Ads by Google X

رواية في هواها متيم الفصل السادس 6 - بقلم سماح نجيب

الصفحة الرئيسية

  رواية في هواها متيم كاملة بقلم سماح نجيب عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية في هواها متيم الفصل السادس 6

 

قال أبو سليمان -رحمه الله-: “الدنيا تطلب الهارب منها، وتهرب من الطالب لها، فإن أدركت الهارب منها جرحته، وإن أدركت الطالب لها قتـ ـلته”.

٦– ” مشاعر مضطربة ”

حاول ماجد إفاقتها قدر إستطاعته ، و ما أمكنته ذاته الخجولة من فعل ذلك، فتحسس النبض بيدها ، وجده يتسارع قليلاً ، ولكن جسدها المتشنج بدأت بتحريكه ببطئ ، فرفع وجهه لأبيه المطل عليه من علياء ، وهو جالس على الأرض بجوار ليان ، يعمل على إفاقتها هو وجدتها ، التى بدأت بالبكاء ، ولا تعلم ما أصاب حفيدتها فجأة

هتف ماجد بأبيه قائلاً :

– بابا هى هتبتدى تفوق دلوقتى والنبض بدأ يبقى كويس

قبل أن يفه والده بكلمة ، فتحت ليان عينيها ، ونظرت للوجوه حولها ، فأعتدلت بفزع وهى تبحث عن هاتفها ، فوجدته بيد شقيقها ، ينزوى بأحد الأركان ، وعيناه جامدة ومتحجرة العبرات ، وهو يرى الصور الواحدة تلو الأخرى

– بباسم هات التليفون

قالتها ليان بتلعثم واضح ، وعيناها بدأت بسكب الدموع على وجنتيها

ربما الأمر عائد لصغر سنه ، مما جعله يصيح بذهول :

– إيه الصور دى يا ليان

إنتبه الجميع على قول باسم ، فكان محسن أول المقتربين منه ، لمعرفة عن ماذا يتحدث ؟ فأخذ منه الهاتف ، وأصابته صاعقة وهو يحدق بتلك الصور ، وهو يرى وجه ولده ووجه ليان أيضاً

ضمت ليان ذراعيها ، كأنها شعرت بالبرد فجأة ، فما ظنهما بها الآن ، فهى لم تفعل شيئاً ، ويشهد الله على أنها بريئة من كل هذا ، ولكن إتقان الصور ، سيجعل كل من يراها ، يفترض بها السوء

– مين الكلب اللى بعتلك الصور دى الصور دى أكيد متفبركة

صاح بها محسن بإنفعال حادِ ، فهو يعلم أخلاق ولده وأخلاقها جيداً

فشعرت ليان بشئ من الراحة وقالت :

– مش عارفة ده رقم غريب

وقفت علية بجانب ماجد ، لا يفقهان شيئاً مما يحدث ، ولكن سرعان ما علما ما حدث ، فشب الغضب بصدر ماجد على ما سمعه ورآه بحقه وحق ليان

فتعالت صيحته المحتجة قائلاً :

– مين اللى عمل كده وإزاى وعايز إيه

قبل أن يحصل على جواب يرضيه ، سمعوا رنين هاتف ليان ، فحثها محسن على الإجابة ، مع الحرص على فتح مكبر الصوت ، وليس هذا فقط بل تقوم بتسجيل المحادثة أيضاً

فتحت ليان هاتفها قائلة بصوت مرتجف :

– ألو أيوة أنت مين

ضحك بكر بصوت صاخب وهو يقول :

– باين على صوتك كده أن الصور وصلتلك بس إيه رأيك حلوة مش كده

توهج وجهها ، ونفرت الدماء بعروقها وهى تقول بنزق :

– أنت مين يا حيوان وعايز إيه وليه تعمل كده

هتف بكر ببرود :

– بقولك إيه بطلى زعيق علشان دماغى وجعانى ، بس حبيت أوريكى أن ممكن أدفعك تمن القلم اللى أدتهولى فى السوق غالى أوى ، وكمان لما رفضتى تتجوزيني ، فإيه رأيك دلوقتى تتجوزينى ولا تحبى أفضحك فى البلد كلها ، وأنزلك الصور الحلوة دى على النت ، يووووه دا أنتى هتبقى أشهر من النار على العلم فكرى وقوليلى رأيك ونصيحة متقوليش لحد علشان مزعلش منك

أغلق بكر الهاتف ، فنظرت ليان للمحيطين بها بعد إستماعهم للمحادثة ، فخرج صوتها يشوبه الصدمة وهى تقول:

– ده أكيد بكر لأن هو اللى ضربته بالقلم قريب وأتخانق معايا أنا وباسم

أخذ منها محسن الهاتف ، ووضعه بجيبه قائلاً:

– تعالوا يلا كلنا هنروح لكبير البلد دى وهنقوله على كل حاجة وهو اللى يتصرف معاه

لم يجادله أحد منهم ، بل تبعاه بصمت ، ومازالت ليان تبكى شاعرة بالخوف مما حدث ، ولكن جدتها التى أصابها الصمت منذ علمها بما حدث بحق حفيدتها ، ظلت تربت عليها لتواسيها ، فبعد دقائق معدودة ، وصلا لمنزل كبير ، يعود ملكيته لكبير البلدة ، فهو قبلة لكل من له حق ويريد إعادته ، أو رفع ظلم ورد الحقوق

أخبره محسن الواقعة بأكملها ، وأسمعه تسجيل المحادثة ، وجعله ملماً بجوانب الأمر كافة ، بعدما قصت ليان ما حدث لها من مضايقات من هذا الشاب المدعو بكر

فبعد مرور خمسة عشر دقيقة ، كان بكر ووالده ماثلان أمام كبير البلدة ، على مسمع ومرئ من الجميع ، الذى حرص على تواجدهم ،من أجل أن يشهدوا جميعهم ، على تلك الجلسة ، التى تشبه المحاكم العرفية

دب الرجل الأرض بعصاه قائلاً بصوت خشن :

– إيه اللى عملته ده يا بكر وإزاى تفكر أنك تعمل كده فى بنت من أهل بلدك وجارتك مفيش دم ولا خشى

تصنع بكر الجهل ، على الرغم من علمه ، بأن الجميع صاروا على علم بما حدث ، ولكنه حاول أن ينجو بنفسه من العقاب

فقطب حاجبيه دليلاً على عدم فهمه لما يقال :

– تقصد إيه يا حاج مش فاهم حاجة وأنا عملت إيه أصلاً

بدون مقدمات ، تركت ليان مكانها ، وأقتربت منه وصفعته على وجهه صفعة مدوية ، جعلت الجميع يشهقون بصوت واحد وخافت

فقبل أن يهم بكر بالرد على ما فعلته ، أشار الرجل بيده لوالده قائلا:

– أبنك ده مش هيقعد فى البلد دقيقة واحدة مفهوم ولو عايز ممكن ترحل معاه أنت كمان علشان شغل الإستعباط اللى بيعمله ده وأشهدوا كلكم أن بكر ده حاول يوسخ سمعة بنت من بنات البلد ومفبرك ليها صور وهددها ومعايا الدليل أهو

بدأ بتشغيل الهاتف ، وأستمع الجميع للتسجيل الصوتى ، فجفت الدماء بعروق والده ، فهو لم يكن يعلم أنه ستصل به الأمور لهذا الحد ، فنكس رأسه خجلاً من فعلته

لم يجد بكر ما يقوله ، بعدما تم إفتضاح أمره أمام الجميع ، فأمرها كبير البلدة قائلاً :

– خدى حقك منه يا بنتى بالطريقة اللى تعجبك

نظرت له ليان بغيظ ، وصدرها يعلو ويهبط ، كأن نيران تتأجج بداخلها ، فرفعت كفيها ، وظلت تلطمه على وجنتيه يميناً ويساراً أمام الجميع ، لعل تلك النيران بداخلها تهدأ ولو قليلاً ، فكان بكر عاجزاً وغير قادراً على إيقافها ، ولكن من داخله يكاد لو أن يفتك بها ، وخاصة أن تلك الفتاة ، تسببت فى أن يترك البلدة بأمر قهرى ، ولن يستطيع مخالفته

_____________

ولج رفيق إلى مكتب صديقه ، وجده يضع رأسه بين يديه مغمض العينين ، يبدو عليه علامات الإستياء

فلوى شفتيه قائلاً :

–:” أصبحنا وأصبح الملك لله مالك يا أخويا”

رفع أكمل رأسه من بين يديه ، ونظر لرفيق فهو لم يشعر به وهو يدلف الى مكتبه فقال :

–:” رفيق أنت دخلت أمتى”

جلس رفيق على مقعد أمام المكتب قائلاً :

–:” لسه دلوقتى ، مالك قاعد كده زى ما يكون ماتلك ميت”

خرج صوته حزيناً وهو يقول :

–:” أنا اللى بموت يا رفيق”

رمقه رفيق قائلاً بإهتمام :

–:” فى إيه تانى يا أكمل حصل حاجة تانى بينك وبين مراتك”

تبسم أكمل بسخرية وقال :

–:” هو بيحصل بينا حاجة غير الخناق ، لاء وكمان بتطول لسانها عليها وبتعايرنى”

نظر له رفيق بقلة حيلة قائلاً :

–:” أنا حذرتك من الجوازة دى وأنت صممت تكمل فيها”

–:” كنت حمار وغبى والله”

قالها أكمل بتأنيب لذاته ، على إقدامه بالزواج من شهيرة

فهتف به رفيق بهدوء :

–:” أنت لازم تفوق بقى أنا خلاص الدراسة قربت وأنت عارف إن أنا هبقى مشغول فى الكلية فصحصح بقى الله يباركلك عايزين نشوف شغلنا ”

أماء أكمل برأسه قائلاً:

–:” حاضر يا عمنا هتنيل على عينى وأفوق حاضر ”

إبتسم له رفيق وهو يقول :

– :” شطور يا أكمل خد بقى دا ورق العقود بتاعة أخر عرض متقدم للشركة اقراه كويس وشوفه ماشى”

نظر أكمل للورق ، وسرعان ماعاود النظر لرفيق قائلاً :

–:” ماشى اه انا عملت اعلان على وظيفة السكرتيرة انت عارف السكرتيرة بتاعتى خلاص هتتجوز وعايز سكرتيرة غيرها، ماتيجى نسهر مع بعض النهاردة عايز أتكلم معاك شوية حاسس إن انا هطق ومتقوليش أنك بتنام بدرى ومبحبش السهر بلاش شغل الفراخ اللى بتنام من المغرب ده”

نظر له رفيق قائلاً بتحذير :

–:” لم نفسك احسنلك ثم خلاص ياعم أنت هتعيط ماشى نخرج نتعشى برا وصدعنى براحتك وأمرى لله وكمان أنا فعلاً محتاج أتكلم وخصوصاً بعد ما شوفت ليلى تانى”

ترك أكمل القلم من يده بعد سماع ما تفوه به رفيق ، فزوى حاجبيه قائلاً بغرابة:

– ” ليلى ! وأنت شوفتها فين ”

أغمض رفيق عيناه ، قائلاً بشئ من الإرهاق :

_ قابلتها من كام يوم وكمان جاية تقولى أنها لسه بتحبنى وأطلقت من جوزها ”

ساد الصمت بينهما ، بعدما فرغ رفيق من عبارته ، ففضل أكمل إرجاء الأمر للمساء ، حتى يتسنى لهما الحديث بحرية ، فهو يعلم مدى إنزعاج صديقه ، بالإتيان على ذكر تلك المرأة المدعوة ليلى ، وهو أيضاً بحاجة إليه ، فهو صديقه المقرب ويريد أن يخرج ما بداخله ، لا يستطيع أن يختزن كل هذا الألم أكثر من ذلك ، فأحياناً يشعر كأنه فى نزع الموت الأخير من تلك الهموم التى تثقل كاهله

_________________

تجلس تلك الفتاة بغرفتها ، تتصفح هاتفها وتنظر لصور ذلك الرجل ، فتبتسم وتضع يدها على وجهها بهيام ، وهى تطلق تنهيدات حارة ، من وقت لأخر ، فأثارت تعجب صديقتها ، التى تنظر اليها بحاجبين معقودين ، متعجبة على ماذا تبتسم

فسألتها بفضول :

–:” مالك يا ماهى عمالة تبتسمى زى الهبلة ليه كده وبتتفرجى على ايه كده”

تبسمت ماهيتاب وعادت تنظر للهاتف بهيام وقالت :

– :” بتفرج على صور رفيق اه يا شيرى يجنن”

صعقت صديقتها مما سمعته ، فقالت بذهول:

–:” أنتى اتجننتى يا ماهيتاب بتتغزلى فى أخو خطيبك”

خرج صوتها ملتاعاً وهى تضم الهاتف لصدرها :

– :” بحبه يا شيرى بحبه أوى”

ذهول سيطر على تلك الفتاة ، وهى تسمع حديث صديقتها ، التى ربما فقدت عقلها ، فماذا تقول تلك الحمقاء؟ هل تحب الرجل الوحيد الذى ربما لا يجب أن تفكر به هكذا؟ فربما سيصبح أخ لزوجها المستقبلى

فعادت شيرى تقول بذهول :

–:” ماهى أنتى فعلاً اتجننتى بتحبى أخو خطيبك اللى قريب هيبقى جوزك”

إستاءت ماهيتاب من قول صديقتها ، فقالت بضيق :

– :” أنا متخطبتش لمالك إلا علشان اأقرب من رفيق وياخد باله منى أنا من أول مرة شوفته فيها وأنا هتجنن عليه ومش قادرة اطلعه من دماغى وهو ولا على باله قربت من أخوه واتخطبنا قولت جايز ياخد باله برضه مفيش فايدة”

قالت شيرى بإستنكار :

–:” وهو هياخد باله منك ازاى وانتى خطيبة أخوه أنتى شكلك اتجننتى واتهبلتى فعلاً يا ماهى”

عادت ماهيتاب تنظر للصورة وهى تقول بإعجاب :

–:” لو شوفتيه هتعذرينى يا شيرى شخصية ايه ووسامة ايه وبرضه عليه برود محصلش كأنه فريزر و الراجل اللى بيبقى زى ده لو حب بيحب بكل كيانه بيبقى حاجة محصلتش يبقى قلبه ملك اللى يحبها ومش هيبص لواحدة غيرها هيبقى متملك فى حبه وهو ده اللى انا عيزاه واحد يملكنى مش انا اللى املكه”

قالت شيرى بتساؤل :

–:” طب وماله مالك ما شاب وسيم ومحترم ومتعلم وكمان بيحبك وبيتمنالك الرضا”

مطت ماهيتاب شفتيها وقالت :

:” فى دى مقدرش أقول حاجة ، بس مالك تحسيه لسه شاب زى ما بيقولوا عضمه طرى ، مش زى رفيق خالص ، رفيق راجل عارفة انتى معنى الكلمة دى قيادى كده ومسئول عامل زى النسر الجارح اللى عايز يطير دايما فى السما ومينزلش الأرض علشان كده مش عايز يتجوز”

سحبت شيرى الهاتف من يدها وهى تقول :

– :” طب بطلى الهبل اللى فى دماغك ده هو مستحيل يبصلك طالما انتى خطيبة اخوه ومظنش يعنى انه من النوع اللى ممكن يعمل كده ويكسر قلب اخوه”

أستندت ماهيتاب على الوسائد خلفها ومازال صوتها حالماً وهى تقول :

–:” مش قادرة مفكرش فيه يا شيرى دا انا حاسه ان عقلى وقلبى خلاص مش فيا وانهم بقوا ملكه هو وبس”

قالت شيرى بأسف :

–:” أنتى ماشية فى طريق خطير يا ماهيتاب اعقلى يا بنتى بقى”

ضجرت ماهيتاب من إصرار صديقتها على ألا تفكر به ، فهتفت بها بإستياء :

–:” اسكتى أنتى وبلاش وجع دماغ هو بايدى ، بس برضه مش هسيبه”

أفكار وأفكار تدور بخلدها ، عازمة على التقرب منه ،ولكن كيف لها ذلك ؟ وهذا الرجل لا يريد اى انثى كانت ، فبنات حواء لا تستهويه ، وكأنه قديس عزم على العزوف عن مباهج الحياة ، وخاصة تلك البهجة الأكثر اغراءاً وهى إبنة حواء

_______________

بإحدى الغرف البسيطة ، على سطح إحدى البنايات السكنية ، تمسك فتاة بيديها عدة جرائد ، تطوف بعينيها بين صفحاتها لعل تجد وظيفة تناسبها ، فهى قد سأمت من عدم وجود وظيفة مناسبة ، فمعظم المدراء لا يردون توظيفها إلا بسبب ذلك الجمال الذى تملكه ، ولكنها ترفض تلك العروض المغرية عازمة على حفظ وصون نفسها ، من أى رجل تسول له نفسه بالاقتراب منها

سمعت صوت والدتها تناديها :

–” سارة يا سارة”

رفعت سارة وجهها الى أمها ، ترنو اليها بابتسامة من ذلك الثغر الصغير ، فوالدتها هى كل ما تملكه بحياتها

–:” أيوة يا ماما فى ايه”

جلست والدتها بجانبها وسألتها :

–:” أنتى بتعملى ايه كده بالجرايد دى كلها ”

قالت سارة وهى تشعر بإحباط :

–:” بدور على وظيفة في الجرنال ياماما”

ربتت والدتها على ظهرها وتبسمت قائلة :

–:” ولقيتى يا حبيبتى خلاص ”

هزت سارة رأسها نفياً وقالت:

–:” أهو لسه بدور عايزة منى حاجة ”

أخرجت والدتها نقود من جيبها قائلة :

–:” كنت عيزاكى تنزلى تشترى عيش وفطار”

تركت سارة الجريدة التى بيدها ، وأخذت النقود من يدها وهى تقول بحنان :

– :” حاضر يا ماما هلبس وانزل اجيب الحاجة على طول”

قامت من مكانها ، وقبلت والدتها على وجنتها ، فأمها تعانى من شلل بذراعها الأيسر ، يجعلها تعجز عن تحريكه ، فهى تريد البحث عن وظيفة ، لتستطيع أن تعيل أمها وتعيل نفسها ، فمعاش والدها ، لا يكفى لسد احتياجتهما ، من المأكل والملبس والعقاقير الطبية التى تتناولها والدتها

ارتدت ثيابها و ضبطت وضع حجابها على رأسها ، فخرجت الى الشارع ، لمحها ذلك الشاب ، الذى لا يكف عن اثارة اعصابها بازعاجه المستمر لها ، والتى قد سأمت منه حد الموت ، فهو شاب لا يفعل شئ بحياته ، سوى الجلوس هكذا على هذا المقهى وازعاج الفتيات

فأردف بكلماته التى لا تزيدها سوى احساس بالاشمئزاز منه ومن أفعاله :

–:” يا حلو صبح يا حلو طل حن علينا بقى يا جميل بلاش القساوة دى”

غمغمت سارة بصوت هامس:

–:” ربنا ياخدك يا أخى بقى ويريحنى”

واصلت سيرها فسمعت وقع أقدامه خلفها ، زاد خوفها أكثر فهو شاب وقح ، ولكنها اكتفت من أفعاله المزعجة

فألتفتت اليه تنظر له بشراسة فعينيها أصبحتا كأنهما جمرتين من نار وان لم يبتعد ستحرقه حيا :

– :” فى إيه يا أستاذ انت أبعد عن طريقى بقى ايه قلة الأدب والذوق دى خلى عندك دم شوية”

تبسم الشاب بسماجة قائلاً:

– :” مالك بس يا آنسة سارة شادة حيلك علينا ليه اهدى مش كده هو انا عملتلك حاجة”

زجرته سارة بنظرات غاضبة وقالت بتهديد ووعيد :

– :” يعنى انت مش هترتاح الا لما اعملك محضر بعدم التعرض ولا ايه”

تبسم الشاب قائلاً بسخرية :

– :” وهو مين اللى هيقفلك انتى مقطوعة من شجرة مفيش غير أمك المشلولة”

كلماته الوقحة أثارت اشمئزازها اكثر منه ، فماله هذا الشاب الذى لا يعلم عن الأدب شيئاً ، يهينها بتلك الطريقة الجارحة فلما يذكر مرض والدتها ، بتلك الكلمة الفجة و الساخرة والمهينة ، ولكنها وجدت قدميها تسرع الخطوات ، قبل أن تسبقها عينيها فى ذرف الدموع

وصلت للمخبز وابتاعت الخبز اللازم لهما ، ولم تنسى شراء الطعام ، فتغشى عينيها سحابة من الدموع ، يرجع ذلك لمعايرة ذلك الشاب لها ، فكم تهفو هى لترك ذلك الحى ، علها تتخلص من مضايقته لها ، ولكن من أين لها بالمال ، الذى يمكنها من ذلك ، فهى حتى لم تعثر على وظيفة ملائمة ، فبعد إنتهاءها عادت لوالدتها ، وصعدت الدرج العالى ، تكاد أنفاسها تتلاشى ، فوضعت يدها على صدرها ، علها تستطيع إلتقاط أنفاسها ، فكل شئ بحياتها يتطلب منها ، أن تكون قوية وصبورة ، فظل لسانها ينهج بالدعاء والمناجاة لله ، فالله وحده هو القادر ، على تغيير حياتها وأمورها من حال إلى حال أفضل ، فثقتها بالله هى من تمنحها القوة بأوقات كثيرة ، عندما يتسلل لها الضعف واليأس مثبطان عزيمتها

_________________

أنتهت أيام العطلة الصيفية ، و بدأ العام الدراسى الجديد كانت ليان أنتهت من ترتيب إقامتها بالسكن فى المدينة الجامعية ، وشعرت بالحزن لفراق أخيها وجدتها

قامت من نومها، وأدت صلاتها ، وبعد الانتهاء ارتدت ثيابها ، تشعر بالخوف وأيضا تشعر بالحماس ، فهى ستدخل عالم جديد كلياً ، فهى أنتقلت الى المرحلة الجامعية ، فالجامعة عالم آخر جديد ، بالنسبة لفتاة قادمة من احدى القرى الريفية

حاولت تهدئة نفسها ووصلت الى الكلية ، رأت كثير من الطلاب ، تسمع صوت ضحكات من بعض الفتيات ، وهناك فتيان يجلسون يمزحون ، مع بعضهم البعض أو مع الفتيات ربما بشكل مبالغ به

فأنكمشت ملامح وجهها وهى تقول :

–:” دى كلية ولا قناة ميلودى دى استرها يارب”

ظلت تنظر إلى مبنى الكلية ، وذلك الشعار الذى كتب عليه كلية التجارة ، لاتعلم لما ظلت تزدرد لعابها بقوة ، وكأنها ستلقى حتفها ، فشعرت بانقباض قوى بمعدتها وقالت :

–:” استغفر الله العظيم هو فى ايه كأن أنا داخلة النار مش داخلة الكلية اه يا بطنى”

انكمشت ملامح وجهها ، وكأنها تشعر بألم قوى وتريد أن تعيد أدراجها وتذهب الى منزلها ، حيث كانت تحيا بكنف جدتها مطمئنة البال تمتع عينيها بالمناظر الطبيعية ، التى اعتادت عليها ، وليس ذلك الضجيج ،الذى أصبح الآن يألم أذنيها

وجدت نفسها عوضاً عن أن تتقدم بخطواتها الى الأمام ، ترتد الى الخلف ، غير منتبهة لخطواتها ، فاصطدمت بأحد خلفها

شهقت ليان وإستدارت بكامل جسدها ، فوجدت فتاة تنظر لقطعة الشيكولاتة ، التى وقعت من يدها بسبب إصطدام ليان بها بوجه طفولى ربما أوشك على البكاء

فتهدلت قسمات وجه رهف بحزن وهى تقول :

:” إيه ده شيكولاتى وقعت”

بادرت ليان بالاعتذار وهى تقول :

– :” أنا آسفة والله آسفة هشتريلك غيرها حالاً”

تبسمت رهف وقالت بتفكه :

– :” تدرى اللى جهرنى ودخل الحزن بجلبى ان حتة الشيكولاتة دى كنت هموت عليها”

سمعت ليان ما قالته رهف ، فلم يسعها سوى ان تضحك على حديثها ، فهى يبدو عليها اللطف ، فقالت برقة :

–:” أنا بجد آسفة لو عايزة تعالى هشتريلك غيرها”

:” يا ستى ولا يهمك بصى شنطتى اصلا”

قالتها رهف وقامت بفتح حقيبتها ، نظرت ليان وجدت بها كل أنواع الحلوى ، فتعجبت من كونها تفرط بتناولها

فنظرت إليها وتساءلت بإبتسامة :

–:” دى شنطة ولا سوبر ماركت دى ”

حمحمت رهف تدعى الجدية وهى تقول :

– :” وحضرتك السوبر ماركت بتاعى بيقدملك عرض مفيش منه ، خدى اتنين شيكولاتة ، وهتاخدى معاهم هدية ، اللبانة الشقية تمضغيها تعمليها بالونة تبلعيها كله ماشى ولو أخدتى ٣ بسكويت هتاخدى معاهم مصاصة هدية ”

لم تتمالك ليان نفسها من الإبتسام، فظلت تبتسم بإتساع حتى شعرت بانقباض عضلات معدتها ، فنظرت لرهف وهى تقول :

–:” كفاية عروض وإغراءات بقى الله يباركلك هضحك والناس هتتفرج عليا ”

قالت رهف وهى تبتسم بوجهها ومدت يدها لتصافحها :

:” متشرفتش بالاسم أنا رهف وأنتى ؟”

وضعت ليان يدها بيد رهف وهى تقول :

–:” أنا إسمى ليان”

سحبت رهف يدها ، بعد إنتهاء المصافحة بينهما وقالت :

–:” أهلاً وسهلاً أنتى هبلة زيى لسه سنة أولى تجارة؟”

أماءت ليان برأسها قائلة :

:” ايوة لسه سنة أولى والصراحة كنت جاية خايفة أوى لأن دى أول مرة أسيب بلدنا”

تأبطت رهف ذراعها ، فجعلتها تسير معها وهى تقول:

–:” هو أنتى مش من القاهرة”

قالت ليان بنفى :

–:” لاء زى ما بيقولوا من الأرياف بس قاعدة فى المدينة الجامعية”

تبسمت لها ليان قائلة :

–:” أنتى دمك خفيف أوى شكلنا فعلاً هنبقى أصحاب لأن أنا برضه طيبة وغلبانة وهبلة ”

–:” اه يعنى اتلم المتعوس على خايب الرجا تعالى نشوف المدرج بتاعنا فين ونشوف جدول المحاضرات”

قالت رهف عبارتها ، وهما تلجان لمبنى الكلية ، فشعرت ليان بالإطمئنان من رفقتها ، فردت قائلة:

– :” تمام يلا بينا”

إبتسمت ليان ابتسامة صافية ، فهى شعرت ببعض الراحة ، عندما عثرت على رفقة تلك الفتاة اللطيفة ، فالفتيات اللواتى يمكثن معها بالغرفة ، لم تشعر ليان بالراحة لرفقتهن

دلفتا القاعة الدراسية الخاصة بطلاب السنة الأولى بالكلية وجلستا متجاورتان ، فأخرجت رهف بعض الحلوى ، ومدت لها يدها بها وهى تقول :

–:” خدى اتسلى على ما ربنا يفرجها وييجى الدكتور”

أخذتها منها ليان شاكرة إياها على لطفها :

–:” شكراً يا رهف ”

تناولت من يدها الحلوى بابتسامة، وماهى إلا دقائق ، وكان ” رفيق ” يلج إلى القاعة الدراسية ، بخطوات ثابتة وهو يلعن تحت أنفاسه مما حدث منذ قليل

_____________

google-playkhamsatmostaqltradent