رواية اوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد عبر مدونة دليل الروايات
رواية اوصيك بقلبي عشقا الفصل التاسع و العشرون 29
“هذا كل شيء بالنسبة لي !”
_ إيمان
بدأ الليل يُلقي بظلاله على بيت آل”عمران”… الإحتفال حتى الساعة يسير وفق قواعد “أدهم”.. إلتزام، تهذيب، رزانة
في جهة الرجال، جميعهم حول “مراد” قسم من أصدقاء “أدهم” و آخر من أفراد العائلة.. كان “مراد” وحيدٌ هنا
رغم تجمّع كل هؤلاء من حوله، لكنه شعر بوحدة كبيرة، حتى صديقه “رامز” الذي جمعتهما الصدفة مؤخرًا بعد طول غياب، لم يأتِ بعد !
لم يسمح مع ذلك لأي مشاعر سلبية أن تُفسد عليه ليلته، ابتسم متحديًا الظروف و شرع ينسجم مع الصحبة و يتفاعل معهم كما لو أنه يعرفهم جيدًا، إلى أن أحسّ بتلك القبضة التي اجتذبته للخلف بخفةٍ
استدار على الفور، لكنه جمد مصدومًا فجأة، و هو يرى أمام عينيه صديق عمره.. “عثمان البحيري” !!!
إنه هو بذاته، بشحمه و لحمه، يقف قبالته متأنقًا مبتسمًا …
-بتتجوز تاني من ورايا !؟ .. نطق “عثمان” بصوتٍ أجش متظاهرًا بالحنق :
-لو ماكنش الدكتور أدهم عزمني مش عايز أقولك كنت هاعمل فيك إيه …
و رقت نظرته بغتةً و هو يضيف بصدقٍ :
-واحشني. واحشني يالا !
كانت هذه آخر نقطة تماسك لديه، و انهار الجليد الذي أحاط بقلبه في طرفة عينٍ، ألقى بذراعيه حول صديقه و اجتذبه معانقًا إيّاه بقوة، أمام أعين الجميع، عبّرا الصديقين عن شوقهما بشكلٍ يثير السعادة و الإنبهار
رابطة الأخوّة بينهما تجلّت بشدة، و لم يعد هنا أيّ عداء أو أثر للخلافات، لم يعد هناك سوى الصداقة.. حب لا مشروط …
_____
أضفى حضور “عثمان” البهجة و السرور على أجواء الزفاف، و قد لاحظ الجميع التحسّن الكبير في مزاج العريس، كانت لمعة عينيه ما ينقصه حقًا، و الفضل يرجع لصديقه في ذلك ؛
جلسا يتبادلان النكات و المرح، الرجال ينصتون و لا يستطيعون التوقف عن الضحك، لينضم و فجأة إلى الثنائي الوقح ضلعهما الثالث صائحًا بجلبةٍ :
-الباشا الكبير وصل. ابن الزوات هنا يا جدعان. عثمان البحيري بنفسه …
تطلّع كلًا من “مراد” و “عثمان” إلى صديقهما، علت الدهشة وجه “عثمان” بينما يهتف “مراد” باستياء :
-كل ده عشان معاليك تشرّف ؟ ده إللي جاي من اسكندرية سبقك يا رامز بيه !
يقف “عثمان” الآن و هو يبتسم أكثر متمتمًا :
-رامز الأمير !!
يرد “رامز” الابتسامة محاكيًا النظرة الثعلبية بعين صديقه :
-عثمان البحيري !
تضاحكا فجأة، و كأنها شيفرة بينهما، ثم اندفعا تجاه بعضهما في عناقٍ رجولي دام للحظاتٍ.. ثم تباعداه و هما يتصافحا بحرارة …
-4 سنين ماتفكرش تيجي عندي ياض !؟ .. قالها “عثمان” معاتبًا
ليرد “رامز” بنصف ابتسامته الشهيرة :
-أديك انت إللي جيت لي برجليك. اعمل حسابك مانتاش راجع ألا بعد شهر مثلًا. هاعيّشك هنا أيام ماتنسهاش. نعيد أمجاد زمان !
قهقه “عثمان” معلّقًا :
-لأ ياخويا خلاص. ولّى الزمن ده. أنا معايا واحدة توّبتني !
عبس “رامز” مدهوشًا :
-اتجوزت ؟
أومأ له : ما انت لو بتسأل كنت عرفت و كنت عزمتك. حتى رقمك إللي معايا مش بيفتح خالص ! .. ثم سأله باهتمامٍ :
-قولّي صحيح انت كنت فين طول السنين دي و بتعمل إيه !؟؟
تنهد الأخير قائلًا :
-لأ الحكاوي دي عايزة قاعدة من بتوع زمان ماينفعش في ليلة مفترجة زي دي !
و ألقى نظرة مداعبة على “مراد”.. ليقوم هو أيضًا و يقف إلى جوارهما و لكنه غير متجاوبًا معهما، ينظر بهاتفه و يعبث فيه مشغولًا …
-أنا آسف يا سادة ! .. قالها “مراد” بصوتٍ حاد :
-مضطر أسيبكوا شوية بس. خمسة كده عند العروسة و راجع تاني. لكن طبعًا و أنا ضامن إنكوا مش هاتزهقوا …
نظرا إليه باستغرابٍ، ليبتسم و هو يشير لهما برأسه تجاه بوابة المنزل :
-الليلة مش هاتخلص قبل ما تفرح العروسة. و أنا هاسيب لك الدكتور أدهم يا عثمان. انت أدرى بيه أكتر رامز لسا ما يعرفوش !
تبع “عثمان” مؤشرات صديقه و هو يومئ قائلًا بمرحٍ :
-ماتقلقش. روح فرّح عروستك. و سيب لي الشيخ أدهم.. أنا هاتصرّف معاه !!!
*****
لقرابة الساعتين لم تتحرّك “إيمان” من مكانها، كانت محطّ الأنظار، متوترة، مهزوزة، و ربما.. تشعر بالخواء
يُفترض أن يكون هذا أجمل أيام حياتها
فقد بلغت مرادها !
حققت أمنيتها الغالية و تزوّجت بحبيبها
هل هناك سبب أدعى للسعادة غير هذا !؟
و لكنها لا تزال.. و لسببٍ ما …
واجمة !
ارتعدت فرائصها بغتةً عندما فاجأها بلمسةٍ قوية، رفعت وجهها و اشتبكت عيناها بعينيه بينما يطمئنها فورًا :
-ده أنا يا حبيبتي. أنا !!
بدأت تسترخي قليلًا، و قد انتبهت لتركيز النساء كلهم عليهما، فزحفت يدها متشبثة بيده تستمد منه بعض القوة لمواجهة نوبات الهلع غير المبررة تلك …
-جاهزة للمفاجآت !؟ .. سألها “مراد” مبتسمًا بحماسةٍ
قطبت معاودة النظر إليه، فلم يمهلها فرصة للشرح، إلتفت خلفه و لا زال ممسكًا بيدها، وضع الهاتف فوق أذنه و فاه بكلمةٍ واحدة :
-دلوقتي !
شد زوجته لتقف إلى جواره، بينما يوّلي وجهها صوبها الستار الفاصل بين سرادق الرجال و النساء، يرتفع الستار شيئًا فشيء، ليكشف عن حائل زجاجي شفاف، كشف عن الجهة الأخرى بالكامل …
سمع “مراد” شهقتها و لاحظ ارتعاشتها و هي تحاول التحرّك لتستتر خلفه بفستانها و رأسها المكشوف، شدد يديه حول كتفيها هامسًا لها :
-ماتقلقيش خالص. الإزاز معتم. انتي تشوفي إللي على الناحية التانية. مستحيل حد هناك يشوفك !
شرح لها بايجازٍ و هي تواصل النظر عبر الزجاج الخاص الذي أحضره من أجلها، و لكن لماذا ؟
جاء الجواب في الحال، لحظة ظهور ذاك المطرب الشهير، أعقبه صوت “الدي جي” يبث ألحان الغنوة الصيفية الأشهر …
طوّق “مراد” خصرها و مد يده داعيًا إلى مراقصتها، و لكنها انشغلت للحظاتٍ برؤية شقيقها يجادل أحد الرجال حول ما يجري حديثًا و قد بدا عليه الغضب، لكن الرجل الذي معه احتوى غضبه تقريبًا، فاطمأنت و التفتت نحو زوجها
تنفست بعمقٍ و هي تودع يدها بكفّه الدافيء، سلّمت نفسها إليه كليًا، ليسحبها إلى منتصف الساحة، و أمام أعين الأقارب نساء و فتيات، اشتعلت نظرات الحسد بينما و هو يراقصها و يتمايل بها بمرونة
يدوّرها حول نفسها و يتجاذبها و يضمها على الأنغام التالية :
“كله عادي إلا إنتِ شمس طالعة
كله حلو إلا إنتِ بس روعة
شكلي وقعت فيكي، أوبس أوعى
معدية وفوق
إنتِ قمر وسط ليل هادي
إنتِ جو جميل قصادي
جمالك متفصل مش عادي
مليانة رقة وذوق
لا دا إنتِ جنان، شمس وراسمها فنان
العيون عربية كمان، إيه بقى مش كدا عقلي أنا هيطير
عينيكي بتجر من بصة شدت قلبي إتجر
جمال رباني، لا، لا مش سحر
ملفتة، نجمة في وسط الجماهير
لا دا إنتِ جنان، شمس وراسمها فنان
العيون عربية كمان، إيه بقى مش كدا عقلي أنا هيطير
عينيكي بتجر من بصة شدت قلبي إتجر
جمال رباني، لا، لا مش سحر
ملفتة، نجمة في وسط الجماهير
إنتِ في الشتا باريس أوروبا
مودك أحلى من المالديف وأوبا (أوبا)
الجمال دا مش خفيف دا طلقة
إنتِ جاية منين
إنتِ هواكي يرد الروح صافي
ضحكتك بتخلي الصبح دافي
حبك دا اللي رسيّت عليه راسي
هو دا اللي حلمت بيه
لا دا إنتِ جنان، شمس وراسمها فنان
العيون عربية كمان، إيه بقى مش كدا عقلي أنا هيطير
عينيكي بتجر من بصة شدت قلبي إتجر
جمال رباني، لا، لا مش سحر
ملفتة، نجمة في وسط الجماهير”
ظلّ المطرب يتنقّل بين أغانيه لمدة زمنية قصيرة، إلى أن حلّت مكانه تلك الأخيرة، المفضلة لزوجته بغنوتها الأشهر على الإطلاق، هذه المرة دخلت المطربة المعتزلة إلى سرادق النساء و هي تفتتح غنوتها بصوتها المميز …
أدارت “إيمان” رأسها لتنظر إلى زوجها بذهولٍ، تكاد لا تصدق نفسها، لا زالل يتذكّر، أبرز ذكريات مراهقتهما، تلك الحقبة التي عشقته فيها حد الجنون و كان هو أيضًا متيّمًا بها، تلك الغنوة.. كانا يستمعا لها سويًا باستمرار
لا زال يتذكّر !!!
ابتسم “مراد” و هو يمضي بها مشجعًا جموح شبابها الذي أجبرت على وأده من بعد هجره لها، لم تحتاج أن تُسأل مرتين، و لأول مرة الليلة تضحك من قلبها و هي تطلق مواهبها الدفينة و تجعل الجميع يرون الجانب الآخر من شخصيتها و أنوثتها التي لم يرها أحد غيره.. “مراد” ؛
بوجهٍ متوّرد و أعين لامعة، ترقص “إيمان” مع “مراد” و تتغونج بنعومةٍ ساحرة و هي تشارك المطربة الغناء :
“كان مالي
إزاي ليه قلبي، بيحبك معقول
إيه ماله، إيه جرى له
كده فجأة روحه فيك، ولاقيه بين إيديك
وحالي حاله، وإيه جرى له
إيه جرى له، إيه جرى له
طب قل لي، قل لي، لو حب ده قل لي
قلبي تملي، خايف لا يقاسي
طب قل لي، قل لي، أنا قلبي اِحتار رسيّه
ويا ريتني ما حبيتك وأنا كان مالي
أنا يا اللي، يا اللي، الحب أنا ذبت فيه
كده، كده جاني إزاي ولا كان في بالي
أنا يا اللي، يا اللي، كده فجأة غرقت فيه
ويا ريتني ما حبيتك وأنا كان مالي إيه جرى لي
إزاي ليه تملي في عينيك أنا بسرح ليلي طال، إيه جرى له
ليّ إنت بناديك ولاقيك وعينيك يا ما قالوا
إيه جرى له، إيه جرى له، إيه جرى له
طب قل لي، قل لي، لو حب ده قل لي
قلبي تملي، خايف لا يقاسي
طب قل لي، قل لي، أنا قلبي اِحتار رسيّه
ويا ريتني ما حبيتك وأنا كان مالي
أنا يا اللي، يا اللي، الحب أنا ذبت فيه
كده، كده جاني إزاي ولا كان في بالي
أنا يا اللي، يا اللي، أنا فجأة غرقت فيه
ويا ريتني ما حبيتك وأنا كان مالي، كان مالي”
أعادت المطربة أداء الغنوة مرارًا، و ربما مع الإعادة الرابعة وسط فورة حماس العروس، لم تلتقط أنفاسها بعد، إلا و أطلق “مراد” المفاجأة التالية
بدأ اطلاق الألعاب النارية بكثافةٍ أحالت سماء البيت ظهرًا، لخمس دقائق متواصلة جميع الرؤوس تنظر للسماء، حتى هدأت قليلًا و ظهرت تلك المروحية، تدور ذهابًا و إيابًا بلواءٍ يرفرف بمؤخرتها يحمل اسم “إيمان” محاطٌ بملصقات رومانسية
و آخر شيء راحت بتلات الزهور الحمراء تتساقط فوق رأسي الزوجان، بينما يقف “مراد” مقابل “إيمان” و البسمة تعلو شفتيه الدقيقتين، ينظر بعمق داخل عيناها المبهورتين، يرفع كفّه محتضنًا جانب وجهها و هو يعلنها أمامها أصدق مَمّ سمعتها أبدًا :
-إيماني.. أنا بحبك !
*****
يمرر أنامله في شعرها، رأسها يستند على قدمه و هو يقود سيارته لأكثر من ثلث ساعة.. انتهى الزفاف أخيرًا
و رحلت معه تاركة بيت أبيها، بعد أن ودّعت الجميع، عدا ابنتها
لم تود الفتاة في الأصل توديع أمها، فقط كانت تلوذ بأحضان خالها طوال السهرة، و أحيانًا تلهو مع أقرانها من الأطفال
لم تكن تفكر “إيمان” فيها الآن، لم تكن تفكر في أيّ شيء، كان ذهنها فارغ، ضبابي يمكن !
تصحو “إيمان” فجأة، عندما تكتشف بأنه يصفط سيارته بساحة واحد من أبرز فنادق المدينة.. في الحقيقة إنه ذات الفندق الذي أشارت له ذات مرة في مراهقتها و هو كان معها آنذاك، و كم أخبرته وقتها عن رغبتها الشديد في قضاء ليلة زفافهما به
كان حلم طواه الزمن
لكن ها هو الليلة
يحققه لها
في ليلة زفافهما
أيتوجب أن تشعر كم هذا مثالي !؟؟
بعد أن انتهى “مراد” من إجراءات الدخول، كان جناحهما محجوز بالفعل، لم يحضرا معهما أيّ حقائب، فصعدا بمفردهما إلى طابق النخبة، يفتح “مراد” الباب بالبطاقة التي معه، دعاها للدخول أولًا.. لبّت دعوته دون ترددٍ
مدت و ولجت إلى الجناح الخاص، كان كبيرًا، مجهزًا على أكمل وجه لعروسين، حيث البالونات الهاليوم موّزعة باتقانٍ حول الفراش، و في السقيفة، الأرض مفروشة بأوراق الزهور، الشرفة العريضة مغطاة بستائر بيضاء شفافة، و الصالون المقابل مزيّن بحاويات الشموع المعطرة
كلها أجواء تبعث على… الحب !
انتفضت “إيمان” عندما سمعت صوت اغلاق الباب
استدارت ناظرة إلى زوجها، برزت الابتسامة على طرف فمه و هو يمشي تجاهها ببطء متمتمًا :
-كان يوم متعب. بس تعرفي.. ده أحلى تعب تعبته في حياتي. و دي أحلى ليلة في عمري كله …
توقف على بُعد خطوتين منها، و تابع و هو يرمي سترته بعيدًا و يحل ربطة عنقه :
-حاسس إني خلصت Game صعب. عديت مراحل كتير أوي عشان أوصل لك.. ماكنتش متخيّل إني هاكون ملهوف عليكي أوي كده. يعني انتي فهماني. حصل قبل كده بينا.. بس إحساسي دلوقتي أقوى بكتير من أول مرة. من أي مرة يا إيمان. و عارف إن انتي كمان زيي… صح ؟
كانت تنظر إليه و تستمع إليه جيدًا …
لكنها لا تعرف ماذا دهاها فجأةً !!!
كتفاها يبدآن في الارتعاش، يسوء الوضع أكثر عندما تهاجمها تلك النوبة المباغتة، فلا تستطيع احتواء التنهيدات التي خرجت على شكل سلسلة من الانفعالات القوية …
أجفل “مراد” و هو يراقبها متسائلًا بتوجسٍ :
-إيمان. إنتي كويسة ؟
لم تعطه رد
لم تتمكن
و كأنها نسيت الكلام
انبعث من بين شفتيها أنينٍ متألم، و اجتذبت قطرات الدماء الناقرة فوق الأرض أنظار “مراد” الذي حدق مذعورًا إلى يديها …
-يا مجنونة.. عوّرتي نفسك !! .. صاح بها و هو ينتزع يديها بالقوة
نظر مذهولًا إلى كفيها حيث غرزت أظافرها باللحم عميقًا حتى أدمت نفسها، نظر تاليًا إلى وجهها و الكحل الممزوج بدموعها و الذي خرّب زينتها
لم يكاد يفتح فمه مرةً أخرى ليوّجه لها كلمة، لتنتفض عليه فجأة ممسكة بخناقه صارخة و هي تضربه بشدة على صدره :
-أنا بكرهك.. بكرهك.. بكرهك… يا ندل يا حيوان بكرهــــــــك !!!
كانت قبضتاها النازفتين قد لطختا قميصه ناصع البياض، حاول أن يسيطر على حالتها الهستيرية المباغتة بما و سعه من قوة و قد فاجأته بذاءتها ؛
لكنها لم تهدأ بل و تجاهلت ثقل ثوب زفافها و استدارت خلفها نحو منضدة الزينة لتقذفه بما تقع عليه يدها أيّما كان، شتم “مراد” و هو يشدّها ليشلّ حركتها، ثم طوّقها بذراعيه و هو يهمس متوسلًا :
-إهدي يا إيمان. إهدي أرجوكي !
كانت قواها قد خارت بالفعل، و لم تبدي أيّ مقاومة بعد الآن، إنما راحت تنتحب على صدره بحرقةٍ، بينما هو يحاول امتصاص حزنها قدر استطاعته، فأخذها و أجلسها على الفراش، فوق الورود تمامًا، ثم جثى فوق ركبتيه أمامها …
ما زال ممسكًا بيدها، فرفعت هي اليد الأخرى و مررت أصابعها في شعره الكثيف، و هي ترنو إليها بنظرات مشوّشة، إلتحم أمامها الماضي بالحاضر، و استيقظت من جديد أحاسيس قديمة، أطلقت بداخلها طوفانًا من الذكريات الحميمية بينهما، و التي كانت خطيئتها، ذنب لبثت تُكفر عنه سنواتٍ طويلة
لم تتحمل كل هذا الضغط فانفجرت ثانيةً ناظرة لأعلى، كأنما تخاطب السماء و هي تشد قبتضتها على شعره بقوة لم تؤلمه بقدر ما صدمه حديثها التالي :
-ياااااااااااااااارب.. يارب ده مراد. ده مراد إللي أنا عاصيتك فيه. و ندمت يا ربي. ندمت و وقفت على بابك سنين تغفرلي و تسامحني.. رجعته ليا يارب… رجعته ليا تاني بس ماتكنش لسا غضبان عليا. لو لسا غضبان عليا خد مني كل حاجة. أنا راضية. خدني أنا عندك.. بس تسامحني… يارب سامحني !
ملأ الجزع تعابير وجهه و هو يرفع يديه ليفك أصابعها المشتبكة بشعره بصعوبةٍ، كانا كفّاها ملطخين بالدماء حتى الآن، فجاءت ردة فعله تلقائيًا و هو يفتح أزرار قميصهو يخلعه منظفًّا به جرحها ليرى مدى سوئه
لحسن الحظ لم يكن سيئًا جدًا
و النزيف توقف تمامًا
تنهد “مراد” و هو يمسح بكفّه على رأسها، ينزع عنها الطرحة برفقٍ، و يُحرر شعرها و في نفس الوقت يمسح دموعها و هو يقول بأقصى ما لديه من لطفٍ متأثر :
-حبيبتي. انسي. انسي أي حاجة ممكن تتعبك الليلة دي.. أنا هنا جمبك !
هزت رأسها بعصبيةِ محاولة القيام من أمامه، لكنه أبقى عليها بالقوة، شدّها من خصرهاو أجبرها على الرقود بحيث تموضع فوقها مكبلًا حركتها دون أن أيّ احتكاكٍ يشعرها بالخوف …
تغرز أظافرها الحادة بجلد كتفه و ظهره، لا يصدر عنه سوى تأوّهٍ و هو يبذل ما بوسعه ليحتوي ذعرها، ترتجف بين ذراعيه و تغص بالبكاء دون صوتٍ و عيناها الجاحظتين معلّقتان بعينيه الضبابيتان بلمحاتٍ من الوداعة …
فوجل قلبها أكثر و حفرت اظافرها بجلده أعمق حتى أدمته، تذمر “مراد” و هو يئن و يعبس متألمًا، و رغم ذلك لم يتخلّى عنها أو يتركها، شدد ذراعيه حولها و هو يستطرد ضاربًا على جوارحها بشدة :
-بصيلي. أنا مش سيف. و لا مالك.. أنا مراد… أنا حبيبك !!
لعلها بدأت تتراجع قليلًا.. و بدأ الخوف بالانحسار فجأة كما هاجم فجأة
لم يفعل “مراد” شيء، لم يفعل لها أيّ شيء، إنما تحرّك بحذرٍ حتى أتى إلى جوارها، أدار جسمها مقابله و ضمّها إليه، استغرقها الأمر لحظاتٍ للتكيّف معه
و أصبحت الآن ملفوفة حوله بذراعيها و ساقيها، هدأت نوعًا ما، و بقيت رأسها مدفونة في رقبتي و كأنها تنام
ليس و كأنها
إنها بالفعل ما لبثت أن غطت بالنوم، و كان هذا فعلًا كافٍ بالنسبة إليه، يريدها أن تنعم بالسكينة فقط !
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اوصيك بقلبي عشقا ) اسم الرواية