رواية في هواها متيم كاملة بقلم سماح نجيب عبر مدونة دليل الروايات
رواية في هواها متيم الفصل الثالث 3
قال ابن القيم رحمه الله: “نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب.. فيتلمح البصير في ذلك عواقب الأمور”.
٣–” ذكرى ودموع ”
خمس دقائق كاملة ، أستغرقها أمر إفاقة جدتها ، من نوبة الإغماء ، التى زارتها اليوم ، وأصبحت تعانى منها بكثرة فى الآونة الأخيرة ، فهى جالسة على الأرض ، تضع رأس جدتها على ساقيها ،وعيناها تذرف الدموع ، ولكن يداها عملت على تدليك يديها ، لتسرى الدماء بهما ، ونثرت من العطر ، الذى ناوله إياها شقيقها باسم
فهتفت برجاء وصوت باكى:
– تيتة فوقى بالله عليكى فوقى
أنتحبت بكثرة ، ولكن تبسمت من بين دموعها ، وهى ترى جدتها تحرك رأسها ببطئ ، ففتح عيناها بإرهاق وتعب ، فنادتها بصوت خافت لتجعلها تكف عن نحيبها:
– ليان حبيبتى أنا كويسة بطلى عياط
ضمت ليان جسد جدتها بقوة ، دافنة وجهها بصدرها ، فالوسواس الذى نخر عقلها منذ دقائق ، من أن جدتها ستفارقهما للأبد ، جعلها تشعر بتمزق فؤادها ، فهى وشقيقها ليس لهما بعد الله سواها ، لذلك فهما يخشيان عليها من إصابتها بمكروه ، ناتج عن مرضها الذى تعانى منه
أمرت ليان باسم بأن يساعدها على وجه السرعة ، بإسناد جدتها لإيداعها بفراشها ، ويذهب لجلب طبيب البلدة
فأبدت علية رفضها لذلك بقولها :
– ملوش لازمة الدكتور أنا كويسة يا حبيبتى هو بس حسيت بدوخة ووقعت ودلوقتى هبقى كويسة متقلقوش
حتى وإن حاولت تهدئة خوفهما ، فليان لم تستطع الإقتناع بما قالته فعاودت إلحاحها لباسم قائلة :
– لاء يا باسم روح شوف الدكتور وهاته معاك بسرعة
قبل أن يبتعد باسم ، كانت جدته الأسرع بإلتقاط ذراعه ، فهتتفت به بوهن :
– والله ما أنت رايح فى حتة أسكتوا بقى أنا كويسة ، روحى بس يا ليان أعمليلى حاجة أكلها من إيدك الحلوة وأنا هبقى كويسة وغلاوتى عندكم تسمعوا الكلام
حاولت علية بشتى الطرق ، إثناءهما عن قرارهما ، فلم تجد ليان مفر سوى الذهاب للمطبخ ، وإعداد الطعام لها ، فوقفت ليان أمام الموقد ، تعمل على تحضير الحساء ، الذى تحب جدتها إحتساءه دائماً ، ولكنها شردت بتفكيرها بما حدث لها اليوم ، منذ مقابلتها لماجد حتى عودتها للمنزل ورؤية جدتها فاقدة للوعي ، ولم يرحمها عقلها من كثرة التفكير ، بأن كيف سيكون مصيرها هى وشقيقها ، إذا رحلت جدتها عن عالمهما ؟ فبتلك الخاطرة ، عادت دموعها تنسكب بغزارة على وجنتيها ، التى أصابها الشحوب ،منذ سماع شقيقها باسم ، يخبرها بماحدث لجدتها
______________
ولج أكمل إلى مكتب صديقه ، بتلك الملامح العابسة ، التى أصبحت ملازمة له دائما ، فعندما رآه رفيق ، علم أن ربما أكمل تشاجر مع زوجته كعادتهما
فنظر إليه نظرة عابرة قبل أن يعود للأوراق أمامه وقال :
–:” مالك داخل وشك مقلوب وبتقول يا شر اشتر ليه كده”
أرتمى أكمل على المقعد وهو ينفخ بضيق فعلا صوته بعصبية:
–:” الله يخرب بيت الجواز على اللى يفكر يعملها يا اخى ”
تبسم رفيق قائلاً بسخرية :
–:” وهو حد كان قالك اعملها يا اخويا”
ضرب أكمل بيده على سطح المكتب وهو يقول :
– :” قلة عقل غباء منى مكنتش عارف يوم فرحى تسمنى ولا تضربنى بالنار يا رفيق”
رفع رفيق رأسه ، وشخص ببصره له قائلاً بهدوء :
–:” يا ساتر يارب ليه ده كله شكل خناقة النهاردة كانت كبيرة اوى”
وضع أكمل رأسه بين يديه مغمغماً :
–:” أنا اتخنقت مبقتش قادر يا رفيق”
–:” خلاص طلقها يا أكمل طالما مش مرتاح”
قالها رفيق بجدية ، فرفع أكمل رأسه ينظر إليه قائلاً
–:”طب وبنتى يا رفيق اسيبها لشهيرة علشان تطلعها نسخة منها والبنت بعد كده تكرهنى ”
إستند رفيق بظهره لمقعده قائلاً :
–:” خلاص حل امورك مع مراتك بالتفاهم”
حرك أكمل رأسه عدة مرات قبل أن يقول :
–:” مبتتفاهمش اطلاقا اللى فى دماغها بس بتمشيه حتى لو على حسابى أنا وبنتها”
زفر رفيق بقلة حيلة قائلاً :
–:” مش عارف اقولك ايه”
صاح أكمل قائلاً بدون وعى :
–:” قولى انت غبى يا أكمل”
تبسم رفيق رغماً عنه وقال :
–:” ما دى أنا عارفها من غير ما أقول”
لمحة مستاءة أضاءت عينى أكمل ، إلا أنه استطاع القول :
–:” والله انت طلعت عاقل وسيد العاقلين انك مش راضى تتجوز”
طافت عين رفيق بغرفة مكتبه فقال بصوت خالى من الشعور :
–:” اتجوز ايه ياعم كده حلو اوى اتجوز وامشى اكلم نفسى زيك لاء أنا كده حلو اوى بلا جواز بلا هم يعنى اللى اتجوزوا أخدوا إيه”
–:” يا بختك يا رفيق”
قالها أكمل بشعور طفيف من الحسد ، على أن صديقه لم يسقط بذلك الفخ ، الذى سقط هو به سابقاً
هتف به رفيق قائلاً بما يشبه الأمر :
–:” انت هتنق عليا كمان قوم شوف شغلك فكر دلوقتى فى شغلنا مشاكل البيت خليها لما نبقى فاضيين نبقى نتكلم ”
عبس أكمل قائلاً :
–:” بلاش افضفض يا اخى ايه ده انا لو فضلت كده هطق يا رفيق”
رفع رفيق حاجبه لإغاظة صديقه وقال :
– :” طق بعد الشغل عايزين نشوف شغلنا ممكن ولا مش ممكن”
جز أكمل على أنيابه بغيظ وقال :
–:” يا ساتر عليك يا رفيق دا انت ايه ده مفيش احساس ولا شعور بمعاناة صاحبك وصديق عمرك”
وضع رفيق الأوراق بترتيبها اللازم قائلاً :
–:” لاء فى بس كل حاجة وليها وقتها احنا دلوقتى فى الشركة يبقى وقتنا وتركيزها فى شغلنا نخلص يبقى نتكلم براحتنا فى مشاكلك اللى ما بتخلصش”
كسا وجه أكمل إحمراراً من فرط شعوره بالغيظ ، فهتف به من بين أسنانه :
–:” أنا رايح مكتبى قبل ما اتشل من برودك يا رفيق”
تبسم رفيق بسماجة قائلاً:
–:” سلامتك من الشلل يا صاحبى”
عقد أكمل حاجبيه ، امتعاضاً من حديث رفيق معه ، الذى لا ينفعل بأى شكل كان ، فهو بارد بحديثه ، لايوجد شئ يخرجه من هذا الصقيع الذى فرضه على نفسه
فرفع أكمل شفته العليا مدمدماً :
– :” دا برود القطب الشمالي ميجيش حاجة فى برود اعصابك يا رفيق يا ساتر يارب”
رفع رفيق إحدى حاجبيه الكثيفين ، ينظر إليه بنظرة ماكرة ، علم أكمل أنه ربما الآن سيصدر منه رد فعل غير متوقع ، وبالفعل رأه يمد يده يسحب إحدى تلك التماثيل الصغيرة الموضوعة على مكتبه
فجحظت عين أكمل قليلاً وهو يحذره :
–:” إياك تخبطنى بالتمثال اللى فى ايدك ده هكسر المكتب على دماغك”
هب رفيق واقفاً وهو يصيح به :
–:” تكسر المكتب على دماغ مين يا بتاع انت”
أشار إليه أكمل بسبابته قائلاً :
–:” أنا بتاع اهو انت دا بدل ما تواسينى عايز تخبطنى بالتمثال”
عاد رفيق للجلوس ثانية على مقعده وقال :
–:” يمكن عقلك يرجعلك تانى وتبطل اللى انت بتعمله ده وكل يوم والتانى جاى الشركة بوشك المقلوب ده اللى يقفل ابواب الرزق ”
اتجه أكمل ناحية الباب وهو يقول :
– :”روح يا شيخ ادعى عليك بأيه بس الساعة دى”
رفع رفيق يده يشير له بالإنصراف قائلاً :
–:” امشى غور يلا روح خلص شغلك”
طاف الحزن بعين أكمل فقال :
–:” هغور يمكن الشغل ينسينى الهم اللى أنا فيه شوية واللى شكلى هفضل فيه طول عمرى لحد شبابى ما يروح”
أماء رفيق رأسه مؤيداً لحديثه :
– :”خير ما تعمل يلا بقى امشى من قدامى خلينى اخلص شغلى أنا كمان”
–:” مفيش حاجة فى دماغك ولا على لسانك غير الشغل وبس صدق كلام الموظفين عليك”
قال أكمل عبارته وأستند على مقبض الباب
فهتف رفيق بسخرية :
–:” إن أنا واحد معندوش قلب ولا احساس ومش عايز غير مصلحتى وبس”
فى محاولة من أكمل لإثارة حنقه هتف به مدعياً الجدية :
– :” وهى دى مش الحقيقة ما أنت ساحل الكل علشان خاطرك وأنا ومالك أخوك خير دليل دا أنت حتى مش راحمنا يا أخى”
أجابه رفيق بعدم إكتراث لما قاله :
–:” وانا مبسوط ومرتاح بنفسى كده وميهمنيش اللى بيقولوه عليا كلامهم لا هيقدم ولا هيأخر كله كلام فاضى ”
هو يعلم جيداً مايدور بين العاملين بالشركة ، ويعلم أيضاً تلك الألقاب التى يطلقونها عليه ، من أنه رجل بلا قلب ، أو رجل مجرداً من كل شعور إنسانى ، فعندما يسمع ذلك ، جل ما يفعله ، أن يلتوى تغره بابتسامة ساخرة لا أكثر
______________
ولجت الى غرفتها ، بعد أنتهاءها من الاغتسال ، نظرت لذلك الرجل ، الغارق بنوم عميق ،فتبسمت ابتسامة خفيفة ،وأقتربت منه لكى توقظه
فوكزته بخفة بذراعه وهى تقول بصوت هامس:
–:” فاروق فاروق اصحى بقى يا حبيبى بقينا العصر”
خرج صوت فاروق ناعساً وهو يقول :
–:” عايزة ايه إلهام سبينى انام بقى يوووه”
هزت ذراعه وهى تقول :
–:” يا راجل قوم بقى بقولك بقينا العصر يوه دا ايه دا بقى”
اعتدل فاروق بفراشه متأففاً ، يزفر بضيق شديد ، ونظر لتلك المرأة ، التى تزوجها منذ أكثر من عشرة أعوام ، بعدما توفى عنها زوجها
سحب علبة سجائره ، ووضع أحدها بفمه وأشعلها وهو يقول :
–:” ادينى صحيت عايزة ايه بسلامتك”
وقفت إلهام أمام منضدة الزينة ، تمشط شعرها ، فنظرت لإنعكاس صورته بالمرأة ، فهتفت به قائلة :
–:” أنا عايزة أقولك أنا هسافر البلد علشان أشوف ولادى بقالى فترة كبيرة اوى مشفتهمش”
عندما سمع فاروق ذلك ، انتبه على كلامها أكثر ، فهى بنيتها أن تزور أبناءها ، فلما لا يذهب معها ، ويرى تلك الفتاة ،كيف اصبحت الآن؟ فهى كل يوم تزداد جمالاً ،فهو عندما يراها يسيل لعابه عليها ، كالكلب الذى يلهث، غير عابئ بأن ما يفعله من المحرمات والكبائر ، ولكنه شخص فاسد فاسق يسيطر عليه شيطانه اللعين
فتبسم إبتسامة ذات مغزى قائلاً :
– :”وتروحى لوحدك ليه انا هسافر معاكى البلد علشان تشوفى ولادك دول واحشنى اوى أنا كمان”
إبتسمت له إلهام وهى تهتف بسعادة :
–:” بجد يا حبيبي هتسافر معايا”
أجابها فاروق بتأكيد :
–:”طبعا ودى عايزة كلام يا حبيبتى”
أقتربت منه وجلست بجواره على السرير ، فألتفت ذراعيها حول عنقه بابتسامة وهى تقول :
–:” ربنا يخليك ليا يا حبيبي”
قال ومكر يطل من عيناه :
–:” ويخليك ليا يا حبيبتي أنتى هتسافرى امتى علشان أفضى نفسى”
همست إلهام بحوار أذنه :
–:” إن شاء الله على أخر الأسبوع كده”
إحتواها بين ذراعيه وهو يشخص ببصره لها ، وكأنه يرى ظل إبنتها بعيناها :
–:” حلو اوى كده يكون الواحد فضى نفسه من الشغل برضه”
فهو يمنى النفس برؤيتها ، رؤية تلك الحورية الصغيرة ، التى بسبب إصرار جدتها ، لا تأتى للعيش معهما ، أفكار وأفكار تدور بذهنه ، فربما تلك الفتاة ستكون بمثابة ، مفتاح كنز سينهال عليه بسب جمالها
________________
بعد مرور يومان ….
جالسة كعادتها بمكانها المفضل ، أمام جدول الماء ،تدندن بصوتها العذب ، فلمحت قدوم أخيها إليها ، فجلس بجوارها يضع قدميه فى الماء هو أيضاً
فلبط الماء بقدميه قائلاً :
–:” أنتى حضرتك قاعدة هنا وانا وتيتة عاملين ندور عليكى”
نظرت له ليان بإهتمام وقالت :
:” ما انتوا عارفين أن ده مكانى المفضل ودائما هتلاقونى هنا”
رفع باسم قدميه من الماء وهو يحثها على النهوض :
–:” طب يلا يا أختى علشان تيتة عيزاكى”
رفعت هى الأخرى قدميها ، وإستقامت بوقفتها وقالت:
–:” ليه فى حاجة ولا ايه تيتة تعبت ولا حاجة يا باسم”
حرك باسم رأسه نفياً قائلاً :
–:” لاء هى كويسة بس قالتلى اشوفك فين علشان عيزانا بس مش عارف ليه”
أماءت ليان برأسها وهى تقول :
–:” طب يلا بينا نرجع البيت نشوف تيتة عايزة ايه”
أرتدت حذاءها ، وانطلقت متجهة الى المنزل ، لمعرفة ماذا تريد جدتها منها هى وشقيقها ، فهى تخشى أن يكون هناك شئ غير سار فى انتظارها
عادت الى المنزل تنادى بصوتها الخلاب على جدتها فهى تفتعل صخباً عاليا دائما عندما تدلف الى المنزل
فصاحت تناديها :
–:” يا لولو يا لولو انتى فين”
وكزها باسم بذراعها وهو يقول :
–:” ما بس بقى يا ليان صوتك جايب لآخر الدنيا”
جذبت اخيها من شعره وهى تقول :
–:” بس ياض انت انا ازعق براحتى وأعلى صوتى براحتى ”
خرجت علية بابتسامة عريضة، بعد سماع صوت حفيديها فهى تعشقهما وخاصة تلك الفتاة
فتبسمت لها وقالت:
–:” ايه يا عين لولو انتى كنتى فين”
رفع باسم شفته العليا قائلاً :
–:” هتكون فين يعنى قاعدة عند الأرض وحاطة رجليها فى الماية وبتلعب زى عوايدهاواحنا نقعد ندور عليها فى كل حتة”
أمتعضت ليان من حديث شقيقها ، فخاطبت جدتها قائلة :
–:” شايفة يا تيتة باسم بيقول ايه”
أخذتها علية بين ذراعيها وهى تربت عليها بحنان :
–:” عنده حق يا ليان انتى مبقتيش صغيرة انتى بقيتى عروسة دلوقتى ومينفعش بقى تروحى وتقعدى هناك كده الناس تقول عليكى ايه”
عقدت ليان ذراعيها وهى تقول بتذمر :
–:” أنا كنت قاعدة عند الأرض بتاعتنا والناس عارفة أنها أرضنا”
داعبت علية ذقنها وهى تقول :
–:” بس فى فلاحين شغاليين فى الأرض وانتى يا حبيبتى بسم الله ماشاء الله زى القمر علشان محدش يقل أدبه معاكى او حد يعاكسك”
تبسمت لها ليان وهى تقول :
–:” خلاص يا تيتة مش هروح الا وباسم معايا”
رد باسم بإستنكار :
–:” نعم دا على كده مش هنرجع من هناك لاء يا حبيبتى شوفى حد غيرى”
حدجته بنظرة غاضبة وعادت تنظر لجدتها قائلة :
–:” وهو أنا ليا مين غيركم يعنى المهم دلوقتى كنتى عايزة ايه منى يا تيتة وبعتالى باسم”
أخذتها عليه من ذراعها ، وأجلستها بجانبها على الأريكة ، فأزدردت لعابها قبل أن تقول :
–:” فى موضوع مهم عايزة اكلمك فيه الجنينة الشرقية أنا هعرضها للبيع”
سمعت ليان ذلك ، هبت واقفة ، كمن لدغها عقرب سام ، بعد سماع كلام جدتها ، فتلك الرقعة من الأرض هى الأحب لقلبها فهى كانت مكان والدها المفضل
فخرج صوتها مشدوهًا وهى تقول :
–:” انتى بتقولى ايه يا تيتة تعرضى الجنينة الشرقية للبيع ازاى يعنى وانتى عارفة إن الجنينة دى كانت اكتر مكان بابا بيحبه وانا كمان بحب الجنينة دى أوى”
تغشى الحزن عين علية وهى تقول بصوت أشد حزناً :
–:” حبيبتى الجنينة خلاص مبقاش ينفع يتزرع فيها تانى حتى الشجر لازم يتقطع خلاص مبقتش تنفع”
وجدت دموعها تتساقط ، فالذكرى المتبقية من والدها الحبيب ، سيتم بيعها ، فكيف ذلك ؟فهى لا تتخيل أن يحدث هذا
وجدتها علية تبكى ، فقامت باحتضانها ، فهى أيضا حزينة لبيع تلك الأرض ، ولكن لا تملك ما تفعله ، فهى لا تريد أن يطمع زوج أمها بتلك الأرض
ربتت على ظهرها بحركات متتابعة وهى تقول :
–:” أنا هبيع الجنينة وحقها هحطهولكم فى البنك باسمكم علشان محدش يقدر ياخد منك الفلوس دى ولا أنه يبيع الجنينة بعد ما اموت وياكل حقكم ثم هيكون فى أرض تانية زراعية أنا هبيع الجنينة بس”
بكت ليان بقهر قائلة :
– :”بعد الشر عليكى يا تيتة متقوليش كده”
تنهدت علية بقلة حيلة وقالت :
– :” وانا مش سهل عليا أبيع الارض يا ليان بس انتى شايفة باسم لسه صغير ومفيش حد يهتم بيها ويراعيها وكمان انتى عارفة انا لو مت هتلاقى كتير طمعانين فيكم وفى ارضكم فالفلوس تبقى باسمكم احسن لأن الجنينة سعرها أغلى من باقى الأرض”
بالرغم مما سمعته ليان من جدتها ، الا أنها لم تمنع نفسها من البكاء ، فركضت إلى غرفتها لإكمال بكاءها
فترك باسم مكانه وجلس بجوار جدته قائلاً :
–:” وبعدين يا تيتة ليان مش هتبطل عياط علشان بيع الارض”
أطرقت علية برأسها أرضاً وهى تغمغم :
– :” أعمل ايه بس يا باسم أمر الله”
فى غرفتها كانت تبكى ، فتركت الفراش ، وفتحت خزانة ثيابها ،فأخرجت ألبوم الصور ، الخاص بها هى ووالدها الحبيب، ظلت تنظر الى الصور بدموع غزيرة ، ولكن ماذا تفعل ؟ فهى على دراية بأن جدتها ، تعلم الصواب فهى لا يخفى عليها أيضا أطماع زوج والدتها
______________
فى أحد الملاهى الليلة ، ذلك المكان الذى يرتكب فيه ، أبشع انواع الحرام ، من سُكر وعربدة وعُرى وغضب للواحد القهار
جلس ذلك الرجل ينفث سيجاره ،وهو يرى بعض الفتيات اللواتى يعملن لديه ، وصوت ضحكاتهم الخليعة تملأ المكان
ابتسم ابتسامة عريضة ، فهو يجنى أموالاً كثيرة من ذلك المكان البغيض
فلمح دلوف امرأة هو يعرفها جيداً ، فصاح بترحيب :
–:” ايه ده المعلمة توحة بذات نفسها عندى النهاردة”
تشدقت توحة بعلكتها وهى تقول :
–:” ازيك يا فاروق اخبارك ايه محدش بيشوفك يعنى”
رفع فاروق يشير بيده للمكان قائلاً :
–:” مشاغل يا معلمة توحة وأنتى عارفة احنا فى سيزون والشغل بيبقى عامل إزاى فى الوقت ده”
جلست توحة على مقعد بإحدى الطاولات ، فأشارت إليه بالجلوس وهى تقول :
–:” انا عايزة كام بنت من عندك عندى حفلة كبيرة ودى مفيهاش اى ناس دول شيوخ عرب”
أشار فاروق لعينه اليمنى ، ثم اليسرى قائلاً:
–:” عنيا الاتنين يا معلمة توحة المكان تحت أمرك البنات كلها اهى اللى تعجبك خديها”
ظلت توحة تجيل بنظرها فى المكان يمينا ويساراً ، تقيم الفتيات ، ولكن لم تجد سوى فتاة أو أثنتان يصلحان لتلك المهمة المهينة
فحركت رأسها مستاءة :
–:” دول مفيش غير بنتين بس يا فاروق اللى ينفعوا والباقى كسر مينفعش”
نفث فاروق دخان سيجارته وهو يقول :
–:” أعمل إيه بقى يا معلمة ده اللى موجود”
تلمست يده الموضوعة على الطاولة قائلة :
–:” أنت مال ذوقك كده بقى وحش شوفلك كام بنت حلوين يشغلوا المكان أنت كده الكبارية بتاعك هيضرب ”
حك فاروق جبهته بتفكير :
–:” هو فى بنت اااه يا معلمة لو شوفتيها هتقعد البنات دول فى البيت ولا صوتها وهى بتغنى عندليب”
إبتهجت توحة بسماع ما قاله ، فقالت بحماس :
–:” هى فين البت دى يا فاروق هاتها اشوفها”
–:” دى للاسف مش تحت ايدى دلوقتى بس مسيرها تقع تحت ايدى يا معلمة”
قال فاروق عبارته ، وهو يجيل ببصره فى المكان
فنظرت له توحة وتساءلت :
–:” انتى تعرفها منين دى يا فاروق”
أمتنع فاروق عن إجابتها عن من تكون تلك الفتاة ، ولكنه قال :
–:” ها أعرفها وخلاص بس صدقيني لو البنت دى اشتغلت معانا مش هلاحق انا وانتى على الشغل ويبقى عندى بدل الكباريه أتنين”
رفعت توحة حاجبها بعدم تصديق وقالت :
–:” انت شوقتنى اشوفها يا فاروق”
دمدم فاروق بأمل وتمنى :
–:” مش اكتر منى يا معلمة توحة بس هانت فات الكتير مبقاش إلا القليل”
سبح بأفكاره ببحر المفاسد ، فتلك الفتاة التى يريدها بوابة لعبوره الى حلم الثراء ، ماهى إلا إبنة زوجته ، فإلهام ساهمت بأن يكون لديه ذلك الملهى الليلى ، فهى ترك أبناءها من أجل رجل ، جردها من كل ما تملكه ، وليس هذا وحسب ، بل وصل به الأمر ببداية زواجهما ، أن تعمل إلهام كراقصة ، وبعد أن حصل على المال اللازم ، افتتح ذلك الملهى الليلى ، ولكن أطماعه لم تنتهى لهذا الحد ، فربما هناك فرصة جديدة ،ليحصل على مزيد من المال ، فهو ينتظر فقط أن تصبح ليان بقبضة يده
_______________
نظر رفيق لساعة معصمه الثمينة ، فتذكر ذلك الموعد ، مع البائع الذى سيوافيه بالساعة الخامسة ، فى أحد المطاعم لإنهاء تلك الصفقة ، المتقف عليها بينهما
بعد أن ترك مكتبه ، وقبل خروجه ، سمع رنين هاتفه الجوال ، فأخرجه من جيبه ،نظر بغرابة للهاتف ، فالرقم الذى يهاتفه لا يعلم من يكون صاحبه ، ففتح الهاتف قائلاً بهدوء :
– ألو أيوة مين معايا
– أزيك يا رفيق وحشنى صوتك
أخترقت تلك الجملة مسامعه ، فذلك الصوت الأنثوى ، يعلمه عن ظهر قلب ، ولكيف كيف أستطاعت الوصول إليه
فعقد حاجبيه وخرج صوته حاداً وهو يقول :
– أنتى عايزة منى إيه وجبتى رقمى منين
جاءه الرد على الطرف الأخر :
– دى حاجة بسيطة يا رفيق ولا نسيت أنا مين
نفخ بضيق وهو يقول :
– خير نعم عايزة منى إيه تانى
– أنا بس كنت حابة أسمع صوتك علشان وحشنى أوى بذمتك أنا كمان مش وحشاك
هكذا بكل بساطة تخبره بإشتياقها ، فهل هى لم تعد تتذكر ما فعلته به
فالتوى ثغره ساخراً :
– لا بجد الكلام ده بعد السنين دى حسيتى أن أنا وحشك كده مرة واحدة ، ثم هو فين المحروس جوزك
– أنت متعرفش إن أنا أطلقت يا رفيق ، أفتكرتك متابع أخبارى زى ما كنت متابعة أخبارك
– لاء مش متابع ومش عايز أعرف عنك حاجة سلام
أغلق الهاتف ونظر له بغيظ ، وتلك النيران عادت لتشتعل من جديد بقلبه ، فلما عادت هى الآن ؟ شعر بأن قدميه أصابتها رجفة خفيفة ، فجلس على أقرب مقعد وجده ،ريثما يهدأ قليلاً
فأسند جبهته على كفيه المضمومين ، ومازال عقله يفكر بأسباب عودتها ، فربما عادت لتعكر صفو حياته ثانية ، فرأى أنه من الأفضل أن يذهب لموعده ، لإتمام تلك الصفقة ، فالعمل قادر على أن يجعله ينسى ماحدث منذ قليل
فخرج من مقر عمله ، وأستقل سيارته ، ببادئ الأمر ظل شارداً ، ولكن بوصوله للمطعم ، نفض ذهنه عن كل ما يفكر به ، فوجد رجل أشيب بإنتظاره ، فبعد التحية ،جلس رفيق وبدأ الحديث معه والتفاوض بشأن تلك الأرض محل البيع
فبعد حصول رفيق على موافقة الرجل ، لبيع الأرض وتم إمضاء العقود ، وحصول الرجل على نقوده ، رحل البائع ، بينما ظل رفيق جالساً بعض الوقت ، عيناه تتابع حركة السيارات والمارة بالخارج ، ولكن أشتم رائحة عطر أنثوى ، كأن صاحبته أصبحت تجلس بمكان قريب منه
لم يستدير برأسه إلا عندما سمع ذلك الصوت الأنثوى الخلاب يهتف به:
– إيه رآيك فى المفاجئة دى يا حبيبى
____________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية في هواها متيم ) اسم الرواية