رواية غرورها جن جنوني كاملة بقلم ابتسام محمود عبر مدونة دليل الروايات
رواية غرورها جن جنوني الفصل الواحد و العشرون 21
– نعم.
قالتها بعدم فهم، فقال حتى يجعلها تصمت:
– ما تاخديش في بالك.
فكان لا يريد سماع أي شيء.
★★★★★
– توتا دي شمس حياتي، لو ما اصطبحتش بيها على الصبح، اليوم ما يتحسبش من عمري.
أردف بها “حازم” الذي يمسك كف “توتا” بين يده، متأملًا في ليل عينيها بحب، ابتسمت بحب وبادلته نظراته الهائمة التي جعلتها تتلعثم في قولها:
– آه طبعًا.. دا ما يقدرش يفتح عينه غير لما أقوله صباح الخير، علشان بيتفائل بوشي بشكل كأنه الأدرينالين بتاعه اللي من غيره مش هيتحرك أصلًا.
مال على أذنها يقول بصوت رخيم، من تأثره من كلماتها:
– ما كفاية كده، الناس بقت هتاكلنا بعينها.
دهست قدمه أسفل قدمها وهي ترمقه بحدة قائلة بهمس:
– اسكت أنت، أنا لازم أشعوط وأغيظ البت سهير.
رفع قدمه من أسفل قدمها وحركها على ساقها بجرأه وهو يقول:
– كل دا بتمثلي.. والله أنا صدقتك، بس لو كان على إنك عايزة تغيظيها أظيط بقى واطبل، أصل ما يمسكش الطبلة إلا طبال صوابعه تتلف في حرير قبل ما يامس…
– احترم نفسك.
قالتها وهي تقاطعه بعد أن احمرت وجنتها كالفراولة من وقاحته، ثم أرجعت خصلة من شعرها، وهي تبتسم للجميع ابتسامة مستعارة، فرفع يده يظبط شعرها ويجذبها نحوه من خصرها، وقال بسخرية:
– روحي بقى حلاوتها إنها حفظاني، وما بتحاولش تزعلني ولا تستفزني.
– لا والله احلف كده، دا علشان أحاول افكر إني أقتنع.
قالها “مستقبل” الذي كان يرفع مقدمة شفته العليا، ثم حول نظره على “كارما” المستغربة، وترفع حاجبها الأيمن وتمصمص شفتيها، ثم تضيف:
– اسمع كلامكم أصدقكم، أشوف أموركم أستعجب.
زوجة بجوارهم نكزت زوجها وأبلغته بضيق:
– شايف وسامع مش أول ما تشوف وشي على الصبح بيكون هاين عليك تبلعني أنا وعيالك.
أجابها بصوت عالٍ يظهر عليه الضيق:
– ما أنتي لو تعلمي عيالك الأدب يا سهير، بس إزاي مكبرة دماغك.
نظرت إليه بسخرية وهي تمط شفتيها:
– هما أصلًا بيسمعوا ليك لما يسمعوا ليا!
كانت “توتا” تتشبث بيد زوجها، الذي كان يتمنى ألا يترك هذا الحفل ويجعلها دائمًا بالقرب منه حتى آخر نفس داخل صدره، برغم إتقانها دور الحب كانت تتهرب من نظراته التي جعلتها تشعر بشعور غريب، هربت من هذا الشعور بضحكاتها وحديثها عن حب وهم وسراب لم يحدث حتى لثانية واحدة، فقال “حازم” بنبرة منخفضة:
– قولي كمان أهو بدأت أحس بشلل رجلي اليمين، قولي قولي خلينا نولع من كتر الحسد، وياريته على حق.
★★★★★
كان “وجود” يريد “كاميليا” أن تعطيه مساحة وتذهب من جانبه حتى يعاتب من شغلت قلبه وتفكيره، لماذا قالت سرهما الأول لها؟ لماذا لم تعطه الوقت حتى يتصرف بحكمة؟ لكنها لم تتحرك من جواره.
وقبل انتهاء الحفل نزفت “زينة” الدماء من أنفها وأنصرفت من المكان بهدوء، كان من يتابع الموقف أبيها الذي يحترق من داخله على ما وصلت إليه، توعد لـ”وجود” بأن يُدفعه ثمن ما فعله غاليًّا، فهي ابنته الوحيدة وجاءت بعد تعب وحرمان سنوات من العذاب.
استمر الحفل هكذا حتى النهاية، وانصرف الجميع كما أتوا. وعند انصراف “توتا” و”حازم” صعدا إلى السيارة، لم يتجرأ أحد منهما على الحديث، فكأنهما لا يريدان نسيان كل ما حدث حتى ولو كان تمثيلًا، فما مر به من أحداث جعلته منغمسًا داخل نشوة الحب، إنما هي كانت تحرك أناملها ببعضها باستحياء لا تعرف مصدره.
★★★★★
لم يهدأ “مستقبل” عن قرار أخيه المضحي بسعادته، فقال “وجود” لـ”مهيمن” الذي ارتاح حين قال:
– اطمن يا بابا هتجوزها.
هذه الكلمات أشعلت أخاه، فقال بغضب:
– هتتجوز مين؟ أنت اتجننت، دي واحدة فرطت في نفسها بالساهل.
وقف “وجود” قبالته يعنفه بحدة:
– مستقبل مش هسمحلك تتكلم عنها كلمة زيادة.
صاح بهما والدهما فجلسا جانبه، قائلًا بتهكم بعد أن تنهد:
– وجود أنت لو مش بتحبها، أنا لسه عند كلمتي اثبتلي إنها هي اللي اقترحت دخولكم الأوضة زي ما قولت، وأنا ساعتها اللي هجيبلك حقك، غير كده مش عايز كلام كتير يا مستقبل.
قال آخر كلمة وهو ينصرف من وسطهم صاعدًا إلى غرفته، فقال “مستقبل” بعد أن ذهب أبوه بعتاب ولوم:
– وجود أنا مش هسمحلك تهدم حياتك، أنت مش أخويا وبس.. أنت حته مني، وحاسس باللي جواك.
رفع رأسه المنخفضة يجيبه بصوت ضعيف:
– تقدر تقولي هعمل إيه؟
– ساعدني نثبت الحقيقة أنا مصدقك ومتأكد إنك ما طلبتش.
صمت “وجود” بضع ثوانٍ، ولم يجد ما يقوله حتى تذكر:
– مستقبل أنا كنت رافض أدخل الأوضة وكنت قدام الباب بتناقش معاها إننا ما ندخلش.
– أيوه بقى، يا سلام عليك لما تفكر.. من النجمة هروح أشوف الكاميرات، وبكده أنت براءة يا ريس.
ابتسم “وجود” على دليل إنقاذه من هذه الورطة الشنعاء والدليل القاطع على أنها هي من ألحت عليه بدخول الحجرة بالفندق واستدرجته إلى ما حدث لغرض في نفسها لا يعلمه إلا الله.
★★★★★
وصل “حازم” وزوجته بيتهما الصغير ودخل كل واحد منهما يبدل ثيابه، ثم استقلا فراشهما الذي يجمعهما معًا لساعات، تغمض “توتا” جفنها تتصنع النوم، لم ينم “حازم” ظل مستيقظًا يتطلع كل إنش بوجهها الذي يشبه قطة رقيقة شرسة بالوقت ذاته، كانت تشعر بأنفاسه الساخنة تحرق وجهها، تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها من كمية الخجل الذي اعتراها. أنقذها رنين هاتفه، نهض يرى من المتصل، زفرت أنفاسها المحتبسة من الخجل، سمعته يكلم فتاة.. فتحت عين ونصف وتابعته، كان يقف غاضب الوجه، يقبض كف يده بقوة ويخبرها بالإيطالية:
– اسمعي، تعالي لي وحينها لن يعرف أحد بمكانك، ستكونين في حمايتي.
استجابت الفتاة الباكية بخوف ورعب مما ينتظرها، أغلق الهاتف وأصبح كالأسد المقيد يتجول بالحجرة ذهابًا وإيابًا حتى رن جرس المنزل، سارع بفتح باب المنزل فارتمت على صدره تجهش بالبكاء، ربت عليها وهو ينظر نظرة سريعة بالخارج، ثم أدخلها واستمر في تهدئتها، بالحديث تارة والعناق تارة، لم تتحمل “توتا” ما يحدث بالأسفل نزلت بضيق، عندما لمحها قام أمسك يدها وصعد بها، وقبل أن يتحدث قالت بهجوم:
– هي مين المحن اللي تحت دي؟
شعر بغيرتها، فلعب على هذا الوتر بقوله بلامبالاة:
– ويهمك في إيه؟
بللت شفتيها وهي تفكر في جواب منطقي قائلة:
– مش دا بيتي.
– طبعًا.
قالها ببرود، فقالت باندفاع:
– يبقى خدها وامشي من بيتي.
– ولو ما حصلش؟
– ما تعصبنيش.
قالتها بغيرة تندمج مع العند، هز رأسه ومط شفتيه وهو يكرر ما قالته بتريقة:
– ما تعصبنيش.. أممم، هي كرامتك نأحت لما لاقيتيني هضيع منك؟
رمشت بأهدابها بإحراج وهي تقول:
– لا نأحت ولا أدحت طلعني من دماغك أنت بس.
كان لا يريد إشعال ما بداخله أكثر من ذلك، فحدثها بقوة:
– ما تطلعي من دور الأنثى الذكري اللي أنتي منقوعة فيه.
ذهلت من كلماته وقالت بعصبية:
– أنا أنثى الذكر، والله يا حازم ما هقعدلك فيها، خلي البطة اللي تحت تفرشهالك ورد وفل.
مسح وجهه بغضب وهو يبلغها:
– إيه يا بنتي هو مكتوب في القسيمة كل يوم نكد.
– ولا نكد ولا رز باللبن وسع من وشي.
ابتعد خطوة وهو يحذرها بتهديد وهو يرفع حاجبه الأيمن:
– الباب وأنتي عارفة مكانه كويس، ألمح طفيك عنده ورب العزة مش هقول مش هاخدك معايا أي بطولة والكلام دا، هكسرك بنفسي وساعتها هتاخدي إعفاء رسمي، ومش هرحمك حتى لو جيه الكوتش بنفسه.
ثم تركها يغير ملابسه، وقبل أن ينزل مع صديقته نطقت بعناد وغيظ:
– بتهددني يا حازم.
– اعتبري اللي تعتبريه، ومش هحذر تاني.
ثم رحل من المنزل، جلست على جمر من نار بسبب كلماته التي أشعلتها، ظلت تسبه وتلعنه بداخلها، تحاول أن تشجع نفسها على الذهاب، لكنها تعاود التفكير وتخاف غضبه.
★★★★★
في الصباح الباكر المشمس، ذهب “مستقبل” يخرج مقاطع الفيديو لأخيه الذي التقطتها كاميرات المراقبة أمام باب الغرفة، ورجع البيت وهو يطير من الفرحة، جلس “مهيمن” و”نايا” و”وجود” ينتظرون أن يشغل “مستقبل” دليل براءة أخيه، لكن ما حدث جعل “مهيمن” يبصر ابنه باحتقار، تنهدت “نايا” بضيق ثم قالت:
– اقفل الزفت دا يا مستقبل.
ابتلع “مستقبل” ريقه بإحراج ثم قال لأخيه باستخفاف:
– إيه يا عم مش أنت مأكدلي إنها هي اللي بتتحايل عليك.
وقف أبوهما بطوله الفارع ووجهه المخيف الغاضب يقلب الترابيزة التي تستقر أمامه قائلًا بحدة:
– كلام في الموضوع دا تاني مفيش، وجواز من زينة انسى، وحضر نفسك تتجوز ضحيتك.
وقف يستسمحه أن يسمع له لآخر مرة حتى يبرر له، وقبل أن يتفوه.. لم يتحكم “مهيمن” في موجة غضبه وأمسكه من رقبته بعنف قائلًا من بين أسنانه:
– مش عايز أشوفك ولا أسمع تبرير واحد، أنت طلبت التسجيل وأهو أنت اللي بترجعها كل ما تمشي فخلص الكلام.
نهضت “نايا” تمسك يده تبعدها عن رقبته، ثم أخذته لغرفتهما تهدئه، جلس “وجود” بحسرة والشعور بالظلم، أصبحت حياته عبارة عن سجن كبير، وكل من حوله يتعمدون أن يظلموه، ويكتموا أنفاسه، حتى جعله مقيدًا ولا يقوى على النطق ولا الحركة، فقال بتبرير لـ”مستقبل” ونبرة تائهة:
– والله أنا كنت واقف ورافض ادخل.
فرد عليه بمنطق:
– بس هي اللي بعدت عن الأوضة، وكانت هتمشي تلت مرات وهي بتعيط، وأنت اللي بتشدها وبتحاول تقنعها تدخل.
– لا والله أنا لما رفضت أدخل هي زعلت وكانت هتنزل فعلًا، وأنا شديتها علشان تقول اللي عايزة تقوله وهي رفضت تقول غير جوه، وكل ما افكر إني ما ادخلش تزعل.
– طب ما أنت أهو اللي فتحت الباب وزقتها جوه.
وقف كالأسد الغاضب يبلغه بعصبية:
– يا مستقبل افهمني، والله علشان أعرف هي كانت عايزة إيه، والله والله والله هي اللى طلبت نروح الأوضة.
كانت دموعه اقتربت من التخلي عن مقلتيه، ثم أكمل بهدوء يحمل الضيق:
– على العموم صدقتوا أو ما صدقتوش، خلاص أنا كده كده هتجوزها.
– وزينة؟
– ليها رب كريم.
– طيب كويس إنك بتقول كده وفرت عليا مقدمات وحوارات.
التفت كل منهما على مصدر الصوت، وجدا “شادي” بملامح عابسة، فأكمل حديثه بحدة:
– زي ما خليت بنتي ترتبط بيك في الأيام الأخيرة، بنفسك هتخليها تكرهك وتبعد عنك خالص.
– بس أنا فعلًا بحبها.
قالها بصدق، لكن أخبره “شادي” بحدة:
– حبك دا أخرته جواز؟
مشاعره متخبطة لا يعلم ماذا يريد أو يفعل:
– حاليًا عندي مشكلة مع خطيبتي.
– يبقى مش هيغير، لازم تكرهها فيك لو بتحبها.
تحشرجت الأحرف داخل حلقه، ابتلع ريقه بغصة مرددًا:
– وأنا تحت أمرك يا عمو شادي، شوف تحب أعمل إيه وأنا هعمله، بس بلاش حضرتك كمان تظلمني، أنا فعلًا بحب زينة بس هعمل اللي يرضيك، مع إنه صعب عليا.
– تكسرها وتحطمها وتقول بحبها، حب إيه دا ومن أي نوع، أنت هدمت بنتي وبتطلب ما اظلمكش.
قالها بحزن على حال ابنته، فأردف “مستقبل” بدلًا من أخيه الذي أغمض عينه وضم شفتيه بوجع:
– عمو شادي هو ما مانِعش وقالك اللي يرضيك فخلاص بقى، هو بردو إنسان.
غادر “شادي” بدون أي كلام، ثم انسحب “وجود” لغرفته يغلق على نفسه، ويخرج كل ما بداخله من أحمال وهموم، أقسم “مستقبل” أن يظهر الحقيقة حتى يبرئ أخاه أمام الجميع، ويفوز بحبيبته في آخر المطاف.
تذكر “وجود” ما حدث سريعًا في مقابلته مع “كاميليا”، لم يتذكر سببًا واحدًا ليجعله شهوانيًّا فجأة.
★★★★★
شعر “حازم” بضيق بعدما أوصل الفتاة الإيطالية لمكان آمن، اتصل “بوجود” لم يجِبه فكلم “مستقبل” وقابله في بار، ظل “حازم” صامتًا لم يعرف ماذا يقول وظل يشرب حتى سكر، فأردف “مستقبل” الذي رفض أن يشرب:
– مالك أنت كمان؟
– بحبها ومش عارف أخليها تحبني.
قالها وهو يتنهد بقوة، أخبره “مستقبل” بتساؤل:
– لما تحب تسرق حاجة غالية أووي وفي مكان متحصن جامد تعمل إيه؟
– هحاول ادخل من غير ما حد ياخد باله واسرقه.
– تمام، ولو حد عارضك ووقف في طريقك هتعمل إيه؟
– ههاجمه.. آه ههاجمه.
وقف “مستقبل” يصفق له:
– هو دا اللي لازم تعمله اقتحم أسوارها.
نهض وهو شبه فاقد الوعي، فقال “مستقبل” وهو يسنده:
– خد هنا رايح فين وأنت كده؟
أجابه وهو يتأرجح بطوله:
– هقتحم أسوارها.
– بالشكل دا هتهد أسوارها، استنى هوصلك لتتهد وتعمل حادثة قبل ما توصلها.
صعدا سيارة “مستقبل” وأخبره بجدية قبل أن يدخل منزله:
– فوق كده ولما تكون في وعيك اتكلم معاها.
– هششششش، امشي العب بعيد يا شاطر، يلا هنرش ماية.
كان يقولها وهو ما زال لم يقوَ على أن يوازن نفسه، ويضحك بأعلى صوت، فرد “مستقبل” عليه ممازحًا:
– كده اطمنت إنك لسعت رسمي.
انطلق بسيارته بسرعة جنونية، ودخل “حازم” وهو يتأرجح منزله يحدث نفسه وهو يبحث عن المفتاح، وعندما وجده قبله ثم ابتسم له وفتح الباب، وجدها ترتدي ثيابًا كت وشورت قصير، وعينها كأس من الدم. اقترب بهدوء منها ثم جلس القرفصاء، وبدون أي مقدمات قبل يدها ثم رأسها وأمسك وجهها الغاضب المتشنج، ولم يعطِها فرصة للفرار منه كان يتطلع إلى سوداوياتها بشوق، كانت تنظر له بنظرات تحدٍ وعناد ليس له مثيل، فاقترب منها وعيناه تريد أن تبوح بما يكنه القلب، يريد الصراخ ليقول لها:
– ليه كل العند دا والتحدي اللي في عينيكي؟ عملت إيه معاكي استاهل عليه كل دا منك؟
كانت ترمقه بعينين حادتين ونظرات قاتلة، جعلته يتعجب لماذا كل هذا البغض الذي تكنه له، ثم قالت:
– علشان أنت دايمًا عنيف في معاملتك معايا، دايمًا شايف كل تصرفاتي غلط، وأنت الصح ومفيش حد صح غيرك.
قال باندفاع وحدة وهو يقترب منها ويهز كتفيها بقوة:
– عشان خايف عليكي يا غبية، طول عمري بعتبر نفسي الحارس الخصوصي ليكي، أنتي مكتوبة على اسمي من أول يوم اتولدتي فيه، أنا أول من شافك وطبع أول بوسة على جبينك، كنت أول واحد يشيلك بين إيديه.. كان أنا، أنا اللي اخترت اسمك علشان يكون مربوط باسمي.
كانت عيناها يسود الذهول بداخلها، تسمعه وأذنها لا تصدق ما يتفوه به، أيعقل ما قاله؟ أحقًّا هو من اختار لها اسمها، تشجعت وقالت:
– أنا مش قادرة أصدق الكلام دا كله.
– لو مش مصدقة اسألي والدتي وهي تأكد ليكي كل حرف.
ثم أشار إلى صورة موضوعة على الكومود، التي كُسِر زجاجها من قبل:
– البيبي دي أنتي والطفل دا أنا، يا توتا أنا أبان قدامك إني شديد، لكن كل واحد بياخد حظه من اسمه وأنا طول عمري شايل مسئولية أمي، عمري ما عشت سني.. من يوم استشهاد والدي وكنت حاسس إني أنا مسئول عن أمي وعنك، صفتي الحزم والصرامة، طول الوقت خايف عليكي، وأنتي طول الوقت بتفسري دا تحكم وسيطرة؛ إنما هو حب وخوف من نسمة الهوا لتلمسك وتأذيكي.
ثم يكمل وهو يعترف بالحب الذي يكنه داخل قلبه من سنين:
– توتا أنا بحبك.. بحبك أووي ومتجوزك علشان بحبك، ومفيش شغل طلب مني أتجوز، وعمري في يوم ما هقدر أطلقك ولا ابعد عنك ثانية، توتا نفسي تحسي بيا وتحني عليا إن شاء الله بكلمة تطفي ناري، حبك عامل زي إعصار البحر بياخدني جوه ولا يسيبني اتنفس ولا بيموتني علشان ارتاح.
ارتجف قلبها من آثار كلماته التي لأول مرة تسمعها، ومن الشخص الراسي والحاد، توقفت على فلت يدها وبادلته النظرات نفسها، اقترب برأسه رويدًا حتى وصل لوجنتها قبلها كالذي يتذوق ثمرة شهية المذاق والرائحة، حاولت أن تبتعد عنه لكنها لم تقدر، فابتعد يبتلع ريقه وهو يتمعن النظر في عينيها، مال مرة ثانية يأخذها داخل حضنه بقوة، وقبلها برقة بجانب أذنها حتى ذابت معه ووقعا معًا أرضًا، تقدم يخترق حصونها بأكملها وكانت هي مستسلمة ذائبة تمامًا بين يده وهو يثبت حبه بدمغ ملكيته على جسدها.
عندما استيقظ في الصباح شعر بشيء صلب أسفله، وضع يده يتحسس الفراش، وجد نفسه ينام على الأرض، فتح عينيه بكسل ثم نظر على من تستكين بين ضلوعه.. اندهش، رمق نفسه صدم من هيئته فهو بدون ملابسه، لم يتذكر ماذا حدث حتى يصبحوا هكذا اثنتيهم، وعندما وجدها تتحرك أغمض جفنه سريعًا غير مستعد لأي شجار وهو لا يعلم كيف حدث، فتحت عينيها وهي تبتسم، وهلعت عندما تذكرت كل شيء، قامت وهي تأخذ ثيابها، وقبل أن تركض على أطراف أصابعها أمسكت هاتفها بين أصابعها وتصورت معه، ظلت حبيسة الغرفة لوقت طويل تحارب مشاعرها تارة، وتاره تبتسم وهي تتطلع إلى الصورة التي حدثها عنها، وتارة تلمس شفايفها، وهي تعيد ذكراها وتتذكر حركاته.
أما هو، فكان يريد أن يتذكر ولو شيء واحد مما حدث، ليعرف كيف سيطر عليها، كان سيصاب بسكتة قلبية حقًّا، كيف له أن يقترب منها ولا يتذكر. عندما وصلت حالته إلى أن يوشك على الانفجار ذهب إليها، طرق الباب بهدوء، لم تجبه من إحراجها، فقال:
– توتا عايز اتكلم معاكي، هستناكي تحت.
نهضت تفتح الباب بعدما ظبطت نفاسها، وحين نزلت له لم يعرف ماذا يقول، فأبلغها بمزاح حتى يخفف من خجلها:
– ممكن اعرف برنسيسة البيت سايبة البيت يضرب يقلب ليه.
عادت لحالتها القديمة، ورمقته بحنق ولم تجبه. فقال بابتسامة حينما رأى نظراتها التي تعود عليها:
– عارف إنك بتحبي التحدي، تتحديني؟ ولا شكلك خايف أكسبك.
ردت مسرعة:
– ها، أتحداك طبعًا.
ضحك بتهكم على نسيانها كسوفها، حتى ترضي عنادها وغرورها:
– أنتي هتختاري تحدي وأنا كذلك، واللي هيكسب هيعمل شغل البيت كله، اتفقنا.
حكت مؤخرة رأسها تفكر، ثم وجدته يقلع ثيابه، انصدمت وهي ترجع للخلف تقول بتساؤل وذهول:
– أنت بتعمل إيه؟!
أجابها بهدوء:
– التحدى الأول.
– أنا.. احنا ما اتفقناش على قلة الأدب، ولا هو بقى فرح.
يضحك بضجيج وهو يقترب منها بخطوات تجعلها ترجع للخلف وهي تبلع ريقها:
– شكلك ملكيش في…
قالها وهو يرفع حاجبه الأيسر تجاه البسين، وقفت عندما لصقت بالحائط ترفع كف يدها توقفه وهي تقول بهمس يشبه الهواء:
– هغير و.. أجيلك.
أومأ برأسه بالموافقة، ثم أخفض رأسه حتى أصبح بمقابلة شفتيها المرتعشة، تمكنت من التمسك بأعصابها ونزلت من تحت يده الموضوعة على الحائط، دخلت غرفة ثياب ملابس السباحة وجلست تلتقط أنفاسها، ثم زفرت أنفاسها وقامت مستعدة للتحدي، لكن حركاته كانت تعوق حركتها وتجعلها كالمشلولة، وهو كان يعوم بخفة ولياقة ويغطس ويطلع أمامها فجأة، توقفت عن السباحة ولم تقوى على أخذ أنفاسها الهاربة، صعدت ووقفت على الرخام بجسد مرتعش، خرج من المسبح:
– إيه التحدي لسه ما خلصش.
– تمام، أكيد عارفة حكم المنسحب إيه؟
– آها، مبروك كسبت التحدي.
قالتها وهي تحاول الهرب من أمامه، لكنه تقدم ووقف أمامها يبلغها:
– أنا اللي كسبت، اتفضلي روقي الشقة وأهم شيء المطبخ عايزه بيلمع.
– ماشي.
المرة الجاية هيبقى التحدي إنك تكلميني عدل.
حدقته بغيظ، فقال:
– اسمها حاضر مش ماشي.
تأففت باستشاطة وهي تنصرف من أمامه، دخل حجرته وعلى وجهه ابتسامة انتصار:
– أنا هدخل أنام بتاع ٣٠ دقيقة أصحى ألاقي البيت مراية.
يستقبل الفراش وعلى ثغره ابتسامة، بعدما أبدلت ثيابها بدأت بالمطبخ، تمسك الأواني والأطباق بغيظ ترمقهم ثم تلقيهم أرضًا، وقفت تحدث نفسها بصوت مسموع، وتخرج سخطها بالأواني، حتى لاحظت أن النافذة خلفها لم تخرج نورًا، وكأن أحدهم بنى عليها أو وضع ستارًا ثقيلًا غامقًا، تجمدت مكانها بهلع.
بحث عن
بحث عن
– نعم.
قالتها بعدم فهم، فقال حتى يجعلها تصمت:
– ما تاخديش في بالك.
فكان لا يريد سماع أي شيء.
★★★★★
– توتا دي شمس حياتي، لو ما اصطبحتش بيها على الصبح، اليوم ما يتحسبش من عمري.
أردف بها “حازم” الذي يمسك كف “توتا” بين يده، متأملًا في ليل عينيها بحب، ابتسمت بحب وبادلته نظراته الهائمة التي جعلتها تتلعثم في قولها:
– آه طبعًا.. دا ما يقدرش يفتح عينه غير لما أقوله صباح الخير، علشان بيتفائل بوشي بشكل كأنه الأدرينالين بتاعه اللي من غيره مش هيتحرك أصلًا.
مال على أذنها يقول بصوت رخيم، من تأثره من كلماتها:
– ما كفاية كده، الناس بقت هتاكلنا بعينها.
دهست قدمه أسفل قدمها وهي ترمقه بحدة قائلة بهمس:
– اسكت أنت، أنا لازم أشعوط وأغيظ البت سهير.
رفع قدمه من أسفل قدمها وحركها على ساقها بجرأه وهو يقول:
– كل دا بتمثلي.. والله أنا صدقتك، بس لو كان على إنك عايزة تغيظيها أظيط بقى واطبل، أصل ما يمسكش الطبلة إلا طبال صوابعه تتلف في حرير قبل ما يامس…
– احترم نفسك.
قالتها وهي تقاطعه بعد أن احمرت وجنتها كالفراولة من وقاحته، ثم أرجعت خصلة من شعرها، وهي تبتسم للجميع ابتسامة مستعارة، فرفع يده يظبط شعرها ويجذبها نحوه من خصرها، وقال بسخرية:
– روحي بقى حلاوتها إنها حفظاني، وما بتحاولش تزعلني ولا تستفزني.
– لا والله احلف كده، دا علشان أحاول افكر إني أقتنع.
قالها “مستقبل” الذي كان يرفع مقدمة شفته العليا، ثم حول نظره على “كارما” المستغربة، وترفع حاجبها الأيمن وتمصمص شفتيها، ثم تضيف:
– اسمع كلامكم أصدقكم، أشوف أموركم أستعجب.
زوجة بجوارهم نكزت زوجها وأبلغته بضيق:
– شايف وسامع مش أول ما تشوف وشي على الصبح بيكون هاين عليك تبلعني أنا وعيالك.
أجابها بصوت عالٍ يظهر عليه الضيق:
– ما أنتي لو تعلمي عيالك الأدب يا سهير، بس إزاي مكبرة دماغك.
نظرت إليه بسخرية وهي تمط شفتيها:
– هما أصلًا بيسمعوا ليك لما يسمعوا ليا!
كانت “توتا” تتشبث بيد زوجها، الذي كان يتمنى ألا يترك هذا الحفل ويجعلها دائمًا بالقرب منه حتى آخر نفس داخل صدره، برغم إتقانها دور الحب كانت تتهرب من نظراته التي جعلتها تشعر بشعور غريب، هربت من هذا الشعور بضحكاتها وحديثها عن حب وهم وسراب لم يحدث حتى لثانية واحدة، فقال “حازم” بنبرة منخفضة:
– قولي كمان أهو بدأت أحس بشلل رجلي اليمين، قولي قولي خلينا نولع من كتر الحسد، وياريته على حق.
★★★★★
كان “وجود” يريد “كاميليا” أن تعطيه مساحة وتذهب من جانبه حتى يعاتب من شغلت قلبه وتفكيره، لماذا قالت سرهما الأول لها؟ لماذا لم تعطه الوقت حتى يتصرف بحكمة؟ لكنها لم تتحرك من جواره.
وقبل انتهاء الحفل نزفت “زينة” الدماء من أنفها وأنصرفت من المكان بهدوء، كان من يتابع الموقف أبيها الذي يحترق من داخله على ما وصلت إليه، توعد لـ”وجود” بأن يُدفعه ثمن ما فعله غاليًّا، فهي ابنته الوحيدة وجاءت بعد تعب وحرمان سنوات من العذاب.
استمر الحفل هكذا حتى النهاية، وانصرف الجميع كما أتوا. وعند انصراف “توتا” و”حازم” صعدا إلى السيارة، لم يتجرأ أحد منهما على الحديث، فكأنهما لا يريدان نسيان كل ما حدث حتى ولو كان تمثيلًا، فما مر به من أحداث جعلته منغمسًا داخل نشوة الحب، إنما هي كانت تحرك أناملها ببعضها باستحياء لا تعرف مصدره.
★★★★★
لم يهدأ “مستقبل” عن قرار أخيه المضحي بسعادته، فقال “وجود” لـ”مهيمن” الذي ارتاح حين قال:
– اطمن يا بابا هتجوزها.
هذه الكلمات أشعلت أخاه، فقال بغضب:
– هتتجوز مين؟ أنت اتجننت، دي واحدة فرطت في نفسها بالساهل.
وقف “وجود” قبالته يعنفه بحدة:
– مستقبل مش هسمحلك تتكلم عنها كلمة زيادة.
صاح بهما والدهما فجلسا جانبه، قائلًا بتهكم بعد أن تنهد:
– وجود أنت لو مش بتحبها، أنا لسه عند كلمتي اثبتلي إنها هي اللي اقترحت دخولكم الأوضة زي ما قولت، وأنا ساعتها اللي هجيبلك حقك، غير كده مش عايز كلام كتير يا مستقبل.
قال آخر كلمة وهو ينصرف من وسطهم صاعدًا إلى غرفته، فقال “مستقبل” بعد أن ذهب أبوه بعتاب ولوم:
– وجود أنا مش هسمحلك تهدم حياتك، أنت مش أخويا وبس.. أنت حته مني، وحاسس باللي جواك.
رفع رأسه المنخفضة يجيبه بصوت ضعيف:
– تقدر تقولي هعمل إيه؟
– ساعدني نثبت الحقيقة أنا مصدقك ومتأكد إنك ما طلبتش.
صمت “وجود” بضع ثوانٍ، ولم يجد ما يقوله حتى تذكر:
– مستقبل أنا كنت رافض أدخل الأوضة وكنت قدام الباب بتناقش معاها إننا ما ندخلش.
– أيوه بقى، يا سلام عليك لما تفكر.. من النجمة هروح أشوف الكاميرات، وبكده أنت براءة يا ريس.
ابتسم “وجود” على دليل إنقاذه من هذه الورطة الشنعاء والدليل القاطع على أنها هي من ألحت عليه بدخول الحجرة بالفندق واستدرجته إلى ما حدث لغرض في نفسها لا يعلمه إلا الله.
★★★★★
وصل “حازم” وزوجته بيتهما الصغير ودخل كل واحد منهما يبدل ثيابه، ثم استقلا فراشهما الذي يجمعهما معًا لساعات، تغمض “توتا” جفنها تتصنع النوم، لم ينم “حازم” ظل مستيقظًا يتطلع كل إنش بوجهها الذي يشبه قطة رقيقة شرسة بالوقت ذاته، كانت تشعر بأنفاسه الساخنة تحرق وجهها، تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها من كمية الخجل الذي اعتراها. أنقذها رنين هاتفه، نهض يرى من المتصل، زفرت أنفاسها المحتبسة من الخجل، سمعته يكلم فتاة.. فتحت عين ونصف وتابعته، كان يقف غاضب الوجه، يقبض كف يده بقوة ويخبرها بالإيطالية:
– اسمعي، تعالي لي وحينها لن يعرف أحد بمكانك، ستكونين في حمايتي.
استجابت الفتاة الباكية بخوف ورعب مما ينتظرها، أغلق الهاتف وأصبح كالأسد المقيد يتجول بالحجرة ذهابًا وإيابًا حتى رن جرس المنزل، سارع بفتح باب المنزل فارتمت على صدره تجهش بالبكاء، ربت عليها وهو ينظر نظرة سريعة بالخارج، ثم أدخلها واستمر في تهدئتها، بالحديث تارة والعناق تارة، لم تتحمل “توتا” ما يحدث بالأسفل نزلت بضيق، عندما لمحها قام أمسك يدها وصعد بها، وقبل أن يتحدث قالت بهجوم:
– هي مين المحن اللي تحت دي؟
شعر بغيرتها، فلعب على هذا الوتر بقوله بلامبالاة:
– ويهمك في إيه؟
بللت شفتيها وهي تفكر في جواب منطقي قائلة:
– مش دا بيتي.
– طبعًا.
قالها ببرود، فقالت باندفاع:
– يبقى خدها وامشي من بيتي.
– ولو ما حصلش؟
– ما تعصبنيش.
قالتها بغيرة تندمج مع العند، هز رأسه ومط شفتيه وهو يكرر ما قالته بتريقة:
– ما تعصبنيش.. أممم، هي كرامتك نأحت لما لاقيتيني هضيع منك؟
رمشت بأهدابها بإحراج وهي تقول:
– لا نأحت ولا أدحت طلعني من دماغك أنت بس.
كان لا يريد إشعال ما بداخله أكثر من ذلك، فحدثها بقوة:
– ما تطلعي من دور الأنثى الذكري اللي أنتي منقوعة فيه.
ذهلت من كلماته وقالت بعصبية:
– أنا أنثى الذكر، والله يا حازم ما هقعدلك فيها، خلي البطة اللي تحت تفرشهالك ورد وفل.
مسح وجهه بغضب وهو يبلغها:
– إيه يا بنتي هو مكتوب في القسيمة كل يوم نكد.
– ولا نكد ولا رز باللبن وسع من وشي.
ابتعد خطوة وهو يحذرها بتهديد وهو يرفع حاجبه الأيمن:
– الباب وأنتي عارفة مكانه كويس، ألمح طفيك عنده ورب العزة مش هقول مش هاخدك معايا أي بطولة والكلام دا، هكسرك بنفسي وساعتها هتاخدي إعفاء رسمي، ومش هرحمك حتى لو جيه الكوتش بنفسه.
ثم تركها يغير ملابسه، وقبل أن ينزل مع صديقته نطقت بعناد وغيظ:
– بتهددني يا حازم.
– اعتبري اللي تعتبريه، ومش هحذر تاني.
ثم رحل من المنزل، جلست على جمر من نار بسبب كلماته التي أشعلتها، ظلت تسبه وتلعنه بداخلها، تحاول أن تشجع نفسها على الذهاب، لكنها تعاود التفكير وتخاف غضبه.
★★★★★
في الصباح الباكر المشمس، ذهب “مستقبل” يخرج مقاطع الفيديو لأخيه الذي التقطتها كاميرات المراقبة أمام باب الغرفة، ورجع البيت وهو يطير من الفرحة، جلس “مهيمن” و”نايا” و”وجود” ينتظرون أن يشغل “مستقبل” دليل براءة أخيه، لكن ما حدث جعل “مهيمن” يبصر ابنه باحتقار، تنهدت “نايا” بضيق ثم قالت:
– اقفل الزفت دا يا مستقبل.
ابتلع “مستقبل” ريقه بإحراج ثم قال لأخيه باستخفاف:
– إيه يا عم مش أنت مأكدلي إنها هي اللي بتتحايل عليك.
وقف أبوهما بطوله الفارع ووجهه المخيف الغاضب يقلب الترابيزة التي تستقر أمامه قائلًا بحدة:
– كلام في الموضوع دا تاني مفيش، وجواز من زينة انسى، وحضر نفسك تتجوز ضحيتك.
وقف يستسمحه أن يسمع له لآخر مرة حتى يبرر له، وقبل أن يتفوه.. لم يتحكم “مهيمن” في موجة غضبه وأمسكه من رقبته بعنف قائلًا من بين أسنانه:
– مش عايز أشوفك ولا أسمع تبرير واحد، أنت طلبت التسجيل وأهو أنت اللي بترجعها كل ما تمشي فخلص الكلام.
نهضت “نايا” تمسك يده تبعدها عن رقبته، ثم أخذته لغرفتهما تهدئه، جلس “وجود” بحسرة والشعور بالظلم، أصبحت حياته عبارة عن سجن كبير، وكل من حوله يتعمدون أن يظلموه، ويكتموا أنفاسه، حتى جعله مقيدًا ولا يقوى على النطق ولا الحركة، فقال بتبرير لـ”مستقبل” ونبرة تائهة:
– والله أنا كنت واقف ورافض ادخل.
فرد عليه بمنطق:
– بس هي اللي بعدت عن الأوضة، وكانت هتمشي تلت مرات وهي بتعيط، وأنت اللي بتشدها وبتحاول تقنعها تدخل.
– لا والله أنا لما رفضت أدخل هي زعلت وكانت هتنزل فعلًا، وأنا شديتها علشان تقول اللي عايزة تقوله وهي رفضت تقول غير جوه، وكل ما افكر إني ما ادخلش تزعل.
– طب ما أنت أهو اللي فتحت الباب وزقتها جوه.
وقف كالأسد الغاضب يبلغه بعصبية:
– يا مستقبل افهمني، والله علشان أعرف هي كانت عايزة إيه، والله والله والله هي اللى طلبت نروح الأوضة.
كانت دموعه اقتربت من التخلي عن مقلتيه، ثم أكمل بهدوء يحمل الضيق:
– على العموم صدقتوا أو ما صدقتوش، خلاص أنا كده كده هتجوزها.
– وزينة؟
– ليها رب كريم.
– طيب كويس إنك بتقول كده وفرت عليا مقدمات وحوارات.
التفت كل منهما على مصدر الصوت، وجدا “شادي” بملامح عابسة، فأكمل حديثه بحدة:
– زي ما خليت بنتي ترتبط بيك في الأيام الأخيرة، بنفسك هتخليها تكرهك وتبعد عنك خالص.
– بس أنا فعلًا بحبها.
قالها بصدق، لكن أخبره “شادي” بحدة:
– حبك دا أخرته جواز؟
مشاعره متخبطة لا يعلم ماذا يريد أو يفعل:
– حاليًا عندي مشكلة مع خطيبتي.
– يبقى مش هيغير، لازم تكرهها فيك لو بتحبها.
تحشرجت الأحرف داخل حلقه، ابتلع ريقه بغصة مرددًا:
– وأنا تحت أمرك يا عمو شادي، شوف تحب أعمل إيه وأنا هعمله، بس بلاش حضرتك كمان تظلمني، أنا فعلًا بحب زينة بس هعمل اللي يرضيك، مع إنه صعب عليا.
– تكسرها وتحطمها وتقول بحبها، حب إيه دا ومن أي نوع، أنت هدمت بنتي وبتطلب ما اظلمكش.
قالها بحزن على حال ابنته، فأردف “مستقبل” بدلًا من أخيه الذي أغمض عينه وضم شفتيه بوجع:
– عمو شادي هو ما مانِعش وقالك اللي يرضيك فخلاص بقى، هو بردو إنسان.
غادر “شادي” بدون أي كلام، ثم انسحب “وجود” لغرفته يغلق على نفسه، ويخرج كل ما بداخله من أحمال وهموم، أقسم “مستقبل” أن يظهر الحقيقة حتى يبرئ أخاه أمام الجميع، ويفوز بحبيبته في آخر المطاف.
تذكر “وجود” ما حدث سريعًا في مقابلته مع “كاميليا”، لم يتذكر سببًا واحدًا ليجعله شهوانيًّا فجأة.
★★★★★
شعر “حازم” بضيق بعدما أوصل الفتاة الإيطالية لمكان آمن، اتصل “بوجود” لم يجِبه فكلم “مستقبل” وقابله في بار، ظل “حازم” صامتًا لم يعرف ماذا يقول وظل يشرب حتى سكر، فأردف “مستقبل” الذي رفض أن يشرب:
– مالك أنت كمان؟
– بحبها ومش عارف أخليها تحبني.
قالها وهو يتنهد بقوة، أخبره “مستقبل” بتساؤل:
– لما تحب تسرق حاجة غالية أووي وفي مكان متحصن جامد تعمل إيه؟
– هحاول ادخل من غير ما حد ياخد باله واسرقه.
– تمام، ولو حد عارضك ووقف في طريقك هتعمل إيه؟
– ههاجمه.. آه ههاجمه.
وقف “مستقبل” يصفق له:
– هو دا اللي لازم تعمله اقتحم أسوارها.
نهض وهو شبه فاقد الوعي، فقال “مستقبل” وهو يسنده:
– خد هنا رايح فين وأنت كده؟
أجابه وهو يتأرجح بطوله:
– هقتحم أسوارها.
– بالشكل دا هتهد أسوارها، استنى هوصلك لتتهد وتعمل حادثة قبل ما توصلها.
صعدا سيارة “مستقبل” وأخبره بجدية قبل أن يدخل منزله:
– فوق كده ولما تكون في وعيك اتكلم معاها.
– هششششش، امشي العب بعيد يا شاطر، يلا هنرش ماية.
كان يقولها وهو ما زال لم يقوَ على أن يوازن نفسه، ويضحك بأعلى صوت، فرد “مستقبل” عليه ممازحًا:
– كده اطمنت إنك لسعت رسمي.
انطلق بسيارته بسرعة جنونية، ودخل “حازم” وهو يتأرجح منزله يحدث نفسه وهو يبحث عن المفتاح، وعندما وجده قبله ثم ابتسم له وفتح الباب، وجدها ترتدي ثيابًا كت وشورت قصير، وعينها كأس من الدم. اقترب بهدوء منها ثم جلس القرفصاء، وبدون أي مقدمات قبل يدها ثم رأسها وأمسك وجهها الغاضب المتشنج، ولم يعطِها فرصة للفرار منه كان يتطلع إلى سوداوياتها بشوق، كانت تنظر له بنظرات تحدٍ وعناد ليس له مثيل، فاقترب منها وعيناه تريد أن تبوح بما يكنه القلب، يريد الصراخ ليقول لها:
– ليه كل العند دا والتحدي اللي في عينيكي؟ عملت إيه معاكي استاهل عليه كل دا منك؟
كانت ترمقه بعينين حادتين ونظرات قاتلة، جعلته يتعجب لماذا كل هذا البغض الذي تكنه له، ثم قالت:
– علشان أنت دايمًا عنيف في معاملتك معايا، دايمًا شايف كل تصرفاتي غلط، وأنت الصح ومفيش حد صح غيرك.
قال باندفاع وحدة وهو يقترب منها ويهز كتفيها بقوة:
– عشان خايف عليكي يا غبية، طول عمري بعتبر نفسي الحارس الخصوصي ليكي، أنتي مكتوبة على اسمي من أول يوم اتولدتي فيه، أنا أول من شافك وطبع أول بوسة على جبينك، كنت أول واحد يشيلك بين إيديه.. كان أنا، أنا اللي اخترت اسمك علشان يكون مربوط باسمي.
كانت عيناها يسود الذهول بداخلها، تسمعه وأذنها لا تصدق ما يتفوه به، أيعقل ما قاله؟ أحقًّا هو من اختار لها اسمها، تشجعت وقالت:
– أنا مش قادرة أصدق الكلام دا كله.
– لو مش مصدقة اسألي والدتي وهي تأكد ليكي كل حرف.
ثم أشار إلى صورة موضوعة على الكومود، التي كُسِر زجاجها من قبل:
– البيبي دي أنتي والطفل دا أنا، يا توتا أنا أبان قدامك إني شديد، لكن كل واحد بياخد حظه من اسمه وأنا طول عمري شايل مسئولية أمي، عمري ما عشت سني.. من يوم استشهاد والدي وكنت حاسس إني أنا مسئول عن أمي وعنك، صفتي الحزم والصرامة، طول الوقت خايف عليكي، وأنتي طول الوقت بتفسري دا تحكم وسيطرة؛ إنما هو حب وخوف من نسمة الهوا لتلمسك وتأذيكي.
ثم يكمل وهو يعترف بالحب الذي يكنه داخل قلبه من سنين:
– توتا أنا بحبك.. بحبك أووي ومتجوزك علشان بحبك، ومفيش شغل طلب مني أتجوز، وعمري في يوم ما هقدر أطلقك ولا ابعد عنك ثانية، توتا نفسي تحسي بيا وتحني عليا إن شاء الله بكلمة تطفي ناري، حبك عامل زي إعصار البحر بياخدني جوه ولا يسيبني اتنفس ولا بيموتني علشان ارتاح.
ارتجف قلبها من آثار كلماته التي لأول مرة تسمعها، ومن الشخص الراسي والحاد، توقفت على فلت يدها وبادلته النظرات نفسها، اقترب برأسه رويدًا حتى وصل لوجنتها قبلها كالذي يتذوق ثمرة شهية المذاق والرائحة، حاولت أن تبتعد عنه لكنها لم تقدر، فابتعد يبتلع ريقه وهو يتمعن النظر في عينيها، مال مرة ثانية يأخذها داخل حضنه بقوة، وقبلها برقة بجانب أذنها حتى ذابت معه ووقعا معًا أرضًا، تقدم يخترق حصونها بأكملها وكانت هي مستسلمة ذائبة تمامًا بين يده وهو يثبت حبه بدمغ ملكيته على جسدها.
عندما استيقظ في الصباح شعر بشيء صلب أسفله، وضع يده يتحسس الفراش، وجد نفسه ينام على الأرض، فتح عينيه بكسل ثم نظر على من تستكين بين ضلوعه.. اندهش، رمق نفسه صدم من هيئته فهو بدون ملابسه، لم يتذكر ماذا حدث حتى يصبحوا هكذا اثنتيهم، وعندما وجدها تتحرك أغمض جفنه سريعًا غير مستعد لأي شجار وهو لا يعلم كيف حدث، فتحت عينيها وهي تبتسم، وهلعت عندما تذكرت كل شيء، قامت وهي تأخذ ثيابها، وقبل أن تركض على أطراف أصابعها أمسكت هاتفها بين أصابعها وتصورت معه، ظلت حبيسة الغرفة لوقت طويل تحارب مشاعرها تارة، وتاره تبتسم وهي تتطلع إلى الصورة التي حدثها عنها، وتارة تلمس شفايفها، وهي تعيد ذكراها وتتذكر حركاته.
أما هو، فكان يريد أن يتذكر ولو شيء واحد مما حدث، ليعرف كيف سيطر عليها، كان سيصاب بسكتة قلبية حقًّا، كيف له أن يقترب منها ولا يتذكر. عندما وصلت حالته إلى أن يوشك على الانفجار ذهب إليها، طرق الباب بهدوء، لم تجبه من إحراجها، فقال:
– توتا عايز اتكلم معاكي، هستناكي تحت.
نهضت تفتح الباب بعدما ظبطت نفاسها، وحين نزلت له لم يعرف ماذا يقول، فأبلغها بمزاح حتى يخفف من خجلها:
– ممكن اعرف برنسيسة البيت سايبة البيت يضرب يقلب ليه.
عادت لحالتها القديمة، ورمقته بحنق ولم تجبه. فقال بابتسامة حينما رأى نظراتها التي تعود عليها:
– عارف إنك بتحبي التحدي، تتحديني؟ ولا شكلك خايف أكسبك.
ردت مسرعة:
– ها، أتحداك طبعًا.
ضحك بتهكم على نسيانها كسوفها، حتى ترضي عنادها وغرورها:
– أنتي هتختاري تحدي وأنا كذلك، واللي هيكسب هيعمل شغل البيت كله، اتفقنا.
حكت مؤخرة رأسها تفكر، ثم وجدته يقلع ثيابه، انصدمت وهي ترجع للخلف تقول بتساؤل وذهول:
– أنت بتعمل إيه؟!
أجابها بهدوء:
– التحدى الأول.
– أنا.. احنا ما اتفقناش على قلة الأدب، ولا هو بقى فرح.
يضحك بضجيج وهو يقترب منها بخطوات تجعلها ترجع للخلف وهي تبلع ريقها:
– شكلك ملكيش في…
قالها وهو يرفع حاجبه الأيسر تجاه البسين، وقفت عندما لصقت بالحائط ترفع كف يدها توقفه وهي تقول بهمس يشبه الهواء:
– هغير و.. أجيلك.
أومأ برأسه بالموافقة، ثم أخفض رأسه حتى أصبح بمقابلة شفتيها المرتعشة، تمكنت من التمسك بأعصابها ونزلت من تحت يده الموضوعة على الحائط، دخلت غرفة ثياب ملابس السباحة وجلست تلتقط أنفاسها، ثم زفرت أنفاسها وقامت مستعدة للتحدي، لكن حركاته كانت تعوق حركتها وتجعلها كالمشلولة، وهو كان يعوم بخفة ولياقة ويغطس ويطلع أمامها فجأة، توقفت عن السباحة ولم تقوى على أخذ أنفاسها الهاربة، صعدت ووقفت على الرخام بجسد مرتعش، خرج من المسبح:
– إيه التحدي لسه ما خلصش.
– تمام، أكيد عارفة حكم المنسحب إيه؟
– آها، مبروك كسبت التحدي.
قالتها وهي تحاول الهرب من أمامه، لكنه تقدم ووقف أمامها يبلغها:
– أنا اللي كسبت، اتفضلي روقي الشقة وأهم شيء المطبخ عايزه بيلمع.
– ماشي.
المرة الجاية هيبقى التحدي إنك تكلميني عدل.
حدقته بغيظ، فقال:
– اسمها حاضر مش ماشي.
تأففت باستشاطة وهي تنصرف من أمامه، دخل حجرته وعلى وجهه ابتسامة انتصار:
– أنا هدخل أنام بتاع ٣٠ دقيقة أصحى ألاقي البيت مراية.
يستقبل الفراش وعلى ثغره ابتسامة، بعدما أبدلت ثيابها بدأت بالمطبخ، تمسك الأواني والأطباق بغيظ ترمقهم ثم تلقيهم أرضًا، وقفت تحدث نفسها بصوت مسموع، وتخرج سخطها بالأواني، حتى لاحظت أن النافذة خلفها لم تخرج نورًا، وكأن أحدهم بنى عليها أو وضع ستارًا ثقيلًا غامقًا، تجمدت مكانها بهلع.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غرورها جن جنوني ) اسم الرواية