رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثالث و الاربعون 43
خرجت بإنفعال الى الحديقة تهم بالمغادرة عندما فوجئت به ينتظرها في نفس المكان لترفع حاجبها بتساؤل فيخبرها دون أن يتقدم نحوها :-
” تأخرتِ قليلا لكن لا بأس …”
سألت وهي تسير نحوه :-
” علام تأخرت ..؟! لا أفهم مقصدك ..”
إبتسم بسخرية مرددا :-
” سنغادر سويا …”
قاطعته بجدية :-
” أنا سأغادر لوحدي كما أتيت .. وأنت يمكنك أن تغادر ..”
هتف بصلابة :-
” ستغادرين معي يا حياة …”
تمتمت بعناد :-
” وأنا لا أريد أن أغادر معك …”
توقفت وهي ترى نظراته تتجه خلفها لتستدير فترى ماذي تتقدم نحوهما وهي تهمس بتشتت :-
” حياة توقفي لحظة ..”
لكن حياة باغتتها وهي تجذب نديم من ذراعه :-
” لنغادر هيا ..”
” حياة ارجوكِ .. فقط إسمعيني ..”
قالتها ماذي برجاء صادق ليتسائل نديم بجدية :-
” ماذا يحدث بينكما …؟!”
لكن حياة صاحت بها بطريقة جعلت نديم نفسه يجفل من عصبيتها الغير مبررة :-
” إخرسي ولا تتحدثي ولا أريد رؤية وجهك مرة أخرى ..”
أكملت من بين أسنانها وهي تتقدم نحوها بشراسة محررة ذراع نديم من قبضتها :-
” إبتعدي عنا …”
إبتلعت ماذي دموعها التي كانت على وشك الهطول وهي تردد :-
” حسنا سأبتعد .. لن أقترب منكما مجددا .. هذا وعد ..”
ثم نظرت الى نديم الذي يتابع الموقف بجبين متغضن فقالت قبل أن تغادر المكان :-
” أنت لديك زوجة رائعة .. تعشقك بجنون .. تفعل أي شيء لأجلك .. أنت محظوظ بها حقا .. حافظ عليها يا نديم ..!!”
ثم غادرت تاركة حياة تتابعها بملامح حانقة وهي لم تصدق تلك البراءة المفاجئة التي هطلت عليها وحديثها الأخير ..!!
بينما تابعها نديم وهي تغادر بملامح مدهوشة متسائلا عما حدث وجعل ماذي تتحدث هكذا وتنطق بجملتها الأخيرة والغريب إنه رغم كرهه لها إلا إنه شعر بصدق إعتذارها وما تبعه من كلمات نابعة من أعماقها ..
” ماذا حدث يا حياة ..؟!”
نطق بها أخيرا يقطع بها شرود حياة التي إستدارت نحوه تهمس بغموض :-
” سأخبرك ولكن ليس هنا ..”
عقد ذراعيه أمام صدره يسألها :-
” أين إذا ..؟!”
أجابت بتردد وهي تدرك إن مواجهة كهذه لا يمكن أن تتم في مكان عام :-
” في شقتك ..”
رفع حاجبه مرددا بسخرية متعمدة :-
” منذ قليل كنتِ ترفضين المغادرة معي حتى والآن تطلبين مني التحدث في شقتنا ..”
وأكد على لفظ ” شقتنا ” لتهمس بنفس الخفوت :-
” هناك شيء مهم يجب أن تعرفه والأفضل أن نتحدث هناك ..”
إضطر ألا يقول شيئا آخر وملامحها كانت جادة تماما وبها لمحة من التوتر فهز رأسه موافقا وهو يطلب منها أن ترافقه حيث وضع سيارته ..
ركبت جانبه وشغل هو سيارته ثم بدأ في القيادة متجها الى الشقة عندما وصلا أخيرا الى هناك ..
هبط كلاهما من السيارة وصعدا الى الشقة عندما فتح نديم الباب وأفسح لها المجال لتدخل فولجت الى الداخل بتردد و عيناها تتأملان المكان بتوتر ملحوظ أزاحه وهو يسألها بينما يلقي مفاتيحه فوق الطاولة التي تتوسط المكان :-
” أخبريني إذا .. ماذا كنتِ تريدين إخباري ..؟؟”
نزعت حقيبتها ووضعتها على الكرسي جانبها ثم نظرت له بتردد قبل أن تتحدث :-
” ماذي ..”
زفر أنفاسه وهو يردد بضيق يسيطر عليه لا إراديا عندما تذكر إسم تلك الفتاة :-
” ما بها ماذي هانم ..؟!”
أخفضت عينيها من مواجهة عينيه تردد بخفوت خجل :-
” كان معك حق بشأنها .. هي ليست فتاة جيدة ودخولها حياتنا لم يكن عبثا …”
سألها نديم وهو يتقدم نحوها بتروي مصطنع :-
” الجملة الأولى فهمتها ولكن ماذا تقصدين بإن دخولها حياتنا لم يكن عبثا ..؟!”
رفعت عينيها المرتبكتين نحوه تحاول ترتيب حديثها لكنها لم تعرف كيف تفعل ذلك فوجدت نفسها تخبره بعدما أخذت نفسا صامتا :-
” ماذي تلك … ”
صمتت لتجد التساؤلات والشكوك بلغت ذروتها في عينيه فتضيف بنفس الخفوت الذي صاحب حديثها من البداية :-
” ماذي من طرف عمار يا نديم …”
ورغم شكوكه حولها منذ أول لقاء وقلقه من وجودها في حياته لكن إدراك حقيقة هذا كان وضعا مختلفا تماما …
نعم كان يشك منذ البداية .. يشعر بوجود خطب ما ورغم هذا عندما تأكد حدسه وما شعر به نحو الفتاة شعر بصفعة قوية تدوي فوق وجهه من جديد ..
……………………………………………
كان يعتصر هاتفه بعصبية وعيناه تطلقان شرارات نارية مخيفة ..
لقد كشفته .. كشفت خطته بسهولة …
تلك البلهاء .. تلقي على مسامعه حكم فارغة … تسخر منه وتتوعده ..
اللعنة عليك يا نديم .. اللعنة عليك وعلى كل من يقف خلفك ..
إبتسم ساخرا من نفسه وهو يرى نفس الموقف يتكرر بإختلاف الأشخاص ..
سابقا ليلى والآن حياة …
ونفس الشخص يجمع كلتيهما …
نفس العشق والدفاع والتوعد والقتال لأجله هو …
كان يظن إن ضياع ليلى منه سيحطمه دون رحمة ويقضي على جميع آماله ..
كان يظن إن حكايته ستنتهي الى هنا فيعيش حبيس ظلماته كما تمنى هو دائما ..
لكن تلك الفتاة ظهرت من العدم ..
أتت ودمرت مخططاته ..
دمرت ما خطط له ونفذه بحرفية عالية ونجح فيه وكان سيستمر في نجاحه لولا دخولها هي في المعادلة ..
دخول لم يخطر على باله ..
الحمقاء الصغيرة التي إخترقت ظلام أخيه وعالمه المعتم لتجذبه نحو عالم جديد ومختلف فيه أمل ورجاء .. عالم فيه حياة …!!
تلك الغبية تتمسك به بكل قوتها .. تدافع عنه بكل ما تملكه من شراسة … تفديه بروحها إذا إقتضى الأمر ..
تفعل كل هذا لأجل شخص بات لا يساوي شيئا ..
شخص وضعه هو على الهامش بعدما نزع كافة أسلحته منه ..
ورغم كل هذا تتمسك به وتحبه وتناضل لأجله كما فعلت من سبقتها ..
غمغم بحقد :-
” اللعنة عليك يا حياة … واللعنة عليك أنت أيضا يا ليلى .. وأنا من ظننت إن كل شيء إنتهى بفراقكما لتأتي تلك الصغيرة وتدمر جميع مخططاتي …”
زفر أنفاسه بغيظ وعقله يستعيد كلماتها فيبتسم ساخرا مرددا بتهكم :-
” شعارات المثالية الزائفة وكلام فارغ لا أساس له …”
توقف عن أفكاره وهو يراها تتقدم نحوه .. ترتدي روبا محتشما يغطي معظم جسدها تتأمله بصمت إمتد للحظات قبل أن تهتف :-
” عمار ..!!”
نظر لها مرددا ببرود :-
” نعم …”
سألته بتردد :-
” هل أنت بخير ..؟!”
رد بتهكم خفي :-
” بخير جدا …”
أضاف وهو يتقدم نحو علبة المشروب الكحولي يصب لنفسه منها :-
” ولكن غريب .. مالذي أخرجك من غرفتك التي تعتزلين فيها منذ مدة طويلة ….؟!”
تأملت الكأس الذي يرفعه نحو ثغره بعينيه غاضبتين لتتمتم بجمود :-
” منذ متى وأنت تجلب هذه المشروبات الى هنا ..؟!”
جلس فوق الكنبة يرتشف من مشروبه ثم يجيب وهو يرفعه عاليا :-
” ماذا حدث …؟! ألا تدركين إنني أتناول هذه المشروبات ..؟!”
أضاف وهو يهز كتفيه ببساطة :-
” عادي …”
تقدمت نحوه تهمس بقوة :-
” كلا ليس عادي يا عمار …”
أضاف وعيناها تشملانه بنظرات حارقة :-
” أنت تعرف رأيي في هذا الموضوع .. انا لا أقبل أن تشرب هذه المشروبات … وأنت لا تشربها فقط بل تدخلها الى المنزل الذي أمكث فيه …”
مط شفتيه مرددا بلا مبالاة وهو يتراجع بظهره الى الخلف :-
” انا حر ..”
صاحت معترضة :-
” كلا انت لست حرا ..”
أكملت وهي تلهث أنفاسها :-
” طالما نحن نعيش في مكان واحد فأنت لست حرا ولا يحق لك أن تتصرف كما تريد في المكان الذي يجمعنا ..”
أنهت حديثها بحزم :-
” هذه المشروبات لن تدخل الى المنزل مرة أخرى ..”
رفع حاجبه وهو يسألها بإستهزاء :-
” وإذا لم أفعل ..؟! ماذا ستفعلين ..؟!”
جذبت الكأس من كفه ورمته أرضا ليتحطم الى قطع زجاجية صغيرة ثم لحقته بقنينة المشروب عندما إنتفض من مكانه يهدر بها وهو يجذبها من ذراعها :-
” هل جننت يا هذه ..؟! ماذا جرى لكِ..؟!”
ردت بتحدي وهي تحاول التملص من قبضته :-
” ألم تسألي ماذا سأفعل .. ؟! ها أنا جعلتك ترى ما سأفعل …”
جذبها نحوه أكثر حتى تلاقات عيناها الغاضبتين بعينيه الحادتين يصيح بها بغضب :-
” توقفي عن حماقاتك يا شيرين وإلا..”
قاطعته تضحك وهي تتجاهل قبضته القاسية على ذراعها :-
” وإلا ماذا يا عمار ..؟! ماذا ستفعل ..؟! هل ستضربني ..؟! أم ستطلقني …؟!”
نظر لها يهمس بعدم تصديق لهذا التحول الذي طرأ عليها :-
” ماذا جرى لك يا شيرين ..؟! مالذي غيرك فجأة ..؟؟”
أضاف وهو يهزها بعنف :-
” لماذا تتصرفين هكذا ..؟! مالذي جعلك هكذا أخبريني ..؟!”
صرخت أخيرا بصوت مبحوح من شدة الوجع :-
” إستيقظت … إستيقظت من غفوتي ومن مشاعري التي سيطرت علي إتجاهك فأغمت عيني عن كل أخطائك …”
حررها بذهول لتضيف والدموع تملئان مقلتيها :-
” نعم أحببتك .. أحببتك منذ سنوات وعندما رأيتك مجددا إستيقظت مشاعري نحوك .. مشاعري التي ظننت إنها إنتهت أسفل رماد الماضي ولكن تبين لي العكس فهي ظهرت مجددا بقوة حتى سيطرت علي تماما … ”
أكملت وهي تكتم دموعها بقسوة :-
” ولكن كالعادة … مهما سيطرت مشاعرنا علينا يأتي يوم وتستيقظ عقولنا مجددا تنبهنا بالأخطاء التي أمامنا والتي سبق وتغاضينا عنها مسبقا بسبب مشاعرنا العمياء …”
سألها بجمود :-
” عن آية أحطاء تتحدثين ..؟! عن علاقاتي السابقة ..؟! رغبتي بالزواج من مريم ..؟! ”
أكمل وهو يفتح ذراعيه :-
” هذا أنا يا شيرين .. هذا عمار الحقيقي .. عمار الذي لم يكن يوما مثاليا ولا قديسا فلا تحاولي أن تجعلي نفسك الزوجة المخدوعة التي ظنت إنها تزوجت رجلا لم يعرف سواها ثم صدمتها تعدد علاقاته ..”
أضاف وهو يلوي ثغره :-
” نعم كان لدي علاقات وأنت بالطبع لم تتوقعِ إنني كنت أعيش راهب …”
قاطعته بألم :-
” لم أقل هذا ولم أتوقع منك هذا بالطبع ولكن …”
قاطعها بدوره :-
” لكن ماذا ..؟! كل هذا بسبب رغبتي بالزواج من مريم سابقا …”
أضاف بقوة :-
” أخبرتك إن هذا كان سابقا … كان قبل عودتنا سويا … لم لا تفهمين ذلك ..؟!”
همست بصعوبة :-
” نعم ، هو كذلك … ”
أضافت وهي تسير نحوه :-
” لكن ماذا عن القادم ..؟! أخبرني يا عمار … ”
إسترسلت تلقي بأسئلتها الحائرة عليه :-
” ماذا سيحدث فالمستقبل ..؟! هل ستتوقف تماما عن علاقاتك تلك أم ستعود إليها بعد فترة عندما يغمرك الملل ..؟! والأهم هل ستتوقف عن تصرفاتك المؤذية بحق من حولك ورغبتك المجحفة بالإنتقام من أقرب الناس لك فقط كي ترضي غرورك …؟! هل ستخرج من هذا المستنقع المظلم الذي رميت نفسك به أم ستغرق به أكثر حتى لا تجد من يستطيع أن ينقذك منه ..؟!”
ضحك مرددا بعدم تصديق :-
” يا إلهي .. عدنا من حيث بدأنا … الفلسفة المقرفة والمثاليات الفارغة ..”
همست مصدومة :-
” حديثي أصبح فلسفة مقرفة …”
صرخ بها :-
” نعم ..!!”
أضاف متجاهلا إرتجاف جسدها بسبب صراخه :-
” نعم فلسفة مقرفة ومثاليات لا تتوقفين عن التمسك والتصريح بها.. هذا أنا يا شيرين .. أنت عرفتني هكذا ورضيتي بي هكذا فلا تأتين الآن وترفضين ما أنا عليه ..”
قالت والدموع تساقطت فوق وجنتيها :-
” كنت أظن إنك ستتغير .. إنك ستبدأ حياة جديدة معي ولكن …”
ضحك يهتف :-
” هذه أحلام اليقظة عزيزتي ..”
أكمل بقسوة :-
” كما إنني لم أعدك بشيء ولم أطلب منك التغيير او بداية حياة مختلفة لإنني لا أريد ذلك ..”
هتفت تبرر :-
” انا أردت ذلك … لإنني أحبك أردت أن نبدأ حياة جديدة تجمعنا سويا .. حياة يكون أساسها الحب والمودة والرحمة والسلام …”
قال وعيناه تنظران الى عينينها الباكيتين بقوة :-
” من يحب شخص بحق يحبه كما هو ولا يسعى الى تغييره ..”
أضاف بنفس القوة رغم إنقباض قلبه في تلك اللحظة :-
” إذا كنت تحبيني حقا فتقبليني كما أنا بجميع أخطائي … ”
أنهى حديثه وتلك الإنقباضة تضاعفت فشملت روحه بأكملها ورغم ذلك تجاهلها :-
“وأذا لم تستطيعي التقبل يمكننا الإنفصال …”
أنهى حديثه وغادر المكان تاركا إياها تتابع رحيله بحسرة فكتمت دموعها وآهاتها داخل قلبها بقوة ..
……………………………………
ما إن سمع ما تفوهت به حتى تلبسه الجنون …
صرخ بإسم شقيقه بغضب مخيف ثم إندفع يحمل هاتفه ويجري إتصالا وأنفاسه ترتفع وتهبط بشكل مقلق تماما …
تقدمت نحوه تهمس بخفوت :-
” نديم …”
لم يجبها .. كانت ملامحه منقبضة تماما … وكفه تعتصر الهاتف بقوة مخيفة … عروقه كانت بارزة تدل على مدى الغضب الذي يحمله داخله وملامح وجهه تؤكد ذلك ..
خوفها تضاعف عليه وهي تهمس بإسمه مجددا تحاول لمس كتفه لكنها إنتفضت عندما سمعته يصيح بمن تسبب بهذا الغضب :
” ماذا تريد مني أيها النذل الحقير ..؟! ألن تتوقف عن حقارتك أبدا …؟! ألا حدود لك أيها القذر ..؟!”
وضعت كف يدها على صدرها بخوف بديهي وعيناها تتابعانه وهو يصرخ ويسب ويلعن دون توقف وقد بدا شخصا ثانيا غير الذي عرفته …
لم تفهم ما قاله أخيه ليصرخ به مجددا وهي تكاد تجزم إن حباله الصوتية سوف تتمزق من شدة صوته وإرتفاعه :-
” سأقتلك يا عمار .. هذه المرة سأقتلك … إنتظرني لإنني سآتي غدا و آخذ روحك بإذن الله …”
ثم أغلق الهاتف ورماه أرضا وعيناه تحولتا الى بركة من الدماء بلونيهما الأحمر بينما صدره ما زال يعلو ويهبط ..
تأملته لثواني بألم وتمنت لو لم تخبره لكن هذا ليس حلا فهو كان يجب أن يعلم بمخططات أخيه كي يتوخى الحذر كما فكرت غالية وطلبت منها إخباره بما حدث وهي أيدتها رغم شفقتها عليه ..
تقدمت نحوه وهو يقف مكانه بأنفاس مرتجفة بل جسد يرتجف كاملا من شدة الغضب عندما وقفت أمامه ثم ما لبثت أن همست بنبرة حنون:-
” نديم حبيبي …”
همس بصوت غير واعي :-
” لن يتركني بشأني أبدا مهما حدث .. لن يرتاح حتى يدمرني تماما … لا أفهم لماذا لم يقتلني وينهي هذا الأمر .. ”
ضحك مضيفا بنفس اللاوعي:-
” ولكن لماذا سيفعل ..؟! لماذا سيقتلني مرة واحدة وهو بإمكانه أن يقتلني ألف مرة ..؟!”
همست بدموع ترقرقت داخل عينيها وهي تحاول إحتضانه :-
” نديم ..”
قبض على كتفيها يهتف وعينيه تشتعلان بجحيم لا مفر منه :-
” أخبرني إنه لن يتركني .. إنه لن يتركني أحيا بسلام .. إنه سيبقى خلفي دائما .. كان سعيدا .. منتشيا وفخورا بنفسه …”
إحتضنت وجهه بكفيها تردد بصوت لاهث :-
” ليذهب الى الجحيم .. هو لا يمكنه أن يفعل أي شيء .. مهما حاول … ”
صرخ وهو يقبض على كفيها ويهبط بهما نحو الأسفل :-
” بل فعل وسيفعل .. لقد لاحقني حتى هنا .. كان معي ويدرك كل شيء يحدث معي .. كان يعلم كل شيء عني ويدس السم في حياتي وأنا في قارة أخرى … عمار لا يتوقف .. لا يتراجع .. لا يمكن أن يرتاح حتى يدمرني كليا وكأنه لم يفعل ..”
أضاف بنبرة متحشرجة :-
” هو يستخسر بي حتى أن أحيا بشكل إعتيادي … يستخسر أبسط الأشياء بي ..”
أضاف ضاحكا بجنون :-
” لم يكفيه إنه دمرني .. جعلني أخسر كل شيء .. إنه وصمني بتهمة ستبقى ملتصقة بي طوال العمر .. إنه سرق خطيبتي ومستقبلي وجعلني مجرد مجرم سابق لا أحد ستيقبله أو يحترمه .. بعد كل هذا ما زال يريد تدميري .. لماذا …؟! ”
تسائل وعاد يسأل وبدأ غضبه وآلمه يتفاقم :-
” لماذا يفعل بي كل هذا … لماذا لا يتركني وشأني ..؟! لماذا لا يكف عن ملاحقتي …؟! لماذااااااا ..؟!”
صرخ بها للمرة الأخيرة بشكل جعلها تنتفض جريا نحوه تحتضنه بينما هو كان هائجا ليدفعها بعد لحظات وهو يصرخ بثوران وعينيه تتحركان داخل المكان بجنون :-
” لإنني إبن صباح .. لإنني إبن المرأة التي تسببت بطلاق والدته .. بحرمانه منها .. ما ذنبي أنا ..؟؟ ما علاقتي أنا …؟! لمَ عليَّ أن أتحمل أخطاء غيري ..؟! لم عليَّ أن أدفع ثمن أخطاء لم أرتكبها ..؟!”
سار نحوها يسألها هي هذه المرة :-
” لماذا يا حياة ..؟! أخبريني أنت .. ماذا فعلت أنا به لأستحق منه هذا …؟! انا لم أقترب يوما منه .. لم أؤذه بكلمة حتى .. لطالما تغاضيت عن تصرفاته السيئة في حقي لأجل والدي .. والدي الذي كان يخبرني إنه أخي الوحيد ويجب أن أراعيه وأتحمله وأتفهمه .. والدي الذي لم يكن يعلم إن أخي الوحيد وسندي كما دعاه هو أول من سيلقي بي نحو الجحيم .. والدي الذي بسبب بكريه أصبحت ألعنه ألف مرة لإنه تخلى عن ديانا وتزوج صباح ..!!”
” نديم …”
هتفت به وهي تحتضن وجهه مجددا تضيف بدموع حارة :-
” توقف من فضلك .. انت لا ذنب لك .. هو الشيطان .. هو الذي غلبه شيطانه وما زال يغلبه .. لكن صدقني سيأتي يوم يسقط به .. وحينها سيكون سقوطه مدويا لا رجعة منه ..”
هتف هازئا :
” متى ..؟! عندما أموت مثلا …”
” توقف …”
صرخت به بحزم ليقاطعها بقسوة :-
” لن أتوقف يا حياة .. هل تعلمين لماذا ..؟! لإن طريقي القادم بلا رجعة .. سأموت يا حياة ولكن ليس قبله أن أقتله وآخذ ثأري بيدي هايتين …”
عادت تصرخ مجددا :-
” توقف ..”
وهي تضيف بدموع ونبرة باكية :-
” أياك أن تقولها مجددا .. ألا تعلم إنني لا يمكنني الحياة بدونك …؟! أنا أموت بعدك يا نديم …”
أضافت وهي تضع جبينه فوق جبينها :-
” إهدأ من فضلك … انا أعلم صعوبة ما تمر به .. لكن عليك أن تعلم إن هذا ما يريده … يريدك أن تنهار … أن تضعف … أن تنهزم …”
سأل بسخرية مؤلمة :-
” ألم يفعل يا حياة ..؟!”
إبتعدت عنه قليلا تهتف بصوت صارم واثق :-
” كلا لم ولن يفعل .. أنت قوي يا نديم … ستتخطى جميع ما حدث وتنتصر في النهاية ولا تنسى إن الحق معك وهذا يعني إن الله معك … الله لن يتركك يا نديم .. حاشاه أن يتخلى عنك .. توكل على الله .. ”
نظر إلى عيناه اللتان تنظران له بثبات وعزيمة تشبه حديثها رغم الدموع المتراكمة داخلهما فهمس بتردد وقد نال منه التعب والضعف بعد هذا الإنهيار الموجع :-
” عانقيني …”
أكمل وعيناه تحتضان تفاصيل وجهها الذي إشتاق له :-
” عانقيني يا حياة فأنا أحتاج عناقك الآن أكثر من أي شيء ..”
وهي لم تنتظر لحظة واحدة حيث سارعت تعانقه بلهفة … تعانقه وتمنحه كل ما تملكه من حب وحنو ورعاية ودفء ..
وهو غرق داخل أحضانها .. تشبث بها وكأنها طوق نجاته ..
أغمض عينيه وهو يشدد من عناقه لها ..
يستسلم لرحاب جنتها … يستنشق عبيرها ويغرق فيها ..
وهي تحتويه … تشدد من عناقه بدورها .. تهمس بكلمات لا يفهم معظمها لكنها تريحه … دفء صوتها يريحه .. أنفاسها تهدئه وكأنها تملك تعويذة خاصة تسيطر من خلالها عليه وعلى كافة حواسه …
همست وهي ما زالت تعانقه :-
” حبيبي .. كل شيء سيكون بخير .. كل شيء سيتغير نحى الأفضل ..”
أضافت وهي تحارب الدموع ، تمنحه دعما غير مشروط :-
” صدقني يا نديم … كل شيء سيصبح أفضل .. فقط توكل على الله وإصبر .. ”
فتح عينيه وجسده ما زال يتشبث بجسدها يرفض إبتعاده عنه فشعرت هي بذلك فشددت من عناقه حتى شعر بروحها تتوحد مع روحه تخبره بثبات رغم وجعها لأجله :-
” أنا هنا .. معك .. لن أتركك أبدا …”
تمتم أخيرا وأنفه يتشمم خصلات شعرها القصيرة برائحتها الناعمة :-
” حياة .. ”
أضاف وقد جعله وجودها بين ذراعيه في هذا الوقت تحديدا مثيرا لروحه التي تحتاجها وتشتاق لها بجنون …
” نعم حبيبي …”
ردت فتغضن جبينه وهو يسألها بينما يبتعد قليلا عنها فتتلاقي عيناه بعينيها بينما جسدهما ما زالا يتعانقان دون فكاك :-
” هل ما زلت حبيبك ..؟!”
همست بضعف :-
” هل تشك في ذلك ..؟!”
نظر لها بتوجس محته وهي تضيف بإبتسامة رقيقة :-
” ألم تدرك بعد إنك الأول والوحيد … أنني أحبك بحماقة .. أحبك دون توقف ..”
همس وهو يشعر بأنفاسه تتوقف داخل صدره من شدة تأثيرها به :-
” حياة ..”
همست بنفس الرقة :-
” نعم يا نديم …”
هتف بجدية:-
” قولي أحبك مجددا …”
إبتسمت بخفوت وهي تردد بعينين لامعتين :-
” أحبك .. أحبك .. أحبك يا نديم …”
في تلك اللحظة لم يعد يرغب بشيء سواها وسوى التنعم في جنة أحضانها ..
كان يريدها هي فقط .. يريدها بكل كيانه ….
كان شوقه لها قد بلغ ذروته …
يرغبها بكل ما تعنيها الكلمة من معنى …
يريدها ولا يريد شيئا سوى أن تكون بين ذراعيه ..
وفي خضم كل هذا نفذ ما قاله مسبقا وبدأ بالقبلة وما تلا تلك القبلة كان يفوق الخيال …
كل شيء بدا مثاليا وأرواحهما تتعانق بتلك القبلة التي طالت دون شعور كليهما حتى وعت حياة أخيرا وهي تهمس بينما بالكاد تحرر شفتيها من شفتيه :-
” نديم ، لا يجوز .. نحن لم نعد متزوجين ..”
لكنها قاطع حديثها وعيناه تلتهمان تفاصيل وجهها المحمر بشوق جارف:-
” أنا رددتك الى عصمتي منذ أول يوم أيتها الحمقاء ..”
تطلعت إليه بذهول قاطعه وهو يعانقها مجددا .. يقبلها بشغف كبير .. يتعلق بها وكأنها آخر ما تبقى له على هذه الأرض … !
……………………………………………………..
بعد مدة من الزمن ..
جذبت فستانها ترتديه وهي تتأمله بقلق حيث يجلس على الكنبة يدخن سيجارة أشعلها منذ ثواني وقد إختفي الرجل الذي كان معها منذ دقائق …
لم تكن تعلم إنه غرق معها وبها حد الثمالة ..
نسي روحه وما حدث معه بين أحضانها …
سلبته هي أحزانه وآلامه عندما أخذها بين ذراعيه ..
هو أخذها بين ذراعيه وهي أخذته حيث جنتها التي ينسى نفسه وماضيه وحاضره بها ..
لكن كالعادة عاد كل شيء يطفو الى السطح …
بعدما إنتهى ما جمعهما ..
لم يكن يريد تركها .. لم يكن يرغب أن تبتعد عنه ولكنه مجبر فالقادم لا يحتمل التأجيل .. وهو لا يمكنه أن يغرق أكثر ويتناسى ما ينتظره …
تقدمت نحوه بعدما إرتدت فستانها تلمس ظهره العاري حيث إكتفى بإرتداء بنطاله تسأله بعذوبة :-
” نديم .. هل أنت بخير ..؟!”
جذب كفها نحو فمه .. يقبله بلطف لا يشبه حالته التي هي عليها الآن …
يقبلها مرة ثانية ثم ثالثة فتحتضن هي جسده من الخلف بحب بل عشق جارف لا نهاية له ..
أغمض عينيه للحظات مستمعا بما يحدث ..
يتمنى لو ينتهي كل شيء ويبقى هو هكذا .. هنا معها مستمتعا بحبها ودفئها وعطائها اللا محدود …
لكن كالعادة أفكاره بل واقعه الذي يعايشه طغى من جديد ..
بالكاد جاهد وهو يتحدث بصعوبة عليه أكثر مما ستكون عليها :-
” غادري …”
تجمدت ملامحها للحظات لكن سرعان ما إستعادت وعيها وهي تهمس بينما ما زالت تعانقه :-
” ماذا قلت ..؟!”
قال بجمود يؤكد ما سمعته مجددا :-
” غادري يا حياة …”
حررت جسده من عناقها تهتف بدهشة لا تستوعب ما سمعته :-
” ماذا تقول أنت …؟! ”
هتف بصوت بارد كالصقيع :-
” قلت غادري يا حياة …”
هزت رأسها بعنف تحاول إنكار ما سمعته قبل أن تتقدم نحوه تنحني بجسدها نحو رأسه المنحني أرضا تسأله بعدم تصدق :-
” ماذا تقول أنت يا نديم …؟!! ماذا يعني أغادر ..؟؟”
لم يجبها فضغطت على ذقنه ترفع وجهه الواجم نحوها تسأله مجددا :-
” أجبني يا نديم .. ماذا تعني بقولك هذا ..؟!”
ردد بإنفعال صامت :-
” يعني غادري يا حياة .. غادري من هنا ..”
ثم نهض من مكانه مبتعدا عنها عندما سارت خلفه تسأله بيأس :-
” مالذي حدث مجددا ..؟! منذ قليل كنا ..”
قاطعها وهو يستدير نحوها يصيح بها :-
” قلت غادري … ألا تفهمين ..؟! ”
صاحت بنفس الطريقة :-
” كلا لا أفهم .. ولن أغادر حتى أفهم … لن أتحرك خطوة واحدة حتى أفهم ما حدث ..”
أضافت والدموع عادت تأخذ طريقها الى مقلتيها :-
” منذ دقائق كنا سويا … كنا بأفضل حالاتنا وأنت كنت ..”
تقدم نحوها يقبض على ذراعها يردد :-
” ألم تريدي الطلاق من قبل ..؟! ألم تسعِ لذلك ..؟!! ألم تطلبي الفراق مرارا ..؟! ألم ترغبِ بالإبتعاد ..؟!”
صاحت بدموع حارقة :-
” نعم ولكن هذا تغير بعدما حدث ..”
هتف بهدوء مفتعل :-
” لن يتغير … إنسي ما حدي قبل قليل … ”
سألته وهي تتحرك خطوتين الى الخلف بنبرة مصدومة :-
” ماذا يعني إنسيه ..؟! مالذي تقوله أنت …؟!”
هتف ببرود لا يشبه النار المشتعلة داخله :-
” يعني إنسيه يا حياة … ”
أضاف بقسوة يتعمدها كي تتركه وترحل :-
” ما حدث كان خطئا …”
همست بصعوبة :-
” خطئاً ..؟!!! هل تعي ما تقوله أنت ..؟!”
هز رأسه يؤكد ما يقوله :-
” نعم يا حياة .. لقد غلبتني رغبتي مجددا .. لكن هذا لم يكن يجب أن يحدث أبدا … لكن لا بأس .. سننساه … سنتخطاه .. وكلا منا سيذهب في طريقه كما قررتِ مسبقا …”
تقدمت نحوه مجددا تجذبه من كفه تسأله بنبرة مجنونة :-
” أنت قلت إنك رددتني إلى عصمتك … قلت إنني عدت زوجتك .. مالذي تغير فجأة ..؟! لماذا تفعل بي هذا ..؟! لماذا تفعل بنا هذا ..؟!”
صاح بجنون هو الآخر :-
” هل تريدين أن تصيبيني بالجنون يا هذه … ؟! ألم تكوني تريدين هذا …؟! ألم تكوني ترغبين بهذا ..؟!”
أضاف وهو يقسو بكلماته عليها أكثر .. يضغط عليها أكثر كي تبتعد فما ينتظره من مجهول معتم يخصه وحده وهي لن تكون جزءا منه ..
لن تكون ضحية جديدة من ضحاياه …
” يجب أن تغادري … نحن لا يمكن أن نعود مجددا .. هل تعلمين لماذا ..؟!”
تصلب فكه بقوة وهو يضيف :-
” لإنني لن أمنحك ما تريدين .. لن تنالي مني ما تتمنينه .. الحب .. المشاعر .. لإنني لم ولن أحبك وأنتِ مهما حاولتِ أن تتجاهلي هذه الحقيقة لن تستطيعي …”
أكمل وهو يضغط على جرحها أكثر ودموعها تنحر قلبه دون رحمة :-
” انا لن أحبك يا حياة .. أنت تستحقين رجل يحبك بحق .. لا تستحقين رجلا يقتات على حبك دون أن يمنحه مردوده الذي يستحق .. ”
صاحت بدموعها التي تغرق وجنتيها :-
” توقف …”
أكملت وهي تقبض على ذراعيه تهزه بعنف باكي :-
” ماذا تقول أنت ..؟! الآن تذكرت إنكَ لا تحبني …. بعد كل ما حدث .. بعدما أخذتني بيه ذراعيك و …”
توقفت عن الحديث وهي تشعر بألم حاد يغزو صدرها يجعلها ترغب بالصراخ والبكاء دون توقف ..
همس بصعوبة :-
” أنت قلت قبل ساعة تقريبا إنه لا ذنب لكِ إنك تبحثين عن الحب ولا تجدينه عندي وأنا سأقول لك إنه ليس ذنبي إنني لا أمتلك داخلي الحب الذي تبحثين عنه .. إنني لم ولن أمنحك يوما ما تتمنينه من حب …”
تأملته بعدم تصديق فأنهى كلماته بحزم وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها :-
” غادري هيا .. وليكن بعلمك انا سأسافر غدا مساءا لذا سأطلقك رسميا في أرض الوطن ….”
مسحت على وجهها بصعوبة ثم تحركت بآلية تسحب حقيبتها وتخطو بخطوات متأرجحة خارج المكان ليبقى هو مكانه للحظات حتى تأكد من مغادرتها عندما همس وهو يعتصر قبضتي يديه بقوة :-
” أنا آسف .. سامحيني .. يوما ما ستفهمين إنني فعلت هذا لأجلك … ”
……………………………………………………
ساعات طويلة مرت وهي ما زالت تجلس فوق سريرها ..
تبكي بصمت لفترات وتتوقف عن البكاء لفترات أخرى ..
عقلها لا يستوعب ما حدث .. قلبها يخبرها إنه يكذب ..
إنه نطق بتلك الكلمات القاسية مجبرا لكن عقلها يجبرها على التصديق ..
تعلم إنه محطم .. مجروح تماما …
تتفهمه ربما لأول مرة بهذا الشكل …
ولكن حديثه كان قاسيا جدا .. مؤلما جدا وبشعا جدا ورغم هذا تكاد تقسم إنه كان يتألم مثلها .. يتعذب مثلها …
نظرت الى وجهها في المرآة المقابلة لها تسألها إذا ما كانت تتوهم .. تتوهم حزنه الذي شعرت به دون أن ينطق …تتوهم رغبته بقربها رغم طرده من حياتها بحسم …
تعود وتنهر نفسها .. تخبرها إن إحساسها به لا يمكن أن يكون خاطئ .. هي لا تتوهم .. كلا هي لا تفعل ..
بعد كل ما جمعهما باتت تفهمه … تعرفه .. وتحفظه عن ظهر قلب ..
نديم الذي تعرفه جيدا لم يكن ليتفوه بهذه الكلمات حتى لو أراد الفراق …
كان سيتحدث حينها بحذر شديد ..
نديم ليس هكذا .. لم يكن ليتحدث هكذا ..
لكنه كان يتعمد ذلك .. يتعمد جرحها وذكر أسوء كوابيسها كي تتركه .. كي تغادر حياته .. كي ترحل …
توقفت عن أفكارها وهي ترى والدتها تقتحم غرفتها تهتف بحزم :-
” تركتك منذ البارحة تبكين وتعانين لوحدك بناء على طلبك ولكن الآن يجب أن أفهم ما حدث ….”
همست حياة بصوت باكي وهي التي كانت تحتاج في تلك اللحظة لأي شخص يسمعها ويساعدها :-
” ماما أنا تعبت … حقا تعبت …”
تقدمت أحلام نحوها بلهفة وجذبتها نحو أحضانها تتسائل بقلق :-
” ماذا حدث يا حياة ..؟! ماذا حدث يا إبنتي …؟! تحدثي .. فضفضي لي … انا والدتك …”
تمسكت حياة بأحضانها وهي تبكي بصمت بينما والدتها تحاول تهدئتها قدر المستطاع وفهم ما يحدث معها ..
إبتعدت من بين أحضان والدتها أخيرا تخبرها :-
” لقد طلب مني الرحيل .. قال إنه لم يعد يريدني …”
نظرت لها والدتها بدهشة للحظات قبل أن تقول بتروي :-
” لماذا ..؟! هل تشاجرتما مجددا ..؟! على أساس إنك ستذهبين الى حفلة صديقة مشتركة بينكما و …”
قاطعتها حياة بدموعها المؤلمة :-
” هو يفعل ذلك متعمدا … يبعدني عنه متعمدا ..”
” لماذا ..؟!”
سألتها والدتها بعدم فهم لتتنهد حياة بصمت وهي لا تعرف ماذا تقول ..
هل تخبرها إن ماضيه وخلافه طويل الأمد مع أخيه هو السبب أم تخبره كذبته التي تصدقها …
همست بنبرة عاجزة :-
” لا أعلم .. لكنني متأكدة إنه يتعمد ذلك .. يتعمد إقصائي من حياته ..”
” حسنا .. أليس هذا ما كنتِ تريدنه …؟! كنت تريدين الفراق … ”
قالتها والدتها بجدية لترمقها من أسفل رموشها وهي ترغب أن تصرخ بأعلى صوتها :-
( نعم هذا ما كنت أريده .. هذه كانت رغبتي .. نعم ولكن الآن تغيرت .. لا يمكنني تركه .. ليس وهو يعاني بهذه الطريقة .. لا يمكنني تركه وحيدا ..)
همست بضعف تجذب نفسها من بين أفكارها بقوة :-
” نعم …”
عادت والدتها تسألها رغم حذرها :-
” مالذي تغير إذا ..؟!”
تمتمت بخفوت :-
” إنني أدركت مدى خطئي بحقه .. أنا أذيته يا ماما … أذيته وخذلته كما فعل الجميع …”
أضاف وهي تكتم دموعها :-
” تخليت عنه في أصعب الأوقات …”
سألتها بجدية :-
” لماذا لم تخبريه هذا إذا ..؟!”
أجابت حياة بعجز :-
” لا أعلم .. هو لم يمنحني الفرصة أساسا ..”
أضافت وهي تكتم شهقاتها :-
” لقد تحول كليا بشكل مفاجئ .. بشكل جعلني لا أستوعب هذه التحول … يطلب مني أن أغادر .. قال إن هذا أفضل لي …”
أكملت بصوت متحشرج :-
” قال إنه لم يحبني ولن يفعل …!!”
قالت والدتها عن قصد :-
” ربما ما يقوله صحيح …”
هتفت بسرعة تدافع عنه :-
” كلا ، هذا ليس نديم الذي أعرفه … نديم حتى لو كان يريد إبعادي عنه ، كان سيتصرف بطريقة مختلفة … كان سيتحدث بشكل مختلف .. نديم شخص مراعي جدا و …”
قالت والدتها :-
” انت مغرمة به تماما وربما عشقك الجارف له يجعلك تنظرين إليه بهذه الطريقة ..”
” كلا ، نعم أنا أعشقه ولكن انا ذكية بما يكفي لأدرك ما يعنيه خاصة إننا نتحدث عن نديم… نديم الذي رغم قصر مدة معرفتي به لكنني أشعر به وأفهمه جيدا ..”
أكملت تلوم نفسها :-
” لكنني كنت غبيه .. تصرفت بحماقة وتركته .. تركته وخذلته وعذبته كثيرا ..”
أكملت باكية :-
” أنا حمقاء .. طفلة غبية .. لم يكن علي تركه .. لم يكن عليَّ فعل هذا أبدا .. ”
” حبيبتي إهدئي ..”
قالتها والدتها وهي تحتضنها مجددا قبل أن تضيف :-
” اهدئي يا حياة ..”
أضافت وهي تأخذ نفسا :-
” اهدئي يا صغيرتي … بهذه الطريقة لن تستطيعي الوصول الى أي شيء …”
إبتعدت قليلا تهمس وهي تنظر لها بعينين دامعتين :-
” نديم سيسافر الليلة .. ربما بعد ساعتين او ثلاث .. سيعود الى الوطن …”
نظرت لها والدتها بدهشة عندما أكملت حياة باكية :-
” أخبرني إنه سيطلقني هناك … ”
عانقتها والدتها بقوة للحظات وهي تغمض عينيها وتكتم دموعها بقوة على حال إبنتها عندما أبعدتها بعدها من بين أحضانها وسألتها بجدية :-
” هل تريدين ذلك ..؟! هل تريدين هذه النهاية …؟! ”
صمتت للحظات ثم أجابت بخفوت :-
” كلا ، أريد أن أكون معه ..”
سألتها والدتها بتردد:-
” والحب ..؟! الحب الذي كنت تبحثين عنه ..؟! ربما لن يحبك أبدا يا حياة .. ربما مشاعره لن تتخطى الحاجة والراحة كما قلت وكما يقول هو دائما .. عليك أن تفكري جيدا قبل أن تطلبي العودة إليه .. لا تجعلي خذلانك السابق له وتأنيب ضميرك ينسيك هذه الحقيقة المهمة .. حقيقة إنه ربما لن يبادلك مشاعرك هذه مهما حدث .. ماذا ستفعلين حينها ..؟! هل ستتركينه مجددا ..؟! هل ستتخلين عنه مجددا ..؟!”
صمت إمتد للحظات .. لحظات طويلة ..
نهضت من مكانها .. نظرت الى نفسها في المرآة ..
تتأمل وجهها الباكي … عيناها المنتفختان وبشرتها شديدة الإحمرار .. مظهرها المحطم تماما …
وأخيرا إستدارت نحو والدتها تخبرها بثبات وحسم :-
” لن أتركه .. سأذهب إليه .. سأكون معه وجانبه .. لن أتخلى عنه في هذه الظروف .. سأكون جانبه ومعه …”
أضافت وهي تتحكم بدموعها :-
” لا يهم إن أحبني أو لا .. لا يهم إن بقي معي أو تركني يوما ما .. انا سأكون معه وجواره .. سأمنحه حبي ومشاعري وروحي وكل ما يحتاجه ولن أطلب مقابل .. سأكون جواره ومعه كما وعدته .. ”
أنهت حديثها وهي تكتم دموعها المحتقنة داخل عينيها :-
” انا لا أريد شيئا سوى أن يكون بخير ويتخطى أزمته بسلام وليحدث ما يحدث بعدها .. ليس مهم أي شيء سواه .. ليس مهما حبه لي من عدمه .. وإذا أراد ليتركني .. لننفصل .. ليذهب هو ويعيش حياته مع إمرأة أخرى .. ليفعل ما يريده وما يتمناه ويجعله سعيدا .. ليحدث ما يحدث مستقبلا وأنا سأكون راضية بذلك .. المهم أن يكون هو سعيدا .. هذا فقط ما يهمني وأي شيء عدا ذلك ليس مهما ..”
………………………………………
في المطار …
كانت تركض بلهفة حتى وصلت الى المكان المنشود… وقفت في صالة المغادرة تبحث عنه …
عيناها تتحركان بعشوائية حتى وجدته أخيرا …
جالسا على أحد المقاعد وبيده قدحا بلاستيكيا مليء بالقهوة المرة ..
يجلس منتظرا موعد طائرته بشرود عندما شعر بكف تحط فوق كتفه …
رفع وجهه ليجدها هي أمامه ..
تبتسم له بوجهها الشاحب والذي ما زالت تلتصق به آثار دموعها ..
شعرها القصير المرفوع بعشوائية .. الإنهاك الذي يسيطر على كل إنش فيها ورغم ذلك كانت تبتسم ..
تبتسم بنفس الطريقة التي إبتسمت بها أول مرة رآها تبتسم فيها ..
بنفس الدفء .. بنفس العذوبة ..
” حياة ..”
همس إسمها غير مصدقا وجودها أمامه …
هل بات يتوهم أشياء من صنع خياله ..؟!
سأل وقد إستوعب أخيرا حقيقة وجودها أمامه :-
” ماذا تفعلين هنا ..؟!”
ردت بثبات :-
” جئت لأجلك …”
همس بقوة مصطنعة :-
” أخبرتك أن تغادري …”
أوقفته بحزم وقوة سطعت من مقلتيها البنيتين :-
” لن أغادر ولا يهمني جميع ما قلته وما ستقوله .. سأبقى جانبك حتى لو إجبارا عنك ..”
أضافت وهي تمسك كفه تقبض عليه بدعم :-
” سأبقى معك ولن أتركك مهما حدث ..”
قال وهو يربت بكفه الأخرى فوق كفها القابض على يده :-
” يجب أن ترحلي يا حياة .. يجب أن تفعلي ذلك ..”
قالتها بحزم :-
” لن أذهب .. لن أتخلى عنك …”
قال وهو يقبض على وجهها بكفيه :-
” يجب أن تتخلي .. يجب أن تغادري .. أرجوك غادري …”
أضاف يتوسلها :-
” لأجلي غادري يا حياة .. إذا كنت تحبينني حقا غادري …”
” لإنني أحبك لن أغادر .. لن أتركك …”
قالتها بجدية وهي تضيف :-
” إفهم هذا يا نديم .. لن أتركك مهما حدث …”
أضافت وهي تحتضن وجهه هذه المرة :-
” أنا أحبك ولن أتخلى عنك مهما حدث … مهما حاولت سأبقى جانبك ومعك …”
” كلا ، انت لا يجب أن تبقي معي .. انا لن أسمح لك بهذا … لن أسمح لك أن تتألمي بسببي .. أن تعاني بسببي .. لن أجعلك ضحية أخرى من ضحاياي …”
قالها بخوف حقيقي فهمست غير مستوعبة حديثه :-
” ماذا تقول انت يا نديم …؟!”
قالها بجدية :-
” إفهميني من فضلك … عمار لن يتركني أبدا … ولن يترك أي شخص حولي دون أن يؤذيه هو الآخر .. انتِ لن تكوني الضحية القادمة .. الضحية التي سيغتالها عمار بسببي .. كي يحرمني منك كما فعل سابقا مع ليلى و …”
أوقفته بثبات :-
” انا مسؤولة عن نفسي .. هذا قراري …”
قاطعها بترجي :-
” لا تفعلي هذا يا حياة .. مشواري ما زال بدايته والقادم أصعب مما تتخيلين .. ”
أكمل يتأملها بلهفة :-
” أنتِ بريئة للغاية ونقية .. لا أريد أن يصيبك أي مكروه بسببي .. لا أريدك أن تبقي حبيسة ظلماتي يا حياة … لا أريد ذلك ولن أسمح لك أن تعيشي هذه اللحظات التعيسة معي ..”
” إذا لم أعش هذه اللحظات معك فما قيمة حبي لك إذا ..؟!”
هتف بصلابة :-
” حتى حبي يجب أن تتوقفي عنه …”
ردت تعارضه بنفس الصلابة :-
” لن أفعل .. لن أتوقف عن حبك مهما حدث .. أنت من عليك أن تفهم هذا … عليك أن تستوعبه وترضى به ..”
” ستعانين يا حياة … ستعانين كثيرا وأنت لا تستحقين ذلك …”
قالها بخفوت لترد ببرود :
” انا موافقة و راضية …”
كرر بجدية :-
” ستعيشين تعيسة معي يا حياة .. حياتي بائسة تماما وأنتِ ستنالين من هذا البؤس الكثير …”
إسترسل يرجوها بعينيه أن ترحل بينما قلبه يريد العكس :-
” لا تفعلي هذا بنفسك .. انت ما زلت صغيرة على أن تعيشي بهذه الطريقة .. أنت تستحقين رجلا أفضل وحياة أفضل ..”
وضعت كفها فوق فمه تخبره بحزم وإقرار :-
” أخبرتك مسبقا .. أنت أفضل الرجال وأكثرهم كمالا بعيني … انت رجلي الوحيد ولا أريد سواك ..”
لمعت عيناه بقوة وقلبه يخبره أن يتمسك بها كما تفعل .. أن يخطفها بين ذراعيه لكن عقله يحذره وضميره يجلده ويذكره إنها لا تستحق هذه المعاناة أبدا …
جذبها نحوه يعانقها بقوة لتتمسك هي بأحضانه أكثر عندما همس لها :-
” آسف يا حياة ولكنني لا أريد أن أكون أنانيا مجددا معك .. لا أريد إستغلال مشاعرك نحوي … انا سأرحل .. هناك الكثير ينتظرني … طريقي القادم صعب ومليء بالأشواك وأنت يجب ألا تقتربي من هذه الأشواك مهما حدث …”
إبتعد عنها ينظر إلى عينيها التي غزاهما اليأس عندما طبع قبلة دافئة على جبينها وهو يردد :-
” الوداع يا حياة …”
ثم إبتعد عنها وهو يسمع صوت المذيعة تعلن إن موعد إقلاع طائرته قد حان لتتأمله بترجي ليهز رأسه معترضا وهو يبتعد عندما صاحت أخيرا بعدما سار عدة خطوات :-
” نديم توقف …”
باغتته تضيف :-
” انا حامل …”
تصنم مكانه بعدم تصديق عندما إستدار لها يتأملها بعينين مصدومتين عندما رأها تستند على الحائط جانبها وقد بدا وجهها منهكا تماما ..
” حياة ..”
قالها بقلق قبل أن يركض نحوها بسرعة ولهفة وهو يشاهدها تترنح في وقفتها حتى بدأت تقفد الوعي ليصل أخيرا إليها ويتلقفها بين ذراعيه ..
كان منحني أمامها ممسكا بكفها يتأمل ملامحها الشاحبة ومحاولتها إخفاء تعبها وإرهاقها بإبتسامتها الخافتة عندما همس بجدية وعينيه القلقتين تحاوطنها بعناية :-
” لماذا لا نذهب الى الطبيب ..؟! ”
قاطعته وهي تمنحه إبتسامة أكثر إتساعا أبرزت غمازتيها :-
” انا بخير حقا .. مجرد ارهاق …”
تأملها بخوف لا إرادي وهو يتذكر كيف سقطت بين ذراعيه فسارع يحملها وهو يبحث عن مكان يضعها مبدئيا فيه عندما تجمهر الناس حوله وجاء أحد رجال أمن المطار ليطلب منه أن يأخذها نحو احدى الغرف المناسبة حيث يوجد الطبيب عندما فتحت هي عينيها تهمس له إنها بخير وأن يضعها على أحد المقاعد فنفذ لها ما أراد وهو يخبرها أن ترتاح قليلا قبل أن يأخذها الى الطبيب ليجلب لها أحد الموجودين الماء والعصير فترتشف القليل من الماء بينما إنحنى هو أمامها يحاول الإطمئنان عليها ويطلب منها الذهاب الى الطبيب لكنها ترفضت بتعنت …
تنهد بخفوت عندما لمست ذقنه وهي تضيف بتأكد :-
” إنه مجرد إرهاق ليس إلا .. صدقني يا نديم .. انا لم أنم طوال اليوم ولم أتناول شيئا ..”
نهرها مؤنبا :-
” لماذا ..؟! كيف يعني لم تتناولِ شيئا .. ؟! أنتِ مهملة تماما في صحتك يا حياة …”
إبتسمت مجددا ليهمس بغيظ :-
” وتبتسمين أيضا ..!!”
ضحكت بخفة وهي تضغط على كفه القابض على يدها تخبره :-
” تعال إجلس جانبي …”
تنهد بصوت مسموع هذه المرة وهو ينهض من مكانه ويجلس جانبها فتخبره مؤنبة :-
” كنت تريد تركني … السفر بدوني …”
تمتم بخفوت :-
” حياة ..”
أضافت بنفس النبرة :-
” بل وسوف تطلقني رسميا في المحكمة ..”
رمقها بنظرات جانبة وهو يسألها بهدوء :-
” هل أنت حقا حامل …؟!”
ردت بسرعة :-
” كلا ، لست حاملا …”
زفر أنفاسه بإرتياح لتنظر له بألم تلألأ داخل مقلتيها عندما همس لها :-
” لا تنظري إلي هكذا ..”
أضاف بخفوت :-
” زفرة الراحة هذه لأجلك …”
إسترسل بمرارة خفية :-
” أنت لا تحتاجين لطفل يربطك بشخص مثلي …”
حدقت به تردد بذهول :-
” طفل يربطني بشخص مثلك ..؟!”
أردقت ساخرة بتعمد :-
” وهل الطفل فقط ما سيربطني بك …؟! ”
أضافت وهي تنظر لعينيه بقوة :-
” ألم تعِ بعد أن ما يربطني بك أكبر من كل الأشياء الممكنة بكثير …؟!”
رد مرغما :-
” وما يربطني بك كذلك … ”
سألته بلهفة :-
” ومالذي يربطك بي ..؟!”
رفع حاجبه مرددا متعمدا إغاظتها :-
” يجب أن تعرفي بنفسك … ظننكِ أذكى من ذلك …”
همست بجدية وحزم :-
” أخبرني يا نديم ..”
إبتسم مرغما على ملامحها التي تحولت من الحنو والفرح للحزم بلحظات فقال :-
” ما يربطني بكِ شيء لا يمكنني وصفه … أنا كلي مرتبط بك … كيف أخبركِ إنني بوجودك أكتمل وبغيابك أشعر بإن هناك شيء ما مفقود عندي .. شيء ناقص لا يكتمل إلا بوجودك .. ”
أشاحت بوجهها تمنع نفسها من الضحك بسعادة ليسألها بجدية :-
” لماذا تشيحين وجهك عني ..؟! مالذي تخفينه ..؟؟”
إلتفتت نحوها تعض على شفتيها عدة مرات فينظر لها متسائلا لتهمس أخيرا :-
” كنت أشعر بأهميتي عندك لكنني لم أتوقع يوما أن أصل لهذه الدرجة من الأهمية لديك …”
ضحك بعدم تصديق :-
” أنت وصلتِ وتربعت منذ زمن …”
تنهدت وهي تهمس :-
” أنا آسفة …”
سألها مندهشا :-
” علام تعتذرين ..؟!”
ردت وهي تلوم نفسها :-
” على تفكيري المحصور سابقا .. على تجاهلي كل ما يربطنا والتركيز على نقطة واحدة فقط .. الحب …”
همس بقوة :-
” عليك أن تفهمني إن ما يربطني بك أعمق من الحب حياة .. ”
زفر أنفاسه وهو ينظر أمامه بشرود :-
” الحب ليس كل شيء … ”
أكمل وهو ينظر نحوها هذه المرة :-
” ما بيننا أهم من الحب .. ما بيننا إرتباط روحي … انا لا أكتمل إلا بك .. وهذا وحده يجعل فقدانك قاسيا مميتا …”
” لن تفقدني ..”
قالتها بجدية ليهتف بتشدد :-
” يجب أن أفعل ..”
أضاف بتروي :-
” حياة نحن يجب أن ننفصل ..”
قالت برفض قاطع :-
” لن يحدث ….”
أكملت وهي تنظر إليه بصلابة :-
” لن ننفصل مهما حدث …”
نهرها بقوة :-
” حياة …!!”
عندما أشاحت وجهها بعيدا عنه مجددا …
عقدت ذراعيها أمام صدرها تنظر الى الجانب الآخر بوجوم وفعل هو المثل ..
لحظات قليلة وظهرت الإبتسامة على شفتيهاا عندما تذكرت إنها نجحت في منعه من السفر …
إنتبه هو عليها وهي تبتسم …
” لماذا تبتسمين الآن ..؟!”
سألها بوجوم لترد بضحكة خافتة :-
” لإنك لم تسافر ..”
رفع حاجبه مرددا بخفة :-
” سأحجز تذكرة حالا لأول رحلة ممكنة الى البلاد …”
هتفت بجدية :-
” تذكرتان .. إحجز تذكرتين ..”
نهرها بنفس الجدية :-
” حياة …”
” نديم ..!!”
قالتها بنبرتها القوية وعيناها تتحدانه أن يرفض …
زفر أنفاسه بتعب وحيرته تتضاعف ..
عقله يخبرها أن يبعدها تماما عن طريقه وقلبه يريد العكس ..
يريدها جواره …
هي لا تفهم .. لا تستوعب إنه يخشى عليها .. إنه لا يريد تعريضها لأي أذى مهما كان …
لو فقط تفهم .. لو تستوعب وترحل ..!!
قال بتوسل :-
” لا تتعبيني يا حياة .. إفهميني لمرة واحدة …”
قالت بجدية :-
” لإنني أفهمك جيدا هذه المرة سأقول لك كلا يا نديم … لن أتركك وحدك وأنت لن تستطيع منعي فلا تتعبني وتتعب نفسك من فضلك …”
ظهر الرفض بعينيه فأحاطت وجهه بكفيها تخبره بصدق :-
” نحن سنكون سويا بخير .. صدقني يا نديم …”
تأملها للحظات وعقله يرفض القبول بينمل قلبه يحاول العكس ..
لحظات قليلة مرت وهناك حرب شرسة إشتلعت بين عينيهما ..
عيناها اللتان تتحدانه أن يرفض .. تخبرانه بإصرارها وتشبثها به دون رجعة ….
عينيه اللتين ترفضان قربها خوفا عليها .. تخبرانها أن تتراجع .. أن ترحل ..
وفي نهاية المطاف كان الإنتصار حليفها هي وحدث ما أرادت ..!
…………………………………………………..
تقدمت غالية نحو والدتها الساهمة تسألها :-
” هل أنت بخير يا ماما …؟!”
ردت صباح وهي تنتبه لقدومها أخيرا:-
” لست كذلك …”
أضافت وهي تسأل غالية :-
” لماذا سيعود نديم يا غالية ..؟! مالذي حدث ..؟!”
ردت غالية مدعية عدم المعرفة والجهل التام :-
” حقا لا أعرف .. لقد إتصل بي فجأة وأخبرني إنه سيصل غدا الى البلاد مع زوجته ..”
وهي لم تكن تكذب بشأن إتصاله بها الذي أسعدها جدا عندما علمت بقدوم حياة معه ويبدو إن الأخيرة إستيقظت أخيرا من غفلتها وأدركت ما يحمله شقيقها إتجاهها من مشاعر قوية لا يدركها هو نفسه …
أفاقت من أفكارها على صوت والدتها تتمتم :-
” ولكن بالتأكيد هناك شيء ما جعله يعود فجأة ..”
أضافت بتأكيد :-
” وإلا ما يكون ليقرر العودة فجأة بين يوم وليلة متجاهلا حتى وضع زوجته الدراسي …”
قالت غالية بتبرم :-
” ماما أنا حقا لا أعلم .. إسأليه عندما يصل سالما هو وزوجته بإذن الله ..”
أضافت تسألها :-
” هل أرسلتِ إحدى الخادمات لتنظيف الشقة ..؟!”
اومأت صباح برأسها وهي تقول :-
” فعلت بالطبع ..”
أضافت بحسرة :-
” كم تمنيت أن يعيش معنا هنا هو وزوجته …”
” إتركيه على راحته …”
قالتها غالية بجدية لتسألها صباح :-
” هل أخبرك هو إنه سيبقى في شقته ..؟!”
هزت غالية كتفيها تردد ببساطة :-
” كلا ، لكن لا داعي أن يخبرني فالأمر بديهي ..”
ظهر الأمل في عيني والدتها وهي تردد :-
” ربما سيغير رأيه هذه المرة ..”
هتفت غالية بجدية رغم شفقتها على والدتها التي لا تتمنى شيئا سوى الإطمئنان على وحيدها :-
” لا تتأملي عبثا يا ماما .. نديم لن يعود هنا … قراره واضحا بهذا الأمر من قبل زواجه حتى …”
قالت صباح بشرود :-
” ولكن سبب مغادرته الفيلا لم يعد موجودا .. عمار إستقر مع زوجته في منزل خاص بهما .. لماذا لا يعود إذا ..؟!”
تمتمت غالية ببساطة :-
” ربما يهرب من الذكريات …”
هتفت صباح بتوجس :-
” يهرب من ذكرياته هنا …”
اومأت غالية برأسها تشرح وجهة نظرها :-
” نعم ، يهرب من ماضي كان متكاملا .. ماضي كلما تذكره شعر بالحسرة تخنق روحه وهو يستوعب كل مرة ما خسره دون ذنب …”
” وما الحل …؟! ما حدث أمر واقع لا مفر منه …”
قالتها صباح بوجع على وحيدها لتهمس غالية بألم خفي :-
” الحل متروك للزمن .. هو وحده من يخفف أوجاعنا … ”
إسترسلت وهي تنهض من مكانها تنظر الى صورة والدها الراحل التي تحتل الحائط الماثل أمامها :-
” ويداوي جروحنا .. الزمن الذي مهما حدث يسير رغما عنا … ونحن نسير معه مجبرين لا مخيرين …”
عادت نظراتها تتلاقى بنظرات والدتها فهمست تخفي حزنها الذي تراكم داخل روحها مجددا :-
” أنا سأذهب لتغيير ملابسي فلدي الكثير من الأعمال المهمة في الشركة …”
ثم غادرت الغرفة بسرعة تاركك والدتها مكانها تنظر الى صورة زوجها الراحل وتهمس له :-
” أنا السبب .. أنا من تسببت بكل هذه الفوضى …ليتني وحدي من دفعت الثمن .. ليتني وحدي من تألمت وتحطمت لا ولدي .. ”
ثم تساقطت دموعها بغزارة فأخذت تنتحب بصمت كعادتها آخر فترة ..
………………………………………………….
1
1
إندفع مهند الى داخل مكتب شقيقه الأكبر في المبنى الرئيسي لشركات العائلة لينهض راغب متمتما بدهشة خافتة :-
” مهند …”
أضاف وهو يتأمل شقيقه الذي جلس على الكرسي المقابل له بملامح يظهر عليها شدة التعب والشحوب وعدم النوم :-
” وأخيرا خرجت من العدم ..”
غمغم مهند ببرود :-
” لا مجال للسخرية الآن …”
تأمله راغب بقليل من الشفقة على حاله ليزفر أنفاسه بضيق عندما رفع مهند وجهه نحوه يردد بتهكم :-
” ها قد ظهرت من العدم مجددا .. وأتيت بنفسي إليك يا راغب …”
أكمل وزرقة عينيه تحتدان كليا :-
” ها أنا أمامك .. أكمل ما بدئته في تلك الليلة … إصفعني بدل المرة مئة … حاسبني وأنبني دون توقف ولا تتوقف عن شتمي ووصفي بأبشع الألفاظ …”
سأل راغب بعدما تحرك من مكانه من خلف المكتب متقدما نحوه جالسا أمامه :-
” هل يمكنك لومي يا مهند …؟! ”
أضاف :-
” أنت تدرك حجم ما فعلته ، أليس كذلك …؟!”
رد مهند بوجوم :-
” نعم أدرك .. للأسف الشديد أدرك ….”
تنهد راغب بتعب وهو يكمل وصلة تأنيبه :-
” كيف جرؤت على ذلك ..؟! كيف فعلتها يا مهند ..؟!”
أكمل وعقله لا يكاد يستوعب :-
” إنها مراهقة يا مهند .. طفلة صغيرة .. كيف إستطعت ..”
قاطعه مهند وهو ينهض من مكانه ينقض عليه حيث يقبض على ياقة قميصه بقسوة :-
” كفى .. كفى يا راغب ..”
إبتعد عنه وهو يلهث بإنفعال فيضيف :-
” أعلم جميع ما ستقوله وقلته لنفسي مرات عديدة .. لست سعيدا بما فعلته .. ”
أضاف يؤنبه هو بدوره :-
” ولكن أنت أيضا عليك أن تفعل .. فأنت مسؤول بشكل أو بآخر عما حدث .. أنت من وضعتها في طريقي .. زوجتها لي وجعلتي تبقى في جناحي و …”
توقف وهو يشعر برأسه يكاد ينفجر من الغضب والإنفعال والوجع …
همس بعدها بصوت ضعيف :-
” وأنا بدوري لم أتوقف عن غبائي وهمجيتي وحقارتي .. ”
إسترسل وهو ينظر لشقيقه :-
” أنت لا تعلم شعوري منذ وقت معرفتي بالخبر … انا لم أتوقف عن لوم نفسي لحظة واحدة .. انا أصبحت أحتقر نفسي وأبغضها …”
نهض راغب من مكانه يتقدم بسرعة نحوه يقبض على كتفيه يمنحه دعما أخويا خالصا :-
” توقف يا مهند … كل شيء له حل .. أي مشكلة مهما بلغت عظمتها ستأتي يوم وتنتهي ..”
” كيف سأغفر لنفسي هذا الخطأ .. بل هذه الجريمة ..”
أضاف بضياع :-
” وجيلان ..؟! ما ذنبها ..؟! لمَ عليها أن تتحمل مسؤولية أخطائي ..؟! لم عليها أن تدفع ثمن تهوري وأنانيتي …”
” إجلس يا مهند ودعنا نتفاهم …”
قالها راغب وهو يجذبه بقوة يجعله يجلس فوق الكرسي مجددا ليهتف مهند بتهكم :-
” علام نتفاهم ..؟! الأمر واضح .. الحقيقة لا مفر منها …”
أضاف وهو ينظر الى شقيقه :-
” الحمل مرت عليه مدة زمنية لا تسمح بإجهاضه …”
قال راغب بتشديد:-
” بعيدا عن الفترة الزمنية ومهما كان طولها فالإجهاض خطير على فتاة في عمر جيلان ..!!”
تنهد مهند بحسرة ليقول راغب بتمهل :-
” جيلان زوجتك يا مهند … عليك أن تنتبه الى هذه النقطة جيدا ..”
سأله مهند بجمود :-
” ماذا تعني …؟!”
قال راغب بجدية :-
” يعني أنت تزوجتها في البداية على وعد أن تطلقها بعد بلوغها ثمانية عشر عاما ولكن حدث ما لم نتوقعه وجيلان باتت تحمل طفلك وهي زوجتك أساسا لذا فالأمر بات محسوما … أنتما زوجان وسيصبح لديكما طفل بعد عدة أشهر .. هذه وضعك الجديد وعليك تقبله والتعامل معه ..”
” هل تمزح …؟!”
قالها مهند بغضب مكتوم وهو يضيف :-
” أنت تستوعب عمن تتحدث .. أنت تتحدث عن إبنة عنك ذات السبعة عشر عاما …”
قال راغب بموضوعية :-
” ولكنها قريبا ستصبح أم ولدك .. هذا أمر واقع لا مفر منه ..”
ضحك مهند مرغما وهو يردد:-
” يعني أنت تريد أن يستمر الزواج ونصبح زوجين قولا وفعلا ونحتفل بطفلنا الأول ونكمل حياتنا سويا ونعيش في سعادة …”
سأله راغب بحدة :-
” وهل لديك حل آخر ..؟!”
قاطعه مهند:-
” أنت في خضم كل هذا تناسيت جيلان نفسها يا راغب .. الفتاة صغيرة ونفسيتها محطمة وحتى لو تعافت نفسيا فهي تحتاج أن تعيش حياتها .. أن تهتم بدراستها ومستقبلها .. ”
أنهى حديثه بحسم :-
” جيلان أصغر بكثير من أن تتحمل مسؤولية كهذه ووضع كهذا .. الآن هي لا تفهم شيئا لكن مستقبلا ستكبر … ستجد نفسها متزوجه من رجل ولديها طفل وواقعيا هي لا تفهم كيف ومتى حدث هذا …”
” يمكنك أن تحاول معها .. جيلان سيأتي يوم وتكبر وربما حينها تصبح هي الزوجة المنشودة لك ..”
قالها راغب رغم عدم إقتناعه بقوله ليبتسم مهند بسخرية قائلا :-
” لن يحدث .. لا أنا سأكون مناسبا لها ولا هي ستكون مناسبة لي .. ناهيك عن فرق السن بيننا .. نحن لا يمكن أن نكون زوجين حقيقيين ونعيش حياة زوجية طبيعية .. أنا وهي كخطين متوازين لا توجود ولو نقطة واحدة مشتركة تجمعنا …”
ضيق راغب عينيه يتسائل بتوجس
” ماذا ستفعل الآن …؟!”
رد مهند بهدوء جديد عليه :-
” لن أفعل شيئا .. سأتقبل ما حدث مجبرا لا مخيرا …”
أضاف وذنبه يقيد روحه وقلبه:-
” انا سبب ما حدث وبالتالي سأتحمل مسؤولية تصرفي المتهور .. ”
أنهى كلماته بحسم :-
” هذا الطفل ولدي .. شئتُ أم أبيت .. سأتحمل مسؤوليته كاملة .. فهو طفلي رغم كل شيء …”
عاد راغب يسأل :-
” وجيلان ..؟! ماذا عنها ..؟!”
رد مهند بإقرار :-
” جيلان والدة الطفل .. هي والدته وهذه حقيقة لا مفر منها .. بالنسبة لي سأنفذ وعدي وأطلقها بعدما تنجبه أما ما يخص الطفل فهو قرارها لوحدها .. إن أرادت أن تمارس حقها في أمومتها له فستنال ما تريده وإن أرادت أن تهتم بدراستها ومستقبلها فلا أحد يمكنه لومها وسأتحمل أنا مسؤوليته بكلتا الحالتين كوني والده ..!”
وعند هذه النقطة إنتهى النقاش بالنسبة له …
…………………………………………
1
كانت تجلس على سريرها تقرأ دروسها بتمعن فالدراسة بدأت وهذه سنتها الدراسية الأخيرة وعليها أن تنجح وتجلب معدل عالي يؤهلها لدخول كلية الصيدلة التي تطمح إلى دخولها منذ سنوات …
لقد توقف الغثيان منذ البارحة وصحتها تحسنت خاصة وهي تتلقى كامل الرعاية والإهتمام من الجميع دون إستثناء ..
الجميع يراعي ويهتم بدءا من زوجة عمها التي تطالعها بنظرات غريبة تجميع بين الحنو وشيء ما مبهم ثم همسة التي تراعيها وتتعامل معها كإنها إبنتها وكذلك توليب وهالة التي أحبتها كثيرا وشعرت بإنسجام شديد معها رغم إختلافهما في كل شيء تقريبا ..
راجي الذي زارها مرتين وفيصل الذي أخذ يمازحها ويخفف عنها تعبها رغم كونها تشعر إن هناك خلف مزاحه غصة لا تفهم سببها لدرجة إنها شكت إن هناك مشكلة ما حدثت في المنزل يخفونها عليها …
عمها الوحيد الذي لم تره ولا لحظة واحدة ولا حتى في أوقات الطعام وقد عللت زوجة عمها سبب ذلك هو إصابته بالأنفلاونزا الشديدة وخوفه من أن ينقل العدوي لهم خاصة لأولاد راغب الصغار…
راغب أيضا كان متباعدا عن الجميع بشكل مثير للتوجس أما الأخير من يكون زوجها فهو غائب عن المنزل منذ ليلة مرضها ..
سمعت صوت الباب يفتح فوجدت همسة تدخل إلى الجناح وهي تحمل قدحا من عصيرها المفضل تغمغم بإبتسامة واسعة :-
” عصير الفراولة جاهز يا جيلو ..”
إبتسمت جيلان وهي تتناول منها قدج العصير وتشكرها بإمتنان :-
” شكرا يا همسة. .. كان بإمكانك أن تطلبي من إحدى الخادمات أن تجلبه بدلا من قدومك بنفسك …”
إبتسمت همسة مرددة :-
” أنا أحب أن أجلبه بنفسي كما أحب أن أطمئن عليك وعى وضعك الدراسك …”
أردفت وهي تنهض جانبها تجذب الكتاب الذي كان تقرأه مرددة :-
” تقرئين الأدب إذا ..”
قالت جيلان بتجهم :-
” نعم ، انا لا أحب الأدب لكن يجب أن أحفظ الموضوع كاملا فاليوم موعدي مع أستاذ اللغة العربية كما تعرفين ..”
” وأنا أيضا لم أكن أحب الأدب …”
قالتها همسة لتهتف جيلان بملل :-
” القصيدة صعبة جدا …”
إبتسمت همسة مرددة بصدق :-
” هل تريدين أن أساعدك في حفظها …؟!”
همست جيلان بخجل :-
” لا داعي لذلك يا همسة …”
قالت همسة وهي تقبض على كفها :-
” لا تخجلي مني .. يمكنك مساعدتك في دراستك .. لطالما ساعدت هالة وتولاي وفيصل أيضا .. كنت أذاكر لهما بإستمرار …”
إبتسمت جيلان عندما أضافت همسة وهي تشدد من قبضتها فوق كفها :-
” يمكنني مساعدتك دائما .. إياك أن تخجلي أو تترددي في طلب ذلك ..”
تأملتها جيلان بذلك الحنان الذي يتدفق منها دون توقف فشعرت بحسرة تخنق حلقها وهي تتخيل والدتها مكانها تعتني بها وتساعدها في دروسها ..
لاحظت همسة تجمع الدموع في عيني جيلان الخضراوين فسألت بقلق :-
” ماذا حدث يا جيلان ..؟! لماذا تبكين ..؟!”
ردت جيلان وهي تمنع دموعها من الإنزلاق :-
” أبدا .. فقط تذكرت ماما … تمنيت لو كانت معي ..”
قالت همسة بشفقة :-
” رحمة الله عليها .. إدعِ لها بالرحمة فهي في مكان أفضل الآن …”
تمتمت جيلان :-
” رحمها الله ..”
قالت همسة وهي تضمها الى صدرها فتتشبث الأخيرة بها :-
” انا هنا معك .. لا أحد يحل مكان الأم … أدرك هذا جيدا ولكنني سأحاول قدر المستطاع أن أراعيك وأعتني بك …”
أكملت وهي تبعدها قليلا عنها :-
” فأنا أحببتك حقا يا جيلان .. ”
قالت جيلان بصدق :-
” وأنا أحببتك كثيرا يا همسة ..”
عادت همسة تضمها بحنو فإسترخت جيلان داخل أحضانها لمدة لا بأس بها عندما جلست همسة معها بعدها تتحدث معها والأخيرة تتناول عصيرها ..
ترسم الإبتسامة على شفتيها بينما قلبها ينفطر ألما على تلك الصغيرة التي لا تدرك ما ينتظرها ..
غادرت همسة أخيرا المكان تحمل القدح الفارغ معها تترك جيلان تستمر في دراستها عندما فوجئت بمهند أمامها فتقدمت نحوه تسأله بإهتمام :-
” وأخيرا عدت يا مهند .. أين كنت وكيف حالك ..؟”
رد مهند وهو يرمق باب جناحها بنظرات مترددة :-
” كيف يُفترض أن يكون حالي يا همسة …؟!”
تنهدت همسة بحزن عندما تأملت نظراته نحو جناحها فسألت بقلق :-
” هل تريد الدخول .؟!”
رد مهند بإيجاز:-
” بل سأدخل …”
همست همسة بذعر خفي :-
” هل ستخبرها الآن ..؟!”
فهم عدم رغبتها في إخبارها الإن ليهمس بحزم :-
” لا داعي للمماطلة .. الأمر أصبحا واقعا ولا داعي لتأجيله ..”
ثم أندفع الى داخل الجناح لتنتفض جيلان من مكانها حالما رأته فهمست :/
” مهند …”
قال مهند وهو يتقدم نحوها يجلي صوته :-
” كيف حالك يا جيلان ..؟!”
ردت وهي ترمقه بنظرات عادية خالية من الخوف او القلق الذي يسكنها عادة في وجوده ويبدو إنها إعتادت وجوده حولها :-
” بخير ..”
رمق الكتاب الذي تحمله بيدها فسألها محاولا فتح وسيلة للحوار معها :-
” هل تدرسين …؟!”
هزت رأسها وهي تجيب :-
” نعم ، أدرس الأدب ..”
زم شفتيه مرددا :-
” أكرهه …”
قالت بعفوية :-
” وأنا لا أطيقه …”
همس فجأة دون تفكير :-
” من الجيد إن هناك نقطة مشتركة بيننا …”
ثم إستوعب ما نطق به ليتجاهله وهو يتقدم نحوها يسترسل في حديثه الغير مفهوم بالنسبة له لكنه ليس سوى مقدمات لما هو قادم :-
” كيف تسير الدراسة معك ..؟!”
ردت بهدوء :-
” كبداية تعتبر جيدة .. ”
” لا تقلقي .. ”
قالت بخفوت :-
” كيف لا أقلق …؟! هذه سنة دراسية حاسمة وستحدد مصيري ومستقبلي القادم بأكمله ..؟!”
تأملها بجمود سكنه ملامحه للحظات عندما قطع هذا الجمود وهو يسأل :-
” هل تريدين دخول كلية معينة أم ….”
أجابت بسرعة :-
” نعم كلية الصيدلة … كوالدتي …”
هز رأسه بتفهم يضيف متسائلا من جديد :-
” هل تحبين تخصص الصيدلة أم تريدين دخوله فقط كونه الذي درسته والدته ..”
ظهر التفكير على ملامحها للحظات عندما أجابت أخيرا :-
” لا أعلم .. لقد أخبرت نفسي بذلك منذ سنوات .. أخبرتها إنني سأدخل كلية الصيدلة وأصبح صيدلانية ناجحة كماما …”
إسترسلت بثرثرة عفوية :-
” ولكنني لا أعلم إذا ما أحب المجال نفسه أم لا .. في الحقيقة لا يوجد شيء معين أحبه دونا عن غيره بإستثناء الرسم .. أحبه كثيرا …”
قال ببديهية :-
” يمكنك دراسة الرسم والأبداع فيه فأنت تمتلكين موهبة حقيقة …”
قالت بجدية وبدت وكأنها ترسم مستقبلها نصب عينيها :-
” في الحقيقة فكرت في ذلك وتوصلت الى حل مناسب .. كدراسة سأختار الصيدلة … سأدرس هذا التخصص ويكون هو مجال عملي أما الرسم فهو الهواية التي أحبها وأبدع فيها ويمكنني تطويرها بالدراسة من خلال العديد من الدورات التي سأدخل بها في المستقبل لتعزيز موهبتي .. يعني سأهتم بالإثنين في نفس الوقت ان شاءالله ..”
عاد الندم يأكله وهو يستمع الى حديثها ومخططاتها بشأن مستقبلها فهمس بنبرة تحمل وجعا لم تنتبه له :-
” يبدو إن مستقبلك حافلا بالمخططات …”
تأمل لمعة الحماس بعينيها وهي تتحدث متذكرة كلام طبيبتها عما ينتظرها مستقبلا :-
” بالطبع .. يجب أن أبني مستقبلي بنفسي .. خطوة خطوة … فالمستقبل ملكي وحدي وأنا فقط من سأنال نتاج خطواتي تلك … ”
وفي لمح البصر كان يغادر الجناح دون أن يستمع بقية حديثها وهو الذي شعر بروحه تختنق داخل صدره عندما سمعها تتحدث عن مستقبلها بهذه الطريقة وحماس جديد ونظرة مختلفة عن السابق ظهرت بعينيها فبدت وكأنها طير جريح بدأ يلملم جراحه .. يريد النهوض بنفسه دون أن يدرك إن سقطته الجديدة قادمة بقوة ولا محالة ..
………………………………………………….
1
في صباح اليوم التالي
توقفت أمام مقر شركته للحظات تتأمل البنيان الشاهق بإعجاب شديد بتصميمه الهندسي الفخم وضخامته وإرتفاعه الشاهق جدا …
كان هذا الفرع الرئيسي لمجموعة شركات آل نعمان التي كانت ولا زالت تتصدر السوق في مجال عملها ولتكن أكثر دقة فإنهم يعملون في العديد من المجالات مما جعل شركاتهم تستحوذ على جزء مهم بل يكاد يكون الأهم من السوق وجعل جميع منافيسهم دون إستثناء يتوخون الحذر منهم …!!
تنهدت بصمت وهي تخطو اولى خطواتها داخل بناء الشركة عندما وجدت موظف الإستقبال يرحب بها بعدما أتاه خبر وصولها قبل أن يرافقها الى مكتب المدير العام للشركة في الطابق الأخير حيث دلفت المصعد جواره ليتولى هو مسؤولية إيصالها الى مكتب مدير الشركة .. كنان نعمان …!
وأخيرا وصلت الى مكتبه عندما نهضت السكرتيرة فور ما رآتها ترحب بها برسمية ولباقة تقودها الى داخل مكتب مديرها وقد جذب إنتباه ليلى جمال السكرتيرة وأناقتها الشديدة ولباقتها الواضحة ولم يخفَ عليها عدد السكرتيرات الثانويات اللواتي من الواضح إنهن يعملن تحت قيادتها في مكتب مجاور لمكتبها يفصل بينهما جدار زجاجي لتنتبه ليلى إليهن وهن يرتدين تلك الملابس الأنيقة جدا ويعملن بتركيز شديد ونشاط واضح …
أفاقت من أفكارها وهي تسمع صوت سكرتيرته تخبره بنفس الإبتسامة الرسمية :-
” ليلى هانم وصلت كنان بك …”
تأملته وهو يتحرك من خلف مكتبه متجها نحوها فشعرت بتوتر يغزوها لا إراديا بالرغم من كونه كان يسير نحوها بإبتسامة رسمية رزينة لا تخلو من الترحيب وملامح عادية جدا لا تشي بشيء ما ..!!
مد كفه نحوها وهو ما زال محافظا على إبتسامته يرحب بها :-
” أهلا ليلى هانم .. أنرتِ الشركة بقدومك ..”
بالكاد إنفرجت عن شفتيها إبتسامة مقتضبة وهي ترد تحيته بينما تضع يدها داخل كفه :-
” أهلا كنان بك …”
” تفضلي …”
قالها وهو يشير نحو الكرسي المقابل لكرسيه الذي يترأس مكتبه الفخم فتحركت ليلى بخطوات مترفعة قبل أن تجلس على الكرسي المشار إليه يتبعها هو ويجلس على كرسيه فتتقدم السكرتيرة تسألها :-
” ماذا تفضلين أن تتناولي يا هانم ..؟!”
ردت ليلى بجدية :-
” قهوة متوسطة الحلاة لو سمحتِ …”
هزت السكرتيرة رأسها بتفهم عندما أشار لها كنان قائلا :-
” يمكنك أنت المغادرة الآن يا كارين … ”
هزت كارين رأسها مجددا بتفهم قبل أن تستأذن وتخرج تاركة رئيسها مع شريكته الجديدة والتي كان لديها معلومات مسبقة عن شراكتهما ورغم تعجبها من هذه الشراكة التي بدت غير مفهومة لكنها نفذت ماهو مطلوب منها دون نقاش كالعادة …
” أنا سعيد جدا بهذه الشراكة يا هانم ..”
قالها كنان بجدية لتبتسم ليلى بتحفظ وهي تجيب بهدوء لا يعكس القلق المتأصل داخلها منذ قبولها عرضه :-
” وأنا أيضا .. أتمنى أن تكون شراكة ناجحة لكلينا ..”
رد بثقة بدت جزءا لا يتجزأ من شخصيته :-
” بالتأكيد يا هانم .. الشراكة مع آل نعمان دائما ما تدر بنتائج إيجابية للغاية على كلا الطرفين .. ستكون الشراكة ناجحة أكثر بكثير مما تتصورين …”
تأملته للحظات مرغمة وقد جذبت ملامحه الرجولية شديدة الجاذبية إنتباهه ..
ملامحه التي ذكرتها لا إراديا بملامح الرجال الأيطاليين التي كانت تراهم على التلفاز وتقرأ وصفهم في الروايات وبالطبع رأت العديد منهم على الطبيعة أثناء سفراتها الى ايطاليا وغيرها من البلدان الأوروبية …
بدا شبيها بهم بملامحه التي تحمل رجولة شديدة وجاذبية واضحة أكثر مما هي وسيمة ..
بشرته البرونزية الجذابية مع شعره البني الناعم القصير جدا والمصفف بعناية …
عيناه البنيتان وفوقها حاجبين كثيفين نوعا ما ..
أنفه الدقيق المتغطرس والذي يشي بأصوله الأرستقراطية وأخيرا لحيته المهذبة بطريقة منمقة تمنح ملامحه جاذبية مضاعفة ..
كان جذابا جدا جدا وهذه حقيقة لا خلاف عليها ..
توقفت عن أفكارها تلك وهي تسمعه يردد بعملية بحتة :-
” سنتحدث اليوم عن بعض المشاريع التي ستجمع بيننا الفترة المقبلة .. هناك عدة مشاريع سنتحدث عنها وسأنتظر رأيك بها كما إنه سيكون هناك إجتماعا طويلا يجمع أهم مدراء شركتي معك ومع مدراء شركتكِ بالطبع ولكنني فضلت أن نتحدث على إنفراد أولا ونناقش الأمور الأساسية ..”
هزت رأسها وهي تردد :-
” هذا أفضل ..”
ورغما عنها شعرت بالتوتر مجددا أمامه فهو محترفا في مجال عمله وخبيرا به أما هي فما زالت تخطو أولى خطواتها في هذا المجال ولا تفقه سوى القليل .. القليل جدا ..
شعرت برغبة عارمة في البكاء وهي تفكر إنها لن تستطيع مجاراته بالطبع وستبدو كالبلهاء أمامه وهي تستمع دون إجابات واضحة وتكتفي بإيمائات من رأسها بينما واقعيا لن تفهم سوى القليل جدا ..
نهرت نفسها بحزم وهي تخبر ذاتها إن عليها أن تكون أكثر قوة وأكثر صلابة وإن ما يحدث الآن هو أمر واقع لا مفر منه وعليها مسايرته وإن البدايات دائما ما تكون صعبة لكن المهم حقا هو النهايات …
وهي مهما بلغت صعوبة البداية ستجتازها وتنتصر في النهاية …
حاولت أن تعزز ثقتها بنفسها من خلال هذا الكلام عندما دلف موظف البوفيه يحمل قهوتها التي طلبتها وقهوة المدير الخالية من السكر تماما كعادته …
جذبت ليلى قدح الماء الموضوع جانب الفنجان بعد مغادرة الموظف ترتشف منه القليل عله يخفف عنها بينما كانت نظرات كنان تحاوطها دون أن تنتبه وقد جاء دوره في التأمل هذه المرة ..
تأملها بدءا من شعرها الأشقر المسترسل بخصلاتها الناعمة الطويلة فوق ظهرها وجانب وجهها الجميل …
بشرتها البيضاء الناعمة وملامحها التي تجمع بين الجمال والرقي ..
جمال هادئ مريح للنظر يذكره بجمال ممثلات الزمن الجميل ..
جمال أوروبي ساحر وملامح متناسقة بشكل مدهش …
عيناها العسليتان بإتساعهما المتوسط وأنفها الدقيق المرسوم بعناية وشفتيها الممتلئين بشكل بسيط يحيط هذه الملامح وجه بيضاوي ذو وجنتين مرتفعتين قليلا بشكل يلائم بقية تفاصيل وجهها ..
هي بإختصار تمتلك ملامح متوازنة في كل شيء حيث يكاد يقسم إن وجهها سينال العلامة الكاملة إذا دخل في مسابقة الوجوه المثالية حول العالم فكل شيء به مرسوم بدقة وحدود متناسقة …
تأمل فستانها الأسود بطوله المتوسط حيث يصل الى ما فوق ركبتيها بقليل وهو الذي ينسدل فوق جسدها النحيل بقصته البسيطة جدا والأنيقة في ذات الوقت ….
لطالما عشق اللون الأسود وكان لونه المفضل دون سبب محدد لكن اليوم بات هناك سببا كافيا فهو لم يرَ في حياته اللون الأسود يليق على إمرأة كما يليق بها ..
أفاق من أفكاره على صوتها تهمس له :-
” هل نبدأ الآن ..”
نهض من مكانه برقي مرددا :-
” لنذهب الى طاولة الإجتماعات المصغرة فالعمل هناك سيكون أفضل ..”
نهضت من مكانها تسير أمامه عندما جلست على جانب الطاولة المستطيلة المتوسطة الحجم والتي تخص الإجتماعات الصغيرة التي يقوم بها كنان مع عدد محدود من الأشخاص ..
بدأ يتحدث عن إحدى الصفقات التي ستجمع مجموعة شركاته بشركاتها وقد أخذ يسترسل في حديثه بحرفية عالية وثقة لا نهاية لها بينما وضعت هي جل تركيزها معه تستمع له دون أن تقاطعه ورغما عنها شعرت بالإنبهار به وبذلك المشروع الذي خطط له والذي سيكون بالتعاون مع إحدى الشركات المتخصصة في إيطاليا هناك حيث ستتولى إحدى الشركات الشهيرة جزءا أساسيا من ضمن المهام التي تخص المشروع عندما سألت بإهتمام تقاطهه لأول مرة منذ بداية حديثه :-
” لماذا لا نتفق مع إحدى الشركات الشهيرة في البلاد بدلا من تلك الشركة الإيطالية ..؟!”
رد بغموض خفي :-
” أنا لا أتعامل سوى مع هذه الشركة وأؤكد إنها أفضل شركة متخصصة في هذا المجال ..”
هزت رأسها ولم تناقشه أكثر فهي ما زالت تجهل الكثير من الأمور وتحتاج أن تأخذ معها ملفات المشروع وتدرسها جيدا وتعرضها على أكبر المختصين في شركتها والذين تثق بهم جيدا …
إنتهى الإجتماع وأخذت ليلى ما تحتاجه من متعلقات تخص المشروع القائم بينهما عندما غادرت مكتب كنان بعدما حددا موعد الإجتماع القادم والذي سيكون بعد الغد ..
تنفست الصعداء ما إن غادرت مكتبة فهي كانت تشعر إنها مقيدة تماما في الداخل رغم عدم وجود سبب فعلي لهذا الشعور فالرجل تعامل معها بمهنية بحتة ولم يصدر منه أي تصرف غير مهني بتاتا ..
أزاحت أفكارها جانبا وهي تلقي تحية الوداع على كارين سكرتيرته وتغادر الشركة متجاهلة أفكارها حول كنان ذاك مفكرة فيما ينتظرها من أمور تخص الشركة ..
…………………………………………………………
كانت تقف آمام المرأة تعدل من هيئتها للمرة الأخيرة قبل مغادرتها الفيلا نحو عملها عندما رن هاتفها بإسمه فتأمله بدهشة وتجاهلت عن عمد تلك النبضة الهاربة من قلبها ما إن رأت إسمه يلمع على الشاشة ..
” أهلا فادي ..”
قالتها وهي تجيبه بجدية ليأتيها صوته قائلا برزانته المعتادة :-
” أهلا غالية ..”
أضاف بجدية :-
” إتصلت بك لإخبارك إن فرحة إستيقظت …”
قاطعته تصيح بسعادة :-
” حقا ..؟! متى حدث ذلك ..؟!”
رد مبتسما بصمت وهو يستمع الى تلك الفرحة التي غزت نبرة صوتها :-
” فجر اليوم .. سأذهب إليها بعد قليل لأتحدث معها …”
قالت بدورها :-
” أنا سأذهب إليها حالا ..”
إبتسم بحفوت مرددا :-
” جيد ، نلتقي هناك إذا …”
أغلقت الهاتف وهي تتنهد براحة وسعادة قبل أن تستوعب إنها لن ترى فرحة فقط بل ستراه هو الآخر ..!!
إستدارت بعفوية نحو المرآة تتأمل مظهرها مجددا بإهتمام أكبر قبل أن تحمل حقيبتها وتغادر المكان بحماس شديد يجمع بين رغبتها في رؤية فرحة والإطمئنان عليها وهي التي كانت تتآكل خوفا وقلقا لأجلها وبين سعادتها كونه ستراه مجددا ..
نعم هي سعيدة كونها ستراه ولن تنكر هذا على الإطلاق…
أثناء طريقها الى المشفى رن هاتفها ففوجئت بإن المتصل بها كان عمار عندما أجابته ببرود بات حليفها دائما معه ليباغتها متسائلا :-
” ذلك الفراس .. كان مقيما في إحدى المشافي الخاصة كونه أُصيب برصاص ناري … خرج من المشفى منذ يومين .. ”
همست بتوجس :-
” حسنا ..”
قال ببرود متعمد :-
” وددت سؤالك إذا ما كنتِ تعلمين بذلك ..؟!”
ردت ببرود :-
” كلا لم أكن أعلم …”
” جيد …”
قالها بإقتضاب لتسأله بتردد :-
” مالذي تنوي عليه ..؟!”
ظهرت إبتسامة شريرة على وجهه وهو يجيب ببساطة :-
” القليل فقط ..”
نهرته بحزم :-
” عمار ..!!”
رد ببرود :-
” حقا القليل ليس إلا .. لا تقلقي .. مجرد لدغة صغيرة … ليست سامة على الإطلاق .. فقط كي يفكر ألف مرة مجددا عندما يحاول المساس بشيء يخصني ..”
أوقفت سيارتها على جانب الطريق خوفا من إنفعالها الذي ربما يجعلها تفقد السيطرة على قيادتها لسيارتها عندما قالت أخيرا :-
” لا تفعل أي شيء يا عمار كما إنني لا أخصك فلا داعي للتصرف بهذه الطريقة كأخ يحاول إسترداد حق أخته وأنت لم تعترف يوما بأخوتنا ..”
هتف بجمود :-
” أنا لا أعترف لكن القانون يعترف … شئتُ أم أبيتُ إسمكِ مرتبط بإسمي وبالتالي ما يمسكِ يمسني …”
تمتمت متعمدة :-
” وماذا عن نديم ..؟! أليس إسمه مرتبط بإسمك هو الآخر ..؟! أليس ما يمسه يمسك ويؤثر على سمعتك ؟!”
تجاهل ما قالته تماما وهو يهتف بها :-
” فراس هذا يجب أن يتأدب .. ولا أحد سيفعل هذا سواي ..”
أرادت أن تقول شيئا آخر لكنه أغلق الهاتف في وجهها دون أن ينتظر ردا منها فإعتصرت الهاتف بقوة وهي بالكاد تسيطر على أعصابها التي تشنجت كليا بسببه ..
حركت سيارتها مجددا متجها نحو المشفى عندما وصلت هناك لتجد فرحة ممددة على السرير بملامح منهكة تماما ورغم جميع الجروح والتقطيبات والوجع كانت تبتسم لها بخفوت ..
تقدمت نحوها تجلس جانبها تطمئن عليها وتسألها عن وضعتها ..
أخبرتها بمدى خوفعا عليها ورعبها من أن يصيبها مكروه وكم لامت نفسها كونها كانت سببا لما حدث لكن الغريب إن فرحة قابلت كل هذا بإبتسامة صادقة ورضا تام وطلبت منها ألا تؤنب نفسها بتاتا فهي من أرادت الإنتقام من فراس وتدميره ولو قليلا حتى وجعله يتذوق مرارة الخسارة ..
في أثناء حديثهما دلف فادي ملقيا التحية لتنهض غالية تبتسم له بهدوء ترد تحيته متأمله ملابسه الأنيقة بدءا من ذلك البنطال الأسود وما فوقه من قميص رمادي أنيق وشعره الأسودد المصفف بعناية ورائحة عطره الرجولي الرائع التي إخترقت حواسها …
كانت تختلس النظرات إليه وبدت غارقة تماما به وبمظهره المنمق ووسامته الرجولية التي تجذبها بقوة فتتأكد مجددا من حقيقة المشاعر التي باتت تنمو داخلها نحوه دون توقف …
هو بدوره كان يتأملها بذلك الفستان الذي يجمع بين العملية والرقي ..
فستان رصاصي اللون أنيق يلتصق بجسدها الأنثوي فيظهر تناسقه وتفاصيله المغرية دون إبتذال يغطي من الأعلى فتحة صدرها بالكامل حتى بداية عنقها ذو أكمام طويلة تغطي طرفها العلوي كاملا بينما يصل في الأسفل حتى أسفل ركبتها ..
فستان هادئ تماما خالي من أي تفاصيل او إضافات مكتفيا بذلك القماش الحريري بلونه الرصاصي الجذاب ملتفا حول جسدها بحرص ورقي..
ترتدي معه حذاء كريمي اللون ذو كعب عالي قليلا ..
ترفع شعرها البني شديد الكثافة عالية بتسريحة عملية أنيقة تبرز جمال وجهها الأبيض الجذاب بتفاصيله المميزة وعينيها الرائعتين بلونيهما الأخضر الغامق والذي يعززه ذلك الكحل الذي يرسم عينيها بحرفية بينما تطلي شفاها بلون لحمي لامع …
حياها مبتسما برزانة متجاهلا إنجذابه المخيف نحوها كلما رآها وتركيزه في أدق تفاصيلها حتى ذلك الحلق الفضي الذي يزين أذنيها عندما تقدم نحو فرحة يطمئن عليها وعلى حالها …
هتفت فرحة بإمتنان :-
” أشكرك يا بك .. انا بخير لا تقلق …”
قال فادي بجدية :-
” حقك ستأخذينه كاملا يا فرحة .. أعدك بهذا …”
تأملته غالية وهي تبتسم بصمت عندما قالت فرحة بجدية :-
” أشكرك مجددا يا سيادة المقدم لكنني تنازلت عن حقي منذ زمن ..”
هتفت غالية بعدم فهم :-
” كيف يعني ..؟!”
شرحت فرحة وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها :-
” انا راضية عما حدثتي بل سعيدة به …”
تطلعت غالية لها بذهول فشلت أن تخفيه بينما فادي كان يتابعها بصمت عندما إسترسلت :-
” أنا إرتكبت ذنوبا كبيرة في حياتي .. غرقت في آثامي حرفيا .. أي شيء قد يساعدني في تطهيري ولو قليلا من ذنوبي أنا راضية به ….”
نظرت غالية الى فادي الذي قابل نظرتها بأخرى ساكنة تماما لا توحي بشيء عندما قال مهنيا الحوار :-
” إرتاحي أنت الآن يا فرحة وسنتحدث قريبا .. هناك حديث مهم قادم بيننا …”
ثم ودعها وخرج تتبعه غالية التي ودعتها بدورها وسارت جانبه عندما خرجا من المشفى لتتحدث غالبة بقهر :-
” انا حزينة جدا لأجلها .. كم صعب على الإنسان أن يصل الى هذه المرحلة .. أن يرضى بأي ألم وعذاب عله يطهره من ذنوبه …”
هتف فادي بجدية :-
” هي معها حق… هي مذنبة أيضا …”
رددت من أسفل رموشها :-
” أعلم ولكن هذا لا يلغي إنها بقدر ما هي مذنبة فهي ضحية أيضا بشكل أو بآخر …”
اومأ برأسه وهو يردد بعزم :-
” والجاني سيدفع ثمن ما إقترفه بحقها في جميع الأحوال ..”
أكمل وهو ينظر نحوها بثبات :-
” فراس سينال عقابه كاملا على ذنبه القديم في حقها وحق شقيقتها وذنبه الحالي ..”
قالت بجدية :-
” أعلم ..”
أضافت بثقة لا تعرف متى تولدت داخلها نحوه :-
” أعلم إنك لن تتركه دون أن ينال العقاب الذي يستحقه …”
هتف مبتسما :-
” تسعدني ثقتك هذه يا غالية …”
تنحنت مرددة :-
” يجب أن أغادر …”
كان يتمنى أن تبقى معه أكثر وأن يتحدثا أكثر ويستمتع بوجودها جانبه أكثر لكنه لم يظهر ذلك وهو يخبرها :-
” حسنا .. ”
قالت تودعه :-
” مع السلامة …”
قال عن قصد :-
” الى اللقاء في وقت قريب …”
إبتسمت له برقة قبل أن تتحرك بخطواتها بعيدا تاركة إياها يتابعها وصورتها الأخيرة وهي تبتسم بتلك الطريقة طُبِعت داخل رأسه وقلبه غارقا كليا في تلك الإبتسامة الخافتة الهادئة دون أن يعي ..
…………………………………………………
كان شريف يجلس على مكتبه يرتشف قهوته بتركيز على ملف احد المرضى الموضوع بين يديه …
سمع صوت طرقات على الباب يتبعه دخول أروى وهي تبتسم له برسمية فبادلها إبتسامتها عندما تحدثت بعملية :-
” كنت أريد التحدث معك بشأن ملف إحدى المريضات في قسم الجراحة العامة … ”
” تفضلي …”
قالها مرحبا لتتجه نحو مكتبه وتمد يدها له بملف المريضة عندما أخذه شريف وأخذ يقرأ محتوى الملف بما يخص حالة المريضة ثم ما لبث أن بدأ يتناقش مع أروى بشأن الحالة حيث كان تريد أروى إستشارته في بعض الأمور كعادتها عندما تحتاج الى إستشارة طبية حيث تلجأ إليه كونها ما زالت في مرحلة دراسة التخصص الذي نال هو شهادة البورد البريطاني فيه …
إستمرا في نقاشهما لأكثر من ساعة عندما إنتهت أروى من طرح أسئلتها وإستفساراتها فنهضت من مكانها تشكره ليبتسم لها مرددا :-
” على الرحب والسعة .. أهلا بك في أي وقت ..”
قالت وهي ما زالت تحتفظ بإبتسامتها وقد تخلت عن إسلوب زملاء المهنة في تلك اللحظة والتي تلتزم به طوال وجودها في المشفى :-
” أعلم إنني أتعبك كثيرا معي خاصة بأسئلتي الكثيرة لكنني أثق بك كثيرا …”
قال بجدية وهو ما زال محتفظا بإبتسامته الهادئة :-
” على العكس يا أروى .. يسعدني كونك حريصة على معرفة كل شيء ولا تتغافلين عن أي نقطة كما تسعدني حقا ثقتك بي ..”
أضاف بأخوية :-
” لا تنسي إننا أبناء عم .. يعني من الطبيعي أن تلجئي لي دونا عن غيري ..”
” وهذا ما أفعله …”
قالتها بصدق قبل أن تهم بالمغادرة عندما فوجئت بصلاح يقتحم المكتب لتتطلع إليه بدهشة قبل أن ترحب به :-
” صلاح .. ما هذه المفاجئة ..؟! متى عدت من شهر العسل ..؟!”
توترت ملامح صلاح عندما نهض شريف من مكانه مرددا :-
” لقد عاد منذ يومين .. ”
ثم جذب صلاح يرحب به عندما رد الأخير على إبنة عمه بتماسك مصطنع :-
” أهلا بك يا أروى .. انا بخير الحمد لله .. ”
أضاف بثبات مصطنع :-
” كل شيء على ما يرام … لقد عدنا منذ يومين كما قال صلاح …”
شعرت أروى بوجود خطب ما لكنها تجاهلت الأمروهي تحييه مجددا قبل أن تغادر عندما قال شريف وهو يسير نحو مكتبه :-
” وهذه مشكلة أخرى .. وجود أروى في المشفى .. ربما تكتشف وجود نانسي ..”
جلس صلاح على كرسيه واضعا رأسه بين كفيه مرددا :-
” لقد تعبت ومللت …”
قال شريف ساخرا :-
” مللت ..؟! أنت ما زلت في بداية الطريق …”
رفع صلاح وجهه ينظر إليه بحدة ليضيف شريف بقوة :-
” انا لا أكذب .. هذه الحقيقة …”
أكمل بقوة وعن قصد :-
” ما ينتظرك لا يناسبه الملل إطلاقا يا صلاح ..”
نهض صلاح من مكانه مرددا بعصبية :-
” الى متى ستحاسبني …؟! الى متي سأدفع ثمن خطأ حدث دون قصد مني … ”
هدر شريف بحزم :-
” لكنه خطأ .. يبقى خطئا .. خطئك أنت وعليك تحمله …”
تسائل صلاح بوجه محتقن :-
” ماذا تريد مني أن أفعل …؟! هل أقتل نفسي لترتاح ..؟! لترتاحون جميعا…”
تقدم شريف نحوه ووقف أمامه مرددا بحزم :-
” بل أريدك أن تصبح رجلا وتتحمل مسؤولية ما حدث ….”
” إنظر إلي .. أنا تحملت مسؤولية ما حدث وسارعت لتصحيح خطئي وتزوجت بها .. أما الباقي فهو خطئها وحدها ومسؤوليتها .. هي من أخفت عني حملها وهي من قررت الإحتفاظ بالطفلين دون عملي …”
قاطعه شريف بجدية :-
” ولكن هذا لا يلغي إن الطفلين تحديدا هما مسؤوليتك يا صلاح .. هما ولديك .. إستوعب هذا وإستعد له جيدا ..”
صاح صلاح بضيق :-
” لماذا ..؟! لماذا علي تحمل مسؤولية لا أريدها …؟؟ لماذا أنا مجبر على ذلك …؟!”
إتسعت عينا شريف غير مصدقا مدى الإهمال وإنعدام المسؤولية الذي وصل إليه شقيقه :-
” أخبرتك منذ قليل .. لإنك والد الطفلين .. أنت عليك تحمل مسؤوليتهما مجبرا لا مخيرا ..”
أضاف وهو بالكاد يسيطر على أعصابه :-
” توقف عن أفعالك المستفزة يا صلاح .. كن رجلا لمرة واحدة في حياتك..
”
منحه صلاح نظرات نارية عندما أضاف شريف وقد فقد تعقله تماما في تلك اللحظة :-
” لا تسقط من نظري أكثر يا صلاح …”
إهتزت نظرات صلاح للحظات عندما سمع شقيقه ينطق بهذه الحقيقة .. حقيقة إنه سقط من نظره بأفعاله الأخيرة …
لكنه عاد يتجاهل شعوره هذا بكل غرور قائلا بصلف :-
” وكأنه يهمني .. إفهم يا شريف .. انا لست مسؤولا عن شيء .. كيف سأكون مسؤولا عن شيء حدث دون علمي من الأساس ..”
هتف شريف بسخرية مليئة بالحسرة :-
” بالطبع لن يهمك .. متى كان يهمك أساسا ..؟!”
أضاف بلهجة ثائرة :-
” يا رجل .. فكر في الطفلين القادمين .. ألا يوجد أمل أن يتحرك ضميرك ولو قليلا حتى …؟!”
تأمله صلاح بجمود عندما قال شريف محاولا التأثير به لآخر لحظة :-
” حاول أن تفكر بهما .. طفلان صغيران لا ذنب لهما بأخطاء من حولهما .. لا تكن جاحدا وقاسيا الى هذه الدرجة ..”
قال صلاح وقد عادت فورة غضبه تشتعل :-
” ولكنني لا أريد مسؤولية كهذا يا شقيقي العزيز ..؟! انا سعيد راضي في حياتي .. مستمتع بها تماما .. لا رغبة لي بتعكير صفو حياتي بمسؤولية طفلين …”
” يا إلهي …”
قالها شريف بإنهاك من هذا الحوار الذي كان مرهقا بل مدمرا لأعصابه عندما أضاف صلاح ببرود :-
” على العموم دعنا من هذا الآن … أساسا مصير الطفلين غير معلوم حتى الآن …”
هتف شريف مصعوقا :-
” أنت تنتظر خبر فقدانهما إذا ..”
أشاح صلاح وجهه بعيدا ليتمتم شريف بجمود :-
” لا تتأمل كثيرا .. فوضع نانسي يتقدم والطفلين يخضعان للمراقبة والعناية الكاملة ….”
أكمل بعدها :-
” علينا أن نفكر الآن فيما سنفعله عندما تستيقظ نانسي وكيف سنتصرف بعدها ..؟! ”
منحه صلاح نظرات باردة وهو يردد عن قصد :-
” تولي أنت مسؤولية هذا الأمر … من الآن فصاعدا سأترك مسؤولية كل شيء لك …”
منحه شريف نظرات قاتمة قبل أن يردد :-
” يوما ما ستندم على قسوتك وجحودك ندما لا رجعة فيه …”
…………………:……………………………………..
في صباح اليوم التالي
كان يتدرب على الرماية ومعه صديقه المقرب …
يسدد رصاص مسدسه في المكان المحدد بحرفية عالية وحرفية صديقه المقرب لا تقل عنه …
يتأمل المكان الواسع أمامه حيث موقع تسديد رصاصته بنظرات هادئة ثابتة وتركيزه يصل ذروته عندما يطلق رصاصته التي تصطدم في هدفها المحدد
دون حياد ولو بسيط حتى …
ورغما عن تركيزه مع كل رصاصة تخرج منه عاد عقله ينشغل بها …
هي التي دخلت حياته كخطيبة شقيقه في بداية الأمر .. خطيبة لم يستسغ وجودها ليس لعيب فيها بل لإنه كان يدرك ما يريده شقيقه منها مثلما كان يرى فيها ما عجز شقيقه عن رؤيته … الذكاء والحنكة مع كبرياء شديد وغرور فطري لا يقبل مساسا شكلا خلطة سحرية خاصة جعل منها أنثى قوية ، جريئة ومحنكة تعرف كيف تقتص لنفسها دون تردد او مواربة بكل ما تملك من جرأة وقيادة …
فتاة تمتلك شخصية مذهلة تجمع كل معاني الكبرياء والشموخ والإعتداد بالذات وجمال آخاذ وإبتسامة ساحرة وماذا أيضا ..؟!!
همس بها لنفسه وهو يؤنب عقله على تفكيره بها مجددا بهذه الطريقة ..
يخبره بحزم إن هذا خطأ لا يجب أن يتبعه فيعود ويتراجع ويغرق مجددا في أفكاره التي باتت تتمحور حولها وحدها هي دونا عن البقية ..
وجه فوهة مسدسه نحو المكان المحدد مجددا ورغما عنه إرتسمت أمام عينيه كما هي بكامل حسنها وبهائها فضغط على زناد مسدسه وأطلق رصاصته …
ثم عاد يضغط مجددا بعض اللحظات وهذه المرة كان يرى إبتسامتها الرائعة نصب عينيه ..
رالمرة الثالثة وهو يسمع نبرة صوتها القوية والناعمة في ذات الوقت تخترق أذنية ومرة رابعة ونظرات عينيها الصلبة القوية الشامخة تأسر عينيه ومرة خامسة وسادسة وهي لا تفارق مخيلته حتى قرر التوقف أخيرا يخبر نفسه إن عليه أن يرتاح لكن واقعيا كان يريد الهرب من صورتها التي تلاحقه ..
جلس بعد مدة قصيرة بتعب فوق احد الكراسي خارجا وهو يرتشف الماء البارد على دفعات عندما وجد صديقه يتقدم نحوه مرددا بفخر :-
” اليوم تفوقت على نفسك يا فادي بشكل مختلف عن السابق …”
ابتسم فادي دون مرح ليجاوره صديقه وهو يردد :-
” ماذا يحدث يا صاحبي ..؟! تحدث .. ”
” لا يوجد شيء أقوله ..”
قالها فادي بجدية ليهتف سيف بثبات :-
” بل يوجد الكثير .. هناك خطب ما يحدث معك …”
نظر فادي الى المكان أمامه متجاهلا أسئلة صديقه عندما قال سيف بتعمد ؛-
” هل الأمر يخص فتاة …؟!”
قال فادي بإقتضاب :-
” منذ متى وأنا لدي أمور تخص الفتيات ..؟؟ أنت تعرف طبيعة علاقتي بالجنس الناعم …”
ابتسم سيف ببرود قائلا :-
” وماذا عن علاقتك بغالية ..؟!”
تجهمت ملامح فادي وهو ينهره بقوة :-
” سيف من فضلك …”
قال سيف بجدية :-
” لا تغضب يا فادي .. كلانا يدرك إن حالك إنقلب تماما منذ دخولها حياتك ..”
رمقه فادي بنظرات جامدة قبل أن يقول أخيرا :-
” انت تبالغ … إنها مجرد فتاة جمعتني بها ظروف محددة …”
قاطعه سيف بجدية :-
” لا تنسى إنها كانت خطيبة شقيقك ..!!”
توقف فادي للحظات قبل أن يهتف بجمود سيطر على ملامح وجهه :-
” لم أنسَ يا سيف …!!”
رمقه صديقه بنظرات صريحة وهو يضيف :-
” من الجيد ألا تفعل يا فادي .. ”
أكمل وهو يرتشف من كوب الشاي خاصته :-
” الوضع برمته سيكون غير مقبولا ..”
هتف فادي بغلظة :-
” أخبرتك إنني أعلم ذلك والأهم إن تحذيراتك هذه لا داعي لها لإنه بالفعل لا يوجد شيء مما تفكر به أو تعتقده من الأساس …”
هز سيف كتفيه مرددا بإبتسامة :-
” سنرى يا صديقي …”
قابل فادي نظراته المستفزة وإبتسامته تلك بنظرات باردة تماما عندما قال سيف بجدية :-
” انا جائع … لنتناول طعامنا في احد المطاعم القريبة …”
هز فادي رأسه ونهض من مكانه يسير خلف صديقه على مضض وهو يعد نفسه ألا يفكر بها مجددا مهما حدث ..
…………………………………………………….
في قصر آل نعمان ..
وضعت شريفة فنجان قهوتها على الطاولة وهي تخبر إبنتها :-
” هناك واحدة ما في حياة شقيقك …”
تمتمت علياء بجدية :-
” تقصدين كنان أليس كذلك ..؟!”
اومأت شريفة برأسها عندما إبتسمت علياء تقول :-
” إنه خبر رائع .. وأخيرا سيحدث ما تمنيناه طويلا …”
هزت شريفة رأسها موافقة وهي تردد بتمهل :-
” ولكنه رفض أن يخبرني هوية الفتاة أو آية معلومات عنها ..”
قالت علياء بثقة :-
” فتاة رائعة بالتأكيد .. ألا تثقين بكنان وإختياراته …؟!”
تمتمت شريفة بخفوت :-
” أثق بالطبع …”
أضافت بجدية :-
” فقط كنت أتمنى لو يحقق رغبتي ويتزوج بإبنة خاله … ”
قاطعتها علياء بجدية :-
” أنت تعلمين يا ماما إنه لا يفكر بالفتاة وهو لا يراها سوى أخته الصغيرة فقط مثلما تعلمين إن هي الأخرى تراه بنفس الطريقة ولا تفكر به سوى كشقيق كبير تقدره وتحترمه …”
هزت شريفه رأسها توافقها رغم أسفها :-
” للأسف أعلم ..”
أضافت بعدها :-
” ولكنني كنت أتمناها له وإن لم تكن هي فلتكن مايسة ابنة غيداء …”
زفرت علياء أنفاسها بخفوت وهي تقول :-
” وهذه الأخرى ابنكِ لم يفكر بها يوما ولم يرها أكثر من كونها ابنة صديقتك التي يحترمها ويقدرها رغم كل محاولاتك ومحاولة مايسة نفسها لعكس ذلك …”
قالت شريفة بجبين متغضن :-
” لا أفهم مالذي لا يعجبه فيها … مايسة فتاة كاملة الأوصاف .. حلم لجميع الشباب حولنا .. جميلة ومهندسة وابنة عائلة راقية جدا معروفة بأصولها العريقة ووحيدة والديها … فتاة لا يمكن ألا ينجذب إليها أحدهم …”
قاطعتها علياء :-
” ولكن ابنك لم ينجذب لها رغم محاولاتها هي نفسها لجذبه ..”
إسترسلت بتعقل :-
” يا ماما صدقيني هذا الأمر خارج عن إرادة الشخص .. المهم أن تثقي بكنان وإختياره وإنه سيختار عروسا تليق به وبنا ..”
” فقط أريد أن أعرفها .. تلك التي قرر كنان أن يتخلى عن عزوبيته لأجلها وانا التي كنت أحاول معه بخصوص هذا الأمر منذ تخرجه من الجامعة … ”
ضحكت علياء وهي تقول :-
” ستعرفينها قريبا وانا واثقة إنها ستنال إعجابك فكنان لن يختار فتاة عادية لتكون زوجته .. أنت تعرفينه جيدا .. يحب الكمال في كل شيء كوالدته …”
هنفت شريفة بحدية :-
” المهم أن تكون لائقة به وتوازيه في كل شيء فأنا لن أسمح لأيا كانت أن تدخل عائلتنا …”
هزت علياء رأسها مكتفية بالصمت عندما دخل سيف الى المكان ملقيا التحية لتنهض علياء من مكانها تستقبله بسعادة ..
إحتضنها مرحبا يسألها عن أحوال هي وطفليها وزوجها ثم سألها بإهتمام عن صحتها وأخبارحملها …
همست علياء وهي تحيط بطنها المنتفخ قليلا بكفيها :-
” جميعنا بخير … سنعرف جنس الجنين الأسبوع القادم …”
ابتسم وهو يربت على كتفتها قائلا :-
” عقبال يوم ولادتك ان شاءالله …”
تمتمت علياء بتنهيدة :-
” آمين ..”
تقدم سيف نحو والدته التي راقبته بإمتعاض فهتف وهو ينحني مرددا :-
” شريفة هانم ..”
طلب كفها فمنحته إياها ليقبله برقي وهو يجلس جانبها يسألها :-
” كيف حالك يا والدتي العزيزة ..؟!”
ردت شريفة بجفاء مقصود :-
” لو كنت تتواصل معي وتزورني بإستمرار لكنت ستعرف حالي دون سؤال ..”
نظر سيف الى شقيقته التي هزت كتفيها وهي تبتسم عندما أضافت شريفة :-
” أو لو كنت تعيش هنا معنا بدلا من إقامتك في تلك الشقة لوحدك …”
” مجددا يا ماما .. ألم أخبرك إنني أرتاح في تلك الشقة .. وإن إقامتي هناك تناسب ظروف عملي …”
قالت شريفة بحنق :-
” عملك الذي لم ولن أرضى عنه …”
قال سيف بجدية:-
” ولو يا ماما … رضاكِ قبل كل شيء…”
منحته نظرات حانقة لينهض من مكانه مرددا :-
” سأذهب لإجراء مكالمة سريعة ثم أعود مجددا ..”
ثم خرج من المكان وهبط درجات السلم ليجد شقيقه يتجه الى الداخل ليهتف غير مصدقا :-
” كنان هنا أيضا ..”
إحتضنه شقيقه الأكبر مرددا :-
” متى أتيت ..؟!”
رد سيف بجدية :-
“منذ قليل .. وشريفة هانم لم توفر وقتا في تأنيبي كعادتها ….”
ابتسم كنان مرددا ببساطة :-
” عادتها هذه ..”
قال سيف بنفس البسيطة :-
” لقد إعتدت على طريقتها تلك …”
قال كنان وهو يشير نحو الداخل :-
” تعال الى الأعلى معي … اليوم ستتناول العشاء معنا … ”
هز سيف رأسه بطاعة وهو يقول :-
” حسنا ولكن لأدخن سيجارة خارجا فأنت تعرف أوامر والدتك ..”
ربت كنان على كتفه مرددا وهو يتحرك للأعلى :-
” حسنا ننتظرك …”
…….\……………………………………………………
كانت تقف أمام المرآة تضع اللمسات الأخيرة من مكياجها وهي التي وصلت معه الى اراضي الوطن البارحة وبصحبتهما والدتها عندما ذهبا مباشرة الى شقتهما ليجدا والدته وغاليه يستقبلانهما ويرحبان بهما قبل أن يغادران المكان رغبة في تركهما يرتاحان قليل على وعد أن يزورانهما في اليوم التالي وقد حدث وذهبت معه في زيارة لمنزل عائلته حيث تناولا الغداء مع والدته وشقيقته ثم تبادلا الاحاديث لمدة جيدة قبل أن يغادرا لتعود هي وتستعد لزيارة حنين التي دعتها على العشاء الليلة ..
تقدم نديم يهتف بها :-
” هل إنتهيت أم بعد ..؟!”
ردت وهي تستدير نحوه :-
” لم يتبق سوى القليل ..”
ثم حملت عطرها ترش منه فوق رقبتها وملابسها عموما عندما سمعته يهتف بضيق خفي :-
” ألم يكن بوسع حنين أن تأتي هي لرؤيتك …”
ردت بجدية وهي تنظر إليه :-
” كلا يا نديم ، أساسا لا يوجد فرق …”
أضافت وهي تتوقف مكانها للحظات :-
” هل لديك مشكلة في ذهابي الى هناك ..؟!”
رد محاولا إخفاء ضيقه :-
” ليس كذلك ولكنني لا أحب قربك من نضال …”
ابتسمت مرغمة وهي تقول :-
” قربي من نضال ..؟! أي قرب هذا بالله عليك ..؟! لن يكون بيننا أكثر من سلام ..”
هتف بغيرة جلية :-
” لو الأمر بيدي لمنعتك حتى من تحيته ..”
تبرمت ملامحها وهي تردد :-
” توقف يا نديم .. انت تبالغ ..”
” أبالغ …!!”
قالها متهكما لتهتف بجدية :-
” نعم تبالغ .. لا أفهم ما فعله الشاب لينال كل هذا الغضب منك …”
هدر بحزم :-
” لا تتحدثي عنه بهذه الطريقة …”
همست مذهولة :-
” كيف أتحدث عنه ..؟!”
رد ببرودد:-
” تدافعين عنه ..”
قاطعته مبررة :-
” انا لا أدافع … انا فقط أخبرك إنه لا يوجد داعي لكل هذا ..”
أضافت بتمهل :-
” حبيبي ، نضال مجرد أخ حنين وابن زوج والدتي … انا مجبرة على التعامل معه لأجل هذه القرابة وإن كانت بعيده .. انت بالطبع لا تنوي منعي من الذهاب الى منزل والدتي لوجودي فيه .. ما بالك يا نديم ..؟؟ هو مجرد شخص عادي لا يمثل لي اي شيء .. تذكر ذلك وتوقف عن غيرتك الغير مبررة ..”
” لكنه يريدك …”
قالها بجمود لتعقد حاجبيها مرددة :-
” كان يريدني ..”
قاطعتها بجدية :-
” كان او ما زال .. هو يريدك او كان يريدك يوما ما … لا يمكنني التغاضي عن هذه الحقيقة أبدا .. لا يمكنني تقبل تحيتك له وربما التحدث معه ولو قليلا وبشكل رسمي وهو كان يريدك يوما ما …يريدك حبيبة وزوجة بالتأكيد ..”
نظرت إليه بحيرة ولا تعرف كيف تعالج الموقف المزعج عندما خطرت على ذنها فكرة فسارعت تنطق :-
” لو كانت ليلى مكانه ، هل كنت سأتصرف بنفس الطريقة ..؟!”
نظر لها بدهشة إستمرت لثواني قبل أن يسألها وهو يرفع حاجبه :-
” ألم تكونِ لتفعلي ..؟!”
هزت كتفيها تجيب :-
” بالطبع لا ..”
سار نحوها بخطوات متمهلة بعدما أعاد قميصه الذي كان يحمله لمكانه ليقف أمامها تماما وينحني بوجهه نحوها فترمش بإرتباك عندما سأل بهدوء :-
” متأكدة ..؟!”
رفعت عينيها البنيتين نحوه تجيب بثقة متعمدة :-
” نعم ..؟!!”
سألها مجددا وهو يحاصرها بجسده أكثر :-
” ألن تغضبي حقا ..؟! ألن تنزعجي ..؟! تحزني ..؟!”
تمتمت بتوتر :-
” ربما سأتضايق قليلا بسبب الغيرة ولكنني لن أمنعك من التحدث معها ولن أحاسبك إذا ما رأيتك تحييها أو تتحدث معها أو …”
” إذا تغارين ..؟!”
قالها بمكر لتهتف بوجوم :-
” هل هذا فقط ما إلتقطته من حديثي..؟!”
أكملت وهي تشمخ بوجهها أمام وجهه :-
” نعم أغار .. وهذا حق مشروع لي ..”
دفعها نحو الجدار محيطا جسدها بجسده مستندا على الجدار بكفيه مرددا وإبتسامة مختلفة تزين ثغره :-
” وأنا أيضا أغار يا حياة … ”
زمت شفتيها تهتف :-
” فهمت إنك تغار يا نديم لكن هذا لا يعني أن تمنعني من تحيته حتى …”
” كان يريدك يا حياة وربما ما زال ..”
قالها وقد إختفت إبتسامته وعاد وميض الغيرة يشتعل داخل عينيه لتهتف بتحدي :-
” وليلى كانت حبيبتك لأعوام وخطيبتك و ..”
قاطعها ببرود :-
” الأمر مختلف ..”
أحاطت خصرها بكفيها تتسائل :-
” كيف ..؟!”
تنهد وهو يجيب :-
” لإن ليلى لم تكن مجرد حبيبة او خطيبة .. هي ابنة خالتي أيضا .. يعني بيننا صلة دم وقرابة ..”
أيدته :-
” نعم ، لذا من الطبيعي أن تحييها إذا رأيتها وأنا لن أمانع ..”
أكملت بنفس البساطة :-
” ونضال ابن زوج والدتي .. وأخ حنين .. هناك معرفة بيننا ومن الواجب عليّ أن أحييه على الأقل .. كما إنني لم يجمعني شيئا مع نضال يوما ما … لم يجمعني أي شيء .. بينما انت وليلى كان بينكما الكثير .. الكثير يا نديم ومع هذا أتفهم قرابتكما مهما حدث فلماذا تمنعني من تحية نضال حتى وتسمح لنفسك بتحية حبيبتك وخطيبتك السابقة إذا حدثت صدفة ورأيتها ..؟!”
صمت لثوان يحاول أن يصوغ ردا منطقيا أمام حديثها المتوازن المنطقي ..
لقد حصرته تماما عندما وضعت مقارنة بين نضال وليلى بشكل يجعله عجزه عن تبرير طلبه بعدم التحدث مع نضال ذلك وهاهو الآن يحاول أن يجد سببا مقنعا لكنه لا يجد ..
لقد غلبته مجددا ..!
إبتسمت بإنتصار وهي تضيف منهية حديثهما بحسم :-
” سأتناول حقيبتي كي نغادر …”
هز رأسه مرغما ليخرجان أخيرا من شقتهما ويركبان سيارته عندما قال لها فجأة :-
” لدي مفاجئة لك …”
سألتها بحماس :-
” حقا ..؟! مفاجأة ماذا ..؟!”
رد وهو يبتسم بخفوت :-
” ستعرفينها غدا …”
زمت شفتيها بعبوس وتبرمت ملامحها ليكتم هو ضحكته بصعوبة على مظهرها المحبب للغاية بالنسبة له ..
…………………………………………….
ما إن أوصل حياة الى منزل والدتها حتى تحرك بسيارته متجها الى منزل عمار وهو يتوعد له في داخله ..
هبط من سيارته ووقف يتأمل الفيلا الفخمة للحظات قبل أن يتحرك بخطوات آلية حيث حرس الفيلا ليخبرهم هويته فيسمحون له بالدخول بعد لحظات عندما سار الى الداخل ووصل الى الباب الداخلي للفيلا عندما إستقبله عمار بنفسه وهو يبتسم ملأ فمه قائلا :-
” أهلا وسهلا بالطير المهاجر والذي عاد أخيرا الى ارض الوطن .. لم أتوقع منك هذه الزيارة يا أخي العزيزة لكنك دائما تخالف توقعاتي بكرمك وحسن وصالك ..”
أنهى كلماته عندما وجد نديم يهتف ببرود :-
” هل إنتهيت …؟!”
رفع عمار حاجبه مرددا :-
” كلا لم أنته ..”
أضاف بجدية :-
” تفضل الى الداخل اولا .. أم ستبقى واقفا مكانك ..”
قال نديم ببرود :-
” كلا لا داعي للدخول .. انا لن أدخل .. انت من ستخرج يا عمار ..”
إلتوى فم عمار بتهكم وهو يسأل :-
” ما معنى هذا ..؟!”
رد نديم بجدية :-
” يعني سوف تأتي معي .. في مكان ما .. سنتحدث قليلا ثم يعود كلا منا لمكانه …”
” عمَ سنتحدث وإلى أين سنذهب ..؟!”
قالها عمار وهو متمسكا بطريقته الساخرة ليرد نديم بثبات :-
” ستعرف عندما تصل الى هناك ..”
أضاف بجدية:-
” يمكنك أن تأتي ومعك حراستك إذا كنت تخاف من ذهابك لوحدك معي في مكان مجهول …”
سارع عمار يخرج من المكان مغلقا الباب خلفه مرددا بحدة خافتة :-
” إنتبه على كلامك يا هذا .. من هذا الذي سيخاف ..؟!”
رفع نديم حاجبيه مرددا بتحدي :-
” تعال معي إذا …”
رد عمار بسرعة دون أدنى تردد :-
” تفضل .. سآتي خلفك بسيارتي ..”
وبالفعل ركب كلا منهما سيارته حيث تبع عمار نديم بسيارته ..
وجده يتجه خارج المنطقة التي يسكن بها ومنها حيث مناطق مجاورة ليدخل الى احدى المناطق النائية عندما توقف بسيارته على جانب الطريق هناك حيث الأراضي الواسعة وبضعة بنايات مهجورة وقديمة جدا ..
هبط نديم من مكانه يشير الى عمار الذي أوقف سيارتها بيديه فأطفأ الأخير السيارة وهبط منها يتبع نديم الذي تقدم نحو احدى البنايات القديمة جدا حيث دخل الى غرفة صغيرة في الطابق السفلي منها …
” ماذا تريد يا نديم ولماذا جلبتني هنا ..؟!”
سأله عمار بغضب مكتوم ليرد نديم ببرود :-
” اهدأ اولا يا أخي العزيز ..”
أضافت يتسائل بلا مبالاة :-
” انظر جيدا الى المكان حولك ..”
تأمل عمار الغرفة الصغيرة للغاية بجدرانها البالية وتلك الباب الحديدية الصغيرة المفتوح نصفها ببرود قبل أن يسألها :-
” نظرت جيدا .. ما المطلوب ..؟!”
ابتسم نديم إبتسامة خاصة قبل أن يهتف بهدوء متعمد :-
” هذه الغرفة صغيرة جدا … مغلقة من جميع الجوانب .. لا مكان فيها لممارسة أي نشاط ممكن بل حتى التنفس بها محدود للغاية ..”
تنهد ثم قال :-
” في غرفة حجمها اكبر من هذه بالطبع لكنها كانت مغلقة ايضا ومليئة بالعديد من الأشخاص عشت لسنوات .. كنت محروما من أبسط الشيء .. وكنت أشعر بالإختناق دائما دون أن أجد أي مفر من هذا الوضع فكان علي التحمل وحساب الأيام بل الساعات والدقائق ..”
صمت قليلا يتأمل البرود واللا مبالاة مرتسمة على ملامح عمار الذي بدا وكأنه يستمع لحديث عابر لا أهميه له فأضاف بنظرات فقدت برودها وأصبحت مليئة بالحقد المرعب :-
” كل هذا كان بسببك .. عايشت كل هذا بسبب .. انت سلبت كل شيء مني .. دمرت حياتي وسرقت سعادتي وأحلامي وكل شيء ..”
” هل جلبتني الى هنا لتخبرني بشيء أعلمه جيدا ..؟!”
سأله عمار بإستخفاف ليرد نديم بقوة :-
” بل جلبتك الى هناك لأخبرك إن النهاية إقتربت وإنك قريبا جدا ستدفع ثمن كافة أفعالك الدنيئة .. وأتيت بك خصيصا الى هذه الغرفة القديمة البالية كي تتعرف على مكان إقامتك القادمة لسنوات ..”
” ما هذه الثقة التي تتحدث بها يا أخي الصغير ..؟! حاول أن تقلل من ثقتك بنفسك قليلا كي لا تكون الصدمة قوية للغاية عليك ..”
رد نديم بجمود :-
” انا جربت كل انواع الصدمات يا بك .. إكتسبت مناعة تامة ضد جميع أنواع الصدمات .. اطمئن من هذه الناحية .. لكن الآن جاء دورك لذا إستعد جيدا للصدمات المتتالية التي ستقع فوق رأسك ..”
قاطعه عمار بإستخفاف:-
” لا تكن واثقا الى هذا الحد ..”
ردد نديم ببروذ :-
” تذكر فقط .. إن الضربة القاضية تأتي عادة من أكثر مكان لا تتوقعه … ”
رد عمار بتحدي سافر :-
” سنرى يا نديم .. لكن عليك أن تحذر فربما في النهاية ستعود لنفس الغرفة البالية المشابهة لهذه ولكن ستبقى بها الى الأبد .. حتى الموت .. دون أمل في الخروج هذه المرة ..”
ضحك نديم بإستخفاف للحظات قبل أن يتوقف عن ضحكاته وهو يرد بوجه جامد تماما :-
” لا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها …”
وتلك الجملة إختصرت سنينا من الوجع …!
…………………………………………………..
كان يقود سيارته بذهن شارد وعقله يتذكر حديثه مع نديم والذي بدا مختلفا تماما عن نديم الذي عرفه …
بدا شخصا يستعد للهجوم بكافة أسلحته دون تردد ودون تفكير في مصيره وما ستؤول إليه حربه تلك ….
زفر أنفاسه بضيق ولا يفهم لماذا أغضبه الموقف الذي حدث منذ قليل بهذه الطريقة وهو الذي لم يهتم يوما أو يغضب ..
عاد الى منزله وهناك تمنى لو تستقبله شيرين فهو ولأول مرة يشعر بهذا الكم من الإحتياج لها لكنها تجاهلته كعادتها وتنائت بعيدا عنه ليتجه هو الى غرفته ومنه الى فراش وهناك يذهب في نوم عميق لم يفق منه الا على صوت شيرين في الصباح وهي تخبره :-
” راغب الهاشمي ومعه شقيقه مهند الهاشمي ينتظرونك في الأسفل ..”
إنتفض من مكانه يهتف بإسم واحد :-
” جيلان ..”
ثم نهض من فوق فراشه يغير ملابسه بسرعة مرتديا اول بنطال وقميص وجدهما أمامه عندما هبط الى الاسفل ليجدهما في إنتظاره فنهض راغب يحييه وجانبه مهند الواجم عندما قال راغب بهدوء :-
” يجب أن نتحدث يا عمار …”
سأل عمار بنبرة مستنفرة :-
” هل جيلان بخير ..؟!”
تبادل مهند النظرات مع راغب عندما قرر تولي هو دثة الحديث :-
” نعم هي بخير .. لكن هناك شيء هام بخصوصها يجب أن تعلمه ..”
زاد توجسه وهو يشير إليهما أن يتبعانه حيث غرفة مكتبه ليجلسان أمامه بينما يجلس هو خلف مكتبه بعدما طلب من الخادمة أن تجلب القهوة لهم ..
” تحدثا .. أسمعكما ..”
قال عمار بجدية لينظر راغب الى شقيقه قبل أن يعاود النظر نحوه ويقول :-
” لقد حدث شيء صادم لنا جميعا يا عمار …”
رمقه عمار بنظرات قلقة وهو يقول بنفاذ صبر :-
” تحدث يا راغب لإن صبري نفذ ..”
وفي الحقيقة فإن صبر مهند هو من نفذ منذ وقت طويل فقرر أن يتحدث دون مقدمات :-
” جيلان حامل …”
حل الصمت المطبق للحظات ..
صمت ثقيل قطعه عمار :-
” هل تمزح يا هذا …”
رد مهند بهدوء :-
” كلا ، جيلان حامل .. تحمل طفلي ..”
انتفض من مكانه مرددا بغضب مكتوم :-
” كيف يعني حامل ..؟! ألم نتفق على ..”
قاطعه مهند :-
” لقد حدث ما حدث وحملت ..”
ضرب على المكتب بكلتا يديه وهو يهدر :-
” حدث ما حدث .. هكذا بكل بساطة … ”
أكمل وهو ينظر الى راغب :-
” هل هذه الأمانة التي تركتها بين يديك يا بك … لقد حافظت عليها جيدا كما وعدتني ..”
قال مهند بثبات :-
” تحدث معي انا … انا من أخليت بالوعد ..”
أشار له عمار مرددا :-
” انت رأس البلاء وسبب جميع المصائب ..”
ثم اندفع نحوه يلكمه بقوة قبل أن يجذبه من قميصه مجددا يصرخ به :-
” أخبرتك ألا تلمسها .. إتفقنا على هذا ..”
تحدث مهند بنبرة متقطعة :-
” وحدث العكس .. ماذا سنفعل ..؟!”
عاد عمار يلكمه بقوة أكبر حتى نزف أنف مهند بشدة عندما وقف راغب يحاول إبعاد عمار عنه بينما عمار يصيح :-
” أيها النذل الحقير .. كيف إستطعت الإقتراب منها ..؟! إنها طفلة يا حقير …”
هتف مهند وهو يمسح أنفسه :-
” كان عليك أن تتذكرح إنها طفلة وأنت تزوجها لي …”
صاح عمار وقد بدأ الذنب يقيده هو الآخر :-
” كنت مجبرا …”
رمقه راغب بنظرات محذرة تجاهلها مهند وهو يسترسل :-
” جميعنا مسؤولن عما حدث .. انا الذي تمممت زواجي بها دون مراعاة لسنها وشقيقي الذي رتب هذه الزيجة وأخيرا انت يا عمار حيث رميتها إلي دون تفكير فقط لإستعادة شرفها الضائع فلا تأتي الآن وتحاسبنا وأنت مذنب … مثلك مثلنا …”
تراجع عمار الى الخلف وهو يتمتم من بين أسنانه :-
” معك حق ..: جميعنا مذنبون .. لذا جميعنا سيدفع الثمن …”
وعلى مباغتة من الجميع وفي أقصى لحظات جنونه سحب مسدسه من درج مكتبه ووجهه نحو مهند وأطلق رصاصته على الفور لتخترق جسد الأخير بكل قوتها ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حبيسة قلبه المظلم ) اسم الرواية