رواية في هواها متيم كاملة بقلم سماح نجيب عبر مدونة دليل الروايات
رواية في هواها متيم الفصل العشرون 20
قال يحيى بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم، فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه، حلو.. حامض.. عذب.. أجاج.. وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه.
٢٠– ” حظ عاثر ”
حاول رفيق إحكام السيطرة على غضب شقيقه الأصغر ، فصوته ربما سمعه كل العاملين بالشركة ، فهو لا يلومه على غضبه المتملك منه ، فهذا حقهم جميعاً ، ولكن ليست كل الأمور بإمكانها أن تحل بالغضب والعصبية ، فبعد أن جلس على رأس مائدة الإجتماعات ، وجلس أكمل مقابل له على الطرف الأخر
رفع يده يشير لمالك بإلتزام الهدوء وهو يقول بحزم :
– مالك إهدى شوية وسيبنى أنا أتكلم إذا سمحت يا باشمهندس
أغلق مالك فمه ، وصدره مازال يعلو ويهبط من فرط حنقه الشديد ، فلو بإمكانه أن يقوم ويحطم فك ذلك الرجل الجالس بالمقعد المقابل ، والذى يبدو سعيداً بإخراجه عن طوره ، فلن يتوانى عن فعل ذلك
حول رفيق بصره للرجل المخول له التحدث بإسم الشركة محل النزاع فقال بهدوء :
– ممكن أعرف إيه سبب أنكم عايزين ترجعوا فى أتفاقكم معانا تانى بعد أنا ما حليت الموضوع معاكم
نقر الرجل بالقلم على سطح المائدة عدة نقرات أثارت الإستياء أكثر بصدر أكمل ومالك ، ولكنهما حاولا أن يتصنعا البرود ، حتى تمر تلك الجلسة بسلام
كف عن نقر القلم وأنحنى قليلاً للأمام وقال :
– أكتشفنا أن المبلغ المالى اللى أنتوا عارضينه مقابل الأراضى اللى هتاخدوها قليل جدا فأحنا لقينا اللى هيدفع أكتر
– ويكون مين ده بقى إن شاء الله اللى هيدفعلكم أكتر مننا
قالها أكمل ساخراً ، فنظر له الرجل وهو يبتسم بجانب ثغره فرد قائلاً:
– عامر باشا الرفاعى
تهدلت قسمات وجه أكمل ، وليس هذا وحسب بل مالك ورفيق نظر كل منهما للأخر بدهشة ، فهم يعلمون أن عامر ليست أعماله مختصة بشراء الأراضى أو البناء ، فلما الأن أراد فعل ذلك ؟
فأسرع مالك بالقول :
– عامر الرفاعى ! طب ليه ده مش نوع البيزنس بتاعه خالص ايه اللى خلاه المرة دى حابب يشترى الأراضى دى بالذات يعنى
رد الرجل قائلاً بسماجة :
– جايز حابب يغير نشاطه ثم ده مش شغلى ، أنا المهم عندى اللى هيدفعلى أكتر وانتوا عارفين الأراضى دى موقعها عامل إزاى ولو أنتوا عملتوا عليها مشروع الإسكان شوفوا هتكسبوا إزاى دى الشركة بتاعتكم كانت هتتنقل نقلة تانية خالص
– وإيه المطلوب دلوقتى
قالها رفيق ببرود وجمود ، فهو يعلم الدلالة من فعل عامر الرفاعى ، فربما أراد إيذاء صديقه ، ولم يجد ضرر من إيذاءه هو الآخر
عدل الرجل من هندامه وهو يقول ببرود كأن الأمر لا يعنيه:
– حلوها أنتوا مع عامر باشا واللى هيأمر بيه هيتنفذ يعنى لو قالى خلاص أمضى معاكم العقود همضيها فوراً إما إذا مكنش حابب التعامل بينا فأنا أسف مش هكمل الصفقة
ران الصمت عليهم ، كل منهم يفكر بكيفية الخروج من ذلك المأزق ، فكان أكمل هو من بدأ القول ، فرفع يده يشير للرجل بالإنصراف وهو يقول:
– طب اتفضلوا حضراتكم أنتوا على ما نحل الموضوع
نهض الرجل يتبعه رفقاءه ، بينما ظلوا هم جالسين بأماكنهم ، فحدق مالك برفيق وهو يقول:
– وبعدين يا أبيه هنعمل إيه دلوقتى فى المشكلة دى
ارتكز رفيق بمرفقيه على سطح المائدة وأستند بفكه على كفيه المضمومين ، وظل ينظر هو وأكمل لبعضهما البعض بصمت
فزفر أكمل من أنفه قائلاً:
– هتتحل المشكلة يا مالك متقلقش بس سيبنى أنا ورفيق لوحدنا شوية
إنصاع مالك لمطلبه ، فلملم أوراقه وخرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه ، بينما ترك أكمل مقعده وخطا عدة خطوات وأقترب من مقعد رفيق ، فجلس على مقعد قريب منه
شد أكمل على ذراع رفيق ليجعله ينتبه على ما سيقوله ، فقال وهو يشعر بنيران فى صدره من أفعال والد زوجته :
– شكل الملعوب المرة دى بسبب حرمى المصون ، اللى مش مكفيها حياتى التعيسة لاء جاية تكمل عليا فى شغلى كمان
رمقه رفيق بهدوء متسائلاً قائلاً :
– وهتعمل إيه دلوقتى معاهم
مد أكمل يده وربت على ذراع رفيق وهو يقول :
– متقلقش هحلها يا رفيق لأن ميرضنيش تعبنا وشقانا السنين دى كلها يروح على الفاضى علشان بنت عامر الرفاعى وأبوها
لم يزد أكمل كلمة أخرى ، بل نهض عن مقعده وخرج من الغرفة ، نظر رفيق لأثره ، وهو لا يعلم هل من الحكمة أن يترك صديقه فريسة لزوجته ووالدها ، أم ماذا يفعل بتلك الحالة ؟ فهو يشعر بتضييق الخناق عليهما ، وليس هذا فحسب فكل منهما له همومه وأحزانه الخاصة
________________
جلست منى بتبرم ، وهى ترى رجل يحاول الإقتراب من رهف وليان بحجة ضبط مقاس الأثواب ، فعلى الرغم من إعتراضهما ، إلا أن الغضب بداخلها زاد أضعافاً ، فهى فعلت ما تم الإتفاق عليه بينها وبين ورفيق ، من أن ستكون تلك المرة هو أول وأخر مرة لفعل ذلك ، فهو تركهما يفعلان ذلك من باب الترويح عنهما فقط ، وعندما ستعودان للمنزل سيخبرهما بأن الأمر أنتهى لهذا الحد ، ولن تذهبان لمتجر ليلى مرة أخرى
نهضت منى من مكانها وهى تقترب من ليان فهتفت بالرجل قائلة :
– عنك أنت يا أخويا أنت عايز تعمل ايه فى الفستان وأنا هعدله أنا بفهم فى أمور الخياطة كويس
نظر الرجل لها من رأسها لأخمص قدميها ورفع شفته العليا قائلاً بترفع :
– لاء يا مدام متتعبيش نفسك أنا عارف شغلى كويس
– وأنا عارفة بناتى كويس مبيحبوش حد ملزق يضايقهم
قالتها منى فجأة وهى عاقدة ذراعيها أمام صدرها
فشهق الرجل بخفوت فما لبث أن نادى ليلى قائلاً:
– مدام ليلى مدام ليلى لو سمحتى مش عارف أشتغل أنا كده
ناولت ليلى الثوب الذى كانت تحمله بيدها لإحدى الفتيات وأقتربت منه باسمة وهى تقول:
– مالك بس زعلان ليه يا كوكو عايزين نخلص شغلنا بسرعة
وضعتا رهف وليان أيديهما على فمهما يكتما صوت ضحكاتهما على مسمى ذلك الرجل ، فما كان منه سوى أن علا صوته قائلاً بحدة:
– فى إيه بتضحكوا على إيه أنتوا ده إسمه تهريج يا مدام ليلى ماهو مش جيبالى بنات فلاحين وخام علشان يعملوا العرض دول هيوقعوه عيزانى زى ما بيقول المثل أعمل من الفسيخ شربات
شهقت منى وهى تدب على صدرها وهى تقول :
– هم مين اللى فسيخ يا بتاع أنت دا جمالهم مش موجود فى عيلتك يا كوكو قال كوكو قال يا أخى اتوكس على إسمك كده وأنت شبه الفرخة البيضا راجل نص سوى يلا يا رهف أنتى وليان
لم تنسى رهف اعطاءه حصتها هى الأخرى ، فأخذت ثوب من جانبها وألقته بوجهه وهى تقول :
– خد ده ألبسه هيبقى حلو عليك يا أستاذ كوكو طب وربنا خسارة فيك الشيكولاتة اللى أدتهالك تبقى تطفحها إن شاء الله
ساد الهرج والمرج بالمكان ، فجلست ليان مكانها وهى تضحك بقوة وعيناها تذرف الدموع من كثرة ضحكها ، فتأوهت بصوت منخفض وهى تشعر بتقلصات معدتها من أثر ضحكها المستمر على ما فعلته منى ورهف
أقترب منها باسم وهو يضحك هو الأخر :
– ليان شوفتى طنط منى ورهف واللى عملوه
حاولت ليان إلتقاط أنفاسها اللاهثة وهى تقول :
– مش قادرة يا باسم وربنا هموت أنا مضحكتش كده بقالى كتير اه يا بطنى
لم ينتهى الأمر إلا بصراخ ليلى وهى تقول :
– باااااااااس كفاية وانت يا كوكو روح أنت دلوقتى
ذهب وعيناه تطلق شرار ، يود لو يحرقهن أحياء ، حاولت ليلى تلطيف الأجواء ، فهى لا تريد أن ينشأ بينهم سوء تفاهم ، وبذلك ستنقطع العلاقات بينهم ولن يعود بإمكانها الذهاب لمنزل رفيق
فأقتربت من منى ومسدت على ذراعها بلطف :
– أسفة يا طنط على اللى حصل ولو أنتوا اضايقتوا هشوف حد تانى يتابع مع البنات
– لا تانى ولا تالت خلاص كده أصلا رفيق مش موافق انهم يكملوا فى الموضوع هو بس خلاهم ييجوا النهاردة زى فسحة كده لكن لا هيخليهم يعملوا بروفات تانى ولا يعملوا العرض من الأساس وأنا قولتلك علشان تشوفى حد غيرهم يلا يا بنات
أنهت منى حديثها وأشارت لهما بأن يتبعاها ، فلم يبدوا إعتراضاً على قولها ، بل ساروا خلفها بصمت ، فهما حقاً بما رأوه اليوم ، لن يكون الاستمرار بالأمر شئ حسن
إمتعضت ليلى وإستاءت بشدة مما حدث ، فهى من كانت تظن أنه سمح لها بالإقتراب منهم بل أنه رحب بعمل زوجته وشقيقته ، لتعلم الآن أنه كان سيعمل على إحباط كل محاولاتها المستقبلية ، فما زال كما هو لا يعلم أحد ما يخطط له بعقله
__________________
عاد أكمل إلى منزله كالإعصار ، فولج غرفة النوم وهو يسرع بخطواته ليبحث عن شهيرة ، فهو منذ أن وطأت قدميه المنزل وهو يبحث عنها ولم يعثر لها على أثر ، فخرج من الغرفة ووقف بمنتصف الصالة الفسيحة
فصرخ بإسمها منادياً :
– شهيرررررة
ولكن لم يأتيه رد منها ،سوى الخادمة التى جاءت مهرولة من المطبخ وتعمل على تجفيف يدها بمريول المطبخ
فأزدردت لعابها وهى تقول :
– مالك يا أكمل بيه ، الست شهيرة مش هنا أخدت الهانم الصغيرة وراحت عند باباها
كأنه كان بإنتظار سماع ذلك ، فخرج من المنزل مثلما أتى فأستقل سيارته يتجه صوب منزل والد زوجته ، فمن يدرى ماذا يفعلان الآن وماهى تلك الخطة الجديدة التى تحاك له بالخفاء ؟
لم يدرى كم أستغرق من وقت حتى وصل لمنزل عامر الرفاعى ، فترجل من السيارة وولج للمنزل بهيئته الشرسة ، فوجد زوجته ووالدها يجلسان يضحكان ويتثامران
فألتفت عامر برأسه ورآه واقفاً خلفه وصدره يعلو ويهبط من الغضب ، فعاد برأسه لوضعه الطبيعى وأحتسى من مشروبه ببرود
فإبتسم قائلاً بدهاء :
– أهلا يا أكمل أتفضل أشرب حاجة مالك واقف عندك ليه كده
خطا أكمل خطواته تجاه مجلسهما ، فوقف بحيث كان ماثلاً أمامهما ، فوقع بصره أولاً على زوجته ، التى تجلس واضعة ساق على الأخرى وتنظر له بشماتة
فتحول ببصره عنها ونظر لوالدها وهو يقول بإستياء :
– هو إيه اللى عملته ده يا باشا وعلشان إيه ده كله عايز توقعنى أنا ورفيق إحنا عملنالك إيه
رفع عامر يده يشير لشهيرة بيده وهو يقول :
– أنت عارف علشانها هى مستعد أعمل إيه وياما حذرتك
رفعت شهيرة شعرها خلف أذنها بخيلاء ، فهى تعلم مدى حب والدها لها ، وما بإمكانه أن يفعله من أجلها
فرد أكمل قائلاً بغيظ:
– وأنا كنت عملت إيه لده كله ليه دايما جايب الحق عليا أنا وسايبها هى تعمل اللى هى عيزاه ربنا يعلم حاولت أعدى حاجات كتير علشان بس المركب تمشى وعلشان خاطر بنتى حتى إسأل بنتك المحترمة أخر مرة كانت زوجة ليا أمتى
إحتقن وجه شهيرة بدماء الغضب ، فهى ترى أنه لا يحق له بإخبار أحد بما يحدث بحياتهما الخاصة ، فعلا صوتها بإحتجاج :
– إيه اللى أنت بتقوله ده يا أكمل بتحاول تطلع نفسك برئ وخلاص مش كده
فلو بإمكانه لكان بكى الآن كالأطفال ، فما الذى أوقع نفسه به من تلك الزيجة ، ولكن الخسارة والحسرة لن تناله هو فقط بل ستنال من صديقه أيضاً ، فربما من الأفضل له مسايرة الريح حتى تمر بسلام
فضم كفيه وهو يقف مستقيم يقول بصوت تخلو منه الحياة:
– طلباتك يا عامر بيه أنت وشهيرة هانم
وضع عامر الكوب من يده وهو يقول:
– طلباتنا إن أنت تحترم أنك متجوز بنت عامر الرفاعى وخليك كويس معاها ومتزعلهاش وأنا أحبك يا أكمل
قضمت شهيرة شفتها السفلى كونها سترى تخلى زوجها عن كبريائه أمامها ، فلم تنتظر كثيراً حتى سمعته يقول :
– أوامرك يا عامر باشا بس كده هشيلها على راسى من فوق بس بلاش تضرنى أنا ورفيق ثم هو ملوش ذنب فى اللى بيحصل بينا لأن الشركة إحنا عملناها بدمنا وشقانا فبلاش تكسرنا فى السوق يا باشا وأنا مستعد أعمل كل اللى أنت عايزه
مهانة ليست بعدها مهانة ، أن يقف أمامهما كالطفل المذنب يبدى أسفه ويعطى وعود وعهود بأن يكون مطيعاً ، لهو بالأمر المميت والمهين لكبريائه وكرامته ورجولته ، ولكن هو من أخطأ منذ البداية وعليه تحمل نتائج أفعاله
فرفع عامر يده يشير لشهيرة بالنهوض وهو يقول :
– يلا يا حبيبتى روحى بيتك وإن كان على كنزى خليها هنا النهاردة ولو فى أى حاجة جديدة بلغينى بيها
– حاضر يابابى
قالتها شهيرة وهى تترك مقعدها وتضع حقيبتها على كتفها ، فتقدمته بالمسير ، فسار خلفها صامتاً ، فهو لن يكون قادراً على الحديث بعد ذلك ، فما فعله بالداخل قضى على ما تبقى لديه من شعور ، فهو يعلم بأى سلوك وتصرف سيكون تعاملها معه ، فهى ستجعله يشعر بأنه عبد قد إبتاعه لها والدها من أجل الترفيه عنها
_________________
شعر رفيق بالأسف على حال صديقه ، فهو أنهى المحادثة بينهما عبر الهاتف منذ ثوان معدودة ، فبعدما هاتفه أكمل يخبره بأن كل شئ سيكون على ما يرام ،لم يحتمل البقاء بالشركة أكثر من ذلك ، بل أخبر مالك بأنه سيعود للمنزل لشعوره الشديد بالإرهاق ، فأخذ سيارته وعاد إلى منزله ، ولج المنزل فلم يرى أحد ، فأرتمى على تلك الأريكة العريضة التى وجدها بالصالة ، سحب رابطة عنقه ، وفتح الأزرار الأولى من قميصه كأنه يشعر بالإختناق ، فربما والدته وزوجته وشقيقته لم يعدن للمنزل بعد
أغمض عينيه فغلبه النعاس ، ولم يشعر بمجيئهن ، فأقتربت منه منى بسرعة لتطمأن على حاله ، فليس من عادته أن يعود من عمله باكراً
فربتت على صدره بهدوء وحنان وهى تناديه :
– رفيق رفيق أنت نايم ليه كده وايه اللى رجعك من شغلك بدرى دى مش عوايدك
رد رفيق بنعاس :
– كنت حاسس أن مرهق شوية يا أمى ومعلش عايز فنجان قهوة من إيدك الحلوة دماغى هتنفجر
– حاضر يا قلب أمك من عيونى
قالتها والدته ونهضت من مكانها وذهبت للمطبخ ، بينما ظلت ليان تتفرس به وهو نائماً بوداعة وشعره الكثيف مشعث وقميصه كشف عن الجزء العلوى من صدره ، فرفع يده يضغط على عيناه بإرهاق
فلم هى تنظر إليه هكذا ؟ عنفت ليان نفسها على أنها سمحت لعينيها أن تفتن بملامحه الرجولية الآسرة ، ففتح عيناه فجأة ، ورآها تحملق به ، فعقد حاجبيه بتعجب من فعلتها ، فشهقت بخفوت وهى تقول :
– أنا طالعة أغير هدومى يا رهف ويلا يا باسم أنت كمان غير هدومك
أرادت أن تتبعها رهف ، إلا أن رفيق استوقفها ليسألها عن معرفتها بليان، فهو يريد معرفة كل شئ عنها ، يريد ان يعرف ما تحبه ؟ وما تكرهه؟ ماهواياتها المفضلة؟ فهو يريد معرفة كل شئ عن تلك الساحرة الصغيرة ، التى ما أن يحث قلبه وعقله على الابتعاد عنها ، يجد نفسه يعود من جديد ويغرق ببحر أوهامه
فنادى شقيقته برفق وهو يعتدل بجلسته :
–:” استنى يا رهف عايز اسألك على حاجة”
جلست رهف بجانبه وهى تقول:
–:” خير يا أبيه فى ايه”
نظر رفيق لأعلى الدرج ليضمن عدم مجيئها ، فنظر لرهف قائلاً:
–:” هو يعنى عايز اسألك عن ليان تعرفى ايه عنها عايز اعرف كل حاجة انتى تعرفيها عنها حتى لو حاجة تافهة”
زوت رهف ما بين حاجبيها وهى تقول بغرابة :
–” اشمعنا يعنى ايه السبب يا أبيه”
رد رفيق قائلاً:
:” مش هتعيش معانا لازم اعرف كل حاجة عنها وكمان هى بقت مراتى فلازم اعرفها كويس”
بدا أن رهف أقتنعت بمبرره فردت قائلة:
–:” اه ماشى هى فاضل 3 شهور وتتم 19 سنة بتحب اللون الازرق جدا والأبيض صوتها خرافة لما بتقرأ قرآن أو بتغنى بتحب الشيكولاتة البابلز جدا ولبان الفراولة بتكره لبس الكعب العالى ملتزمة مؤدبة شخصية جميلة وهى جميلة زى ما انت شايف فى الكلية مش مصاحبة حد غيرى مش من النوع اللى بتحب تصاحب بنات بتعرف ولاد وكده يعنى”
رفع رفيق حاجبيه قائلاً:
–:” ده كله عرفتيه عنها فى كام الشهر بتوع الترم الاول فى الكلية”
ردت رهف قائلة بعفوية :
–:” وحياتك أنت فى أول أسبوع لينا فى الكلية عرفت ده كله حتى لما فى شاب جه مرة ولقتها بتكلمه ولما أستغربت وسألتها فقالتلى أنه إسمه ماجد ويبقى إبن صاحب باباها بيحبها وكمان هى بتحبه ومستنية يخلص كلية ويتجوزها”
ادركت رهف ذلة لسانها ولكن بعد أن فات الأوان ، فتلك الكلمات وقعت عليه كمن طعنه أحد بخنجر مسموم فسقط قلبه صريعاً
ماهذا الحظ السيء الذي يطارده دوماً ؟ لماذا كتب على قلبه عدم الراحة وان يظل جريحاً نازفاً مدمياً فاقداً للشعور بالحب ؟
إبتلعت رهف لعابها بتوتر من سخافة ما تفوهت به ، فليان أصبحت الآن زوجة أخيها ، فهى يجب ان تحترس بحديثها ولكن ماذا تقول أو تفعل لتصلح ذلك الخطأ الفادح؟
فتلعثمت رهف وقالت بتوتر :
–:” اا ابيه انا مش قصدى حاجة باللى قولته”
حاول رفيق رفع عاتق الحرج عنها فإبتسم لها وهو يقول:
–:” ولا يهمك يا حبيبتى ده كله حصل قبل ما اتجوزها يعنى شئ ميخصنيش”
وضعت رهف يدها على يده وهى تقول:
–:” يعنى انت مش زعلان منى”
حرك رفيق رأسه سلباً وهو يقول :
–:” لاء يا حبيبتى ويلا علشان تطلعى تغيرى هدومك”
صعدت رهف الدرج ، فرأى والدته قادمة بقدح القهوة ، الذى أوصاها به ، فتناوله من يدها وهو يتمتم بعبارات الشكر أحتسى قهوته بهدوء ، بينما عقله يفكر بما سمعه من شقيقته ،وخاصة ذلك الجزء المتعلق بقصة حب ليان وماجد ، فسخونة وحرارة القهوة ، زادت من شعوره بتلك النيران التى شبت بداخله ، فماجد هو الحبيب المنشود إذن
فلا يعلم لما ثارت كرامته الآن وهو يحدث والدته قائلاً :
– هى ليان بتنام فى أوضة رهف إزاى وسرير رهف مش كبير وتلاقيهم مبيعرفوش يناموا كويس فخلى الشغالة تاخد شنطة ليان وهدومها علشان تحطها فى أوضتى ، علشان هتقعد معايا فى نفس الأوضة يا أمى
سمعت ليان ذلك أثناء هبوطها الدرج ، فاتسعت عيناها بدهشة وصدمة ، تنظر اليه بغرابة ، فزواجهما ليس زواجاً حقيقياً ، وانما هى زيجة مزيفة لا اكثر ، ولكن جاءت كلماته المتممة لحديثه مخيبة لامالها وهو يراها تقف على بعد عدة أمتار منهما ، خاصة عندما سمعته يردف بنبرة هادئة :
–:” روحى يا ليان لمى حاجتك من أوضة رهف علشان الشغالة تحطها فى أوضتى وياريت من غير كلام كتير ماشى”
لم تتحرك من مكانها ، وكأنه يوجه حديثه إلى أحد اخر ، فظلت واقفة مكانها وهى عاقدة ذراعيها امام صدرها تنظر إليه بعينان مصدومة من أوامره التى يلقيها عليها
لم يكتفى بذلك بل أنهى قدح قهوته وخرج للحديقة منهياً الأمر ، فهو رآى بعينيها الكثير من الرفض ، فهو لم يشأ أن يثار بينهما شجار ويسمعه كل من بالمنزل ، ولكن ما أن وصل للحديقة وجد ليلى قادمة ، ويبدو على وجهها الإمتعاض
فأقتربت منه وعقدت ذراعيها قائلة :
– يعنى كنت بتضحك عليا يا رفيق ، قولت أنك موافق على أن رهف وليان يعملوا العرض ، وأنت أساساً مش ناوى تخليهم يكملوا ، عايز توقعلى العرض
مسد رفيق على شعره ورد قائلاً ببرود :
– وهو ده اللى مخليكى شايطة كده
اشتعلت عيناها بالغضب وهى تجيبه :
– أنا مبحبش شغلى يتأثر، ولا أن حد يسببلى خساير ، يعنى لو كنت اعلنت رفضك من الأول ، كنت اتصرفت ، مش تخلينى اطمن ان فى حد هيعمل العرض وأرفض الموديلز التانيين ، وأنت تبوظلى كل حاجة فى لحظة
ألتوى ثغر رفيق ورد قائلاً:
– أهو ده اللى كنت عايز اسمعه منك ياليلى ، وكنت عايز أشوفك على حقيقتك لو حسيتى أن حد ممكن يعطلك شغلك أو طموحك ، أنتى واحدة مادية وعايزة تستفيد من أى فرصة والسلام ، وأنتى مرجعتيش ليا إلا لما عرفتى إن أنا بقيت غنى ، شوفتى بقى أنك أصلاً مبتحبيش إلا نفسك ومصلحتك ، وحبك ليا اللى بتحاولى توهمينى بيه مش أكتر من مجرد حيلة منك علشان تضحكى عليا وأنك تستفادى منى يا ليلى ، وعلشان كده أفضلك تنسحبى من حياتى بهدوء ، قبل ما اتخلى عن ذوقى وهتشوفى منى تصرف مش هيعجبك ، أنا لحد دلوقتى بتعامل معاكى بذوق ، فإبعدى عنى وعن عيلتى يا ليلى ماشى ، واتفصلى أمشى من هنا بهدوء ، ومتفتكريش أن أنا رفيق بتاع زمان ، أنتى متعرفيش السنين اللى فاتت عملت فيا إيه ، يعنى ممكن أدوس عليكى من غير ما أحس بذرة ندم
خرج صوته مرعباً وهو يلقى بتهديده ، فمن الأفضل لها أن تتجنبه ، فهو يشعر بالضيق والإختناق من كل تلك الأحداث التى واجهها بالأونة الأخيرة ، وجاء تهديده لها بثماره إذ وجدها تسرع الخطى بالخروج من منزله ، وما أن هم بالعودة للداخل وجد ليان تقف على مقربة منه ، ويبدو أنها إستمعت لحديثه مع ليلى
أراد تجاوزها ليلج للداخل ، فأستوقفته وهى تسأل بفضول وإلحاح :
– أنا عايزة أعرف بالظبط إيه اللى بينك وبين مدام ليلى
– شئ ميخصكيش ، ومتسأليش على حاجة تخصنى ، خليكى فى حالك
قال رفيق عبارته وخطى خطوتين ، فقبضت على ذراعه وهى تقول بغضب :
– معناه إيه كلامك ده ، ثم أنا مش بكلمك سايبنى ورايح فين لازم ترد عليا ، وليه كلامك معايا بقى بالشكل ده
أزاح يدها من على ذراعه بشئ من الجفاء ورد قائلاً بصياح :
– أنتى عايزة منى إيه بالظبط ، عيزانى أكلمك إزاى يعنى ، مش ده اللى أنتى عيزاه ، أنا مش فاضى ولا تحت أمر مزاجك ، اللى بيتغير كل شوية ، أنا تعبان ونفسيتى زفت ، فأحسن حاجة تعمليها اتجنبينى خالص اليومين دول فاهمة
حدقت ليان بأثره وهى مذهولة ، ليس من شئ إلا من ذلك الشعور ، الذى باتت تشعر به تجاهه
_______________
حاول فاروق البحث عن حل يمكنه من الذهاب لمنزل رفيق ، فالوقت الأن ليس بصالحه ، فإما أن يأتى بليان ،وإما ستكون رأسه بالمقابل ، فبعد أن يأس من الدوران حول نفسه ، خرج من غرفة نومه يبحث عن إلهام ، فهى التى ستمكنه من الذهاب لهناك
وجدها تجلس على الأريكة بالصالة وتشاهد التلفاز ، فجلس بجانبها وتودد لها قائلاً :
– إلهام هو أنتى مش هتروحى تزورى بنتك فى بيت جوزها
تعجبت إلهام من إقتراح زوجها فردت قائلة:
– وأنت عايزنى أروح أزورها ليه يا فاروق
داعب فاروق وجنتها بلطافة وهو يقول:
– الله هى مش بنتك برضه ولا أنتى نسيتى مش تروحى تشوفى جوزها ده كويس معاها ولا لاء معيشها كويس ولا لاء مش جايز معذب ولادك معاه وقارفهم فى عيشتهم ومش بعيد كمان تلاقيه بيضربهم وعامل فيها واصى عليه وممكن كمان ينهب ورثهم يا إلهام هو أنا اللى هقولك
غرس القلق بقلبها من رسمه لتلك الصورة ، التى يمكن أن تكون عليها حال أولادها ، فهتفت بإهتمام :
– عندك حق والله يا فاروق حتى كمان هو اتجوزها وهو ميعرفهاش ووافق يتجوزها ليه بالسرعة دى ، أكيد زى ما بتقول عايز يلهف اللى وراها واللى قدامها
إتسعت إبتسامة فاروق ، وهو يستمع لحديث زوجته ، ويبدو عليها الإقتناع التام بما قاله ، فنهض من مكانها بسرعة وهى تقول:
– هو كان أدانى الكارت بتاعه فيه العنوان كنت حطاه فى شنطتى هدور عليه ونشوفه ساكن فين ونروح نشوفهم ولو طلع زى ما بتقول كده مش هعديهاله على خير
ذهبت إلهام للبحث عن حقيبتها ، وصفق فاروق بحماس وخبث ، فإلهام سهلة الإنقياد ، وربما ساذجة أكثر من اللازم ، فهى ستساهم بتخريب تلك الزيجة بدون أن تدرى
وجدها تخرج وهى تلوح بالبطاقة التعريفية الخاصة برفيق وهى تقول:
– لقيته أهو يا فاروق قوم غير هدومك خلينا نروح لهم
بلمح البصر كان فاروق تاركاً مكانه ، وأرتدى ثيابه وأنتظرها حتى أنتهت من إرتداء ثيابها هى الأخرى ،فخرجا من المنزل وأستقلا سيارته للذهاب لمنزل رفيق
فبمنزل رفيق و بعد إنتهاءهم من تناول طعام العشاء ، وجلوسهم بغرفة المعيشة ، ولجت الخادمة وهى تعلن عن قدوم رجل وإمرأة يزعمان أنهما أقارب زوجة سيد المنزل
فبالبدء نظر رفيق وليان لبعضهما البعض بغرابة من مجئ والدتها وزوجها ، ولكنه لم يتخلى عن تهذيبه فأذن لهما بالدخول
أنصرف الجالسين ولم يتبقى سوى ليان وباسم ورفيق ، فوالدته لم تستحب الترحيب بهما بعد علمها بما فعلاه ، فأرادت الانسحاب من تلك الجلسة بلطف ، بل أنها سحبت معها رهف ومالك أيضاً
ولجت إلهام وهى تقترب من إبنتها تحتضنها بلهفة :
– حبيبتى عاملة إيه دلوقتى أنتى كويسة
إبتعدت ليان عنها قليلاً وقالت :
– الحمد لله بس إيه سبب الزيارة السعيدة دى
إبتسم فاروق وعيناه منصبة على وجهها:
– حبينا نيجى نطمن عليكم
أسرع رفيق بالوقف أمامها ، ليحجبها خلفه ، فهو يحاول أن يتمالك أعصابه بصعوبة بالغة ، فهو ليس بحال أو مزاج لتحمل ذلك الرجل البغيض
– وهم الحمد لله كويسين وفى أحسن حال
قالها رفيق ببرود ، بينما ظلت ليان مكانها ، كأنه جدار تختبأ خلفه من شرور الدنيا ، فبدون وعى منها رفعت يدها وتمسكت بقميصه من الخلف ، كأنها طفلة تستنجد بوالدها من شئ ترى أنه سيتسبب لها بإساءة
أمتعضت إلهام من حديث رفيق الجاف فردت قائلة:
– هو أنت ليه واقف قدامها كده ومخبيها عنا هو إحنا هناكلها دى بنتى
ذلك الفتى الواقف بجانب شقيقته صامتاً ، كان بإنتظار أن تظهر له والدته إشتياقها إليه ، ولكن تلك المرة كسابقيها ، فحتى لو أخبرته به ، فهو لن يصدقها ، فهو وجد والدة زوج شقيقته تعامله أفضل من والدته التى انجبته
فأراد أن ينصرف من تلك الجلسة التى أصابته بالإختناق ، فهتف قائلاً:
ذهب باسم بعد علمه أنه ترك شقيقته بإيد أمينة ، فزوجها قادر على الدفاع عنها مثلما كان يفعل هو دائماً حسب مقدرته
رمق فاروق رفيق بغيظ وقال:
– هو أنت قولت ايه للعيال عننا مش طايقين يبصوا فى وشنا
– عندك حق يا فاروق دا شكله كده بدأ يلعب فى دماغهم
قالتها إلهام وهى ترمق رفيق بغيظ هى الأخرى
فمط رفيق شفته السفلى بعدم إكتراث قائلاً :
– أنا مقولتش ليهم حاجة ولا جبت سيرتكم قدامهم بكلمة أنا اصلاً مكنتش فاكركم ولو عايزين تتكلموا معاها أهى قدامك كلموها براحتكم وهسيبكم لوحدكم لو أنتوا حابين وهبعتلكم واجب الضيافة كمان أنا أعرف فى الأصول
مد رفيق يده خلف ظهره ليسحب ذراعها ، فوجدها تتمسك به أكثر رافضة ذلك ، بل أنها هتفت به وصوتها به غصة كأنها على وشك البكاء :
– لاء يا رفيق متبعدش عنى خليك معايا
______________
يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في هواها متيم ) اسم الرواية