رواية صماء لا تعرف الغزل كاملة بقلم وسام الأشقر عبر مدونة دليل الروايات
رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الثالث و العشرون 23
ينظر إلى الأوراق أمامه لا يفقه منها شيء، كأن الكلمات والسطور مُحيت من الأوراق وتركت الصفحات بيضاء.. يجلس على هذا الوضع من أربع ساعات لا يستطع التركيز.. فالمشهد المخجل يتكرر أمام عينه مرات ومرات ومع أنه يستحق ما حدث له إلا أنه سعيد بهذه الصفعة التي هزت كيانه رغم قوة الصفعة التي صدرت من كيان أنثوي هش، لتجعله يبتسم بشرود كلما تذكر هل وصل به الحال أن يحب الإهانة؟ أم هذه الصفعة لها رأي آخر كأنها تداعبه.. لا يعلم كيف أتته الجرأة على محاولة تقبيلها بسيارته وسط الطريق العام بعد أن رفض نزولها من سيارته وأصر عليها توصيلها للخالة صفا إلا أنه لم يشعر لنفسه إلا وهو ينظر لعينيها الساحرتين ليراقب بعدها شفتيها المتفجرتين ليفقد السيطرة على نفسه ويهجم عليها لتقبيلها بدون وعي كأنه يلبي ندائهما ولم يشعر بمقاومتها له العنيفة في محاوله منها أن تبعده لتضربه ضربة قويه بصدره وتليها صفعة قوية من يدها الصغيرة ليثبت بعدها مذهولًا جاحظ العينين من تصرفه المخجل.. ليفيق مرة أخرى على صراخها في وجهه بأن ينزلها من سيارته فلم يشعر بنفسه إلا وهو يحرر قفل الباب الموصد دون أن ينبث بكلمة لتفر من جواره هاربة.
ليجذب هاتفه المحمول ويقوم بالبحث عن اسمها من القائمة ويضغط على زر الاتصال.. لينتظر شادي إجابتها يريد أن يستمع لصوتها ويطمئن على حالها.
سميه:
– السلام عليكم.
شادي: ……
سميه:
– الو.. مين معايا؟!
شادي يبتلع ريقه بصعوبة ويجيب:
– سميه! أنا آسف.
لتجحظ عينيها وتتسارع أنفاسها وتسرع في غلق هاتفها لترفع أعينها بمرأة بمدخل شقة الحاجة صفا لتجد احمرار شديد بأعينها نتيجة البكاء المستمر بسبب ما حدث.
………
بعد أن علمت من يامن حاله غزل مع إصراره على عدم إبلاغ أي شخص آخر، شعرت بالبرودة تسري بجسدها وخوف عليها لا تعلم متي شعرت بمشاعر الإخوة معاها كانت دائمًا ناقمة عليها وتنكر اخوتيها لها ولكن تبدل بها الحال بعد ما حدث بينها وبين يوسف وعلمت وقتها انها كانت مخدوعة به وبمظهره ولكن الحق يقال فهو له الفضل الكبير لتغيرها للأفضل.
تسير في أروقه المستشفى تبحث عن حجرتها لقد أبلغها يامن برقمها.. لتجدها فلم تتمالك نفسها إلا وهي مندفعة داخل الحجرة بدون الطرق على الباب لتقف مذهولة من المشهد فيوسف يقف بجوار السرير منحنيًا فوق غزل التي لم يظهر ملامحها من كثره الكدمات يقبلها بشغف.. لتدقق النظر وتكتشف ثبات غزل وعدم استيعابها لما يحدث حولها.. ليبتعد يوسف عن وجهه غزل دون أن يستقيم أو يترك وجهها الساكن بين يديه ويرسل لها نظرات غاضبة تظهر منها الكره ليقول:
– انتِ إيه اللي جابك هنا؟ وإزاي تدخلي من غير إذن.. لتتوتر تقى وتتلعثم:
– أنا.. أنا جيت أشوف غزل.. أنا اسفه كنت فاكراها لوحدها.
يلوي يوسف فمه بابتسامه استهزاء ويريح رأس غزل على الوسادة ليستقيم ويقترب منها بهدوء ليقول بجفاء:
– وانتِ بقى جاية تطمني عليها فعلًا ولا تشمتي فيها؟
تقى ببكاء تحاول السيطرة عليه:
– أنا أشمت فيها؟ إزاي تقول كده! أنا والله جاية اطمن عليها لما يامن لقاني قلقانه انها مش بترد عليا قالي اللي حصل.. وجيت على طول.
يوسف بعدم اقتناع:
– وكمان عرفتي اللي حصل؟ لتخجل تقى من تلميح يوسف فتنظر لقدمها بصمت.. لتفزع من صوته الجمهوري يقول:
– بصيلي هنا.. ومتمثليش عليا دور الملاك اللي بجناحات عشان أنا فاهمك كويس.. وأحب أعرفك إنك أنتِ كنتي سبب من الأسباب اللي خليتني عملت فيها كده.
ليمسك ذراعها بقوة ويدفعها خارج الحجرة ويغلق بابها وهو يضغط على ذراعها ليقول:
– مش أنتِ اللي فضلتي تلعبي في ودني وتزني وتقولي عليها بتحب تلم الرجالة حوليها وكلام تاني كتير لحد ما صدقت فعلًا إنها ممكن تبقى مع أي حد.. ليهزها بقوة ويصرخ:
– ها ردي؟!
تقى ببعض الشجاعة:
– ونفترض إني قولتلك كدة، إيه اللي خلاك تجوزها وانت متأكد انها مش بريئة؟ ولما أنت مصدقني كنت فرحان ليه بجوازك منها؟ ولما أنت مصدقني وكنت عارف انها مش كويسة اتصدمت ليه لما اكتشفت انها مش.. مش..
ليصرخ يوسف:
– إخرسي، إياكي تجيبي سيرتها على لسانك فاهمة؟ أنا لولا إن أخويا عايزك ومصمم عليكي كنت بعدتك عنه.
تقى ببكاء وانهيار:
– حرام عليك يا اخي حرام عليك.. عمال تتهمني من الصبح وانا ساكته بس أنت عارف يا يوسف.. انت، هدمت الصورة الحلوة اللي كنت رسمهالك، انت عايز تلوم أي حد غيرك على أخطائك، عمال بتتهمني إني السبب.. بس سايب نفسك انت مش قادر تواجهها.
ليضغط على ذراعها بقوة جعلتها تصدر آنه ضعيفة ليقطع المشهد صوت يامن المذهول الحامل لكوبين من القهوة:
– إيه اللي بيحصل؟ أنت ماسكها كده ليه! فيتركها يوسف وينظر لهما ليتركهما وينصرف لدورة المياه في آخر الممر.
ليقول يامن:
– في إيه يا تقى؟ يوسف كان ماسكك كده ليه؟ وكان بيزعق.
تقى بضعف:
– مفيش يا يامن، هو أعصابه تعبانة وزعق لإن عملت دوشه وكنت هصحي غزل.. يامن بعدم اقتناع:
– بس كده؟ لتهز رأسها بنعم لينظر لها ويفكر فيما تخفيه عنه تقى.
………….
في كافيتريا الشركة أثناء فترة الراحة.
ينظر لها بترقب منتظر إجابتها على اقتراحه الذي يريح جميع الأطراف ليقول مشجعًا:
– ها ياسوزان رايك إيه؟
فتفرك أصابع يدها بتوتر وتقول:
– يا محمد أنا كان نفسي يكون ليا شقه خاصة بيا أفرشها وأوضبها على مزاجي، وحاسة مش هبقى براحتي لو وافقت إن اسكن معاك في نفس شقه مامتك.
محمد بتشجيع:
– إيه بس اللي قلقك؟ الحاجة راويه وانتِ عارفاها بتحبك زي تقى وغزل والكلام ده مؤقتًا لحد الساكن ما يطلع.
سوزان بغضب:
– ده مكنش كلامك يا محمد.. انت قولتلي انك هتاخد شقه من العمارة وهتفرشها.
محمد:
– ياحبيبتي أنا فعلًا قولت كده على أساس إن الراجل اللي مأجر راجل مسن، وكان هيسافر لابنه ويسيب الشقه، لكن بعد كده أجل سفره.. مش معقول هطرد راجل كبير من الشقة ربنا حتى مش هيباركلي.
سوزان بحزن:
– طيب أنا ذنبي إيه ها؟
محمد:
– أنا عارف إنك طيبة ومايهونش عليكي راجل كبير يتبهدل هو مأجل سفره، نتجوز وبعد ما يسافر نوضب الشقة.. ها إيه رايك؟
سوزان بطاعة:
– خلاص.. موافقه.
محمد:
– يا الله اخيرًا وافقتي.. أيوه كده خلينا نتلم بقى ونحط زيتنا على سمنتنا.. لتصحح له:
– على دقيقنا علي فكره مش سمنتنا.
ليضحك محمد ويقول:
– عمومًا كله هدفه.. واحد إننا مع بعض.
تشعر بالاختناق من كثره البكاء كادت الصدمة أن تصيبها بأزمة قلبيه إلا انها هدأت قليلًا بعد أن تأكدت للمرة الرابعة بعدم حدوثه، كادت الصدمة أن توقف قلبها عندما قامت بالاختبار الأول وظهر لها الاختبار إيجابيًا لتسرع في شراء ثلاث اختبارات، لتقوم من التأكد من هذه الكارثة لتنتبه إلى صوته من خلف باب دوره المياه يناديها بلهفه وخوف:
– ملك.. ملك.. أخرجي وطمنيني، مش هينفع اللي بتعمليه فيا ده.. افتحي أنا أعصابي تعبت.
ليفتح الباب وتطل من خلفه منكسة الرأس فتزداد ضربات قلبه خوفًا مما ستخرجه من فمها من كوارث، فيبتلع ريقه بصعوبته ويقول بصوت مهزوز:
– طمينيني.. في حاجة؟
لينتظر.. وينتظر إجابتها.. لم يمر ثواني قليلة شعر فيهم بأنهم سنوات عقيمه فيرى شفتاها تتحرك بصعوبة وتخرج بعض الكلمات الغير مسموعة له.. ليقول لها:
– إيه.. مش سامعك.
فتحرك رأسها بالنفي وتقول:
– مافيش.. الحمد لله، التحليل سلبي.
ليزفر بقوة ويقول:
– الحمد لله.. أنا كنت هموت من القلق.. مش عارف لو المصيبة دي حصلت كنّا عملنا إيه؟ ملك بتأثر:
– الحمد لله.
ليلاحظ جاسر عبوسها ليتسأل:
– مالك ياملك زعلانه ليه؟
ملك بحزن:
– اصل شكلك فرحان أوي اني مطلعتش حامل، شكلك مش عايز ولاد مني.
جاسر:
– إيه الكلام ده ياملك؟ طبعًا نفسي بس الوضع دلوقت ماينفعش.. اروح أقول لأخوكي ايه انا طالب أيد مراتي اللي هي حامل في ابني؟
ملك بعصبيه:
– بقولك إيه يا جاسر.. أنا كنت هموت من الرعب من فكرة إن أكون حامل.. أنا مش هقدر أجازف تاني.. شوفلك حل مع يوسف، انا كده بموت بالبطيء.
جاسر:
– يعني إيه؟
ملك بصرامه:
– يعني حكاية إن أقابلك تاني لا.. المرة دي ربنا سترها يا عالم هيحصل ايه تاني.
جاسر بخبث:
– هو مش انتِ مأمنه نفسك وبتاخدي الحباية؟ ايه اللي مخوفك بقي؟ وكمان اللي أنتِ بتطلبيه صعب.. إزاي هقدر استحمل أبعد عنك؟
ليقترب إليها ويضمها إلى صدره بحنان بالغ ويقبل جانب عنقها فجعلها ترفع ذراعيها لتحيط بعنقه وتقول:
– وانا كمان مش هقدر أبعد عنك ياجاسر مش هقدر.
………
شعور غريب.. بل الأصح شعور جديد من الغربة.. دائمًا هي بغربة.. لقد تربت ونشأت بكنف أناس غير والديها فكانت أول غربة …لتزداد غربتها مع انقطاعها عن التواصل بما حولها لتتسع دائرة غربتها.. ورغم ذلك كانت متأقلمة مع غربتها لشعورها بنسمات الحب والأمان من حولها لتتناسى غربتها وتشعر أنها على شاطئ الأمان أما الآن، إنها تفيق من استسلامها على امواج شنعاء تسحبها إلى أعماقه مرة اخرى لتشعر بغربتها التي تزداد اتساعًا وترتفع الرايات السوداء لتترك ما اعتادته وتعاشر أناس آخرين غرباء عنها.. ولكنهم أقربهم دمًا، فتحاول مرة ثانية للتعايش مع غربتها والحد من اتساعها فتغص في محاولة منها للاستلام من جديد، وفِي لحظه تغافل منها سلمت مقاليد حياتها لمن لا يستحق، فتظل حبيسة له بعد أسرها فهل من فرار؟
مستلقية فوق فرشها الغريب عليها لا تعلم كم مر من الوقت على إفاقتها لتصدم انها ليست بغرفة المشفى ولا على فراشها التي اعتادته عدة أيّام قليلة، تجهل كيف أتت إلى هذه الغرفة إلا بعد سماع صوت يتحدث بهاتفه خارج غرفتها ليتضح صوته
وأثناء ذلك تشعر بتحرك مقبض الباب ليدخل وهاتفه على أذنه إلا أنها استرعت بالهروب من مواجهته واصطنعت النوم.. لتقنع حالها أنها ليست بخائفة منه بل هي تحتاج فترة قليلة لتستعيد قوتها مرة أخرى، وتستطيع حينها ترتيب قراراتها بكل حرية.. قرارتها التي من المؤكد بعدها ستقام معركة حامية لتنتصر بها وتستطيع الإبتعاد عنه بعدها وسيكون قرارا لا رجعة فيه.
لتشعر بخرجه مرة أخرى وإغلاق الباب خلفه فتفتح أعينها وترفرف بارتياح لابتعاده.
………
بعد خروجه من حجرتها والاطمئنان عليها وهو مستمر في الاستماع لتوبيخ أخيه المتواصل له واتهامه بهمجيته واختطافه.. ليزفر بقوة مع الضغط على أسنانه ليقول:
– بقولك إيه مافيش زوج بيخطف مراته، وانا حر يا أخي اخرجها من المستشفى في الوقت اللي أنا أحدده.. أنا مش هاخد الأذن منك.
يامن بغضب مستعر:
– انت اكيد اتجننت، واقسم بالله يا يوسف لو غزل حصلها حاجة لاتصل بعمك وأبلغه باللي حصل.. ويستحسن تعرفني انت فين!
يوسف ببعض الهدوء:
– اعمل اللي تعمله.. ما أنت خلاص مش همك مصلحتي.. انت مش بتفهم بقولك أخدتها عشان اصلح اللي حصل.. عايزني بقى أخدها الفندق عشان تفتكر اللي حصل ولا ارجع الفيلا واقطع شهر العسل وما اسلمش من أسأله ملك ولا أعرف انفرد بيها؟ انا كل اللي عملته عشان مصلحتنا احنا الاتنين.. فهمت ولا أقول تاني؟
ليصمت يامن ليفكر بأمر أخيه ويزن حديثه ليقول:
– طيب هتغيب قد إيه؟
يوسف:
– مالكش فيه بقي..
يامن بهدوء:
– يوسف.. لازم غزل تعرف أنا ضميري بيأنبني إن احنا خدعناها.. ولازم تقولها.
يوسف:
– مش وقته يا يامن. أوعدك إن الأمور لما تستقر أبلغها.. فاهمني؟
يامن:
– ربنا يقدم اللي فيه الخير.. بس ماتقفلش موبيلك عشان أعرف اطمن عليكم وأعقل كده.. ها اصل انا عارفك متهور،
ليبتسم يوسف علي حديثه ويجيبه:
– ماتقلقش بس ادعيلي.. مع السلامة.
لينهي المكالمة وينظر لباب غرفتها بشرود ليقول بنفسه:
– وبعدين معاكي ياغزل.. هتفضلي تمثلي إنك نايمة كده كتير؟
ليترك غرفتها ويتجه إلى المطبخ ليحاول إعداد لها وجبة ساخنة لها ليقف وسط المطبخ ليدري ماذا يفعل؟ فهو يجهل كيفية إعداد البيض المسلوق.. كيف سيعد لها الطعام؟ حتي لو حاول الاتصال بأي مطعم لن يصل إليه.. فيعتبر هذا الشاليه بعيدًا عن العمران والنَّاس ولا يوجد بجواره إلا عدد قليل جدًا من الشاليهات المهجورة في ذلك الوقت، لتقف فكرة بعقله حلًا لهذه المعضلة.
يخرج هاتفه من جيب سرواله ليقوم بالبحث عن وصفة لإعداد حساء ساخن لها حتى وصل إلى هدفه.. ليستعد كأنه شيف بمطبخه ويفك أزرار قميص ذراعيه ويشمره حتى يتحرك بأريحيه.
بعد الانتهاء من إعداد الحساء الساخن بنجاح نظر من حوله لما حدث بطبخه فيشمئز مما لحق به ليقول:
– هو إيه اللي حصل في المطبخ! كل ده عشان حبة شربة خضار.. الستات برده بيتعبوا، انا كده لازم أبعت لهناء في اسرع وقت.
……….
يطرق الباب رغم علمه أنها لن تجيبه ولكنه يحاول أن يترك لها بعض الخصوصية ويظهر لها تغيره ليدخل بعد الطرقة الثالثة ويدفع الباب بهدوء ليتفاجأ بها جالسه نصف جلسه على فراشها لم تلتفت إليه عند دخوله ألمه بشدة مظهر وجهها المكدوم ليشعر بألم شديد بقلبه.. كيف طاوعته نفسه أن يفعل بها هذا ويؤلمها هذا الألم بدون تبين الحقيقة.. ليجلي صوته ويقول بمداعبة عكس ما يشعر به:
– صباح الخير.. كويس إنك صحيتي.
ليسند الحساء على طاولة جانبيه ويقوم بالجلوس بجوارها ليواجهها ويترك لنفسه لفرصة تأملها فيلاحظ إصرارها على الصمت.. حتى النظر إليه تبخل به عليه.. فيهمس لها:
– غزل!
ويحاول مسك كف يدها إلا أنه شعر بتشنج جسدها عند ملامستها وببروده أطرافها ليقول:
– أنتِ ايديك ساقعة أوي.. أنتِ بردانه؟ أكيد عشان ما أكلتيش.. أنا عملتلك شوربة خضار إنما ايه.. هتاكلي صوابعك وراها.
ليطول الصمت بينهم إلا من أصوات امواج البحر بالخارج.. كان يعلم انها لن تجيبه ليتحرك حتى يجلب من جوارها الحساء فيوقفه صوتها المبحوح المتألم:
– مش عاوزه..
لم يبالي بحديثها فما يهمه انها تحدثت ولم تلتزم الصمت.. ليقترب إليها وبيده الصحن ويجلس عن قرب منها ليقول:
– لازم تاكلي..لان في علاج لازم تاخديه.. وماينفعش تفضلي من غير أكل.
غزل بتحدي:
– مش عايزه منك حاجة.. وياريت تسيبني في حالي.
يوسف:
– حالي وحالك واحد، مش هينفع اسيبك.
غزل:
– انت فاهم أنك لما تعمل اللي بتعملوا هسكت عن اللي عملته؟ انت بتحلم.
فتتحرك من فراشها لتقف أمام شرفتها وتقول:
– إحنا مبقاش ينفع نكمل مع بعض.. فيستحسن كل واحد يروح لحالة بهدوء وبدون شوشرة.
حديثها لم يكن بجديد عليه فهو كان متوقعًا أكثر من ذلك.. يقترب منها بهدوء حتى يقف خلفها مباشرة ليقول:
– ولو مسبتكيش إيه اللي هيحصل؟
غزل بغضب:
– هو بالعافية؟!
يوسف سريعًا:
– آه بالعافية.
غزل بغضب متزايد:
– ايه هتحبسني وتخليني أعيش معاك بالغصب؟
يوسف بخبث:
– لو حكمت إني اخليكي بالغصب هعملها يا غزل.
فتدفعه بيديها من صدره فيسقط الحساء على قميصه فيشعر باحتراق صدره من سخونته ولكن احتراق قلبه أكبر.
لتشير له بسبابتها:
– وأنا مش قاعده معاك يا يوسف ولو حكمت هرب منك.. أنا يستحيل أوافق استمر معاك بعد اللي عملته.
يوسف بسخرية مزيفة:
– وهتهربي مني إزاي بقى ها.. مش اللي عايزه تهرب تكون قادرة على كده.
غزل:
– يعني إيه؟ هتربطني ولا يمكن هتقفل عليا!
يوسف:
– ولا ده ولا ده.. لأن الحكاية بسيطة جدًا، اللي عايزه تهرب من جوزها لازم تكون قادرة صحيًا عشان تقدر تهرب، ولا إيه؟ أما بالنسبة لوحده زيك مش قادره حتى تقف على رجليها هربطها ليه!
كان يقصد استفزازها والضغط عليها حتى لاحظ تأثرها بحديثه.
حاول السيطرة على ابتسامته ليظهر وجهه جادًا لها.. ويكمل بثقه:
– أيوه كده.. خليكي عاقله وفكري كويس، لو عايزه تهربي يبقي لازم وقتها تكوني قادرة.. واوعدك إنك لو قدرتي تقومي وتخرجي من الشاليه مش همنعك.
ليتحرك مارًا بها وقبل خروجه من الباب إلتفت لها يقول:
– أنا رايح اجيبلك شوربة بدل اللي وقعت عليا.
تقف غزل مصدومة من حديثه لا تعلم ما يقصده هل بالفعل سيسمح لها بالهروب منه وتركه لو حاولت؟ أم يخدعها.
ولكن الشيء الوحيد الصادق بحديثه حالتها الجسدية، التي لا تسمح لها بمقاومته أو الدفاع عن نفسها أمامه.
…………
ظل أكثر من ساعه بسيارته يحاول ترتيب كلماته التي يعدها منذ ما حدث سيعتذر نعم سيعتذر ولكن هل بعد اعتذاره ستقبله؟ لا يعلم ما الفارق بالنسبة له سواء قبلته أو لم تقبله كان خطأً عابرًا يحدث للكثيرين ولن نقيم له قضية ترفع للمحاكم العليا ليحكم عليه بالسجن المؤبد أو الإعدام. ليشجع نفسه للتوجه لها لعله يمحو هذا الخطأ.
يقف منتظرًا فتح باب الشقة بعد ان دق جرسه يضغط بكفه على باقة الورد بتوتر، ليفتح الباب وتظهر من خلفه من سلبت عقله وشاغلة تفكيره من عدة دقائق.. فيظهر على وجهها الصدمة وترفع يدها على حجابها لتتأكد من اعتداله ليقول شادي منهيًا هذا التوتر:
– صباح الخير.
لتجيبه:
– صباح الخير..
– مين ياسمية؟!
قالتها الخالة صفا من الداخل فتجيبها بصوت عالي:
– ده الاستاذ شادي..
وتبتعد عن مدخل الباب وتقول:
– اتفضل في الصالون..
ليمر بحوارها ويهمس لها:
– انا علي فكره البشمهندس شادي.. واخده بالك انتِ، باشمهندس مش استاذ.. بس هي طلعه منك زي العسل، وأعزب وبدور على عروسه، معندكيش ينوبك ثواب؟
لتقول بحده:
– أنا لو عندي ميرضنيش ارميها الرمية دي.
شادي وسط ضحكاته:
– اتفضلي الورد..
لتنظر للباقة وتقوم بجذبها منه بشدة لتقول بين أسنانها:
– اتفضل ادخل.
لتخرج صفا مستنده على عكازها لتقول:
– اهلًا وسهلا يابني.. أنت لسه واقف.
ليبتسم شادي يقول:
– أعمل إيه بقى.. سمية مذنباني ومش عايزاني ادخل، وأنا بقولها رجلي ووجعتني
لتهمس سميه بغيظ:
– اللهي يتوجع بطنك.
صفا:
– اتفضل يابني انت مش غريب.
ليمر شادي من جوار سمية ويهمس لها:
– سمعتك على فكرة، ومش مسامحك.
فتتجه سمية للمطبخ لإعداد القهوة له وتقدمها مع ظهور ابتسامه صفراء على وجهها، ومع أول رشفه له كاد أن يبصقها بوجه صفا إلا انه فضل ابتلاعها ليقول في نفسه:
– إن كيدهن عظيم.
ليلاحظ نظراتها المتحدية له تتحداه ان ينطق أو يشتكي لصفا.. مع مرور الوقت والسؤال عن صحة صفا استأذنته لصلاة المغرب ليجد نفسه يقوم بالاتصال بهاتفها لتجيبه بتذمر:
– نعم.. عاوز ايه؟
شادي:
– مايه عايز مايه.
سمية:
– عندك على الصنية.
شادي بتحدي أكبر:
– دي بارده.. أقصد سخنة.. وأنا عايز مايه باردة أوي.
لتغلق الهاتف بوجهه بعد تذمرها.. فتدخل عليه حامله كوب المياة وتضعه بقوة أمامه ليتساقط منه بضع قطرات على الطاولة لتقول:
– اتفضل.. أي خدمة تانية؟
شادي:
– آه.. عايزك تشربي من الكباية.. لا تكوني حاطه حاجة مش كفايه الملح اللي في القهوة.. لتجذب الكوب وترتشف منه رشفة وتقوم بتقديمه له فيتناوله ويضعه مكانه على الطاولة ويقول لها بجدية:
– اقعدي.. عايز اتكلم معاكي.
ولكنها تصر على عنادها ولا تتحرك من مكانها.. ولكنها تخضع لطلبة بعد ترجيه للمرة الثانية، لتجلس على أريكه بعيده عنه ليقول:
– أنا.. أنا اسف جدًا على اللي حصل بينا.. صدقيني فعلًا أنا بعتذرلك واوعدك ان ده مش هيتكرر تاني.. انا مش وحش زي ما أنتِ فاهمه.
لتخجل من حديثه وتقول:
– خلاص ما حصلش حاجة.. عن إذنك.
لتودعها أعينه التي تقييمها بإعجاب.
……………
بعد انتهائها من إعداد عدة وجبات للخاله صفا تكفيها ليومين بسبب عدم استطاعتها المرور عليها لفتره بسبب الجامعة، لتدخل حجرتها بإرهاق متملك من كل ذره من جسدها لتحرر شعرها من حجابه وتلقي به علي فراشها بإهمال.. لينسدل على وجهها خصلات شعرها الناعم الأسود الحالك الذي يشبه شعر الخيل كما يوصفه والدها، وتجلس بإرهاق لتدلك قدمها اليمني التي آلمتها بشدة بسبب كثره وقوفها رغم تحذير الطبيب الخاص بها من ذلك حتى لا تؤثر على عمليتها.. ليقطع تفكيرها صوت جرس الباب لتزفر بشده وتقول:
– اليوم ده مش عايز يخلص بقى.
تتجه لفتح باب الشقة بعد ارتداء حجابها.. لتتفاجأ به يقف وعلى وجهه ابتسامه بارده وبيده باقة من الزهور الحمراء، أكبر بل أكبر بكثير من باقة الصباح.. لتقول:
– أنت إيه اللي جابك هنا؟ أنت اتجننت!
شادي:
– دي مقابله تقابلي بيها ضيوفك؟ وكمان دي مش أول مرة أجي هنا.. ولا نسيتي؟
سمية بتعجب:
– ضيوفي؟ والله الضيوف لازم يستأذنوا قبل ما يجوا.
ليقطع حديثهم رضا:
– أهلاً يابني.. اتفضل ادخل أنت لما كلمتني مستنيك من وقتها.
فتتنحى جانبًا حتى يمر شادي وهي بفم مفتوح ليهمس لها:
– الورد ده عشانك.
لتجذبه بقوه فيتساقط اوراقه وتقول بين أسنانها:
– هات.. وخلي الليلة تعدي على خير.
لتهمس في نفسها:
– لابسلي بدله وماسك ورد فاكر نفسك جاي تتجوز.. ناقص تجيب شكولاتة كمان.
ليلتفت لها شادي بسرعة:
– تصدقي نسيت الشكولاتة في العربية؟ ثواني أجيبها وارجع.
لتجيبه بين أسنانها وقد فاض بها الكيل:
– اتنيل ادخل لو سمحت.
شادي:
– حاضر.. هتنيل.
لتذهب بعد دخوله إلى المطبخ لتعد فنجانين من القهوة.. وبعد لحظات كانت تقوم بتقديمها لشادي لتنتبه لحديث والدها من خلفها يقول:
– والله يابني أنا يشرفني نسبك.. والعروسة أهي ناخد رأيها.
فتدور الكلمات بذهنها أي نسب يقصد؟ وأي عروس! هل يوجد أحد غيرها بالمكان؟! لتتسع أعينها من الصدمة وتهتز الصنيه بيدها لتسقط على بنطال شادي فيقفز من مكانه ذاهلاً ينظر لها وهي تضع يدها على فمها بذهول.. ليقول رضا:
– إيه اللي انتِ عملتيه ده بس يابنتي.. أنا اسف يابني تعالي في الحمام نضف بنطلونك..
لتفر هاربة من أمامه.
…………
يجلس مرة أخرى على أريكه أخرى بعد أن حاول تنظيف ما يستطيع تنظيفه، ليراها تدخل بتهذيب بقهوة جديده ولكن هذه المرة قامت بوضعها أمامه.
وتقول بتهذيب غير معتاد عليها:
– اتفضل.. وتتحرك لتجلس بأريكه مقابله له ليقطع صمتهم صوت رضا يقول:
– – ها ياسمية ايه رايك في طلب البشمهندس؟
ليظهر توترها جليًا عليها مع محاولتها الهروب من نظرات شادي المترقبة لتقول بصوت مهزوز:
– والله يا بابا.. حضرتك عارف إن دلوقت الظروف إني مشغولة في آخر سنة في الكلية و.. وكمان مش مستعده لأي ارتباط دلوقت.
ليبهت شادي من رفضها فقد كانت موافقتها أمر مسلم به من وجهه نظره، فيشعر كأن دلو من الماء المثلج سقط عليه ليحاول التكلم ويقول:
– احم أنا.. أنا مش شايف إن ارتباطنا يأثر على دراستك في حاجة.. لو خايفة إن ارتباطنا يأثر ممكن نأجلها لبعد الامتحانات.
لتقطع حديثه وتقول:
– انا بعتذر لحضرتك على رفضي انت إنسان محترم وأي بنت تتمناك بس.. بس
ليقول شادي:
– فهمت.. بس مش انتِ البنت دي.
لينهض من مكانه حتى يلملم ماتبقي من كرامته المهدورة ويقول:
– ليه يابنتي كده؟ الشاب كان شاريكي.
سميه بتأثر:
– كده أحسن يا بابا.. أحسن ليه ولينا.
رضا:
– ربنا يكتبلك الخير يابنتي اللي ليكي فيه نصيب هيجيلك.
سميه لنفسها:
– يارب يابابا.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية صماء لا تعرف الغزل ) اسم الرواية