أخرى امام البطلة التي تحبه سرٍ……..
وضعت كيان قطعة كبيرة من الشوكلاته في فمها ومضغتها بتأثر وهي تبكي ……..
“ياواطي……بقاا دي تتخان….دي تتخان من اي زاوية يا حمار…..”
استلمت قمر دفة الحوار وهي تقول بتبرم وعيناها معلقة على الشاشة……
“معدوم الضمير والنظر……لسه معاها ويهمه أمرها
بعد كل اللي عملته فيه….”
“شوفتوا لما طردها من بيته…….”قالتها شهد بحنقٍ وكانت منفردة عنهن فكانت تشاهد دون بكاء بل كانت جامدة الملامح هادئة النظرات لكن يبدو عليها التأثر والانفعال المعقول مع الأحداث التي تروى…..
صاحت كيان وقمر معاً بحرقة…..
“ووووواطي…….”
هتفت شهد بنفسٍ غير سمحة……
“بس الحق عليها… اه الحق عليها…لو كانت حطت حدود بينهما في التعامل كان فكر الف مرة قبل
ما يطردها…….”
هتفت كيان بحرارة وهي تؤمن على كلامها…..
“عندك حق ياشهد…..طول ماهي مرمريه عليه….مش هتنفع…… لازم تركبله الوش الخشب…….”
سالتها قمر باهتمام….
“ودا بيجيب نتيجة يا كيان……”
اجابتها كيان بجدية شديدة……
“بيطفشه…….ولما يطفش هيرجع ويعرف امتها….”
عقبت قمر بريبة…. “طب وفرضي مرجعش……”
مطت كيان شفتيها بنفسٍ
راضية….
“يبقا كسبنا الصلاة على النبي…….”
ردد الجميع…… “عليه أفضل الصلاة والسلام….”
نظرت شهد للشاشة مجدداً ثم لم تلبث إلا وقالت
بامتناع……
“كيان كفاية المسلسل دا قفلني اكتر من مقفولة…”
رفضت كيان بتزمر وهي تقول بكوميديا
سوداء….
“لا ونبي انا مشغله المسلسل الحزين ده بذات عشان اعيط واكل…. اعيط واكل…. لحد متعمي أكل وعياط ودخل اتخمد مقومش…….”
رفعت قمر جاحبيها بصدمة…..
“ياساتر عليكي……. هاتي شوية فشار…….”
مدت لها كيان الطبق وهي تنظر لها
بحنق…. “اتفضلي….”
علقت شهد عسليتاها الحزينة على الشاشة وتصارعت من جديد الأفكار والاقتراحات داخل عقلها المجهد…..
ومزالت غير قادرة على ايجاد حلاً ناصفٍ لها….عليها
إخلاء المكان الأيام القادمة فما تبقى من الشهر الثاني الا بضعة ايام معدودة…وعليها البدء في المغادرة……
حتى الان لم تخبر حمزة عن الأمر…..ومزال لديها
أمل ان يتراجع عاصم عن قرارة ويتركها تتابع عملها
في المطعم……..لمدة سنة كما هو منصوب في العقد
ربما بعد سنة دبرت مكاناً قريب و……
بماذا تفكر اي سنة ستقضيها في مكاناً سيباع في نهاية هذا الشهر……..
ربما ان اخذت رقم هذا المشتري من عاصم ممكن ان تقنعه بأستثمار المطعم وبعمل عقد جديد بينهما….
ويحل وثاق آل الصاوي من على عنقها……وتنتهي الهيمنة والتربص للأبد…..ولن تخشاه بعدها من تهديداً او طرداً……..
ربما المحاولة الاخيرة التي يجب ان تعمل عليها هو التعرف على هذا المشتري الجديد حتى تعقد معه صفقة رابحة…….
(وإذا كان المطعم لم يباع ولم يشترى من الأساس
ومزال في حوزته…..وهذهِ مؤامرة لابعادك عنه….
هل من المفترض ان تجازفِ بكرامتك…….)
انبعث هذا السؤال داخلها… فعجزت عن الرد…..
تكره الفشل، الخسارة في حد ذاتها تقهر قلبها…
والغريب انها طوال عمرها تتخبط بينهما ؟!….
بلعت غصة مسننة وهي تنظر للسقف تناجي الله
سراً بقلبٍ ملتاع حزناً متمنيه أجاد حلاً عادلاً قبل نهاية الشهر……
وضعت كيان حبات الفشار في فمها وهي تشعر بانقباض حاد في قلبها….من كثرة البكاء ومن شدة
الضغط على اعصابها……سواء بالتصرفات الطبيعية
او المزاح……..وكل شيء مطصنع…..
حتى الان تشاهد وتبكي….تبكي دون توقف اقرب للهيستيريا ومزال مشهد القبلات يذبحها بسكين بارد…… حرارة مشاعرهما وهذا الحب الظاهر في اعينهما يحرقها على نيران باردة…….
فهي الطرف الثالث بينهما….الطرف التي تكره ظهورة
بين الثنائيات المميزة في مسلسلاتها…..أصبحت هي
هذا الطرف على أرض الواقع !!…..
لكنها تختلف عن هذه الفئة……هي لا تركض خلفه لا تحاول اغواءه……هو من يحاول لفت انتبها دوماً…
هو من يهتم…..يراقب…..يغار……ينظر….يتحدث…..
هو من يعبث بمشاعرها فأوصلها لهنا………
اسبلت اهدابها بحزناً…..شاعره بمشرط حاد يقسم
روحها لنصفين…..يجب ان تفكر بجدية في الإبتعاد عن كل شيءٍ يتلف اعصابها ويرهق قلبها…..
مسكت قمر هاتفه فوجدت رسالة من حمزة يخبرها
بإختصار بارد……..
(اعمليلي فنجان قهوة على الريحة…. انا قريب من البيت……..)
ابتسمت قمر رغم الجفاء والبرود المنبعث من هذه الرسالة والتي لا تحتوي حتى على( مرحباً…) او
(كيف حالك….)
على من تعقب……صاحب العيون العسلية الضارية
دوماً متقلب المزاج……. أحياناً يصعب عليها فهم
حديثه فتبدأ تصنفه….مزاح….. سخرية…..جدية….
لطف……..
تضيع مع هذا الوسيم صاحب الخصلات المتساقطه على الجبهة من شدة نعومتها… بومض عيناه الشقية المشعة بالخداع ، والحزن بها غير متورياً بل ظاهراً
ظاهراً وظهورة يؤلم قلبها ولا تعرف لما هذا الوجع ينحر في جوف الفؤاد …..
ليتها تهرب من هنا قبل ان تقع في الهوة فلا رجعت
بعدها ؟!…
سمعا بعد لحظات رنة سلسلة مفاتيحُ ثم انفتاح الباب
وحضوره……..
خفق قلبها بشدة وظلت عيناها مثبته على الشاشة..
أقترب حمزة منهن ووزع نظراته عليهن بتساوي…
فوجد ان الجو حزين كئيب……فجلس على مقعد
بجوار الاريكة الجالسين عليها على جانب قمر….
ونظرا اليهن مجدداً بتمعن قائلاً…..
“مالكم….. ليه قعدت المطلقين اللي تسد النفس دي
وبتعيطوا ليه….. يكونش ابوكم مات…….”
زمت كيان شفتيها بنفي قائلة….
“أبوك لسه حي يرزق…. البطلة هي اللي هتموت من القهر……..”
نظر للتلفاز الذي اشارت عليه كيان بعيناها… فأوما
براسه ببرود قائلاً بتأثر….
“لا حول ولا قوة إلا بالله…….واي اللي قهرها… ”
قالت كيان بحرقة متفاعله مع الأحداث
بروحها…
“بتحبوا ياميزو…. وهو بيحب غيرها…….”
انعقد حاجباه وهو يشاهد باهتمام
ساخر…..
“لا إله إلا الله…. طب ما تشوف غيره…….”
اشارت كيان سريعاً على أحد الممثلات في المسلسل
قائلة…….
“بص ياميزو اهي دي اللي سايب البطلة عشانها…”
أنتبه حمزة الى الممثلة التي تشير عليها كيان.. وكانت فاتنة من الدرجة الأولى جريئة العينين بملابس قصيرة شفافة لم تترك للمخيلة شيءٍ…..
فصاح بوقاحة……
“اوووبا…… طب والله عنده حق……..”
أدارت قمر وجهها اليه بدهشة فنظر اليها بسفالة متحدثاً…..
“بذمتك ياقمراية دي تتساب إزاي……دا لو انا كنت كتبت عليها وقتي……”
برمت قمر شفتيها قانطة…..
“طب ما تتفضل روح اكتب عليها اي اللي مانعك…..”
ضرب على ركبته بقلة حيلة….
“المسافات بس هي اللي منعه الواحد… يلا ملناش نصيب……..”
تغضنت زاوية شفتيها مستنكرة….
“على اساس انها هتوافق بيك يعني……”
رفع حاجباه بزهوٍ متشدقاً……
“ومتوفقش ليه….. بذمتك انا اترفض….. كيموو
انا اترفض……..”
وجه حديثه لكيان التي تباهت به قائلة بمحبة
مشبعة بالغرور…….
“مين دي اللي تقدر ترفضك دا انت احلى واجمل
من البطل اللي بيمثل معاها كمان…..ياميزووو ياجاااامد……”
لكز قمر في كتفها قائلاً بمناكفة…..
“شوفتي……. اتعلمي…. انا عايزك تتعملي منها…..”
سالته قمر ببرود…..”اتعلم إيه بظبط……”
اجاب غامزاً…… “فن التطبيل……”
ابتسمت ساخرة…… “كويس انك عارف……”
“بس بطبل على حق مش اي كلام….. عملتي القهوة……..” سالها وعيناه تجري على ملامحها
الجامعة مابين الجمال والشموخ……وأخيراً
لمحةٍ شعبية أصيلة من زمن ولى….
اجابت قمر بوجوم……
“معملتش حاجة قوم اعملها لنفسك……”
قطب مابين حاجباه متعجباً…..
“اي الوش الخشب ده……ماكنا حلوين سوا…..”
ببسمة صفراء قالت بقنوط……
“بقينا وحشين روح اعملها بنفسك مش بتقول ان
قهوتي وحشة ومتشربش…….”
أكد حمزة بفظاظة…..
“حصل وبعصر على نفسي لمونه عشان اشربها….”
فغرت قمر شفتيها مدعية التأثر….
“ياحرام….. وليه تعمل كده في نفسك….قوم اعملها
لنفسك أحسن…….”
تجهم حمزة منهي الحديث بحنق…..
“مش عايز منك حاجة هقوم اعملها لنفسي….”
ثم وجه حديثه الى شهد الصامته والتي تتابع
التلفاز باهتمام……..
“مالك ياشهد ساكته ليه……”
لم ترد عليه فناداها بطبقة صوتٍ
أعلى…..
“شهد……..شهد……”
افاقت شهد من شرودها وهي تنظر الى اخيها
التي تفاجأت بوجود بينهم……
“حمزة………انت جيت امتى……..”
لاحت الدهشة على وجهه سائلاً بقلق….
“بتهزري اللي واكل عقلك…مالك وراجعه بدري من المطعم ليه في حاجة حصلت……”
إجابة شهد بنبرة باهته……
“ولا حاجة تعبت شوية فرواحت…….هقوم اسخن
الأكل احنا مستنينك من بدري…….”
امتنع حمزة وهو يتحسس جبهته بتعب
حقيقي…
“مش هعرف اكل وانا مصدع كده….ينفع تعمليلي قهوة………..”
“حاضر ياحبيبي هعملك…..”قالتها شهد بحنو وهي
تنهض عن الاريكة……
لكن قمر قفزت قبلها وسارت خطوتين امامها قائلة
بسرعة…جعلت حمزة يجفل وهو ينظر اليها…….
“خليكي ياشهد…….انا هعملها….انا كده كدا داخله أعمل شاي……حد عايز……..”
ابتسمت بتفهم وهي ترفع عنها الحرج….
“تمام…… اعمليلي معاكي……”
سالت كيان كذلك….. “وانتي ياكيان……”
زمت كيان شفتيها ببرود….. “مبحبوش شكراً…..”
ابتعدت قمر بوجهاً محمر خجلا وغضبا من
اسلوب التملق أمامه…..عندما ابتعدت عقب
حمزة متعجباً…….
“مجنونة البت دي…….مش فاهمها…..”
قالت كيان بصيحة
ساخرة….
“وانت من امتى بتفهم…….”
صفعها حمزة على مؤخرة عنقها….فتحسست الصفعة ضاحكة وهي تتأوه بحنق…..
فبرمت شهد شفتيها سراً
هامسة…..
“كلنا فاهمين إلا انت……..”
بعد لحظات وضعت قمر المشروبات الدافئة امامهم
على الطاولة المستديرة……ثم عادت وجلست على الاريكة في مكانها بالقرب من الوقح….
والذي مسك فنجان القهوة وشرب منه متلذذاً بطعمه دون ان يصرح بذلك……
ترك الفنجان ثم مالى على قمر هامساً
بمشاكسة…
“عقبال ما نشرب شربات فرحك ياشابة…….”
امتقع وجهها قائلة بعنفوان…..
“انت الوحيد اللي مش هعزمه على فرحي…”
ناغشها حمزة قائلاً بتسلية…..
“ليه دا احنا هنشرفوكي حتى…..وهنرقصه بالعصيان
والمطاوي………”
جحظت عينيها بدهشة…..
“مطاوي؟!……لا شكراً مستغنيين عن الواجب ده…”
كان يشعر بلذة غريبة وهو يشاكسها…
“قطعتي بعيشك…..حد يرفض رقصة المطاوي…
دا مش اي حد يعرف يمسكها…..تعرفي
تمسكيها……”
امتقع وجه قمر قائلة باستهجان….
“كفاية انت بتعرف….هيبقا انا وانت……..”
ابتسم بخبثٍ قائلاً بمراوغة……
“اه صح بكره أعلمك إزاي تمسكيها وترقصي بيها…”
اتسعت عينا قمر…..
“ماشاء الله…..هتعملني كمان……..”
اشار على نفسه بحبٍ أعمى للذات….
“ومالووو……العبد لله استاذ في المعلمة……”
همست بالقرب من اذنه بقلق….
“هو انت فعلاً معاك مطوة…….”
نظر لها بجدية مؤكداً……
“آآه بس شايلها في اوضتي…….ليه عايزة تعوري
حد ولا هترقصي بيها……..”
ابتسمت شهد التي تتابع الحديث….فسمعت
قمر تهتف بهلع…….
“انت بتهزر ياحمزة…..هو في حد محترم يشيل
مطوة معاه……”
اكد حمزة ببرود مستفز…… “آآه انا…….”
مطت شفتيها باستياء….. “مفيش فايدة فيك…..”
نظر حمزة اليهم جميعاً موجه الحديث لهم…
“بمناسبة الافراح وليالي الملاح……انا عندي فرح واحد صاحبي بعد بكرة وبفكر اخدكم معايا…….”
امتنعت كيان سريعاً…..
“انا مش عايزة اروح اعفوني من الخروجة دي روحوا انتوا……”
ضيق حمزة حاجباه مستنكراً……
“غريبة ياكيموو دا انا قولت انت أول واحد شابط معايا………”
اخرجت كيان نفساً ثقيلا حاد وهي تقول
برفضٍ……
“مليش نفس لا النهاردة ولا بكرة ولا بعده……”
سالها حمزة باهتمام….. “ليه يعني….. مالك……”
هزت كيان راسها قائلة بوجوم….
“مفيش عادي مش عايزة اخرج مقفولة من الخروجات……..”
لم يضغط عليها حمزة أكثر فوجه حديثه
لقمر وشهد…….
“طب وانتوا معايا ولا أروح بطولي أحسن……”
قالت قمر بحرج وبنبرة متوهجة….
“لو شهد راحه انا ممكن أروح انا نفسي اخرج أوي …..اي رأيك ياشهد…”
نظرت لشهد التي بدورها هزت راسها
ممتنعه بهدوء…….
“مش عايزة……. مليش نفس للخروجات……”
تدخل حمزة مصراً عليها ان تاتي……
“لا تعالي معايا ياشهد….طالما قمر عايزه تروح…..”
بنظرة حزينة قالت بقنوط…..
“مش عايزه ياحمزة…..مش عايزة أروح في حته.. ”
ترجاها حمزة بعينين حانيتين……..
“عشان خاطري فكي عن نفسك شوية… واهوه كلنا هنبقا سوا……”
ربتت قمر على صدرها قائلة بأنين
الرجاء….
“عشان خاطري ياشهد…….خلينا نروح سوا….. ”
نظرت شهد لهما قليلاً ثم كورة شفتيها
بسأم……..
“خلاص هاجي معاكم….. بعد بكرة صح…..”
هز حمزة راسه بنعم…..فنظرت شهد لاختها
متسائلة…
“تمام…….. هتيجي ياكيان…….”
“لا مليش نفس اخرجوا انتوا وانبسطوا….”قالتها
كيان بنبرة متحملة ثم نهضت من مكانها مضيفة….
“عن اذنكوا بقا….. لحسان فصلت وعايزة انام….”
قالت شهد بتعجب……. “طب والعشا……..”
ضحكت كيان ساخرة وهي تنظر لسلة المهملات الممتلأه باكياس الحلوى المتنوعة……
“عشا إيه بعد اللي كلته ده….لا كده تمام اتعشت
اوي…… ” ثم اتجهت الى غرفتها قائلة بهدوء…
“تصبحوا على خير…….”
“وانتي من أهله………” قالها حمزة وهو يلكز قمر في كتفها هامساً…..
“في الفرح بقا هنرقصوا بالمطاوي انا وانتي…….”
انكمشت ملامح قمر بقرف قائلة…
“احترم نفسك ياحمزة……..”
ضحك حمزة بقوة والتسلية تبرق في عسليتاه
الجميلة بالخداع………
فتدخلت شهد تفسد عليه متعة التسلية بها
قليلاً………
“اللي بيكلمك عن المطاوي ده عمره ما شالها
عشان يرقص بيها….. بس لازم يروش عليكي…..”
في غمرة لانتشاء قال حمزة بعتاب….
“ليه كدا ياشهد كنتي سبيني اعيش الدور عليها شوية………”
عبست قمر بحنق شديد منه….. “يا سلام……”
لم تزول ابتسامته وهو يخبرها…..
“بصراحة الرقص بنبوت كده ليه هيبه تليق بالعبد لله… لكن المطاوي مش لوني…….”
عقدت حاجباها متذكرة فهمست له…..
“دا نفس النبوت اللي كنت بتضربهم بيه لم دفعت عني……”
اوما براسه وهو يمط شفتيه …..
“اه هو بس ياريتوا طمر فيكي…..اهوه الواحد بيعمل الخير وبيرمي للبحر…… ”
اغتصبت قمر الإبتسامة
قائلة بامتعاضٍ…..
“أصيل………والله………”
ابعد حمزة عيناه عنها وهو ينظر الى أخته……
“طب احنا هنأكل بقا ولا هنفضل نحرق…انا جعان…”
نهضت شهد قائلة بهدوء……
“هقوم….اسخن الأكل……..”
لحقت بها قمر بحياءٍ….
“خديني معاكي ياشهد………”
…………………………………………………………….
بعد يومين…..
تافف حمزة بحنق وهو يجلس على الاريكة منتظرهم
فيما يقارب الساعتين ومزالا لم ينتهيا……
“ما يلا ياشهد…….وانتي ياست قمر انجزي شوية….”
خرجت كيان من المطبخ بين يدها كوب من الشوكلاته الساخنة ترتدي منامة طفولية مطبع عليها رسمة طائرٍ من أحد الرسوم المتحركة يُدعى (تويتي..)…..سالته كيان قبل ان تذهب الى غرفتها …..
“انتوا ماشين دلوقتي…….”
مط حمزة شفتيه وهو ينهض من مكانه بطاقم كلاسيكي انيق عبارة عن بنطال رمادي وقميص أبيض ناصع فوقة سترة رمادية اللون دون تزرير……كان الطاقم جميل جداً عليه يبرز
جسده الصلب الرياضي بعض الشيء……تتناثر
الخصلات القصيرة على جبينه من شدة نعومة شعره..ذقنة مشذبة رائعة عليه………كان جذاب
بمعنى الكلمة…..
“المفروض نمشي من نص ساعة…..الهوانم لسه بيلبسوا…”
اتسعت عينا كيان وارتشفت القليل من مشروبها
قائلة بلؤم……
“كل ده……انا لو منك اخد بعضي وروح لوحدي……”
“انا بقول كده برضو……..”قالها حمزة وقد نفذ
صبره وهو يعلي صوته بلهجة صرامة لهما……
“سامعين قدامكم خمس دقايق لو محدش خرج همشي..”
هزت كيان راسها وبنظرة ثعبانية قالت……
“خمس دقايق كتير كفاية دقيقتين..دول من
بدري جوا…”
غمز حمزة لها صائحاً لهن
بتهديد…..
“سامعين دقيقتين وهمشي…….”
شنت كيان الحرب عليهن اكثر فقالت بلؤم…
“دقيقتين كتير برضو……كفاية عشر ثواني……..”
صاحت قمر متعثرة الأحرف من شدة
الحنق…. “كياااان اخرسي…….”
اطرق حمزة براسه ضاحكاً……فنظرت إليه كيان بعينين جاحظتين……..متمتمة بغضبٍ……
“أخرس !!……….انا تقولي اخرسي…..”
همس حمزة بخبثٍ…. “خدت عليكي أوي…..”
دبت كيان الأرض بقدميها وهي تتوعد لها في وقتاً
لاحق…..
“ماشي ياقمر…..انا بس مش فايقه….لو كنت فايقه كنت وريتك من فينا اللي هيخرس على ايد التاني……”
زمت شفتيها وقالت لاخيها بضجر…….
“انا داخله اتخمد……..خدوا المفتاح معاكم…….”دلفت
لغرفتها واغلقت الباب خلفها بقوة……
فتح باب الغرفة الأخرى وخرجت شهد امام عينا
حمزة الذي تاملها عن كثب بعينين حانيتن تشع
حب اخوي صادق……..
كانت متألقه في ثوبٍ من اللون الوردي الشاحب حريري مجسم على خصرها الناعم النحيف ينزل باتساع بسيط حتى آخر كاحلها….ترفع شعرها في
لفة انيقة للخلف وتزينة بدبوس شعر لؤلؤي
وردي اللون على شكل طاووس رقيق….تتناثر خصلتين ناعمتين على جبينها بدلال….وتضع القليل من الزينة بشكلاً رائع ومبهر….جعلها اشبه بأميرة ذات كبرياء عظيم ، أميرة متوجه برقتها وجمالها البري تتربع على عرش قلوب كل من لمح طيفها
الناعم….
“اي رايك ياميزو……..”قالتها شهد بنبرتها الموسيقية الرقيقة وهي تدور مرتين بمنتهى الأناقة……..
اخبرها حمزة بابتسامة مشاعبة…..
“جامد……ربنا بس يسترها ومتغطيش على العروسة…..”
ضحكت شهد وهي تقترب منه وتهندم ياقة
السترة بحنان قائلة……
“يا سلام عليك……بس اي الحلاوة دي…..”
رفع حمزة انفه بزهوٍ ….
“اخرسي….. انا طول عمري حلوو…….”
ضحكت شهد وهي تبتعد عنه…..
“طبعاً طبعاً حد يقدر يقول غير كده…….”
خرجت قمر من الغرفة كذلك وهي تقول
بابتسامة ناصعة الجمال……
“انا كمان خلصت……”
نظر حمزة اليها نظرة شاملة مدققة بكل تفصيلها….
فكانت قمر ترتدي ثوبٍ بقطعتين القطعة الاولى عبارة عن قميص أبيض فوقه ثوبٍ أحمر حريري طويلاً بحمالات رفيعة…. تترك شعرها المموج حراً طليق على ظهرها…
وتضع بعضٍ من الزينة المتقنة على وجهها الفاتن
فتزداد جمالاً وتألقٍ………
كانت جميلة مختلفة…..شامخة الجمال بلمحةٍ شعبية
اصيلة….عينين بنيتين كحيلتين بديعتين دافيئتين
شهيتين كقهوة تقدم في أصعب الأوقات توتراً وأرق
فيزول كل شيءٍ داخلك وقتها إلا مذاقها……
وها هو ينظر لبنيتاها فينسى الحروب المستمرة مع نفسه والحياة……….
عقب حمزة مستهجناً بعد لحظة تأمل
طويلة……
“أحمر تاني؟!……..انتي قصداها بقا……”
ضحكت شهد وضيقت عينيها بعبثٍ لذيذ
قائلة…..
“قولتلها كده واحنا جوا مصدقتش…انك زملكاوي..”
زم حمزة شفتيه وهو ينظر اليها
بعدائية….
“لي هي اهلاوية…….”
امتقع وجه قمر باستياء قائلة…..
“لا…. مليش في الكورة أصلا….ولا بحب اللي بيحبوا الكورة…..”
بلهجة تضاهيها امتعاضا قال……
“ومالوو…..انا بقا مابحبش البنات اللي مش بتفهم
في الكورة……….”
زمت قمر شفتيها قائلة ببرود….
“نبقا متفقين……تخليك في حالك بقا وانا في حالي
ومالكش دعوة باللي لبساه……”
استهزأ حمزة وهو يلوي فمه……
“انا مالي…..خليكي في برطمان الصلصة اللي لسه
طلعه منه…….”
احبطها بتعليقه الاذع لذا رفعت انفها
بتعالِ….
“ولا فرق معايا انا أصلاً قمر……..”
قلدها حمزة بصوتٍ بشع….. “انا أصلاً قمر…….”
احتقن وجه قمر بالغضب والحرج وهي تشير
على شهد بتزمر…….
“شايفه ياشهد أخوكي……”
تاففت شهد قائلة بجزع….
“ما خلاص بقا ياحمزة….. يلا عشان اتأخرنا……”
نظر حمزة لشفتي قمر المطلية بالاحمر
القاني…وقال بعدم استحسان…..
“مش قبل ما تمسح اللي في وشها…..”
انعقد حاجبي قمر…..
“اي هو اللي في وشي ان شاءالله…..”
رمقها ببرود ليقول بحزم……
“الأحمر….خففي الأحمر على شفيفك يامؤدبة……”
زفرة قمر متخصرة……
“أوف بقا…. على فكرة الروج مش باين اوي……”
احتد نظراته عليها….
“طب ماتحلفي انه مش باين……”
استنجدت بشهد قائلة…..
“ياشهد قوليلو حاجة ياشهد……”
زفرة شهد هي أيضاً بملل مبتعدة عنهما….
“أوف عليكم زهقتوني هروح البس الهيلز على متخلصوا منقرة……..”
شعرت قمر انها في ساحة الخطر خصوصاً مع اقتراب
حمزة منها بالمنديل بعينين تقدحان شرراً وبها لمحة ذكورية من التسلية…….تراجعت للخلف بقلب يخفق
بذعر وهي تحذره…….
“حمزة إياك……”
اقترب منها بخطوات بطيئة ثابته وهو يشير
للمنديل بصرامة……
“هتمسحيه ولا امسحه انا وبوظلك وشك خالص…
مانتي مش ماشيه مع سوسن……”
تلبسها التمرد فقالت ببسالة……
“مش مسحاه…….ولي عندك اعمله…..”
“بقاا كده…..طب تعالي……”انقض عليها حمزة لكنها افلتت منه في لحظة خاطفة قبل ان تصل يده
لها… فركضت بعدها باتجاه معاكساً له وهي
تستغيث بشهد قائلة وهي تحاول الافلات
منه…..
“الحقيني ياشهد…..دا مجنون…….”
ردت شهد بالا مبالاة وكان المشهد
طبيعي أمامها……
“خففي الروچ شوية يا قمر….وريحينا…….”
“هو مالوا أصلا…….آآه…….”صرخت قمر بفزع
عندما قبض حمزة على ذراعها وادارها إليه..
“مين دا اللي مالوا…..انت هتلبخي…..”
تاوهت هامسة برجاء….. “حمزة……دراعي… ”
مد لها المنديل قبل ان يترك
ذراعها….
“المنديل اهوه امسحي خلينا نمشي……”
اخذته منه على مضض….. “انت رخم…….”
عندما بدأت تخفف حمرة شفتيها همس حمزة
بنبرة غريبة المعاني….. “وانتي قمر…….”
رفعت قمر عينيها عليه وبدأ قلبها يخفق من شدة
تقارب وجوههما وشباك نظراتهما الغير مدركة
المعاني بعد….
قاطعة شهد اللحظة من خلفهما قائلة
بملل…
“هتفضلوا واقفين كتير…….يلا ياجماعة هنروح
امتى ونرجع إمتى………..”
رفع حمزة عيناه على اخته ثم تنحنح مبتعداً
واتجه الى الباب قائلاً……
“هستناكوا تحت في العربية….”
……………………………………………………………..
وصلا حفل الزفاف في أحد القاعات…..كان حفلاً رائع
ومنسقاً….. وقد بدا العروسان مناسباً لبعضهما وبينهما انسجام واضح….. والحب يشع في أعينهما….
هنأ حمزة العريس والذي كان من الاصدقاء المقربين ثم نظر للعروس والقى بالشفاه تحية مباركة لها
دون ملامسة…….
فهزت العروس راسها مرحبة به….. اتجه الى الفتيات
ووقف جوارهن قائلاً بخشونة……
“وقفين كدا تعالوا نقعد على اي طربيزة……”
القت قمر نظرة اخيرة على العروس قائلاً
باعجاب
“العروسة حلوة اوي ما شاءالله……”
جلس حمزة على المقعد امام طاولة مستديرة
مزينة….
“عقبالك ياقمراية…… هنعملك فرح احسن من كده..”
مطت قمر زاوية شفتيها….
“عقبالك انت الأول……”
“اخص عليكي دي دعوة تدعيها عليا…… انا كائن
بحري أحب البحر وسمك البحر…..”
قالها وعيناه الوقحة تتمعن في كل شيءٍ مؤنث يمر من جواره…..فيفتح شهيته على السفالة…..والكلام
الخارجِ…….وربما المخيلة تحتوي على الاصعب….
اسبلت اهدابها محاولة التغاضي عن الأمر…فالتذهب
عيناه اينما يشاء….الأمر لا يعنيها أصلا…..
غلبها قلبها فرفعت عيناها مجدداً تراقبه……لتجد أمرأه جريئة العينين تنظر اليه وتضحك
بمداعبة صريحة….
فالقى حمزة إبتسامة عابرة عليها من باب الذوق….حتى لا يكسر قلبها المسكين…..ثم
عاد بعيناه لهن…..فأول من واجهت عيناه
قمر فتشدقت ساخرة…….
“كائن بحري أحب البحر وسمك البحر…..”
مد حمزة يده ونكش خصلةٍ من شعرها للأمام
قائلاً بعبث…
“الحلو انك حافظه وفاهمه….استمري يانجيبه…”
رفعت الضحكة بسخافة….. “هاها..ظريف……”
برم شفتيه بقرف ولم ينظر لها…..فنهضت شهد معتذرة منهما وهي تمسك هاتفها…….
“انا هطلع برا أرد على خلود……. الصوت هنا
عالي……”
نهض حمزة خلفها قائلاً…..”استني اجي معاكي……”
امتنعت شهد وهي تفتح الخط وتضع الهاتف
على اذنها……
“خليك ياحمزة مع قمر… مش هتوه يعني…..”
عاد حمزة جالساً مكانه عندما وجدها تبتعد…. فنظر
لقمر بصمتٍ وبادلته النظرة بالمثل حتى شعرا ان هناك لغة أجمل من الحديث والاثر بها لا
يمحى ؟!….
“مش سمعاكي ياخلود…استني بس اخرج برا…..”
هتفت شهد بتلك الكلمات وهي تتخطّى سلم
القاعة الخارجي حيثُ الشارع…….
وعند هبوطها الدرج بتوتر بينما تصب كامل تركيزها
على المكالمة خبطت في كتف صلب يمر من جوارها
صاعداً…فمن من شدة الدهشة والاصطدام ترجت مفاصل ساقيها وكانت على وشك السقوط…….
لولا كف المصطدم الذي تلقف كفها في لحظة
هامساً بصوتٍ رغم حدتهُ حانياً…
“حاسبي……”
هل تحلم ام تتوهم……عاصم الصاوي….امامها الآن
هل هبط من السماء ام خرج من باطن الأرض ؟!…
صدمة ظهورة جمدت اعصابها….. فلفظت اسمه
وهي تستقيم واقفه…..
“عاصم…….”
تكاد تقسم ان حدقتاه اهتزت بعد لفظها
لاسمه….فسالها بخشونة دون مقدمات…
“انتي هنا بتعملي إيه……..”
ردت بهدوء وهي ترجع خصلة خلف
اذنها……
“انا……. العريس يكون صاحب حمزة… وانت….”
رد بهدوء وعيناه اسيرة الكهرمان…….
“العروسة ابوها من التجار اللي بنتعامل معاهم.. وعزمني على الفرح……..”
اتى حكيم من خلف عاصم
قائلاً…..
“واقف كده لي يا عاصم…….”
ثم انتبه حكيم الى شهد فمد يده مرحباً بابتسامة
عريضة تخرج للأناث فقط…..
“اهلاً اهلاً بالانسة شهد…. مش شهد برضو اللي مأجره المطعم من عاصم……”
اومات شهد براسها بإبتسامة ترحيب….فنظر
عاصم ليد حكيم الممدوده وقال بخشونة….
“شهد مش بتسلم يا حكيم….”
رفعت حاجبها بتمردٍ فمن هو حتى يقرر نيابة عنها…
تلبسها العناد والتمرد على قوانين ال الصاوي…
فوضعت يدها في يد حكيم بعناد قائلة
بإبتسامة مدعية الود…..
“لا بسلام……. عادي…….أهلا بحضرتك.. ”
جز عاصم على اسنانه وهو يلقي عليها نظرة حانقه قبل ان يغادر سريعاً لداخل القاعة تاركها خلفه……
غمغمت وهي تعاود الهبوط اخر
درجتين….
“كانت ناقصة اشوفك النهاردة كمان……”
وضعت يدها على صدرها شاعرة بحرقة قلبها
النابض بين ضلوعها…..ماذا تفعل وكان الصدف
والاقدار تتزامن ضددها حتى توقع بها في هوة
الظلام……ظلام بإسم الحب…….
وهي تخاف الظلام…..كما تخاف الحب…
اجرت مجدداً بخلود اتصالاً حتى تعرف ما سبب اتصالها المفاجئ فهي غادرت المطعم اليوم قبل ان يغلق لضيق الوقت وحتى تلحق حضور هذا
الحفل…
” ايوا ياخلود……. ”
بداخل هنأ عاصم العروسان مقدما بعدها للعروس هدية فخمة من الالماس والحجر الكريم…….
تنحى حكيم به جانباً يساله
بحيرة….
“مالك ياعاصم قلب وشك ليه…..”
رد بفتور…… “مفيش…….”
ضيق حكيم حاجباه مفكراً……
“تكونش شهد….. هي اللي…….”
قاطعها عاصم بصلابة……
“حكيم…. اقفل على الحوار ده دلوقتي…. خلينا نقضي واجبنا ونمشي…….”
صمت حكيم قليلاً ثم ربت على كتفه
مغير مجرى الحديث…….
“المرة الجايه عندك بقا…. احنا استنينا كتير……”
لم يرد عاصم بل ظل صامتاً يتابع الحفل
بعينين مظلمة التعابير…….فتابع حكيم
بهمساً سرِ…….
“بقولك المدام لسه بتزن عليا عايزة تعمل قعدة تعارف ليك عشان تشوف صاحبتها….. ويمكن
يحصل بينكم قبول…….”
اوما عاصم براسه…. “ربنا يسهل……..”
ظهرت شهد امامه وجرت عيناه على تفصيلها
متأملاً حسنها…….سيدة الحُسن كما يراها قلبه
قبل عيناه……….
كانت جميلة ناعمة الخطى والحضور كعطر مميز خفيف على الأنف أثره في الذاكره أطول من بقاءه على اليد !!……
وهي وجمالها البري النابع من روحها الرقيقة الهادئة
تظل في الأثر وفي القلب….شهد….فقط شهد……
هل تدري سيدة الحسن ان لعينيها سحرٍ لا يبطل
مفعولة….. النظرة الى عيناكِ تخلق فوضى غير قابلة
للاصلاح… فوضى رغم لذتها متعبة على النفس…..
نظر لعينيها الجميلة الكحيلتين الغاضبتين في
النظر اليه……..
سيدة الحسن غاضبة ؟!….
وماذا عني أنا ، فانا المتعب في هواكِ سيدتي… والغاضب في ابتعادك ، والقاسي في عتابك….
والملتاع عند لقاءك…..
مرت من جواره بهدوء مشع بترفع وكانها لا تراه…
مرت من جواره فأثقلت صدره بمشاعر قاتمة….
جلست شهد على الطاولة ونظرت لقمر التي
تجلس بمفردها……
“فين حمزة ياقمر……”
ردت قمر وهي تقرب منها طبق به قطعة من
الكعك…….
“حد من صحابه نداه……حلو الجاتوه ده كلي
منه…..”
امتنعت شهد وهي تشعر ان معدتها تتلوى من شدة
الاضطراب والخجل بعد رؤيته وتواجده في نفس المكان….
“مش عايزه………”
وضعت قمر قطعة صغيرة في فمها باستمتاع
قائلة……
“يابنتي كُلي….دا حمزة راح جبلنا من البوفيه مخصوص……”
رفضت شهد وهي تزيح الطبق عنها
قليلاً…….
“مليش نفس…….انا صدعت أصلا…….”
قالت قمر بهدوء…….
“شويه وهنمشي حمزة قال ان احنا مش
هنتأخر……”
فغرت شهد شفتيها بدهشة متسعة
الأعين……
“اي اللي حمزة بيعملوا ده…….”
رفعت قمر عينيها عليه لتجد حمزة يرقص بالعصا
امام امرأة ترتدي بذلة رقص خضراء اللون تكشف اكثر مما تستر مما لا يعطي شيءٍ للمخيلة….
احتقن وجه قمر وتسارعت انفاسها فبدأت النبضات
داخلها تزداد بوجع…..وهي تراه يرقص بعصا غليظة
امام المرأه التي تتمايل امامه بميوعة وعينيها تغوية
دون كلمات…..
فيضحك تارة ويغمز لها بعيناه تارة أخرى وسط صياح قوي من الشباب المحيطه بهما بتشجيع…..
واثناء رقصه معها كانت عيناه الوقحة تسير
باريحية على مفاتنها…..مما جعل قمر تشمئز منه وتشيح بعينيها نافرة……..
وعندما اتت عينا حمزة عليهن بالخطأ اشارت له
شهد بنظرة جادة بان يتوقف عن العبث…ثم
اشاحت بعينيها عنه فاصطدمت حدقتاها بموقع عاصم الذي كان يقف مع سيدة أنيقة الملابس
جميلة الشكل……يتبادلا الضحك والاحاديث
وبينهما الفه لا تنكر…..
فشعرت بصاعقة كهربائيّه تضربها في جلستها…
فتسمرت عيناها عليهما دون أرادة منها….وقلبها
وعقلها انتابهما شلل مؤقت…….إلا شعوراً واحد
الغيرة….الغيرة تموج بالحلق كعلقم المُر تخنقها….
شعر عاصم انه عرضة للمراقبة فرفع عيناه عليها..
فوجدها تنظر اليه بهدوء مبهماً…..اجفله لوهلة
وكانه يخشى ان تفسر الأمر بشكلاً خاطئ
وان يكن……فما دخلها……هي من انتزعت هذا الحق
بينهما……….فابعد عيناه عنها متابعاً حديثه مع المرأه……..
لم تستطع شهد التحمل أكثر من ذلك لذا انسحبت ناهضة من مكانها ثم اتجهت الى أحد الزوايا المنعزلة عن الضجيج…….وكانت شرفة واسعة أنيقه تحاط ببعض الأشجار المرتفعة من الأسفل……
قطفت ورق الأشجار وبدأت تقطعهُ بيديها بعصبية
مكتومة وعيناها تنظر خارج الشرفة للظلام واعمدة
الانارة البعيدة……وبعضا من سكون الجو والهواء البارد أراح اعصابها التالفه قليلاً…..
فسندت يديها على سور الشرفة ثم اغمضت عينيها
وقد انحنت شفتيها في زاويتان حزينتان…والصمت ساد لا يقطعه سواء صوت انفاسها الهادرة بغضب طفيف……..وقد تركت نفسها فريسة لغضبها والافكار
المتلاحقة……….
سعمت خطوات اقدام خلفها……فادراة وجهها تتطلع
عليه من فوق كتفها….لتجده امامها بحضوره المهيب
والوسامة التي تدغدغ اعصابها…..يرتدي حلة فخمة
انيقة تبرز جسده الصلب الرياضي وقامة طوله المهيبة كان مصفف شعره الغزير الأسود للخلف بجاذبية تليق به والحية السوداء المشذبة قليلاً….وكان يضع عطراً رائعاً غز انفها سريعاً…..
فعادت تنظر للأمام وهي تغمض عيناها باعصاب منهارة بعد رؤيته…….
وقف أمام سور الشرفة وبينهما مسافة متجاهل وجودها وهو يضع سجارة في فمه ويشعلها
بحدة واضحة………
عندما نفث دخانها الرمادي سعلت شهد عندما وصل إليها…. فحركت يدها امام وجهها قائلة بحنق مكتوم……
“ممكن تطفي السجارة………”
رد ببرود والدخان ينبعث من
فمه…..
“لم تخلص……..”
احتدت عينيها متشدقة…….
“والله…….. انت مش شايف انك كده بتخنقني….”
رد بجمود وهو يلتقط عيناها
بشوق….
“احنا في مكان مفتوح يا آنسة…..”
ردت رداً مماثلا له…
“بس الدخان خنقني يا أستاذ……”
لم يرد عاصم بل نظر أمامه بوجوم….والغضب نحوها يتفاقم كلما ابتعدت المسافات بينهما…….
انبعث صوتها فجأه بغضب مكتوم…..واعين
تلمع بدموع……..
“لحقت تخلص قعدتك معاها…….”
انعقد حاجباه سائلاً……. “مين دي…..”
قبضة على السور أكثر بانفعالاً قائلة
بتهدج دون النظر إليه…….
“اللي كنت واقف قدامها وعمال تضحك وتهزر….”
حك اصبعه في أنفه ثم قال بخشونة
وهو ينظر لجانب وجهها……
“آه……. طب وانتي شاغله بالك ليه…..”
رمقته بدهشة فبدلها النظرة بتجهم دون ان تلين ملامحه…..
فاشاحت شهد بوجهها المحتقن تبتلع غصة الاحراج وكسرة الخاطر……..
فساد الصمت بينهما وسط جوٍ معكر متبلداً….
فقالت شهد بصعوبة……
“انا كنت عايزة اطلب منك طلب أخير…….”
نظر لها بملامح واجمة غير متجاوبة…. قائلاً…
“خير……”
شعرت بثقلٍ في صدرها وهي تحاول ان تجلي صوتها بين تراكمات مشاعرها……
“انا عايزة موهلة بس شهرين….. عشان الاقي مكان
جديد انقل فيه العدة……”
تافف عاصم بجزع قائلاً بصلابة….
“وانا قولتلك اني محتاج المطعم آخر الشهر….عشان
ابيعوا….. وزبونه مستني…….”
استندت بجانبها على السور قائلة بصبرٍ….
“تمام مفيش اي مشكلة…. ممكن تديني رقمه وانا اتفق معاه……”
هز عاصم راسه جافلاً….. “رقم مين……”
سحبت شهد نفساً عميقاً ثم قالت بهدوء…..
“رقم الراجل اللي هيشتري منك المطعم…. انا هاتفق
معاه اني محتاجة المطعم شهرين بس وايجارهم
هدفعه زي ما كنت بعمل معاك…….”
زم عاصم شفتيه حانقاً…… “مش هينفع…..”
سالته بنبرة محبطة…”وليه بقا مش هينفع…….”
نظر عاصم اليها بمشاعر متبلدة وهو يقول
بفظاظة….
“عشان انا مش هبيع المطعم انا هقفله خالص… ارتاحتي……..”
وكانه صفعها على حين غرة فرفعت وجهها
بصدمة…. هاتفه….. “دا نظام عِند بقا……..”
أكد عاصم بمنتهى البرود المستفز
للاعصاب…..
“بظبط انا حُر……. كل واحد حُر في ماله…..”
اخذت نفسها بعصبية وسارت خطوتين في
الشرفة بتشنج وهي تستدير له هادرة……
“يعني تقطع عيشي وعيش الناس اللي معايا… وتقولي حُر في مالي….. انت فاكر بكده هتقدر
تذلني…….”
كان في أوج هدوءه وهو يجيبها…..
“حاشى لله…… انا وانتي مفيش بينا حاجة وحشة
عشان توصل للذل والمهانة……”
احتدّ صوتها بحمائية مفرطة…….
“ولا حتى حاجة حلوة…….ماشي هسبلك مالك تشبع
بيه…… ويارب ضميرك يرتاح بعدها……..”
لم يرد عاصم بل ظل واقفا مكانه صامتاً شامخاً
باستفزاز……..فغمغمت وهي تنوي المغادرة…….
“كلكم زي بعض…. مش فارقه كتير…….”
تدفقت الدماء الساخنة في عروقة…فسحبها
في لحظةٍ خاطفة من ذراعها يقربها اليه
حتى تواجه عيناه المتقدة بنيران الغيرة….
“مين دا اللي زيي…… دي تاني مرة تقرريها….”
حاولت الافلات منه بملامح تنزف
الماً….
“سيب دراعي ياعاصم…. سيب دراعي……”
احتد صوته بخشونة وهو يتكأ على ذراعها
بغضب هائل……
“مين دا اللي بتشبهيني بيه…. دا اللي رفضتيني عشانه….. انطقي……”
اتسعت عينيها بدهشة وقد أحمر وجهها من شدة الغضب والكره وازداد تهدج انفاسها…….وهي تهتف
بكبرياء……..
“انت اتجننت انت باي حق تكلمني كده… فوووق..
مش من حقك أصلا……..”
رد ساخراً بمرارة تموج في حلق كلاهما…..
“إيه هو اللي مش من حقي اعرفه…… رفضك ليا…
ولا السبب اللي رفضتيني عشانه…..”
جزت على اسنانها وهي تحاول التملص من بين
يداه القوية بعد هجومه الغير آدمي عليها……
“الإتنين…… سيب دراعي……..”
لم يرد بل اشتدت نظراته قتامة…
“عاصم سيب دراعي انت بتوجعني……”
ظل الصمت بينهما قائم يأبى ان يحررها حتى يعرف
سبب رفضها…..الرفض الذي لم يتقبله كبرياؤه…ولم
يزول صدعه حتى مع مرور الأيام……
صاح صوتٍ رجولي اجفلهما معاً…….
“عاااااصم……..”
نظرت شهد الى حكيم الواقف أمامها عن بعد خطوات……فسحبت ذراعها سريعاً من بين يدي عاصم التي ارتخت قليلاً بعد رؤية حكيم….ولم
تلبث إلا وغادرة مطرقة الرأس بغضب…..
تقدم منه حكيم ووقف أمامه…..
“اي اللي بتهببوا ده…… شهد……..”
أومأ عاصم براسه بغضب وهو يشعل سجاره
أخرى ويضعها في فمه ينفث بها بشراهة تعبر عن
إستنزاف مشاعره في قصص الهوى الفاشلة…
“ايوا شهد…. اللي خلتني اجي لحد بابها ورفضتني قدام اهلها من غير سبب… وفي الآخر زعلانه أوي
اني عايز امشيها من المطعم…….”
تعجب حكيم بشدة متسائلاً…..
“رفضتك…. والسبب……”
لوى عاصم شفتيه هاكماً…….
“السبب عندها هي…. دا لو كان حتى في سبب
يشفع لها عندي…….”
ربت حكيم على كتف صديقه مهون
عليه……
“روق يا عاصم…. خيرها في غيرها زي ما بيقولو..
هي اللي خسرانه……..”
……………………………………………………………
جلس حمزة جوار قمر متسائلا وعيناه تدور على الطاولة الجالسين أمامها…..
“فين شهد……..”
كتفت قمر ذراعيها امام الطاولة وهي تجيب
ببرود…. “معرفش والله…….”
انعقد حاجبين حمزة وهو ينظر اليها
عن كثب بحيرة…….
“مالك قلبه وشك كده ليه في حد ضايقك…….”
هزت راسها بنفي قائلة بفتور…..
“لا بس عايزة أروح ينفع نروح…….”
اكتفى بايماءة بسيطه وعيناه تدور في الارجاء
بحثٍ عن اخته……..
“هنروح ماشي…. بس فين شهد…….”
ظهرت شهد امامهما من احد الزوايا قائلة بصوتٍ
باهت واهٍ………
“انا اهوه ياحمزة…. كنت بشم شوية هوا بعيد عن
الدوشة….. مش يلا بقا ولا إيه..انا صدعت أوي…”
“ماشي يلا بينا…… كده كدا ماشيين……”
قالها حمزة ناهضاً من مكانه وكذلك فعلت قمر
والتي كانت ساكنة واجمة حزينة العينين
تتوارى خلف صمتها…….
سارا معاً للخارج….وقد انتبه حمزة لحزن شقيقته
فمالى عليها بالفطرة يسالها بقلق……
“مالك ياشهد وشك مخطوف كدا ليه……حد ضايقك…….”
نفت شهد وهي تبتلع غصة مسننة بالألم….
“لا هما شوية صداع لم أروح هاخد حاجة ليهم
وهنام….. والصبح هبقا كويسة……”
عندما وصلا للخارج القاعة أمامها تحديداً على احد الجوانب قال حمزة بهدوء…….
“طيب خليكم واقفين هنا….على ما أجيب العربية
عشان ركنها في الجراج………”
اومات شهد برأسها…… “تمام هنستناك…..”
وعندما أبتعد حمزة تطلعت شهد على قمر بحيرة مستغربة صمتها وعبوسها…….فسالتها……
“مالك ياقمر…….”
رفعت قمر وجهها مبتسمة
بفتور…
“مفيش ولا حاجة……..”
بادلتها شهد الإبتسامة من باب المجاملة…
قائلة…..
“اي رايك في الفرح انبسطي……”
مشهد رقصة مع الراقصة يثير حنقها وقرفها منه ويولد داخلها رغبة اجرامية شنيعة في تكسير
عظامه واحده تلو الأخرى……عادت الى أرض
الواقع تجيب على شهد بفتورٍ………
“آه انبسط أوي……….”
لم تزول إبتسامة شهد وهي تبعد عينيها عنها… حتى
انتبهت لعاصم يخرج من القاعة برفقة صديقه
حكيم يتحدثا سوياً اثناء سيرهما للسيارة التي
كانت قريبة من موقعها……
ظلت تتابعه بعينين حانقتين منه ومن الهمجية الغير اداميه والتي يتعامل بها مع كل شخصٍ يرفض تلبية رغبات معاليه !…..
اسبلت اهدابها شاعره بالغضب يتدفق داخلها كحمم
بركانية ثائرة……..
رفع عاصم عيناه عليها فوجدها تقف هي وشابة
جميلة بشعرٍ مموج وهذا اقصى ما لفت انتباهه….
بينما عيناه معلقة على سيدة الحُسن وقلبه طار
من موضعه اليها محطما قوانين العقل كما فعل
منذ قليل ولحق بها في الشرفة…….
ولم يجني إلا وجع قلبه وايلامها !…….
نداه حكيم بملل وهو يقف من الناحية الأخرى
نحو السيارة…… “يلا يا عاصم هنفضل وقفين……..”
نظر له عاصم ثم فتح باب السيارة من جهة
مقعد القيادة وقبل ان يستقلها نظر نظرة اخيرة
الى شهد فانتبه لهذا الرجل الملثم بوشاح صوف
يخفي به نصف وجهه و يقترب منها وبين
يده مدية صغيرة (مطوة)…..وعندما اقترب
من موقع شهد فتحها والشر يقدح في عيناه المظلمة……..
فسريعاً تحرك عاصم وعقله في ان واحد واقترب منها وقبل ان يمسها الملثم بأذى كأن يضرب
المدية بركلة قوية من قدمه…..
وقعت المدية أرضا فانحنى يجلبها الملثم…فلكمه
عاصم بقوة وركلة عدت مرات بوحشية…..
تحت انظار شهد المفزوعه عما يحدث حولها والذي لم يستغرق إلا ثوانِ وبدأ شجار عنيف بين رجلين
أحدهم يهمها أمره بشدة وكانت مرعوبة عليه
والقلق يحرق قلبها وهي تشاهد ما يحدث خوفاً
من ان يصاب بمكروه بسببها…….
تراجعت هي وقمر للخلف قليلاً يتابعا ما يحدث بصراخ حتى يتدخل أحد …….
في لحظة خاطفة واثناء الشجار والذي تدخل به حكيم كذلك يضرب مع صديقه……خطف الملثم
المدية عن الارض وشق بطن عاصم في لحظة
غدر فتدفقت الدماء منها…….
فوضع عاصم يده على بطنه متألماً فتجمع الناس وكذلك شهد التي صرخت بفزع وهي تركض
نحوه لتسنده على كتفها قبل ان يقع وبمساعدة حكيم أيضاً الذي شحب وجهه بهلع عند رؤية
دماء صديقه……
رغم مقاومته بإلا يغيب عن الوعي……
“عاصم…….. عاصم…….”
اسكتها عاصم وهو يتحمل على
نفسه…..
“انا كويس…..كويس ياشهد…… لمسك؟……”
كان سؤالا بسيط بكلمةٍ واحده احدث صدعا
وشقا مؤلما في قلبها……..فهزت راسها بنفي
والدموع تغرق وجهها الذي قارب على اللون
الرمادي من شدة الرعب عليه وبشاعة الموقف
الذي تعرضا اليه….
اما جسدها الصغير النحيل كان ينتفض أسفل
ذراعه شعر به بشدة رغم الإعياء البادي عليه
وتخدر جسده من شدة الوجع والنزيف………
واثناء ارتعابهم عليه وتجمع الناس على صوت الصراخ والعراك لم يرى أحد الملثم الذي استغل فرصة التجمع و الزحام ولاذ بالفرار بعيداً
عن الأنظار…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية الحب اولا ) اسم الرواية