رواية اوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد عبر مدونة دليل الروايات
رواية اوصيك بقلبي عشقا الفصل العشرون 20
“بئس ما أنا عليه ؛ مهما حاولتُ لا يفلح شيء، فأنا ضعيفة، ملوّثة، إنني فقط.. أتوقُ لرجلي الأول… كياني برمتهِ لا يتقبّل رجلٌ سواه !”
_ إيمان
أطلقت “إيمان” أنفاسها المحبوسة بشدة، ارتعدت فرائصها بعنفٍ و أذنيها تعيدان صدى اسمها الذي تفوّه به “مالك” قبل لحظاتٍ، ليست مضطرة لأن تستدير لتراه فهي متأكدة.. اللعنة !
تحرّكت للفكاك من بين ذراعيّ “مراد” الملتفين حول خصرها بإحكامٍ، لكنه ضغط عليها و أبقاها مكانها !!
-مراد !!! .. همست بغضبٍ تنذره ليتركها
سوف يوقعها في مشكلة حتمًا، بل سيفضحها الآن علنًا …
-شيل إيدك عني يا مراد ! .. طلبت منه بتوّسل و التوتر يكاد يقتلها
كانت ترتعش بشكلٍ مزري بين ئراعيه و قد تندّى جبينها عرقًا …
ارتفعت يدها إلى كتفه، و الأخرى سندت بها على ساعده محاولة الإبتعاد ثانيةً، لكنه شدد ذراعه حولها مرةً أخرى و هو يخاطبها ببرودةٍ متعمدًا رفع صوته ليكون مسموعًا :
-على مهلك يا إيمان. طرف فستانك لسا محشور في الباب. على مهلك !
ثم تراجع و هو يجذبها معه و لا يزال يمسك بها، و أخيرًا سمح لها بالإنزلاق من حضنه، تململت بعصبيةٍ و هي تنسحب بعيدًا عنه و تحمرّ خجلًا تمامًا، بينما يمد يده ليسحب باب المصعد دافعًا بقدمه طرف ثوبها خارجه …
-بس كده ! .. قالها “مراد” بمرونةٍ و هو حتى الآن لا يعيّر “مالك” أدنى اهتمام
كانت نظرات “إيمان” مُركزة على زوجها الآن، و لو أن صفته الجديدة غير مقبولة بالنسبة لها بعد، أُشرب الرعب في قلبها و هي تحدق في وجه “مالك”.. سكونه و صمته يثيران الذعر… فأما عيناه المركزتان الآن على المواضع التي كان “مراد” يلمسها من جسد زوجته.. تشعر “إيمان” و كأن نظراته تلك كالرصاص يثقبها و يحرقها !!!
-مالك ! .. بالكاد استطاعت أن تنطق اسمه و قلبها يخفق وجلًا
شاهدته “إيمان” و هو يدق يطحن فكّه و نظراته كما هي على جسدها، حتى رفع عينيه أخيرًا و نظر إليها، لم يكن “مراد” هو الهدف الآن.. بل هي !
انطلق فجأة و سار نحوها بخطواتٍ نزقة، كلما اقترب منها خطوة كلما ازداد الغصّات بحلقها و صعّبت عليها التنفس، شعرت بدوارٍ طفيف و لم يعد يفصله عنها سوى خطوتين.. كان يمد يده مشهرًا عنفًا صريحًا و قد استعدت هي له شاخصة العينين
و لكن ما لبثت فجأة أن وجدت حائط يقف أمامها
حائط طوله ستة أقدام.. يتشح بقميصٍ رمادي و تفوح منه رائحة خليط بين الحامض و التفاح الحلو …
مراد !
صنع حائل بينهما الآن و لا يبدو عليه نيّة الابتعاد ؛
أطلق “مالك” نظرات الشرر إلى عينيّ غريمه قائلاً بغلظة :
-ابعد !
-ابعدني !! .. قالها “مراد” و في عينيه تحدي واضح
انتفض فكّ “مالك” و هدرت حشرجة مخيفة من صدره، حاولت “إيمان” درء “مراد” بعيدًا عنها و هي تقول :
-لو سمحت يا مراد إوعى من قدامي. لو سمحت كفاية. كفاية كده !
تجاهلها “مراد” و كأنها لم تتكلم و تابع كلامه إلى الشاب اليافع جدًا أمامه :
-عايز إيمان ؟ لازم تعديني أنا الأول !
نفث “مالك” أنفاسه الحارة عبر فتحتيّ أنفه، العنف و الغضب يغليان بشرايينه، لم يحتاج أن يفكر مرتين، فهو بالفعل مُثار منذ رآه يضع يديه اللعنتين على ما يخصّه، و الأدهى أن الأخيرة أظهرت خضوعًا و انسجام سحق عقله …
-إوعى بقى بقولك !!! .. صرخت “إيمان” منفعلة و هي تدفع “مراد”
و كأنها شعرت بناقوس الخطر، رغم أن ابعاده كان مستحيلًا، لكنه أذعن لرغبتها، و ليت هذا خفف من جموح الأخير.. فما إن صارت في متناول “مالك” حتى دفع يده إليها و شدّها بوحشيةٍ من ذراعها، ثم رفع يده الأخرى عاليًا و متأهبًا ليهوى بها نحوها
أغمضت “إيمان” عيناها مستعدة لما قرر أن يعاقبها به، فإذا بها تشعر بقبضةٍ أخرى تنتزع قبضة “مالك” عنها بقوة مرعبة …
فتحت عينيها من جديد و حدقت لتجد “مراد” يتدخل للمرة الثانية، ممسكًا قبضة “مالك” التي كانت تهصر ذراعها، و أيضًا يده الحرة قد إلتقطها من الهواء فصار يمسكه من الإثنتين و هو يتراجع به بعيدًا عنها صائحًا بخشونة :
-انت.. بتمد إيدك عليها. و في وجودي !!!!
تخلّص “مالك” من قبضتيه مغمغمًا من بين أسنانه :
-و عليك انت نفسك. وريني هاتعمل إيه …
استفحل غضب “مراد” و استقبل لكمة “مالك” في قبضة يده، ثم ألقى لكمته هو على وجه الشاب.. ارتد “مالك” للخلف مع انطلاق الصراخ من فم “إيمان”
نظر نحو “مراد” و قد سعّر الحقد كل عضلة في جسمه، قفز نحوه مستعدًا للعراك كليًا و بدافع أكبر الآن، ولكن هيهات، كان فقد بدا مثل موجةٍ عاتية تحاول كسر صخرة !
صد “مراد” لكمة أخرى منه، و أمسك بياقته و رماه في أرجاء المدخل، اصطدمت رأسه “مالك” بالجدار الرخامي، تحسس أسفل حاجبه بعد أن أحس بدفءٍ، فإذا به يرى دماءً تخضّل أنامله …
-يابن الـ×××××× ! .. سبّه “مالك” بلفظٍ نابي
انفجر داخله من الغيظ و إندفع صوب “مراد” مجددًا، هذه المرة أصابه في وجهه، فشعر “مراد” بالطعم الصادئ للدم بفمه، إلا إنه أيضًا لم يفلته …
-خليك راجل للآخر و اتحمل نتيجة إللي قلته و إللي عملته ! .. قالها “مراد” مزمجرًا و قد تحوّل وجهه إلى كتلةٍ نارية
و بغتةً رفع ركبته و ضرب “مالك” في منتصف معدته، انحنى “مالك” صارخًا، فثنى “مراد” مرفقيه و ضربه مؤخرة رأسه ليسقط على وجهه فورًا
في الجهة الأخرى لا يزال صراخ “إيمان” الملتاع يصدح و يملأ المنزل كله، لكن هذا لم يوقف “مراد” و لو شبرًا.. مد يديه و أمسك بثياب “مالك” حتى أوقفه قبالته من جديد
أرجع قبضته ليسدد له لكمة أخرى، لكنه أحسّ بذراعين قويين يمسكان به من الخلف، ثم سمع صوت “أدهم” الحازم :
-إيه إللي بتعمله ده يا بيه يا محترم. انت اتجننت !!؟؟؟
لم تمر لحظاتٍ أخرى إلا و انضمت أصوات النساء، ميّز صوت أمه و خالته، لكنه لم يلتفت، بل تشنج أكثر و هو يصيح بغضبٍ عارم :
-سيبني يا أدهم.. بقولك سيبني !!!
تقريبًا كان “أدهم” يوازيه قوةً، مِمّا أضناه قليلًا و دبغ بشرته بالحمرة فقط من الجهد للإبقاء على ابن خالته بمكانه و حماية “مالك” من بطشه …
-مش سايبك ! .. هتف “أدهم” بصرامةٍ :
-أقسم بالله لو ماوقفتش التهريج ده حالًا هاتشوف واحد تاني غير أدهم إللي تعرفه. و بعدها لا انت ابن خالتي و لا اعرفك. سـامع ؟؟؟؟
كلمات التهديد أتت بنتائجها في الحال، فبدأ جسد “مراد” يسرخي رغمًا عنه، و بدأ يستنشق أنفاسه بعمقٍ ليُهدى غرائز الشر بدواخله.. أرخى “أدهم” يديه عنه عندما ضمن خنوعه …
-مــــالـك. أخويــــا !!!
انطلقت تلك الصرخة من “مايا” التي اقتحمت بوابة المدخل الآن، ركضت من فورها تجاه شقيقها و هي تصرخ ملتاعة :
-أخويا. مالك.. حصل إيــه !!؟
نظرت إلى “أدهم” مطالبة بتفسيرٍ، ثم حانت منها نظرة ناحية “إيمان” التي لاذت بأحضان كلًا من أمها و خالتها، و كأنها تختبئ منهم جميعًا، تتمنى لو يتوقف العالم كله في هذه اللحظة !
تراجع “مراد” خطوة و استدار حتى يتمكن من مواجهة الجميع، و لكن بقيت عيناه بعينيّ “أدهم” و هو يقول :
-الدكر إللي وافقت تجوزه أختك.. كان بيحاول يمد إيده عليها. لولايا كان ضربها فعلًا يا أدهم !
*****
-إحنا لحد دلوقت ماتحسبناش على الكلام إللي قلته آخر مرة ! .. قالها “أدهم” بلهجةٍ فجّة و هو يقف مواجهًا “مراد” هنا بحديقة المنزل
كليهما على إنفرادٍ
بعد أن أمر “مالك” بالرحيل عقب تصريح “مراد” و الذي لم ينكره الأخير، توّجه “أدهم” إلى شقيقته و استوضح منها عن الأسباب و الملابسات، فأخبرته بإيجازٍ أن “مالك” أسأ الفهم و “مراد” وقف ليدافع عنها بهذا الشكل
أمال “أدهم” رأسه قليلًا و هو يقول مقطبًا :
-انت مفكر نفسك إيه يا مراد. و لا متخيّل مثلًا إن صبري مالوش حدود !؟؟
نفث “مراد” أنفاثًا قصيرة، ثم قال بعصبيةٍ طفيفة :
-أدهم. من فضلك أنا أساسًا مش ناقص. كل إللي حصل إني حاولت أكون جدير بإيمان بس فشلت. دايمًا كنت بفشل و كالعادة بتصرف بغباء. أيوة أنا غلطان موافقك. بس إيه المطلوب مني يعني !؟
ارتفع حاجب “أدهم”.. و كأنه يتساءل ما إذا كان ذاك “مراد” الذي عرفه طوال عمره :
-انت مشاكلك أكيد مأثرة عليك. تعرف ان ده السبب الوحيد إللي خلّاني عذرتك لما جيت تطلب مني إيمان قبل كتب كتابها بلحظات !؟
رمقه “مراد” بنظراتٍ محتقنة، و تمتم :
-أنا لسا ماتجننتش يا أدهم !!
أدهم منفعلًا : لو كده تبقى خيّبت ظنّي فيك. تخليني أندم على كل لحظة وثقت فيك و آمنتك على بيتي و أهلي.. إيمان اتكلمت معايا و شرحت لي شكل العلاقة البريئة كانت ازاي و فهمت ان ده كان طيش مراهقة. لكن لما تيجي و انت رااااجل كده و تقولي بحب أختك الأرملة. الأم… تفتكر ممكن أتصرف معاك إزاي !!؟؟؟
بقيا يحدقان ببعضهما للحظاتٍ طويلة، ثم تنهد “مراد” بشدة مغمضًا عينيه، مرر أصابعه خلال شعره و هو يقول بتعبٍ واضح :
-أنا عارف إني غلطان. طول عمري غلط.. بس يا أدهم. صدقني. أنا و إيمان. الفصل الوحيد في حياتي إللي كان حقيقي. كله زيف. مشاعرنا حقيقية يا أدهم و ظانا مش خايف و أنا بقولك كده. ليه مش مصدقني. ليه ماوقفتش جمبي. انت بتقدر الحب. انت بتحب سلاف و حبيتها قبل جوازكوا و انت إللي قلت لي كده بنفسك !
أومأ “أدهم” موافقًا على كلامه :
-أيوة حبيت سلاف قبل الجواز. لكن عمري ما صارحتها. عمري ما حاولت أقرب لها غير في إطار شرعي.. عشان بحبها عملت كده. حافظت عليها حتى من نفسي. و لغاية ما كتب عليها و هي كانت مراتي لكن إلتزمت معاها لحد ما تم جوازنا. الحب و المشاعر مش محصورين في القرب و كسر الحدود يا مراد. الحب إنك تصون إللي بتحبها و تحميها حتى منك. في حب ممكن يعيش العمر كله منغير أيّ نوع من أنواع القرب
-أنا انسان. و مقدرش أعيش على النمط إللي بتحكي عنه. أنا جيت لك و طلبتها منك و كنت عارف إنها هاتكون سعيدة معايا. يا ريتك انت إللي تكون فهمت انت سلّمتها لمين. واحد مع أول خلاف بهدلها و كان هايمد إيده عليها …
عبس “أدهم” ممعنًا التفكير بكلماته، نظر له و لم يتكلم.. فأضاف “مراد” و هو يفرك جانب بارهاقٍ :
-يا ريتك ماتندمش و ماتحسش بعدين إنك ظلمت أختك للمرة التانية. يا ريت إيمان تعيش سعيدة.. و يا ريتها ماتنكسرش المرة دي, عشان صدقني لو حصل لا انت و لا أنا و لا أي مخلوق هايعرف يعالجها. و أقسم لك على ده يا أدهم !
و بدون أن يضيف كلمة أخرى، رحل و تركه مستغرقًا ببقايا حديثهما… لا يدري.. و لكن لأول مرة يتأثر برأي عكس قناعاته… لأول مرة يخاف أن يقبل الظلم و يكتبه على أقرب المقربين إليه
شقيقته… “إيمان” !
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اوصيك بقلبي عشقا ) اسم الرواية