رواية شيخ في محراب قلبي بقلم رحمة نبيل عبر مدونة دليل الروايات
رواية شيخ في محراب قلبي الفصل العشرون 20
ربي اجعل لي بحراً من التسخير
في مستقبلي وراحةً بحجم الكون في قلبي .
___________________________
_يا ستير ياربي الواد ده مش بطيقه ابدا بحسه سمج كدة .
هكذا أردف هادي بمجرد تعرفه على المصطفى الذي يقصده زكريا تحت نظرات حنق من قِبل رشدي الذي لا يعجبه ما يقوله هادي عن مصطفى وتحت نظرات زكريا التي كانت ابعد ما تكون عن الطبيعية .
_ هادي على فكرة أنا اللي قولت لمصطفى يجي ويعمل نفسه إنه هيتقدم لشيماء عشان تتنيل تتحرك وهو ملوش ذنب .
رمقه هادي بحنق شديد ولم يبدو أنه استساغه حتى بعد تلك الكلمات التي برر بها رشدي تصرفه …لكن الاثنان غفلا عن نظرات زكريا التي كانت تتحول من طبيعيه لمرعبة …
_ بس إنت بتسأل عليه ليه يا زكريا ؟؟؟
تسائل رشدي بعدم فهم فــــ زكريا لم يكن أبدا من النوع الذي يحاول مصادقة أشخاص غريبين إن كان هدفه من السؤال هو المصادقة .
ابتسم زكريا وهو ينظر لرشدي ثم هز رأسه بلا شيء وتحدث بطريقة مخيفة :
_ مفيش يا رشدي بس كنت عايز رقمه منك .
لم يفهم رشدي شيئا لكن حدسه يخبره أن لا خير قادم بعد تلك النبرة ابدا ….
وبالفعل حدث ما توقع فبدون شعور كانت دموع زكريا تهبط يتذكر رعب فاطمة وتمسكها به وعدم قدرته على الانهيار أمامها حتى لا يضعفها وهو من المفترض أن يكون مصدر قوتها …لكن الآن هو أمام أصدقاءه من لا يخجل حتى من النحيب كـــ طفل أمامهم لذا ودون تخطيط منه أو شعور وجد نفسه يبكي …
فقط عينه كانت تذرف الدموع وقلبه من كان يصرخ بوجع …عدا ذلك كان يبدو بخير فلم تتغير ملامحه ابدا رغم تلك الدموع التي تهبط منه .
فزع كلا من رشدي وهادي الذي كان اقربهم …..صرخ بفزع وهو يمسك كتف زكريا وينظر له :
_ زكريا مالك ؟؟؟ هو الواد ده عملك حاجة ؟؟؟
هنا وبدأ قناع زكريا الجليدي بالتصدع فانكمش وجهه بغضب وحزن وهو ينفجر في البكاء وقد سقطت رأسه على كتف هادي متحدثا بنحيب شديد وكأنه طفل يشكو لوالده :
_ قتلني يا هادي …قتلني وكسرني …حاسس اني مش قادر اتنفس والله ما قادر عمال ابتسم وانا مش قادر حاسس اني هموت من الوجع كل ما افتكر …
كان هادي مصدوم من حديث زكريا فهو كان يحدثهم كما يتحدث معهم عادة وبلا أي مقدمات انفجر في البكاء …وهذا إن دل على شيء فيدل على أنه تحمل الكثير حقا وكان يكبت دموعه عن الهبوط والان انفجر مخزون وجعه دفعة واحدة مسببا طوفان مشاعره .
لم يشعر رشدي بنفسه وهو يجذب زكريا لاحضانه مربتا عليه بحنان يحاول تمالك دموعه :
_ عملك ايه يا زكريا ؟؟؟ والله اروح اضربهولك دلوقتي ومخليش في جسمه حتة سليمة …قولي عملك ايه وانا اخدلك حقك منه بس متعيطش..
ضم زكريا نفسه وهو يدفن وجهه في جسد رشدي رافضا التحدث بكلمة واحدة فما فعله لم يكن بحقه هو بل كان بحق زوجته لكنه اكتفى فقط بقول :
_ مش هقدر احكي حاجة يا رشدي …كل اللي اقدر اقوله إن هو كسر اغلى حاجة بملكها .
_________________
_ يابنتي انطقي بقى تعبتيني معاكِ .
تنهدت فاطمة بتعب شديد وهي تشير برأسها بلا شيء :
_ يا شيماء بقالك ساعة بتزني فوق دماغي وقولتلك مفيش حاجة وانا معرفش ليه زكريا اتصل باجوازتكم .
لوت ماسة شفتيها بحنق :
_ ايوة فالحين بس انتم تقطعوا علينا أنتِ وجوزك ..ده الواد كان خلاص هينهي الزعل بحضن وب……
توقفت ماسة عن الحديث بسبب ضربة شيماء لها بكتفها ونظرتها التحذيرية :
_ خلاص اسكتي هتفضحينا ….بعدين مش كفاية خلتيني اجرجر البت من بيتها بمنظرها اللي يعر ده ؟؟
نظرت فاطمة لنفسها بتعجب وهي ترى الاسدال الخاص بها لتنكمش ملامحها بحنق شديد وهي تعترض على حديث شيماء :
_ هو ايه اللي يعر ده الاسدال لسه جديد على فكرة .
_ هو زكريا شافك بالاسدال ده ؟؟؟
كان سؤال ماسة لهدف ما لم تلاحظه فاطمة وهي تمسك طرف الاسدال تحاول تذكر ما إذا كان زكريا رآها بهذا الاسدال ام لا وبعد تفكير طويل ابتسمت وهي تجيب :
_ لا مشفنيش بيه …
ابتسمت ماسة وهي تتنهد براحة لكن كل ذلك انقلب وهي تسمع باقي جملة فاطمة التي هشمت كل راحتها تلك :
_ بس شافني قبل كده بالاسدال القديم كان معفن وعرة شوية على رأي شيماء
صمتت قليلا ثم أكملت وهي لا تستطيع امساك ضحكتها تتذكر ما حدث معها غير منتبه لماسة التي كاد قلبها يتوقف مما تسمعه من تلك البلهاء :
_ استني استني افتكرت …في مرة شافني في الشارع وكنت لابسة جيبة قديمة اوي ليا وكانت واسعة جدا .
تحدثت شيماء بصدمة كبيرة :
_ تلاقي منظرك فيها وهي مهلهلة عليكِ كان زي الشحاتين
ودون أن تشعر فاطمة انطلقت ضحكة عالية منها وهي تهز رأسها نافية :
_ لا وقعت مني خالص في الشارع قدامه .
انهت كلمتها وهي تسقط على الفراش من الضحك تتذكر صراخ زكريا وكلمته المميزة التي يقولها عند كل مصيبة وكل مرة كان يقابلها ..لتخرج منها الكلمة بصوت عالي تقلد زكريا :
_ منظره وهو بيقول ربــــــــــــــــــــــــــاه …..قتلني
_____________________
دخل رشدي لمنزله وخلفه كلا من زكريا وهادي بعدما هدأ زكريا وتوقف عن نحيبه وعم صمت طويل بين الجميع قطعه صوت زكريا الرخيم وهو ينظر لرشدي يسأله إذا ما كان يملك أي معلومات عن ذلك المصطفى ؟؟ ورغم فضول رشدي لمعرفة ما الذي يربط مصطفى بزكريا إلا أنه هز رأسه بحيرة يخبره أنه سيحاول البحث له في حاسوبه لكن زكريا نهض وهو يأمره أن يأتي معه الان لفعل ذلك …وبالفعل سحب زكريا كلا من رشدي وهادي خلفه وتوجهوا لشقة رشدي وها هم في طريقهم لغرفته لولا تلك الصرخة التي انطلقت من غرفة شيماء والتي كان محتواها الكلمة المفضلة لزكريا .
رفع زكريا حاجبه بصدمة وهو يستمع لصوت فاطمة تتحدث مثله ودون أن يشعر ارتسمت بسمة لطيفة على فمه وهو يهمس :
_ تلك المحتالة الصغيرة تسخر مني ؟؟؟
اقترب هادي من زكريا وهو يهمس له :
_ بما إنك هنا جنبنا …مين اللي جوا وسرق العلامة المميزة بتاعتك ؟؟
ابتسم رشدي وهو يراقب حنق زكريا على هادي وعودته لزكريا رفيقهم حتى ولو بنسبة بسيطة ليتدخل في الحوار مضيفا بمشاكسة :
_ يعني إنت مش عارف يعني ؟؟ دي اكيد زكريا النسخة المؤنثة.
ضحك هادي بصخب وهو يراقب ملامح زكريا التي احمرت بغضب :
_ والله عال مش مكفيكم سخرية مني وهتشتغلوا على البنت المسكينة اللي جوا …
صمت زكريا وهو يستمع لصوت فاطمة وهي تقلده :
_ ابتعد عني يا احمق …..يا الله ما هذه المصائب التي تسقط على رأسي ……يالكِ من احمق .
فتح زكريا عينه بصدمة وهو يستمع للجملة الأخيرة من حديثها ليقول بصدمة مشيرا للباب :
_ هل قالت للتو ” يالكِ من احمق؟؟” …لم تؤنث احمق …تلك الغبية ذات الرأس الفارغ لقد شوهت اللغة ..غيرتُ رأيِ هي تستحق كل السخرية تلك الحمقاء سأريها كيف…..
توقف زكريا عن الحديث وهو يراقب انفجار قهقهات كلا من رشدي وهادي في الضحك …وهادي يضيف من بين ضحكاته بصعوبة شديدة :
_ مش معقول بجد إنت شخص مش معقول ….ده هيدي مراته درس خصوصي .
صمت زكريا قليلا ليقول بتفكير :
_ حسنا لم افكر في هذا سابقا لكن بعد كل ما سمعته اعتقد انني سأفكر في الأمر مليا فتلك الكارثة قد تصيبني بالقلب إن تحدثت امامي بهذا الشكل مجددا .
صمت ثم نظر للباب ليقول بغضب وكأنه يحدث فاطمة :
_ أي شخص هذا لا يعرف أن مؤنث أحمق حمقاء ؟؟؟انا حتى في حياتي لم اناديها بحمقاء لتقلدني بهذا الشكل المسئ لي، هي تحتاج حقا ….
توقف زكريا عن الحديث وهو يشعر بهادي يجذبه صوب غرفة رشدي مرددا بحنق شديد :
_ كانت ليلة سودة يوم ما قلدتك …كل ده عشان اتنيلت قلدتك ؟؟؟احمد ربك أنها مطلعتكش ألدغ ..غيرك وهو بيتقلد اكتشف أنه عنده تسلخات وعامل البواسير خمس مرات .
لم يفهم زكريا شيء من حديث هادي لكن انفجار رشدي في الضحك انبأه أن هناك ما حدث لهادي ويشبه ما حدث له …
كان الثلاثة يضحكون بصخب على أعتاب غرفة رشدي ولم يكد رشدي يفتح الباب إلا وكان والده يخرج من المطبخ المقابل لباب غرفته وهو يحمل طبق فاكهه كبير ويتراقص به ويدور وكأنه يؤدي استعراض ما وكعادته كان يدندن بكلمات اغنية اجنبية I love you when you call me senorit .( احبك عندما تناديني سنيوريتا )
كان الثلاثة شباب متسمرين أمام ذلك المشهد الفريد أو الشابان… فرشدي بالفعل قد شاهد وحضر العديد والعديد من تلك العروض العالمية والتي يتفنن والده كل مرة بها .
اقترب هادي من رشدي يهمس ومازالت عينه معلقة بابراهيم الذي لم يسمح بكل ما حوله من أن يخرجه من غيمته الوردية :
_ لا مؤاخذة يا رشدي يا خويا بس هو ابوك ليه عايز حد يناديه سنيوريتا ؟؟؟
نظر رشدي لهادي بلا أي ملامح وهو يجيب :
_ لا ده استعراض عادي ما شوفتهوش بقى وهو بيرقص على اغنية مايكل جاكسون تقولش المرحوم كان خارج من تربته يرقص وراجع…..عالمي يا ابراهيم، عالمي والله يا غالي .
تحدث زكريا وهو مازال ينظر لما يفعل ابراهيم ببلاهة :
_ طب نكح طيب ولا نعمل حاجة عشان يعرف اننا هنا ؟؟؟
أشار رشدي بيده لزكريا :
_ لا سيبه متخرجهوش من حالة الفن اللي هو فيها دي دلوقتي هتلاقيه وهو بيلف ويعمل حركة دينا الرقاصة وقف لوحده .
كبت زكريا ضحكاته وهو يستمع لكلمات رشدي الذي كان يبدو من ملامحه أنه بالفعل اعتاد كل ما يحدث …وبالفعل بدأ ابراهيم يلف خصره كما تفعل الراقصات عادة وهو يبتسم ليفتح عينه واخيرا أثناء ذلك لكن فجأة توقف خصره عن الحركة في منتصفها وهو يرى بعينه ابنه ورفقته اصدقاء وعلى الجانب الآخر كانت تقف ماسة وشيماء ومعهم فاطمة والجميع يرمق ما يحدث ببلاهة عدا شيماء ورشدي اللذان اعتادا ما يحدث تقريبا .
اعتدل ابراهيم في وقفته كما المرة السابقة وحمل طبق الفاكهة مجددا والذي كان قد تركه في غمرة استعراضه ثم تحرك بخطواب هادئة تحمل من الهيبة ما ينافي ما كان يحدث منذ دقائق وهو يتجه صوب غرفته بعد أن ألقى تحية على الجميع وكأن شيئا لم يحدث :
_ مسائكم لذيذ يا شباب .
نظر الجميع لبعضهم البعض بصدمة كبيرة وكلا منهم ترتسم على وجهه ملامح بلاهة وعدم استيعاب لما حدث منذ قليل …
لينطلق سؤال رشدي بحنق شديد :
_ انا هموت افهم ليه دايما يرقص رقص شرقي على أغنيات أجنبية يعني لو كان رقص رقصته دي على اغنيه يابنت السلطان مش كان هيكون احسن ؟؟؟
تحدث هادي وهو يكتم ضحكته بصعوبة :
_ يعني هي الأغنية بس اللي مزعلاك؟؟؟مش إن الحاج ابراهيم للتو عمل استعراض راقص قدامنا كلنا ؟؟؟
_ يا عم وهو انتم غربا يعني ؟؟ ده بيتك يا هادي خد راحتك يا حبيبي .
هنا وانفجر الجميع في الضحك دون قدرتهم على السيطرة على قهقهاتهم العالية …
انتبه زكريا لفاطمة والتي كانت تمسك معدتها من الضحك ليبتسم باتساع وهو يردد :
_ علينا إذا بشكر الفنان الواعد لأعطائنا شرف رؤية تلك الضحكات الربيعية .
انتبه الجميع لحديث زكريا ليطلق هادي صفير عالي وهو يضرب كتف زكريا غامزا :
_ يا زيدي يا زيدي ….ملاحظ إن اخر فترة مودك بقى رومانسي زيادة حبتين .
خجلت فاطمة من نظرات الجميع لها لتهرب سريعا صوب باب الخروج وتبعها سريعا زكريا وهو يشير لرشدي :
_ هات اللاب بتاعك وحصلني على بيتي يا رشدي .
أنهى حديثه وهو يتبع فاطمة سريعا بينما نظر اتجه هادي سريعا صوب شيماء وهو يمسك يدها مرددا بينما يتجه للباب :
_ ثواني وهحصلكم على بيت زكريا يا رشدي اسبقني انت .
لكن قبل أن يخطو هادي خطوة واحدة لشيماء كان رشدي يمسكه من ثيابه من الخلف وهو يهمس بحنق شديد من بين أسنانه :
_ رايح فين كده يا عسل ؟؟؟
نظر له هادي بتعجب مصطنع وهو يجيبه :
_ هخلص حاجة على السريع واحصلكم …متخافش مش هتأخر عليكم
_ يا خويا ما تتأخر ولا متجيش خالص … إنت واخد البنت ورايح فين ؟؟؟
نظر هادي لرشدي بعدم فهم مصطنع قبل أن ينتبه ليده التي تمسك يد شيماء ليبعدها بسرعة وهو يشهق بصدمة :
_ ايه ده ؟؟؟ بسم الله الرحمن الرحيم ايه اللي جاب دي هنا ؟؟؟
رفع رشدي حاجبه بسخرية كبيرة وكأنه يقول له حقا ….تحدث هادي رافضا نظرات الاتهام في عين رفيقه :
_ لا متبصليش كده …انا اساسا معرفش ايه اللي جابها معايا دي ؟؟؟ يمكن شبطت فيا من غير ما اخد بالي .
شهقت شيماء وهي تبتعد عن هادي بغيظ :
_ والله ؟؟؟
نظر لها هادي وهو يغمز لها بأنه يخدع اخيها لكن رشدي زفر بضيق وهو يشير له بتحذير :
_ متتحركش لغاية ما اشوف اللاب توب
دخل رشدي لغرفته وتبعته ماسة وهي تغمز لهما :
_ هعطله خدوا راحتكم .
ابتسم لها هادي بامتنان بينما تخضبت وجنتيّ شيماء بشدة بسبب تلميحات هذان الاثنان .
_________________
لحق زكريا بفاطمة على الدرج وهو يمسك ذراعها بسرعة مرددا بحنق شديد :
_ استني يا آنسة هنا رايحة فين دلوقتي لوحدك ؟؟
توقفت فاطمة وهي تتنفس بسرعة بسبب ركضها على الدرج ومازالت وجنتها حمراء بسبب ما تعرضت له من احراج في الاعلى لتبتلع ريقها وهي تجيبه :
_ هرجع البيت و…..
توقفت عن الحديث وهي تجد فجأة زكريا اقترب منها دون مقدمات وهو يطبع قبلات صغيرة على وجنتيها ثم همس دون أن يبتعد عنها بحب شديد ولم يقاوم مظهرها هذا وبهذه الحالة :
_ رحماكِ جميلتي فهذا القلب والله يعاني .
كانت فاطمة في عالم آخر وهي تحاول أن تتحدث بكلمة لكن وكأن أحدهم قد ربط لسانها فلم يسعها سوى أن تتحدث بكلمة واحدة :
_ زكريا ….
_ قلبه
ابتلعت فاطمة ريقها وهي تنظر حولها تخشى أن يراهم أحد في هذا الوضع رغم تأخر الوقت نسبيا ….كان قلب زكريا يطرق بشدة يشعر وكأنه سيخرج من محله ليسمع همستها وهي تسأله سؤال لم يتوقعه منها في هكذا لحظات :
_ زكريا هو إنت ممكن في يوم تندم على ارتباطك بيا ؟؟؟
رفع زكريا نظره لها بتعجب يحاول معرفة سبب هذا السؤال المفاجئ في هكذا وقت لكنه رأى خوف في عينيها وقد علم من عينيها أنها تعرضت للكثير والكثير مما أفقدها الثقة في الجميع وهي الآن تريد طمئنة قلبها بوجوده دائما جوارها وهو لن يقصر ابدا في طمئنتها لذا ابتعد عنها قليلا وابتسم بسمته التي أضحى يخصها بها مرددا :
_ لا يسعني القول سوى أن هذا القلب أضحى كطفل يحبو صوبك طوال الوقت … وأن الاشواق أضحت في بعدك اشواك .
ابتسمت له فاطمة من بين دموعها ثم همست له :
_ تعرف إني بحب لما تتكلم بالفصحى اوي …..
ابتسم زكريا وهو يداعب وجنتها بحب شديد :
_ وانا احبك عندما تتحدثين فقط …لا يهم بأي لغة أو بأي كلام تتحدثين….فقط كل ما يهمني أنك تتحدثين هذا كافٍ لسرقة ذلك المسكين الذي يخفق بين جنبات صدري .
ابتسمت له فاطمة ليضيف هو بمزاح :
_ لاحظي اني مغرقك دلع الايام دي وأنتِ…….
تنهدت فاطمة بخجل وهي تستمع لحديثه ثم ابتعدت قليلا تود الذهاب قبل أن تلقي بنفسها بين أحضانه الان وترفض تركها للابد لكن بمجرد تحركها توقفت مجددا وهي تلتفت بتردد شديد لزكريا تتحدث :
_ هو زكريا يعني ….هو ايه وضعنا دلوقتي يعني هو احنا المفروض يعني كده …
كانت ترغو دون كلمة واحدة واضحة لكن زكريا ابتسم لها وهو يمسك يدها متحركا بها للخارج :
_ حسنا جميلتي إليكِ الوضع بالتحديد …نحن الآن زوجان برتبة خطيبين .
ابتسمت له فاطمة ليتوقف زكريا بمجرد وصوله للبناية الخاصة بها ليهمس لها بحب شديد :
_ بلغي والدتك إن بكرة هاجي مع الحاج والحاجة زيارة والمرة دي نبدأها صح .
_________________________
_ لا ما هو انا مش متخانق من اخوكِ ومصرفه بالعافية عشان تقفي ليا مقموصة كده .
كانت شيماء تربع ذراعيها على صدرها وهي تعطيه ظهرها بحنق شديد تجيب حديثه :
_ والله مش انا لازقة وشبطت فيك بالغلط ..غور بقى .
فتح هادي عينه بصدمة لحديثها ليندفع لها وهو يديرها له بعنف شديد مغتاظا :
_ لا مش عشان بهزر معاكِ يبقى تسوقي فيها …ايه غور دي ؟؟؟
خافت شيماء من نظراته لتتحدث بتوتر شديد :
_ قصدي اتفضل غور .
ابتسم هادي وهو يحاول كبت ضحكاته :
_ الاه؟؟ما أنتِ طلعتي بتهزري اهو ودمك سم
لوت شيماء فمها بحنق من حديث هادي ليقترب منها هادي وهو يهمس لها بخبث شديد :
_ طب ايه نبدأ ؟؟؟
نظرت له شيماء بعدم فهم ليغمز لها هادي وهناك بسمة وقحة ترتسم على وجهه …خرجت شهقة فزعة من فم شيماء وهي تصفع هادي بصفعة صغيرة قبل أن تتركه وتركض لغرفتها :
_ انت واحد سافل وانا هقول لرشدي على قلة ادبك دي
لوى هادي فمه بتشنج وهو يلوح بيده عاليا بحنق :
_ قلة أدب ايه يا عنيا اللي هتقولي عليها لاخوكِ ؟؟؟ ما الاستاذ جوا اهو وأكلها والعة..إنما أنا حظي قليل انا عارف جاتك البلا في معرفتك الهباب عيلة فقر .
________________________
_ يعني أنتِ عايزة ايه دلوقتي يا ماسة بس عشان مشغول .
_ بقولك انت مش عاجبني يا أباظة ….مش زي أباظة بتاع زمان ابدا .
توقف رشدي عما كان يفعل ثم تحدث بتفكير :
_ مش فاهم يعني زمان كنت ابيض واسود دلوقتي بقيت بالالوان ولا ايه ؟؟؟
ابتسمت ماسة بسخرية وهي تضرب كتفه بخفة :
_ ما انت لذيذ اهو وبتقلش امال ايه الوش الاسمنتي اللي لابسة ده ؟؟؟
تنهد رشدي ثم اقترب من ماسة وهو ينظر بعينها نظرة غامضة :
_ طب بس أنتِ لان احنا لسه متكلمناش في اللي حصل يا خفيفة الدم .
_ وهو ايه اللي حصل يعني يا أباظة ؟؟؟
ابتسم رشدي وهو يحمل حقيبة الحاسوب الخاص به :
_ تعرفي ايه احلى حاجة فيكِ يا ماستي ؟؟؟
ابتسمت ماسة وهي تضع يدها حول رقبته غامزة :
_ دلعي وجمالي .
_ تؤ تؤ استهبالك…
ابعد رشدي يده ثم تحرك جهة الباب وهو يتحدث بسرعة :
_ عايز خط الفون بتاعك اللي كسرتيه يا ماسة لان المرة دي انا اللي هتصرف بنفسي مش هستنى غيري لغاية ما يجيب ليا الكلب اللي بيعمل ده كله معاكِ .
_ رشدي …..
أوقفها رشدي عن حديثه وهو يلتفت لها ثم تحدث بجدية كبيرة :
_ ماسة لو سمحتي مش عايز أي كلمة ولا تعملي غير اللي اقولك عليه لأن المرة دي الموضوع زاد اوي وانا مش هستنى لما الكلب ده يعمل اكتر من كده .
أنهى حديثه وهو يخرج تاركا ماسة تقف في منتصف الغرفة بحنق شديد تعلم جيدا أن رشدي لن يصمت عما حدث لكن الخوف كل الخوف أن يعلم ذلك الحقير بأنها قالت لرشدي أو ينتبه أنه يتتبعه فيؤذيه فما علمته من رسائله أنه ليس بالهين ابدا وأن ما يفعله ليس مرته الاولى بالتأكيد .
____________________
في صباح يوم جديد بعدما قضى الثلاث شباب الليلة عند زكريا ثم عندما اشرق الصباح اتجه كلا لعمله ….
في مكتب هادي كان يجلس وأمامه فرانسو الذي كان يظهر على وجهه الحنق الشديد :
_ مش كنت بلغتني إن خلال يومين هيتم الفرح ؟؟؟
زفر هادي بضيق شديد يرجع شعره للخلف مغتاظا من نفسه ومن ابنة اعمه وما أوصلته أفعالها له :
_ الموضوع تم في لحظة غضب وعصبية وكنت حابب بس اخوف بثينة مش اكتر بس مش انا اللي ارمي بنت عمي بالشكل ده يا فرانسو .
ضيق فرانسو عيونه بشك كبير يفكر فيما اوصل هادي للحظة الغضب تلك كما يقول لكنه صمت قليلا دون أن يفضي بمكنوناته :
_ طب هو انا ممكن أعقد عليها واخدها معايا فرانسا والفرح لما نرجع واوعدك والله ما هقرب منها غير لما تسلمها ليا بنفسك .
نظر له هادي بحنق شديد وكاد يفتح فمه معترضا ليوقفه فرانسو وهو ينهض سريعا متجها صوبه :
_ متستعجلش وفكر براحتك واعرف اني هقبل بأي حاجة هتقولها بس قبل ما تاخد قرار فكر فيا وفي ابني يا هادي اللي راميه مع أمه اللي كل يوم سهرات وسكر وبلاوي اكتر من كده .
أنهى حديثه مبتلعا تلك المرارة يحاول تمالك نفسه فهو يشتاق وبشده لصغيره الحبيب الذي تركه رفقة والدته والتي يعلم جيدا أنها لا توفر فرصة حتى تفسده :
_ انا ابني كل يوم بيكلمني ويعيط ليا إني اروح واخده وانا متكتف مش عايز اروح ليه غير عشان أخده من أمه ولازم عشان اعمل كده إني أكون متزوج ….وافق وانا اوعدك بشرفي ما هقرب منها غير لما يتم ليها فرح زيها زي كل البنات لو حابب أمضي ليك إقرار بكده انا مستعد .
صمت هادي وهو يرمق حالة فرانسو المتدهورة أمامه ليهز رأسه بشرود وقد بدأ يتزحزح عن موقفه الصارم ويفكر في الأمر من زاوية فرانسو :
_ طيب معلش يا فرانسو سيبني افكر .
_________________
دخل رشدي مكتبه وهو يلقي ما بيده على الأريكة الخاصة به ثم سريعا جلس على مكتبه وهو يسحب الحاسوب من حقيبته واضعا إياه أمامه يكمل ما كان يعمل عليه طوال الليل بعدما نام كلا من زكريا وهادي .
كانت عين رشدي تمر على شاشة حاسوبه بانتباه شديد وهو يشعر بعقله يكاد ينفجر فذلك الرقم الذي أعطته إياه ماسة ليبحث عن صاحبه مأمن كما لو أنه رقم أحد أفراد المخابرات وليس رقم شاب عابث عادي .
زفر رشدي بضيق وهو يبعد حاسوبه من أمامه ثم أخذ يفرك رأسه بسبب الصداع الذي تلبسه لقله نومه …ثوانٍ وكان صوت رشدي يصدح مناديا العسكري الذي يقف في الخارج :
_ يا عسكري …يا عسكري .
دخل العسكري سريعا وهو يؤدي تحية لرشدي منتظرا أمره …نظر له رشدي قليلا وقبل أن يفتح فمه وجد مصطفى يقتحم مكتبه وهو يحمل بعض الملفات :
_ رشدي هو إنت لسه مخلصتش قضية مصنع الخشب ؟؟؟
أشار رشدي للعسكري بالخروج مخبرا إياه :
_ معلش هاتلي كوباية شاي و اي برشامة للصداع .
أدى العسكري تحيته وخرج من الغرفة بعدما اغلق الباب خلفه تاركا رشدي يصوب نظراته الحادة جهة مصطفى الذي لا يعلم بالتحديد ما فعله لكن يكفي أنه أبكى رفيقه ليكون على رأس قائمته السوداء ….
_ لا خلصتها وسلمت الملف كمان .
انكمشت ملامح مصطفى بعدم فهم يرمق الملف بيده :
_ ازاي ده ؟؟؟ عرفت مين اللي اختلس الفلوس بس ازاي والملف بأيدي مش فيه اي حاجة ؟؟؟
نهض رشدي من مكتبه وهو يتجه لمقدمته يستند عليها ويلوي شفتيه يدعي التفكير :
_ ايوة بس دي نسختك انت يا درش إنما نسختي انا من الملف سلمتها وفيها كل اللي وصلت ليه والمفروض إنك إنت كمان تسلم اللي في ايدك وفيه كل اللي وصلت ليه ….ده لو كنت وصلت لحاجة .
تعجب مصطفى من نبرة رشدي والتي يخيل إليه أنها ساخرة متوعدة لكنه رغم ذلك تحدث بعدم فهم :
_ ايه نسختي ونسختك دي ؟؟؟ هو مش احنا team برضو ؟؟؟
_ كنا ….
شعر مصطفى بالريبة من كلمة رشدي :
_ كنا !؟؟ هو فيه ايه بالضبط يا رشدي ؟؟؟ مالك انهاردة كده شكلك مش مظبوط ؟؟
كاد رشدي يفتح فمه يجيبه ليقاطع ذلك طرق الباب أعقبه دخول العسكري وهو يؤدي التحية واضعا ما بيده على الطاولة متحدثا بآلية :
_ سيادة اللواء طلبك يا مصطفى باشا .
رمق مصطفى رشدي بشك قبل أن يتحرك للخارج وهو يفكر فيما حدث تبعه العسكري الذي أغلق الباب خلفه …ابتسم رشدي بسخرية وهو يحمل كوب الشاي ليرتشف منه بعض الرشفات بعد أن ابتلع البرشام لكن أثناء رفعه لوجهه لمح شيء على الطاولة جوار الصينية التي أحضرها العسكري آثار انتباهه ليضع ما بيده على مكتبه سريعا وهو يحمل ما يتوسط طاولته والذي لم يكن سوى هاتف مصطفى الذي ألقاه على الطاولة في غمرة غضبه ونسيه أثناء خروجه .
ابتسم رشدي بشر وهو يمسك الهاتف متحدثا بخبث شديد نازعا الخط منه حتى لا يحاول مصطفى الاتصال به وهو يقول بخبث :
_ خلينا نشوف هببت ايه يا درش ؟؟؟
_________________
_ يا شيماء متتحسنيش بالذنب ده هو كام ساعة وهرجع على طول .
جلست شيماء على الفراش وهي تتحدث بحنق ناظرة للحقيبة التي تتوسط فراش ماسة :
_ والله العظيم رشدي لو عرف ليطين عيشتي وعيشتك وينزل البيت ده على دماغي ودماغك …رحلة ايه اللي تتنيلي تطلعيها دي انتِ صغيرة ؟؟؟
زفرت ماسة بحنق شديد وهي تتأكد من حقيبة يدها وأنها وضعت بها كل ما قد تحتاجه هذا اليوم :
_ اولا هي مش رحلة …دي مؤتمر ….ثانيا بقى دي ليوم يعني هبدأها دلوقتي واخلصها الساعة ٧ بليل ورشدي انهاردة مسهر يعني هيرجع الساعة ١ اساسا فايه المانع بقى ؟؟
ابتسمت شيماء بسخرية وهي تشير لصورة رشدي التي تجاور فراش ماسة :
_ رشدي .
ألقت ماسة ما بيدها على الفراش وهي تهتف بضيق :
_ يووه يا شيماء متخوفنيش اكتر ما انا خايفة اساسا انا مش فاهمة اخوكِ ده مضيقها ليه ؟؟
تحدثت شيماء بجدية شديدة تحاول افاقة تلك الغبية التي ستتسبب في انفجار بركان رشدي :
_ ماسة متستهبليش ..أنتِ عارفة كويس اوي إن رشدي مش مضيقها وعارفة برضو هو ليه بيرفض المؤتمر ده بالذات وبيسمح ليكِ تروح اي حاجة تانية
أغمضت ماسة عينها بضيق شديد تفكر في الأمر فرشدي دائما ما كان متفهما لها وداعما لها ولم يقف يوما أمام طموحها لكن رفضه لذلك المؤتمر كل عام بعد ما حدث معها ذات مرة أضحى أمر واقع عليها الرضوخ له :
_ أنتِ عارفة اني تخطيت الموضوع ده من زمان يا شيماء بعدين انا مش البنت الهبلة ام ١٩ سنة اللي لسه بتدرس انا دلوقتي كبرت وبقيت ناضجة .
نهضت شيماء وقد يأست من تلك الرأس اليابسة وهي تخرج :
_ خلاص انا جبت اخري يا ماسة اعملي اللي تحبيه اياكش يولعك فيكِ وفي مؤتمرك الزفت ده ونخلص انا مالي …انا عليا حذرتك وأنتِ حرة .
نظرت ماسة لاثرها بحيرة شديدة ما بين رغبتها في الذهاب ومواجهة مخاوفها التي تولدت لديها في ذلك العام ومابين إلغاء كل ذلك والجلوس هنا في منزلها تنتظر رشدي على الدرج كعادتها كل يوم لتقضي معه الليل كله في أحضانه الدافئة …حسنا هي ستذهب وتعود قبله كما خطت ثم تنتظر كالعادة ولن يشعر بشيء …أو هذا ما تتمنى .
___________________
في المساء وفي منزل فاطمة كانت منيرة تتحرك هنا وهناك تخشى أن تنسى شيء فهذا اليوم الأول الذي يزورها به أهل زوج ابنتها بعد ذلك الزواج الذي تم بشكل عجيب صدم الجميع …
كانت فاطمة في غرفتها وهي تقف أمام المرآة تشعر بضربات قلبها تزداد كلما اقترب وقت مجئ زكريا تحاول اقناع نفسها أن ما قررته صحيح وأن زكريا هو الوحيد الملائم لها وأن كل ما سمعته من بثينة كان نابعا من غضب بثينة على زكريا فقط … وأن زكريا ليس سيئا ابدا …نعم هذا صحيح هي رأت كل شيء بعينها و….
_ فاطمة يلا عشان الناس وصلت .
فزعت فاطمة لصوت والدتها وهي تنبأها أنه أتى ..يا الله لما هذا الرعب الذي تلبسها فجأة وكأنها اول مرة تراه وهي من أضحت تراه أكثر من اي شيء في حياتها …ابتلعت فاطمة ريقها وهي تتقدم من باب غرفتها والذي بمجرد أن فتحته حتى قابلت منار والتي كانت على وشك الدخول …لتظل منار تنظر لها ثوانٍ قبل أن تقول :
_ ايه اللي انتِ لبساه ده ؟؟؟ ده لبس البيت احلى يا شيخة .
فتحت فاطمة فمها بصدمة وهي تنظر لذلك الفستان الذي يصل لكاحلها باللون السماوي ولم تكد تجيبها حتى وجدت والدتها تندفع لها ساحبة إياها ولم تمنحها حتى فرصة أن تغير ثيابها لتصبح افضل بعد ما سمعته من منار .
___________________
كان يجلس في غرفة الضيوف تلك الغرفة التي تحمل له اسوء ذكريات يوم صارحته بكل شيء لكنه الآن سعيد فها هو على وشك تبديل تلك الذكريات بأخرى سعيدة …
نظر جواره ليجد والدته تجلس وهي تبتسم باتساع بينما لؤي كان يحرك تلك الكارفات على شكل فيونكة(ببيونة ) بضيق شديد وقد أجبرته وداد على أن يرتديها ليصبح كما تقول عليه دائما كلما ارتدى تلك البذلة ” جنتل مان ” .
اقترب لؤي من زكريا المبتسم ببلاهة :
_ طبعا فرحان ما انت مش مخنوق زيي …الليلة دي هتخلص وانتم شايلين جثتي عشان امك تستريح وابقى مت وانا جنتل مان اياكش روح البلوجر اللي جواها تستريح.
كتم زكريا ضحكته وهو يتذكر تلك المشاجرة التي كادت تشتعل بين الإثنان قبل مجئيهم :
_ يعني يرضيك كنتم تتخانقوا وتقوم لامة هدوم البيت كله ووقتها لا كنت هتطول لا بدلة ولا جلبية وكنت هتيجي للناس بالجلبية بتاعة اولى اعدادي ويبقى منظرك عرة ؟؟؟
زفر لؤي بضيق وهو يعدل من وضعية الكرافات للمرة المائة وهو يلعن كل ما يحدث وفجأة دخلت منيرة وهي تردد عليهم عبارات الترحيب للمرة الألف بعد المليون تسحب خلفها ابنتها التي كانت أقدامها تأبى التقدم خطوة واحدة مرتعبة من ذلك اللقاء وكأنه ذلك الجالس غريب وليس زوجها وأن هذه اول مرة تراه به ولم يقبلها البارحة بالفعل .
ابتسمت وداد باتساع وهي تنهض سريعا تضم فاطمة إليها بحب شديد تكنه لها منذ كانت تأتي لتحفظ عند ابنها وهي ترقيها ببعض ايات القرآن تثني على جمالها الطبيعي …
تحدث لؤي وهو يضم فاطمة بحب ابوي شديد مربتا على ظهرها بحنان فالمرة السابقة لم تسنح له الفرصة بالترحيب بها في عائلته :
_ نورتي عيلتنا يا بنتي …من انهاردة اعتبريني ابوكِ .
ابتسمت فاطمة بحزن شديد لتلك الكلمة التي فقدت مذاقها منذ سنوات …
تحدثت وداد وهي ترى نظرات ابنها الملهوفة والتي كانت تحاوط فاطمة :
_ طب نسيب الاتنين سوا ونخرج احنا نتكلم برة بقى ……
__________________
كاد رشدي يصاب بالجنون مما وجده في هاتف مصطفى فبعدما فتحه بصعوبة شديدة لعلمه بمهارة رفيقه في التكنولوجيا صدم من كمية الصور الخاصة بفتيات كثر على هاتفه في وضعيات ميسئة جدا، لكن الصدمة الكبرى أتت حينما وجد صور ماسة كذلك الشيء …نفس الصور التي ارسلت لها في المرة الأولى حينما هددها ذلك الحقير ..
شهق رشدي بصدمة كبيرة لا يصدق أن مصطفى قد يفعل شيء شنيع كهذا وهذا يفسر سبب صعوبة العثور على المرسل …شعر بالدوار وهو يفكر أنه ربما فعل الشيء نفسه مع فاطمة وأرسل لها تهديدات وهذا سبب غضب زكريا منه …لكن إن كان ذلك صحيح ما كان زكريا ليبكي ابدا ويقول ما قاله وقتها عن تدمير حياته …لابد أن مصطفى قد تجاوز مجرد التهديد مع زكريا أو بالأحرى فاطمة…
شعر رشدي بأن عقله على وشك الدخول به في أزقة مظلمة لذا توقف عن التفكير وقرر مواجهة زكريا بما خمنه و بعدها سيرى ما سيفعله مع ذلك القذر يقسم أنه سيجعله يبكي ندما ولن ينفعه حتى إن توسله..
__________________
_ وبس يا سيدي انا يا دوبك لسه بمد ايدي بالجواب من هنا وعينك ما تشوف إلا النور لقيت مرة واحدة الجحش ابنها خارج من الشباك وهاتك يا خناق مش فاهم انا ماله كده فيه ايه ؟؟؟
أنهى فرج قص ما حدث معه أثناء تسليمه للرسالة لأم اشرف بنفسه على مسامع هادي الذي قابله أثناء عودته من عمله يجلس على مقعده بحزن …ربت هادي على كتف فرج وهو يتنهد بحزن :
_ معلش يا فرج ياخويا هو الدنيا كده مش بتديك كل حاجة …عندك انا من يوم ما كتبت الكتاب وانا أقصى حاجة عملتها هي اني مسكت أيدها
ارتشف فرج بعضًا من مشروبه وهو يتنهد بشجن :
_ امتى ربنا يفتحها عليا وأمسك ايد ام اشرف
نظر له هادي بحنق وأحد حاجبيه مرفوع لينتبه أثناء ذلك لشيماء التي تقف أمام باب البناية الخاصة بها ويبدو عليها الرعب …نهض هادي سريعا يسير صوبها وقد اقلقته تلك الملامح المرتعبه على وجهها :
_ شيماء فيه ايه ؟؟؟
انتبهت شيماء والتي كانت تتحرك ذهابا وإيابا أمام الباب على صوت هادي والذي كان بمثابة قشة تتعلق بها لتركض صوبه تهتف برعب شديد وهي تبكي :
_ هادي الحقني، ماسة …….
_ مالها ماسة ؟؟؟
وياليته كان هادي هو من طرح هذا السؤال، لكن ليس كل الاماني تُحقق .
اقترب رشدي والذي كان ذاهبا في طريقه لمنزل زكريا غافلا عن أنه اليوم عند فاطمة ليرى أثناء ذلك هادي الذي يقف مع أخته أمام المنزل وملامح أخته الفزعة والتي كانت تبدو أنها على وشك البكاء …..ليقترب منه ويتناهى لمسامعه صوت شيماء تنتحب مرددة اسم ماسة …
كرر رشدي سؤاله مجددا وقد بدأت شياطينه تتراقص أمامه مفكرا أن ذلك الحقير فعل بها شيء آخر أو أنها تعرضت لنوبة الهلع التي تصيبها :
_ مالهـــا مـــــــاســـة ؟؟؟؟؟؟
__________________
رفع عيونه لها يبتسم تلك البسمة البشوشة والهادئة… تنحنح قليلا يجلي حلقه حتى يتحدث… وما كاد يفتح فمه حتى سبقته هي بالتحدث سريعا :
_ تشرب إيه؟؟
ضيق عيونه بتعجب ثم أبتسم لها بسمته الساحرة وهو يتحدث بهدوء شديد ونبرة حنونة :
_ متتعبيش نفسك أنا كويس… إنتِ بس اسمعيني ارجوكِ
نظرت له تفرك يديها بتوتر شديد وكيف لا و هي تجلس الآن أمامه ….حقا غباء اوليست تجلس مع زوجها الذي نامت يوما في أحضانه وكان عناقه هو ملجأها الوحيد والان تعاني كل ذلك الخوف والتوتر … أهذا تأثير تلك الجلسة التي تتحدث الفتيات دائما عليها ” الرؤية الشرعية ” ؟؟؟
ابتسم زكريا يعلم ما تفكر به الآن ليتحدث بصوته الهادئ الرزين :
_ خايفة مني؟؟؟ ولا قلقانة ؟؟؟
رفعت عينها سريعا له تتعجب كيف قرأ دواخلها… وكأن ذلك كان عسير على أي أحد ملاحظته…. اخفضت عينها سريعا تهز رأسها برفض ليبتسم هو متنهدا بيأس من تلك الصغيرة :
_ طب عايزة تسأليني في حاجة؟؟
هزت رأسها برفض تام هي فقط كل ما تريده الآن أن تختفي من أمامه……. صمتت وصمت هو بدوره حتى كادت أصوات الأنفاس تُسمع في المكان.. ثواني مرت قبل أن تستمع لنبرة صوته المميزة يحدثها بالفصحى :
_غريبة هي الدنيا… كيف يتحول شخص ما من مجرد غريب في حياتك….. إلى دعوة لك في كل صلاة؟؟؟
صمت قليلا ثم قال ببسمة وقد نجح في أن يجعلها ترفع عينها له :
_ أتخشيني وأنا أخشى عليكِ من أن ارتكب فيكِ ذنب صغير… كم أنتِ قاسية سيدتي!!!
هل قالت سابقا أن الفصحى مملة…. هل سخرت سابقا من تحدثه بالفصحى؟؟؟ حسنا هي الآن تسحب كل هذا فوالله أنها الان عاشقة للفصحى منه هو… رمقته تفكر هل هذا هو الشيخ زكريا الذي كانت صديقتها تخيفها منه وتخبرها كم أنه قاسي جلف بلا شعور……..
شعرت به ينهض من مكانه وهو يخرج بهدوء من الغرفة لكن قبل أن يخرج توقف قليلا يهمس ببسمة شعرتها من خلال حروفه :
_شوفتي ادينا اتكلمنا اهو وما عضتكيش……عشان تعرفي بس اني شيخ طيب وإن الموضوع بسيط جدا .
أنهى حديثه وهو يخرج وضحكته قد رن صداها في قلبها قبل أن يرنّ في الغرفة….
نظرت فاطمة في أثره بصدمة تتساءل هل انتهى الأمر بهذه السرعة ؟؟؟ هي حتى لم تتحدث سوى كلمتين فقط …هل كان جادا حينما قال إنهم سيبدأون من البداية تماما ؟؟؟ فهو كان يحدثها كما لو أنه جاء للتعرف عليها أو ما شابه ..
خرجت فاطمة من شرودها على رؤيتها له عائدا مجددا لكن هذه المرة جلس جوارها وهو يردد بنبرة عادية :
_ تقريبا لسه مخلصوش كلام ورغي برة فخلينا قاعدين شوية هنا ..ها ايه رأيك فيا وانا عامل عريس ؟؟؟
يالله هل هو جاد حقا ؟؟؟ ابتسمت فاطمة تهز رأسها بعدم تصديق لحديثه ليبتسم هو أيضا ثم صمت لا يعلم ماذا يقول ليدوم الصمت دقائق قبل أن يقطعه هو بتردد :
_ فاطمة هو أنتِ يعني حاليا موافقة بكامل إرادتك على جوازنا ؟؟ قصدي يعني فيه مثلا أي مشاعر ليا أو حتى استلطاف ؟؟؟
كان يتساءل وهو يشعر بقلبه يصارع للخروج من التوتر والخوف …
تفاجئت فاطمة كثيرا من حديثه لتنظر له بصدمة تفكر في حديثه هل هي كذلك ؟؟؟ هل تقبلت ذلك الزواج ام أنها مازالت تراه أمر واقع ؟؟؟ طال صمتها مما أصاب زكريا بالتوتر لتقرر فاطمة أن ترحمه وهي تنظر له بخجل شديد :
_ معرفش ….كل اللي اعرفه إن لو كنت الاول هحارب عشان انهي الجواز ده فأنا حاليا هحارب بكل ما املك عشان احافظ عليه .
ابتسم زكريا وهو يكوب وجهها بحب شديد :
_ لا تحتاجين للحرب اميرتي فما من قوة على هذه الأرض قادرة على ابعادي عنك …
ابتسمت فاطمة تعترف في نفسها انها عاشقة لذلك الرجل …وعاشقة للهجته التي تصيب قلبها مباشرة …تحدثت فاطمة بخفوت رغم كل ما قاله منذ قليل وما فعله سابقا لأجلها إلا أن كلماته تطمئنها أكثر :
_ وأنت لسه حاسس إنك انجبرت على الجواز ده ؟؟؟
ابتسم زكريا على سخافة تلك الصغيرة ثم همس لها وهو ينظر لها بحب :
_ حسنا فاطمة لا اعلم كيف اثبت لكِ أن ذلك القلب وقع صريع هواكِ لكن كل ما يمكنني قوله هو ….
صمت قليلا يحاول ترتيب كلماته والتي تمر على قلبه اولا قبل أن ينطقها لسانه :
_ ”وَلَمّا سَكنتِ القلب لم يبقَ مَوضِعٌ
بِجِسمِيَ إِلّا وَدَّ لَو أَنَّه قَلب .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية شيخ في محراب قلبي) اسم الرواية