رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي كاملة بقلم اسماعيل موسي عبر مودنة دليل الروايات
رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي الفصل الثالث عشر 13
لزمت غرفتي، لا ابارحها ولم اسمح لأحد بالدلوف إليها، تائه تحاوطني الذكريات وملابس والدتي القديمة.
كنت لا ابارح غرفتي الا ليلا عندما ينام الخدم وتختفي الأضواء من غرف الفيلا، اعبر البوابة نحو المقابر القديمة، اجلس بجوار قبر والدتي وادخن لفافات التبغ منتهكا سكينة الموتى، كل ليله كانت تمر أصعب من الآخرى ، كنت اتحدث الي والدتي طويلا، وإذا طال الليل احدق بالسماء واناجي نجومها ، تغمدني الحزن العميق وابحر بين أمواج الذكريات فتذكرت ايام الطفولة، ممازحات والدتي، ضربها لي، صراخها في وتحذيرها لي من الاقتراب من سياج الفيلا!
اتكأت علي جدار المقبرة وكانت الليلة بدر، بالجهة المقابلة لي كان هناك شاهد قبر يحمل اسم أحمد صبري عبد الفتاح، حدقت بالرخامة وخطر بذهني ذكري قديمة لرجل عجوز وانيق كان يحضر لزيارة والدتي، كنت أراه يبكي بالساعات فوق هذا القبر وكان يحضر معه طفل يكبرني بأعوام قليله، كنت العب معه احيان، لا أعرف لماذا تسمرت صورة الطفل والعجوز بذهني، كنت أراه يمنح والدتي نقود، كانت تقول عنه رجل محترم!
كم مضي علي اخر مره رأيته فيها هنا؟ مره اخري صعدت فكرة لذهني ماذا لو كان هذا الرجل يعرف معلومات عن كوثراو عن أقرباء والدتي؟
وضعت رأسي بين يدي واغمضت عيني وسحبت سحبة مديدة من لفافة التبغ، نحن نسكن بجوار كبري ضخم اسمه كوبري القبه تعبر من فوقه الف سيارة كل يوم، أسفل شقتنا صيدليه كبيره ابتاع منها العلاج لجدي والمثلجات من دكان العم فهمي!
تذكرت كلمات ذلك الطفل الذي كان يلعب، قلت في نفسي بالصباح سوف اذهب للبحث عنه، حتي لو كان خيط طفيف الا ان فكرة الانتقام من كوثر كانت تغتصب كل انش بداخلي!
أشعلت لفافة تبغ اخري وارتفعت فوق رأسي غيمه من الدخان الأزرق، لو كان من بين الموتى شخص مدخن سيدعو لي قلت وانا احرك يدي في الهواء قبل أن استغفر ربي!
ما هذا الهراء زجرت نفسي، سحقا حان وقت المغادرة، ودعت والدتي وقصدت غرفتي، كنت ميت من النوم دقائق وبدأت رحلة الأحلام.
فتحت عيني علي طرقات تكسر باب غرفتي، لم افتح الباب، كانت كارمه قالت إنها تحتاجني لأمر هام جدا!
بالنسبة لي كان كل فكره لا تخص موت والدتي والانتقام لها غير هامة أو مفيدة!
سحبت صنية الطعام التي يتركها الخدم خلف الباب باستمرار، تناولت لقمه، بدلت ملابسي وقدت السيارة نحو القاهرة!
عرجت علي المكتبة ، عندما رأتني تلك الفتاه قالت، ياه افتكرتك مت؟
قلت لها كيف حالك؟
قالت اين اختفيت؟ كل ذلك تحفظ سطرين؟ يا رجل كنت أظنك اذكي من ذلك؟
قلت لها توفيت والدتي!
واستني وتأسفت من أجلي، كانت حزينة فعلا، شعرت بذلك من نبرة صوتها اللعينة!
هل نبدء؟ قالت لتخرجني من حالة البؤس الطافحة فوق وجهي!
حضرت من أجل امر اخر، اخبرتها بخطتي بالبحث عن الرجل العجوز!
أطلقت كيان، كان ذلك اسمها ابتسامه، قالت والدتك تحبك!
لماذا سألتها؟
أن أقيم بنفس المنطقة اذا انتظرت حتي وقت رحيلي يمكنني أن اساعدك!
جلست علي مقعد بالمكتبة اراقبها وهي تعمل، كانت تعامل الكتب بطريقه جميله جدا، ليس كجماد بل كأشخاص يشعرون ويفهمون!
كانت كيان جميله جدا وكنت بحاله بائسه لعينه لم تمكنني الا التحديق بها وإطلاق النظرات الخبيثة المحتشمة، الخاطفة والعميقة؟!
انتهيت لوحت لي وانا شارد، لننطلق! ؟
قدت السيارة وكانت كيان توضح لي الطريق بنبره بسيطة ورقيقه.
سنترك السيارة هنا ونترجل، طاوعتها باستسلام وسرت خلفها، صيدليه كبيره فكرت؟
اعرف اربع صيدليات لنبداء من هنا!
كانت صيدليه كبيره تنهض فوقها بنايه ضخمه، سألت الحارس عن رجل عجوز يعيش صحبة حفيده.
القبطان؟ استفسر الحارس!؟
قالت لا نعرف بعد!
القبطان لم يبارح شقته منذ رحيل الباشمهندس عوني!
همست بأذن كيان لنجرب
كانت شقه برحه استقبلنا فيها رجل خمسيني أنيق المحيا تكلل وجهه لحيه صفراء، شعر رأسه ناعم، كامل رغم الحنق الباسق من قسماته، كان يرتدي حله صفراء ماركة ارمانو، ساعه ماركة رادو!
جلست وجلست كيان بجواري، حملقت بالرجل لم تتغير قسماته، قلت له قبل أن يطوف الشك بصدره،سألته انت لا تتذكرني؟
وكيف بربك تطلب مني ذلك؟ اي ذاكرة لعينه يمتلكها عجوز مثلي قد تسعفه لتذكر اكثر من يومين!!
سحقا علي الايام لا تذكر شيء علي حاله!
قلت المقابر القديمة، سيده عجوز كنت تساعدها، القبر الذي كنت تزوره ويحمل اسم احمد صبري عبد المنعم!
تهلل وجه الرجل قبل أن يتكدر فجأة ويطلق دمعه مسحها بكم قميصه، انت ابنها؟ سألني!
أجل!
ما أسمك؟
احمد !
راح الرجل ينتحب مره اخري حتي اشفقت عليه، انتصبت كيان وربتت علي كتفه برفق، قالت كيان يا والدي لا تبكي، ان الموت لن يترك احد حتي الأنبياء فلا تقسو علي نفسك؟
شهق الرجل وهو ينتحب، مات صغير، والان يأتي ابنه اللعين عوني يتركني لأموت وحيدا كما قضيت حياتي البائسة وحيد، نربي الأبناء، نفرح بهم، نعتقد انهم سيعتنون بنا ثم يكبرون ويمارسون هوايتهم في التنصل منا!
قال لي عوني انه لن يتركني لأتعفن بمفردي لكني أدرك ان رحلته باتجاه واحد ولن يعود مره اخري!
اقترب مني وأشار الرجل لي!
جلست بجواره، ما حال والدتك سألني؟
قلت والدتي ماتت، قتلت؟
شهقت كيان التي لم تكن تعلم ما حدث بعد.
أخبرته بما حدث معي كل ما اعرفه تقريبا ورحت ابكي انا الاخر!
لم تكن تستحق ذلك، كانت سيده طيبه ثم فتح عينيه علي اتساعهما وقال الحياه لا ترحم الطيبين!
حاولت أن أخرجه من حالته فسألته أين رحل حفيدك؟
قال تتذكره؟
قلت اتذكر الطفل الذي كنت العب معه وليس الباشمهندس الذي تتحدث عنه!
صمت الرجل دقيقه يزن كلماته ويفكر ان كان من الصائب ان يخبرنا عن سره ثم قال!!
وجد مخطوطه لعينه تتحدث عن مدينه غريبه، عجائبية اسمها مدينة أبناء الساعة، كان عمه رشدي رجل إليها ولم يعود، قال عوني انه سيذهب ولن يعود الا صحبة عمه انا اعلم ان كل ذلك هراء ولا أعلم لماذا طاوعته!
سألته كيان بلهفه وكان لديها شيء تخفيه، حدثني عن تلك المخطوطة؟
راح الرجل يقص عليها ما يعرفه حتي انتهي، ثم القي علي نظره طويله مستجديه وقال، انا لا اعرف غيرك يا احمد، طلبت من والدتك ان تسميك علي اسم ابني وقد فعلت لماذا لا تذهب خلفه يا ولدي وتحضره اليه، امنعه بالقوة اذا تطلب الأمر، قل له جدك يموت ويرغب برؤيتك!
كنت علي وشك الرفض حتي قالت كيان سنذهب خلفه ولن نعود الا معه!!؟
تخبطت أفكاري وطارت الكلمات التي اعددتها من علي طرف لساني! رحله طويله ئرفقة كيان ما يمكنني أن اتخيل افضل من ذلك!
قلت له امنحني بعض الوقت، انهي مسئلة والدتي واعدك ان اذهب خلفه!
نحن لا نمتلك الوقت قال الرجل، لكن لو تمكنت من الذهاب خلفه قبل نهاية الأسبوع ستصل اليه!
تركنا الرجل واختفي داخل غرفه مغلقه وعاد بعد دقيقه يحمل كيس به ورق مكرمش وضعه بين يدي، هذه امانه، قال الرجل ، بقية المخطوطة اللعينة التي وجدها عوني، كنت قد اخفيتها علي آمل أن يفشل عوني ويعود الي لكن مضي اسبوع ولم يرجع واحشني ان أكون تسببت في هلاكه!
ودعنا الرجل بترحاب، بالشارع لزمت انا وكيان الصمت كان كل منا خائف ان يفشي ما يجول بخاطره، قلت لها، ستذهبين حقا؟
قالت كيان بنبرة مصرة أجل!
وعائلتك، ستوافق؟
ابتسمت كيان، ليس لدي عائلة قالت!
انا عائلتك، قلت في سري وابتلعت كلماتي، ظهر لي امل جديد يجعل حياتي أفضل
تركت كيان علي ناصية الشارع، قلت لها بالغد وكل يوم سأحضر للمكتبة اذا كان ذلك لا يضايقك؟
علي الرحب والسعة قالت وهي تتهادي كبرتقالة افغانيه نحو مدخل البناية المظلم ، تابعتها وهي تختفي، رأسها، وسطها، كلها!
علي هاتفي كان هناك عشرين مكالمه فائتة من كارما، ذلك اخر ما ينقصني تمتمت في نفسي، كل تلك المصائب التي سقطت فوق رأسي ولا يستطيعون الاعتناء بأنفسهم!
الو؟
الو!
كانت كارما تنتظرني بالحديقة عندما وصلت، كانت ترتدي بلوزة بيضاء، تحتها جيبه سوداء وحذاء ابيض بكعب عالي، ساعه سواتش بيدها اليمني بدت من خلاله عامله منضبطة بائسة، نرجس تجلس بالشرفة تحرق لفافات التبغ وشعرها يرفرف فوق عنقها الطويل، لوحت لها قلت لحظه واحده وأعود!
تركت السيارة وكنت أشعر ببعض الانشراح فمشيت بسرعه عائدا تجاه الأريكة التي تجلس عليها كارمه، همست ليس الأن، لا تنطق بكلمه واحده وقرصتني في يدي!
حملقت بنرجس والقيت عليها التحية فأومأت برأسها وجلست بجوار كارما، سأغادر الان اتبعني بعد دقيقه نحو غرفتي.
بدأت أشعر بالقلق والارتباك، تصرفات كارما غير المعتادة، السرية التي تتبعها، هناك مصيبه قلت!
بغرفتها بعد أن اوصدت الباب أخرجت كارما ورقة من تحت سريرها، حملقت بوجهي دون أن يرف لها جفن، تفضل، قالت رساله من والدتك!
لكن علي حد علمي والدتي لم تعرف القراءة والكتابة!؟
لأنك لا تعرفها حق المعرفة يا احمد، والدتك تعلمت الكتابة منذ فتره بعيده عندما كانت تراقبنا ونحن نتلقى دروسنا علي يد معلم اللغة العربية!
الرسالة كانت مكتوبه بالدم علي مقعد السائق، كتبتها عندما كنت تقود السيارة قبل موتها، نقلت الرسالة ثم مسحت الدم!
رسالة بالدم؟
فتحت الرسالة ورغم انني لا اقراء جيدا الا انني قرأت، مصطفي، كارما، اخوتك يا احمد لا تتخلي عنهم، لم الشمل واجعلني استريح في قبري!
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية ثلاث صرخات وحدها لا تكفي ) اسم الرواية