Ads by Google X

رواية وجوه الحب الفصل الثالث 3 - بقلم نور بشير

الصفحة الرئيسية

  رواية وجوه الحب كاملة بقلم نور بشير عبر مدونة دليل الروايات 


رواية وجوه الحب الفصل الثالث 3

 

( ٣ ) – صـارحـنـي –

وقع عليه الإسم كوقوع الصاعقة وكأن هناك أحد قد أطلق عليه وابل من الرصاص دفعة واحدة؛ فشعر وكأن الغرفة قد ضاقت عليه وأن الهواء أصبح يُسحب من بين رئتيه؛ فهتف بعدما إستغرق لحظات يحاول فيها إلمام شتات حاله.

– أنت إيه اللي فكرك بالبني آدمه دي دلوقتي..؟!

وإزاي أصلًا تجيب سيرتها قدامي بعد السنين دي كلها..؟!

” عـاصـم ” بتفكير وهدوء محاولًا إستشفاف جوابه من طريقته.

– حمقتك دي لوحدها إجابة كافية لسؤالي يا مُـراد..

واللي خلاني اسألك سؤالي ده هو حالتك يا صاحبي اللي أنا شايفك بيها دلوقتي..

” مُـراد ” بعصبية.

– كلامك في الموضوع ده مش مقبول يا عـاصـم خد بالك..

” عـاصـم ” على نفس نبرته السابقة.

– أوماااال إيه هو اللي مقبول يا مُـراد من وجهة نظرك..

المقبول أنك تعيش وتفني عمرك مع واحدة أنت مش حاسس بيها ولا شايفها حتى..

” مُـراد ” بسخرية.

– وهي اللي كنت حاسس بيها عملتلي إيه يعني يا عـاصـم..

ثم ضحك بإستهزاء.

– مبقتش فارقه صدقني..

أديني على الأقل ربيت بنت أخويا بدل ما كنت هعيش عمري كله مغفل بربي عيل مش من دمي ولا يمس ليا بصلة..

” عـاصـم ” بتفكير.

– أهووو أنا بعد السنين دي كلها لسه عقلي مش قادر يستوعب اللي حصل..

إزاي يحصل كده..؟!

إزاي قصَّة الحب اللي شهدت عليها من أولها تتدمر وتنتهي بالشكل المخذي ده..

أحنا في الجامعة كنا بنحسدكم على حبكم وعلاقتكم اللي كان كل اللي يشوفها يتمنىٰ يعيش ربعها..

” مُـراد ” بسخرية.

– أديك أهو قولت بعضمه لسانك كان..

يعني زمن ماضي خلص من زمان..

تعرف يا عـاصـم..! لفظ بها بعدما تنهد بحرقه ثم تابع بوجع.

– أنا مريض بالتفكير يا عـاصـم بفكر في كل حاجة ممكن تأذيني وفي كل التفاصيل اللي بتخنقني..

حاسس أني ضيعت عمري كله في مكان مش مكاني؛ والإحساس ده بيتعبني أكتر وبيحزني على نفسي..

فتابع ونبرته مختنقه.

– الوجع مالوش صوت يا عـاصـم بس بيخلينا نبكي ونزعل لسنين..

أوعي تفتكر أني لسه بفتكرها ولا حتى بتخطر على بالي..

أنا كل ما بفتكرها بفتكر معاها قد إيه كنت بحبها وقد إيه أنا دلوقتي بقيت بكرهها..

أنا في جوايا كره ليها عمري ما كنت أتوقع أني هكنه جوايا في يوم من الأيام لحد..

” عـاصـم ” بحزن على حالته.

– كرهك ليها معناه أنك لسه بتفتكرها وأنها لسه في دماغك يا مُـراد..

لأن الكره ده مشاعر وعاطفة جوه كل واحد فينا ومادام بتكرهها يبقا لسه مستهلكه مشاعرك وتفكيرك..

وتأكد بأنك يوم ما هتكرهها بجد هتستخسر فيها حتى كرهيتك..

” مُـراد ” وهو يرجع بظهره للوراء.

– أنا مش عايز أكرهها ولا أحبها ولا حتى بقت تعنيلي في شئ..

ربنا يسهلها بقاااا مكان ما راحت..

” عـاصـم ” بتساؤل.

– طب وشـهـيـرة..؟!

” مُـراد ” بنبرة حازمة.

– شـهـيـرة مراتي يا عـاصـم وأم مـريـم ومكانتها عندي كبيرة جدًا..

” عـاصـم ” بنبرة ذات مغزىٰ.

– بس مش بتحبها يا صاحبي والفرق كبير أوي بين الحب وبين المكانة الكبيرة..!

” مُـراد ” وهو يتجاهل حديثه ويعاود فتح الملفات الموضوعه أعلى سطح مكتبه مصتنعًا بالتركيز عليها.

– مش فارقة كتير يا عـاصـم..

في الحالتين هي مراتي وكفاية أوي عندي أنها أم مـريـم وصانتني وصانت أسمي وعيلتي وشيلانا كلنا..

ثم أضاف وهو ينظر إليه من جديد.

– قولي أنت لو بني آدمه زي دي متتقدرش مين اللي يتقدر في نظرك..؟!

” عـاصـم ” محاولًا الوصول إلى ما يريد سماعه منه.

– بس شـهـيـرة مش ملاك يا مُـراد..

شـهـيـرة غلطت زمان مع مُـعـتـصـم غلطة وأنت بتدفع تمنها دلوقتي من عمرك..

” مُـراد ” بحزم وصرامه.

– مسمحلكش يا عـاصـم تقول عليها نص كلمة..

إحترم يا سيدي أنها مراتي وشايله أسمي دلوقتي..

وبعدين هقولهالك تاني كل الحلو اللي عملته مع عيلتي ومع أبويا ولسه بتعمله لحد النهارده يخليني إحترمها وأشيلها فوق رأسي يا عـاصـم..

وكفاية أوي عندي أنها من ساعة ما دخلت بيتنا وشالت أسمي وأنا ما شوفتش منها غير كل خير..

” عـاصـم ” بحزن.

– يا مُـراد أنا يصعب عليا أشوفك بتضيع عمرك وأنت بتراضي كل اللي حوالين منك وناسي نفسك..

” مُـراد ” وهو يوقع الأوراق الموضوعه أمامه محاولًا عدم ترك مساحة للحديث في الموضوع أكثر من ذلك.

– أنا جربت أراضي نفسي يا عـاصـم قبل كده قولي أنت إيه كانت النتيجة..؟!

وبعدين أنا الحمدللّٰه مرتاح ومستقر في حياتي؛ وبيتي هو كمان مستقر هحتاج إيه تاني أكتر من كده..؟!

” عـاصـم ” وهو يهم بالوقوف حتى يعود لإستكمال باقي أعماله.

– اللي يريحك يا صاحبي..

أنا كل اللي يهمني أني أشوفك مبسوط ومرتاح من غير ما تكابر ولا تكدب على نفسك..

عودةٍ إلى إيـطـالـيـا وتحديدًا بداخل الفرع الرئيسي لسلسلة مطاعم ” صـولا ” حيث يجلس ” سـلـيـم ” مترأسًا لطاولة الإجتماعات وجميع عاملين وعاملات المطعم ملتفون حوله يُدونون خلفه ما يلقيه عليهم من ملحوظات في إهتمامًا كبيرًا إلى أن هتف فيهم بحزم باللغة الإيطالية.

– Tutti gli appunti che ti ho dato ora saranno esauriti da domani fino al mio ritorno presto dall’Egitto.

الترجمة: جميع الملحوظات التي ألقيتها عليكم الآن ستتنفذ بدايةٍ من الغد وحتى عودتي قريبًا من مِصر.

الجميع بتهذب.

– Va bene signore.

الترجمة: حسنًا سيدي.

” سـلـيـم ” برسمية ونبرة عملية.

– Va bene, facciamo lavorare tutti adesso.

الترجمة: حسنًا فلينصرف الجميع إلى عمله الآن.

وبالفعل إنصرف الجميع إلى أشغالهم وعاد ” سـلـيـم ” إلى مكتبه جالسًا على مقعده خلف المكتب متأرجحًا بالمقعد يمينًا ويسارًا وهو يعبث بساعة الرمل بين يديه مفكرًا في الحوار الذي دار بينه وبين والدته منذ قليل.

فهو يشعر بألم لها وعليها..

دومًا ما يتشارك معها أوجاعه لكنها دومًا ما كانت صامتة..

دومًا ما كانت تكتُم وتكتُم بداخلها أوجاعًا بحجم البر والبحر معًا..

لم يتذكر ولو لمرة واحدة شكوتها أو تضجرها من حياتها ومعاناتها بأكملها..

دومًا ما كانت راضية، صابرة، تحملت وتحملت الكثير والكثير من أجله.

يُقال دومًا بأن المرء يحمل صفاته من إسمه وهي حقًا هكذا..

فهي تملك من الأصالة والعفاف ما يكفي ليُغطي نساء العالم بأكمله.

هي مصباح حالها والمقود الذاتي لإشعال نفسها؛ فهي لا تستمد طبيعتها ولا مشروعيتها إلا من نفسها..

ونفسها فقططط..

يُقال في الأم دومًا بأنها الوطن ولكن في حقيقة الأمر هو يرىٰ بأنها العالم بأكمله؛ أو هي عالمه الخاص؛ هي مأمنه، وأمنه، وأمانه، وإيمانه كل هذا يستمده منها هي فقط..

يريد لو بإمكانه جعل الإبتسامة لا تُفارق وجهها أبدًا؛ ولكن في حقيقة الأمر هي دومًا ما تكون مبتسمه، باسمة، مستبسمه ولكن إبتساماتها لا تخلو من سقطاتها وإنكسارتها وأوجاعها.

يستطيع أن يتذكر كم من مرة رأىٰ بوضوح ضحكاتها المنكسرة.

كم من مرة إستشعر قهرتها وفرحتها الناقصة.

تذكر كيف شقت وعانت في صباها فقط لأجل تحقيق نفسها والوفاء بإلتزامتها تجاه صغيرها.

يتذكر جيدًا كم من مرة رأها تغفوُ دون تناول طعامها حتى توفر له وجبه الصباح.

يتذكر كيف كانت مثل أعتىٰ الرجال في عمر من المفترض بأنها تُعيش به أجمل أيام صباها.

كيف كانت له بمثابة الأب والأم طيلة الستة وعشرون عامًا المنصرمين.

يا اللّٰه كيف لإمرأها مثلها أن تفعل كل ما فعلته هي فقط من أجله.

كيف لإمرأها أن تُصرف في سنوات عمرها من أجل فقط أن تُربي بدمع أعينها صغيرًا ليصبح رجلًا في مثل عمره كمثلها.

هو وحده من يعلم جيدًا مقدار آلامها لفراق بلدتها ووطنها وكم هو حنينها إليهم.

آبعد كل ذلك لا تريد منه أن يثأر لها..؟!

آبعد كل ذلك تستكتر عليه تعويضها عن ما عانته ومضىٰ من حياتها..؟!

آبعد كل ذلك لا تريد العودة إلى أرض وطنها من جديد..؟!

لااااا..؛ لااااا..

الآن فقط ستعود إليها كرامتها من جديد وسترفع رأسها وسط الأهل والناس والعالم بأكمله.

الآن فقط سيُرجع حقه وحقها الذي تم الإستيلاء عليه من قبل دون أدنى حق في ذلك..؟!

سيعوضها عن كل ذلك الآن وسيبرأ جرح قلبها وستُشفىٰ من آلامها قريبًا وهذا وعد قد وعده لنفسه منذ زمن.

فاق من شروده على نبرات دافئة أصابت وتينه بالصميم وهي تهمس له بحب.

– حبيب قلبي لسه زعلان..؟!

” سـلـيـم ” وهو يهب واقفًا مقتربًا منها بحنان محيطًا بيديه كفوفها بكل حب.

– عمري..

عمري ما أزعل منك أبدًا يا أمي وأنتي عارفة كده كويس؛ أنا لا عشت ولا كنت من غيرك يا حبيبتي..

” أصـالـة ” وهي تحتضن له بكل مشاعر الحب التي بداخلها.

– وأنا من غيرك أموت يا روح أمك أنت..

أنت سبب حياتي ومن غيرك مماتي يا سـلـيـم..

” سـلـيـم ” وهو يبتعد عن أحضانها مقبلًا لكفوفها بحنان.

– بعد الشر عليكي يا أمي..

أنا من غيرك مسواش حاجة صدقيني..

” أصـالـة ” بحب وهي تتذكر لتلك الكلمة وكأنها تعود لترن بأذنيها من جديد.

– أنا وأنت روحنا مربوطة ببعض يا سـلـيـم..

بس الحياة مش بتقف على حد..

ثم أضافت بحب وهي تجذبه من يديه جالسه به أعلى الأريكة البنيه في زاوية الغرفة.

– بكرا هتتجوز وتأسس لعيلة وهيكون عندك ولاد كتير هيعوضوك عن غيابي وعن وحدتك من غير صحاب ولا أخوات طول عمرك..

حياتنا عبارة عن محطات يا سـلـيـم وكل واحد فينا بيجي ميعاده وينزل في محطته والقطر بيكمل محطاته من تاني..

” سـلـيـم ” بحب ودعابة.

– أنتي مالك قلبتيها جد كده ليه صـولا..؟!

وبعدين أنتي هتعيشي لحد ما تجوزيني وتشوفي عيالي وتجوزيهم وتشوفي عيالهم وتجوزيهم كمان..

” أصـالـة ” بدعابة هي الآخرىٰ.

– ده أنت كده عايز تخللني جمبك زيّ الساور كروت..

” سـلـيـم ” بحب وهو يقبل يديها.

– ربنا يجعل يومي قبل يومك يا أمي يارب..

” أصـالـة ” بلهفة وهي تضع يديها أعلى فمه في محاولة منها لإسكاته عما يتفوه به.

– أسكت يا سـلـيـم متكملش..

ثم تابعت بعتاب.

– هو أنت فاكر أني هقدر أعيش في الدُنيا دي يوم من غيرك..

ده يوم ما مُـعـتـصـم مات جدك مات وأدفن بالحيا في وقتها وضهره أتكسر رغم هيلامنه وجبروته؛ ليه عايز تكسرني زيّه..

” سـلـيـم ” بحنان وهو يجذبها إلى أحضانه.

– معاااااش ولا كان يا أمي اللي يكسرك..

ثم أضاف بنبرة ذات مغزىٰ.

– ممنوع أي حد فينا يموت لحد ما الحق يرجع لصحابه والكرامة تعود من تاني يا أمي واللي أتكسر زمان جواكي يرجع يتصلح من تاني..

” أصـالـة ” بوجع وهي بين أحضان صغيرها.

– في كسور مهما حاولت تصلحها ما بترجعش سليمة زي الأول يا سـلـيـم..

في كسور مستعصية صعب القلب يستوعبها ويستحملها..

بتكتشف بعد فترة إنك محتاج ديزل عشان يشدك ويقومك ويوقفك على رجلك من تاني..

لأن ببساطة اللي اتكسر ده مش كوباية أزأز..

ده كسر ” ثقة وأمان وعهود ” وبتبقى أصعب لو اللي كسروك هم العزاز..

كسرة العزيز على القلب أشد وأصعب من كسرة الغريب يا سـلـيـم صدقني..

ثم همست له بنبرة حانية.

– في حاجات مينفعش فيها تعويضات يا حبيبي..

في حاجات مش قابلة للعوض زيّ كرامة الإنسان..

يا يعيش بيها عمره كله في عزة نفس وشموخ..

يا يعيش محني ورأسه مططيه في الأرض مش قادر حتى يرفعها يشوف نفسه في المرايا..

” سـلـيـم ” بثقة وعيناه يملؤها الإصرار.

– وأنا وعدتك يا أمي أن كرامتك هترجعلك من تاني..

وقريب أوي هتشوفي كل اللي كسروكي مكسورين، ومذلولين قصاد عيونك؛ وهتتفرجي على كرامتك وهي بتترد ليكي وترجعي ترفعي رأسك من تاني وسط الناس والدُنيا كلها..

ده وعد شرف مني ليكي يا أمي صدقيني..

” أصـالـة ” بحب.

– وأنا مش عايزه من الدُنيا غيرك أنت يا نور عيني..

” سـلـيـم ” وهو يقبل يديها بحنوُ وفخر.

– يبقا تحضري نفسك عشان طيارتنا بعد بكرا الساعة ٩ الصبح..

” أصـالـة ” بصدمة.

– بسرعة كده..؟!

لحقت تحجز أمته..؟!

– من شوية حجزت ليا وليكي ولنـوح..

يعني يا دوب تحضري شنطتك أنتي وهو عشان هنرجع بلدنا أخيرًا بعد غياب سنين..

وزيّ ما وعدتك مش هنرجع غير وأنا وأنتي رأسنا مرفوعة يا صـولا..

” أصـالـة ” بفخر بصغيرها.

– أنت طول عمرك رافع رأسي يا سـلـيـم..

ثم أضافت بسعادة مؤقته يشوبها الكثير من الخوف وهي تعلم ذلك جيدًا.

– على قد ما أنا خايفة من السفرية دي؛ على قد ما أنا متحمسه لأني راجعة بلدي بعد غياب سنين..

فتابعت بحماس منطفئ.

– متتصورش يا سـلـيـم مصر وحشاني إزاي..؟!

” سـلـيـم ” بإبتسامة فرحه لسعادة والدته.

– فرحتك عندي دي بالدُنيا كلها يا صـولا..

” أصـالـة ” وهي تضع قبلة حانية أعلى وجنته بمحبة كبيرة.

– ربنا يخليك ليا يا نور عين صـولا ويفرحني بيك زيّ ما بتفرحني دايمًا..

google-playkhamsatmostaqltradent