رواية اوصيك بقلبي عشقا كاملة بقلم مريم محمد عبر مدونة دليل الروايات
رواية اوصيك بقلبي عشقا الفصل الواحد و الثلاثون 31
“لقد راهنتِ على حبّي كثيرًا !”
_ أدهم
وقف خلفها، أمام لوح المرايا الطويل، يعقد لها طوق عنقها بينما لا تزال ترجف تحت لمسته، بدأ الضيق يساوره من جديد، من المفترض أن تكون أفضل حالًا خاصةً بعد الذي صار بينهما قبل ساعة تقريبًا
لقد كانا رائعين معًا، و خلال هذا الوقت جعلته يشعر حقًا كما لو أنها لا تعاني قط، لهفتها مع شوقه شكّلا إنسجامًا حميميًا مذهلًا، إلى أن حانت لحظة الإنفراجة و برأت جوارحها تمامًا، و كأن عاصفة ثلجية هبّت و قوّضت سحر اللحظات الثمينة !
فجأة انقلبت عليه، أمرته بالابتعاد عنها ففعل فقط حين شاهد تطوّر حالتها من النقيض إلى النقيض.. ما مدى سرعة إنتقالها من شدة السخونة إلى قمّة البرودة !؟
-زي القمر يا حبيبتي ! .. تمتم “مراد” و هو يدنو قليلًا ليلثم خدّها برقةٍ
لكنها أقشعرّت من قربه الشديد، ما أدهشه و أثار حفيظته، ليمسك بكتفيها و يلفّها ليجعلها تواجهه ؛
تعلّقت عيناها بعينيه في لحظة صمتٍ قبل أن يسألها بجدية :
-إيه إللي حصل يا إيمان. أنا سيبتك لغاية ما هديتي خالص. عاوز أعرف تفسير إللي جرالك بعد ما كنتي مرتاحة و مبسوطة معايا.. أنا عملت حاجة غلط !!؟
هزت رأسها نفيًا و لمعة الحزن قد عادت لتتألّق بعينها من جديد، مسّد “مراد” على وجنتها بأطراف أنامله و قال بلطفٍ :
-انتي لسا عقلك مشوّش. لسا بتخلطي بيني و بينهم ؟
كانت إشارته صريحة لزوجيّها السابقين، تحفزّت الآلام الكامنة بأعماقها، ليستطرد منتقيًا كلماته بعنايةٍ :
-أقصد أقولك إن لو ده إللي بيحصل معاكي ف تبقي غلطانة. لأن أنا مش هما. أنا حبيبك.. أنا عاوز أسألك سؤال. انتي عمرك شوفتي مني معاملة قاسية ؟ أنا جيت في يوم جرحت كرامتك أو هينتك ؟ أنا عمري عملت معاكي أي حاجة غصب عنك !؟؟
وافقت على كل أسئلته عدا السؤال الأخير، أقرّت في عبوسٍ :
-كنت هاتعملها مرة !
أشارت بجملتها إلى ذلك النهارالشهير حيث تم ضبطهما في الفراش سويًا من “سلاف” !!
ابتسم “مراد” بخفةٍ قائلًا :
-عمري ما كنت هاعملها غصب عنك. و قلت لك في ساعتها. أنا كنت بخوّفك مش أكتر. أعمل إيه. نشّفتي دماغك فيها إيه لو كنتي طاوعتيني. كان زمانا متجوزين من بدري و ماكنش كل ده حصل بسبب عنادك !!!
أحس أن حديثه الأخير ربما يكون قد أزعجها، أو اثار الذكريات السيئة اكثر، فغيّره في الحال متوّهًا بتودده إليها :
-المهم إللي عايزك تستوعبيه كويس. إن حياتك إللي عدت خلاص مابقاش ليها وجود. احنا مع بعض دلوقتي. انتي بقيتي مراتي. أيوة الحياة فرّقتنا زمان. لكن ربنا شاء إنه يجمعنا تاني. و انتي عارفة إنها مش صدفة.. صح ؟
غلّفت عيناها طبقة من الدموع و هي تومئ برأسها مؤيدة كلماته، بالطبع تؤييدها، تلك كانت دعوتها، و قد أُجيبت !
-أنا عمري ما هاسيبك. و لا ممكن أسمح لأي حد إنه يئذيكي أو بس يزعلك.إللي باقي من عمرنا مايخصش حد غيرنا.. و أنا هاعوّضك. أوعدك كل إللي حلمتي بيه. ده وعد …
صدقته، و إن وجدت صعوبة أن تدمغها بابتسامة، ابتسم هو ممسكًا بيدها، و جعل يلفها حول نفسها كما لو أنهما في رقصةٍ و هو يقول باعجابٍ :
-أول مرة شوفتك و احنا صغيرين كنا في العيد. كنت لسا راجع من السفر مع أبويا و أمي. كان عندك 13 سنة. كنتي لسا منغير حجاب. و كنتي لابسة فستان أصفر منقّط أبيض زي إللي انتي لابساه دلوقتي.. أحلى صدفة حصلت إنهاردة. صح ؟
و كيف تنسى التفاصيل التي يثيرها بمخيّلتها، بالطبع تتذكّر أول لقاء، أول شرارة إعجاب، حبّها الصبياني، و الذي تطوّر فيما بعد ليصبح حب عمرها كله، سبب دمارها، و هو أيضًا القادر على علاجها …
إنبلجت ابتسامة نادرة على محيّاها الجذّاب و هي تجاريه في هذا :
-و انت كنت مطوّل شعرك. و حاطط بيرسنج في ودنك الشمال. أول ما أدهم انتقدك و قال عليك مخنّث انت مافهمتش الكلمة بس لما فهمت غضبت جدًا و كرهت شكلك كله. و تاني يوم كنت حلقت شعرك و شيلت الحلق من ودنك !
قهقهت “إيمان” ضاحكة، فجعلته يبتهج لأنه استطاع أن يحرز معها هذا التقدّم السريع …
مدت يدها تمسك بشحمة أذنه اليسرى متمتمة :
-لسا مكان البيرسنج موجود أهو …
و انتقلت يدها إلى شعره الكثيف الناعم، فخللت أصابعها فيه مستطردة و هي تحدق به مغرمة :
-بس شعرك مش طويل أوي زي زمان.. و كده أحلى. كده عاجبني أكتر !
رفرف بأهدابه بتلك الحركات الآسرة التي تفضلها دائمًا، لتزدرد ريقها و هي تعدل له ياقتيّ قميصه الأبيض الملاصق لجزعه مبرزًا تفاصيل بنيته الرياضية …
-أنا بحبك ! .. همس “مراد” و هو يقبض على خصرها بغتةً
ارتبكت و هي تنظر له فقط، لا تجد ما تقوله، ليتابع ضاحكًا بمرحٍ :
-أنا نفسي أروح أشكر هالة بجد. مش متخيّل إزاي كنت ممكن أكمل حياتي معاها.. أنا كنت تايه منغيرك !
*****
استنشق “أدهم”.. نظر إليها و الصدمة واضحة في عينيه، لكنه سألها مشككًا بما قالته :
-هو إللي أنا سمعته ده صح. انتي قولتي كده فعلًا !؟؟
هبّت “سلاف” واقفة فجأةً، فرفع وجهه متطلعًا إليها، تحرّكت بعصبيةٍ تجاه الخزانة، فتحتها و هي تسحب ثوبًا خفيفًا من القطن لترتديه فوق المنشفة التي جعلتها تنزلق أسفل قدميها، ثم استدارت نحوه محمرّة العينين …
-أنا تعبت خلاص ! .. هتفت “سلاف” بنفاذ صبرٍ
عبس “أدهم” ممعنًا في حالتها، ليست بغريبة عليه، أحيانًا تأتيها نوبات الهلع التي قد تصل إلى مرحلة من مراحل الجنون، لكنه لطالما كان بارعًا في إمتصاص الطاقة السلبية عنها، كان حقًا جيد في هذا
لذلك تصرّف بعقلانية و هو يقوم ليمشي صوبها قائلًا بابتسامة رقيقة :
-طيب يا سلاف. أوعدك هفكر في موضوع الطلاق ده. بس دلوقتي أهم حاجة.. ممكن تهدي أعصابك شوية. إيه رأيك أنزّلك تشمي هوا أو آ …
-مش عايـزة !!!! .. صرخت بغضبٍ شديد
ألجمت لسانه و أذهلته، بقى ينظر إليها صامتًا فقط، فأردفت بنفس الطريقة الفجّة :
-أنا مش بهزر يا أدهم. أنا بتكلم بجد. المرة دي مافيش مجال للهزار انت مش قادر تشوف ده !!؟؟؟
ازدرد ريقه بتوترٍ و هو يسألها :
-طيب ليه. إيه إللي حصل. فهميني ؟؟؟
-تفهم إيه ؟ مافيش حاجة تفهمها. بقولك عايزة أطلّق. و أقولك على حاجة كمان. أنا مابقاش ليا قعاد في البيت ده !
و تركته يقف بمكانه و توّجهت ثانيةً نحو الخزانة، أخرجت حقيبة ملابسها الكبيرة و أخذت تجمع أغراضها و ثيابها أمام عينيه المذهولتين على الأخير، فلم يشعر بنفسه إلا لاحقًا بها، يقبض على كتفيها و يجتذبها بعيدًا عن كل ما تفعله صائحًا :
-انتي اتجننتي. ليه بتعملي كده. بصي في عنيا و كلميني !!!!
هزت رأسها بقوةٍ و هي تصرخ :
-سيبني يا أدهم. سيبني !!
غطى صوته الخشن على صوتها و هو يرد بعنفٍ :
-مش سايبك. ما هو حاجة من الاتنين. يا انتي اتجننتي فعلًا يا في سبب لكل إللي بتعمليه ده. و في الحالتين مش سايبك غير لما أعرف مـالك !؟؟؟
توقّفت عن التملّص منه، و ركّزت حدقتيها الفيروزيتان بعينيه المتآججة و هي تقول :
-عايز تعرف مالي. طيب. أنا تعبت من الحياة دي. أيامي كلها بقت شبه بعض. مابقتش حاسة بحاجة بقيت زي المتخدرة بالظبط. من الصبح لبليل في متاهة خلاص مقررة عليا و حفظتها. تعبت و زهقت. تعبت و مابقتش قادرة أتحمل كل ده تعبت …
و كانت ترتعش من قمّة الغضب و الانفعال، تأثر بمعاناتها و إن كان لم يستوعبها بادئ المر، لكنها مسّته و صار أكثر تعاطفًا معها، أرخى قبضتيه عن كتفيها و لف ذراعيه حولها متمتمًا بهدوء :
-طيب. إهدي. خلاص.. شوفي انتي عايزة إيه و انا أعملهولك. هاعملك إللي انتي عايزاه. بس ماتضيقيش كده. إهدي عشان خاطري !
ردت عليه و الدموع في صوتها بالفعل :
-مابقتش عايزة حاجة خلاص !!
أصر عليها و هو يمسح على رأسها بحنوٍ بالغ :
-لأ إزاي. حقك عليا. أنا يمكن إنشغلت عنك بقالي فترة. ماكنتش مهتم بيكي أكتر. لكن خلاص أوعدك من إنهاردة هاغيّر كل ده. و هاتشوفي يا حبيبتي !
كافحت من أجل الابتعاد عنه، فلم يستبقيها رغمًا عنها، أفلتها كما أرادت بينما تغمغم بحنقٍ :
-انت ليه مش راضي تفهم. أنا مش عايزة أكمل. مش عايزة !!
قطب وجهه الآن و قد شعر بخطورة الوضع، فدفعه الخوف من خسارتها للتحدث بغلظةٍ :
-ليه. انتي شايفة إيه إللي حصل كبير للدرجة دي عشان تطلبي طلب زي ده. سلاف انتي لازم تفوقي و تستوعبي كلامك. انتي عايزة تهدي حياتنا. انا و انتي و الولاد. كل مرة كنتي بتقولي كده كنت بحتويكي و بعديها عشان عارف إن مسؤولياتك كبيرة و كتر خيرك إنك شايلاها أصلًا. لكن مش قادر أصدق إنك مصممة دلوقتي كل التصميم ده ! .. و قطع المسافة القصيرة بينهما ممسكًا بيديها
تنهد و هو ينظر إلى أسفل في أصابعهما المتشابكة، عصر يديها بشكلٍ مطمئن و هو يقول بصوتٍ أقرب إلى الهمس :
-شوفي إنتي عايزة إيه. أنا مستعد أعمل أي حاجة تطلبيها. لو عايزاني أخد إجازة و أقضي وقت أكتر معاكي و أساعدك كمان في مسؤلية البيت و الولاد هاعمل كده. لو عايزة أجيب واحدة تساعدك و أنا مش موجود أجيبها من بكرة. لو عايزة نسافر تغيري جو في أي حتة تختاريها هاعملك إللي تقولي عليه …
-مش عايزة منك انت تحديدًا أي حاجة !!! .. صاحت فيه بغتةً و هي تتنزع يديها من يديه و ترتد خطوة للخلف
-أنا عملت فيكي إيه لكل ده !؟؟؟ .. ردد مشدوهًا
دمعت عيناها من شدة العصبية و هي تقول :
-أنا بقيت عايشة في نفاق. و الحياة دي مكانتش بتاعتي. أنا وافقت بيها عشان حبيتك و رضيت بيها عشان ماكنتش عايزة أخسرك. لكن دلوقتي كل واحد بيعمل إللي على مزاجه حتى انت ممشيني على مزاجك. في الأول اقعدي يا سلاف من الجامعة ولادنا أولى بيكي. سيبت أحلامي و طموحاتي إللي فضلت سنين أخطط لها عشانك و عشان البيت. انت وظيفتك إنك كنت بتهد فيا و بس. حتى الحاجة الوحيدة إللي بقيت ليا. أنوثتي بقيت تقتلها بإيدك. ماتحطيش مكياج أنا مش بحبه و
شكلك بيعجيني منغيره. ماتحطيش برفانات أوفر ريحتك الطبيعية أحلى. ممنوع أرقص ممنوع أفرح بطريقتي و سكت و رضيت بكل إللي انت عايزه و في الآخر كل إللي حواليا يعيشوا الحياة إللي كان مفروض أعيشها. و أخرهم أختك إللي لبست فستان مكشوف و رقصت و غنّت كمان و كل ده حصل في بيتك قصاد عينيك مش من وراك كنت هديت و ارتحت !!!
بقى ينظر إليها و هي تتحدث غير مصدقًا، أن كل هذا بداخلها، و مع ذلك كانت لديه مبرراته التي أدلى بها في الحال :
-أولًا تعليمك أنا ماغصبتش عليكي تسيبيه. أنا قلت لك أدرسي في البيت و انزلي الجامعة على الامتحانات و قلت كده عشان انتي بالفعل كنتي لسا والدة و المسؤولية كبرت عليكي. تانيًا موضوع أنوثتك إللي قتلتها دي تهمة باطلة في حقي و إلا ماكنتيش هاتبقي أم لـ3 أطفال. مش بالمكياج و لا بالرقص يا مدام. بالحب و الاهتمام إللي مابخلتش عليكي يوم بيهم. بس الظاهر إنهم ماكنوش كفاية بالنسبة لك. تالتًا بقى أختي دي بقت على ذمة راجل. و بيتي إللي عملت فيه كده يبقى بيتها بردو. إيمان وارثة زي عائشة زي أمي. لما تعمل كده و هي ست و متجوزة أنا مقدرش أتكلم معاها لأنها راشدة و بقت مسؤولة من زوج.. ف بتحاسبيني على إيه هنا !!؟؟؟
صمتت لبرهةٍ ترمقه بخيبةٍ و قالت :
-أنا بشر و مقدرش أتحمل أكتر من طاقتي !!
تضخمت لهجته و هو يسألها :
-يعني إيه !؟
صاحت بنفاذ صبر و كأنها بالفعل فقدت عقلها :
-يعني طلّقني. سيبني أرجع لحياتي و أرجّع ثقتي بنفسي إللي دمرتها انت و أختك. كل حاجة علمتها ليا بسببها بقيت أشك فيها. أنا حتى مابقتش البنت إللي انت نفسك حبيتها و أعجبت بيها في البداية. طلّقني و خلّيني ألاقي نفسي تاني. لسا الأوان مافتنيش. لسا ممكن أبدأ من جديد لسا صغيرة لسا حتى ممكن أتجوز آا ……
لم تتم كلمتها إلا و هوى كفّه لأول مرة منذ رآها صافعًا إيّاها بعنفٍ !!!!
غمرت دموع غزيرة و غريبة عينيها و هي تقول بصوتٍ مليئ بالنشيج :
-أنا عمري ما اضّربت.. حتى بابا عمره عملها !
لم يرد، بل لم يحاول حتى أن يرد عليها، و لم يبدو نادمًا أنه صفعها
عيناه حمروان، يضغط شفتيه بشدة، و تلك الرجفة التي تعتري جسمه من لحظة لأخرى تُنبئ عن المجهود الخرافي الذي يبذله لكي لا يتهوّر عليها أكثر، ما قالته كان كثيرًا
يخشى أن تتفوّه بشيء آخر مثله فربما تدفعه لإيذائها دون أن يشعر …
ابتلعت “سلاف” كتلة مُرّة سدت حلقها، ثم قالت بغضبٍ أعمى :
-انت هاتدفع تمن القلم ده غالي. و تمنه إنك مش هاتشوف وشي تاني يا أدهم !!
و استدارت نحو الخزانة مكملة إلقاء كل أغراضها إليها بعشوائية و هي تغص و تبكي بحرقةٍ، بينما تشعر بقبضته القاسية تجتذبها من رسغها بوحشيةٍ ؛
كتمت شهقة، و نظرت بقوةٍ إلى عينيه الحادتين، لم تستطع الكلام بسبب الاحتقان الضاغط على حنجرتها، بينما يقول ببطءٍ و هدوء أثارا رعبها :
-سلاف.. لو مش عايزة ولادنا يتيتّموا إنهاردة. اتقي شري. أنا كمان بشر. فاهمة !؟
لم تصدق أنه قال ذلك، لم يجعلها تفكر أساسًا فيه و هو لا يزال أمامها، تركها فجأةً و خرج من الغرفة بخطواتٍ واسعة، سريعة
و تبيّنت بأنه أغلق عليها الباب من الخارج بالمفتاح !!!
حقًا …
لقد حبسها للتو ! …………………………………………………..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية اوصيك بقلبي عشقا ) اسم الرواية