Ads by Google X

رواية في هواها متيم الفصل الرابع 4 - بقلم سماح نجيب

الصفحة الرئيسية

  رواية في هواها متيم كاملة بقلم سماح نجيب عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية في هواها متيم الفصل الرابع 4

 

قال سلمة ابن دينار: “ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم.. وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم”.

٤–”خواء قلب ”

جالسان وجهاً لوجه ، يحتسى هو قهوته ببرود ، بينما هى تبتسم له من حين لأخر ، وهى ترتشف من كوب المشروب خاصتها ، فكم بلغت سعادتها عنان السماء ، عندما وجدته ما زال جالساً ، ولم يذهب بعد رؤياها ، فربما مازال لها ذلك التأثير على وجدانه

فوضعت الكوب من يدها وإبتسامتها تزداد إتساعاً كلما رآته يرمقها بهدوء فتساءلت بإهتمام :

– مقولتليش يا رفيق أخبارك ايه دلوقتى وبتعمل ايه فى حياتك بعد ما أفترقنا

إستدار برأسه ينظر للخارج عبر الزجاج وهو يقول بفتور :

– مبعملش حاجة غير الشغل يا ليلى بس إيه اللى فكرك بيا دلوقتى وبعد السنين دى كلها

مدت يدها فى محاولة للمس يده ، فسحبها سريعاً قبل أن تمسها ، فتهدج صوتها بحنين :

– علشان وحشتنى يا رفيق وعرفت قد إيه كنت غلطانة لما سيبنا بعض زمان ، رفيق أنا لسه بحبك

إستمع لحديثها للنهاية ، بينما ملامح وجهه صلبة ، لا تنم على شئ ، مما جعلها تشعر بغرابة موقفه ، فهى ما زالت تتذكر كيف كان حاله عندما أخبرته بحبها له ، فهو لم يتوانى عن إخبارها بحبه وعشقه الجارف لها ، وأنها هى من تمنى أن تصير له زوجة ، ولكن من تراه الآن ليس هو ، فربما السنوات الماضية ، أكسبته المناعة الكافية ، لعدم التأثر بها

فأرتجفت شفتيها وهى تقول :

– ررفيق مبتردش عليا ليه

لم يكن منه رد ، سوى أن نهض من مكانه ، ومد يده بداخل سترته ، وأخرج نقوداً وضعها على الطاولة ، ولم ينسى أن يلقى بتلك الجملة قبل رحيله :

– سيبك من الماضى يا ليلى أنا مبقتش رفيق اللى كنتى تعرفيه وأه لو الجرسون جه أبقى حاسبيه الفلوس أهى

رحل بعدما أنهى حديثه ، فنظرت لأثره وهى تكافح لصد تلك العبرات ، حتى لا تنزلق من عينيها ، فحاولت بلع إهانته ، فحقاً هو لم يعد كما كان ، ولكن لما زاد إصرارها بأن لا تتركه بحاله ، حتى يعود إليها ذلك العاشق والمدله بغرامها

______________

يجلس ذلك الشاب ، هائماً بتلك الحورية ، التى يتمنى أن تنتهى سنوات دراسته سريعاً ،حتى تصبح ملكه ، فانتبه على فتح باب غرفته ، ولم يكن القادم سوى والدته وتدعى صابرة

تبسمت له وأقتربت من مجلسه قائلة :

–:” مالك يا ماجد قاعد ليه كده”

رفع ماجد وجهه لها وهو يقول :

–:” فى حاجة يا ماما”

ربتت على كتفه بمحبة قائلة :

–:” تعال يا أبنى علشان تاكل مالك كنت سرحان فى ايه”

إزدرد ماجد لعابه ، يخشى أن تكون والدته أنتبهت على سر إعتكافه بغرفته ، فأجابها بتوتر :

:” مفيش حاجة يا ماما يلا بينا”

خرج ماجد من الغرفة ، يسير خلف والدته ،جلسا على طاولة الطعام ، فقد كان بانتظارهما والده واشقاءه الصغار

وضع والده من الطعام بفمه ، وبعدما إبتلع تلك اللقيمات ، هتف بهم قائلاً:

–:” إحنا هنروح نزور الحاجة علية النهاردة يا صابرة”

لوت صابرة فمها قائلة بنزق :

–:” ونروح نعمل ايه يعنى يا محسن”

قطب محسن حاجبيه قائلاً:

–:” هنروح نزورها ومتنسيش أنا بعتبرها زى أمى وإبنها سامى الله يرحمه كان من أعز أصحابى”

أيده ماجد بقراره قائلاً بحماس :

–:” ماشى يابابا نروح نزورهم وأشوف تيتة علية أصلها وحشتنى”

هتفت صابرة بمكر :

–:” تيتة علية برضه ولا تشوف ليان يا ماجد”

علقت غصة بحلقه من سماع قول والدته ، فرد قائلا بتوتر :

–:” قصدك ايه يا ماما”

ألقت صابرة الملعقة من يدها وعلا صوتها قليلاً وهى تقول :

–:” قصدى اللى فى دماغك تشيله أحسن لأن بنت إلهام مش هتدخل بيتى يا ماجد”

أحتدمت ملامح وجه محسن ، فرد قائلاً :

–:” فى ايه يا صابرة مالها ليان بنت محترمة ومؤدبة”

رفعت صابرة حاجبها وهى تقول :

–:” اه وأمها سابتها من وهى بنت ٨ سنين وراحت اتجوزت واحد ربنا اعلم بيه ولا نسيت الكلام اللى داير عليها فى البلد”

نظر لها ماجد وقال :

–:” وليان ذنبها ايه فى ده كله”

أحمر وجه صابرة وهى تقول بإنفعال حاد :

–:” أنا قولت وخلاص البنت دى مش هتدخل بيتى يعنى مش هتدخل بيتى دا المثل بيقولك أقلب القدرة على فومها تطلع البت لأمها”

ضرب محسن بيده على المائدة ، لعلها تكف عن حديثها ، فرفع سبابته بوجهها آمراً :

:”بس يا صابرة وبطلى كلامك ده ومتتهميش حد بالباطل ماشى”

كمن أوشكت عيناه على البكاء ، كان حال ماجد وهو يقول :

–:” حرام عليكى يا ماما الكلام ده”

نفخت صابرة بضيق وقالت :

:” أنا قولت اللى عندى وأنت حر بقى يا ماجد أنا مربيش وأكبر وتدخل طب والآخر تتجوز بنت أمها متجوزة واحد زى ده”

:” وأنا مالى هتجوزها هى ولا أتجوز أمها اللى يهمنى ليان مش حد تانى”

قالها ماجد برغبة منه فى أن تلين والدته تجاه ليان

فما كان منها سوى أن ألقت بحديثها فى وجهه دون وخز بضميرها :

–:” هى إلهام مش هتبقى جدة عيالك لو اتجوزتها ؟ لاء يا حبيبى مش هيحصل على جثتى لو اتجوزتها يا ماجد”

بعد أن انتهت من حديثها ، غادرت المائدة غير راغبة فى تناول الطعام ، وضع ماجد الملعقة من يده، ذاهباً هو الآخر إلى غرفته ، فوالدته لديها الإصرار الكامل على عدم دخول تلك الفتاة منزلها

تبعه والده إلى الغرفة ، فقبل أن يوصد الباب خلفه ، وجد والده واقفاً أمام الباب ، فظل كل منهما ينظر للأخر بصمت ، فما كان من والده سوى أن ربت على كتفه

فتبسم له قائلاً بصوت خافت :

– يلا ألبس هدومك نروح نشوف الحاجة علية ومتخافش هجوزهالك بالعند فى أمك دى

إبتسم محسن على شق جملته الأخير ، فإتبسم ماجد بدوره وأحتضن والده بإمتنان ، وهو يردد له عبارات الشكر والتقدير والإمتنان ، فإن كان والده بصفه ، فلن يواجه مشكلة أخرى ، حتى وإن كان رفض والدته

فسريعاً كان ماجد أنتهى من إرتداء ثيابه ، يوافى والده أمام المنزل ، فتأبط محسن ذراع ولده ، وسارا حتى وصلا لمنزل علية

بعدما طرق ماجد الباب ، فتح باسم لهما بإبتسامة يدعوهما للدخول ، فدلفا سويا وجلسا بإنتظار مجئ علية ، فبعد دقائق ولجت علية مرحبة بقدومهما

فجلست على أريكة مقابلة لهما وتبسمت وقالت :

– حمد الله على السلامة والله أنا كان فى نيتى أجى أزوركم فى مصر بس أنتوا سبقتوا بالخير

– إحنا نجيلك على عينيا يا حاجة علية

قالها محسن بود خالص

بينما كانت عينى ماجد تجول بكل مكان بحثاً عنها ، فلم تدم حيرته طويلاً ، فوجدها تلج الغرفة تحمل أكواب المشروبات الغازية ، فوضعتها من يدها وجلست بجانب جدتها ، بعدما ألقت التحية

فبدأ محسن بالسؤال عن أحوالهم ، فأنغمر بحديثه مع علية ، خاصة بعدما أخبرته بنيتها ببيع جزء من الأرض ، بينما أنتهز ماجد تلك الفرصة ، ووجه حديثه لليان ، التى كلما سمعت صوته يزداد وجهها توهجاً وإحمراراً من فرط خجلها

– عاملة ايه دلوقتى يا ليان

قالها ماجد وهو يفرك يديه بخجل هو الأخر

فأجابته ليان بخجل :

–:” الحمد لله وأنت عامل ايه فى كليتك”

تبسم عندما وجدها تطرق برأسها أرضاً وقال :

–:” الحمد لله تمام ادعيلى أخلص على خير”

مدت يدها وقبضت على طرف حجابها وهى تقول :

–:” هانت كلها سنتين وتبقى دكتور ماجد محسن”

هتف بها ماجد بدون أن يعى ما يقول :

–:” إن شاء الله وبعديها تبقى أنتى حرم الدكتور ماجد محسن”

سمعت ليان ذلك فاتسعت مقلتيها ، من ذلك التصريح ، الذى أدلى به لتوه ، فهل هو أيضاً يريد أن يتزوجها ؟ فهى ظنت أنها هى فقط من تشعر بتلك المشاعر تجاهه ولكن عبارته التى تفوه بها الآن يدل على أنه يبادلها تلك المشاعر التى تخصه بها

فتمتمت ليان بذهول :

– :” ها انت قولت ايه يا ماجد”

تلعثم ماجد قائلاً بتوتر :

– :” ها أنا مقولتش حاجة ياليان ”

أردف بكلماته وفر هارباً من المكان ، عندما أشار له والده بالنهوض لكى ينصرفا ، فهو بالرغم من ذلك شاب خجول جدا فابتسمت على تصرفه ، وهى تشعر بالسعادة مما سمعته منه ، حتى وإن حاول الإنكار

فظلت تصفق بيدها بسعادة وقالت :

–:” يالله اخيراً سمعت منه حاجة تبل الريق دا نشف ريق أهلى”

ركضت لغرفتها بسعادة ، وأغلقت الباب خلفها وأستندت عليه لبعض الوقت ، لتبدأ بعد ذلك فى الإرتماء على فراشها وهى تحملق بسقف الغرفة ،وهى تمنى ذاتها بمرور الأيام ، حتى يبر لها بتلك الجملة التى قالها قبل رحيله

_____________

عاد رفيق إلى المنزل يرافقه شقيقه مالك ، بعد انتهاء ما عليهما من أعمال ، ولج للداخل فإنتبه على تلك الحالة من الهدوء التى تسود المكان ، ولم يرى سوى شقيقته الصغرى جالسة تعبث بهاتفها

فناداها قائلاً:

– رهف ماما فين

تبسمت رهف وقامت من مكانها تحتضن أخيها ، فتلك هى عادتها عندما يعود الى المنزل ، تحتضنه كأنه والدها ، فأجابته قائلة :

– ماما معاها ضيوف فى الصالون

عبس مالك قائلاً يدعى الحزن:

–:” وأنا يعنى حزين مليش حضن زى أبيه رفيق يا رورو”

تركت رهف رفيق وأقتربت من مالك ترحب بعودته هو الآخر قائلة :

–:” دا أنت حبيبى يا مالك”

فهى تشعر بالسعادة لكون هذان الشابان شقيقيها

فنظر لها رفيق متسائلاً:

– مين الناس اللى مع ماما يا رهف

تبسمت رهف بدهاء وقالت :

– أقولك يا أبيه ومتقولش عليا فتانة

حثها رفيق على قول ما لديها:

–” قولى يا حبيبة أبيه خير فى ايه”

نظرت رهف حولها لتطمأن لعدم مجى والدتها ، فهتفت بصوت منخفض:

–:” ماما جوا معاها واحدة ست وبنتها”

لم يستطيع مالك كبح ضحكته فقال :

–:” ااااالبس يا معلم شكل ماما محضرالك مفاجأة”

كز رفيق على أنيابه بغيظ وقال:

–:” وبعدين بقى هى أمى مش هتشيل من دماغها موضوع جوازى ده بقى”

ربت مالك على كتفه يدعى الجدية قائلاً :

–:” طب ما تيجى نتفرج نشوف المقلب المرة دى شكله إيه ”

نفض رفيق يده عنه مزمجراً :

–:” أنت بتهزر يا أبو دم خفيف”

هتفت رهف بسرعة :

–:” هى حلوة يا أبيه شبه نانسى عجرم كده”

برقت عين مالك بحماس قائلاً:

–:” بجد يا رهف أنا داخل أتفرج”

عندما أراد الذهاب ، وجد رفيق ممسكاً بتلابيب ثيابه من الخلف ، كأنه شرطى وألقى القبض على أحد اللصوص ، فهتف به بغيظ :

–:” أنت رايح فين أنت”

أثناء حديثهم خرجت منى ، من غرفة المعيشة بابتسامة عريضة على وجهها ، فأدنت بوجهها من رفيق وقبلته على وجنتيه ، لتعود وتقبل مالك قائلة بحبور :

–:” حمد الله على السلامة يا حبايبى”

نظر لها رفيق مطولاً ، فما لبث أن قال :

–:” الله يسلمك يا أمى مين اللى معاكى جوا”

ساد التوتر محياها وهى تقول :

–:” دى دى تبقى واحدة معرفة هى وبنتها جايين يزرونا”

تبسم رفيق قائلاً بسماجة :

:” والله يعنى مش عروسة جديدة طب طالما كده أدخل بقى أرحب بالضيوف”

علمت والدته من نبره صوته ، أنه ربما سيفتعل موقفاً سخيفاً الآن ، فهى تعلم إبنها حق المعرفة

ولج رفيق إلى الغرفة ، فوجد امرأة فى العقد الخامس من عمرها برفقتها فتاة ربما فى أواخر العشرينيات

عندما نظر اليهما ابتسمتا له فرد بابتسامة مقتضبة من بين شفتيه قائلاً :

– أهلا وسهلا نورتونا

أقتربت منه والدته وجذبت ذراعه ، حتى أجلسته بمقعد قريب من تلك الفتاة وهى تقول :

– ده رفيق إبنى الكبير ”

وقفا مالك ورهف على باب الغرفة ، يتلصصان على الحديث كالصغار

فهتف مالك بصوت منخفض :

–:” طب ما البت حلوة اهى ”

لوت رهف شفتيها وهى تقول :

–:” يعنى هى دى أول واحدة حلوة أبيه يشوفها ما شاف كتير وكل مرة هو هو نفس الكلام”

خاطب مالك ذاته هامساً :

–:” أنا عارف جايب القوة والصبر ده كله منين دا لو شاف ملكة جمال كأنه شايف راجل قدامه ولا أدنى اهتمام ”

جلست منى وهى تشعر أنها تجلس على جمر محترق ، فهى تعلم إبنها خير العلم ، فتلك الملامح الهادئة تخفى خلفها الآن غضب شديد ، فأرادت إفساح المجال لابنها ولتلك الفتاة ، ليتحدثان بحرية ، لعل تلك المرة يحالفها الحظ ، ويوافق رفيق على الزواج من تلك الفتاة

فنادت منى والدة الفتاة قائلة بمكر طفيف :

:” ما تيجى أوريكى الزرع اللى فى الجنينة”

تحدث رفيق من بين أسنانه قائلاً:

–:” هو إحنا زرعنا حاجة جديدة وأنا معرفش يا أمى”

هتفت به والدته بشئ من العناد وهى تقول :

–:” أه كنت طالبة من الجناينى يزرع ورد فهنشوفه”

نهضت والدة الفتاة من مكانها ، وذهبت مع والدته ، فعقد رفيق حاجبيه ، فهو يعلم حيل والدته جيداً ، وعندما نظر لتلك الفتاة وجدها تبتسم له

فهتفت به بصوت رقيق :

–:” أزيك يا دكتور رفيق مامتك بتقول أنك دكتور فى كلية التجارة”

زفر رفيق بضيق قائلاً :

–:” أيوة وقالتلك إيه تانى”

قالت الفتاة وهى مازالت مبتسمة:

–:” قالتلى إنك كمان عندك شغلك الخاص وفاتح شركة أنت وصاحبك”

دمدم رفيق ساخطاً بهمس :

–:” ومقالتش كمان على مقاس الجزمة بتاعتى أه منك يا أمى”

فعلا صوته قليلاً متسائلاً:

–” وانتى خريجة إيه بقى يا أنسة”

وضعت شعرها خلف أذنها وهى تقول بشئ من الفخر :

–:” أنا دارسة سياحة فى ايطاليا”

وضعت الفتاة ساق على الأخرى وأرتكزت بمرفقها على ساقها ، وهى واضعة يدها أسفل فكها ،تتفرس بملامحه ملياً ، حتى أثارت ريبته ، خاصة من إبتسامتها التى أخذت بالإتساع ، كلما تصاعدت نظراتها من أخمص قدميه لرأسه ، كأنها وجدت شئ يروقها

_______________

بجلسة حرص ذلك الشاب على أن تكون سرية ، تقتصر عليه هو وصديق له ، متمرساً بأمور الكمبيوتر والبرمجة وخلاف ذلك ، فتعجب صديقه من أفعاله ، ولما هو أصر عليه أن يجلب معه حاسوبه الشخصى ، مخبراً إياه بأنه يريده بشأن أمر هام للغاية ، ولن يبخل عليه بالمال ، نظير ذلك

فنظر له صديقه عاقدًا حاحبيه متسائلاً:

– هو فى إيه يا عم بكر متصل بيا وتعال وهات اللاب توب ومدخلنى أوضتك المعفنة دى ليه ، أنا قربت أرجع يا أخى

لملم بكر ثيابه المنثورة بكل ركن من أركان الغرفة ، وأحذيته التى تفوح منها رائحة العطب ، فوالدته سأمت من تنظيف غرفته ، فلا تدوم نظافتها دقائق معدودة ، حتى تعود وتجدها رأساً على عقب

فهتف بصديقه بغيظ :

– خلاص يا أخويا لم لسانك ده شوية أدينى شيلت الحاجة ركز معايا بقى

أعاره أنتباهه كاملاً فى إنتظار سماع قوله ، فوجده يخرج هاتفه من جيبه يضعه بيده قائلاً بلهجة المنتصر :

– التليفون ده عليه شوية صور عايزك تظبطهالى من الصور اللى بالك فيها

تبسم صديقه ظناً منه أنه جلب له تلك الصورة المخلة للفتيات ، فهما يفعلان ذلك من وقت لآخر ، بدون خوف أو وجل من الله

فتح الهاتف وهو يقول بحماس :

– صور بس مش جايب فيلم كده ولا كده

ولكن ما أن وقع بصره على صور ليان وماجد ، حتى أختفت إبتسامة ، ورفع شفته العليا مدمدماً :

– إيه ده يا عم بكر أنت جايبلى صور البت ليان ليه ثم الصور مفيهاش حاجة يعنى دى واقفة بعيدة عنه يبجى عشرة متر أنت أهبل ولا إيه ، أنا لو أعرف أن المصلحة خايبة كده مكنتش جيت

ناوله الهاتف ، وهم بترك مكانه وهو يحمل حاسوبه ، فجذبه بكر ، حتى أجلسه مكانه ثانية قائلاً :

– أقعد أهمد وأنا هفهمك على كل حاجة دى مصلحة لو تمت هيعم الخير على الكل

أثار فضوله بحديثه ، فوضع الحاسوب من يده وهو يقول :

– إزاى يعنى مش فاهم يا بكر

تبسم بكر عندما رآى فضوله ، الذى أطل من عيناه ، فبدأ شرح خطته له وهو يقول :

– أنا جايبلك الصور دى علشان تظبطلى وشهم على كام صور حلوين كده من اللى بالك فيهم ، عارف الصور المفبركة اللى مبقاش حد يعرف يفرقهم عن الصور الحقيقية دى

– طب وأنت عايز تعمل كده ليه هتستفاد إيه يعنى

قالها صديقه فى إنتظاره أن يقدم له تفسيراً أخر

فألتوى ثغره بإبتسامة شيطانية وهو يقول :

–ماهو لما أروح أودى لليان الصور دى وأفرجهالها وتشوف بعينها الفضيحة اللى ممكن تحصلها فى البلد كلها ، ساعتها هفرض عليها إن قصاد سكوتى تتجوزنى، علشان ما أعملش فضيحة لها فى البلد ،وبكده أبقى ضمنتها وضمنت أرضها كمان وساعتها بس أقدر أردلها القلم اللى ضربتهولى قدام الناس عشرة مش قلم واحد بس بنت إلهام

تبسم صديقه على تفكيره الشيطانى قائلاً :

– يخرب بيت عقلك يا بكر دا أنت شيطان يا أخى

– عايز تظبط الصور أخر حلاوة ، لدرجة أن هى نفسها تصدق أن الصور دى بتاعتها فاهم

قالها بكر بتصميم ، فأقحم يده بداخل جيب سرواله ، وأخرج نقوداً وضعها بيده

فنظر صديقه للنقود بحبور ، ودسها بحيب بنطاله ، وبدأ بتوصيل الهاتف بالحاسوب ، لنقل الصور ، فبعد إنتهاءه من إرسال الصور ، بحث عن إحدى الملفات السرية بحاسوبه ،وهو ملف مرفق به عدة صور منافية للأداب ، فبدأ بعرضها لبكر ، ليعلم أى من الصور يفضلها ،ليبدأ العمل عليها

________________

نهضت من مكانها ، بذلك الثوب الذى يصل بالكاد الى كاحليها فجلست بجواره ،باغتته بفعلتها تلك فعقد حاجبيه تعجباً من سلوك تلك الفتاة

فأقتربت منه باغراء وبابتسامة :

” وانت بقى يا دكتور رفيق عندك كام سنة”

قال رفيق بإستياء ظاهر :

–:” ليه هى أمى نسيت تقولك عندى كام سنة ”

نقرت بإصبعها على ذقنها بتفكير وقالت:

–:” هى على ما أعتقد قالت إن أنت عندك ٣٠سنة بس ليه أنت متجوزتش لحد دلوقتى”

–:” نصيب بقى لسه ربنا مش رايد”

قالها رفيق ، بينما بدأ شعور بالقلق يساوره حيال تلك الفتاة

فقامت بوضع يدها على يده ، فأتسعت عيناه من جرأة تلك الفتاة التى خرج صوتها ناعماً وهى تقول بدلال :

–:” أنت مالك قاعد متنشن ليه كده فك مش كده يا رفيق باين عليك جد زيادة عن اللزوم فكها مش كده”

ظلت تدنو بوجهها منه ، حتى كادت أن تلصق وجهها بوجهه وكل هذا ، ورهف ومالك مازالا يقفان بالخارج يتابعان ما يجرى بالداخل

قامت رهف بلطم وجنتها مما رأته من وقاحة تلك الفتاة وهى تقول :

– يا نهار مش فايت إيه البت دى يا مالك

رفع مالك حاجبيه هو الاخر بدهشة مما يراه ، فلوى شفايه قائلاً:

–:” على خيرة الله دا أبيه رفيق هيديها على وشها دلوقتى هيظبطلها زوايا وشها

قالت رهف بصوت شامت :

–:” لو عملها يبقى عنده حق والله دى قليلة الأدب”

وضعت الفتاة يدها على كتفه ، وكل هذا وهو مذهول من أفعالها ، ولكن قبل أن تقترب أكثر كان نافضا يدها عنه فى حركة اشمئزاز ، وهب واقفاً من مكانه ينظر إليها باستهجان

فصاح بوجهها غاضباً:

–:” ايه قلة الأدب والحياء اللى أنتى فيها دى ”

قابلت ثورته بهدوء أقرب للبرود ، فجذبت يده قائلة :

–:” أنت وسيم أوى يا رفيق وشكلى كده هحبك تعال أقعد جمبى متخافش خليك أوبن مايندد متبقاش قفل كده يا رفيق بس تصدق اسمك حلو”

غمغم رفيق بذهول :

–:” قفل ! وأبقى أوبن مايندد خلاص أنا عرفت دلوقتى سياحة إيه دى اللى كنتى بتدريسها فى إيطاليا”

سمعا مالك ورهف ذلك ، فتعالت صوت ضحكاتهما حتى سمعه رفيق ، فناداهما بصوت جهورى :

–:” ادخلوا تعالوا رحبوا بضيفتنا”

دلف مالك تتبعه رهف ، وهما يحاولان كتم ضحكاتهما بصعوبة ، فنظرت اليه الفتاة بغضب شديد مردفة :

–:” هو فى ايه هو أنا فرجة ولا إيه”

حدجها رفيق بنظرة ساخرة وهو يقول :

– :” أنا بقولهم أنهم يرحبوا بيكى رهف نادى لماما بسرعة”

خرجت رهف من الغرفة ، ووصلت إلى الحديقة ، فاخبرت والدتها بأن رفيق يريدها بالداخل ، فولجت منى مسرعة الى المنزل، وهى تخشى أن يكون حدث ما لا يحمد عقباه من ولدها

فهتفت به بتساؤل :

–:” ايوة يا حبيبى فى ايه”

أجابها رفيق ببرود :

–:” مفيش يا أمى بس الآنسة قالت إنها عايزة تمشى فندهت لحضرتك علشان مامتها تيجى تاخدها وأنتى يا هانم لمى بنتك كفاية السياحة مضروبة لوحدها”

رمقته الفتاة بإستياء وقالت بغضب شديد :

–:” يلا يا ماما واحد قليل الذوق ”

سحبت الفتاة حقيبتها بغضب ، من هذا الرجل البارد الذى اهانها بتلك الطريقة ، فخرجتا من المنزل وهى مازالت تدمدم بعبارات الإمتعاض والإستياء منه

نظرت منى لرفيق قائلة بتساؤل

–:” فى ايه اللى حصل يا رفيق”

خرج رفيق من الغرفة وهو يقول :

–:” مالك ورهف هيقولولك على اللى حصل انا طالع اغير هدومى واصلى على ما تحضروا العشا وياريت يا ماما تبطلى تجبيلى الأشكال دى علشان بجد زهقت”

أردف بكلماته وذهب الى غرفته ، فنظرت منى لمالك ورهف ، فهى تريد تفسيراً لما حدث ، فقبل أن تفه بكلمة أسرع مالك بالذهاب لغرفته هو الأخر ، حتى لا تتمكن من سؤاله عن شئ

فلم يتبقى سوى رهف ، فأقتربت منها والدتها قائلة :

–:” ها يلا يا سوسة قوليلى فى إيه”

أشارت رهف لنفسها بدهشة وهى تقول :

–:” أنا سوسة يا مامتى”

تأففت منى بضجر ، فهتفت بها بنفاذ صبر :

–:” مش وقت الدراما بتاعتك ، يلا قوليلى رفيق عمل ليه كده”

كسا الإشمئزاز وجه رهف وهى تخبر والدتها بما حدث فقالت بتقزز :

–:” دى بنت قليلة الأدب يا ماما كان فاضل شوية وتبوس أبيه رفيق”

دبت منى صدرها وهى تشهق بصدمة :

–:” يالهوووى بجد يا بت يا رهف اللى بتقوليه ده ولا أخوكى اللى عمل كده كالعادة علشان ميتجوزش ”

أجابتها رهف بتأكيد :

–:” أه والله العظيم يا ماما حتى انا ومالك شوفناها وعلشان كده أبيه رفيق قالى اندهلك علشان تمشى له حق أبيه رفيق يعمل كده قليلة الأدب بجد”

أيقنت منى من أن رفيق ، ربما سيظل ذلك الموقف عالق بذهنه ، يجعله غير راغب أكثر فى الزواج ، فكل حيلها معه تفضى بالنهاية للفشل ، فماذا تفعل هى ؟ فهو إبنها البكر ، وتريد الشعور بلذة السعادة بتزويجه ورؤية أطفاله

_____________

وقفت ليان تنظر لتلك الآلات ، التى تقوم بتقطيع الأشجار ، وكأنها تقطع نياط قلبها ، فأنسكبت دموعها على وجنتيها بشدة ، وهى ترى جنتها الخاصة تتهدم ، وتتحول كأنها صحراء جرداء ، وقف بجوارها شقيقها ، فهو يعلم شعورها الآن ، ويعلم أيضاً مدى ارتباطها وتعلقها بتلك الأرض

فربت على كتفها بمواساة قائلاً :

–:” خلاص بقى ياليان كفاية عياط يا حبيبتى ويلا نروح”

أنهمرت دموعها بغزارة فغمغمت ببكاء :

– :”سيبنى يا باسم بقى بالله عليك كفاية اللى أنا فيه”

التقط باسم كفها بين يده ، فجذبها برفق ، جعلها تسير بجواره ، فحاول الإبتسام وهو يقول:

–:” يلا يا ليان بقى وكمان النتيجة هتبان النهاردة فتعالى علشان نشوف جبتى مجموع كام”

عادت ليان إلى المنزل ، فقامت بفتح الموقع الخاص بنتيجة الثانوية العامة فنظرت جيداً بالشاشة ، وسرعان ما بكت أكثر فما هذا الحظ السيئ

رأى شقيقها ذلك فشعر بالخوف قائلاً :

–:” فى ايه يا ليان بتعيطى تانى ليه ، النتيجة فيها ايه”

مسحت دموعها وهي تقول :

–:” مجموعى كده مش هدخل تربية يا باسم زى ما كنت عايزة”

لم يجد باسم سوى تلك الكلمات ليواسيها بها ، فقال برفق :

–:” معلش بقى يا ليان ربنا عايز كده”

وضعت رأسها بين يديها فهتفت به:

–:” باسم لو سمحت اخرج برا سيبنى لوحدى شوية”

خرج باسم من الغرفة ، فجلست تضم ركبتيها الى صدرها واضعة رأسها بينهما ، فحتى الدموع اكتفت منها ، فماذا يحدث لها ؟ تتوالى الاخبار السيئة على رأسها تباعا ً ، فأرض والدها ستصبح ملك للغريب ، وهى لن تستطيع الدراسة بالكلية التى تريدها

فلمحت دلوف جدتها بعد علمها بما حدث ، فجلست بجانبها تضمها إليها وهى تقول :

– :” معلش يا ليان متزعليش نفسك يا حبيبتى واكيد ربنا كتبلك اللى فيه الخير”

تبسمت إبتسامة واهنة وهى تقول :

–:” يلا أمر الله يا تيتة أعمل إيه يعنى”

قبلتها جدتها على رأسها وقالت :

–:” وأمر الله كله خير يا بنتى وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ”

حركت ليان رأسها بإستكانة :

–:” الحمد لله على كل حال يا تيتة”

طرق باسم باب الغرفة المفتوح ، فنادته جدته قائلة :

–:” ادخل يا باسم فى ايه”

اختلجت عضلة قرب فم باسم وهو يقول :

–:” ماما وجوزها جم تحت يا تيتة”

زفرت ليان أنفاسها بإمتعاض فدمدمت بسخط :

–:” بجملة المصايب هو فى ايه النهاردة”

هتفت علية بنبرة خالية من أى شعور ، بعد سماع ما أخبرهما به باسم :

–:” يلا بينا ياليان نشوف سبب الزيارة السعيدة دى إيه”

هبطت ليان مع جدتها وأخيها ، كانت أمها جالسة بجوار ذلك الرجل البغيض ، الذى كادت نظراته تخترق جسد تلك الفتاة فحالت جدتها بينها وبين نظراته الدنيئة فوقفت أمامها تخفيها خلفها ، فقامت إلهام من مكانها ، تريد احتضان إبنتها ، فوقفت ليان بين ذراعيها بجمود ، فهى حتى لم ترفع يديها لتطوقها بهما ، فهى كأنها تمثال أو دمية لا حياة بها

حاولت إلهام جذبها إليها أكثر ، إلا أنها أرتدت بخطواتها للخلف مبتعدة عنها ، فهتفت والدتها بإبتسامة عريضة:

–:” حبيبتى وحشتينى أخبارك ايه”

ردت ليان ببرود :

–:” الحمد لله نحمده على كل حال”

نهض فاروق من مكانه ومد يده لها قائلاً بخبث :

–:” أزيك يا ليان عاملة إيه أنتى وباسم دا انتوا وحشنا أوى”

رفضت ليان مس يده ، فأكتفت بالرد قائلة :

–:” كويسين الحمد لله وشكراً على زيارتكم وسؤالكم”

تبسمت إلهام بحرج من جفاء إبنتها بالحديث ، فنظرت إليها وتساءلت :

–:” أنتى عملتى إيه فى النتيجة أنا عرفت أنها ظهرت النهاردة ”

مال ثغرها قليلاً بتأفف وهى تقول :

–:” الحمد لله نجحت”

–:” لو روحتى جامعة القاهرة تعالى أقعدى عندنا على ما تخلصى دراسة”

قالها فاروق وعيناه منصبة على وجهها البهى الطلعة ، فهو ينتهز تلك الفرصة، التى تأتى تلك الفتاة بها إلى القاهرة أو إلى منزله ، فشيطانه اللعين مازال لديه الاصرار التام على تلك الفتاة

فسبقتها علية فى الرد وهى تقول برفض :

– ” بنت إبنى مش هتقعد عند حد غريب”

أزدردت إلهام لعابها قبل أن تقول :

–:” دا أنا أمها يا حاجة علية إزاى تقولى كده أنتى خايفة على بنتى منى”

تبسمت ليان وقالت بسخرية :

–:” متتعبيش نفسك ياماما أنا هقعد فى المدينة الجامعية وزى تيتة ما قالت أنا مش هقعد عند حد غريب”

قالت ليان عبارتها ، وهى ترمق زوج والدتها بكره خالص ، فهو المتسبب بإبعاد والدتها عنها وعن شقيقها

إلا أنها أستمعت إليه قائلاً :

–:” ليه تقعدى فى المدينة الجامعية ما البيت مفتوح دايما للحبايب”

رفعت جانب شفتها العليا وهى تقول :

–:” متشكرة بس وفر كرمك ده لحد تانى”

حاولت إلهام تغيير دفة الحديث ، فهى تعلم أن والدة زوجها السابق ، لن تسمح بأن تظل ليان لديهما ، فهى تعلم مدى حب تلك المرأة لحفيدتها

وضعت علية يدها أسفل فكها وهى تقول بتهكم :

–:”من فلوس حرام يا إلهام ”

____________________

google-playkhamsatmostaqltradent