رواية اوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد عبر مدونة دليل الروايات
رواية اوصيك بقلبي عشقا الفصل الواحد و العشرون 21
“سأجرّك إلى الجحيم ؛ سأجرّك إلى هناك بنفسي !”
_ مالك
كان نافذ الصبر بالفعل، بينما تدفع “مايا” مفتاح الشقة بالقفل، طفق ينفخ و يتململ بعصبيةٍ، فتمتمت “مايا” بارتباكٍ و هي تسرع في حركاتها :
-حاضر و الله بفتحه. إهدا شوية يا مالك !
محاولة أخرى و نجحت، فمد أخيها يده و أزاحها من طريقه بعنفٍ لدرجة إنها تأوّهت، شق “مالك” طريقه مباشرةً إلى الحمام، فتح صندوق الإسعافات المعلق أعلى حوض المياه، تناول بعنض المناديل المُبللة و أخذ يمسح شفته المقطوعة من الدماء …
-وريني كده ! .. هتفت “مايا” من ورائه و هي تضع يدها على كتفه
لكن عضلاته تشنّج تحت لمستها و لم يستجيب لها، لم تقبل بهذا و استدارت حوله حتى تمكنت من الوقوف أمامه، أمسكت بوجهه بيديها و تفحصّته و الجزع يفترش مُحيّاها، لا يوجد سوى بعض الكدمات، لكن فمه ينزف بشدة …
-يا خبر. بؤك محتاج خياطة يا مالك ! .. قالتها “مايا” عابسة بوهنٍ شديد :
-ماما لو شافتك كده هاتتخض. ماينفعش توريها نفسك خالص …
زفر “مالك” بغضبٍ و هو يدفع يديها بعيدًا عنه، ولّى متوجهًا إلى غرفته فتبعته أخته، لكنه لم يعطها الفرصة لتلج معه، أغلق الباب بوجهها بالمفتاح، ثم مشى نحو خزانته، فتحها مجتذبًا أحد الادراج، عبث داخله للحظاتٍ، حتى إلتقط انبوبًا ضئيلًا، أخذخ و وقف امام المرآة، بعد أن نظف جرح شفته بالمنديل و المطهر الذي كواه بشدة، فتح الأنبوب و ضغط بسبابته و ابهامه ليملأ الجرح بمادة الصمغ القوي السريع، بمجرد أن أغلق به الجرح حتى إلتئم في الحال و لم يُعد ينزف ؛
أغلق الخزانة بعنفٍ حين فرغ، و أخذ يطوف بأرجاء الغرفة على غير هدى و هو يتذكر كل شيء، كل المشاهد و الأصوات تتداخل و تتشابك برأسه الآن، رفع يداه ممسكًا بمؤخرة عنقه بشدة و ذلك المشهد من أوّله لا ينفك يضربه بقوةٍ …
*****
كان في الطريق إليها و قد اصطحب أخته إمتثالًا لآوامر “أدهم”.. لم يتبقَ على الوصول عند بيتها سوى ثلث ساعة تقريبًا، فأستلّ هاتفه و أجرى إتصالًا بها …
-أيوة يا حبيبتي. جهزتي و لا لسا !؟
-أنا بلبس يا مالك خمس دقايق و هابقى جاهزة. انت قدامك أد إيه ؟
-لأ أنا قربت عليكي خلاص
-أنا مش هتأخر. هاخلص بسرعة
-خدي راحتك يا إيمان ماتستعجليش. أنا مستنيكي
-تمام. باي !
تركها هي لتغلق الخط من عندها و ألقى بالهاتف أمامه فوق لائحة لقيادة، لم تمر لحظات إلا و سمع أخته تتذمر، حانت منه نظرةً إليها، ليجدها تتأفف و هي تدس هاتفها بحقيبتها مغمغمة :
-إيه القرف ده بس. موبايلي فصل شحن و نسيت الباور بنك.. امشي إزاي أنا دلوقتي !؟؟
مالك بسخرية : هو المشي ماينفعش منغير موبايل. فعلاً يعني.. للدرجة دي !
ابتسمت له بالتواءٍ قائلة :
-يا ظريف. خطيبي بيكلمني كل شوية. أقوله إيه لما يلاقي موبايلي مقفول ؟
اخشوشن صوت “مالك” و هو يرد عليها :
-قوليلي كنت مع أخويا. يقدر يتكلم أصلًا !!
لوّحت “مايا” بكفها في حركة تنم عن سأمٍ، ثم ما لبثت أن خطفت هاتفه و هي تقول :
-وريني موبايلك ده. على الأقل نسمع أغاني عليه بدل الملل …
هز “مالك” رأسه بيأسٍ و ركّز على الطريق أمامه، لكن “مايا” جذبت إنتباهه و هي تهتف بتعجبٍ :
-الله ! انت نسيت تقفل الخط. موبايلك لسا فاتح مكالمة مع إيمان
عبس “مالك” و هو يأخذ منها الهاتف قائلًا :
-معقول. إيمان شكلها نسيت الخط مفتوح …
و وضع الهاتف على أذنه مرهفًا السمع، فإذا به يميّز بعد عدة محاولات.. صوت “سلاف” تجري حوارًا حادًا مع زوجته… حادٌ.. بل صادمٌ للغاية !!!
إيمان : إنتي مالكيش حق تظني فيا السوء بالذات و إنتي ماتعرفيش حاجة يا سلاف
سلاف : إيه إللي ماعرفوش يا ست إيمان. إنتي بعضمة لسانك حكيتي لي عن علاقتك القديمة بمرادك. اعترفتي إنك بتحبيه بس الأكيد ماكنتيش شجاعة كفاية تعترفي بذنبك و تقولي إنك غلطتي معاه !؟
إيمان : إنتي مش فاهمة حاجة !
سلاف : فهميني ! لو مش فاهمة فهميني. و اقنعيني إزاي أكدب عنيا إللي شافتك معاه في سريرك يا إيمان. إنتي و هو منغير هدوووم.. اقنعيني إن إللي شوفته ده وهم مثلًا….. إنتي يا إيمان ؟ إنتي تعملي كده.. دي كانت آخر حاجة ممكن تخطر على بالي. لأ دي كانت مستحيل تيجي قدام عنيا أصلًا. ليه كده. إنتي خلتيني بعد ما كنت حطاكي في مكانة عالية و شايفاكي زي الملايكة.. مابقتش قادرة أبص في وشك. بقيت قرفانة منـك !!!!
إيمان : ماحصلش حاجة ! و الله يوم ما شوفتينا ماحصلش حاجة بيني و بينه. و أنا اساسًا اتفاجئت بيه. ماكنتش عارفة إنه جاي. هو عرف إني لوحدي عشان جه و كان بيقنعني أسيب مالك عشان نتجوز أنا و هو. و لما رفضت هددني و جرني على الأوضة غصب عني. إنتي جيتي في الوقت الغلط.. ماكنش هايعمل حاجة. كان بيخوفني بس عشان أغيّر قراري. و الله دي الحقيقة !!!
سلاف : الراجل إللي يتجرأ على واحدة بالشكل ده إستحالة مايكونش قرّب منها كفاية. تقدري تنكري إن ماحصلش بينك و بينه أي قرب. تقدري تقسمي بالله إنه مالمسكيش يا إيمان !؟؟؟
انتظر و هو على وشك أن يفقد عقله، يريدها أن تنكر ما تتهمها زوجة أخيها، يريدها أن تنفيه نفيًا قاطع… لكنها لم تفعل.. بل لم يسمع صوتها بعد ذلك أبدًا !!!!
-مالك !
انتزعه صوت أخته من استغراقه المميت، رفع الهاتف عن أذنه و لم ينظر إليها …
-مافيش حاجة !! .. رد “مالك” باقتضابٍ مريب
فنظرت له “مايا” بشكٍ، لكنها لم تصر عليه، و لاحظت تاليًا أنه قد أزاد من سرعة السيارة، بقيت إلى جواره صامتة و قد نسيت أمر الترفيهات بالأغاني تمامًا
كانت تشعر أن هناك أمرٌ جلل.. و قد صدق حدسها و وصل ليرى بالدليل الدامغ
أرملة أخيه، و زوجته هو الآن، في أحضان حبيبها !!!!!
*****
خرج “مالك” من الذكرى محتقن الوجه بشدة، و كأن الدخان سيأتي من أذنيه، كان يقبض بيديه على حافة سريره، أحسّ أن واجهة الخشب سوف تنكسر في قبضتيه لو ضغط أكثر …
تراجع فجأةً و هو يُطلق السِباب بصوتٍ مكتومٍ و يتوّعد بينما ينظر لإنعكاسه الشيطاني بالمرآة :
-مش هاسيبك يا إيمان.. و رب سيف. أقسم بالله ما هاسيبك !!!
*****
مشيت أمه في إثره خطوةً بخطوة و هي تحدثه بلا إجابةٍ منه، هكذا وصولًا إلى غرفته، وقف أمام الشرفة المفتوحة موليًا لها ظهره، لا يريدها أن تقرأ مشاعره التي لم تنفك تستوضحه عنها، و حتى هذه اللحظة لم تتوقف …
-انت مش هاتعرف تهرب مني تاني ! .. صاحت “رباب” بتحفظٍ به لمحة غضبٍ
أمسكت بذراعه الصلب و جذبته بقوةٍ :
-بصلي يا مراد و كلّمني. بقولك بصلي أنا عاوزة أفهم !!
كان مستحيلًا أن تجعله يلتفت رغم إرادته، لكنه طاوع رغبتها و سمح لحركة يدها أن تديره ناحيتها، رفع وجهه أخيرًا و نظر إليها تلك النظرة التي تكون فيها عينيه في كسرةٍ مع حاجبيه جبينه، رموشه الطويلة مُسبلة قليلًا ؛
شعرت و كأنه عاد صبيًا للتو، تلك النظرة التي لم تكن بقادرة على مقاومتها، تعني أنه في أصدق لحظاته و أكثرها حقيقةً …
-أنا بحب إيمان يا ماما ! .. اعترف “مراد” بهدوءٍ و ثبات
حدقت فيه “رباب” بغرابةٍ بادئ الأمر
لم تستطع إبتلاع كلماته، رفعت حاجبها و كأنها تتساءل إذا كانت قد سمعها بشكلٍ صحيح …
-انت بتقول إيه. إيمان.. إيمان بنت خالتك أمينة !؟؟
أومأ برأسه مرةً واحدة، ليتحوّل تعبيرها من الذهول إلى الغضب :
-مش ممكن. انت أكيد بتهرج. إيمان.. إيمان دي متجوزة دلوقتي !!!
رد عليها بخشونةٍ :
-و قبل ما تتجوز خالص كنت بحبها. ماما.. بقولك بحب إيمان. إيمان أول حب في حياتي. و عايزها. أنا عايزها يا ماما و لازم تساعديني !
رباب مشدوهةٍ : أساعدك ! انت بتقول إيه أصلًا. يابني انت من شهر فات كنت مطلق و في حالة نفسية وحشة. مش كنت بتحب هالة و عاوز ترجعها !؟؟؟
مراد باستياءٍ حانق :
-خلاص من فضلك يا ماما. ماتجبيش سيرتها. أنا مش بتكلم عن هالة دلوقتي !!
-ليه ؟ عشان لسا بتحبها هي و مشاعرك لسا متلخبطة !
-لأ مش عشان كده !!! .. صاح بفجاجةٍ
كان كتفيه يرتعشان الآن من شدة الإنفعال، أصر على كلامه و هو يستطرد بغلظةٍ :
-أنا بحب إيمان. من و احنا عيال كنا بنحب بعض. جوازي من هالة كان جواز تقليدي. ماكنش مبني على أي مشاعر بنت كانت مناسبة ليا ماديًا و اجتماعيًا اتجوزتها.. العلاقة كانت باردة. ماحبتنيش. و أنا كمان اكتشفت إن عمري ما حبيت غير إيمان !
هزت رأسها غير مصدقة، و قالت بلهجة أكثر لطفًا و هي تتقرب إليه :
-مراد يا حبيبي. أكيد ده مش حب.. بس لنفرض إنك بتحبها. و هي دلوقتي ست متجوزة. و قبلها أرملة و أم لطفلة.. دي حياة صعبة و مسؤولية تقيلة عليك. انت عندك استعداد تدخل في المشاكل دي كلها ؟ فكر في خالتك. أدهم. فكر فينا كلنا.. أنا مش فاهمة. انت عاوز تعمل إيه يعني أو طالب مني أساعدك إزاي !!؟
أغمض “مراد” عينيه مطلقًا زفرةً طويلة، ثم نظر لها ثانيةً و قال بجفاءٍ :
-و لا حاجة. مش عايز مساعدتك خلاص.. أنا هاعرف أتصرف كويس !
و أنتزع نفسه من بين يديها، حاولت استبقائه بشتّى الطرق، لكنه لم ينصت و غادر المنزل كله، لا يعرف وجهةٍ يذهب إليها …
*****
حانت ساعة العشاء.. “أدهم” يترأس المائدة، أمه تجلس على يمينه، و زوجته تجلس على شماله و صغارها يتراصون بجوارها
أما “إيمان” فجلست بجوار أمها، تضع طفلتها “لمى” بحضنها، تحاول طوال الوقت حبس الدموع بعينيها بينما تلهي نفسها باطعام الصغيرة، و لم تغفل للحظة نظرات “سلاف” لها، نظرات كلها لا تنم سوى عن الإحتقار و الإشمئزاز
لقد تعرّضت للآذى كثيرًا اليوم، تفتت فؤادها بشكلٍ مُهين، اليوم تعرّت و شعرت بتهديدٍ كاد يقتلها حقًا …
طوال العشاء تجنّب “أدهم” الحديث عمَّا جرى ظهر اليوم، آثر فقط تبادل المزاح مع الصغار و مناقشة أمه حول أصناف الطعام الشهيّة، كانت نيّته أن يجالس أخته فيما بعد و يتحدث إليها، ذلك إن وجد حالتها تسمح الليلة بإثارة أيّ حديث
لا زال يدرسها.. و لو لم يبدي ذلك مباشرةً …
-الباب يا عمتو ! .. قالتها “سلاف” و هي تقوم لتبحث عن نقابها
ربت “أدهم” على مرفق والدته قائلًا :
-خليكي يا أمي أنا قايم أفتح ..
و قام “أدهم” ماسحًا يديه بمنديلٍ من القماش، ثم توّجه نحو باب الشقة، مد يده و فتحه على الفور… كانت ملامحه عادية.. حتى رآى أمامه “مالك” !!
تصلّب “أدهم” تمامًا، وقف مكانه يحدق بزوج أخته فقط، أصابعه تمسك بمقبض الباب بقوةٍ، كلّما تذكر كلمات “مراد” و أن ذاك الأخير أراد حقًا أن يؤذي “إيمان” و يمد يده إليها بسوءٍ، كانت النيران تستعر بداخله، يحجّم نفسه بصعوبةٍ حتى لا يتهور عليه …
-مساء الخير يا أدهم ! .. قالها “مالك” مبتسمًا بوداعةٍ
كان يضع اللاصق الطبّي أسفل حاجبه الآن، و قد بدّل ثيابه الرسمية بأخرى رياضية مريحة …
-إيمان موجودة !؟
تكلّم “أدهم” بجمودٍ فظ :
-هاتروح فين يعني. طبعًا موجودة.. خير يا مالك عايز إيه ؟
مالك بلطفٍ : إذا سمحت يعني. ممكن أدخل أشوفها !؟
-ليـه ؟ عشان تمد إيدك عليها تاني ؟؟
-أنا عايز أعتذرلها. من فضلك يا أدهم.. اسمح لي بس أقعد معاها خمس دقايق. أرجوك !
إنها زوجته، و إذا أرادها فله ذلك بكل تأكيد، لا يحق لـ”أدهم” منعها عنه، لذلك، تنحى جانبًا و سمح له بالدخول أخيرًا …
دلف “مالك” مبتسمًا بود :
-متشكر !
رافقه “أدهم” إلى الشرفة، جعله ينتظر هناك، ثم عاد إلى حجرة الطعام ثانيةً …
-إيمان ! .. هتف “أدهم” مناديًا على أخته برفقٍ
تطلعت “إيمان” إليه و هي تناول طفلتها كأس العصير خاصتها، رمقها الأخير بتعاطفٍ و قال :
-مالك هنا.. عاوز يشوفك !
شحب لون “إيمان” فورًا، فطمأنها أخيها بثقةٍ :
-لو مش عايزة تقابليه هاخليه يمشي …
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ، و قالت بصوت أبح :
-لأ.. هاشوفه !!
رغم أن صوتًا بداخلها توسلها ألا تفعل.. لكنها قمعته… و قامت متجهة إلى حيث يجلس بانتظارها !
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اوصيك بقلبي عشقا ) اسم الرواية