رواية وجوه الحب كاملة بقلم نور بشير عبر مدونة دليل الروايات
رواية وجوه الحب الفصل التاسع عشر 19
( ١٩ ) – قـلـوب حـائـرة –
وفي المساء وتحديدًا في تمام الساعة التاسعة مساءًا بتوقيت مـِـصــر، بداخل قصر عائلة ” نـجـم الـديـن ” كان الجميع يجتمع بداخل غرفة الإستقبال ( الـصـالـون ) وعلى رأسهم رب الأسرة وزعيمها السيد ” عـابـد نـجـم الـديـن ” وكان المشهد كالأتي:
” عـابـد ” يجلس أعلى مقعده المُذهب الذي يُلازمه دومًا ولا يجلس إلا على سواه وهو يستند بعصاه على وضعيته المُعتاده وإبتسامته التي يملؤها البشاشة لاتزال مرسومه على وجهه بوضوح.
أما ” شـهـيـرة ” فكانت تجلس إلى جوار ” سـلـيـم ” أعلىٰ الأريكة تشعر في تلك اللحظة وكأنها تمسك السماء بإيديها. فهي تعلم أن صغيرتها على قدر كبير من الجمال يُمكنها جيدًا من الإيقاع بـِـ ” سـلـيـم ” فريسة لجمالها. وهي إيضًا لا تُنكر إعجابها الشديد بـه ولا تُنكر تمنيها له ليكون من قسمه صغيرتها ونصيبها. فهو وسيم، جذاب، يافع، خلوق، كريم، والأهم أنه يملك من الجاه والأموال ما يكفي ليؤمن حياة صغيرتها فهي تخشىٰ عليها كثيرًا حياتها القادمة في ظل الأوضاع التي تمر بها العائلة بتلك الفترة لذلك عندما علمت من إبنتها بطلب ” سـلـيـم ” لخطبتها لم تستغرق ولو لثانية واحدة للموافقة على حديثها. فهي تُريد وبشدة الإطمئنان عليها تحديدًا لأن الحياة القادمة غير مضمونة بالنسبة لعائلتهم وهي حالها كحال أي أم لا تُريد لإبنتهاء العناء والشقاء فهي حقًا تشفق عليها من حياتهم القادمة وما تخفيه الأيام لهم.
وإذا تحدثنا عن ” مُـراد ” فحالته كانت مبهمة لا يستطيع أحد إستشفاف ما يدور بخلده. فكان يجلس على المقعد الآخر إلى أمام ” سـلـيـم ” وهو ينظر إليه نظرات عجز الأخير عن تفسيرها. فكان ” مُـراد ” باسمًا تضحك عيناه له دون شفتاه مما آثار تعجب ” سـلـيـم ” وبشدة فكيف لعيناه أن تبتسم له دون أن تنفرج شفتيه ولو بنصف إبتسامة تظهر على محياه. فكان ” مُـراد ” ينظر له وبداخله الآلاف من الأفكار والمشاعر المتخبطه.
ينظر إليه نظره تمني..!
يشعر بحديث قلبه الحائر دون هوادة يُحادثه بإن هناك رباط قوي يربطه به.
لثاني مرة منذ أن تقابل معه يشعر بمثل هذا الشعور يجتاحه وبقوة دون رحمة بحالته.
يُفكر لماذا يشعر به إلى هذا الحد..؟!
لماذا يخفق له قلبه كلما وقعت عيناه عليه وشاهده..؟!
لماذا يرىٰ به شبابه وصباه وطفولته وأجمل أيام مضت من عمره..؟!
لماذا يُريد أن يراه دومًا وكأن قلبه قد تعلق به دون أن يعرفه حتى..؟!
لماذا يتمنى لو كان ذلك الشاب وُلده..؟!
لا يعلم لماذا لم يرد اللّٰه له بإن يكون له ذكرىٰ بتلك الحياة التي سيرحل عنها كما جاء دون أن يكن له خليل أو ونيس أو حتى يترك من بعده ذكرة يتذكره الأهل والأحباب من خلالها وبالرغم من ذلك فهو راضٍ بحكمة ربه ورزقه بالحياة..؟!
فالحياة أرزاق وهو يعلم بإن رزقه لم يُقدر له هذه المرة إلا أنه لايزال يشعر بالرضا عما قسمه اللّٰه له. وهو لا يُنكر حقًا بإن ” مـريـم ” قد عوضته كثيرًا عن حرمانه من تلك النعمة إلا أنه يُريد إلى درجة يصعب معها العيش في أن يستمع إلى كلمة ( بـابـا ) ولو لمرة واحدة تروي بها جفاف قلبه وحنينه لأبوته ومشاعر كثيرة مما حُرم منها..؟!
وأعلى الأريكة يجلس ” سـلـيـم ” الباسم بسعادة زائفة إلا أنها تحمل ولو قدرًا بسيطًا من الصدق فها هو مُخططه يسير كالسكين بالزبد تمامًا وكأن الجميع كِـ ” دُمىٰ الماريونيت ” يرقصون على إيقاعه ورغبته هو فقط. مما جعله يشعر بالفخر بحاله وما وصل له بفضل تخطيطه المُسبق ودراسته لجوانب الموضوع بعناية فائقة. لكن هناك شيئًا واحدًا لايزال يُشكل علامة إستفهام كبرىٰ بداخله آلا وهو لماذا يرىٰ دومًا بأعين ذلك الـ ” مُـراد ” وكأن العبرات متحجره بداخلها تآبى الهطول..؟!
لماذا يشعر دومًا بأن هناك أمرًا ما يخفى عنه وعن الجميع..؟!
يشعر بإن هناك غيمة حزن كبيرة تُغيم على عيناه بل وحياته بأكملها ولكن لا أحد يعلم سبب وجود تلك الغيمة..؟!
على كلٍ فهو لا يهتم به من الأساس ولا يُهمه أمره في شئ والآن هو بمكانه هذا ليُنجز مهمة خاصة للغاية كما خطط لها وما يدور بخلد الأخير وما يختبره من مشاعر فهو خارج نطاق أولوياته وتفكيره ولن ولم يسمح لنفسه للإنجراف لتلك المشاعر والأفكار مهما حدث لذلك نفض رأسه سريعًا من كل هذا ونطق بنبرة قوية مدروسه يملؤها الثقة وهو ينظر إلى جده ووالده بإبتسامة هادئة.
– جدو عـابـد..
مُـراد بيه..
طبعًا حضراتكم أكيد مستغربين من سبب زيارتي المفاجئة دي خصوصًا أني كنت لسه هنا أمبارح وأكيد حبين تعرفوا سبب الزيارة..
” عـابـد ” بطيبة وبشاشة.
– البيت بيتك يا حبيبي تشرف وتنور في أي وقت..
” شـهـيـرة ” بسعادة وحماس.
– أنت تنور في أي وقت يا سـلـيـم إحنا إعتبرناك خلاص واحد مننا ومفيش بينا الكلام ده..
” سـلـيـم ” بإبتسامة عريضة ونبرة واثقة.
– تسلميلي يا مدام شـهـيـرة البيت منور بأهله..
ثم أضاف بثقة أكبر وهو يوجه حديثه للجميع ناقلًا أنظاره عليهم واحدًا تلو الآخر بالتناوب.
– أنا جاي النهارده لأن نفسي نكون عيلة واحدة فعلًا لو تسمحولي بده..؟!
” مُـراد ” بإبتسامة واسعة فهو قد بدء في أن يستشف ويستدل على ما يدور بداخل ذهن الأخير فتابع بهدوء ونبرة واثقة بدوره.
– ده شئ يسعدنا يا سـلـيـم وأنت عارف ده كويس..؟! وعارف إحنا حبناك إزاي..؟!
” سـلـيـم ” بعدما إتسعت إبتسامته على أثر حديثه مما جعله يكتسب ثقة أكبر لتعزيز موقفه أمام الجميع.
– وأنا كمان حبيتكم وحسيت وسطيكم بالدفا والعيلة اللي أتحرمت منها عمري كله..
عشان كده أنا جاي النهارده وعايز أكون ولو جزء صغير من عليتكم وبطلب إيد بشمهندسة مـريـم من حضرتك يا جدو ومن مُـراد بيه بصفته ولي أمرها وفي مقام والدها..
” مُـراد ” بسعادة حقيقية نابعة من أعماق قلبه لكنه عمد إلى إخفائها حتى يستمع لحديثه للنهاية.
– بالسرعة دي يا سـلـيـم..؟!
على حد علمي أنك عرفت مـريـم من فترة قصيرة جدًا..
” سـلـيـم ” بنبرة واثقة بها من الشهامة والنبل ما يكفي لإقناع مائة عائلة وليست بعائلة واحدة فقط.
– أنا فعلًا معرفش مـريـم من فترة كبيرة بس أنا بحب كل حاجة تبقا في النور..
ثم تابع موجهًا حديثه إلى ” عـابـد ” في محاولة منه لإستمالته إلى جانبه وبلفه كما يُقال باللهجة الدارجة وهو يتقن دوره جيدًا.
– مكدبش على حضرتك يا جدي أنا بدءت أُعجب بـِـ بشمهندسة مـريـم وأحس بمشاعر قوية تجاهها..
وبما أني دخلت بيتكم وأكلت معاكم عيش وملح زيّ ما بتقولوا بالمصري؛ فمينفعش أخون اللقمة اللي أكلتها في بيتكم ولا حتى ثقتكم فيا..
عشان كده حبيت تبقا كل حاجة في النور إحترامًا ليك يا جدي ولـِـ مُـراد بيه وللبيت اللي دخلته..
الجميع لا رد ولكنهم ينظرون له نظرات مبهمة. فعندما طال صمتهم هتف ” سـلـيـم ” بنبرة هادئة هدوء مميت.
– قولت إيه يا جدي..؟!
ممكن أعرف رد حضرتك ومُـراد بيه على طلبي..؟!
” عـابـد ” لا رد ولكنه مستندًا على عصاه لا ينظر إلى أيًا منهم لكن يبدو عليه التفكير وبعد لحظات مضت هتف وهو يوجه حديثه إلى ” مُـراد ” بوجوم.
– أنت إيه رائيك يا مُـراد في الكلام ده..؟!
” مُـراد ” وإبتسامته تتسع بصدق وهو يهتف به بحب وفخر حقيقي.
– أنا عن نفسي موافق جدًا يا بابا ومعنديش أي مانع..
ثم أضاف بتقدير حقيقي.
– متتصورش يا سـلـيـم أنت كبرت في نظري قد إيه بعد كلامك ده واتأكدت فعلًا أن مـريـم هتبقا معاك في إيد أمينة..
فتابع وهو يوجه حديثه إلى والده بتهذب وتلك الـ ” شـهـيـرة ” والدتها.
– بس طبعًا الكلمة الأولى والأخيرة لبابا ولا إيه رائيك يا شـهـيـرة..؟!
” شـهـيـرة ” بإبتسامة واسعة.
– أنا عن نفسي مش هلاقي لـِـ مـريـم شاب أحسن من سـلـيـم وبضم صوتي لصوت مُـراد بس طبعًا بابا صاحب الكلمة الأولى والأخيرة..! قالت جُملتها تلك وعم السكون على أرجاء المنزل بأكمله لما يقرب من الدقيقة الكاملة بين الترقب والإنتظار واللهفة والإنبساط. كل ذلك و ” مـريـم ” تقف أعلى المصعد تستمع إلى حديثهم في سعادة لأول مرة تشعر بها طيلة سنوات عمرها الستة وعشرون عامًا إلى أن أستمعت بلهفة إلى صوت جدها وأخيرًا مرددًا بهدوء مميت إلى ” سـلـيـم ” ذلك الوغد كما لقبته دومًا ووقعت في فخ حبه بالأخير.
– أنت عارف يا سـلـيـم..! قالها بتأثر شديد. فإنتيه له ” سـلـيـم ” بعناية وتهذب وتابع والجميع يركز مع كل كلمة يتفوه بها.
– مُـعـتـصـم إبني أبو مـريـم لما مات من سنين أخد معاه نور عنيا الأتنين اللي كنت بشوف بيهم حلاوة الدُنيا في لمة حبايبي جمب مني..
ومع الوقت الحبايب فضلوا يقلوا شوية بشوية والمُرَّ يزيد حبة بحبة لحد ما جت مـريـم نورت حياتي ورجعتلي طعم الدُنيا اللي كانت زيّ العلقم في غياب الغاليين..
ثم أضاف بحكمة وتعقل يتحلىٰ بهم دومًا.
– أوعي تفتكر أني مش بحب باقي أحفادي التانين ولا بفضل بينهم..
لأااااا يا سـلـيـم أنا أحفادي كلهم عندي غلاوة واحدة وعمري ما ميزت بينهم في المعاملة ولا حتى في توزيع المحبة، بس مـريـم غلاوتها في قلبي زايدة حبتين تقدر تقول أخدت معاها غلاوة أبوها اللّٰه يرحمه ومحبته في قلبي ضيف على كده أنها أكبر حفيدة ليا وأول ما شافت العين يعني أنت هتاخد نور عنيا وبلسم حياتي يا سـلـيـم..
حطها في عنيك يا حبيبي وحافظ عليها مش عشان هي حفيدتي أو يتيمة وأنا وعمها مش هنعيش ليها العُمر كله..
لأااااااا يا سـلـيـم..
مـريـم جوهرة غالية أوي وكانت أمانة المرحوم عندي وعند عمك مُـراد وأنا هستأمنك عليها عشان شايف فيك راجل وقد الأمانة وهقف قصادك يوم الموقف العظيم وهسألك عليها يا سـلـيـم وهقولك صونت الأمانة ولا لأااا..
” سـلـيـم ” بتوهان وهو يشعر وكأنه إهتز للحظة من حديث جده عن أمانته ومدىٰ حبه لـِـ ” مـريـم ” ومكانتها بقلبه.
– مـريـم في عنيا يا جدي..
وصدقني حضرتك مش هتندم أبدًا على قرارك ده..
فأتسعت إبتسامة ” مـريـم ” بالأعلىٰ ومن ثم أستمعت إلى صوت “عـابـد ” وهو يهتف بولدها بسعادة واضحة.
– يبقا على بركة اللّٰه..
قومي يا شـهـيـرة يا بنتي نادي بنتك خاليها تيجي عاوزها..
” شـهـيـرة ” بتهذب وإبتسامتها العريضة تلوح على شفتيها بسعادة كبيرة.
– أكيد..
وبالفعل غابت للحظات ومن ثم عادت وهي تمسك بيديها صغيرتها التي تنظر إلى الأرض بخجل غير قادره على رفع نظراتها إلى وجه الحضور وعلى وجه الخصوص ” سـلـيـم ” الذي ينتفض قلبها بين أضلعها بمجرد ما أن تقع عيناها عليه. فهتف بها الجد بدعابه ونبرة ذات مغزىٰ وهو يتابع كل حركة ونفس يصدر عنها.
– تعالي يا مـريـوم يا حبيبتي..
تعالي أقعدي جمب عريسك هنا..
” مـريـم ” لا رد ولكنها تُريد لو أن الأرض تنشق إلى نصفين وتبتلعها بداخلها حتى تمر تلك اللحظات بسلام.
” شـهـيـرة ” بسعادة ونبرة مداعبة.
– شوف يا بابا مـريـم مكسوفة إزاي..؟!
ثم أضافت موجهه حديثها إلى” مـريـم ” وهي تزج بها إلى جوار ” سـلـيـم ” بسعادة.
– روحي جمب عريسك يلااااااا..
فإقتربت ” مـريـم ” من ” سـلـيـم ” الذي مد كفه إليها بإبتسامة واسعة أذابتها ذوبًا في حبه. فمدت إليه كفها بدورها بحب وحياء يكسوها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها. وبمجرد ما أن لامست يداه كفوفها الناعمة حتى شعر وكأن هناك صاعق كهربائي قد ضرب به وجعله بمعزل عن الناس جميعًا.
لأول مرة بحياته يشعر بمثل هذا الشعور.
لأول مرة بحياته يشعر بإهتزاز قلبه داخل صدره بشدة كتلك اللحظة.
لأول مرة يشعر بأنه غير قادر على تنظيم أنفاسه وترتيب نفسه والتحكم بها.
أيعقل أنه بدء حقًا بأن يشعر بمشاعر تجتاحه إليها..؟!
أيعقل أن السحر سينقلب عالساحر ويقع هو فريسة لعشقها عوضًا عن وقوعها هي فريسة يسهل مضغها بين يديه..؟!
لاااااااا..!
لاااا..!
هو من بدء تلك اللُعبة وهو من سيُنهيها ويتحكم بها إلى النهاية.
هو من خطط لكل ذلك لكنه لم يُخطط لخفقان قلبه بمثل هذه الطريقة كالآن.
حسنًا سيتدبر ذلك الأمر ويُسيطر عليه في التو كما سيطر على الكثير من قبل وسيُسيطر على الأكثر والأكثر خلال الأيام القادمة.
فنفض سريعًا أفكاره وعاود هندام حالة وكأنه لم يتأثر من قبل بمجرد لمسة واحدة من كفها وجلس إلى جوارها بعدما جلس الجميع ومن ثم سحب كوب الماء من أعلىٰ الطاولة أرتشف منه القليل وعاود بوضع الكوب بمكانه من جديد وهو يحاول تنظيم أنفاسه وما أفسدته تلك الحمقاء بلمستها الناعمة له وتابع وهو يُحدث حالة موبخًا لها بغضب.
– أعقل يا سـلـيـم كل حاجة ماشية زيّ ما خططت ليها بالظبط متجيش تبوظ كل حاجة دلوقتي بغبائك..
ثم أضاف وهو يذكر نفسه بقسوة وأسوداد.
– كرامة أمك يا سـلـيـم وكرامتك فوق كل ده..! ففاق من حديثه الصامت مع حالة على نبرة ” عـابـد ” الهادئة قائلًا له بتساؤل وإستفهام.
– صحيح يا سـلـيـم إحنا وافقنا على طلبك لإيد مـريـم بس في حاجات لازم نتكلم فيها قبل ما نقرأ الفاتحة ونتفق على الخطوبة..
فنظر له ” سـلـيـم ” بتركيز وتابع بإهتمام كبير.
– تحت أمرك يا جدي في كل اللي تؤمر بيه..
” مُـراد ” متداركًا للموقف برزانة.
– بابا مش قصده طلبات يا سـلـيـم..
بابا قصده إزاي هنقرأ الفاتحة وتتخطبوا من غير وجود والدتك وأختك..؟!
” سـلـيـم ” وهو يُعاود إرتشاق الماء من جديد محاولًا عدم التأثر وإظهار ثقته بقدر الإمكان.
– حضرتك عارف يا جدي أن والدتي وأختي خارج مصر ومن الصعب النزول دلوقتي..
فلو حضرتك تحب إحنا ممكن نقرأ الفاتحة دلوقتي ونأجل الخطوبة والشبكة لحد ما والدتي تنزل مصر بعد شهرين..
ثم أضاف بنبرة مدروسه متقنه.
– متتصورش حضرتك والدتي فرحانة إزاي وحبت مـريـم قد إيه من كلامي عنها..؟!
أن شاء اللّٰه هتنزل مصر قريب وتتقابلوا بيها..
هاااا حضرتك قولت إيه يا جدي..؟! قالها وهو ينظر إليه بترقب شديد وإنتظار لردت فعله.
فنظر ” عـابـد ” إلى ” مُـراد ” محاولًا التعامل مع الموقف وإستشارة صغيره دون أن يلاحظ أحد؛ فأوما له ” مُـراد ” برأسه بتهذب ومن ثم تابع ” عـابـد ” وهو يهز رأسه بتفكير.
– على خيرة اللّٰه يا ولاد..
نقرأ الفاتحة دلوقتي والشبكة والخطوبة لما والدتك وأختك يرجعوا بالسلامة..
فإبتسم بسعادة فها هو قد نجح مُخططه وأخيرًا وإكتملت المهمة على أكمل وجه. وبالفعل بدء الجميع في قراءة سورة الفاتحة وهم يرفعون كفوفهم أمام وجههم والإبتسامة تعلو وجه كلٍ منهم.
فمنهم من يشعر وكأن السعادة قد كُتبت له وأخيرًا كحال ” مـريـم ” التي تزين البسمة ثغرها بسعادة حقيقية وكأن السعادة والبسمة قد خلقوا مخصوصًا لأجلها.
ومنهم من يبتسم وهو يري صغيرته قد كبرت وأصبحت عروس يطالب بيدها بعدما كان يحملها بين يديه في طفولتها يهدهدها وهي تبكي وتتعلق برقبته بحب كحال ” مُـراد ” الذي يشعر بأن السنوات قد مرت سريعًا فهو يتذكر لكل ذلك وكأنه حدث بالأمس وليس من سنوات وسنوات عديدة. ولكن في الحقيقة هو سعيد أيضًا بتوطيد علاقته بـِـ ” سـلـيـم ” لا يدري سببًا واحدًا لسعادته به إلا أنه تمناه كثيرًا لـِـ ” مـريـم ” كما تمناه إبنًا له وهذا في حد ذاته سببًا كافيًا لسعادته به. أما عن حيرة قلبه فهو لا يعلم متى ستهدأ ويأمن قلبه؛ لكنه متأكدًا بأن فرحته الآن كبيرة لا يستطيع إعطائها لأحد.
ومنهم من يشعر بأنه قد أدىٰ أمانته وشعر بالراحة والطمأنينه تسكنه كحال ” عـابـد ” وهو ينظر إلى صورة وُلده المعلقة على الحائط يزينها من الجانب الأيمن ذلك الشريط الأسود وكأنه يطمئنه بأنه قد أتم أمانته على أكمل وجه.
ومنهم من يبتسم سعيدًا بما أنجزه اليوم وبنجاح أول مهمة من خطته التي نفذها كما خطط لها بالضبط ولكن إبتسامته كانت لا تخلو من عذاب الضمير، والألم، والحب، والكراهية، والحنين، والتشتت، والتوهان، والهجر، والكثير والكثير من المشاعر المتضاربة والمتخبطة في آنٍ واحد والتي لا يستطيع الإمساك بشعور واحد صريح منها؛ فقلبه حائرًا بين كل هذا وأكثر.
ومنهم من يبتسم فرحًا بخطبتهم وهي ترىٰ إبنتها سعيدة حقًا أمام أعينها. تتمنى لو كان بإمكانها بإن تشعر ولو لمرة واحدة بشعور إبنتها وفرحتها البادية على عيناها بوضوح كوضوح الشمس في ذروتها. هي سعيدة حقًا لها لكنها تشعر بمرارة حنينها إلى زوجها وإشتياقها إليه وهو أمامها كالحاضر الغائب.قلبها حائر حقًا بين سعادتها بإبنتها ومرارة هجر زوجها لها.
– ألف مبروك يا حبيبة مامي ربنا يسعدكم..
” مـريـم ” بتهذب.
– اللّٰه يبارك في حضرتك يا مامي..
ميرسي..
” عـابـد ” بحب وسعادة واضحة وهو يمسح بيديه وجهه بعدما فرغ من قراءة سورة الفاتحة.
– آمين..
ألف مبروك يا ولاااااد..
كده أقدر أقول العيلة زادت واحد بجد..
” مُـراد ” بحب وهو ينظر إلى ” سـلـيـم ” بعاطفة قوية.
– عندك حق يا بابا سـلـيـم خلاص بقاااا واحد منا وفرد من عيلتنا..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية وجوه الحب ) اسم الرواية