رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات
رواية الحب اولا الفصل التاسع عشر 19
شعرت بالهواء يتسلل من بين اصابع قدميها إبتسمت
براحة وهي تحرك كاحلها بعد ان تخلصت من الجبيرة
وانتهت فترة العلاج…..
وقفت على قدميها وخطت عدة خطوات أمام الطبيب الذي يسألها مجددًا…
“حاسه باي وجع……”
هزت رأسها بنفي وهي ترفع عينيها الى سلطان..
الذي استقبل النظرة بحب وابتسامة صغيرة تشق
شفتاه الغليظة…..
نظرة صريحة تخبرها ببساطه انه أشتاق لتلك
العفرته… أشتاق لحركاتها وعفويتها هنا وهناك
كانت فترة صعبة عليه بان يراها تتحرك بصعوبة
وبمساعدة …..
أسبلت اهدابها بخجلًا ومزالت كلمات اعترافه
تتردد في اذانها مداعبة قلبها بشكلًا او بأخر
لم يكن واعي بما قال…
انه حتى في الصباح لم يتحدث في الأمر او يتذكره… هل كان يحلم بها… يهيم بها عشقا
في الحلم وماذا عن الواقع يشن الخصام
والبعد بينهما ؟!…
غريب أمرك يا ابن عمي…وقلبي أغرب منك فعلًا
فمزال يبحث عن الهوى بنهم كالاعمى دون ان
يبصر حقيقة ما يريد ؟!…
بعد ان انتهى الفحص واطمئن عليها خرجا معًا
من المشفى يد بيد واثناء خروجهما أخبرها
بحزم..
“حمدالله على سلامتك…. يارب نبطل عفرته
وناخد بالنا من نفسنا… كفاية شهر بحالة في
الجبس….”
قالت داليدا مبتسمة وهي تدخل خصلة هاربة
أسفل حجابها……
“حرمت خلاص دا كان شهر دمه تقيل أوي…وتعبتك
انت واهلك معايا ….”
رفع سلطان حاجبٍ وقال بخشونة….
“اهلي دول يبقوا اهلك كمان… وانا أبقى جوزك..
فملوش لازمه خالص الكلام العبيط ده….اهم حاجة
تاخدي بالك من نفسك…..اتفقنا… ”
استقلت داليدا سيارة بنصف نقل ملكا له يستخدمها في نقل الموبيليا لزبائن خارج منطقة الساحة…
“اتفقنا…..إحنا مروحين صح… ”
استقل مقعد القيادة قائلًا… “مش بظبط…..”
تهللت اساريرها بالفرح متوقعة… “هتفسحني…..”
هز راسه بنفي “لا….”
زالت البهجة بتدريج عن وجهها فسالته
بفتور… “امال إيه……”
قال سلطان وهو يدير محرك
السيارة….”هنروح بيتكم…..”
انعقد حاجبيها متعجبة….. “بيتنا ؟!!…”
اوما براسه بملامح صُنعة من الفولاذ الصلب..
بينما انكمشت ملامحها بخوف وخفق قلبها بوجع
ولم تصدق انها تشعر بكم هذا الوجع والاختناق
لمجرد انه نوى ان يطلقها وينهي مابينهما….
شحب وجهها امام عيناه الثاقبة وهي تساله
بضعف دب في أوصالها سريعًا..
“هو انا عملتلك حاجة ياسلطان….انت لسه زعلان مني… ”
لانت ملامحه قليلًا فقال بهدوء…
“مفيش زعل ولا حاجه…. انا عايزك تشوفي أهلك..
احنا من ساعة ما تجوزنا وانتي مروحتيش زورتيهم
ولا مرة… ولا حتى طلبتي…..”
نهتت بوجع يعتمل صدرها……
“ولا هم جم… حتى وانا مكسورة ومتجبسه محدش جه… وانا كمان مش عايزة أروح في حته….انا عايزة
اروح…..”
نداها سلطان بنفاذ صبر… “داليدا…..” نظرت اليه
بعناد فـعلا وجهه تعبيرٍ غريب مسترسلًا…
“ابوكي تعبان….تعبان وبقاله اكتر من اسبوعين… راقد في سريره…”
ارتسمت الصدمة على وجهها بتدريج وجحظت عينيها لوهلة بعدم تصديق……
“انت بتقول إيه….. سلطان انت بتقول كده عشان أروح معاك صح…..”
هتف بمنتهى القسوة…..
“من إمتى بكدب او بهزر في المرض والموت…
اكبري شويه….. كفاية إستهتار….إستهتارك وصلنا
لهنا…..”
ترترقت عينيها بالدموع سريعًا وازداد شحوب
وجهها بوجل متمتمه…….
“يعني بابا تعبان…. بقاله اسبوعين…. أسبوعين وانت مش راضي تقولي… ولا حتى ماما….”
قال سلطان بخفوت… “هو محلفنا منقولش……”
صرخت داليدا فجأه ومعها انسكبت عباراتها
تجري على وجنتيها الباردة…..
“يعني إيه محلفكم يعني إيه…..”
“ممكن تهدي أهدي ياداليدا….”حاول سلطان مسك
يدها لكنها بعدتها قائلة بهيستيرية……
“انا عايزة اروح بيتنا…..”
نزلت الدموع الحارة على وجنتاها والندم الحقيقي تجلى عن كثب وعرف الطريق لعيناها المتفاخرة سابقا بخطيئتها…..
“انا عايزة اشوفه…. عايزة اشوفه ياسلطان…واديني ليه ونبي….. واديني ليه…..”
انطلقت السيارة دون كلمة اخرى….
بعد لحظات وصلت امام باب شقة والديها…فبلعت ريقها ومزال وجهها شاحبا وعينيها حمروان من كثرة
البكاء……
أحاط سلطان بذراعه القوي منكبيها من الخلف وتعلق
كفه بكتفها وهزها قائلًا….
“اجمدي شويه….بلاش تفولي على الراجل بعياطك ده شويه تعب بسيط…..”
قالت داليدا وهي تجفف دموعها بالمنديل…
“انت ليه مش عايز تقولي عنده إيه…بابا عمره ما اشتكى من حاجة….”
ربت سلطان على كتفها وهو يقول بملاطفة….
“ابوكي كويس ياداليدا بس نفسيته مدمرة بسبب
بعدك عنه….وعشان عاقبك وعاقب نفسه قبلك بانه ميروحش يزورك حتى وانتي مجبسه….”
نظرت له داليدا بدهشة….فاضاف سلطان
بنظرة نافذة……
“افتكرتيها سهله عليه بس هو من ساعتها تعبان..”
ثم استرسل ببعض المرح….
“انا قولت لما يشوفك جايله بنفسك ووقفه على رجلك…لا وكمان جايه تصلحيه وتراضيه قلبه
هيحن ويرضا عنك……”
تمتمت داليدا بضعف…
“تفتكر هيرضا يسامحني…..”
“لو حس انك فعلًا ندمانه ليه لا………”
قالها سلطان ثم بعدها طرق على الباب وانتظر….ثم بعد ثوانِ فتحت (سهير) والدتها الباب واتفاجئت بوجودهما خصوصًا برؤية داليدا متعافية وتقف
على قدميها الإثنين….
صاحت بقلب الام وهي تجذبها لاحضانها
بلوعة…
“داليدا…داليدا ياحبيبتي الحمدلله انك بقيتي كويسة
الحمدلله ياحبيبتي…..فكيتي الجبس امتى… ”
قالت داليدا بلهفة وهي تبحث عن أبيها في
الارجاء…
“لسه النهاردة…. هو بابا فين ياماما…. بابا فين…”
قالت سهير بعتاب وهي تبتعد
عن الباب…..
“جوا… برضو سلطان قالك ليه كده يابني….”
اغلق سلطان الباب خلفه وكان ينوي الرد لكن
داليدا سبقته ونظرت لأمها بعتاب..
“انتي مكنتيش عيزاني أعرف..بابا فين… ”
“بابا…. بابا….”
دخلت الى غرفته ركضًا فوجدته جالسا على الفراش
بتعب وقد ظهر الشيب عليه والغلب وفقد الكثير
من وزنه في شهورٍ قليلة تحديدًا الفترة التي
مرت على زواجها من سلطان لم تصدق انه
أبيها !…
نزلت دموعها اكثر وركضت لعنده باقصى سرعتها والقت نفسها في احضانه….فضمها ناصف إليه
بشوق وقد ترقرق الدمع في عيناه…وتركها تفرغ
اوجاعها ودموعها في احضانه….كما كانت تفعلها
وهي صغيرة..تخطئ وتعود…تذنب وتعود….
وفي كل عودة لها لا تقر بذنبها ولا تلفظ اسفٍ
ولا تطلب مغفرة من أحد…
تربت مدللة وعاشت مدللة وكبرت وترعرعت أميرةٍ مدللة لا تتحمل مسئولية ولا تتحمل ذنبًا ولا تصلح خطأ اقترفته يداها…فلماذا يلومها وهو سبب افسادها ؟!…
لكنه واثق ان الأيام كفيلة بتهذيبها وان الزواج والمسئولية والعيش مع رجلا كسلطان كفيل بان
يجعل الأميرة المدللة زوجة مسؤولة ومتحملة
أعباء الحياة…..
قبلت داليدا كفه وهي تقول بتهدج..
“حقك عليا يا بابا متزعلش مني… انا اسفه…اسفه
على كل حاجة وصلتكم لكده…. صدقني ندمانه..
ولو رجع بيا الزمن عمري ما هكسر كلمتك تاني…
عمري……”
قبل والدها وجنتاها وهو يقول باشتياق..
“وحشتيني ياداليدا… كنت خايف أموت قبل ما اشوفكم…..”
قالت داليدا بعتاب….
“متقولش كده انا لو حصلك حاجة انا أروح فيها..”
التوى ثغر ناصف قائلًا بوهن…
“هاخد زمني وزمن غيري خلاص ياداليدا…”
قالت داليدا بحنق شديد…..
“لا مش خلاص انت لسه شباب…ولو سهير منكده عليك اوي كده…..شاور بس وانا اجوزك واحده من صحباتي……دول كلهم هيموتوا عليك….”
دخلت والدتها بصبحة سلطان وقالت
بغضب…..
“شوف البت جايه تخرب عليا إزاي…مين دا اللي يتجوز دا انا كنت كملت لك عليه قال يتجوز قال سامع ياسلطان……”
نظرت لسلطان فابتسم هو بخبثٍ قائلًا..
“سامع يامرات عمي…..انا مع داليدا بصراحه..واهو
بدل ما عمي يختار واحده من صحباتها يختار اتنين
واحده ليا وليه……”
احتقن وجه داليدا وقالت بغيرة….
“اي ليك وليه دي؟!… هو احنا بنفرق هنا…..”
رقص سلطان حاجباه الاثنان قائلًا
باستفزاز…..
“شوفي وشها جاب الوان ازاي….جبتلك حقك…”
“طول عمرها كيادة….بس وحشتني…..”قالتها
والدتها وهي تتقدم منها وتجذبها لاحضانها
من جديد…فبادلتها داليدا العناق وقبلت
كتفيها قائلة….
“وانتي كمان ياماما…وحشتيني أوي أوي…..”
بينما قال ناصف بامتنان لابن أخيه…
“كتر خيرك يا سلطان يابني…انا كان نفسي اشوفها اوي انا حاسس ان مكنش هيطلع عليا النهار لو ما شوفتهاش النهارده……”
شهقة داليدا بلوم…. “بعد الشر عليك يابابا….”
قال سلطان بمودة…
“متقولش كده ياعمي……ربنا يباركلنا فيك….”
ثم استأنف الحديث قائلًا…
“على العموم…انا كده كدا ناوي اسبها معاكم كام
يوم…..لاني مسافر القاهرة عندي شغل هناك
واحتمال اقعد اسبوعين …..”
نزل الخبر على داليدا كالصاعقة فقالت
مبهوته…. “اسبوعين ؟!..اسبوعين بحالهم……”
اخبرها سلطان بهدوء….
“ايوا ياداليدا….شُغل…يمكن الموضوع أول مرة من ساعة ما اتجوزنا يحصل…بس انتي عارفه قبل الجواز اني ساعات كتير كنت بسافر عشان شغلي……”
قالت بوجهاً باهت…. “اه عارفه…..”
بينما قالت والدتها بتفهم….
“ومالوا يابني سيبها ياحبيبي وروح شوف مصلحتك….هي معانا لحد ما ترجع…. ”
اوما سلطان براسه سائلا عمه
بقلق…
“يعني خلاص ياعمي صافي ياللبن…”
انعقد حاجبي ناصف واجما…
“خايف من إيه ياسلطان…دي بنتي معقول هأذي
بنتي…..”
قال سلطان بأحترام…..
“لا العفو ياعمي دا انت أبوها واحن عليها مني….بس انا بطمن…..”
“أطمن…. داليدا في عنيا لحد ما ترجع من السفر..
انت مسافر امتى…..”سأله ناصف بهدوء……
فرد سلطان بفتور…..
“على الفجر كده ان شاءالله…..”
هتفت داليدا سريعًا بلهفة…..
“طب قضي معانا اليوم….نتغدى سوا ونقعد شويه..
وبعدين نام لك هنا ساعتين قبل الفجر…..”
أعترض سلطان…
“دا اللي هيحصل ان شاء الله بس لما أروح…..”
أمره ناصف بنظرة حازمة….
“وليه يابني تروح وترجع هو ده مش بيتك ولا إيه….”ثم نظر لزوجته وابنته قائلا بأمر….
“حضري الغدى ياسهير…….وانتي ياداليدا روحي
ساعديها……”
خرجت سهير وخلفها داليدا التي رمقت سلطان
بعتاب…فهو لم يخبرها عن سفره خلال تلك
الأيام الماضية….وكانها غريبة عنه بل ويخبرها
قبل رحيله بساعات ونعمة الأزواج والله !!…
“انت فعلًا مسافر ياسلطان ولا بتقولها كده وخلاص……”
انتشله سؤال عمه عن شروده بها
فنظر اليه مؤكدا….
“مسافر والله ياعمي طلبية شغل…..”
جلس سلطان على المقعد امامه بينما استفسر ناصف بتردد….
“انت مرتاح ياسلطان مع داليدا ولا فيه بينكم مشاكل
قولي يابني وريحني…لو كده نصلح الغلطه دي وكل
واحد يروح لحاله…..”
ارتسم الازعاج على وجه سلطان
فزمجر قائلًا…..
“جرا اي ياعمي يعني انا بصلح بينكم…عشان تخرب عليا…..”
قال ناصف بنفي موضحًا….
“مش القصد يابني….بس انا حاسس اني ورطك
في الجوازه دي….”
بنظرة قوية ونبرة حاسمة اخبره…
“انا اللي اختارت ياعمي…وداليدا بقت مراتي.ومفيش قوى قي الدنيا تقدر تبعدني عنها…إلا لو هي اختارت.. دي بقا تبقى حاجة تانيه…..”
ساله ناصف باستفهام….
“افهم من كلامك انك مرتاح معاها…وعايز تكمل…”
اخبره سلطان بوضوح….
“هي اجابه واحده ياعمي…لو مكنتش مرتاح اي اللي هيخليني أكمل……”
نظر له ناصف بفخر وقال بامتنان….
“ربنا يسعدكم يابني….انت عارف ياسلطان اني مش هتمنى لبنتي احسن منك…دا انت ابن اخويا ابني
اللي عارفه ومربيه على ايدي……”
لانت ملامح سلطان فقال بملاطفة…
“طبعًا ياعمي عارف ربنا يقومك بسلامه….ويباركلنا فيك…”
عادت ادراجها الى المطبخ بعد ان سمعت حديثهما
كاملًا…ولم تشعر بلذة الفرح بعد حديث سلطان
ربما لانها تعرف انها كذبه كبيرة يتقنها ببراعة
امام الجميع….انه ليس سعيد وان المشاكل
كثرت والفجوات ازدادت إتساعا وعمقًا بينهما
حتى بات الاقترب خطر والبعد أمان !!…
عندما وقفت جوار والدتها سالتها
بهدوء….
“سالتي سلطان عايز قهوة ولا شاي…..”
قالت داليدا بعينين شاردتين…. “عايز شاي…..”
همت امها باعداد كوب الشاي لكنها انتبهت لشرود ابنتها وشحوب وجهها بل وللدموع التي سالت من عيناها مجددًا فسالتها بقلق…
“مالك ياداليدا….ليه الدموع دي…”
مسحت داليدا دموعها قائلة…..
“مفيش حاجة…باين عيني وجعاني شويه…”
سالتها امها وهي تضع يدها على كتفها….
“هو انتي مش مبسوطه مع سلطان ياداليدا…اوعي
يكون بيضربك ولا بيقل ادبه عليكي…. ”
قالت داليدا بنفي….
“اي اللي بتقولي دا ياماما…..لا طبعًا سلطان محترم
وبيراعي ربنا فيا……”
قالت والدتها بعينين تلمع بالرضا والحمد…
“والله ياداليدا ما هتهمنالك راجل جدع ومحترم زي سلطان…. سيبك من سبب جوازك منه..كده كدا كان
من نصيبك ومقسومين لبعض…..دا النصيب غلاب
يابنتي….. ”
اومات براسها وهي تهم بمساعدة أمها في
تحضير الطعام على السفرة بالخارج….
“ايوا ياماما…غلاب النصيب….غلاب…..”
……………………………………………………………..
وضع الطعام والتف الجميع حول الطاولة جلسا
والديها بالقرب من بعضهما وهي وزوجها كذلك
يتجاورا في المقاعد…..
قد اعدت (سهير) سفرة مليئة بالطعام الشهي كل مالذا وطاب موجود عليها…..
رحبت سهير بهما قائلة بحفاوة وهي تضع
نصف الدجاجة المحمرة في طبق سلطان….
“ما تاكل ياسلطان ياحبيبي مكسوف من إيه..
ادي لجوزك جلاش ياداليدا اكليه يابنتي….شكله
هفتان…..وخاسس… ”
وضعت داليدا قطعة من الجلاش في طبقة غامزة له دون تعليق….
فقال والدها بخبثٍ لأمها وهو يقلب
في طبقه…..
“شكل بنتك مقضياها جبن وبيض……”
أبتسم سلطان وهو يمضغ الطعام ناظرًا اليها بطرف
عيناه…..فامتعضت شفتي داليدا قائلة ببراءة….
“هو اللي ملوش في المكرونه….بذمتك يابابا في
حد مابيحبش المكرونه…..ما حضرتك بتاكلها.. ”
قال والدها بتقريع مبطن…..
“يعني معلقتين تلاته…..وبعدين امك بتلجا ليها
لم تكون خلاص زهقت من الطبيخ…انتي بقا
ماشاء الله…..متعرفيش من الطبيخ غيرها…من
حبك فيها…. ”
قالت داليدا وهي تأكل بنهم لذيذ في عينين
عاشقتين تراقبها في الخفاء……
“لازم يحبها طالما انا بحبها…مش انت حبيت اكلات
كتير عشان خاطر ماما…..”
أكد ناصف وهو ينظر الى زوجته التي ابتسمت
بخجلا وحب…….
“حصل وامك كمان نفس الكلام ومش في الاكل بس
في كل حاجه هي حبت حاجات كتير بسببي وانا حبيت حاجات أكتر عشانها …..”
قالت سهير بابتسامة ودودة….
“بكرة تفهم وتتعلم يا ناصف.. هما لسه عرسان
جداد…بكره ياما هيشوفوا ويتعلموا…اهم حاجة يفضله ايدهم في ايد بعض دايما……”
صمت الجميع وبعد دقائق مدت داليدا يدها
بمعلقة من السلطة الى فم سلطان قائلة بشقاوة
يهيم قلبه بها عشقًا…..
“دوق السلطه دي أحلى من الاكل كله….”
ضحك والديها معًا ونظروا لبعضهما….
فقال سلطان بابتسامة
لعوبة….
“اكيد انتي اللي عملاها….”
اكدت بغرور… “طبعًا…..”
اخذها منها على مهلًا وعيناه اسيرة لسوداويتاها الامعة بالشقاوة….. “تسلم إيدك…..”
توردت وجنتيها بخجلا من نظراته الجريئة فعادت
تشغل عقلها بطعام مجددًا……
بينما قال سلطان وهو ينهض…. “الحمدلله….”
اعترض والدها قائلًا له….
“اي ياسلطان انت لحقت تاكل..اقعد يابني كمل
أكلك….”
قبل ان يبتعد قال بحرج……
“الحمدلله والله ياعمي شبعت سفرة دايمه.. تسلم ايدك ياحماتي……”
ابتسمت سهير بود…..وعندما ابتعد
قالت لابنتها بهمسًا…
“قومي ياداليدا ورا جوزك بالفوطه…..”
لوحت داليدا بيدها معترضة وهي منشغلة في طعامها.. “بأكل ياماما…..باكل.. ”
لكزتها امها هامسة من بين أسنانها….
“اديلو الفوطه وارجعي كملي اكلك ميصحش
كده….”
نهضت داليدا بضيق وبوجنتين منتفختين من تكور
الطعام بهما….
وقفت عند باب الحمام المغلق بملل تنتظر خروجه
وهي تسلي فمها بقطعة من الجلاش بين يدها
تقضم منها على مهل…..
فتح سلطان الباب ورفع عيناه أمامه
فتفاجئ بوجودها…فعقب باستهجان..
“مش تكحي….. في حد يقف كده…..”
قالت وهي تقضم من قطعة
الجلاش….
“مستنيه اديك الفوطه… زي ماقلولي….”
زم شفتيه وهو ياخذ المنشفة
منها….
“يعني معملتهاش من نفسك….”
قالت داليدا ببلادة….
“وحياتك مفكرتش فيها أصلا….”
قال سلطان ممتعضًا….
“من الأدب والذوق إنك تعملي كده..”
رقصت داليدا حاجباها ساخرة…..
“على أساس انك أول مرة تدخل بيتنا يعني…
دا انت كنت بتدخل تجبها من الدولاب ياسلطن…”
سالها سلطان بلؤم…. “هي اي دي بظبط…..”
قالت داليدا ببراءة…
“الفوطه…. هتكون إيه يعني….”
حك في راسه قائلًا بمراوغة..
“اه اصل…. دماغي راحت لبعيد…..”
قالت داليدا ببرود….
“عشان انت للأسف مش سالك…..”
ابتسم ببلادة…”طب اعملي شاي….”
رفضت بعد ان انهت قطعة
الجلاش…
“لا انا لسه باكل ومشبعتش…..”
تافف سلطان قائلًا بملل…..
“علقي عليه وروحي كملي اكل…. وبعدين انتي من امتى بتشبعي… اللي هيجنني لحد دلوقتي بتودي الاكل ده كله فين……”
رفعت كفها في وجهه قائلة بتخوف…
“الله اكبر في عينك… هتنق عليا ولا إيه…. آه اكيد
متغاظ عشان كل اما تاكل اكله دسمه تروح الچم
وتشيل حديد…..”
سالها ببرود… “وانتي…..”
“انا باكل خمستاشر مرة في اليوم اني ازيد جرام أبداً….” قالتها داليدا بتغنج أغاظه منها…لذا قال سلطان بوقاحة يفوز بها دومًا امامها…..
“ومين قالك انك مبتزديش؟!…. انت بتزيدي في أماكن معينة…..أماكن هتجنن أمي…..”
شهقت بدهشة وعضت على شفتيها لم تتوقع
تصريحة الجريء فقالت قبل ان ترحل بوجها
متورد غاضب….”ياقليل الأدب….أبعد… ”
بعد رحيلها تخلل شعره باصابعه متمتما وهو
ينظر للسقف… “الصبر يا رب….الصبر…”
كيف لرجلا مثله ان يقاوم فتنة متحركة من الانوثة النابضة بالحياة والجمال والشقاوة والدلال كل هذا الوقت بل ومطلوب منه المقاومة للنهاية كيف وهي بنظرة واحده قادرة على اشعاله ؟!…..
أدعي الصلابة وقلبي في حبك رخوٍ ؟!….
يا من اوقعني في الهوى وترك لي العناء ، كن رحيمٍ
بي وخلصني من هواك !…..
تشاركا الجلسة معًا امام التلفاز وظلا هو ووالدها يتحدثا في أشياء عدة عن العمل واهم الاحداث
في شارع الساحة…والعائلة وظروف المعيشة الحالية ثم بعدها شاهدا الاربعة معًا فيلم من الطراز القديم وعندما إنتهى انتهت السهرة معه ودلف كلا منهما
لغرفته….
وقد رتبت والدتها غرفتها الخاصة حتى تبيت
هي وسلطان بها حتى طلوع الفجر وقت
سفره..
دلفت داليدا برفقته لغرفتها واغلقت الباب خلفهما ورفعت عيناها السوداء على ارجاء الغرفة تنظر اليها بابتسامة واهية تجمع بين الحزن والاشتياق لحياة العزوبة ودلال الأهل….
لماذا تعجلت على الجواز والحب في العشرون
من عمرها….كان بامكانها ان تعيش حُرة لسبع
او عشر سنوات آخره…..تدرس أو تعمل اي شيءٍ
تريده لن يعترض والدها عليه وقتها…
لكنها بغباؤها المعتاد والعناد دخلت الى حياة
الكبار بسرعة البرق الى معمعة من المسؤوليات وإلتزامات مرهقة…..
كان عطرها الجوري يملئ الغرفة وكانها لم
تفارقها لأشهر طويلة ؟!…
غرفة انثوية باحته.. الألوان عصرية ورائعة الديكور
والفرش مناسبًا لشخصية متمردة تهوى التغيير
يقسم انها بدلت فرش غرفتها اكثر من مرة…فمنذ ثلاثة أعوام صنع لها غرفة متكاملة بمواصفات
خاصة كما طلبت منه وقد فرحت بها جدًا…
يبدوا انها بدلتها عندما رأت تصميم أفضل واكثر
عصرية….
“مش هي دي أوضة النوم اللي عملتهالك من تلات سنين…..”
قالت داليدا وهي تتجه الى مرآة الزينة…
“انت لسه فاكر……..دا انا بدلتها مع واحده صاحبتي
وخدت مكانها أوضة النوم دي من معرض الموبيليا
بتاع أخوها…..”
لم يعقب سلطان فمسكت الفرشاة وبدأت تمشط
شعرها الأسود الحر على ظهرها….ثم قالت ببعضٍ
من الندم….
“بس تصدق بعد ما بعتها ندمت اكتشفت اللي انت عملتهالي عموله كانت أحلى…شكل ومضمون…وان
دي شكل وبس…..”
سالها وهو يجلس على حافة
الفراش…
“ومغيرتهاش ليه بقا…..”
قالت وهي تضع الفرشاة وتستدير
إليها….
“كنت ناويه بس بعدها علطول اتجوزنا…
فملحقتش…..”
استلقى سلطان على الفراش بجسده الضخم
بتعب شديد ولأن حجم الفراش صغير لم تبقى مساحة لتنام بها……
فقالت معترضة وهي تضع يدها
بخصرها….
“يسلام ولما انت تنام كده….انا انام فين….”
قال سلطان بغلاظة جافة…..
“وانا اعملك إيه…عايز انام ساعتين قبل ما مشي..
حد قالك تبيعي اوضة النوم اللي عملتهالك ياشيخة
دا السرير كان ينايم أربعة…..”
ثم تمتم بفظاظة وصلت لمسامعها…..
“اختياراتك كلها زفته حتى في أوضة النوم…”
دبت الأرض بقدميها قائلة
بتزمر…
“بلاش تخبط معايا بالكلام…وانزاح شوية…”
قال سلطان ببرود…. “مفيش مكان ده اخري…..”
ارتفع حاجبها بضجر…..
“انت اصلا اتحركت من مكانك…ما تبعد شوية ياسلطان…..”
قال بصفاقة….. “نامي على الأرض…..”
“انا فعلًا هعمل كده اشبع بالسرير…..”قالتها بتبرم
وهي تاخذ وسادة من على الفراش…..
لتجده سريعًا يعتقل خصرها ويجذبها معه
على الفراش……
فبدات تتملص من بين يداه
معترضة بشدة….
“سبني…. سبني ياسلطان……هنام إزاي كده.. ”
همس سلطان امام وجهها المحتقن بالغضب…
“هششش…. ابوكي وامك هيجوا على صوتنا… هما
ساعتين… هما ساعتين ونازل…..”
نامت في احضانه على ذراعه المفرود اسفل رأسها
تنام على جنبها وهو كذلك رؤوسهم متجاورة والعيون تشتبك ببعضها تحت الاضاءه الخافتة
بألق عاطفيا مجنون..
همست داليدا بعتاب وهي في احضانه بهذا
الشكل….
“ليه مقولتليش انك مسافر… وانك جايبني
مخصوص عند اهلي عشان تسبني وتمشي….”
مط سلطان شفتيه قائلا باستنكار….
“اي الظلم ده….انا جايبك هنا عشان تراضيهم وتطمني على ابوكي التعبان….. وكده كدا انا كنت مسافر فبدل ما اسيبك لوحدك.. قولت اجيبك تقضي اليومين مع أهلك…. غلط في إيه انا…. ”
قالت بحمائية….. “غلط إنك مقولتليش…..”
سألها بعينين قاسيتين… “يهمك تعرفي اوي….”
القت عليه نظرة معاتبه وهي تقول
باعتراض….
“طبعًا….. انت ناسي اني مراتك…..”
قال بنبرة غريب…..
“مش ناسي ياداليدا…المرة الجاية….”
اسبلت اهدابها وقربهما هذا يشكل داخلها مشاعر غريبة واحتياجات غير بريئة….تشعر بها في أحضانه ومع رائحته الرجولية وبين انفاسه الساخنة التي تضرب صفحة وجهها دون رافة بقلبها الملتاع
عشقًا……
اوقف الأفكار المجنونة والمشاعر الساخنة صوت سلطان الهادئ….. “حلوة البچامة دي….”
قالت داليدا بارتباك وهي تنظر
للمنامة… “دي بتاعتي….”
ابتسم قائلًا بمزاح….
“افتكرتها بتاعت الجيران….”
تثاءبت قائلة بأرق…… “انا هموت ونام…..”
انعقد حاجباه قائلا بفتور….
“طب ما تنامي….انا ماسكك…”
وضعت يدها على عنقه وداعبت شعره من
الخلف باصابعها برقة قائلة بدلال…
“احكيلي حدوته ياسلطن….”
ابعد سلطان يدها عنه وهو يزدرد ريقه
بصعوبة…. “بطلي دلع ونامي…..”
نظرت لعيناه بضعف انثوي وهي تشير على
خدها بتغنج….. “طب ينفع تبوسني هنا..”
نظر لها سلطان بحزم…..
“نامي ياداليدا… لحسان اجبلك ابو رجل مسلوخه.. ”
قالت بشفاه مقلوبة….
“انا كبرت على فكرة والحاجات دي معدتش بتخوفني خالص…..”
همس بصوتٍ خافت مرعب…..
“انتي تعرفي ان ابو رجل مسلوخه كبر وبقت
عينه زايغه…..”
نظرت اليه بشك…فتابع بهسهسة مريعة….
“بيطلع بليل بيدور على البنات الحلوين… عارفه
أول ما بيشوف واحده منهم بيعمل فيها إيه…”
انتهبت له كل حواسها…. “إيه…..”
همس بخفوت شديد…..
“بيدبحها وبيعمل عليها شوربة كوارع….”
علا وجهها تعابير من الاشمئزاز
فقالت…
” يع كوارع……انا بقرف من الكوارع أوي… ”
رفع حاجبه متشدقًا….
“هو ده اللي فرق معاكي…. انتي هبلة…”
قالت داليدا بابتسامة شقية فتنة قلبه
وعقله بها أكثر…..
“مين يصدق أصلا ان ابو رجل مسلوخه كبر وبقت
عينه زايغه…. ده رجله مسلوخه انت عبيط ياسلطان…..”
هز راسه متنهدًا بأسى…
“دي آخرة اللي يتجوز عيله….”
اغمضت عينيها قائلة
بناعس…..
“قبل ما تمشي أبقى صاحيني….”
لم يرد عليها بل ظل مستيقظٍ وهي في احضانه
يداعب شعرها الناعم تاره ويشم عطره الجوري
تارةٍ أخرى………
وعند أذان الفجر ابتعد عنها ناهضًا عن الفراش
ارتدى سترته ثم مالى عليها يقبل وجنتيها الإثنين فمالت للجهة الأخرى بانزعاج مهمهة…فدثرها هو تحت الغطاء…..وخرج من الغرفة بعدها بهدوء
وحينها قابل عمه في الردهة فدعاه عمه لصلاة
الفجر في الجامع….وبالفعل بعد ان انهى فريضة صلاة الفجر استقلّ سيارته مع عماله في طريقهما
لمحافظة أخرى………
……………………………………………………………..
دلف من باب الشقة فوجد شقيقتيه يجلسا حول
طاولة مستديرة كلتاهما ينظران للفراغ وهموم
العالم ارتسمت فوق وجوههم….ويبدو ان هناك كارثة
حدثت بالفعل خصوصًا مع وجود علبة المجوهرات الفارغة أمام شهد والتي تنظر إليها بضياع……
القى حمزة سلسلة المفاتيح حتى يوقظهما من تلك الغفلة الكئيبه مستفسرًا بعدها بوجوم….
“مالكم في إيه……اي اللي حصل…..”
نظرت له شهد بعسليتان
باردتين…..
“طقم المجوهرات اتسرق……”
سالها بحاجب معقود…. “إزاي يعني…..”
تنهدت بزفرة ثقيلة على صدرها
واخبرته بشتات……
“معرفش…..انا كنت حطاه في العلبة والعلبة كانت في الدولاب الصبح لقتها وقعه…وطقم الالماظ
مش موجود فيها اختفى….. ”
قال حمزة باعصاب متشنجة….
“متأكده ياشهد…..طب دورتي في البيت لا تكوني
نسيتي هنا ولا هنا……”
مسحت دمعة فارة من
عيناها….
“قلبت الشقة كلها انا وكيان ملقتهوش…..”
سالها حمزة وعيناه تدور في الارجاء وللحظة وقع قلبه بخوف…. “أمال فين قمر…..”
قالت شهد وهي تنظر الى كيان
بعتاب… “مشت….”
سألها حمزة بصدمة….. “يعني إيه مشت…”
ازدردت شهد ريقها قائلة بوجوم…..
“كيان اتهمتها ان هي اللي سرقته… فزعلت وخدت بعضها ومشت….”
نظر حمزة الى اخته بحدة…..
“انتي اتهبلتي يا كيان…. وانتي كنتي فين ياشهد إزاي سبتيها تقولها كده…..”
بررت شهد وعقلها مشغول بمُصيبتها…..
“زعقت لاختك طبعا واعتذرتلها….. بس قمر مرضتش تقعد وصممت تمشي….هعمل إيه يعني….”
لوت كيان شفتيها مزدرية…..
“والله شكلها هي اللي سرقته….طالما خدت بعضها
ومشت كده…..”
هتف حمزة بحمائية….
“لا عيزاها تفضل بعد ما سرقتيها…..”
نهضت كيان صائحة بغيرة….
“انت محموق عليها اوي كدا ليه….هيكون مين
اللي سرقه يعني… ”
واجها حمزة بعينين مشتعلتين بالقسوة…
“ابوكي…. هيكون مين غيره…ماهو يا ابوكي يا انا
مفيش حد تالت يستجرأ يعملها….. مين الحرامي
ده اللي معاه مفتاح البيت لا وعارف ان فيه طقم
الماظ في دولاب شهد…طقم الماظ مابتش ليله
واحده في بيتنا….. ”
هتفت كيان محتده… “وليه متكونش هي…..”
هتف حمزة بثقة….
“قمر متعملهاش ….”
قالت كيان بعينا مستهجنة…..
“اي الثقة العاميه دي تعرفها منين انت….دي حايلا
مقعدتش معانا غير كام شهر… ”
ارجع حمزة شعره للخلف بعصبية ناقمًا..
“مش كفاية بنسبالك صح…. انا بكلم مين واحده كل الناس بنسبالها كدابين وخاينين….وولاد كلب… ”
ابتسمت كيان بعصبية……
“عشان دي الحقيقه…..ولا حبك لقمر نساك نجلاء
ولي عملته فيك……”
ضرب سطح الطاولة بقبضة يده بقوة
صارخًا….
“اخرسي يا كيان…..مين قالك اني بحبها….”
عقدت ساعديها ولم تهابه بل قالت
باستفزاز….
“مش محتاجه حد يقولي انا شايفه بعيني….”
اربد وجهه غضبًا فهتف بها بقسوة…..
“انتي بتغيري منها بتغيري من الناس كلها….مش عايزة حد يكون احسن منك مش كده…. وأول
ما طقم الالماظ اتسرق قولتي تدبسيها فيه
عشان تخلصي منها…..مش كده يا كيان… ”
اغمضت شهد عينيها بألم وهي جالسة مكانها تتابع الحرب الشعواء بصمتٍ موجع….
منذ متى وهم يواجهون بعضهما بكل هذه القسوة والنفور….منذ متى يستخدموا نقاط الضعف في
ايذاء بعضهما…..منذ متى تحول شجارهما من
دفاع الى ضد !!…..
نغزة مؤلمه في قلبها اصابتها بعد كلماته فتجمعت
الدموع في حدقتاها مؤكدة بقهر……
“آه انا كده…. انا وحشه وزباله وبغير منها ومن الناس كلها… ولعلمك لو رجعت ياحمزة انا مش هقعد في البيت ده لحظة واحده معاها….”
نهضت شهد تلك المرة صارخة في اختها
كي تتوقف عن الهذايان…
“كيااان….اي اللي بتقولي ده….”
جز حمزة على اسنانه وهو يقول بعنفًا…
“ابقي اعمليها يا كيان وانا ورحمة امي ما هخليكي
تمشي على رجلك تاني…..”
ثم نظر لشهد صارخًا بعصبية….
“الزفته التانيه ماشيه بقالها قد إيه…..”
قالت شهد……
“يجي من نص ساعة كده….. قالت انها هتركب السوبر چيت…..”
التقط حمزة مفاتيحُ قائلاً لاخته…..
“انا هروح اجبها….. دوري تاني يا شهد يمكن تلاقيه…..”
ثم نظر لكيان مزمجرًا بنفاذ صبر….
“وانتي اقسم بالله لو عملتي اي حركة هبلة… مش هسمي عليكي…..”
ابتعد عنهن وخرج من الشقة مغلق الباب
خلفه بقوة….فنزلت دموع كيان وهي تلقي
نفسها على المقعد بعنف…..
“شايفه اخوكي ييعمل إيه عشانها….”
تاففت شهد قائلة بجزع…..
“هو اخوكي انتي كمان…. وبعدين مفيش واحده محترمه تقول لاخوها همشي وسيب البيت…”
اشاحت كيان بوجهها المكفهر بعيدًا..
فاضافت شهد بلوم..
“ومكنش ينفع تتهميها بالسرقة انا وانتي عارفين كويس انها متعملهاش وان ابوكي هو اللي خده…”
لوت كيان شفتيها بمقت…..
“لا اعذريني مكنتش أعرف ان ابويا حرامي كمان…”
“بلاش تستبعدي حاجة في زمنا ده…مش هتيجي قد ورث امنا اللي حرمنا منه…. “نهضت شهد
عن مقعدها…….فسالتها كيان…….
“راحه فين….”
قالت شهد بروحٍ باهته…..
“لازم انزل الشغل خلود كلمتني اكتر من مرة وعاصم كمان…..”
سالتها كيان بتردد…… “هتقوليله…..”
هزت شهد راسها رافضة……
“مستحيل…. اقوله إيه ابويا سرق طقم الالماظ اللي خدته منك هديه إمبارح ؟!….”استرسلت بحرج…
“أقرب حاجة هيفتكر اني نصابه وطمعانه فيه..”
سالتها كيان بحيرة…. “طب هتعملي إيه…..”
“مش عارفه….مش عارفه….” شعرت بانها في دوامة عنيفة تبتلعها تتخبط داخلها يمينًا ويسارًا بقسوة…
لم يقهرها ثمن طقم المجوهرات وتصميم العصري الذي خصصه لها وحدها وبه خطف قلبها من أول نظرة….كلها أشياء اعتادت على اوجاعها….فكل شيءٍ غالي وجميل يضيع من بين يديها والفرح دومًا يتسرب من بين قبضتها…
الذي يقهر قلبها الآن هو ان علم عاصم بالأمر ماذا سيكون رد فعله سيظن بها السوء !…..
……………………………………………………………..
ترجل من السيارة في قلب مواقف حافلات السفر..
اغلق الباب خلفه ثم بدأ يتلفت حوله يمينا ويسارا
باحثا بعيناه عنها بلهفة….
لهفة عرفت الطريق الى قلبه في بعدها…. لماذا يشعر
بكل هذا الغضب منها لمجرد انها تركت البيت ورحلت…
هل تعني له أكثر من ابنة عمة تبحث عن ميراثها ؟!….
يسألها لنفسه الان بكل صراحة….
لماذا خرج الان كالمجنون يبحث عنها…. لماذا يريد ان يعيدها الى المنزل… هل هي المروءة التي تحتم
عليه البحث عنها……تشعره بان جزءًا من قلبه
استأصل عند رحيلها !…
إرجع شعره للخلف بعصبية والافكار تتزاحم في
رأسه….اتجه سريعًا الى شباك التذاكر يسأل عن
“السوبر چيت اللي رايح القاهرة… طلع ولا لسه…”
اخبره الرجل بعملية…”لسه ربع ساعة وهيطلع…….”
زفر بارتياح شاعرا ببعض الأمل في ايجادها قبل
ان ترحل…. اتجه الى أحد المقاهٍ يبحث عنها
بعينين مشتعلتين متلهفتين عليها…….
وبعد دقائق من البحث وجدها تجلس على أحد
الطاولات امامها كوب من الشاي بالنعناع تنظر
اليه بعينين حزينتين لامعتين بدموع ووجها
شاحب بائس…..
اغمض عيناه لثانية متنفسًا الصعداء وهو يتقدم
منها ثم جلس أمامها……
فلم تنتبه لوجوده فقد كانت بعالم اخر بعيد كل البعد
عنه…….
سالها وعيناه مثبته عليها
بقوة…
“ليه سبتي البيت…..”
رمشت بعيناها عدة مرات وهي تنظر إليه بصدمة
واثناء تحريك اهدابها نزلت دموعها……
“حمزة…..”
سحب من علبة المنديل الموضوعه امامهما
واعطاها منديلا قائلًا…….
“امسحي دموعك……حصل اي لده كله…..”
قالت وهي تجفف دموعها….
“اكيد قلولك….اني سرقة طقم المجوهرات….بس
انا والله مـ……”
بتر الجملة قائلًا بقوة…
“مش محتاجة تحلفي….انا عارف انك متعملهاش..”
ترقرق الدمع في عينيها من جديد
قائلة بوهن….
“خوفت تصدقهم……انا مش حراميه يا حمزة..”
مالى على الطاولة قليلًا هامسًا بتفهم
حاني….
“عارف….عارف ياقمر….لو انتي كده يعني…هاجي
لحد هنا ليه…..”
قالت قمر بنشيج والدموع تجري على
وجنتيها….
“مش عارفه ليه كيان قالت كده…..انا هسرقه ليه..ولو سرقته ليه هفضل قعده معاهم…..اقلها كنت مشيت
حتى شهد حاسيتها مصدقه كيان….دا اللي وجعني اكتر وخلاني أمشي…..”
برر حمزة الأمر وهو في موقف لا يحسد عليه أمامها….
“اكيد شهد مش شكه فيكي ولا واحد في المية حتى…..بس اللي حصل لغبطها شويه….”
سحبت قمر منديلا جديدًا ومسحت دموعها
وانفها الأحمر وهي تقول بوجع…..
“عارفه….بس سكوتها وجعني…وشككني في
نفسي….”
ثم استرسلت بإبتسامة باهته…..
“تعرف انا لما دخلت الاوضة الم هدومي بقيت افتش
نفسي لا يكون وقع هنا ولا هنا عندي….شكيت في نفسي بسبب نظراتهم…..”
طمئنها حمزة برفق……
“هنلقيه ان شاء الله….هيروح فين يعني هيكون واقع هنا ولا هنا…او يمكن يكون خالك خده عشان يحرق دمنا….”
انعقد حاجباها بدهشة…”تفتكر…..”
قال حمزة ممتعضًا…..
“مفيش حد غيره يعملها….ماهو يا انا اللي عملتها ياهو…..”
هتفت قمر بحمائية…
“انت مستحيل تعمل كده…”
“ليه مستحيل ما ممكن اكون انا اللي خدته…انتي تعرفيني كويس….”قالها وهو يلوي ثغره هازئًا من
تلك النظرة الرائعة في بنيتاها نظرة تقلب كيانه
فهي خاصة ، خاصة وملكا له وحده !….
زاد بريق عيناها وهي تقول بقلبٍ متشرب
عشقا حتى النخاع……
“أعرفك اكتر من نفسك….اللي زيك لا يسرق ولا يخون ياحمزة……”
زادت السخرية السوداء في مقلتاه فقال
مستنكرًا…..
“يااه…لدرجادي الكام شهر اللي قضتيهم معانا خلوني في عنيكي ملاك بجناحات…انتي على نياتك اوي… ”
قل بريق عينيها لوهلة….بينما
هتفت مستهجنة….
“انت ليه مصمم تبوظ صورتك في عيني….”
قال من بين اسنانه ….
“عشان نظرتك ليا بتخنقني…..ودي حاجة أول
مرة اقولهالك……”
قالت بقلبٍ ولهان….
“انا شيفاك بقلبي… مش زي مالناس بتشوفك…..”
احتقر جملتها متحدثا بواقعية سوداء….
“مش بقولك انتي على نياتك…في حد بقا بيشوف بقلبه دلوقتي…..دا احنا بنشوف بعنينا وبنتغش
في اقرب الناس لينا…..قال شيفاك بقلبي قال.. ”
شعرت بانه القى حجر ثقيل على صدرها فظلت
صامته تنظر اليه……فقال حمزة متابعًا بعد ثواني
من الصمت…..
“فكرتيني اللي حبتها وقعدت معها سنتين خطوبة قالتلي في الأول انا مش شيفاك غير بقلبي….فلوس
العالم متسواش حاجة قصاد حبنا…وكلام من بتاع
نص الليل ده…..وهوب أول ما الفلوس جت…قالتلي
معتلكش ورايا جوازة مستعجلة….”
ضحك حمزة بقوة…..ضحكة مذاقها كالصدى في حلقه…..بينما سألته قمر بتعجب…..
“انت بتضحك ؟!….”
“عايزاني اعيط…..”سخر وقد تلاشت الضحكة بتدريج عن وجهه…
ازداد ثقل الحجر على صدرها وهي تساله
بصعوبة…
“أكيد عيط لما سبتها باين انك كنت بتحبها أوي…”
أكد حمزة بقلب ينبض بالوجع
الحي….
“اه كنت بحبها….كنت بحبها اوي كمان…وهي الوحيده اللي معاها فكرت في الجواز…. اني اعمل عيلة ويبقا ليا عيال منها هي….. هي بس… ”
ابتسم هازئًا من الحاضر وخباياه…..
“احنا من كتر ما كنا مصدقين ان احنا لبعض ومش هنبعد أبدًا…. سمينا عيالنا……”
اغمضت قمر عينيها بحرقة وهي تشعر انها تموت بالبطيء مع كلماته ووصف علاقته العاطفية باخرى…..
التقط حمزة كوب الماء من امامها وشرب منه دفعه
واحده لعله يطفئ براكين صدره التي زاد توهجها
على ذكرى الماضي……ثم قال بحزم بعد ان وضع الكوب امامه…….
“يلا عشان اروحك…..”
“تروحني فين…..” نظرت له قمر بعدم فهم….
نهض حمزة قائلا….
“بيتنا….هيكون فين….”
كانت جادة في قرار الرحيل لذا نظرة اليه….
فقال هو بحزم بعد نظرتها…..
“بلاش البصه دي….انا مش هينفع اسيبك تمشي
واللي حصل نحلوا في بيتنا….وليكي عليا اخلي كيان تعتذرلك….وتبوس راسك كمان……”
نهضت قمر من مكانها وهي تنظر للحافلة التي ستسافر من خلالها……
“مش مستاهله كل ده ياحمزة….انا خلاص مسفرة
هرجع مكان ما جيت……”
هتف حمزة بجزع…
“قمر اعقلي وتعالي معايا…..اعتبريها زي اختك الصغيرة…..”
قالت بصوتٍ هادئ يشوبة الوجع…..
“مش هعتبرها هي فعلا اختي الصغيرة وانا مسمحاها في اللي قالته….بس كفاية كده انا طولت عليكم أوي
كده كدا لازم إرجع القاهرة عشان أشوف حوار المحكمة والمحامي هيقولي إيه……”
هتف حمزة معترضًا…..
“ممكن تعملي كل ده وانتي معانا…. ليه تسافري..”
قالت بتصميم…. “عشان انا عايزة كده……”
كانت سترحل فمسك يدها يترجاها بعسليتاه كطفلا
بائس لا يقوِ على بعدها……
“قمر…. خليكي…..”
قاومت مشاعرها المغرمة به وقالت بتصميم وهي تنظر الى الحافلة التي امتلأت بالركاب….
“اشوف وشك على خير…… أكيد هنتقابل تاني…”
لم يترك يدها بل نداها من جديد…. “قمر…..”
نظرت اليه بقلب ملتاع……فقال هو بعدم
رضا عن قرارها…..
“انا جيت لحد هنا عشانك…عشان ارجعك البيت…..انتي ليه مصعباها…. ”
زفرة بعذاب وهي تخبره بكبرياء….
“عشان هي صعبة…. سيبك من انهم اتهموني بالسرقة سواء بالكلمة او بنظرة….. بس في النهاية اتهموني..
وده حقهم لاني مهما كنت غريبة وسطهم… مش بلومهم والله…. بس انا هلوم على نفسي بجد لو رجعت معاك….”
“عشان ملوش لازمه رجوعي….مش هينفع افضل عايشة معاكم اقل حاجة عشان موضوع الورث
والقضية اللي هرفعها….”
“انتي بتقفليها يعني…براحتك…براحتك…”ترك يدها
بعصبية…….
فابتسمت هي برقة وهي تخبره سرًا.
“ينفع اقولك حاجة قبل ما مشي…بس اوعى تفهمها غلط…..”
سالها عابسًا غاضبًا حانقًا…..”قولي…..”
قالت بابتسامة تتلألأ كالنجوم في سماء
قاتمه……
“هتوحشني…..هتوحشني اوي يا ابن خالي..”
ارتجف قلبه رجفة لذيذه…ورغم هذا لم تلين
ملامحه وهو يعقب بعتاب…..
“لو هوحشك اوي كده مش هتسبيني….”
اختلج قلبها بين اضلعها….فقالت بملاطفة….
“لازم اسيبك…..اهو ارحملك من القهوة الوحشة اللي بتشربها ومش بتعجبك…….”
“اقولك على سر…..”لانت ملامحه عندما هزت راسها
بحرارة لسماع سره…فقال بصدق……
“القهوة الوحيدة اللي كنت بستطعمها هي
قهوتك….”
تهللت اسارير وجهها….”بجد ياحمزة…”
“مع انها كانت وحشة….”اكد بشفاه مقلوبة بمزاح غليظ….
ضحكت وهي تهز رأسها
بيأس….
“مفيش فايدة فيك…..لازم امشي…”
قال حمزة بنبرة غريبة….
“قريب اوي هبقا اجي ازورك……”
قالت ببراءة…. “بس انت متعرفش العنوان….”
قال حمزة بابتسامة تقطر زهوٍ…
“قولتيلك قبل كده… لما اعوز اشوفك هجيلك…”
سالته بحيرة…..
“من غير ما تعرف العنوان إزاي…..”
ازداد تكبر…. “ليا طرقتي……”
ابتسمت بحزن وهي تمد يدها
له….
“اشوف وشك على خير ياحمزة…..”
وضع كفه في يدها واتكأ عليها قائلًا
بابتسامة شقية….”مع السلامه ياقمراية….”
نظرت له قليلًا وتبادلا النظرات لوهلة..حتى وجدته يسحبها عليه فشهقت لتجده يهمس بالقرب من اذنيها بغضب مكتوم……
“عارفه لو عليا كنت شلتك على كتفي ورميتك
في العربية عافية..بس انا عارف انك هترجعي…
هترجعي قريب عشاني….”
كان واثقا وهو ينظر لعيناها وكانه يخبرها انه إمتلك
أغلى مالديها وستعود لتسترده قريبًا….
قال حمزة وهو يترك يدها…. “مع سلامه….”
سادي انت في عشقك وخاضعة انا لعذابك….
فقد اتيت بقلبي لك ، وسأعود بدونه معك…..
استقلت الحافلة جالسة جوار النافذة تنظر اليه من خلف الزجاج وهو ينظر اليها وهو ساند على سيارته
ينفث من سجارته بشراهة ناظرًا لعيناها بقوة
وومض حدقتاه يزداد توهجا مريع للمطلع..لكن
في عيناها العاشقة هو أوسم رجلا في الكون !….
تحت اشاعة الشمس كان وسيما وهو ينفث سجارته بمنتهى الشراسة الذيذة…..وعيناه من شدة غضبه
منها تكاد تبتلعها في جحيم أبدي؟!…..
معتوه قلبها عندما يحب….معتوه هو ومن يحب…
انطلقت الحافلة امام عيناه فالقى السجارة ودعسها
بحذاءه ثم نظر لها نظرة اخيرة وهي كذلك……
…………………………………………………………….
وقفت أمام باب شقة فخمة في قلب حي سكني راقي……
عدلت حقيبة ذراعها واتكأت على جرس الباب
منتظرة باعصاب مشدودة وقلبٍ مذعور……
فُتح الباب بعد لحظات وظهرت أمامها ( مُهجة.)
التي كانت تمضغ العلكة في فمها بميوعة وهي
تنظر إليها ودهشة ارتسمت على ملامحها عندما
ابصرتها…..
“معقوله…. شهد عندنا…. ازيك يا شاااهد…..”
قالت شهد بملامح متبلدة… “بابا جوا……”
اتى صوته القوي من الداخل….
“مين يابت يا مُهجة……”
سندت مهجة على حافة الباب
بميوعة…..
“دي شهد بنتك ياسيد الناس….ادخلها…..”
قالتها وهي تنظر الى شهد بلؤم…فالقت شهد عليها نظرة باردة من أول راسها حتى اخمص اقدامها حيثُ
ملابسها الفاضحة…بقميصا قصير أحمر داكن يعلوه مئزر حريريا….تطلق شعرها حراً وحمرة شفتيها
ملطخه حول ثغرها ويبدو انها اتت في وقتٍ غير مناسب !…
أحمر وجه شهد عند تلك النقطة بحرج واسبلت اهدابها تنوي المغادرة خصوصًا بعد ان تأخر والدها برد فهذا يعني انها غير مرحب بها هنا..
عفوًا منذ متى وهو يرحب بها في حياته اساسًا ؟!….
شعرت بوجع حارق في صدرها وشعرت بغمامة من الدموع على وشك التجمع في مقلتاها….فسحبت نفسًا قويًا وهي تحارب هذا الضعف بصمتها
الراقي…..
كـملِكات من زمن ولى كان الصمت الراقي جمالًا والخنوع جلالة محببة أشياء متكلفة كانت تخفي
خلفها حروب نفسية لا يعلم به إلا الله !!..
“دخليها…..”
وقبل ان ترحل سمعت صوته القوي يأمر دون ان يرد
أمره……..
دلفت الى الشقة لأول مرة تنظر الى الزوايا بعينين
باردتين ومهجة تصطحبها لمكانه حتى وقفت أمامه بعد ان ابصرته……
جالسا على الاريكة باسترخاء يشرب من الارجيلة
بمزاج رائق…..وبعد تبادل النظرات بينهما سالها
هو بعينين ثاقبتين……
“خير في حاجة حصلت……”
لم يكلف نفسه بان يسمح لها بالجلوس بل سألها
وهي واقفه مكانها بمشاعر باردة تماثل نظراتها عليه…..
قالت شهد بقوة يشوبها اتهام صريح….
“طقم الالماظ اللي عاصم جبهولي امبارح… مش لقياه…”
سحب من مبسم الارجيلة ببطئ ومزاج وهو
يرمقها بعدم فهم…….
“طب وانا مالي… جيالي ليه… ما تسألي اللي في البيت… يكونش اخوكي خده…. الطقم غالي واكيد
زغلل عينه……”
قالت بعصبية مكتومه…. “حمزة ميعملش كده…..”
اخرج الدخان من فمه بمنتهى اللذة وهو
يدعي التفكير…….
“يبقا كيان… ولا تكنش قمر…. ماهو مش هيطلع بينكم…….”
القت اتهامها بقلبٍ مذعور….
“انت اللي خدته مش كده…..”
برق عثمان بعيناه وبملامح تنذر بالشر
استفسر….
“انتي جايه لحد هنا تتهميني بسرقة يابنت كريمة…”
قالت برجاء وهي ناكسة الرأس….
“يابابا لو سمحت…. لو سمحت لو الطقم معاك ادهوني…..انا هخده منك ارجعه ليه والله… انا
مش عايزاه خلاص…”
مط عثمان شفتاه بجزع…..
“قولتلك مش معايا ايه مش مصدقه……”
انعقد حاجباها بعصبية أكبر…..
“هيكون مع مين….هيكون مين اللي خده غيرك…”
عيل صبره فتافف قائلاً بضجر…..
“دي برضو بتتهمني بسرقة…بسرقة حاجة اختفت
من بيتي….مش مكسوفه من نفسك…..”
ثم القى مبسم الارجيلة بعنفًا مستهجنًا…
“عكرتي مزاجي الله يعكر مزاجك….غوري من وشي وحلي مشاكلك بعيد عني…. دا اي الصباح الزفت ده….”
ارتدت شهد للخلف خطوة….فصاح عثمان
مناديًا….
“بت يامهجة تعالي رصي الحجر عدل
يابت…. ”
اتت مهجة سريعا بتغنج…”عيني ياسيد الناس…..”
ثم انحنت جالسه أسفل قدميه…فمطت شهد
شفتيها مزدرية….بينما قالت مهجة بخبث…
“صحيح مبروك الخطوبه ياشهد لسه عارفه من ابوكي دلوقتي…..”
لم ترد عليها شهد بل القت عليها نظرة محتقرة
وغادرت سريعًا دون القاء كلمةٍ واحده…فقالت
مهجة من خلفها بتصنع……
“ياشهد طب اقعدي اشربي حاجة…..”
اوقفها عثمان بوقاحة بعد ان انغلق باب الشقة
بقوة…”سيبك منها….كنا بنقول إيه…..”
……………………………………………
عندما دخلت الشارع شعرت بان العيون تترصد لها
كلما رفعت عيناها على احد بالخطأ تراه ينظر لها
بقوة مقيمًا إياها…..
وكأنهم يرواها لأول مرة….غير مصدقين بعد ان
من أجرت المطعم من عاصم الصاوي أصبحت بين
لليلة وضحاها خطيبته ففي غضون أشهر القت
شباكها عليه؟!….
ازعجها جدًا تفسير نظراتهم عليها…وكانها كثيرة
عليه……..
شعرت بطاقة سلبية وغضب هائل يلتف حولها يخنقها لكن كالعادة اخفت ما يعتمل بصدرها وسارت بانف مرفوع بكبرياء كما هي عادتها دومًا امام كل
ما يحاول كسرها والتقليل من شأنها…..
عندما دلفت الى المطعم…كان مزدحم بالكثير وكالعادة الفتيات تستمر في العمل على قدم وساق بمنتهى الجد والتفاني…..
دلفت شهد الى المكان والقت تحية الصباح عليهما
ثم بدأت ترتدي المريول وتعمل بشكلا روتيني لكن بملامح متجهمة جراء ما رأته بالخارج وخبر
السرقة التي استيقظت عليه صباحًا…
كلها أشياء توضح انها والفرح نقيضًا في حربا
باردة ؟!….
اقتربت منها خلود تسألها
باهتمام….
“مالك ياشهد….قلبه وشك كده ليه……”
رفعت عيناها على خلود فوجدت فتاة
من خلفهما تقول بجذل…..
“مبروك ياشيف فرحنالك اوي والله……”
اغتصبت شهد البسمة قائلة….
“ربنا يخليكي يافرح عقبالك…..”
قالت فتاة أخرى هائمة بميوعة….
“ايوا ادعيلنا ونبي ياشيف….بجوازه حلو زي دي..”
قالت الثالثة بحسرة…..
“اتنيلي هتلاقي منين زي عاصم الصاوي…..”
مصمصت الهائمة شفتيها
مؤكدة….
“على رأيك… هو واحد بس……”
صاحت خلود بحزم توقفهن عن الميوعه…..
“اتلموا منك ليها إيه هنقضيها رغي كل واحده
تشوف شغلها…..”
لوت الفتيات افوههم باستهجان وتبادلا النظرات قليلا ثم عادوا لاعمالهم…….
فعادت خلود تسألها…..
“مالك يابنتي…قلقتيني….”
حركت شهد حدقتاها
بملل…
“هيكون مالي اديكي شايفه…..”
قالت خلود بهمسًا……
“هتاخدي على كلام العيال….دول بنات صغيرة دا اكبر واحده فيهم عندها تمنتاشر سنة…..”
هزت شهد راسها ساخرة…..
“مش بس عليهم هما….انا أول ما دخلت الشارع حسيت ان الناس كلها بتبرقلي…..”
وضعت خلود يدها على فمها ضاحكة…فابتسمت
شهد قائلة بنزق……
“بتضحكي….طب والله انا قولت انا عمله مصيبه…”
اكدت خلود بمرح وهي ترقص حاجباها
بشقاوة….
“انتي فعلا عامله مصيبة…لما توقعي معلم تقيل
في شارع الصاوي….أكبر واغنى واشطر صايغ فيكي
يابلد تبقي عاملة مصيبة… ومصيبة كبيرة كمان بس بالمكسرات……”
لوت شفتيها متشدقة…. “بالمكسرات !!…..”
تابعت خلود بدهاء……
“انا مش عارفه انتي مزعله نفسك ليه ما تسيبي
اللي يطق يموت…..هو انتي بتعملي حاجه غلط كفى الله الشر….دي خطوبة رسمي فهمي نظمي…عقبال الجواز وتكيدي العواذل…..”
هزت شهد راسها بكأبة…..فضاقت
عينا خلود بشك…..
“حاسه ان مش ده اللي مزعلك في اي تاني…احكيلي….”
هزت شهد راسها رافضة البوح….
“ولا حاجة كله تمام…..سبيني بس أخلص شغلي وكملي انتي شغلك….وبشري شغل البنات كده… ”
عندما تركتها خلود بدأت تعمل بنشاط وشغف حتى
تتناسى امر طقم المجوهرات ولو قليل…
لكن للأسف كانت الافكار تتطاردها أينما هربت منها…ست ساعات كاملة متواصلة في العمل لا
تكل او تمل ولم تستريح ولو قليل……
قد انجزت كثيرًا مع الفتيات وانهت معهم معظم الطلبات المتراكمة عليها……
لكن مزال عقلها يدور في زوابع من الافكار والحلول
ولم تجد اكثر من الصراحة مخرجًا لها معه…لذا قررت
ان تذهب إليه في محل الصاغة وتخبره بكل شيءٍ
دفعه واحده ويحدث ما يحدث بعدها….
دلفت الى محل الصاغة الفخم…انها المرة الثانية
التي تدلف إليه…فاول مرة كانت اتيه لتعتذر له عن صراخها في وجهه عندما دافع عنها حينها….
وكانت منبهرة جدًا بكل قطعة بالمكان…لكن الآن انطفأ بريق الانبهار !!….
فدلفت للمكان دون ان تتلفت حولها وعندما وقفت امام الصبي رحب بها بحفاوة فبطبع يعلم بأمر الخطبة كالجميع….وقد أشار له على السلم الذهبي والذي من خلاله تصل لمكتب عاصم…..
لكن استئذنها فقط ان يعطي خبر له من خلال
الهاتف الأرضيّ وبالفعل بعد دقيقة سمح لها
الصبي بالصعود إليه…..
صعدت على الدرج الانيق الفخم ككل شيء بالمكان
مرتديه ثوب نهاري انيق يرسم قدها بحياء…..شعرها
معقود للخلف تتناثر على الجبهة الغرة الجميلة لم
تضع زينة لكن زينة الأمس مزالت تترك أثر على وجهها فتجعله متورد شهيا……
اتاه عطرها الانثوي الطيب اذا به خفيف على انفه لكن موشم في ذهنه !…..
رفع عيناه العاشقة عليها خلف مكتبه يراقب اقترابها
بقلبٍ مرحب بسيدة الحُسن والجمال…..
“مساء الخير…..”قالتها بابتسامة فاترة…..
“مساء الشهد… “فرد هو بحرارة والعين تلقي القصائد في بؤرةٍ مظلمة لعلها تضيء ويجد الطريق لقلبها….
بلعت ريقها وهي تتبادل النظرات معه بصمت فاشار
لها ان تجلس بعد لحظتين…
“اقعدي وقفه ليه…..”
جلست شهد… وساد الصمت مجددًا فحمحمت
قائلة بحرج…. “اي اخبار الشغل……”
رد بإبتسامة صغيرة… “الحمدلله…..وانتي……”
ارجعت خصله من شعرها للخلف وهي تنظر اليه بعسليتاها الامعة بالخبايا…..”اه كويس أوي…..”
سألها عاصم وهو يرفع سماعة
الهاتف…
“تشربي حاجة…..”
رفضت بحرج.. “لا ملوش لازمه…..”
فُتح الخط فأمر الصبي بخشونة….
“هات واحد لمون يابني…وجبلي معاه فنجان قهوة…”
أغلق الهاتف وعاد لها مستفسر…..
“وشك ليه لونه مخطوف كده؟!…في حاجه
حصلت..”
هزت راسها بنفي ثم ابتلعت غصة مسننة
بحلقها قائلة بتردد…
“لا ابدا…..انا كنت جايه…قعد معاك شوية..و افهم منك…..انت….انت اتفقت على إيه مع بابا…..”
بنظرة نافذة جادة رمقها…. “مش فاهم…..”
قالت شهد بنفسٍ غير
سمحة….
“يعني اكيد تقل عليك في الطلبات…..”
ترفق بها قائلا….
“متشغليش بالك بالحاجات دي….”
رفعت حاجبها مصرة….
“ازاي يعني انا لازم أعرف…..”
قال بصوتٍ تردد صداه بهيمنة على
قلبها…
“ابوكي لو طلب اني ادفع مهرك الماظ مش هرفض..
عشان انا شاري وعايزك….وبعدين انا الحمدلله مقتدر
وابوكي معجزنيش يعني بطلباته…كلها حاجات مقدور
عليها…متشغليش بالك المهم نفرح الفرحة الكبيرة. ”
قالت بصوتٍ لا معالم له……
“أكيد مش دلوقتي… احنا متفقين…. هناخد وقت لحد ما نعرف بعض أكتر…..”
آسر عيناها وهو يقول بسخرية…..
“عداكي العيب… لازم نعرف بعض كويس….على الأقل تطمني من ناحيتي….”
ابعدت وجهها عن مجال عيناه قائلة
بعتاب…
“لو مش مطمنه من ناحيتك مش هوافق على الخطوبة…… في فرق من اني مطمنه ليك وفي
فرق من اني عايزة أعرفك أكتر…..”
التوت زاوية شفتيه في شبه ابتسامة
مدركة….
“الاتنين زي بعض ياشهد…عايزة تعرفيني اكتر
عشان تطمني أكتر…..”
لم ترد وطال بهما الصمت…فقال عاصم
بملاطفة….
“يعني هو ده بس اللي كان جايبك….دا انا قولت
اني وحشتك…..”
عادت لعيناه أسيرة الظلام ودفئة الذي يتسرب
لها من خلاله…. “دا برضو من ضمن الأسباب…..”
سالها بصوتٍ أجش…..
“اي هو بقا اللي من ضمن الأسباب…..”
تلجلجت قائلة…… “يعني انت عارف…..”
“أحب أسمع……”كانت تحت سطوته يهيمن عليها بالحديث والنظرات النافذة…..لذا همست بخجل
“عاصـم……”
“سمعك كملي…انا إيه…….”
اطلقت حمحمة خافته وهي تنظر للمكان
من حولها……
“بس حلو اوي المحل….والحاجات اللي فيه
حلوة أوي…..”
زفر عاصم وهو يرجع ظهره للخلف حيثُ
المقعد…
“لو في اي حاجة عجباكي شوري بس عليها..
وهتلاقيها عندك…..”
رفعت وجهها وقالت بنفسٍ
قنعه..
“وليه دا كله…كفاية الخاتم والطقم…..”
سالها عاصم بلهفة…..
“بجد عجبوكي ياشهد…..”
قالت بصوتٍ متداعٍ….
“اه….ماهو ده اللي كنت جيالك عشانه….”
“استني……”
اوقفها عن المتابعة عندما اتى الصبي حاملا صنية عليها كوب من العصير وفنجان قهوة وكوب من الماء بدأ يوزع الاكوب بهدوء وعندما بدأ يضع كوب الماء جوار عاصم وقع القليل من الماء على علبة قطيفة مغلقة…
فقال عاصم متاففا وهو يبعدها…..
“يابني حاسب بفلوس دي مش ببلاش خدبالك
شوية…”
فتح العلبة باهتمام امام عينا شهد المتابعة للموقف ليجد الطقم على حالة ولم يمسسه قطرة ماء….
حركت شهد اهدابها وهي مطرقة الرأس تفكر
في التراجع عن أخباره بسرقة الطقم…..فبدأت ساقيها تهتز قليلا دون ان تدرك….
ولمست خاتم الخطبة الالماس باصبعها بتوتر وعيناها معلقه على الانسيال الذهبي البراق….
وبعد ان رحل الصبي… نظر عاصم إليها بعينين ثاقبة ترصد اقل حركة تصدر منها.. فعلم ان هناك ما يسوء
فسالها بحاجب معقود……
“مالك ياشـهـد في إيه……”
نهضت شهد سريعًا قائلة بتعجل….
“مفيش حاجه بس انا اتاخرت على الشغل هروح بقا
اشوف شغلي…..”
نهض عاصم من مكانه بعد وقوفها
متعجبًا….
“بس احنا لسه مكملناش كلامنا….في حاجه كنتي عايزة تقوليها…..”
تلعثمت قليلاً وهي تهرب من
عيناه…
“اه… لا يعني…. حاجه تافهة مش مهمة… مش
مهمة خالص……”
سألها بهدوء….. “هنروح سوا…..”
قالت بامتناع…..
“لا هروح مع حمزة…. هو كده كدا جاي.. بلاش تتعب
نفسك……”
“هبقا اكلمك بليل….. لما أروح……”مد عاصم يده
لها فبادلته المصافحة بحياء وهي تهز راسها
بالموافقة…..
وعندما طالت مدة المصافحة قالت وهي تحاول سحب يدها بحياء انثوي شهي في عيناه…
“أيدي…. ايدي ياعاصم…..”
ترك عاصم يدها على مضض قائلا….
“انا مش عارف انتي مستعجلة كده ليه… ماتخليكي
معايا شوية… اشربي حتى العصير…..”
قالت بابتسامة واهيه……
“مرة تانيه….مانت عارف الشغل…. هستنا مكالمتك
سلام….”
عندما رحلت من امامه ظل عاصم ينظر لاثرها بعينين شاردتين حتى تمتم بعد لحظات بشكٍ
أكبر…..
“مخبيه عليا اي يا شـهـد ؟!….”
……………………………………………………………..
في المساء وضعت الطعام على السفرة امامهما ثم
شاركتهما الجلسة قائلة بدهشة…
“وسبتها تمشي ياحمزة ؟!……”
قال حمزة بغلاظة وهو يمضغ الطعام في
فمه…..
“عايزاني اعمل إيه…مانتوا الاتنين خلتوها خل
واحده اتهمتها بالسرقة والتانية اكدت ببصاتها وسكوتها…..”
لوت كيان ثغرها بقرف ولم تعقب…فقالت شهد
مبرره وضعها…..
“وانا كنت في إيه ولا في إيه…انا كأن عقلي هيشت لما لقيت العلبة فاضية….انا أكيد مش شكه فيها…بس حوار السرقة ده وقف عقلي وقتها…”
تدخلت كيان ممتعضة بغيرة….
“هي اللي بتاخد كل حاجة على صدرها..لا ومش بتقدر… عيزانا ندادي كمان…..”
اوقفها حمزة هادرًا بحنق…..
“انتي بذات تسكتي انتي سبب اللي احنا فيه ده…”
قالت كيان بتبرم ساخر….
“يسلام ليه بقا ان شاء الله…انا اللي سرقة الطقم..”
قلد حمزة صوتها باستفزاز…..
“لا انتي اللي اتهمتي بنت عمتك بسرقته …”
احتقن وجه كيان بالغضب فصرخت
كالاطفال متزمرة…..
“ممكن تقطع الكلام معايا نهائي…انا مش ناسية اللي انت قولته الصبح….”
اهانها حمزة قائلا…
“لا حسيسه وعندك دم اوي….”
قالت بصيحة متمردة….
“غصب عنك….انت والبت الملزقه بتاعتك….”
برق لها بعسليتاه قائلا بنبرة تنذر
بالخطر…..
“اتلمي ياكيان عشان مسففكيش الاكل ده كله.. ”
لم تهابه بل قالت بتحدٍ… “والله ما تقدر تعملها…..”
“اسكتوا انتوا الإتنين…خلونا في المهم….”صاحت بها شهد أخيرًا توقف تلك المهزلة…
فتوقفا الاثنين ينظروا لبعضهما بعدائية مؤقته بانفاسا عالية منفعلة….
فنظرت شهد الى اخيها بتساؤل….
“حمزة انت كلمت قمر لما وصلت القاهرة….”
أكد حمزة بوجوم…..
“كلمتها علطول……ووصلت من بدري كمان….”
قالت شهد بحنو…..
“انا يومين كده وهكلمها وهعتذرلها….وهخلي كيان كمان تكلمها وتتأسف لها…..”
احتدت نظرات كيان وبعدائية شديدة
رفضت… “اتأسف لمين ما تتفلق…..”
هتف حمزة من بين اسنانه منفعلا
بنفاذ صبر……
“اقسم بالله حته عيلة… عيله… قال محاميه قال….”
تركت كيان المعلقة بعصبية…
“محامية غصب عنك….بطل غلط…..”
اوقفتهما شهد بملل…..
“ممكن تبطلوا نقير…….وفكروا معايا هنعمل إيه
في طقم المجوهرات اللي اتسرق ده…..”
تبادلا الاثنين النظرات بصمت…فاخذت شهد
نفسًا عميقًا ثم قالت…..
“انا روحت لابوكم على فكرة….وقولتله… ”
سالها حمزة بقتامة… “قالك إيه……”
مطت شهد شفتيها بحيرة…..
“قعد يلف ويدور كده….وانتي جايه تتهمني بحاجة اتسرقت جوا بيتي…..وقعد يلغوش على الموضوع…”
سالتها كيان بفضول….
“حاسيتي يعني انه ورا الموضوع…..”
اومات شهد بابتسامة مضنية…..
“أكيد مفيش غيرو……هو اللي عملها عشان يقهرني ويلففني حولين نفسي..”
اقترحت كيان مجددًا.
“طب ما تقولي لعاصم ياشهد….”
قالت بغصة مريرة…..
“مش هينفع…هقوله إيه….ابويا سرقني…”
فنظرت لهما بحرج قائلة….
“المشكله اني راحه فرح معاه… ناس قريبهم يعني…هو قال انه هيكلمك ياحمزة…….”
ضاقت عينا حمزة بغيرة….. “ها.. وبعدين…..”
قالت بصوتٍ محبط….
“وبعدين اني لو روحت لازم ابقى لبسه الطقم
عشان ميشكش فيا…. ”
قال حمزة بقنوط….
“وهنجيبوا منين الطقم ماهو اتسرق…..”
هتفت كيان مقترحة بحرارة…..
“انا عندي فكرة….انا اعرف واحد بيعمل من الاكسسورات اللي زي دي بطلب كده….وانا معايا صورة للطقم كنت مصوراها إمبارح معاكي…نبعتها
ليه ونقوله يعملنا طقم زي ده بظبط…….”
انعقد حاجبا شهد وهي تستمع بتركيز….فتابعت
كيان…..
“وعلى ما يجي معاد الفرح يكون عملهولك نسخة منه….بس مش اصليه فلسو……بس خدي في بالك هيكلفك كتير……”
اعترض حمزة على الفكرة بتهكم….
“واي لازمته اللف والدوران ده…مابلاها أحسن احضري من غير الطقم…..”
قالت شهد مستنكرة…
“يسلام وافرض شك فيا بقا….وافتكر اني بعته
مثلًا… ”
قال حمزة هازئًا….
“ماهو لو لقاكي لبسه حاجة تقليد هيشك أكتر….”
أردفت كيان بنظرة جادة….
“عمره ما هيشك الراجل ده فنان دي شُغلته….
وعلى فكره انا مش أول مرة اتعامل معاه….معظم اكسسوراتي من عنده….ولي يشوفها بيفكرها الماظ حُر من كتر ماهي حقيقية… وهو هيعملها زي اللي في الصورة بظبط… ”
لم يرجح حمزة الفكرة مجددًا….
“بلاش ياشهد….اسمعي كلامي بلاش أحسن….”
هتفت كيان مقنعة إياها…
“والله ياشهد ما هيبان انه تقليد أصلا أسمعي مني
انا… اعمليه وخلاص للمناسبة دي بس…لحد ماتشوفي هترجعي الاصلي إزاي……”
صمتت شهد مفكرة في الأمر بعمق شديد فالافضل
ان لا ينكشف أمر سرقة الطقم الان امام عاصم حتى لا يظن بها السوء…..
……………………………………………………………
بعد أيام وفي الصباح تحديدًا….كانت تجلس خلف
مكتبها تعمل ككل يوم…..
فهب عطر انثوي قوي في المكان فرفعت فيروزيتاها
البراقة على الباب لتجد أمراه يافعة الانوثه والجمال
ترتدي ثوب أسود قصير يبرز قوامها الغض…..
اقتربت منها المرأه بخطوات أنيقة وكعبها العال يقرع
على الأرض المصقولة بخلاء…..
نزعت المرأه قبعتها السوداء الانيقة فاتضح جمال
ملامحها الأقرب للجمال الفرنسي….فقالت وهي
تنظر لكيان باناقة……
“هاي…. المحامي سليم الجندي موجود….”
نهضت كيان تنظر إليها من أول راسها حتى اخمص
قدميها…..”اه يافندم اقوله مين……”
قالت السيدة بابتسامة دبلوماسية…..
“ريناد….قوليله ريناد حرم المرحوم فواز السفير .. ”
“اه ثواني هدخل اديه خبر……”قالتها كيان وهي تتجه الى المكتب…..
عندما دلفت إليه رفع سليم عيناه عليها يحتويها بهذا الشوق المجنون في نظراته…..
ارتبكت قليلاً ولوهلة نست لماذا اتت الى هنا
وضاع فكرها امام سطوة عيناه واحتواء قادر على اخمد نيران الخوف والشك في علاقتهما التي وضعتها على المحك منذ ان طلب يدها للزواج….
حتى الآن لم تصدق ردها السريع عليه…كما جن هو في طلب الزواج منها بين القبور اخذ الإجابة قبل ان تفكر ولو لدقائق……
(اديني وقت أفكر…..)
كانت وقتها إجابة دبلوماسية غريبة..فمن كانت تخشى الارتباط خصوصًا برجلا مثله اعطت له
أمل في علاقة محددة الأطراف بينهما…
لن تخدع نفسها ان قلبها قفز فرحا حينها، فطلب الزواج منها شتت عقلها ثم تضاربة افكارها
حينذاك…..
وتعرف الان ان الأمل الذي اعطته لسليم هي كانت بحاجة إليه اكثر منه….
فهي تريد الهرب من كنف (عثمان الدسوقي) فجحيم
سليم أهون من جنة عثمان !!…….
فلا تضمن باي زيجة سيضعها…واي صفقة سيربح
بها….لذا عليها ان تختار من أحبت رغم مخاوفها
وحساباتها المعقدة نحوه ؟!…..
وقفت أمامه وتنحنحت قائلة بحرج…
” أستاذ سليم…. في واحده برا عايزة تدخلك…. ”
رد بملل وهو يأسر عيناها
بسطوةٍ….”في معاد سابق…..”
هزت راسها بنفي والقلب يتجاوب
مع نظراته…..
“بصراحه لا انا أول مرة اشوفها واسمع إسمها….”
بدا يطرق بالقلم على سطح المكتب قائلاً
بعدم إهتمام…..
“خلاص خليها تاخد معاد لاي يوم تاني…. انا مش فاضي النهاردة…..هي اسمها إيه.. ”
قالت كيان بهدوء….
“بتقول ريناد…. حرم المرحوم فواز السفير…..”
نهض عن مقعده فجأه وارتدى سترة الحلة
بعجلة قائلاً بأمر…..
“مدام ريناد….. لا دخليها فورًا ياكيان….”
اشتعلت عيناها بالغيرة في لحظة ولوت
شفتيها متشدقة…
“بس انت قولت انك مش فاضي….”
قال سليم بنظرة حازمة…
“بقيت فاضي دلوقتي… دخليها ياكيان متسبهاش وقفه كتير….. يلا…..”
استدارت كيان مغمغمة بقرف…..
“تطلع مين دي اللي اتنطر من مكانه أول ما سمع إسمها…”
نداها سليم بقوة…”كيان…..”
حركت حدقتاها للاعلى بنزق… ثم وقفت
مكانها…… “نعم…..”
أمرها سليم بخشونة……
“انزلي الكافتريا تحت هاتيلها عصير فرش… والقهوة بتاعتي…..وبسرعة دخليها…”
خطت خطواتها للخارج والغيرة تتغذى على فتيل صبرها…..
……………………………………
تدور حول مكتبها ذهابا وايابا وعيناها على الباب
المغلق ثم الى ساعة معصمها…
اكثر من ساعة ونصف بداخل يتحدثا بالهمس كمن بينهما أسرار لا يطلع عليها سواهما… حتى عندما دخلت عليهما المكتب بالمشروبات كانا يضحكا ويتهمسا وعندما اقتربت توقفا عن الحديث
وانتظروا حتى خرجت ؟!..
من تكون تلك الريناد ولماذا يهتم بها على هذا النحو المريب… بل وبينهما تودد ملحوظ وكأنهما على سابق
معرفة وليست مقابلة عمل عادية ؟!…
جلست على المقعد وهي تنفخ بفمها بعصبية شديد
وصدرها يحترق من شدة الغيرة وبدأت تشغل عقلها بالعمل لكنها كلما نظرت الى الكلمات ضاعت الأحرف
وهربت المعاني من عقلها ولم يبقى إلا…
إلا صورته وهو ينتفض من مكانه بعد سماع اسم أخرى وصورتهما وهما يتشاركا الحديث بمنتهى
الانسجام……
جمالها الفرنسي واناقة اسلوبها وثيابها وعطرها…
ربما أحبها في ساعة ونصف ؟!…..
الم يطلب يدها للزواج من المفترض ان تبدي رأيا في هذه الميوعة وعليه ان يدرك انه أصبح مرتبط الآن
بها.. وهي لا تقبل بهذا التساهل أبدًا… أبدًا….أبدًا
نهضت عاقدة الحاجبين بغضب وقد انتفخت اودجها واتتها شجاعة للدافع عن مستحقاتها به !!…
بينما فتح الباب وخرجت المرأه الانيقة ذات الثوب القصير الأسود والقبعة المماثلة….وخلفها سليم الذي
رحب بها بابتسامة جذابة افتتن بها قلبها كالعادة
فأسبلت اهدابها ممتعضة لتسمعهُ يقول…
“شرفتينا يامدام ريناد… هستنا مكالمتك عشان نحدد معاد تاني…..”
قالت ريناد بابتسامة أنيقة….
“اكيد يا سليم…مبسوطه اني شوفتك من تاني…”
ثم ابتعدت تقرع الأرض بكعبها العال بمنتهى الخلاء والجمال…..
عندما خرجت المرأه نهائيا من المكتب… رفعت كيان عيناها على سليم بحنق… فبادلها النظرة ببرود
قائلًا بأمر…..
“هاتيلي الملفات اللي ادتهالك الصبح…وتعالي
ورايا… ” اولاها ظهره داخلا المكتب….
جزت كيان على اسنانها بعصبية وهي تسحب بعشوائية كل الملفات من على سطح المكتب
ثم اتجهت خلفه وخطت خطواتها بتجهم
وعندما وصلت للمكتب القت الملفات أمامه
قائلة بوجها مكفهر….
“اتفضل اي أوامر تانيه…..”
انقلبت ملامح سليم مستهجنًا…
“هي دي الملفات اللي ادتهالك الصبح…..انتي مالك النهاردة….مش مركزة في الشغل ليه…..”
قالت بتبرم وبنظرة نارية…….
“انا اللي مش مركزة في الشغل انا اللي بقالي ساعتين عماله ارغي… ارغي…..وسايبه مصالح
الناس تولع…..”
رفع حاجباه بشدة وبعد إدراك انزلهم ببطئ
قائلا بابتسامة مشاكسة….
“آه قولي كده….غيرانه؟!…..”
هزت كيان كتفها بتكبر….
“انا مش غيرانه…انا بتكلم في الشغل..لما كل واحده
تجيلك هنا تقعد معاها ساعتين هتخلص شغلك المتكوم عليك دا إمتى…..”
التوت ابتسامته بزاوية
واحدة….
“ماهو البركة فيكي بقا….”
قالت ممتعضة…..
“وانا هعمل إيه ولا إيه….الأحسن تركز في شغلك…”
قال سليم بلؤم… “ماهو ده شغلي برضو…..”
احتقن وجهها بالغضب ، والغيرة سهم
يخترق صدرها بقسوة….
“انك تقعد تضحك وتهزر مع الستات دا يبقا شغل…
جديدة دي يا أستاذ……”
نظر لها قليلا ثم قال غامزًا….
“ماتيجي دُغري وقولي انك غيرانه عليا….”
قالت بحزم….”قولتلك اني بتكلم في الشغل…..”
تلاشى المرح من عيناه بالتدريج وقال بهدوء
مهيبًا…
“بما انك بتكلمي في الشغل فانا هرد عليكي
برضو بالشغل….”
قالت ببرود…… “يبقا احسن برضو…..”
أشار لها سليم على الباب بصرامة….
“خدي الباب في إيدك وكفاية صداع….”
تسمرت مكانها بعدم فهم….فقال سليم
بصرامة….
“إيه مسمعتيش….يلا عشان اكمل شغلي..”
رفعت راسها بإباء امام عيناه الصارمة…ثم استدارت
امامه كي تتحرك خارجة من المكتب…..
فهمس سليم سرًا بثقة…
“واحد…..اتنين….تـ…….”
“مين دي ياسليم مانا لازم أعرف…انت مش طلبت
ايدي للجواز…. يبقا من حقي أعرف… ”
كما توقع عادت تطالب بحقها به….ولم تتخطى الثلاث
ثواني حتى تصرح له بانها تغار….تغار وبشدة….وهو
يغار من نسمة هواء تلامس بشرتها !…
فهل تتعادل مشاعرنا عند الغيرة ياعصفورتي…..
استفزها برده السادي قائلا….
“انتي لسه بتفكري يعني احنا لسه حتى مش
في حكم المخطوبين …..”
صاحت بعينين تقدحان شررًا… “سليم……”
نهض عن مقعده ودار حول المكتب حتى
أصبح أمامها ساندا على حافة المكتب خلفه بمنتهى الجاذبية….يأسر عيناها بسطوة وتضيع هي بين
هالة من الوسامة والرجولة المحيطه به..
اجابها بهدوء…..
“مجرد صديقه….جوزها مات من فترة وعيزاني ارفعلها قضية بخصوص الورث……اي إستفسار
تاني….”
قالت بوجنتين حمراوان….. “لا….”
قال سليم بصوتٍ عميق… “طب ممكن اسأل انا……”
نظرت اليه فقال بصوتٍ رخيم…”فكرتي ولا لسه…”
بللت شفتيها بتردد…. “محتاجه وقت اكتر…..”
عقد حاجباه….”اكتر من كده…..”
قالت كيان بعد لحظات….
“انا لسه مسألتكش ليه انا بذات ياسليم…..”
أومأ سليم برأسه قائلا بحيرة…
“نفس السؤال اللي بسأله لنفسي….ليه انتي بذات
يا كيان…..يمكن مش اوانه ولا مكانه…..”
نظر لفيروزيتاها بعمق لمس قلبها قبل
ان يقول بصوتٍ أجش….
“بس انا حبيتك……حبيتك وقت ما كنت فاكر اني
بحب واحده تانيه والمفروض اننا هنتجوز…”
رمشت كيان بعيناها عدة مرات بعدم تصديق.
هل يعترف بحبها الان…..
ظلت متسمرة مكانها تستمع بعينين
مشدوهتين…….
“حبيتك عشان برتاح في الكلام معاكي… عشان شايفك غير اي واحده قابلتها او عرفتها…حبيتك
لانك بتفكريني بهالة طبيتها وبساطتها وقوتها…”
“برتاح معاكي ياكيان وكاني اعرفك من زمان….انتي
اللي من غير ما تقصدي خلتيني افوق من وهم ايتن
اوتأكد انها مش شبهي ولا ينفع تكون ام ولادي…”
ترقرق الدمع في عيناها واعتصر الالم قلبها
فظلت محدقة به مبهوته بحقيقة مشاعره لها
هل فعلاً أحبها بهذا القدر ؟!…
فاسترسل سليم بصوتٍ متهدج بالمشاعر……
“انتي حد كنت محتاجه أوي وكنت بدور عليه في المكان الغلط وأول مالقيتك مبقتش قادر امنع نفسي
عنك…..وحاولت أموت الإحساس ده ومبقاش خاين في عين نفسي…..ويرتاح ضميري من ناحيتكم انتوا الإتنين….بس مقدرتش صدقيني مقدرتش…..”
نهت بوجع وتابع بهدوء مؤلم…
“لقيت نفسي بنهي علاقتي بايتن قبل فرحنا بكام يوم بس….وبعد ما قولت خلاص مش عايز ولا واحده فيكم في حياتي وكفاية وجع قلب وحيرة…لقيت نفسي بطاردك من تاني وبقنعك ترجعي الشغل…..”
ازدرد ريقه قائلا بصعوبة….
“ولما كنتي معايا عند قبر أمي….حسيت اني بضيع نفسي من تاني في اللف ودوران…..فطلبت إيدك للجواز وردك وقتها اكدلي ان مش انا لوحدي اللي حبيت في القصة دي….انتي كمان حبتيني ياكيان….مش كده..”
انعقد لسانها فأطرقت براسها تمسح دمعة فارة
من عيناها….فسالها سليم بحيرة..
“ليه الدموع دي ياكيان؟!….”
رفعت راسها إليه برجاء قائلة بغصة مختنقة بالكثير من المشاعر المؤلمه وحقيقة مشاعره التي ضربتها
في مقتلها ؟!….
“انا محتاجه وقت ياسليم أرجوك اديني وقت ارتب
أفكاري بعد كلامك ده….”
اوما سليم برأسه متفهمًا بحنو….
“خدي كل الوقت ياكيان….. بس ارجعي بقرار يفرحني مش العكس…..”
استدارت كيان لتغادر….لكنها توقفت فجأه
تناديه…. “سليم…..”
كانت عيناه عليها منذ البداية لذا اعطاها كل اهتمامه
ليجدها تقول بسرعة دون النظر إليه….
“أيوا انا كنت غيرانه من ريناد دي… كنت غيرانه
عليك أوي….من اهتمامك وكلامك وهزارك معاها..
كنت غيرانه أوي ياسليم…. ”
اهتز قلبه وذابت عيناه عليها وود لو عانق جسدها الشقي واحتوى تمردها بذراعيه… او قبل شفتيها الذائبه في الحزن ولثم دموعها بشفتاه…. اي شعورٍ مجنون محرم يخمد هذا الاحتياج نحوها…..
لكنه قال أخيرًا بحبٍ…….
“اطمني ياعصفورتي…انتي اللي في قلبي…”
اختلج قلبها بين اضلعها فرفعت عيناها عليه
وضاعت في جمال اللحظة….
…………………………………………………………..
دلفت الى المنزل عصرًا وهي تدندن بصوتٍ انثوي
ناعم شاعره بقلبها يحلق في سماء الحب….
“أخيرا جالها، جال أحبك جالها
وأنا جلبي، جلبي، جلبي توقف بعدها
من فديت أنا العيون، جال أحبك وبجنون
ودي أطير ودي أعيش في الدنيا بقربها…”
وجدت شهد تخرج من المطبخ فعانقتها كيان
وهي تدور معها تشاركها الفرحة بالغناء…..
“الفرحة يمه لجيتها…. صعب جدا وصفها
هو جلبي وهو نبضه وأحلى نبضة جلبي
يديقها… أخيرا جالها….جال أحبك جالها..”
قالت شهد بنظرة معاتبه….
“شكل الكلام حقيقي بقا…..زعلانه انك خبيتي
عليا… ”
اتسعت عينا كيان بدهشة وهي تعض على
شفتيها…
“كنت هقولك والله… بس انتي عرفتي إزاي……”
اكدت شهد بابتسامة مرحة وهي تقرص
خدها برفق..
“كان لازم أعرف ياسوسه….ماهو قاعد مع ابوكي جوا…”
تلاشت الضحكه عن وجه كيان فقالت بعدم
فهم….
“قاعد مع ابوكي؟!…..هو لحق…انا لسه مدتهوش كلمتي……”
قالت شهد بحاجب معقود…..
“إزاي دا بيقول انكم متكلمين ومتفقين على
كل حاجة…..”
شهقت كيان بصدمة….. “هو قال كده…..”
اكدت شهد تثرثر على غير العادة…..
“وبصراحه ابوكي اضايق شويه من جرأته بس لما عرف هو مين ومن عيلة مين هدي شويه…وبدا ياخد ويدي معاه في الكلام….عن مستواه وشغله ما انتي عرفاه….. ”
قالت كيان بضيق….
“ازاي يعمل حاجة زي دي من غير ما يقولي…”
قالت شهد متنهدة براحة….
“احمدي ربنا ان حمزة مش موجود معاهم جوا
وإلا كان زماني بسلكك من بين إيده دلوقتي….”
قالت كيان بتردد… “هو قاله اي بظبط…..”
“قال انكم مرتبطين ببعض وبتحبوا بعض من زمان.. وانه شافك في مكتب سليم الجندي…واتعرف عليكي
بعدها….وانك صاحبة بنت خالته اللي هي خطيبة المحامي اللي انتي شغاله عنده…..ها اقول كمان.. بقيت رغايه اوي زيك…. ”
ضحكت شهد وهي تنظر لاختها الذي شحب
وجهها فورً والتي نظرت اليها مصعوقة
بصدمة مما تفوهت به…..فسالتها بوجل….
“انتي بتقولي اي ياشهد….مين مع ابوكي جوا…”
شعرت شهد بالريبة فقالت بإيجاز
موضحة اكثر…
“واحد اسمه شادي عزام……تعرفيه صح….ماهو مش هيقول انكم بتحبوا بعض ومتفقين على الجواز منه لنفسه كده اكيد تعرفيه……”
لم ترد كيان بل اتجهت للباب سريعًا تقتل الشك
باليقين كما يقال…..وعند باب الصالون المغلق نظرت
من بين فتحت الباب لتجد شادي حاضرا بكامل اناقته يجلس جوار والدها يتحدث بمنتهى الغطرسة عن النسب العريق لعائلته والاملاك التي يمتلكها ويبدو انه راق لوالدها جدًا فكان فاغر الفم باندهاش
وعيناه تلمع بومضٍ غريب كمن ينظر لثروة هائلة
لا تعد ولا تحصد…
هتفت بصوتٍ خافت اختنق في حلقها من هول
الصدمة……”شادي !!!…
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية الحب اولا ) اسم الرواية