رواية غوي بعصيانه قلبي كاملة بقلم نهال مصطفي عبر مدونة دليل الروايات
رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الاول 1
” لا ينبض القلب إلا لعاصٍ ”
قبل .. أقصد قبل أي رواية اكتبها كان كل حرف بها موجه لشخص ما ، بالخصوص كان لدي حبيب أرسل له حبي من خلالكم .. واليوم وبعد انقطاع دام لعامٍ عن الكتابة حدادًا على حبي ، اكتب لكم ولم أملك شخص بعينه أخصه بحروفي ، بكلماتي ، بشوقي الذي يفترسني كُل ليلة .. فإذا أصابت حروفي قلبك اعلم إنني كتبت هذا في لحظة حنين ، وإن لم تصب كلماتي وأخفق سهمي في طريقه لقلوبكم ، اعلموا إني أحاول أنساه وفشلت محاولاتي كما فشل سهمي .
” ما قبل البداية ”
معذرةً عن ضعفي المبالغ فيه للحد الذي يعجزني عن كتابة كلمة ( النهاية ) واستبدالها بـ (ما قبل البداية ) ، أي بدايتي بدونك ، لأنني لا أعترف بمصطلح النهاية أبدًا ، فلم تُخلق نهاية في هذا العالم إلا بموت الإنسان ، وتلك الأخيرة لا تستحق اللقب أيضًا ، لأن بموت الشخص يعني ذلك بدايته لحياة آخرى وليست نهايته ! والآن تريد مني أن اطلقها علينا وعلي قصتي معك ونحن ما زلنا أحياء ! .
فـي الحقيقة أنا أكذب واتمرد كي أنكر واقع إنني هُزمت ، أن قلبي يرفض حقيقة غيابك الأبدي عنه .
تترنح ذاكرتي لـذلك اليوم الذي لم يفارقها أبدًا ، تقيم فوق عتبته نهارًا متوسلة إلى الكابوس أن يطويه بين ثناياه فـيكون مُجرد حلمًا مُفزعًا سيذوب تحت شمس الأيام الحارقة .. وتقضي ليلها حدادًا على هذا الواقع الذي لفظه الكابوس أيضًا ولم يتقبل مرارته .
كان اسمه آخر مرة يظهر على شاشة هاتفي برسالةٍ ظننتها بدايتنا من جديد يخبرني فيهـا
” أريد رؤيتك على الشاطئ”
ذلك الشاطئ الذى تذوق شهد اللقاء الاول و شغف تلاقينا الثاني وكل منا يبحث ببُصلةِ قلبه عن تلك العيون التي تعثر العقل بضيائها .. واجتماعنا الثالث عندما انعقد الوعد برؤية لاحقة ، والصدفة المباغتة التى جرت كل منا هائمًا على وجهه لنتبادل ضحكة عفوية ثارت غيرة أمواج البحر .
و الآن عما سيشهد يا ترى ! طوى صفحات الماضي والبدء من جديد أم طوى قصتنا ورميها للبحر ربما تسقط في يد عشاق آخرين أشجع مننا في الدفاع عن حبهم !
كانت خطواتي بطيئة جدًا وأنـا أسدد أسهم نظراتي إلى ظهره المتناسق البنية وشعره الذي يداعبه الهواء العاصف كما داعبت رسالته أوتار قلبي ، وقميصه الشفاف الذي يتراقص حول خصره ، لا أعلم كم استغرق الوقت وأنا اتجرعه بقلبي من جديد كأول لقـاء بيننا.. تقدمت خطوة وسبقني قلبي بخطوتين إلى أن أحس بوجودي فـ ألتفت إلىّ كـ شروق الشمس بعد ليلة شتوية قارصة البرودة ، وضعت يدي على قلبي ليكف عن الركض ولكنه بدون جدوى حتى قطع صوت الموج بصوته الرخيم وقال
-كنت أعلم إنكِ ستأتي !
أجبته بعفوية :
-وكنت أعلم أنكَ ستراسلني !
اقترب مني خطوة كان صدحها في صدري وقال
-تسمحِ لي أن أخوض بالأمر دون مماطلة ؟!
بادرته وأنا أتمسك بأصبعيه و تلمع الدموع بعيني متوسلة ، خائفة أن أعود لغرفتي وحيدة لا انتظر حتى سماع صوته الذي يؤنس قلبي ، لفظت جملتي بنبرة إمراة فقدت كل شيء ولم يتبقى لها إلا عيونك ؛ بتُ أخشى الأيام بدونك ، أرجوك لا تقف تلك المرة في صف الحياة وتدعمها ! بربك سأسحق ، فلم تُخلق هزيمة أقوى من دُحرغيابك .. رجوته بكل أملي قائلة
-تسمح لي أنا أكون لك وتكون لي ؟!
ساد صمت طويل قالت فيه الأعين ما لم تقل من قبل .. ولأول مرة أشعر بسقيع كفه كأن المكان أصبح لا ينتمي لي ، بات فراغ أصبعه لا يشتهى أصابعي ، ارتجف قلبي حينها رجفة لم اتجرعها إلا مرة واحدة وهي عند موت أمي .. والثانية عندما تابعت تفاصيلك الرافضة لي برعبٍ .
ابتعدت عيونه عني بسهولة تلك المرة وتهتهت الكلمات في حلقه وهو يناديني :
-رسيل !
اقتربت منه أكثر ورأيت علي ملامحه فراق ساطع .. انبثقت دمعة الحسرة من طرف عيني وأخبرته
-سندع الماضي يرحل بكل أخطائه ، ونسطر بداية قصتنا الجديدة من الآن بشرطٍ ألا يشملها فراق ولا بُعـد .
ثم ترقرقت العبرات من عيوني بسرعة كسرعة نبضات قلبي وأكملت
-أعدني قاسم ، أعدني ألا يعرف البُعد لنا طريق .. تعلم أني سأجن لو رحلت عني .
مسح على شعري كمن يغطى وجه ضحيته بعد ما اغتالها لإنه يخشى رؤية قطرات العتاب بعينها وقال بنبرة باردة كبرودة الطقس
-أنتِ قوية لا يهزمك شيئًا ، أنا أثق بك .
قطم بجملته قلبي كحيوان مفترس لا يرحم ، فلم تجبره عيناي المحمرة على البقاء ، لم يشفق على انتفاضة روحي ، وذعر ملامحي ، لم تهمه يدي المتشبثة به كالغريق الذي يتعلق بطوق النجاة .. بللت حلقي ومسحت وجهي سريعًا وأنا اسأله
-ستسافر !
-أجل ، هذا مستقبلي وأنتِ الذي لم ترغبي في مشاركته .
خرجت نبرة صوتي مبحوحة ، مذبوحة بسكين الفراق :
-سبق و أخبرتك بأني لا استطيع السفر ، لا أرغب أن افارق أبي ، ليس له أحد غيري ، مثلما لم يكن لي غيرك .
استدار بظهره وأفصح بجفاء
-هذه هي الحياة .. لكي تنال شيئًا لابد أن تتنازل عن آخر .
بوخته بنبرة ممزوجة بـ القهروالسخرية
-وها أنا أصبحت كبش الفداء لأحلامك .
-لا تُحملينني عاقبة خيارك !
-لا تضع مبررات لكذبك و الاعيبك !
قال جملته كي يبرئ ضميره من أثم قلبي الذي رافقه لأيامٍ طويلة ، كنت دومًا ما اتجاهل الكتب والروايات التي تتحدث دائمًا عن غدر الرجال ، وضحاياهم المنتشرة بجميع الأركان ، فلم تخلق فتاة لم يخدش قلبها من معشر الرجال ، قيل عنكم أكثركم يخلط السُم بالعسل ولكني معك ظننت إنني خالطت العسل بك فـأحلوت أيامي ، صدقت بك جميع الرجال وكذبت جميع الكتب والكُتاب وها أنا الآن أحصد نتيجة ثقتي وحماقتي معًا !
تحمحم بهدوء غير مكترث لتلك القنبلة التي جاء ليقذفها بصدري ويرحل دون أن يرف له جفن الشفقة .. فقال
-يبدو أننا متفقين ، عمومًا جئت لأودعك !
-أرأيت قاتل يودع ضحيته قبل ارتكاب جريمته !
-بدون فلسفة زائدة ، عندما تختلف الطرق فالفراق واقع لا محال له ، اتمنى أن القاكِ على خير .
علي قدر ضعف المرأة في الحب يكون حِدة سيف كبريائها ، وقفت أمامه كجبل راسخ لم تهزه الريح وصرخت بوجهه معلنة :
-اتمنى ألا ألقاك أبدًا .
وسرعان ما ألتوى ثغري ساخرًا وأكملت
-و أي خيرًا تريد أن تراني عليه ! هزيمتي بالنسبة لك خير ! وحدتي ! عزلتي ! جلدي لذاتي ! هالاتي السوداء المتورمة تحت عينياي من كثرة البكاء تسميها خيرًا ؟!
كم هو مضحك مُبكٍ هذا ! مسحت عبراتي بسرعة و ضحكت بوجع لم أعهده من قبل :
-سأخبرك بالخير الحقيقي الذي تركتني عليه وستراني عليه أيضًا ! أنت جعلتي أفقد الثقة في البشر والعالم ، أصبحت أخشاهم ، وأخشى الحب وأخشى معشر الرجال برمته !
ثم صرخت بحرقة وكأن بركان من الحزن اندلع بصدري :
-بسببك سأظل وحيدة عمري كله ! أهذا هو الخير !
حاول أن يهدئ من روعي وجسدي المرتجف أمامه وقال
-رسيل ! عودي لوعيك !
عجبي ! من دفن الخنجر في قلبي هل سيعود لإسعافه ! دفعته بقوة لا أعلم مصدرها ، ربما كان الخذلان ، أو الضعف أو الحب ! وأخبرته
-لا أريد وداعك ، فلا وداع لقاتل .
أدرت وجهي وخلعت نعليّ و لأكون أكثر دقة خلعت قلبي ليس إمتثالًا لطقوس الوداع المقدسة ولكن لأركض بأقصى سرعة ممكنة ، لأهرب من ذلك الصعلوك البشري الذي يتلذذ بقلوب النساء ، والآن آمنت بأن الحب ما هو إلا قصة قصيرة يبقى أثرها عمرًا كاملًا تحاول أن تتعافى ولم تنجح ، وأن معشر الرجال لا يعيثون في الأرض إلا فسادًا لأرواحنا وأيامنا ، ومن اليوم قُدم قلبي قربانًا في محراب الحب المقدس .
١٤ من شباط ٢٠٢٢
ذكرى احتفال العشاق بيوم الحب ، تحول ليوم حداد وجب فيه العزاء لقلبي وروحي ولأنني امرأة مسرفة أحببتك بقلبي كاملاً دون أن أدّخر منه شيئاً لأيام الحنين والغياب والإحتياج .
•رسيل المصري
•••
( الساعة الثالثة صباحًا )
أغلقت رسيل شاشة الحاسوب وهي تخرج زفيرًا قويًا كأن دخان كتاباتها لدغ قلبها .. بعد ما كتبت مقدمة روايتها الجديدة التي تجهل أحداثها وأبطالها ومصائرهم ، وتجهل الحب الذي لم يلفح قلبها طوال الربع قرن الذي عاشته ، لا ترى الحب إلا بين السطور ، وما تعرفه عنه أنه مجرد حروف وكلمات تتجمع لتبث نبضة جديدة بالحياة في قلبك ، أما الحب الذي تفيض به الأعين ما هو إلا خرافة ابتدعها الرجال لاقتناص فرائسهم .
فارقت رسيل مقعدها الخشبي ولم يفارقه شعرها الطويل الذي يشبه أوتار العود حيث تعثر بمسمارٍ إثر طوله الذي يغطي ظهرها بأكمله ، تألمت قليلًا ثم عادت لتخلصه من أسره متأففة .. وهنا فتح أخيها رشيد الباب بدون استئذان وهو يستعجلها
-رسيل المعلم قنديل أمر إننا هننزل البحر النهاردة .
ما لبثت أن حررت شعرها فعلقت بمشكلة أكبر وقالت برفض قاطعٍ
-مستحيل بابا يطلب كدا .. الموج عالي والبحر ميعرفش عزيز !
لم يجادلها ولكنه اكتفى بإبلاغ الأمر فقط :
-هو أدرى ، طالما قال هننزل يبقي محدش له الحق يعارض .. يلا مفيش وقت .
ارتفعت نبرة صوتها معارضة بشدة :
-دا يبقى اسمه انتــ حار رسمي !
•••
رواية ( غوى بعصيانه قلبي )
سرد فصحى حوار عامي ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية