رواية صماء لا تعرف الغزل كاملة بقلم وسام الأشقر عبر مدونة دليل الروايات
رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الثلاثون 30
ليمد يده بالأوراق ويقول:
– تقدر تمشي بدري عشان تلحق مشوارك.
فيقف شادي ممسكًا بالصندوق الضخم متضررًا والأوراق وقبل أن يخرج سمع صوت يوسف:
– مش ناوي تسامحني ياشادي؟
لم يلتفت له فيحيبه:
– صاحبة الشأن لما تبقى تسامحك نبقى نسامحك.. وأنا هنا موظف زي أي موظف.. عن إذنك يا يوسف بيه.
……….
في حديقة الفيلا الصغيرة يكثر زينة أعياد الميلاد والبالون الملون بالأبيض والزهري وكلمات التهنئة المكتوبة بالحرف الإنجليزية اللامعة بجانب شرائط الإضاءة الملفوفة على الأشجار يتقدم للأمام حاملًا هديته وهدية المدعو يوسف وهدية زوجته التي أصرت على انتقائها بنفسها ويتقدما معًا لدخول الفيلا الصغيرة ليقول بصوت عالي:
– يا أهل البيت اللي هنا، هو مافيش حد ولا إيه ياخد الحاجة مننا.
ليظهر جاسر من الداخل قائلًا:
– أهل البيت ظهروا بطل دوشة بس صدعتنا.. ليحتضنه مهنئًا له وتقوم سمية بتحية جاسر ليدخلهما قائلًا:
– ادخل جوه الجماعة مستنين حضرتك من بدري وأنت اتأخرت قلبينها محزنة.. ادخل خد من الحب جانب.
ليتقدم حتي يحمل عنه الهدايا فيرفض شادي:
– لا.. أنا لازم أديها هديتها بنفسي.
ويغمز بعينه هامسًا بإذن جاسر يمكن انول الرضا منها.. ليهز جاسر راسه بيأس قائلًا:
– ابقى قابلني لو حصل.
ليجيبه بمداعبة
شادي:
– اطلع أنت منها وهي تعمر.
يدخل على حجرة الضيوف فيرى الطابع الأسري يشوب الغرفة والترابط الوثيق يقول السلام عليكم إحنا آسفين اتأخرنا وعطلنا الحفلة.
فيجيبه محمد:
– ومين سمعك ما انا لسه مخلص زيك وداخل من شويه يادوب عديت على سوزان وجينا.
لتحييه سوزان ذات البطن المنتفخة ليقول شادي:
– عاملة إيه ياسوزان؟ أخبار هناء وشرين إيه؟
لتعبس قائلة:
– انت عرفت منين انهم توأم؟ وتنظر لمحمد موبخة قائلة:
– أكيد استاذ محمد اللي قال في الشركة مع إني منبهه عليه إن معارفنا بس اللي يعرفوا.
لتبتسم سمية وترفع يدها مستسلمة:
– انا مقولتش ليه على فكرة، حوزك اللي قال.
ينظر لها شادي بلوم:
– أنتِ عارفة ومخبية ماشي ياسمية لما نروح.
سمية بضحك:
– طيب انا ذنبي ايه وانت وهو مش بيتبل في بوقكم فوله وبصراحة انا خايفة تتحسد.
مين جايب سيرة الحسد قالتها ملك بصحك فتكمل حديثها لائمة شادي:
– على فكرة غزل زعلانة جدًا وعمالة تسأل عليك.
لتندفع زوبعة مندفعة داخل الحجرة لتمسك قدم شادي باحتضان وينحني لحملها واحتضانها قائلًا:
– اهلًا اهلًا اهلًا بالقمر اللي من ساعة ما دخلت وانا بسأل عليه.
لتقول بلسان متلعثم:
– أنا؟
ليقول:
– فين بوسة عمو؟
لتهز رأسها بالرفض ويتطاير شعرها الأسود وتقول:
– نوو.. مامي قالت عيب.
شادي:
– طيب لو اديتك هديتك هتديني بوسة؟
تهز رأسها بالموافقة ليجلب لها هديتها وتقوم باحتضانه وتقبيله لتعترض ملك صائحة بشكل مسرحي:
– ماشي ياغزل أنا مش قولت ما نبوسش حد غير بابي ومامي؟ ياخسارة تربيتي وسهر الليالي.
يقترب منها جاسر ويضمها ويهمس لها:
– ماتجيبي بوسة وانتي حلوة كدة؟
ملك مؤنبة:
– جاسر! الناس.
……..
بعد إنتهاء الحفل وتقديم الهدايا ظل صندوق الهدايا الخاص بيوسف موجود علي المنضدة المنتصفة الحجرة وكلًا منهم ينظر لها بشرود لتقول ملك:
– رجع الهدية يا شادي وخليه يبطل يرسل هدايا لبنتي لان هداياه كلها برميها في الزبالة.
ليقول محمد بغضب:
– أنا نفسي أسيب الشركة النهاردة قبل بكرة بس اللي ضاغط عليا افضل حق غزل في الشركة.. اللي لازم هيرجعلها فيوم من الأيام.
ليجيبه شادي:
– ومين سمعك؟ انا كمان بعد ما قدمت استقالتي وجاسر عرض عليا أشتغل معاه رجعت سحبتها عشان خاطرها.
لتتسأل سمية بتوتر:
– انتوا إزاي متأكدين إن غزل عايشة؟ رغم من يوم اختفائها مش عارفين عنها حاجة.
محمد بحزن:
– أنا قلبي حاسس مادام ماسمعناش عن وفاتها حاجة تبقى عايشة.
شادي بتساؤل:
– هو يامن ما اتكلمش؟
لتجيبه ملك:
– يامن كل فين وفين أما بيتصل بس عمره مانسي يوم عيد ميلاد غزل وأكيد هيتصل.
ليصدح رمين هاتفها فتقول بسعادة:
– مش قولتلكم اهو أتصل.. ألو ياحبيبي يامن وحشتني أوي.. وانت طيب ياقلب اختك.. غزل عندها دلوقت تلت سنين.. آه ياسيدي مستنين العريس.. بسرعة كده.. طيب مش هعطلك عن المستشفي.. يامن ابقي كلمني.. مع السلامة.
لتتنهد قائلة:
– بيسلم عليكم.. قفل بسرعة عنده عمليات.. مش عارفة إيه اخرة الغربة يرجع ويبقى معانا مابقاش ليا غيره من بعد ماعمي مات بحسرته.
ليقول جاسر:
– الله يرحمه.
ليقول محمد متعجبًا:
– يامن ماقالش هو فين دلوقتي؟
ليجيب شادي:
– دايمًا بيقول متنقل من لدولة لدولة.
جاسر:
– أيه ياجماعة هنقلبها نكد؟ ده عيد ميلاد غزل الصغيرة والله.
تجيبه ملك بدموع محصورة:
– وعيد ميلاد غزل الكبيرة برده ربنا يردها لينا.
……..
في المساء يدخل حاملًا قالب من الحلوي وباليد الأخرى حقيبة العمل فيغلق الباب بقدمه ويقوم بالنداء:
– عائشة! عائشة.
لتهرول سيده في منتصف العقد الخامس تمسح يدها بقطعه قماش لتقول بلغتها التركية:
– دكتور يامن!
لتندفع تحمل عنه قالب الحلوى والحقيبة فيخلع جاكيت ملابسه ورباط حذائه ليقول أثناء ذلك بنفس اللغة:
– أين سيدتك؟
تنظر يمينًا ويسارًا بريبة واهمس:
– بالأعلي.
لعقد حاجبه:
– لما تخفضين صوتك.. احدث شيء لم اعلمه؟!
تجيبه متحسرة:
– بلى.. داهمتها إحدى نوبات الغضب.
لينقلب الحال فجأة لبكاء هستيري.. وهي الآن تغلق الباب على حالها رافضة الحديث.. ليهز راسه متفهمًا ويستمر في الصعود:
– سأرى مابها وانتِ أعدي العشاء.
يصعد درجات السلم بهدوء فلقد اعتاد موباتها المؤلمة التي تداهمها من الحين للآخر وهو متقبلها يعلم انها ترفض حياتها وثائرة عليها ولكن ليس بيده شيء.. يطرق الباب بهدوء طالبًا الإذن بالدخول فيجد الحجرة خالية ويبحث عنها حتى يجدها متقوقعة ضامة أرجلها لصدرها مخفية وجهها في أرجلها بجانب الحجرة في الظلام ليضيء أزرار الإضاءة فتصرخ بوجهه طالبة إغلاق الأضواء فيلبي رغبتها.. ويتحرك بهدوء جالسًا بجوارها مستندًا ظهره للحائط فيرفع يده يلمس خصلات شعرها البنية التي تسحره من أعلى رأسها لنهايته ليقول:
– ممكن أعرف حبيبتي زعلانه ليه؟ فتهز رأسها رافضه.. فيكمل:
– طيب انتِ اخدتي علاجك النهارده ولا هربتي كالعادة.. أصل حالتك دي بتقول إنك هربتي.
لترفع رأسها بغضب والدموع مغرقة وجهها صارخة:
– انا مش عاوزة، مش عاوزة.. أنا مش مجنونه يا يامن فاهم؟ لتقف بتشنج متحركة وتقف أمام النافذه المفتوحة ويتطاير خصلاتها الطويلة التي حرص على أن يضع به مقص لمده الاربع أعوام حتى استطال لآخر ظهرها كأنه بذلك يعوضها مافقدته من قبل.. يقف خلفها يقول وهو ممسك خصلاتها الناعمة:
– تعرفي ان بعشقك ريحة شعرك…
لينقبض قلبها من هذه الجملة كأنها سمعتها من قبل ولكنها نهرت نفسها.. مستغله غزله لها لتلتف إليه ولا يفصلهما إلا خطوة واحدة وتقترب منه قائلة باهتزاز:
– بجد؟ بجد يامن؟!بتحب ريحة شعري؟
ليبتسم لها ويمسك وجهها بكفيه:
– طبعًا بموت فيه.. أنتِ ناسيه إني اتخانقت معاكي لما صممتي تقصيه ورفضت وخبيت منك المقصات.
لتضحك باهتزاز.. وتقترب منه وتضع كفيها على صدره لتشعر بأنفاسه المتوترة ضربات قلبه التي تسارعت من قربها فكل هذا يؤكد لها أنه يحبها، لتقول:
– وأنا يا يامن؟ بتحبني؟
فتهتز ابتسامته ويجلي صوته:
– طبعًا ياغزل بحبك طبعًا.
– يامن أنا.. أنا.. أنت إيه؟! أرجوك افهمني.
ليقطع حديثها:
– فاهمك ياغزل وحاسس بيكي.. انتِ اللي فاكرة إني مش فاهم.
– طيب في إيه؟ ماتقوليش حالتك الصحية ووضعك وظروفك.. عشان زهقت من المبررارات دي.
يقترب منها يضع قبله على جبينها:
– لا مش هقولك بس ممكن نأجل كلامنا لحد ما نحتفل مع بعض انا شاري تورتة الشيكولاته اللي بتحبيها بس بشرط تاخدي العلاج قدامي.
لتهز رأسها بالموافقة وتنصرف بسرعة تاركة شخصًا متألم يحارب نفسه ويكابدها منذ سنوات.
ليشرد في يوم منذ أربع سنوات عندما أتاه إتصال مجهول أثناء تواجده مع تقى بالمطبخ ليخبره بمكان احتجاز غزل بالساحل
ويندفع متجهًا للمكان المذكور بعد أن ساعده المجهول للدخول ووصفه لكيفية الدخول.
يدخل يامن بأرجل مهتزة ورعب من أن يشعر به يوسف ويفشل في انقاذه من القتل.. ويقوم بفتح الحجرة التي حددت لها يصدم من المشهد الدموي وتسير بروده في عروقه من الصدمة يجدها ملقاه على الأرضية الباردة حليقة الرأس تملأ وجهها وجسدها الجروح السطحية والغائرة التي تحتاج تقطيب ولكن ما ألمه أكثر أن بعض الجروح بدأت في التقيح والالتهاب ليرى جرحًا في الرأس علم من خبرته أنه سيشوه وجهها بسبب عدم تقطيبه سريعًا فيقترب بخطوات هادئة منها ويقوم بنداء
هامسًا لها باسمها إلا انها لا تستجيب ليعزم على حملها والهروب بها من أخيه وأثناء حملها خرجت آنة مؤلمة منها ليعلم بعدها بكسر كفها الأيسر وشرخ بالفخذ ليراها تفتح أعينها بصعوبة وهو محتضنها ليقول بلهفة:
– غزل! أنا يامن! ماتخافيش أنا معاكي.
لتبتسم بصعوبة مرددة إسمه وبعدها غابت عن الوعي.
يفيق من شروده على رسالة تذكير على هاتفه تذكره بموعد ميلاد ابنة اخته ملك، أكان يحتاج لرسالة؟ فنفس يوم ميلاد ابنة اخته تصادف مع ميلاد غزل.
فيقوم بالاتصال ليهنئها وبعد إغلاق الإتصال، يذهب ليجلس على حافة الفراش فتعود ذاكرته
وقوفه بملابسه الدامية مراقبًا إياها بغرفة العناية المركزة منتظرًا إنتهاء الأطباء من فحصها.. فيرى أحد الأطباء متجهًا للخروج محدثًا إياه قائلًا:
-:دكتور يامن.. الموضوع صعب دي جناية واعتداء وحشي لازم بلاغ.
يامن بلهفة:
– طمني الأول عليها أبوس ايدك.
الطبيب بتوتر:
– مخبيش عليك.. الحالة جسديًا ممكن نقول عايشه لكن فيها بعض الكسور في كف اليد والفخد غير الجروح الموجودة بالرأس والجسم اللي تم خياطتها.. طبعًا في بعضها هيسيب أثر ومحتاج عمليات تجميل.. أما عن الأثر النفسي فده اللي هتعرفه لما تفوق.. والعجيب بعد كل ده الحمل مستقر.
يامن:
– هتفوق إمتى؟
الطبيب:
– دي حاجة في علم الله أنت دكتور وعارف.
يامن بإصرار:
– ينفع اخرجها وأتابعها في البيت؟
الطبيب:
– صعب في حالتها.. إحنا ندعيلها أنها تفوق الاول ونعرف وصلت الحالة لايه.. اه اللي انت عملته غير قانوني انك تدخلها باسم مستعار.. لو حد عرف هتبقي مشكلة.
فيترجاه يامن:
– أرجوك محدش يعرف هي مين؟ الموضوع حساس فيها حياة وموت.
الطبيب:
– للدرجه دي؟
ليكذب يامن عليه:
– الموضوع في ثأر.. لينقبض وجه الطبيب:
– فهمت.. محدش هيعرف بوجودها ماتخافش.
ليعود يامن مرة أخرى ويعزم على تهدئه الموقف مع غزل.. فقد أصبحت جزء لا يتحزأ من حياته لايستطع التخلي عنها رغم صعوبة التعامل معها.
……….
– عجبتك التورتة؟ تساءل يامن بمشاكسة لتهز رأسها بسعادة لتلتهم ماتبقى منها في الصحن.. ليكمل:
– كل سنة وانتِ معايا ياغزل.. تنظر إليه متعجبة من حاله كيف يتمنى لها أن تبقى معه وهو.. هو.. لتهز رأسها رافضة التفكير
في الأمر يجب عليها أن تتحلى ببعض الكرامة في بادئ الأمر عندما أفاقت كانت تخشى كل من يقترب منها حتى هو كانت ترتعب لاقترابه منها كانت تفضل دائمًا الاختلاء والابتعاد عن كل الحفلات والمناسبات حتى الخروج من باب المنزل امتنعت عنه.. لكنها لم تجد إلا هو يدعمها ويشجعها على محاربة خوفها.. كانت مرغمة على تقبل وضعها التي تجهله لتستيقظ في يوم يقال لها أن لها ابنة وعليها مراعتها.. لم تشعر يومًا بالأمومة اتجاهها رغم أنها نسخة مصغرة منها.. لا تعلم لما ترفضها وترفض وجودها بحياتها.. لا تعلم متى حملت بها ومتى انجبتها.. تشعر بدوامة تحيطها.. ليقطع شرودها يامن قائلًا:
– أنا زعلتك في حاجة؟ تهز رأسها سريعًا:
– لا.. لا.. بس سرحت شوية.
يقوم بوضع كفه فوق كفها ليستشعر برودتها يقول:
– انا عارف إني مقصر اليومين اللي فاتوا بس أوعدك أخد أجازة ونروح أي مكان تحبيه انتِ وبيسان.. شوفتي بقى نستيني اطمن عليها ليقف مستعدًا للصعود لتوقفه كلماتها:
– زمانها نامت من بدري ماتقلقهاش.
يامن بلوم لها:
– غزل! أنا مش عاجبني علاقتك ببيسان انتِ أمها المفروض تبقي قريبة أكتر من كده معاها.
غزل بلا مبالاه:
– ربنا يسهل.. أنا قعدت معاها شوية قدام الكارتون.
ليهز رأسه معترضًا فيقترب منها يساعدها على الوقوف ممسكًا ذراعيها:
– حبيبتي.. بيسان في عمرها ده محتجاكي جنبها على طول وتطلعي بيها تتمشي شوية تلعبي معاها.. البنت أول ما
بتشوفني اكنها لقت منقذها.
غزل باعتراض:
– اعمل ايه ياعني ماهي بتحبك اكتر مني.
يامن:
– مش حكاية كده.. القصة كلها إني بلعب معاها زي أي طفل في سنها وحنين عليها.
عموما يا أستاذة بكرة ومن غير نقاش هنخرج أنا وانتِ وبيسان نتمشى شوية.
كادت أن تعترض إلا أنه أشار بسبابته لتصمت ولا تعترض.. يعلم رهابها من الخروج حتى لا تحتك بالأغراب وللأسف تتعامل مع بيسان كواحدة من هؤلاء الأغراب حتى مع محاولاته المضنية لتغير الوضع مع استشارة الطبيب النفسي لهذا الوضع.
………….
كل يوم يمر عليه يجب أن يستلقي على فراشها لبعض الوقت لينعم برائحتها العبقة.. ويستسلم لأحلامه.. كان يغوص بأحلامه الهانئة التي لا تخلو من وجودها وعلى وجهه ابتسامه ناعمة.. ليشعر بأنامل تسير على وجنته بنعومة فتزداد ابتسامته فترسم خطًا مستقيمًا ويشعر بجسدها الدافئ وانفاسها الساخنة تلفح وجهه بسبب اقترابها.. يفتح عينيه بتكاسل يرى وجهها المنير مقتربًا منه فيميز ملامحها رغم ظلمة الحجرة إلا من ضوء القمر.. فيسمعها تهمس أمام شفتيه:
– وحشتني اوي.. فيرفع يده ويداعب خصلات شعرها البنية ويشتمها قائلًا:
– مش أكتر مني.
ويستقيم في جلسته ويقربها أكثر لتجلس أمامه.. ويحاول الإقتراب منها ليطبع قبلة خفيفة على ثغرها ويقول:
– هتنامي في حضني النهاردة ولا هتهربي زي كل مرة؟
فتجيبه بأنوثة:
– تؤ.. مش هقدر أبعد عنك تاني.. أنا مكتوبة على أسمك.
ليتبدل ملامحها للتشنج فيتسأل عما بها.. فيراها تنظر للأسفل قائلة بدموع:
– شوفت عملت فيا ايه؟!
لينظر لما أشارت إليه ويجد تدفق الدماء من بين رجليها فيرتعب مناديًا باسمها.. لتقول بنحيب:
– قتلتني يا يوسف، وقتلت ابنك.. قتلتني.
ليصرخ حتى لا تبتعد:
– لا.. لا ياغزل ماقتلتكمش لا.. ماتسبينيش.
فينتفض متعرقها على قوله لا، ليجد نفسه راقدًا على فراشهما بحجرتهما الخاصة التي منع الخدم من دخولها أو تغيير أي وضع بها لينظر بين يده ليجد نفسه ممسكًا بقميصها القطني الزهري التي كانت ترتديه آخر مرة وقامت بخلعه وألقته بإهمال على الفراش حتى زجاجه عطرها المفتوح غطائها تركها كما تركتها من أربع سنوات.. حرم على نفسه دخول الحجره.. اعتبره مكانًا مقدسًا لحين عودة صاحبتها المفقودة.
……
يجلس على فراشة بالحجرة البديلة التي اختارها لنفسه من أربع سنوات بعد أن أخذ حمامًا دافئا ليتخلص من هذا الكابوس.. فيخرج مستندًا على عكازه ويجلس على حافته متألما متذكرًا يوم أتت له ملك وجاسر بشقته الخاصة.
اعترافهما بالحقيقة كاملة تذكر لحظتها كيف مادت الأرض به ولم يستطع الصمود فيستند على الحائط ليحاول استيعاب صدمته.. هل ظلمها؟ للمرة الثانية! كيف فعل بها مافعل؟ قام بتعذيبها وإلامها.. ليس فقط ذلك بل قام بإطلالها والسخرية من إصابتها السابقة وطعن أنوثتها بجبروته عندما افصح عن زيجته بأخرى.. كان يتفنن في آلامها وضربها حتى أنه كان يتمتع بسماع صراخها.. وتوسلاتها وبكائها بأن يرحمها.. ليتردد علي سمعه كلمة واحدة.. (أنا حامل.. أنا حامل يا يوسف).
في هذه اللحظة لايستطع التذكر كيف تحملت قدماه جسده ليخرج مندفعًا تاركًا كلاهما خلفه.
لتنزل عليه الصدمة الثانية ولكن هذه المرة قسمت ظهره ليخر باكيًا أمام الطبيب المعالج الذي قام بإعادة التحاليل له ليؤكد له تقدم حالته الإنجابية مع الدواء الذي كان يتناوله خلسه.
لايتذكر كيف خرج من عنده تاركًا طبيبًا متعجبًا من حالته وكيف ركب سيارته ويقود بسرعة جنونية كأنه يتوسل الموت بان يلحقه ليخلصه من ذنبه ليجهش بكاء وصراخًا مناديًا باسمها ويدور ويدور باحثًا عنها بقلب متألم على روحه التي نزعت منه بقرارة نفسه ومحض إرادته.. ليراها أمامه بوجهها المكدوم وجروحها التي تملأ جسدها باكية أمام عينيه وتتلاشى الرؤية أمامه بسبب تصادمه بشيء ما.. ليعلم بعدها أنه ظل بغيبوبته شهران كاملان مع خضوعه لخمس عمليات بساقه اليمنى التي كانت مهددة بالبتر نتيجة حادث التصادم بين سيارته وسيارة نقل للبضائع.
من يومها لم يصبح يوسف الشافعي كما هو.. تغير كل شيء من حوله وبه.. ابتعد عن أقرب الناس إليه وتركوه وحيدًا بأحزانه.. لم يواسيه أحد.. الجميع حاكمه بالنبذ.. يتذكر أنه دخل بعدها بنوبات اكتئاب حاد بسبب حالته الصحية والنفسية.. إحساسه بالذنب يقتله، كل يوم يمر عليه يتزايد ذنبه.. يكاد أن يجن، أين هي الآن.. كيف هربت منه؟! هل كان سيقدم على قتلها كما وعدها أم كان يهددها؟ كيف أصبح ابنه؟ هل هو شبهها أم شبهه هو؟ يتمني أن يجدها يقبل يدها وقدمها لعلها تعفو وتصفح.. يريد ضمها يستنشق عبيرها.. انه يموت.. يتعذب.
ليغمض عينيه لعله يستريح من أفكاره وربما تزوره بأحلامه تشبعه قبلات دافئة.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية صماء لا تعرف الغزل ) اسم الرواية