Ads by Google X

رواية الحب اولا الفصل العشرون 20 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

   رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل العشرون 20

هتفت بصوتٍ خافت اختنق في حلقها من هول
الصدمة……”شادي !!!..”
فارة الدماء في عروقها سريعًا واندفع الغضب دفعه
واحده فوضعت يدها المرتجفة على مقبض الباب حتى تدفعه وتنهي تلك المهزله فمن يظن نفسه
بعد ان أقدم على تلك الخطوة وزيف الحقائق…
لم تراه إلا مرتين وكلاهما عن طريق الصدف
واليوم ياتي لخطبتها دون علمها بل ويدعي
انهما على علاقة عاطفية وقد اتفقا على الزواج
مسبقًا من يظن نفسه هذا….
ستصفعه على وجهه الآن وتقف امام والدها ويحدث ما يحدث……
سحبت نفسًا حار ثائرًا بالغضب واتكأت على المقبض
بيدها وقبل ان تحرك مقبض الباب سحبتها قبضة أنثوية قوية وادخلتها غرفة النوم …
فوقفت كيان في منتصف الغرفة تنظر الى اختها
بعينين حمراوان من شدة الانفعال…..
“بتشديني كده ليه يا شهد…سبيني أوقف القرف ده
و اطرد الحيوان ده من هنا…..”
سحبت شهد نفسًا طويلًا بصبرٍ ثم قالت..
“انتي اتجننتي…..اهدي وفهميني بظبط….مين ده وتعرفيه منين…..فهميني ياكيان….انا اختك واكتر واحده هتفهمك وهتخاف عليكي…….”
نزلت دموع كيان بعجز وهي تتمتم بشفاه
ترتجف خوفا وغضبًا…..
“هي الدنيا بتعاندني ليه ياشهد..ليه مستخسره فيا
الفرح… ليه كل ما بنحاول نفرح بتحصل حاجة تنكد
علينا ليه بس….”
زفرة شهد قائلة بوهن…..
“بلاش الكلام ده احنا احسن من غيرنا…والمشاكل اللي بنمر بيها هنقدر نعديها….اهدي بس وفهميني
واحكيلي بصراحة مخبيه عليا إيه…..”
بللت شفتيها وهي تلقي جسدها على حافة الفراش جالسة ثم بدأت تخبرها بصوتٍ متهدج…
“من فترة المحامي اللي شغاله عنده سليم الجندي طلب ايدي للجواز……وكان خاطب واحده اسمها ايتن دي تبقا بنت خالة شادي اللي قعد برا مع ابوكي…. وانا أصلا مقبلتوش غير مرتين…..”
ضاقت عينا شهد بعدم فهم….
“استني.. استني يعني إيه سليم الجندي طلب
إيدك ؟!……”
بدأت كيان تسرد لشهد القصة منذ البداية…بداية اعجابها بسليم اثناء إرتباطه من أخرى وتقرب سليم
منها حينها ثم تركها للعمل لديه عندما اقترب موعد زفافه ثم عودتها للعمل من جديد وطلب يدها للزواج وقتها…..عندما انتهت كيان قالت وهي ترفع
عيناها لاختها…”هو ده كل اللي حصل….”
خطت شهد بصمت وجلست جوارها تنظر اليها
بغرابة مؤنبة…. “كل ده مخبياه…..”
تلعثمت كيان قانطة بتجهم…..
“كنت ناويه احكيلك والله النهاردة بس اللي حصل ده….. انا مش عارفه اعمل إيه…..”
قالت شهد بحزم…
“متعمليش حاجة سليم هو اللي هيعمل….”
انعقد حاجبي كيان بتساؤل….” إزاي يعني؟!..”
قالت شهد مفكرة….
“انتي مش بتقولي ان شادي ده ابن خالة البنت اللي كانت خطيبته….”
اومات كيان براسها…. “أيوا….”
اضافت شهد بحاجب مرفوع….
“يبقا البت دي هي اللي زقاه عشان تبوظ الجوازه..”
اشاحت كيان بوجهها بتبرم….
“وواضح انها سألت على ابوكي كويس اوي
وعرفت انه مش هيفرق معاه غير الماديات…”
اكدت شهد…”هو كده….”
عادت عينا كيان لاختها….
“طب المفروض اني هعمل ايه دلوقتي مع ابوكي…”
استرسلت بتخوف….
“دا ممكن يكون بيقرأ الفاتحة دلوقتي….”
قالت شهد بطمأنينة….
“مش معقول دا جاي لوحده… مفيش حد معاه عشان يتفقوا ويقراو فاتحة….”
سألتها كيان…. “تفتكري….”
“افتكر جداً….” اكدت بيقين……ثم
حاولت ان تنبه اختها…..
“اسمعي لو ابوكي سألك عـ…..”
لم تكمل جملتها فقد سمعا كلتاهما صوت ابيهم بالخارج يودع الضيف بحرارة واعدًا إياه بان
يفكر في الأمر بجد وقريبًا سيعطيه رأيه
الأخير…
انغلق الباب فخرجا الفتيات معًا من الغرفة الى صالة
البيت وقفا بانتظاره…
وبالفعل استدار عثمان لهن ورمقهما بنظرة لئيمه
خصوصًا كيان التي كانت تنظر اليه بتبلد مشاعر
كالعادة بل ويرافقها الآن شعور الخوف من القادم
منه…..
ابتسم عثمان ببشاعة نفسًا متشبعة
بالسوء…
“مكنتش اعرف انك بصه لفوق اوي كده…جدعه
كده بقا انتي بنت عثمان الدسوقي….جدعة يابنت
كريمة…..”
التوت زاوية شفتي شهد باحتقار…..وشحب وجه كيان وزداد انغعالها…..
فاضاف عثمان بنظرة خسيسه….
“مع ان كلامه في الاول معجبنيش…بس لما فهمت
وعرفت هو مين وابن مين….اتأكدت انك بنت ابوكي وعرفتي تجيبي عيل زي ده لحد عندي….”
هتفت كيان بعدائية…
“وطالما هو عيل….. ليه عجبك اوي كده….”
برزت اسنانه فكان شيطانًا لعين وهو يقول
بفحيح…..
“فلوسه اللي عجباني واكيد عجبتك انتي كمان.. الفلوس والسلطه… هما دول اللي محتجانهم
في زمنا ده….. مش كده…..”
عيل صبرها فصرخت…. “لا مش كده أنا مـ…”
قاطعتها شهد بإبتسامة متصنعة وبنبرة هادئة
صقيعية…..
“هي محتاجه تفكر شويه… وانت كمان محتاج تاخد وقتك…. بلاش ترد عليه علطول…. لازم نتقل شوية
في الرد… ويبان ان عندنا عزة نفس مش واقعين عليه ولا طمعانين فيه….ولا اي ياكيان….”نظرت لكيان بتحذير…….
فلم ترد كيان بل نظرت لاختها
بدهشة….
فقال عثمان بحاجب معقود
بشك….
“واضح ان كيان ليها رأي تاني….”
عادت كيان لعينا والدها فوجدت فيهما تحدٍ سافر بالقسوة ان أبدت رايا يعارض قراره….فحمحمت
وهي تطرق براسها أرضا قائلة بصعوبة …..
“أكيد الرأي رايك يابابا…وانا شايفه ان شهد عندها حق…يعني لازم نعزز نفسنا شوية…..عشان ميفكرش ان احنا ما صدقنا….”
ابتسم عثمان باستحسان وهو ينظر
لها…
“تمام…..دا الرد اللي مستنيه…الراي رأيك يابابا…
بنت ابوكي……”ابتعد عثمان عنهن الى شرفة
المنزل يجري اتصالا……
فقالت كيان بضيق
لاختها….
“ليه قولتيلو كده ياشهد؟!….”
قالت شهد بهمسًا وهي تنظر الى مكان والدها
بطرف عيناها…..
“مش هنقدر نقف قدامه ياكيان ولو رفضتي او
عاندتي معاه مش بعيد يجوزك ليه من بكرة…الحل انك تحكي لـسليم ولو هو بجد بيحبك وعايزك هيواقف المهزلة دي بنفسه….من غير ما ندخل في مشاكل جديدة مع ابوكي…. ”
صمتت كيان تفكر في الأمر…..
بينما دلفت شهد الى غرفة الصالون لكي تحمل
اكواب العصير وتنظف المكان من خلفهم….
مالت على الطاولة حتى تاخذ صنية المشروبات من عليها فوجدت سلسلة مفاتيح والدها تقبع على سطح الطاولة…
فتركت الصنية واخذت سلسلة المفاتيح وقلبت بها
قليلاً بين يداها حتى وقعت عسليتاها على نسختان من مفتاح غرفة والدها التي تغلق دومًا في غيابه ومنذ زمن على هذا الحال وعند حضوره يبقى بها طوال الوقت…
نزعت نسخة واحدة من السلسلة سريعًا ووضعتها في
جيب تنورتها ثم وضعت سلسلة المفاتيح مكانها وتناولت الصنية بين يداها من جديد….
وعندما خرجت من باب غرفة الصالون دلف والدها والتقط سلسلة المفاتيح واتجه الى غرفته الخاصة فتحها بنسخة الثانية المتبقية معه ودلف الى الغرفة
دون ان يشك في اي شيءٍ !…..
تنفسة شهد الصعداء وهي تدلف الى المطبخ بيدين ترتجف خوفا……
…………………………………………………………….
وضعت طبق يحتوي على وجبة الغداء على طاولة مستديرة صغيرة….ثم جلست أمامها ومسكت المعلقة
وبدات تقلب في محتويات الطبق بشهيةٍ مفقودة
وشعور الفقد كالصدى الاذع في حلقها….رفعت بنيتاها وحركتهما بين الارجاء الفارغة في شقتها البسيطه المرتبه بعناية من قِبلها…..
من يوم ان عادت وهي ترتب وتمسح وتكنس..حتى
عادت الشقة ساكنة بالحياة…..
عادت الشقة لعهدها لكن صاحبتها لم تعد بل فقدت
دربها وتخبطة مشاعرها حين ذاك….
شعور من الوحده سيطر عليها من يوم ان عادت وحيدة في مسكنها وقد زادت وحشة الليل رعبًا
بعدما ذاقت طعم الامان والراحه في بيتهم…
لو كانا والديها معها ما كان للوجع مكان في
قلبها…..أضناها الحزن والفراق بعد رحيلهما
واليتم تمكن من قلبها حتى جعله يابسًا
متعطشًا لـعطف الغرباء؟!…
اشتاقت لشهد جدًا عطفها امومتها المفرطة نحو الجميع رقيها وكبرياء الملِكات التي تتمتع به دون
ان تدرك….. أشتاقت لتلك الملكة التي خرجت من رواية اسطورية لتحقق أسطورة على أرض الواقع وهي ان تكون الشهد رغم مرارة الأيام ؟!…..
حتى انها اشتاقت لتلك الساحرة الشريرة…كيان
التي اتخذت من إسمها نصيبًا وكانت كيانا مختلفًا
عنهما فهي المحامية الصغيرة…الشقيقة الغيورة
والتي تعشق شقيقيها بشدة… وتجتهد في عملها
بتفانٍ… تحب المسلسلات الكوريه… وتكره الرجال..
وتخشى العلاقات الجديدة وتشكك في كل ماهو مستجد في حياتها…..وهي كانت من ضمن المستجدات لذا لم تتقبلها يومًا ؟!……
داهم انفها رائحة القهوة الساخنة.. فحانت منها نظرة
على فنجان القهوة التي اعدته خصيصًا كي يذكرها برائحته الرجولية الممزوجة بالقهوة تلك التي فارقتها
عنوة عن قلبها وتستعيد الان جزءًا منها علها تشبع القليل من شوقها إليه برائحة القهوة التي يحبها وتبرع هي بصنعها رغم انها ليست مولعة بها
مثله…
أشتاقت اليه وشوقه هو يختلف عن شقيقتاه… مؤكد
يختلف فهو حبيب القلب وجلاده…أشتاقت لعسليتاه وبريق الاجرام الأخذ بهما…..أشتاق قلبها لمزاحة الثقيل والسخرية القاتمة الممزوج به….اشتاقت
لرؤية مروءته معها ومع شقيقتيه وحبه لهن….
أشتاقت لأن يطلب منها القهوة فتعناد معه ثم يرق
قلبها وتعدها له وبعدها تظل تتأمله بسعادة قلب ولهان….
اشتاقت لكل شيء ينتمي معه وبه اشتاقت
والشوق عذبها….وكبرياؤها قشة متعلقه
بها تتأرجح معها يمينًا ويسارًا وقد اوشكت
على السقوط !…..
تركت المعلقة جانبًا ثم لامست السلسال الفضي باصابعها حتى وصلت للقمر الأبيض الذي يرتاح
أسفل نحرها بقليل ظلت تمسح عليه بابهامها بحنان وقد امتلأت حدقتاها بغمامة من الدموع قد
سالت بعد ان لفظت اسمه…. “حمزة..”
……………………………………………………………..
في موقف السيارات كان ينتظر دوره بين إعداد كثيرة لذا كان يفتح باب القيادة ويجلس على
المقعد بزاوية مختلفة يحتسي القهوة وهي ينفث
من سجارته…..وعيناه معلقة على المارة…..
تافف وهو يلقي كوب القهوة البلاستيكي
أرضا بغضب…..
“حتى القهوة بقت زي الزفت……”
اتجه اليه أحد الأصدقاء….وكان شاب يقاربه
عمرًا…
“مالك ياسطا هي الغزالة مش رايقه ولا إيه…”
سأله حمزة بجزع…… “فاضل كتير…..”
اخبره صديقه…. “انت بعد الولا فيجو….”
سأله صديقة بلؤم….
“مش هتقولي مالك…. اوعى تكون بتحب جديد..”
التوى ثغر حمزة هازئًا….
“ولا قديم على المبدأ ثابت……”
ضحك صديقه بسماجة…
“بكرة تيجي اللي تشقلب المبدأ وصاحبه….”
اتى طيفها في عقله فـلهى نفسه
بسؤالا…
“اي اخبارك انت في الجواز ياعريس…..”
اتسعت إبتسامة صديقه
بفخر…
“عريس اي بقا دا المدام حامل….”
غمز له حمزة بوقاحة….
“عملتها يانمس…. دا انت مكملتش شهرين….”
“اخوك أسد….”قالها بزهوٍ….
فربت حمزة على كتفه معقبًا….
” جدع يا أسد….حوشت بقا حاجة للمصاريف الجاية…..”
هز صديقه راسه بقنوط…
“اقسم بالله ولا الهوا على يدك ياصاحبي لسه
مديون في الجمعيات اللي اتجوزت بيها..
ملحقتش اسدد… ”
وضع حمزة السجارة بفمه واخبره بشهامة…
“متشلش هم بكرة تدبر وبعدين لو وقفت معاك
في اي حاجة كلمني انا سداد….”
ابتسم صديقه بامتنان قائلا….
“قد القول ياصاحبي ما انت ياما ساعدتني….صحيح
مبروك على خطوبة أختك…..سمعت انها اتخطبت لعاصم الصاوي..بس انا واخد على خاطري منك
كده متعزمنيش….انت مستعر مني ولا اي…. ”
لوح حمزة بيده مستنكرًا…..
“ياعم لا مستعر ولا حاجة معملناش حاجه اصلا يدوب قرينا الفاتحه ولبسها الشبكة واحنا قعدين..”
ساله بفضول… “يعني مش ناوين تعملوا خطوبة….”
هز حمزة رأسه بنفي….
“اختي مش عايزة….قالت في الفرح نبقا نعمل…”
استفسر صديقه…
“وهتجوز امتى كده ان شاء الله….”
تنهد حمزة تنهيدة ثقيلة قائلا..
“لسه شويه…. ادعلنا بتساهيل… تجهزها مش بساهل……”
انعقد حاجبا صديقه متعجبًا..
“ياسطا جهاز اي بس… دا عاصم الصاوي دا يوزنها بدهب لمؤخذه…..”
عبس وجه حمزة ثم زمجر قائلا..
“يعني ادهاله بشنطة هدومها…ماتوزن الكلام ياجدع
هو إحنا بنتاجر بيها….دا جواز….. والاصول محدش يعديها….”
أعتذر صديقه قائلا بتراجع….
“ياعم متزعلش اوي كده… مش قصدي حاجة..
على العموم ربنا يسعدها ويتمملهم على خير….”
لم يرد عليه حمزة بل رفع عيناه ينظر أمامه بضيق
أصبحت الحياة والعلاقات بالمجمل حسبة مال ليس
إلا…..
ليست الحياة هاشة وباشة بل هي عبارة عن حرب
باردة الجميع يسعى في تلك الحرب لتوفير لقمة
عيش والقائمين عليها أوفرُ بالحيل مخابز من
خلف سعينا فأصبحنا نحارب بكثرة وهما يلقوا
الفتات الجاف لنا ؟!…
………………………………………………………………
كانت تدور عجلات الدراجة بسرعة على الأرض الصلبة وضوء الشمس منعكسًا على وجهها الأبيض وعيناها الفيروزية البراقة…. اما شعرها البندقي الناعم كان يرفرف خلفها بحرية وقد اعطت صورة كلاسيكية رائعة بها لمحة من الفوضى الذيذة تكمن في تلك الدراجة الهوائية التي تفضلها عن اي وسيلة
نقل أخرى……
مر عدة أيام على زيارة (شادي) لم تستطع أخبار سليم بالأمر تشعر بالغضب ان سلمته زمام
امورها ؟!…
الأمر خاص بها وحدها وعليها ان توقف هي تلك المهزلة فلن يجبرها أحد على الزواج مهما بلغت
سلطته عليها…..فهي سيدة قرارتها رغم انف
الجميع….
حتى انها بدأت تتهرب من مقابلة سليم ولم تذهب الى مكتبه من بعد اعترافه بحبها…عادت الى مكتب
خليل الصواح متجاهلة الأيام التي اتفق معها
ان تحضرها لإنهاء الأعمال المتراكمة….
اثناء قيادتها للدراجة وقفت امامها عن بعد
مسافة سيارة حمراء فارهة….فاوقفت الدراجة
عندذاك بحاجب معقود وشفاه مقلوبة بعد ان رأت
قائدها السمج…..
نزلت عن الدراجة وكانت ترتدي بنطال جينز وكنزة
سوداء تفصل قدها المميز…..مظهرا عاديا بسيط لكن كالعادة تشع جمالًا وعنفوان فاتنا….
“وكمان جتلك الجرأه توقفني في نص الطريق.. دا
اي البجاحه دي…..”قالتها وهي تعقد ساعديها امام صدرها بتبرم…
فالتوى ثغر شادي بخبثٍ قائلا…
“اي ده… مش عيب تكلمي خطيبك بطريقة دي..”
توهجت عينا كيان متشدقة بضجر….
“خطيبي؟!…. انت صدقت نفسك… صدقت الكدبة اللي كدبتها قدام أبويا…..”
تاملت كيان ملابسه الشبابية العصرية المنفرة والسلاسل الذهبية الباهظة المعلقة في عنقه
وبعض الوشوم الغريبة على ذراعيه….
فاضافت باستهجان….
“انا وانت بنحب بعض ومتفقين على الجواز.. طب إزاي دا انا مشفتكش غير مرتين بالعدد.. حبيتك
إمتى واتفقنا على الجواز إمتى….”
استفزها شادي ببرودة اعصابة….
“يابيبي أهدي اعصابك… وبعدين اي المشكله في اللي قولته ما احنا مصيرنا نحب بعض…اتس
أوكي… ”
احتدت نظراتها فلوحت بيداها متشنجة….
“اسمع يانحنوح يابتاع بيبي انت…. انا مش
بتاعت جواز… خلاص وصلت….”
ابتسم ببلادة قائلا بغلاظة….
“نوو…يعني بتحبي تصاحبي ومالو انا معاكي في
اي حاجة يابيبي…”
تذوقت الكلمة على لسانها بقرف متجهمة…
“بيبي…انا راضيه ذمتك دا حجم يتقاله.. بـيـبـي..”
مطت الكلمة بشفاه مقلوبة….
أكد وهو ينظر اليها بوقاحة… “انا بدلعك يابيبي…”
قالت كيان من بين أسنانها….
“اسمي كيان…ومليش في الدلع…..وعشان اجيبلك
من الاخر…انا مش موافقه… ”
وضع يداه في جيب بنطالة الساقط مدعي
الظرافة…
“اسمع الرد من باباكي الأول وبعدين اقرر…”
غلى الدم في عروقها فقالت منفعلة…
“لا والله هو البعيد معندوش دم… بقولك مش موافقة تقولي اسمع الرد من باباكي.. وانا اي كوز
دره وسطكم… ماقولت مش موافقة….”
قال بغرور ويداه مزالت في جيبه….
“إزاي يعني في حد عاقل يرفض شادي عزام….”
هزت راسها بعصبية غير مصدقة سماجته
واسلوبه الازج في الحديث….
“انا….انا مجنونه وبرفضك خلصنا…وبعدين شادي
عزام اي اللي طلع في دماغه فجأه يتجوزني…مع انه مشافنيش غير مرتين….. ولا يكونش ده راي
ايتن….”
اهتزت حدقتاه للحظه وظهر التوتر
على محياه…لكنه أنكر قائلا..
“واي دخل ايتن بالموضوع….. انا…..”
رفعت إصبع التهديد مهسهسة بشرٍ…..
“انت تبعد عني احسلك يابن الناس… وتتصل بابويا وتقوله انك صرفت نظر عن الموضوع. الأحسن تيجي منك انت….سامع.. ”
“أنسي يابيبي…انتي عجباني ومن أول يوم شوفتك
فيه وانا عايزك…..” قالها شادي بوقاحة وهو يتمادى معها ويمسك قبضتها بين كفه……
اتسعت عينا كيان جراء هذا العبث فحاولت نزع
يدها مزمجره…..
“اما انت بنادم قليل الأدب بصحيح سيب دراعي…
سيب دراعي ياحيوان…. ”
فجأه وجدت قبضة قوية تنال من فك شادي الذي تركها سريعًا وارتد للخلف واقعا على جانب سيارته….
“سليم…” اتسعت حدقتاها بدهشة هامسة باسمه
بصدمة فلم تتوقع وجوده هنا الان وفي منتصف الطريق ؟!….
رمقها سليم بنظرة قاتمة غاضبة….أمرا إياها بسطوة…”استنيني في العربية…..”
اومات براسها بطاعه وهي تستقل سيارته منتظرة
وعيناها معلقة عليهم من خلف زجاج السيارة تتابع
حديثا حاد بينهم لكنها لم تفهم شيءٍ منه…
لكن يبدو ان سليم كان على حافة الغضب وشادي يستفزه بسماجة وغرور……حتى لكمه سليم مجددا
بعنفٍ وانقض عليه بهمجية…والاخر يضحك ببرود..
“ازاي مقالتلكش اني اتقدمتلها…. وهي وافقت عليا
لا وكمان مستني رد ابوها عشان نحدد معاد الخطوبة…..”
جز سليم على اسنانه وهو ينقض
عليه بهمجية… “انت كداب…. كداب….”
قال الاخر بابتسامة باردة….
“لو مش مصدقني اسألها…. ولا بلاش تحب اديك رقم ابوها وتساله بنفسك….”
انتفخت أودج سليم واربد وجهه بالغضب..فتابع
شادي باستفزاز…..
“دا واضح انها بتلعب علينا احنا الاتنين… اخص ادي
اخرت اللي يسيب بنات الناس.. ويبص لشحاتين..”
مسكه سليم من ياقة قميصه بعنف…
“وطالما هي شحاته…. اتقدمتلها ليه….”
اجابه شادي بعبث وهو ينظر نحو
سيارته…
” تقدر تقول حابب اجرب صنف جديد….”
هزه سليم عدة مرات بعنفا مهسهسا بملامح
تنذر بالخطر……
“عارف لو فكرت تقرب منها…او حتى تكمل في مشوار الخطوبة ده أقسم بالله العظيم ياشادي
ما هرحمك….”
صرخ شادي بغرور….
“متقدرش تعمل معايا حاجة…انا شادي عزام…”
ابتسم سليم هازئا وهو يجيب بنبرة هادئة
مخمرة بالثقة…..
“عزام ذات نفسه لو دعبست وراه هطلع بلاوي توديه
ورا عين الشمس…..اعقل يا حلوو لو انت شادي عزام…..فانا سليم الجندي وسليم الجندي لم بيقلب
على حد مش بيسمي عليه……سامع… ”
عجز شادي عن الرد وظل يحدق فيه بعدائيه
فأبلغ سليم رسالةٍ لمن شنت عليه الحرب دون
وجهة حق…..
“كيان خط أحمر…وبلغ اللي بعتاك ان سليم الجندي
لما بيخرج حد من حياته صعب يرجعه تاني..ولو عمل
اي بالذي……”
ثم تركه بغضب واتجه الى دراجتها الهوائية الملقيه أرضا..حملها ووضعها في حقيبة السيارة من
الخلف… ثم استقل مقعد القيادة وانطلق بها بعد لحظات دون ان يعرها اية إهتمام يذكر وكانها
طيفٍ !!…
أوقف السيارة بعد ان صفها في مكانا شبه مقطوع حتى يتمكن من التحدث معها وافراغ ما يعتمل في صدره…
فحديث شادي مزال يتردد في أذانه كالرعد في ليلة
عاصفة مظلمة تماثل مشاعره الان الثائرة نحوها…
تقدم شادي لطلب يدها منذ أيام؟! بينما هي تتجاهله كذلك في تلك الأيام بعد ان اعترف بحبه لها؟!…
مزال لا يفهم ماذا تريد… هل تعبث معه…. هل حقا هي على دراية بما تفعله به الان……
انه يحترق من شدة الغيرة عليها.. لم يغار على أمرأه بقدر غيرته الان عليها…. يريد وضعها في قفصا مذهب ولا يراها سواه ، شعور ساديا مغلف بالانانية يتخطي المنطق لكن عنوة عنه يقع فريسة للغضب…. وعلى سيرة المنطق هل كانت قصتهما منذ البداية تحمل هذا المنطق !!…
احبها وهو يرتدي خاتم اخرى…. كانت تعمل لديه لأشهر ولم يعترف بهذا الحب إلا عندما هاجرته ورحلت…متجردة من شعور الذنب…..
رأت ارتباطه بأخرى وعاشت جزءًا منه ولم تتوقع ان تكون الحبيبة الثانية له بعد ان هجر الأخرى لسوء اختياره لها والذي اكتشفه مؤخرًا بعد ان كن مشاعرٍ خاصة نحوها..
لم يكن المنطق بينهما يومًا…حتى كلاهما لم يتوقعا ان يكونا عاشقين لبعضهما ؟!….
فتح باب السيارة وخرج منها أمرا اياها دون
النظر إليها…..”انزلي…..”
رمشت بعيناها بتخوف وقد زحف الهلع لقلبها بتدريج واضطربت خفقات قلبها أكثر من اللازم حتى كادت ان تصل للعنان وهي تراقبه بعينين جاحظتين مترددتين…
كان يقف يوليها ظهره باعصاب مشدودة بالغضب المكبوت….خفق قلبها كأرنب مزعور وهي على دراية
بان شادي اخبره بطلب الزواج منها حتى يستفزه ويشكك في اخلاقها امامه وها هو قد نجح في ذلك بجدارة….
فرؤية وجهه طوال الطريق والصمت المهيب أشياء لا تبشر بالخير أبدًا… بل هي إشارة إنذار لكي تاخذ حذرها منه وتقر بكل شيءٍ دفعة واحده….
خرجت من السيارة وهي تسحب أكبر قدر من الهواء البارد لرئتيها لعله يبرد لهيب قلبها لتجد فجأه نفسها تسعل من شدة الهواء الملوث بالاترابة التي استنشقته……
حانت منه نظرة عليها بعينين متجهمتين…. فاشارة له
بابهامها وهي تحاول التخفيف من سعالها الشديد…
“لا تمام…. هخلص وهاجي…..”
“وليكي نفس تهزري….” خطى سليم نحوها ومالى على مقعده واخرج زجاجة ماء واعطاها لها….”خدي…”
اخذتها منه بابتسامة
مرحة…
“ياخد عدوينك……. شكرا…”
استقبل ابتسامتها بتجهم أكبر…فتلاشت الابتسامة وهي ترفع زجاجة الماء وترتجف منها القليل امام عيناه القاتمة…..
فابتعد مجددًا وانزلت هي زجاجة الماء واغلقتها وعيناها معلقة عليه…..
ثم تقدمت بعدها منه وقالت دون مقدمات…
“انا مكنتش أعرف انه جاي يتقدملي….انا لقيته في بيتنا في نفس اليوم اللي خرجت فيها من مكتبك..”
التوى فكه بتشنج ملحوظ….فتابعت كيان
بتوجس….
“قابل بابا…و قاله اننا بنحب بعض ومتفقين على الجواز…..”
أدار سليم راسه اليها كسهام حادة…فقالت
بتلعثم…..
“بيكدب طبعا…انا مشفتوش غير مرتين….”
ضيق حدقتاه….. “مرتين؟!…”
بللت شفتيها معترفة…..
“اول مرة في مكتبك وتاني مرة صدفه في النادي ***ساعات بروح هناك مع صحابي…”
سالها بغيرة….”واتكلمتوا في إيه وقتها…”
هزت كتفها ببراءة قائلة…..
“ولا حاجة خبط فيا فاعتذر وعرفني عن نفسه
وقتها…”
عاد ينظر امامه والغضب مرتسم على محياه
فسالها بوجوم…..
“وياترى كان ردك اي على أهلك لما طلب إيدك….”
قالت ببلا تفكير…. “قولتلهم ادوني وقت أفكر…..”
اتسعت عيناه بالغضب والصدمة وهو يرمقها
بقوة…..فقالت بتخوف مصححة…
“ماهو انا لو كنت رفضت وعندت كان زماني حرم شادي عـ….”
“اخرسي ياكيان….”بتر جملتها بصرامة…..
فزمت شفتيها معاتبه إياه….
“بتكلم كده على اساس انك متعرفش عثمان الدسوقي وكاني محكتش حاجة عنه قبل كده..”
رفع سليم حاجبٍ مستنكرًا…..
“وانتي بقا كنتي مستنيا لم اشوفك مع زفت الطين ده عشان اعرف الحكاية كلها….لا وكمان مختفيه
من اخر مرة اتكلمنا…..”
مطت شفتيها بعنفوان…
“كان لازم أبعد شوية عشان افكر صح….”
سالها بتهكم….
“وياترى كنتي بتفكري في مين فينا..”
قالت ببرود….. “انتوا الاتنين….”
جز سليم على اسنانه يكبح جنونه
عليها وهو يقول…..
“حد قالك قبل كده انك انسانه مستفزة….”
قالت بأسلوب كياد….
“للأسف انت أول واحد قليل الذوق يقولهالي…..”
نظر لها سليم نظرة ارعبتها فابتلعت الباقي
من حديثها قائلة بتراجع……
“ماهو أصل مفيش حد بيسأل السؤال ده….”
هتف بسخط….
“لازم اسأله لانك لو كنتي ناويه ترفضيه كنتي عملتيها من الأول….”
زمجرت بقلة صبر…. “ماقولت ماينفعش….”
قال بتهكم…. “بس كان ينفع تقوليلي….”
عقدة ساعديها امامه صدرها بتبرم….
“كان لازم اتصرف انا مش عجزة اني اوقفه عند حده….”
اخرج سليم ضحكة صغيرة خالية من المرح….
“اه.. واضح فعلا انك وقفتي عند حد.. انا جيت وشوفت بنفسي….”
جزت كيان على اسنانها وهي تقول
بعصبية…
“انا كنت ناويه اديلو بالجزمة بس انت ادخلت..”
اشاح سليم وجهه عنها بغضب وخيم الصمت عليهما
وهما يقفا جوار بعضهما ينظرا للأمام بمشاعر متخبطة بين الغضب والغيرة.. واخيرًا الحيرة….
سحبت كيان نفسًا طويلا ثم قالت دون مقدمات
كثيرة مختصرة الطريق عليها وعليه…
“انا موافقة ياسليم…..”
سالها بصفاقة… “على مين فينا…..”
عيل صبرها فهتفت بغيظ….
“اي الغلاسة دي.. ليه مدخل نفسك في مقارنه معاه..”
اجابها ببرود..” على حسب ردك سألتك….”
زفرة عدة مرات بوجوم….
“مش هنخلص بقا….. هوضح اكتر انا موافقة على الجواز منك ياسليم…. كده وصلتلك….”
القى عليها نظرة قاتمة…فازدردت ريقها قائلة
بتراجع….
“ياسليم بلاش البصه دي…انا عارفه اني غلط لما خبيت عليك… بس انا كنت مفكره اني هقدر اتصرف….. ”
زمجر من أسفل أسنانه بسطوةٍ…..
“بلاش تصرفي تاني من دماغك..من هنا ورايح لازم تشاركيني كل حاجة تخصك زي مانا هعمل
معاكي….اتفقنا….”
اومات براسها بطاعة…
“اتفقنا… مش زعلان صح….”
قال بخشونة دون تبسم….
“ممكن تصلحيني…بطريقة….”
رفعت حاجبها بشك…. “واصلحك إزاي بقا…”
ازداد وهج العبث في
عيناه….
“والله انتي وذوقك بقا….”
تلونت شفتيها بابتسامة صفراء ثم مدت يدها وقرصة وجنته بخفة قائلة باستفزاز….”متزعلش ياجميل….”
جز على اسنانه وهو يبعد يدها هاتفًا
بتوعد…
“الصبر حلو ياكيان…..”
توردت وجنتيها لكنها ادعت
الغباء…
“فعلا الصبر مفتاح الفرج…..”
فسالها سليم….. “هاجي اتقدملك امتى….”
“حدد انت المعاد اللي تحبو…” قالتها بفتور متناقضا مع خفقات قلبها العالية…
اشترط عليها قائلا بحزم…..
“بس عشان نبقا متفقين…. انا هتجوزك علطول مش هعمل فترة خطوبة….”
ابتسمت من زاوية واحده ساخرة….
“ليه بقا… خايفه في فترة الخطوبة تغير رأيك…”
ابتسم مثلها قائلا ببرود…
“لا وانتي الصدقه خايف انتي اللي تغيري رأيك
وتندمي…”
هزت راسها وهي تشيح بعيناها عنه…
“انا عمري ما ندم على قرار خدته.. حتى لو طلع
غلط….”
شعر بنصلٍ حاد اخترق صدره في لحظة غدر
لذا سالها بعتاب….
“وانتي شايفه ان اختيارك ليا هيكون غلط….”
لم تنظر اليه بل قالت بغيرة…
“مش بظبط بس انا مش مصدقه انك قدرت
تنساها…”
هز راسه بعدم تصديق ساخرا من
فكرها…
“لو مش ناسيها ليه هتقدملك؟!…. ولي هقولك اني
بحبك… بتسلى بيكي في الحلال مثلا !….”
قالت بحماقة….. “يمكن عايز تنساها بيه….”
ضحك سليم ضحكة صداها كان يؤلم قلبه
وقلبها في نفس الوقت ؟!..وعندما تلاشت
الضحكات القاتمة قال……
“دمك خفيف…..انتي مينفعش تكوني بديل لحد ياكيان….”
قالت متخصرة بغضب….
“ليه بقا…نقصه ايد ولا نقصه رجل…..”
تافف بضيق مستاءًا من تفكيرها المحدود
لذا قال بنزق….
“نقصه عقل…..امرك عجيب….عايزه إيه اكتر من اني بحبك وعايزك في الحلال… اي اللي يثبت اني مش ندل ولا بتسلى بيكي…. ”
توترت وهي تنكر الحقيقة التي تسيطر
عليها معه…
“انا مقولتش انك ندل وبتسلى بيا….”
قال سليم بضجر…. “كلامك بيقول كده…”
قالت بغصة مختنقة…. “انا بس عايزة اطمن….”
تجرأ ومسك كتفها وادارها إليه وعيناه تعرف
طريقهما لفيروزيتين مشتعلتين بالحياة…حياةٍ
بمثابة وطن يود الإستيلاء عليه !…..
همس لها بصوتٍ معذب….
“قوليلي اطمنك إزاي…..انا مش عايز ارجع لنقطة الصفر تاني….اطلبي اللي يرضيكي….”
اختلج قلبها بين اضلعها بقوة فقالت بضياع
امام سطوة عيناه النافذة….
“مش عارفه….مش عارفه ياسليم…..”
اتكأ سليم على كتفيها بخفة قائلا بصوتٍ
أجش عميق….
“انا بحبك ياكيان….بحبك وعايز اكمل عمري معاكي
بلاش تصعبيها علينا…ادينا فرصة نقرب من بعض أكتر….من غير عناد واستفزاز….خليكي على طبيعتك معايا..”
رغم الضعف الذي انتابها بقربه وضياعها مع
أوتار كلماته المعطرة بالحب….إلا انها قالت
بتبرم….
“على فكرة دي طبيعتي….”
ابتسم قائلا بدهشة….. “دي تبقا كارثة….”
انكمشت ملامحها بحزن…”انا كارثة ياسليم….”
ابتسم بجاذبية ودللها قائلا….
“أجمل واحلى كارثة دخلت حياتي….”
زمت شفتيها مستهجنة….
“وانت شايف نفسك كده رومانسي؟!….”
أكد ولم تزول البسمة على محياه…
“تقريبا….”
اهتزت حدقتاها بخجل وهي تشعر بكفيه
مزالان متعلقان بكتفيها…..
“ابعد إيدك دي…..ممنوع المس يا أستاذ…لم نكتب الكتاب الأول…..”
نزع يداه بهدوء قائلا بنظرة خبيثة…
“لما نكتب الكتاب مش همسك إيدك اصلا….”
نظرت لعيناه فرأت المعنى الحقيقي للوقاحة
فقالت بضيق وهي ترجع للخلف خطوتين….
“بطل قلة آدب….وروحني حالا…. ”
اقترب منها سليم الخطوتين الفاصلة بينهما
واصبح امامها مباشرةً…….فارتبكت كيان
وخفق قلبها بتخوف فرفعت عيناها
عليه لتجده في اللحظة التاليه يميل
عليها….همست بوجل….”سليم….”
وجدت شفتاه الدافئة تطبع قبلة خاطفة على وجنتها الممتلئة الشهية تلك التي تذوقها مررا في مخيلته….
اغمضت عيناها بضعف وذابت اعصابها في جمال اللحظة……
بينما نداها سليم بعد ان ابعد
شفتاه عنها….”عصفورتي….”
فتحت عيناها ورمشت عدة مرات بوجنتين
متوردتين بجمالًا لم يغفل عن رؤيته….دفعته
بعيدًا عنها قائلة بارتباك…..
“على فكرة انت اتخطيت حدودك اوي……”
جرت الى السيارة تختبئ بها بوجها أحمر كطماطم الناضجة…..اما هو فوقف ياخذ أنفاسه الحارة واحده
تلو الآخر يهدئ من جنون اللحظة وروعتها….وكانه لأول مرة يقبل أمرأه ؟!!…
وكان الحظة هيئة قلبٍ جديد يستشعر الحميمية لأول مرة مع من يحب ؟!……
……………………………………………………………
يتمايل خصرها على أوتار الموسيقى الصاخبة، يعرف طريق الاستمتاع ، يتغنج في السير ، يتدلل في الميل..لا يقاومه سحرٍ بل يفتن الاوتار عند الخطى..
عندما انتهت الموسيقى الصاخبة القت جسدها على الفراش بتنهيدة متعبة وقد تجمعة حبات العرق على جبينها…. فنزعت الوشاح المربوط على خصرها ومسحت جبهتها ثم عادت تنظر للسقف وهي تهدى
وتيرة انفاسها العالية…..
حيلة تتبعها منذ سنوات هو ان تتجه الى الرقص عندما تشعر بالغضب والملل أو ان يداهم عقلها أفكار سوداوية فتلهي عقلها برقصة شعبية على اوتار صاخبة….
زمت شفتيها وهي ترفع الهاتف الى وجهها بحنق…
لماذا لم يتصل حتى الآن؟!… أيامًا وهي تنتظر
اتصالا حقيقي منه لكنه يتجاهلها عمدًا فتضطر
هي الى الاتصال به ولا تقل مدة المكالمة بينهما دقيقتين ثم يغلق متحجج بالعمل وانه وسط
صبيانه….
دخلت أمها الغرفة ونظرت الى نومها بعرض السرير
ووجهها الأحمر وانفاسها المتهدجة السريعة…فقالت وهي تمصمص شفتيها بتعجب…..
“ياترى طلع بعد الزار اللي عملتيه ده ولا لسه…”
ابتسمت داليدا وهي تنهض جالسه على حافة
الفراش مستنكرة جملة امها التي تقولها دومًا
عندما تبدأ بالرقص والجنان بغرفتها وحدها….
“نفس الجملة ونفس النظرة… اتغيري شوية ياسهير
مش عارفه ليه مستغربة اللي بعمله…. هو انتي مش لما بتبقي مضايقه مش بتفكي عن نفسك شوية وترقصي على اغنية حلوة….وتروشني كده… ”
حركت سهير شفتيها يمينا ويسارًا بتحسر….
“انا اعرف اللي بيبقا مضايق ومخنوق بيصلي بيسمع
قرآن بيقرب من ربنا…. مش بيسمع طبل وزمر ويقعد يتنطط زي الملبوسين..”
اتسعت عينا داليدا مستهجنة….
“ملبوسين؟!… دا انا أحسن واحده بترقص في العيلة كلها..”
اكدت امها بتبرم…..
“ماهما ياحبيبتي مسمينك رقاصة العيلة…. مفيش فرح بنحضره غير لازم يطلعوكي على المسرح
تحيي الفرح….”
وضعت داليدا يدها على صدرها تدعي
الصدمة….
“دا اي ذبح الخواطر ده….. جرا ياسهير….”
همست امها بنظرة محذرة….
“وطي صوتك يابت… عمتك وبنتها برا….”
حركت داليدا بؤبؤ عينيها بدهشة…
“ياساتر يا رب….. واي اللي جابهم علينا دول….”
لوت امها شفتيها قائلة بضيق مكتوم….
“لما عرفت انك قاعده معانا الكام يوم دول جت
تطمن…. تشوفك اطلقتي ولا لسه….”
شهقة داليدا متوجسة….. “احيه هي قالت كده….”
قالت امها بوجوم…..
“من غير ماتقول دي وجيدة…وانتي عارفه وجيدة..
الحنية وزيارات دي مش لله…”
“انا مش طالعه….”قالتها داليدا بحنق….
بينما قالت امها بأمر…..
“مينفعش ابوكي قالي نديها….البسي حاجة حلوة
كده واربطي شعرك ده متسبهوش مفرود كده..هروح
اجبلهم حاجة يشربوها….. “ثم خرجت امها تغمغم
بعدم رضا….
“هعمل اي بس…..ربنا يعديها على خير…”
بينما رفعت داليدا هاتفها تنظر إليه بضيق
مكتوم……
“ماشي ياسلطان خليك تقلان وانا كمان مش
هرن عليك….. ”
وقفت امام المرآة تتأمل قوامها الغض المشدود ومفاتنها الصغيرة البارزة بتغنج…..شعرها الأسود
الناعم الكثيف والذي يتأرجح على ظهرها بدلال
ملامحها الصغيرة المنمنمة شفتيها الحمراء
الناضجة كثمرة التفاح…… بشرتها البيضاء
الامعة وعيناها السوداء المشعة بالشقاوة
والدلال….
ابتسمت برضا لصورتها المنعكسة في المرآة ثم اعطتها قبلة في الهواء…فمرت امها من جوار
الباب قائلة…
“بلاش تبصي كتير في المراية يابت هتتلبسي..”
تاففت داليدا بضيق وهي تفتح خزانة ملابسها
قائلة بملل…. “انا هروح شقتي امتى؟!….”
………………………………………………….
ضحكت وجيدة قائلة بمحبة…
“الله يحظك ياناصف ياخويا….ضحكتني….”
ابتسم ناصف وهو يربت على كتفها…
“نورتي بيت اخوكي يا اختي…. بس انا زعلان
منك فين وفين على ما بشوفك…..هي سهير
مزعلاكي ولا إيه عشان كده مبترضيش تيجي تزوريني…..”
رمشت العمة وجيدة بعيناها ببراءة قائلة
بنفي…..
“لا لا متقولش كده ياخويا.. بس انت عارفني.. مبحبش اتقل على حد.. ولا احشر نفسي في حياة
حد…. بحب اكون في حالي….برضو البيوت أسرار ”
عقد ناصف حاجباه مستنكرًا….
“اسرار إيه بس ياوجيدة يا اختي هو انتي غريبة عننا..”
شعرت وجيدة بالراحة بعد جملته فنظرت لابنتها
هدى الجالسة جوارها وقالت بأمر….
“بت ياهدى… روحي ساعدي مرات خالك في المطبخ…”
نهضت هدى بطاعة قائلة….. “حاضر ياماما….”
بعد ان ابتعدت ابنتها مالت على اخيها
هامسة بلؤم….
“بما اني مش غريبة يا اخويا….ليه مخبي عليا ان بنتك جيالك غضبانه….”
انكمشت ملامح ناصف بصدمة…. “غضبانه؟!…”
همست وجيدة بدهاء…..
“احكيلي وفضفض يا أخويا… هتلاقي مين يشيل عنك غيري…. اكيد اكيد امها اللي مقويها على جوزها… مانا عرفاها ياما قهرتك وشيلتك
فوق طاقتك….”
لم يرد ناصف فتابعت وجيدة بحقد…..
“فاكر… فاكر لما غارت مني ومن شبكتي واشترطت
عليك تجبلها سلسلة( ماشاء الله) زي اللي كان
جيبهالي المرحوم جوزي الله يرحمه..كانت عينيها هتطلع عليها وقتها…ومرتحتش غير لما جابت
زيها… ”
هز ناصف راسها باستياء….
“محصلش ياوجيدة يا أختي…كذا مرة أقولك ان السلسلة كانت عندها من قبلها بسنة كُنت جيبهالها هدية…”
مصمصت وجيدة بشفتيها متمتمه….
“بلاش دي فاكر طقم الصيني اللي كسرتهولي بالعند..ساعة ماكُنت ولده هُدى…..”
زفر ناصف قائلا لاخته بعتاب….
“لا حول ولا قوة إلا بالله…. يا اختي دا هما طبقين صيني وقعه منها ساعة ما كانت بتغسلك المواعين
وبعدين طبقين إيه اللي فكراهم لها…وناسيه خدمتها
ليكي قبل ولادتك وبعدها….دي كانت بتبات جمب فرشتك يا وجيدة… ”
رفعت يداها الاثنين مهلله بتجبر….
“واجب عليها ياحبيبي…دا انا اخت جوزها..يعني
حماتها…ولا عشان امك ماتت خلاص ملهاش حما…. ”
ربت ناصف على كتفها بقلة صبر….
“اهدي يا وجيدة يا اختي…وصلي على النبي..”
ادعت انها تجفف دموعها وقالت بمكر
الثعالب…
“عليه افضل الصلاة والسلام…يااخويا انا مش بكرهه
ولا بشيلك منها لا سمح الله….انا بس بفضفض معاك
ما انت عارف من بعض المرحوم..مبقاش ليا حد انا وبنتي يتامى….”
قال ناصف بحنان….
“انا موجود يا اختي..ولي تعوزيه رقبتي ليكي..”
ابتسمت وجيدة قائلة بمحبة….
“تسلملي يا ابن امي وابويا….تعرف ياناصف…انا بعزك
عن عبد القادر قولي ليه…..”
سالها بريبة…. “ليه يا اختي…”
قالت بأسى وكانها تعاني من ظلم العالم
لها….
“عبدالقادر بينصف مراته عليا…ميحبنيش اعاتبها يا ناصف يا اخويا….قال إيه خايف من السكر والضغط يعلو عليها….”ثم مسكت حقيبة يدها واشارة عليها
بحسرة……
“عيني عليا ماشيه بشنطة الأدوية….ومفيش حد بيخاف على زعلي…..كلمة تقهرني وكلمة تحسرني
ولا ليا حد اشتكيلو ولا حد يا اخُدلي حقي….”
ثم انحنت تغطي وجهها بيدها الاثنين…
فسالها ناصف بقلق عليها…..
“مين بس يا اختي اللي زعلك وقهرك أوي كده..”
نظرت له من بين اصابعها قليلا….ثم ابعدت يداها
عن وجهها قائلة وهي تئن بالوجع….
“انا لا قايله ولا عايدة عشان متقولوش عليا بقوم الدنيا على بعضها….هسكت احسن…..وربنا قادر يجبلي حقي منكم…. ”
قرب ناصف راسه نحوها مشدوهًا… “منكم ؟!…”
اتسعت عيناها بخوف ثم غمغمت بتقهقر….
“اسم الله عليك يا اخويا هو انا ليا غيرك…..قصدي من اللي ظلمني يعني…”
دخلت سهير اليهما تحمل صنية المشروبات
ومعها هُدى تحمل اطباق الحلوى…..فقالت سهير
بحفاوة….
“نورتينا يا ام هُدى… عملتلك عصير جوافة… عرفاكي
بتحبيه…. ولقيت عندي صنية جلاش حلوو قولت لازم ادوقك منها…..يارب تعجبك… ”
“تسلم ايدك يامرات اخويا….” قالتها وجيدة بابتسامة
صفراء وهي تاخذ قطعة من الجلاش…وبعد ان اخذت قضمة منها ارجعتها للطبق قائلة بتكبر….
“اي ده ياسهير… دا ناشفه يا اختي….كلته ازاي
ده يا ناصف…..” نظرت لاخيها بلؤم…
بينما قالت سهير بإبتسامة فاترة تخفي
خلفها شتائم نابيةٍ……
“ياحبيبتي لازم يكون مقرمش شوية….”
قالت هُدى ببراءة…..
“بصراحة يامرات خالي جميل اوي تسلم ايدك..
ابقي اديني الطريقة بقا….”
نظرت وجيدة لابنتها شاعرة بطعنة غدر…
“شوف البت…. تاخدي طريقة اي ياهُدى ليه امك عويله ولا إيه….”
تدخلت سهير تلطف بينهن….
“مش قصدها ياحبيبتي…كلنا عارفين نفسك في الأكل….. دا انا متعلمه الطبيخ منك…”
لوت وجيدة شفتيها بتبرم…..
“متعلمتيش صح ياسهير… مش باين خالص اني علمتك حاجة من صُنع ايدي…”
تدخل ناصف يغلق الحوار……
“خلاص ياجماعة حصل خير… تسلم ايدك ياسهير… ما انتي عارفه وجيدة ملهاش في الحلو….”
دخلت عليهم داليدا بعباءة بيتي انيقة ولفة شعرها للخلف في لفة مهذبة….استقبلتها وجيدة بإبتسامة
ودوده…….
“أهلا يا داليدا….. عامله إيه ياحبيبة عمتك….”
عانقتها داليدا بسلام
فاتر….
“بخير ياعمتو….نورتينا….”
ابتعدت وجيدة عن ابنة اخيها وقالت مؤنبة
إياها وهي تربت على كتفها..
“كبرتي ياداليدا وبقيتي بضايفيني في بيت
اخويا….”
توسعت عينا داليدا بدهشة من هذا الهجوم المبالغ
فيه….فتدخلت سهير تقول بملاطفة….
“مش قصدها يا ام هُدى دا انتي صاحبة بيت…”
اكدت وجيدة وهي تجلس على الاريكة
بتملك….. “طبعا دا بيت أخويا….”
مالت داليدا على امها سائلة
بارتياع….
“هي مالها يا ماما….”
اجابتها سهير بزفرة مستاءة……
“عمتك وجيدة….مش جديدة عليكي يعني طول عمرها بتدور على المشاكل بملقاط…..”
“مم….ربنا يعديها على خير….”قالتها داليدا ثم اقتربت من ابنة عمتها قائلة…..
“عامله اي ياهُدى….”
سلمت عليها هدى بابتسامة فاترة….
“الحمدلله ياداليدا انتي اي اخبارك وسلطان عامل إيه……”
قالت داليدا وهي تجلس على مقعد بالقرب
منهم….
“الحمدلله هو مسافر القاهرة عنده شُغل…وسبني اقضي الكام يوم دول مع أهلي….عشان من ساعة
جوازي مجتش زورتهم….”
رفعت وجيدة حاجباها مغمغة بسواد…..
“والله في الخير ياحبيبي… ابن أصول وطيب زي
امه….دا انا قولت انك غضبانه….”
هتفت سهير سريعا بحنق…..
“كفى الله الشر….دي كلمة تتقال في وش البت ياوجيدة….”
قالت وجيدة بضجر…..
“الله في اي ياسهير بطمن عليهم انا غلطانه….”
تمتمت سهير بتجهم وهي تنظر اليها بطرف
عيناها….
“اطمن ياحبيبتي مفيش مشاكل ولا حاجه…هما زي السمنه على العسل ربنا يخليهم لبعض….”
“ربنا يديم المحبه بينهم…..هو انا أكره….” قالتها وجيدة وهي تمط شفتيها بقرف…
فهزت داليدا راسها بسأم وهي تعبث في هاتفها فوجدت رسالة قصيرة من سلطان تحتوي على كلمتين فقط…..اثلج بهم نيران صدرها ولوعة
قلبها…
(وحشتيني يا دودا….)
………………………………………………………….
اغلقت الباب عليها ورفعت الهاتف على اذنها وعندما فتح الخط سمعته يقول بلهفة….
(وحشتيني يادودا….وحشتيني يابت….)
خفق قلبها بشدة مؤلمة رغم لذة الشعور..فعضت على
باطن شفتيها وهي تتسطح الفراش على بطنها…ثم
رفعت ساقيها وبدات تأرجحهم بدلال….
“يسلام باين اوي اني وحشتك ياسلطن…بامارة ان انا اللي بتصل بيك من ساعة ما سفرت….”
ضحك سلطان بخشونة على الناحية الأخرى
ضحكة افتتن بها قلبها المشتاق….وقال
(سلطن؟!… مش بقولك وحشاني….)
قالت داليدا بحرارة…
“وانت كمان وحشتني اوي أوي….”
سالها مندهشًا…(بجد وحشتك….)
اكدت بحرارة الاشواق….
“اوي ياسلطان….. اوي… قولي هترجع إمتى…”
قال سلطان بابتسامة عابثة….
(زهقتي ولا إيه…. دا انتي قاعده من الحبايب…)
قالت داليدا بتزمر انثوي لذيذ…..
“ما انت من ضمن الحبايب… وعايزه قعد معاك انت
كمان…..”
قال سلطان برفق…..(كلها كام يوم وارجع…)
عادت تسأل بالحاح….. “أيوا.. امتى يعني….”
(لسه مش عارف…..بتعملي اي من غيري…)
غير مجرى الحديث بسؤال فضولي فقالت
داليدا بتململ وهي تلف خصله من شعرها
حول إصبعها النحيل…..
“ولا حاجة باكل وبقعد قدام التلفزيون وساعات بقعد مع بابا وماما… واخواتي جم قعده يومين معايا وبعدين روحوا…..”
همهم سلطان قائلا…..
(نسأل الاسئلة المهمة…..عايزاني اجبلك معايا اي
وانا راجع…..)
زمت شفتيها مفكرة…
“مش عارفه بصراحة…. ممكن اي حاجة بتتاكل…”
ضحك سلطان مستاءا…..
(مفيش فايدة فيكي كل حاجة أكل….)
شاركته الضحك قائلة بتأكيد…..
“لا وماما بقا متوصية بيا الكام يوم اللي فاتو..بط
وفراخ…. محمر ومشمر وطواجن وحلويات
وهيصه……”
سألها بوقاحة….(على كده تخنتي شوية….)
اجابة ببراءة…”لا طبعا زي مانا سمبتيك….”
دللها قائلا بشقاوة….(وانا بموت في سمبتيك…..)
عضت على شفتيها بخجل… ثم غيرت هي
مجرى الحديث…
“صحيح…. عمتك وجيدة هنا وبنتها…..”
سالها مستفسرا….(على كده طلعتي سلمتي عليهم.)
اكدت بشفاه مقلوبة….
“طبعا طبعا…. هو انا أقدر دي اوامر الحاج ناصف…”
(يعني مش بتعملي حاجة من نفسك…)قالها بعد ان تنهد بسأم….
اكدت باستفزار……. “لااااه….”
همس همسا أجش ثائر العواطف….
(تعرفي لو شوفتك هعمل فيكي إيه….)
توردت وجنتيها وادعت الغباء….”اي هتضربني…”
أنكر بمراوغة…. (حاجة أحلى…..)
ازداد تورد وجهها وذابت اعصابها بضعفٍ من مجرد
التخيل…. فقالت بحنق….”بطل قلة أدب….”
ضحك سلطان قائلا بعبث….
(احلى حاجة ان لغة الحوار بينا مفهومه…)
أكدت لكي تحافظ على ماء وجهها أمامه….
“مفهومة عشان انت ابن عمي…. واعرفك
وفهماك اكتر من امك وابوك….”
فقال سلطان بنبرة غريبة….
(انا بقا فهمك اكتر من نفسك…)
ظلت داليدا تعبث بخصلة شعرها
وهي ترفع حاجبها بمكر…..
“لو كلامك صح… انا بفكر في اي دلوقتي….”
قال بزهوٍ…..(اكيد فيا….)
ضحكت مؤكده بحب….
“صح ياسلطن…. بفكر فيك انت…”
تنهد بحرارة قائلا بسعادة….
(ياوعدي…..دا لازم الواحد يسافر علطول…)
زمجرت فيه قائلة بعدم استحسان….
“اياك ياسلطان… كفاية أسبوع بحاله بعيد عني
إياك تسافر تاني…. على فكرة بقا المرة الجايه
انا هاجي معاك…”
(ياريت ينفع…)
قالت داليدا بجدية شديدة…..
“هينفع.. اي يعني نأجر شقه في الكام يوم اللي
انت قاعد فيهم عادي يعني….”
اندهش من هذا الاصرار في صوتها
فقال…
(لدرجادي ؟!… انتي بتكلمي بجد….)
اومات وهي تقول بعفوية
لذيذة….
“امال بهزر…. بجد وحشتني….”
(وانتي وحشتيني أوي….هموت واخدك في حضني
يا داليدا…..)هتف بها بحميمية…..
فخفق قلبها بقوة وهمست بلوعة الحب….
“بعد الشر عليك….بجد حاول تخلص شغلك
بسرعة….. وتيجي على أول الاسبوع ….. ”
(هشوف…سبيها على الله….المهم كنت عايز
اقـولـ……
اطلقت ضحكتها الرقيعة المشعة بالانوثة وقد
طالت الكلمات والهمسات بينهما لاربع ساعات متواصلة على الهاتف حتى غفت على صوته ليلا
من شدة التعب….
وكانت تلك أول مكالمة عاطفية بينهما !..
قد أقسمت ان الهوى لم يكن إلا لك ، وان الحب
في قلبي نبع في حَضْرتك ، وانت في حضرة
الهوى سلطانًا….
………………………………………………………….
كانت تجلس على المقعد بقلب المطعم ليلا في وقت المغادرة حيثُ بدا الجميع يهم بتنظيف المطبخ قبل الإغلاق، بعد يوما طويل وشاق في العمل….
ظلت مكانها تعبث في الخاتم الالماس في اصبعها
بشرود وملل…حتى اتى من تجلس هكذا بانتظاره..
تنحنح عاصم بخشونة وهو يدلف اليها بكامل اناقته
حيث الحلة السوداء الأنيقه(الفرومال..)بدون ربطة عنق….رجلا أنيق شامخ الطول يشع رجولة ووقار…..
أحيانًا تفقد صوابها وتظل تحدق فيه بشدة كالمعاتيه…وكانه ظاهره كونية نادرة
الوجود بنسبة لها ؟!…..
لكن ماذا عليها ان تفعل ففي حضرتهُ ينقلب
حالها راسا على عقب.. فقلبها يرفرف بشدة كطائر
سجينًا ، اعصابها تنصهر فجأه دون سابق إنذار…
اهدابها تتحرك بسرعة بصورة بلهاء..وعيناها تلألأ
فجأه كشهابٍ ذهبي يلمع في سماءٍ عاتمة…والشفاه
تعرف طريق الإبتسامة الخاصة لمعشوقها….
نهضت وهي تقترب منه بخطوات هادئة….فوقف عاصم امامها قائلا باعتذار حاني….
“اتأخرت عليكي عارف…..بس الصـ…..”
اوقفته قائلة بصوتها الموسيقي….
“حصل خير….المهم تكون خلصت شغلك…”
أكد وعيناه تأسر عسليتاها
الامعة…
“اه الحمدلله….كله تمام….يلا بينا….”
“هجيب شنطتي وجايه…”…”قالتها وهي تشير على الطاولة…فقال هو بتفهم….
“هستناكي في العربية…”
ثم ابتعدت….فاتجهت هي للطاولة وأخذت
حقيبتها تقول لخلود بهمسًا…
“خلود…..اقفلي المطعم مع بشير….انا
هروح مع عاصم……”
اعطاتها خلود قبلة في الهواء قائلة
بغمزة شقيه….
“ماشي ياجميل ربنا يسعدكم….”
ضربها نسيم الهواء البارد وداعب الغرة الجميلة
فرفعت عيناها و رأت سيارته عن بعد خطوات..
سارت إليها ثم استقلت جواره على المقعد…ونظرت
اليه فبادلها النظرة قائلا بعينين عاشقتين….
“عامله اي ياست الحُسن…..”
اسندت راسها على المقعد
قائلة بارهاق……
“كويسه…. بس هلكانه اوي وعايزة أنام….”
أدار محرك السيارة قائلا بمرح….
“لا انسي النوم ده خالص… انا ناوي اخطفك ساعتين….”
رفعت راسها عن ظهر المقعد قائلة
بدهشة… “تخطفني…. تخطفني فين بقا….”
اجابها دون النظر إليها….. “خليها مفاجأة….”
إبتسمت شهد مستفهمة…. “بتكلم بجد ياعاصم؟..”
اعطاها نظرة عابرة وهو يقول بصوتٍ
أجش…
“اه ياحبيبتي بتكلم بجد… اربطي الحزام….”
سالته بفضول….
“طب والمفاجاه دي فين بظبط…”
أكد وعيناه معلقة على الطريق… “على البحر…..”
سالته بفتور… “هنبقا لوحدنا….”
قال عاصم بغمزة شقية…..
“أكيد لوحدنا بقولك خطفك…وساعتين يعني اكيد لوحدنا….. شغل عصابات بقا…. ”
قالت بشبه إبتسامة فاترة….
“عصابات؟!…. شكلك جديد في الشُغلانه…”
أردف عاصم بمزاح….
“أول مرة ادُقها والله….اي رأيك… ”
ضحكت شهد فتجاوب قلبه مع ضحكتها الرقيقة نادرة الظهور…ثم قالت شهد مبتسمة…
“يعني….على قدك……”
قال بعبث ذكوري…
“بكرة نخطف الخطفة الكبيرة…”
ضيقت عيناها بلؤم…. “قصدك لما نتجوز…..”
اكد بايماءة بسيطة….فقالت شهد بمناكفة…
“طب ليه النهارده بذات…..”
زم عاصم شفتيه قائلا بغيرة…
“أخوكي كل يوم معاكي ما صدقت ان النهارده مجاش وصلك قولت اخطفك….”
زادت لذة المناكفة لديها لذا قالت…
“لو شغل عصابات بجد كنت خطفتني حتى لو
معايا مين….”
نظر لها عاصم بطرف عيناه….
“اه انتي عايزه الهيبه تروح…..والجوازه تبوظ معاها….”
ارجعت راسها قائلة بروحٍ مرحه تتلبسها معه هو
فقط….
“آه عشان كده لما بيكون حمزة معايا في المطعم بتسلم وبتمشي….”
قال عاصم بنبرة معاتبه….
“ماهو لو ينفع اعمل حاجة اكتر من كده كنت عملتها…..لو تليني دماغك.. وتخليني أكتب عليكي
هنعرف نقرب اكتر من بعض…قدام ربنا وقدام الناس…. ”
ارتبكت من فتح الموضوع من جديد والالحاح
عليه…..فقالت بتحجج…..
“مش دلوقتي يعني معداش شهر على الخطوبة..”
تمتم وهو يوقف السيارة في مكانا هادئ على
البحر مباشرةً….
“براحتك يا شهد انا معاكي للآخر….يلا وصلنا… ”
ترجلت من السيارة تتبعه بالخطوات ثم رفعت عسليتاها على المكان السحري الذي وطأة
قدماها به و ازدهر فجأة….
على البحر مباشرةً وعلى الشاطئ تحديدًا توضع طاولة مستديرة ومقعدين مقابلين لبعضهما….سطح
الطاولة يزين بأوراق من الورد الأحمر…..والشموع المضاءه في الوسط وطبقين عليهم وجبة عشاء..
وأيضًا هناك شموع تزين رمال الشط على شكل قلب كبير بداخلها أورق من آلورد مختلفة الألوان برائحة طيبة تتماشى مع نسيم البحر المالح…..
قال عاصم وهو يمسك يدها
بحب…
“اي رأيك في المفاجأة دي….”
ترقرق الدمع في عيناها بفرح…..وسرى شعور السعادة
الحقيقية بانسياب داخلها…وخفق قلبها متجاوبا مع سعادتها النادرة…..
فأبتسم عاصم بارتياح فإن كان هناك شيءٍ يطمع في
رؤيته هو ان يسعد قلبها بشت الطرق فهو يشعر انها والسعادة ليسوا على وفاق وهذا مسطور في عيناها
دون ان تبوح به !….
ظلت الابتسامة السعيدة على شفتيها تتلألا
كنجوم وهي تخبره بانبهار….
“حلو اوي المكان ياعاصم….. متوقعتش المفاجأة بالحلاوة دي….كان لازم تقولي قبلها على الأقل
كنت لبست حاجة أحلى و تليق على الجو ده.. ”
نظرت الى ملابسها البسيطه فكانت ترتدي بنطالا
جينز وكنزة انيقة واسعة تبتلع حُسن قوامها..
وتربط شعرها الناعم كزيل حصان يتأرجح بدلال
خلف ظهرها والغرة كالعادة تداعبها وتحلي
ملامحها الانثويه الصغيرة…..وعينيها العسليتين كحيلتين بديعتين للمطلع… والشفاه مطلية بحمرة وردية رقيقه بطعم الشهد كما اخبرته يومًا…
قال عاصم بصوت ثائرا بالعشق…
“مش محتاجة تجهزي اكتر من كده انتي كده زي القمر….. أجمل واحلى واحده في عنيا…”
ارتبكت شهد وتخضبة وجنتيها بحمرة الخجل…
فنظراته وكلماته تتوغل لأوصالها فترتجف متجاوبة كالعذراء في أول لليلة حميمية لها وهي مثلها
مزالت في العشق تختبر أبجادياتُ معه؟!…
قال عاصم بعد لحظات من تأمل حسنها
في الصمت…..
“اي رايك نرقص سوا ياست الحُسن….”
انتبهت شهد لصوت الموسيقى الشاعري المنبعث
من أحد الزوايا……فوجدت عاصم يتابع دعوته..
“حلوه الأغنية دي لايقه عليكي….”
رفعت عيناها مبتسمة….
“منير تاني….. انت اي حكايتك مع منير….”
بنظرة تحكي الكثير أخبرها…..
“نفس الحكاية اللي جمعتنا…. بحبه….”
اسبلت اهدابها بحياء واجفلها بكلمةٍ شعرت بانها تخصها وحدها……
وقفا معًا بداخل دائرة الشموع وعلى أوراق الورد
وطاة اقدامهم….. اخذت شهد نفسًا مضطرب وهي تنظر لعيناه بتردد…..
فهما لم يقتربا من بعضهما يومًا بهذا القدر….
وضع عاصم يده على خصرها محتويه بحنان مبالغ
ومسك يدها في كف يده الكبير…. ارتجفت داخليا وشعور دافئ سرى في جسدها….فقاومة ضعفها
وهي ترفع يدها الحرة على كتفه…..
وتمايلا على أوتار الموسيقى واعيناهما تأسر بعضها
بحبٍ جارف……
شعرت بين يداه بشعور حميمي غريب وهما
يتشاركان الموسيقى والرقصه سويًا وانفاسه الرجولية الدافئه المنكهه بعطره الزكي تضرب
وجنتيها بخفة فتصاب بدوار عاطفيًا عجيبا
بين يداه….
به تشعر انها تحلق على أوتار الموسيقى وترقص
على السحاب…..
كانت كلمات الأغنية تتسلل الى الأذان بتناغم بينما الأعين تسطر العشق دون كلمات…..
(صوتك وسط القلوب أنا بعرفه
صوتك مليون كمنجة بيعزفه
صوتك أرق من النايات
صوتك غنى مالي السُكات
صوتك ما فيش أي شعر يقدر حبيبتي يوصفه..)
اغمضت شهد عينيها والموسيقى والكلمات تنقلها لعالم آخر فوجدت عاصم يقبل كفها المحتجز
بين راحته بينما يدهُ الأخرى تجذبها من خصرها
برفق حتى تكون قريبة من أحضانه التي تتلهف لاحتواء جسدها …لكنه يحاول مقاومة هذا الحُسن والرقي بقدر الإمكان حتى لا يُخيفها منه…..
(خليني أصرخ جوه حضنك من الحنان
وكل ما اصرخ زودي الأحضان كمان
إملكيني ائسريني أعبري بيّ الزمان
صوتك أرق من النايات
صوتك غنى مالي السُكات
صوتك مفيش أي شعر يقدر حبيبتي يوصفه..)
ظلت الابتسامه الرقيقه على شفتيها….ام هو فظلت
عيناه العاشقة ترصد اقل حركة وبسمة تصدر منها
حتى قال…….
“عرفتي ليه بحبه…..”
قالت بنظرة ساحرة….
“عشان صوته حلو…..واحساسه صادق….”
قال عاصم وعيناه تأسرها وشفتاه تخصها
بالكلمات….
“وكمان عنيه حلوة….وبذات لما بيبقا مبسوط…بتلمع
من الفرحة….”
قالت شهد بتورد….
“وبعدين بقا….بتحرجني بكلامك ده… ”
“شـهـد…..”نداها عاصم بعد ان هربت من نظراته…
فسرى الدفء في اعماقها وهي تسمعه يقول
بصوتٍ عميق المعاني….
“اوعديني منبعدش حتى لو حصل خلاف بينا…”
عاصم الصاوي بنفسه يطلب منها وعدا محمل
بالرجاء ؟!….
اخذت شهد نفسا مرتجف ثم قالت بصوتٍ
متزن..
“أوعدك منبعدش لو كان للخلاف ده حل….”
اوما عاصم براسه وهو يرفع كفها مجددا يقبلها ببطء
فسرى شعور خطر بالحميمية داخلها….فهمست بضعف “عاصم….”
“قلبي ياشـهـد…..قلبي……”قالها بضعف رجولي أذأب
اعصابها معه ولم تشعر بنفسها إلا وهي في احضانه
بعد ان جذبها اليه واحتواها بذراعيه وهي كذلك
دون كلماتٍ او مبررات، تركت قلبها يستشعر
لذات الحب في أحضان الحبيب….
(صوتك حبيبتي هو بابي على الحياة
لو يتقفل يبقى حلم العمر تاه
إندهيلي اوهبي لي بإيديكي دي شط النجاة
صوتك أرق من النايات
صوتك غنى مالي السُكات
صوتك مفيش أي شعر يقدر حبيبتي يوصفه..)
بعد قضاء ساعتين من أجمل ساعات عمرها..اوقف سيارته اسفل منزلها ثم نظر اليها قائلا…
“هكلمك لما أوصل….”
قالت مبتسمة….. “وانا هستناك…..”انتظر ان تخرج من السيارة لكنها لم تفعل…بل قالت بعد لحظتين
“عاصم…. شكرا….”
عقد عاصم حاجباه…فقالت بحياء انثوي
جميلا في عيناه الشغوفة بها…..
“كانوا أحلى ساعتين قضتهم في حياتي…أول مرة حد يعمل مفاجأة عشاني…أول مرة أرقص سلو
أصلا….أول مرة احس اوي كده بأغاني منير….”
رضت جزءا من غروره بتصريحها
العفوي…لذا قال بزهوٍ…..
“دي حاجة ترضي قنعتي ان تكون أول كل حاجة تعشيها معايا انا…”
لم تعقب شهد بل تابعت
بجذل…
“كمان العشا….كان حلو اوي….”
مط عاصم شفتيه متجهمًا..
“معجبنيش بصراحه….شكلي اتعودت على أكلك…”
قالت ببسمة استياء….
“دا عشان انت موسوس بس….فمقلق تاكل منه..”
أومأ براسه وعيناه تابى البعد
عنها… “باين كده…..”
نظرت من خلال نافذة السيارة وقالت
بهدوء….
“انا اتأخرت اوي تصبح على خير……”
دللها عاصم بعاطفةٍ مشتعلة…..
“وانتي من أهل الخير ياست الحُسن والجمال..”
ضحكت شهد قائلة بسخرية….
“والله انا شكلي هاخد على الدلع ده….وبعد كده
مش هلاقي منه بعد الجواز….”
قال عاصم مباشرةً دون تردد…..
“الدلع في فترة الخطوبة نظري….بس بعد الجواز هيطبق عملي فا هيبقا عملي ونظري مع بعض…..”
لم ترد شهد على الفور…بل قالت بعد
لحظات….
“شكلك كنت بتحب العلوم….”
رفع حاجبه متشدقًا…
“هو ده اللي فهمتي من كلامي ؟!. ”
ازداد توهج وجنتيها وهربت من عيناه الثاقبة
عليها فضيق عاصم عيناه بخبث هامسًا….
“انتي لئيمة أوي…”
قالت بشبه إبتسامة خجولة….
“احسن ما أكون وقحة….تصبح على خير… ”
فتحت باب السيارة وخرجت منه وخلفها ارتسم
على محياه أجمل واجذب ابتسامة لرجلا عاشق
بكل جوارحه….
فلوحت له بيدها بخفة ثم اختفت بداخل المبنى
مستقلة المصعد….
فتنهد عاصم وهو يدير محرك السيارة ويهم
بالمغادرة…..
القلب ثمل في غرامك ، فبات متيم بكِ حبيبتي فكوني دومًا على وصال معهُ ، وإياكِ والخداع ؟!..
………………………………….
دخلت شهد الى الشقة فاستقبلتها كيان مهلله وهي
تلوح بعلبة المجوهرات بين يداها….
“اي رايك بقا…قبل المعاد كمان….”
فتحت كيان العلبة فظهر نسخة مطبقة بحرافية
من طقم الالماس الذي صنعة عاصم سابقا…ولكن
مقلد….”بجد عملها زيها….”
قالت كيان….. “شوفي بنفسك….”
“دا نسخة منه يا كيان….”قالتها شهد بدهشة وهي تتأمل طقم الاكسسوارات المماثل لطقم الالماس…..
قالت كيان بصلف….
“مش قولتلك….معقول هغرقك دي شُغلته أصلا…”
نظرت شهد لاختها بتردد…
“تفتكري عاصم هيلاحظ انه تقليد…”
هزت كيان راسها تسألها …
“لا طبعا…انتي لو مكنتيش تعرفي….كنت هتشكي
انه تقليد….”
هزت شهد راسها وعيناها معلقة على
الطقم البراق…”بصراحه لا….”
قالت كيان بهدوء…..
“يبقا خلاص البسيه وتوكلي على الله…هو الفرح امتى…..”
اجابة شهد بفتور….
“المفروض بكرة بليل…ماتيجي معايا ياكيان..”
رفضت كيان وقالت بتزمر..
“كان نفسي والله…بس هسهر على الشغل النهاردة
وبكرة…..ومش فاضيه….روحي انتي وانبسطي…”
ثم عقدة حاجباها مسترسلة….
“وبعدين انتي عيزاني في إيه كفايه عاصم معاكي
عايزة عزول ولا إيه…..”
مطت شهد شفتيها…..
“مش بظبط بس قلقانه شوية…مكان جديد وناس جديده كده يعني….”
تشدقت كيان متعجبة….
“من امتى وانتي بتخافي من الحاجات دي ما انتي شغلك كله اختلاط مع ده وده….”
قالت شهد بجدية….
“الاختلاط في الشغل حاجة والاختلاط اللي بحكي عنه حاجه تانيه…”
قالت كيان ببسالة…..
“مفيش حاجة صعبة عليكي يا شهد….انتي قدها…
وقدود….”
…………………………………………………………….
ضحكت داليدا وهي تضع بعض من المكسرات
بفمها قائلة….
“والله وحشتنى يا فطوم…..”
ابتسمت تلك الشابة التي تماثلها عمرًا..وكانت
شابة ممتلئ القوام عنها ترتدي بنطال ضيق
واعلاه قميصا وحجاب يكشف جزء بسيط
من شعرها……
قالت فاطمة وهي تاخذ رشفة من كاس
العصير…
“وانتي اكتر ياديدا…..صحيح البت منه بتسأل عليكي….”
ابتسمت داليدا بحنين قائلة…
“منون وحشتني أوي….عامله إيه صحيح.. سمعت
انها اتخطبت….”
قالت فاطمة بغمزة عابثة….
“اه اتخطبت لظابط… بس إيه زي فلقة القمر
هيبه كده يابت…..اوعدنا يارب… ”
هتفت داليدا بدهشة…
“ظابط مُرزقه البت دي… بس احنا كده ضهرنا اتحمى….”
لمعة عينا فاطمة فجأه فقالت
سريعًا…
“بقولك إيه ماتيجي نروحلها…”
حركت داليدا بؤبؤ عيناها بحيرة….
“مش عارفه يافطوم…. يمكن ابويا ميرضاش….”
ضيقت فاطمة حدقتاها مفكره قليلاً ثم
قالت وهي تنهض….
“انا هستأذن منه…. وهتصل بمنه كمان اقولها ان
إحنا جينلها…. ها اي رأيك….”
زفرة داليدا قائلة بملل…..
“والله انا نفسي اخرج أوي زهقت من قعدت البيت…”
اتجهت فاطمة الى باب الغرفة قائلة…
“طب يلا بينا انا هروح اكلم عمو…واتحايل عليه
شوية يمكن يرضا..”
نهضت داليدا كذلك وقالت….
“بس خفي ها عشان امي بتغير….”
فتحت فاطمة الباب وضحكت بشقاوة…
“دي حاجة تفوتني هاخد بالي عشان مطردش..”
ضحكة داليدا خلفها…(فاطمة)صديقة الطفولة والمراهقة من أقرب اصدقائها وأعزهم على قلبها
كانت تحكي لها كل شيء يخصها..حتى عندما وقعت
في الحب لأول مرة مع(عادل..)اخبرتها بكل شيءٍ
عنه بل وكانت من ضمن الاصدقاء اللواتي ساعدوها
للتواصل معه عبر هواتفهم الخاصة دون علم أهلها وهذا بعد ان سحب سلطان هاتفها ….
حينها اتفقا على الهروب وتتوالى الأحداث….
كانت (فاطمة) حبل الوصال بينهما حتى انتهى كل شيء وتزوجت داليدا من سلطان وأغلق الموضوع
بعدها للأبد….
تفاجأت اليوم بزيارتها لها هنا في منزل والديها…
رغم انها لم تخبر أحد انها تمكث هنا هذه الأيام
بل واستغربت انها تعلم بسفر زوجها دون ان
تفصح داليدا عن الأمر ؟!….
كلها أشياء كانت مريبه قليلا لكن في الساحة لا
شيء يختبئ….فمؤكد سمعت من أحد الجيران..
داعب وجهها نسيم الهواء…فعدلت حجابها قائلة
بتردد….
“سلطان مش عايز يرد…لو عرف اني طلعت من غير ما أقوله هيدبحني…..”وضعت الهاتف في حقيبة
يدها بوجل…
برمت فاطمة شفتيها بضجر..
“يابنتي فكك بقا…انا مش عارفه انتي خايفه من إيه
اللي يشوف كده يقول انك بتحبيه….”
قالت داليدا بجدية…..
“مش حكاية حب…يعني انا بحترمه ماهو جوزي برضو….”
سارت فاطمة في الشارع جوارها ولكزتها بلؤم وهي تبتسم….. “ياديدا… يعني نسيتي اللي كان….”
انكمشت ملامح داليدا وخفق قلبها بخوف
من الوقوع في الذنب…..
“بلاش نتكلم في الموضوع ده يافاطمة…انا واخده
عهد على نفسي….اني مفكرش في اللي فات وابدا من جديد…..”
ضاقت عينا فاطمة بخبث….
“متأكده يعني لو شوفتيه ولو صدفه…قلبك مش هيحنلو….”
زمجرت بها داليدا… “فاطمة غيري الموضوع بقا….”
بدأت تعبث فاطمة في هاتفها قائلة بارتياح…
“يبقا لسه بتحبيه…انا قولت كده برضو…مش معقول
لحقتي تنسيه…خصوصا انك متجوزه غصب من ابن عمك زي ما حكتيلي قبل فرحك بكام يوم….هو بيعملك حلو… ”
“اه بيعاملني كويس….وبيتقي ربنا فيا…”قالتها داليدا
وهي تسترق النظر الى هاتفها تحت أشعة الشمس…
“انتي بتبعتي رسايل لمين….”
وضعت فاطمة الهاتف في جيب
بنطالها…
“لمنه هيكون لمين يعني….ادخلي…..”
نظرت داليدا للمبنى التي تشير إليها
فقالت بحاجب معقود بارتياب…
“اي ده هي منه عزلت من بيتها ولايه….”
دخلا معا من باب المبنى….
فقالت فاطمة بضحكة لئيمة…
“اه أجروا هنا…..اهي نازله اهيه… ”
رفعت داليدا عيناها على السلم الممتد لتجد اخر
شخصٍ تتوقع وجوده هنا….(عادل)وعند رؤيته
تسمرت مكانها وفغرت فمها وشحب وجهها مع
إتساع عيناها بالهلع وقد بدأ قلبها ينتفض
برعبٍ وكانه احتضر !!….
لم تصدق حتى الآن انها تقف امامه بعد تلك الأشهر الطويلة….فأخر مرة رأته بها كان مسطح أرضا غارق في الدماء…..بهت لونها بشدة حتى قارب على اللون الرمادي وتسمرت مبهوته من هول المفاجاة …
فاشاحت بوجهها تنظر لصديقتها بصدمة شاعرة
بطعنة غدر لم تتوقعها منها يوما..فقالت فاطمة
بضحكة بلهاء..”مفاجاه مش كده…..”
اما هو فبدا في أوج هدوئه وثباته وهو يقترب
منها حتى أصبح أمامها مباشرةً قائلا بعينين عاشقتين كانت تهوى النظر إليهم سابقا….اما
الان ترعباها !….”وحشتيني يادوللي…..”
قالت مصعوقة وهي تبتعد عنه خطوتين
للخلف…. “انت ؟!…..”
……………………………………………………………..
وقفت امام المرآة ترفع راسها بخلاء.. والحُسن يشع
من كل زاويه بجسدها الانثوي الناعم…
فقد تالقت اليوم بثوب سهره أسود حريري يفصل خصرها المنحوت بقماش من التل وينزل باتساع بسيط من الحرير….كان له لمعة جذابه وتصميمه
مميز يليق بها بشدة…فهي باللون الأسود يزداد
حُسنها متناسقا مع بشرتها البيضاء…كان يصل طول
الثوب لفوق كاحلها بقليل فكانت به كالملِكات عندما يتأنقن لحضور حفلا ملكي……
اما شعرها فقد صففته للخلف في تسريحة انيقة
لائقة دون ان تترك العنان لغرتها كالعادة…اما زينة
وجهها فكانت لوحة فنية للمطلع…حيثُ ان عيناها
اصبحا بفرشاة وقلم كحلي، أية من الجمال بعد
ان ظللت اهدابها وكحلت حدود عينيها فباتت
عيناها كشمسان مضيئان في ليلةٍ مظلمة باردة….
اما شفتيها فكانتا حمراون قليلا كثمرة فراولة ناضجتين شهيتين….
وقفت مجددا بعد ان ارتدت حذاؤها ووضعت عطرها
الطيب الخفيف على الأنف…..ووقفت تنظر نظرة اخيره للمرآة قبل ان تخرج من الشقة راضية عن مظهرها المشرف لها ولعاصم…..
فهذه ستكون أول مرة تقابل بها اقاربه في حفلا عائلين ……
كان يقف امام سيارته يتحدث في الهاتف باهتمام
وعيناه معلقه على باب العمارة منتظر خروجها في
اي لحظة….
وبالفعل في الوقت الذي ابعد عيناه عن المكان لثانية
خرجت منه و هي تقرع الارض بحذاؤها العالي نسبياً والانيق بشدة ككل شيءٍ بها أليوم….
انها ليست فقط طباخة ماهرة شغوفة في مهنتها…
بل هي أيضا أمرأه جميلة أنيقة لديها ذوقا عالٍ في إنتقاء كل ماهو مناسب لها وبه يعرف الحُسن طريقه
لها….
انها سيدة الحُسن كما اسماها قلبه يوما….
اتت أعينهما ببعضها كاشفه عن العشق المسطور
بها، فابتسمت برقة وهي تتقدم منه بخطى هادئة واثقه….وكانها تقول للكون من حولها…
(ويحك انا هنا…فانتظر…)
أبتسم عاصم مبادلها الابتسامة بعمق بعد ان سلبت اعماقه بحُسنها ورقتها المعهودة….واناقة الملِكات
التي بها من روحهن الكثير…..
شعر بقلبه يهفو اليها….وعيناه تذوب عشقا وشوقاً
لها….هل اخذها في احضانه أمس….هل ضم هذا الجسد الصغير الناعم بين ذراعيه…هل ارتجفت بين
احضانه بحياء يشبع جانبا من رجولته نحوها..
هل همست باسمه بضعف في حميمية الموقف..
لم يكن يصدق ان التكامل بين العاشقين ينتهي
بعناق !…بالعناق تطمئن….بالعناق تستمر…بالعناق
يبدأ كل شيءٍ جميل وينتهي كل شيءٍ سيئ…
وهو لم يكن يصدق ان العناق يسقي ظمأه الى
الهوى…..إلا عندما ضمها الى صدره وقد
امتزج كل شعورٍ جميلا معها ….
“اتاخرت عليك….”
قال بنبرة حانية….
“مفيش قدامي حل غير اني استناكي.. حتى لو اتاخرتي اكتر من كده….”
تخضبة وجنتيها فضحكت
بخجلا…
“اتأخرت اوي كده…..”
تاملها عاصم مليا بعينين عاشقتين ثم قال
باعجاب…..
“طلعه زي القمر…. مكنتش اعرف ان الفستان هيطلع
جميل اوي كده….”
قالت شهد بصوتها الموسيقيّ….
“عشان تعرف… اصلي أول ماقولتلك أسود اتشأمت
مع ان اخواتي بيقولولي اني ببقا جميلة اوي في الون ده….”
دللها بالكلمات قائلا بطريقة رومانسية…
“مش شرط… انتي حلوه في كل حالاتك.. واي حاجة
بتلبسيها بتليق عليكي….”
تورد خدها أكثر فقالت وهي تنظر
اليه….
“مرسي…. انت كمان طالع حلو اوي بالبدلة….بس
استنى…. ”
مالت عليه قليلا وهندمت ربطة العنق بيدين بارعتين
يعرفا الطريق جيدا…..نظر عاصم لوجهها عن قرب وزينتها المتقنة بريشة فنان زادتها جمالاً…وعطرها الناعم بدا يطارد أنفه بمداعبة صريحة.. بينما اصابعها عند العنق تتحرك وتضرب على الوتر الحساس دون رافه بنيران خسيسه يشعلها الاجتياح ؟!…..
ابتعدت شهد قائلة بابتسامة
رقيقة…
“ها اي رأيك كده أحسن…..”
“أكيد احسن…. يلا بينا عشان اتاخرنا…” اكد عاصم وهو يلملم شتاته…مشيرا على مقعد السيارة بعد
ان فتح الباب لها بلباقة….
اومات براسها وهي تستقل المقعد ثم اغلق عاصم
الباب بهدوء و استقل هو بجوارها من الناحية الاخرى في مقعد القيادة…وبدا يدير محرك
السيارة…..فسالته شهد….
“هو الفرح هيكون فين يا عاصم….”
رد بهدوء….. “في قاعة ***…تعرفيها.. ”
رفعت حاجبها بانبهار ضئيل….
“واوو….أسمع عنها بس عمري ما دخلتها….الحاجه نصرة راحت على هناك….”
أكد عاصم وهو ينطلق بسيارة…
“آه كلهم هناك…..شويه وهنكون معاهم”
بلعت ريقها وهي تلامس العقد الالماسي التقليد
ثم الاقراط المعلقه في اذنيها واخيرا الانسيال
في رسغها…
هل لاحظ عاصم انهم زائفين… ام انه ظن ان هذا طقم الالماس الأصلي الذي صنعه لها خصيصا..
رفعت عيناها للسماء المظلم المزينة بالنجوم… وتمنى
قلبها ان يمر الأمر مرور الكرام دون ان ينكشف زيف
المجوهرات…..
بعد مدة ترجلت من السيارة يتبعها عاصم الذي اعطاها مرفقه كي تتأبط ذراعه….
تبدلا النظرات قليلا ثم مدت يدها وعانقة مرفقه بكفها الصغير بخجلا صارخ انكشف عند وجنتيها الحمرواين…
دخلا معا من باب قاعة فخمة في منطقة مرموقة مكانا صنف لفئة معينة وهم بطبع صفوة المجتمع المخملي…..
ولجا من بابها المزين بآلورد والانوار…..وكانت شهد تتأمل الحديقة قبل ان يدخلا فكانت مرتبه ومزينة بشكلا سحري وقد زينة الأشجار بحبال من الاضواء والتي تبرق كالذهب….
احبت المكان بالخارج جداً وتمنت ان تحظى بوقتاً بسيط به قبل ان ترحل….
القاعة كانت مكتظة قليلاً بأناس تعرفهم جيداً سواء
من رائحة عطرهم الباهظة او من ملابسهم شديدة العصرية وضحكاتهم المتفاخرة…..
سارت عيناها تمشط المكان دون ان تبدي اي نوعا من الانبهار…كانت هادئة مترفعه تعرف كيف تكون بينهما….وقد نجحت بجدارة….
فالبعض لاحظ وجودها وعلم انها خطيبة
(عاصم الصاوي)فانبهر الجميع من جمالها المميز والرقي الطاغي في حضورها ونظراتها….
رحب بها هذا…وتكلمت معها هذه…اوقفها هؤلاء…
وضحكت مع هاتان……وتبادلت الاحاديث مع تلك
وكانت مهذبة معهم واجتماعية في جذب اطراف الحديث ومتزنة في ردها وابتسامتها لهم…وتنصت
جيدا لحديثهما ونصايحهم في تعامل مع عاصم
الصاوي…..وفي الجواز عموما بعد ان علما انها لم
يسبق لها الزواج مثله….
قابلت أيضا( إلهام)في الحفل لكنها تجاهلتها عمدًا
وظلت مرافقة للجدة نصرة طوال السهرة ومندمجة
مع بعض الاقارب مما اغاظ(إلهام)ورأتها حينها كالحيه تتلون على حسب المكان التي توضع
به !!…
لكن شهد لم تهتم بنظراتها فكان يكفيها رؤية القهر
في عيناها الحاقدة….فيبدو انها لم تحظى بهذا التودد والإحترام بينهم ، لذلك كانت تشتعل
على نيران مستعارة بعد ان وصلت هي لهذه
المكانه في نصف ساعة ؟!……
اما عاصم فكان بالقرب منها دومًا لم يبعد عنها
لحظة احيانا يشاركها الجلسة واحيانا يجلس
بالقرب منها مع نخبةٍ من رجال الأعمال….
وكانتا أعينهما طول السهرة تلقي جوابات من
الغرام ، وقصائد عن الهوى موثقة بابتساماتٍ
متبادلة….
اختفى عن عينيها للحظة ولم تراه فظلت تبحث عنه
بعيناها بلهفة مستتره…فلكزتها الجدة نصرة قائلة
بلؤم….
“كفاية عينكي وجعتك…زمانه هنا ولا هنا….”
تخضبة وجنتي شهد مترددة فقالت
وهي تنظر الى العرسان…
“هو مين دا ياحاجة….انا بتفرج على العرسان….
ماشاءالله العروسة جميلة وفستانها حلو اوي…وليقين على بعض…”
قالت نصرة بابتسامة ودودة…..
“عقبالك…المرة الجايه يكون فرحكم… انتوا اللي
عليكم الدور….”
قالت بحياء….. “ان شاء الله…..”
سالتها نصرة باهتمام….
“واي اخبار عاصم معاكي ياشهد…احكيلي…”
قالت شهد بخفوت والحرج يتغذى عليها…
“كويس معايا الحمدلله…حنين اوي ومحترم….”
تمنت لهم نصرة بطيبة قلب…
“ربنا يسعدكم ياحبيبتي…ويتمملكم على خير…”
اتت عليهما الهام بثوبها الامع الثمين ومجوهراتها الباهظة تتغنج قائلة بلؤم…. “بتدعي لمين ياماما…”
لوت شهد شفتيها بقرف وتحاشت النظر إليها…
بينما قالت نصرة بفتور….
“لعاصم وشهد…..ان يسعدهم ويتمملهم على خير..”
جلست الهام على المقعد ونظرت لشهد وتأنقها
بغيرة مما دفعها للحديث حتى تشفي غليلها…
“اه…..نورتي الفرح ياشهد…اي رأيك أول مرة تدخلي
قاعة زي دي مش كده…..”
قالت شهد بابتسامة صفراء…
“بالعكس دخلتها كتير في أفراح ناس صحابي..”
“صحابك؟!…افتكرتك كنتي شغاله في البوفيه…”
تشدقت الهام ضاحكة بملء شدقتيها بغرور…
قالت شهد من بين اسنانها بهدوء كالصقيع…
“ومالهم اللي بيشتغلوا في البوفيه..عمتا الاماكن
دي مش جديده عليا يا ام يزن….عرفاها ودخلتها
اكتر من مرة مش مهم الطريقة المهم النتيجة…”
ثم نهضت عن مقعدها بكامل اناقتها وقالت
بهدوء مسنن….
“عن اذنكم…. هروح اشم شوية هوا برا… المكان
اتكتم مره واحده….في ريحة برفيوم غاليه اوي شماها… بس المشكلة انها مكمكة على صاحبها…
تقريبا عشان هو متعود على الرخص….”
اتسعت عينا إلهام بصدمة وقد أحمر وجهها
بغضب…فقالت شهد بابتسامة ذات مغزى….
“البرفيوم الغالي ده مشكلة والله يا ام يزن…
ساعات مش بيليق على صحابه… ”
ثم نظرت الى الجدة مستاذنه
بتهذيب…”عن اذنك ياحاجه….”
سمحت لها نصرة مبتسمة
برضا…
“اتفضلي ياحبيبتي….”
احتد صوت الهام مع نظراتها بعد ان ابتعدت
شهد عنهن…..
“شايفه كلامها البت دي مش سهله..دي بتلقح عليا..”
نصرتها الجدة قائلة باستنكار خبيث….
“فين التلقيح ده… دي بتكلم على البرفان… انا كمان
بصراحة شماه… ومش عاجبني….ياترى مين اللي حطه….. ”
بلعت الهام ريقها بحرج وهي ترفع كف يدها وتشم
كم فستانها في الخفئ….فابتسمت نصرة بشماته…
أثناء طريقها للخارج خبطت في كتف صلب فوقفت مكانها تضع يدها على كتفها متأوه…
“حقك عليا… انا مخدتش بالي….”
رفعت شهد عيناها عليه ومن صوته علمت بهوايته
فقالت متزمرة….
“كل مرة بتقول كده…. اي حكايتك عمال تخبط في خلق الله…. عضلاتك مقويه قلبك مثلا؟…”
ضحك يزن مستمتعا بحنقها البادي
عليها….
“أكيد مش مستقصدك ياشهد…”
“حصل خير يايزن….” زمت شفتيها وهي تهم بالمغادرة…لكنه اوقفها سائلا بفضول….
“استني…. انتي راحه فين…”
اجابته بفتور….. “هطلع برا اشم شوية هوا…”
“تحب اجي معاكي..” اقترح وهو يغزو عيناها بنظرات….
رفضت شهد بحرج….
“لا انا حبا ابقى لوحدي شويه…. عن إذنك…”
اوقفها يزن مجددا وهو يقول باعجاب…
“على فكرة شكلك شيك اوي النهارده… حلوة بالفستات الأسود……”
“مرسي….دي عنيك بس اللي حلوة….” القت اليه ابتسامة لبقة وابتعدت بعدها….
فاتجه يزن الى الطاولة الجالس حولها جدته ووالدته…..لكن عاصم اتى من خلفه سائلا وعيناه تبحث عنها في الارجاء….
“يزن ما شفتش شهد….”
قال يزن بنفي….
“معرفش مخدتش بالي منها يمكن روحت…”
رفعت الهام حاجبها بدهشة فهي لمحة ابنها منذ لحظات يتحدث معها عند باب القاعة….
عقد عاصم حاجباه…. “روحت ؟!…”
قالت الجدة بصوتٍ عالي نسبيا وهم يقفا
خلفها…
“شهد طلعت تشم هوا برا ياعاصم… روحلها عشان متبقاش لوحدها….”
اوما عاصم براسه وهو يبتعد عنهم…بينما جلس
يزن على المقعد بجوار والدته…التي سالته بحيرة
هامسة…
“ليه قولتلوا انك مشفتهاش… مع انك كنت لسه واقف معاها من شوية….”
لم يرد عليها يزن بل نهض من مكانه قائلا
بتجهم… “انا هروح اقعد مع صحابي….”
نظرت الهام لابنها بقلق…بينما سالتها نصرة
بتعجب…..
“ماله يزن يا إلهام متغير بقاله فترة..اي الحكاية.. ”
هزت إلهام راسها بعجز ، رافضة استنتاج عقلها..
فلن تدور الأيام عليها بهذه القسوة….
ابنها الوحيد ؟!….
………………………………………………………….
خرج الى حديقة القاعة يبحث عنها بعينين نافذتين
من الصبر….حتى وجدها جالسة على احد المقاعد
بين يدها وردة بيضاء تقربها من انفها فتشم عطرها
ثم تمررها على وجنتيها بشرود مستمتعة بنعومتها المعطرة على خدها…..ثم تبعدها وتلامس اوراقها
برقة اذابت الحجر فلان قلبه معها..
وظل مكانه للحظات يتأملها بصمت وكانها لوحة فنية نادرة الوجود فكانت آلوردة البيضاء بين يداها تزدهر فيزداد جمالها بين كومةٍ سوداء !!…..
“قعده هنا وسيباني أدور عليكي…”
قالت بنظرة معاتبه…..
“أكيد مش صغيره عشان اتوه…..كنت فين…”
اخبرها عاصم وهو يشاركها الجالسة في مقعد
مجاور…….
“هكون فين كنت في القاعة جوا…بسلم على ناس
معارفنا….”
سالته بتملك انثوي….. “فيهم ستات….”
اكد بنظرة مراوغة…. “أكيد…”
برمت شفتيها…. “اه عشان كده بعدت….”
ضحك عاصم مستمتع بغيرتها…..
“مينفعش ابص على ستات متجوزه لا وقدام
اجوزهم كمان مش اخلاقي….لو مش مرتبطين ماشي… ”
قالت بتجهم…. “ونعمه الاخلاق يامعلم عاصم…”
سالها عاصم وهو ينظر لجانب
وجهها…
“اي اللي خرجك هنا….”
قالت شهد بعد تنهيدة….
“قولت اشم شوية هوا…بصراحه اتخنقت جوا..وكمان
دماغي صدعت فقولك اشيل السماعه شوية وارتاح..”
اخبرها عاصم بهدوء….
“انا من رايي بلاش تلبسيها احسن….”
رفضت شهد قائلة بحرج….
“لا طبعاً انا بحتاجها… هي اينعم بتصدعني شويه
بس احسن مايبقا السمع زيرو….”
عقد عاصم حاجباه مستفسرًا….
“بس انتي قولتي انك بتسمعي بالودن التانيه…”
قالت شهد بغصة مريرة…..
“الحقيقه التانيه مضررة كمان بس بسيط يعني مع العلاج اتحسنت شويه….عشان كده السماعة بتساعد معاها أكتر….”
شعر بنغزة مؤلمة في قلبه فنظر لعيناها الغارقة
في الأحزان..”وازاي حصل ده…..”
ابتسمت شهد وهي تشير على الزهرة
البيضاء….
“اي رأيك في الوردة دي….”
نداها عاصم بنفاذ صبر… “شـهـد….”
زفرة شهد بعد نظراته قائلة بتململ….
“ماهو ده مش وقته ولا مكانه صدقني…خلينا ننبسط
في المكان…بلاش تنكد عليا وتفكرني بحاجات مش عايزه افتكرها…..”
هتف بصدمة.. “لدرجادي….”
اومات براسها بنظرات شاردة….
“موضوع طويل…ويطول شرحه بس هو عدى..وانا بقيت أحسن…”
صمتا قليلا وكل منهم يحمل شعورًا مختلفا عن
الاخر يغلفه الحيرة…
حتى قطع عاصم الصمت وهو ينظر للزهرة
البيضاء بين يدها….
“قطفتيها منين الورده دي….”
قالت شهد بابتسامة متألقة كالنجوم….
“مش انا اللي قطفتها….حد قطفها وادهالي…”
التوى فك عاصم متشنجًا.. “ومين الظريف ده….”
اتى سريعًا من خلفه طفلا صغير لم يتجاوز الخمس
سنوات……يتانق بحلة سوداء رائعة ويصفف شعره
الأسود للخلف بوسامة تشع لطافة وبراءة….
مد الصغير لها زهرة اخرى حمراء قائلا
ببراءة…..
“شهد…شهد خدي الورده دي كمان….”
اخذت شهد منه الزهرة وقالت بعتاب…
“جرالك اي يا ريان…مش قولنا بطل تقطف الورد
كده بتموته…..”
قال الصغير بابتسامة لطيفة…
“دي وردة حمرة…. عشان توافقي….”
مط عاصم شفتيه وهو يمسك الصغير من ذراعه
والذي كان من ابناء أحد الأقارب الذي يعرفهم
عاصم جيدًا وبينهم صداقة ودوده….
“جايب وردة حمرة عشان توافق على إيه…اوعى
يكون اللي في بالي….”
اكد الصبي ببراءة… “ايوا عايز أتجوز خطبتك….”
قبض عاصم عليه من ذراعيه الإثنين…
“بجح زي أبوك….تجوز مين سمعني تاني….”
قالت شهد ضاحكة وهي تحاول ابعاده
عن الصغير…
“سيبو ياعاصم انا موافقة…”
نظر عاصم لها بدهشة…فقال الصغير باستفزاز…
“اهيه قالتلك موافقة اطلع منها انت…وبلاش تقف قصاد سعادتنا..”
ضربه عاصم على مؤخرة عنقه….
“سعادتك مين يابجح دانت لسه قالع البامبز من كام
شهر…..انجر يالا على ابوك…”
ضحكت شهد وهي تسال الصغير….
“استنى بس ياعاصم….ريان قولي انت عايز
تجوزني ليه….”
نظر الصغير لوجهها قليلًا مفكرًا
ثم قال ببراءة …
“عشان عنيكي صفرة وبتلمع….”
اتسعت عينا شهد….. “بجد….”
“اه وشكلك حلو… هاتي بوسة….”أكد الصغير وهو يميل على وجنتها في لحظة خاطفة ويقبلها…
ثم ركض سريعا فقال عاصم من خلفه
بتوعد…
“هجيبك يا ريان..وهنقعد قعدة عرب انت
وابوك اللي مسلطك…. ”
سالته شهد وهو تضحك…
“عسل أوي….هو يقربلك إيه.. ”
اجابها عاصم بوجوم….
“قرايب الحاجة ابوه يقولها ياعمتي…..اخدتي
عليكي اوي… ”
تشدقت بتعجب…. “دا عيل صغير….”
نظر عاصم بعيدًا متمتمًا بشرود…..
“عنيكي صفرة وبتلمع؟!….حتى الواد ركز في عنيكي
انت اي حكايتك…..”
ظلت الابتسامه الرقيقه على شفتيها وهي
تخبره بحرج….
“مفيش حكاية ولا رواية ربنا صورني كده…إيه هتتنمروا عليا…..”
اخبرها بصوتٍ ثمل بالعواطف وعيناه
تأسرها….
“بالعكس ياست الحُسن…..دا احنا هنقول سبحان
من صورك وجملك في أجمل صوره…”
سالته بتردد وهو تسترق النظر
اليه بخجل….
“يعني عاجبك لون عيني….”
أردف بمداعبة صريحة…
“انا مفيش حاجة خدتني وودتني غير لون
عنيكي…”
تخضبة وجنتاها واسبلت اهدابها….فقال عاصم
مبتسما……
“ريان بيفهم….لماح زيي…..”
قالت بحرارة دون النظر اليه….
“بس عسول حبيته أوي….تفتكر ابننا هيكون
في شقاوته…. ”
لوى عاصم شفتيه مستهجنًا…
“دي مش شقاوة ياحبيبتي دي بجاحة…اما ابننا فده
هيكون متربي أربع مرات…..”
كانت سترد شهد عليه لكن دخول ريان اوقفها..فعاد
من جديد يعطيها زهرة حمراء قائلا وهو يشير على فمه…..
“ياشهد خدي الوردة دي كمان وهاتي بوسه من هنا…”
نهص عاصم من مكانه فجأه بنفاذ صبر ثم
حمل الصغير بين يداه ورفعه للاعلى بشرٍ يتطاير
في حدقتاه…
“تعالى هنا…. انت مين مسلطك عليا….”
قال الصغير وهو يضحك….
“بابا قالي روح بوس خطيبة عاصم….”
ضيق عاصم حدقتاه مستفسرًا
بتوعد…
“مقالش حاجة تانية….”
قال الصغير بعد لحظة من
التفكير…
“قالي اقرأ الفاتحة قبل ماتتهور ياريان….”
فلتة ضحكةٍ طريفه من بين شفتيها فنظر لها
عاصم بضيق فاخفت فمها بقبضتها….
بينما قال عاصم وهو يحمل ريان على
كتفه داخلا به القاعة….
“طب تعالى عشان اقرأ الفاتحة عليك انت
وابوك….”
بعد سهره طويلة رائعة برفقته هو وعائلته وكانت
نتائجها مثمرة واستمتعت جدًا بينهم….
اوصلها عاصم بسيارته وعندما أوقف السيارة
اسفل منزلها…. قالت شهد بابتسامة سعيدة….
“كان يوم حلو اوي ياعاصم…مكنتش اعرف اني هرتاح وهحب المكان والناس اوي كده..بجد كان
يوم جميل….”
أومأ عاصم براسه وقد تغيرت تعابير وجهه قليلا
الى الجدية والخشونة…..
“في حاجه من أول السهرة كنت عايز اسالهالك…
بس قولت أأجلها لحد ما اوصلك….”
خفق قلبها بقلق…”خير في حاجه…..”
نظر عاصم لعيناها نظرة نافذة سائلا بعدها
بصوتٍ غريب….
طقم الالماظ اللي عملتهولك….ممكن أفهم ؟!….”
جفلها السؤال واتسعت حدقتاها قليلا بصدمة
وتمنت من قلبها الان ان تبتلعها الأرض وتختفي
من أمامه !…

google-playkhamsatmostaqltradent