Ads by Google X

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثامن و الاربعون 48 - بقلم سارة علي

الصفحة الرئيسية

   رواية حبيسة قلبه المظلم كاملة بقلم سارة علي عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثامن و الاربعون 48

  
وقفت حياة في منتصف المطبخ تعد الطعام لنديم الذي كان بدوره يأخذ حماما يزيل من خلاله تعب الليلة الماضية …!!
إنتهت من إعداد طعام الفطور سريعا وبدأت في إعداد المائدة ثم اتجهت بعدها الى الغرفة لتجده يجلس على السرير بملامح واجمة وشعره ما زال مبللا تتساقط منه قطرات الماء بينما المنشفة مرمية جانبه …
رفع بصره نحوها ما إن شعر بوجودها في الغرفة فإبتسمت له برقة وهي تجلس جانبه ، فتسأله وهي تضع كفها فوق كفه :-
” أعددت طعام الفطور لك … تعال معي لتتناول الفطور ثم عليك بالنوم بعدها فأنت متعب جدا وهذا واضح عليك ..”
رمقها بنظرات غريبة قليلا …
بدا حائرا جدا ومرهقا جدا …
شعرت بحيرته بل ضياعه عندما سألته بنفس النبرة الرقيقة :-
” هل أنت بخير يا نديم …؟!”
تنهد بصوت مسموع ثم أجاب بلهجة ثابتة وهو يقر بواقع حال :-
“كلا يا حياة .. انا لست بخير ولن أكون بخير حتى يخرج عمار من حياتي الى الأبد …”
كان معه حق وهي تعلم ذلك …
أخوه لن يتركه وشأنه مهما حدث ..!
ما حدث البارحة مجرد تنبيه مبدئي …
تنبيه لما هو قادم وكم تخشى ما سيقدم عليه ذلك العمار …!!
حاولت أن تخفف عنه وهي تبتسم له :-
” لا تفعل ذلك … أنت مظلوم… الله معك دائما يا نديم … لا تنسى هذا أبدا ..”
هتف بنبرة متألمة :-
” تعبت يا حياة … نفذ صبري ولم يعد لدي قدرة على التحمل …. ”
أخذ نفسا عميقا ثم أضاف ببوح مختلف محمل بكم هائل من الوجع والضعف :-
” إلى متى سأدفع ثمن أخطاء غيري ..؟! إلى متى سأتحمل ما يحدث معي …؟! كل شيء ينحدر نحو الأسود … كل شيء يا حياة …”
ابتسم بمرارة وهو يضيف :-
” لقد كُتِبت التعاسة عليّ الى الابد … تعاسة لم يعد بمقدوري تحملها ولا التعايش معها … ”
تهدجت أنفاسه وهو يسترسل :-
” أنا أيضا بشر … بشر ولدي طاقة تحمل … وطاقتي نفذت … لم يعد بمقدوري التحمل أكثر … يجب أن ينتهي كل هذا … يجب أن ينتهي بأي شكل …”
هتفت حياة بخفوت :-
” معك حق … والله معك حق ولكن ما الحل برأيك …؟! ”
أضافت وهي تنظر الى عينيه بقوة :-
” عمار لديه أساليبه الخاصة وهو لن يتوانى عن إستخدامها في اي لحظة لذا لا حل أمامك سوى تجاهله والصبر وإلا …”
أخذت نفسا عميقا ثم قالت بصراحة :-
” وإلا ستدخل في حرب علنية معه … حرب لن تخرج منها سالما حتى لو إنتصرت … فأنت إذا خسرت في حربك معه ربما ستخسر حياتك كلها وإذا إنتصرت ستخسر إنسانيتك لإنك ستضطر في حربك معه أن تتخلى عن إنسانيتك بل وتلجأ لأساليبه كي تنتصر عليه …”
غامت عيناه بنظرة بعيدة المدى وعقله يؤكد كلامها…
وفي داخله حروب متضادة ما بين قلب يرفض الخوض في معركة نتائجها محسومة وبين عقله الذي يطلب منه المحاربة لأجل مستقبله مجهول المعالم ولأجل إستعادة الماضي ولأجل الكثير …
شعر بكفها تضغط على كفه بخفة فوضع كفه الأخرى فوقها يضغط عليها بلين بينما عينيه ما زالتا شاردتين كأفكاره تماما …
سمع همسها له وهي تطلب منه أن ينهض ويذهب معها لتناول الطعام فأطاعها بصمت وهو ينهض من مكانه ويسير معها نحو المطبخ ليجدها أعدت المائدة حيث وضعت عدة أشكال من الطعام وصنعت له العصير البارد …
سمعها تردد وهي تضع العصير أمامه بعدما جلس على كرسيه :-
” لم أصنع القهوة اليوم كالعادة … تناول العصير فهو أفضل والأهم إنك يجب أن تخلد الى النوم بعد تناول الطعام ….”
وجدته يقبض على كفها بعدما وضعت العصير أمامه فنظرت له بتعجب ليرفع عينيه نحوها يخبرها :-
” تناولي الطعام معي …”
ابتسمت برقة قائلة :-
” سأفعل بالطبع …”
ثم اتجهت نحو الثلاجة تخرج قنينة الحليب البارد لها وتصب لها كأسا كبيرا من الحليب …
جلست قباله ترتشف الحليب وتتناول القليل من الطعام بينما توقف عن تناول طعامه وأخذ يتأملها للحظات دون أن تنتبه …
كان يعلم جيدا إن قراره سيؤذيها ولكن لا حل آخر أمامه …
يجب أن يقصيها من حياته تماما حتى تنتهي هذه المرحلة الصعبة من حياته ثم بعدها سيقرر ما يفعله ..!
رفعت عينيها نحوه لتجده يطالعها بنظرة غريبة فسألته بعدما إبتلعت لقمتها :-
” لماذا تنظر إلي هكذا …؟!”
أجاب بصدق :-
” أحب أن أنظر إليك دائما … النظر نحوك يمنحني شعورا بالراحة دائما ما أفتقده …”
توردت وجنتيها وهي تحمل كأسها وترتشف منه القليل عندما عاد يسألها بجدية :-
“موعد الطبيبة بعد ساعتين ، أليس كذلك ..؟؟”
أومأت برأسها وهي تجيب :-
” سأعتذر عنه وأؤجله ليوم آخر …”
هتف بصوت قاطع :-
” بل سنذهب بعد ساعتين …”
هتفت بجدية :-
” أنت متعب يا نديم والموعد يمكن تأجيله … ”
قال بإصرار :-
” سنذهب يا حياة …يجب أن نطمئن عليك وعلى الطفل …”
ابتسمت مرددة :-
” ما بالك يا نديم ..؟! انا بخير الحمد والطفل كذلك …”
سأل بتذمر :-
” لا أفهم لماذا تعاندين يا حياة ..؟! أين المشكلة في ذهابنا اليوم الى الطبيبة ..؟!”
ردت بحيادية :-
” لإنك متعب وتحتاج الى الراحة .. منذ البارحة وأنت لم تنم …”
قاطعها ببرود :-
” عادي … منذ البارحة وأنا في مركز الشرطة بعد إتهامي بشيء لا أعلم عنه شيئا … ”
أضاف وهو يحمل كأس العصير مجددا :-
” الأمر عادي بالنسبة لي فوق ما تتصورين …”
همست بخفوت :-
” أنت لست بخير يا نديم …”
أضافت بتمهل :-
” أتفهم إن ما حدث صعب بل …”
قاطعها بدوره :-
” أنت لن تتفهمي أبدًا طالما لم تعيشِ التجربة بنفسك لكن عليك أن تستوعبي الحقيقة وتعترفي بها وتتصرفي على أساسها …”
سألته بتردد :-
” ماذا تعني ..؟!”
رد بهدوء :-
” يعني أن تقصي عواطفك جانبا وتفكري في مصلحتك أنتِ وطفلك …”
بهتت ملامحها فأكمل بقوة :-
” وإذا لم تفعلِ فأنا من سيفعل …”
” أنا لا أفهم …”
سألته بملامح بدأت بالشحوب عندما أجاب بثبات غير آبها بقسوة ما يقوله :-
” سننفصل يا حياة … سنتطلق …”
نطقتها والرجاء في عينيها ألا يفعل يقتله :-
” أنت تمزح …”
هز رأسه ينفض العاطفة من قلبه لأجلها هي :-
” انا لا أمزح يا حياة .. ”
أكمل بنفس القسوة :-
” وجودك في حياتي يعيقني عن إتخاذ أي خطوة حقيقية … ”
همست مدهوشة :-
” أنا يا نديم …”
تجاهل الضعف في عينيها ونبرة صوتها وهو يقسو أكثر :-
” نعم أنت يا حياة …”
أضاف بتمهل ونبرة باردة :-
” أنت يجب أن تخرجي من حياتي … لأجلي أنا ولأجلك أنت ايضا …. المرحلة القادمة من حياتي لا تناسبها وجودك … انا لدي مخططات ووجودك معي سيمنعني عن تحقيق ما أريده …”
هتفت بصعوبة :-
” المخططات تلك تتضمن الإنتقام من عمار …”
هز رأسه وهو يضيف :-
” نعم حتى لو كلفني ذلك الكثير ….”
أضاف مكملا :-
” طوال وجودك معي فأنا سأبقى مقيدا بك رغما عني .. ”
تمتمت بخفوت :-
” تريد التحرر مني كي تتصرف كما تشاء وتفعل ما تريد … كي لا تفكر في غيرك ولا تخشى على أي أحد قد يصيبه الأذى بسبب انتقامك …”
” نعم ، هو كذلك …”
تنهد وأضاف :-
” أنت تعلمين إن وجود في حياتي يعرضك للخطر ويعرض طفلك أيضا ..”
قاطعته من بين أسنانها :-
” طفلنا يا نديم … لا تتحدث وكأنه طفلي لوحدي …”
همس رغما عنه :-
” ليته لم يكن طفلي …”
شهقت بوجع عندما أضاف بثبات :-
” نعم يا حياة .. ليته لم يكن طفلي … ليتك لم تحملي به …”
صاحت بحدة :-
” توقف يا نديم ..”
همس بجمود :-
” لن أتوقف … أنا سأنجب طفلا للعالم لن يتحمل فقط ماضي والده التعيس بل سيتحمل حقد عمه الأسود على والده …”
إسترسل بخوف بل رعب يسيطر عليه :-
” عمار لن يتركني وشأني مهما حدث وعندما يصبح لدي طفل من صلبي ، لن يتوانى لحظة واحدة عن إستغلاله للإنتقام مني وهو يدرك إن هذا الطفل سيكون نقطة ضعفي … على العكس تماما بوجود هذا الطفل سيجد فرصة لإيلامي أكثر وتدميري أكثر …”
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
” أنت رأيتِ بنفسك مدى حقده وجنونه …. ”
قالت بتشبث :-
” ولكن هذا ليس حلا .. الإنفصال ليس حلا …”
قاطعها :-
” يجب أن نفعل ذلك حتى أنتهي من عمار او ينتهي هو مني .. وفي كلتا الحالتين سأضمن على الأقل سلامتكما …”
” نديم …”
قالتها بترجي تجاهله بقوة
” أنت يجب أن تغادري حياتي .. يجب أن تفعلي ..”
أكمل يقسو على نفسه قبلها :-
” أنا سأطلقك يا حياة … شئت أم أبيت سأفعل ..”
وقبل أن تتحدث مجددا كان صوت هاتفه يصدح في ارجاء المكان بإسم شقيقته ..
………………………………..
غادر الطبيب بعدما أخبرها بمدى صعوبة وضع والدتها التي أصابتها جلطة قلبية شديدة ستبقى على آثرها في غرفة العناية المشددة تحت الملاحظة الدائمة عسى ولعل تتحسن حالتها تدريجيا رغم صعوبة ذلك قليلا ..
جلست على الكرسي جانبها ودموعها بدأت تتساقط فوق وجنتيها بغزارة …
والدتها بين الحياة والموت وهي سببا رئيسيا في ذلك …
لقد قست على والدتها طوال الأيام السابقة وإذا حدث لها شيئا فلن تسامح نفسها أبدا ….
توقفت عن بكائها وهي ترى الممرضة تتقدم نحوها فإنتفضت من مكانها بهلع عندما سمعت الممرضة تخبرها :-
” المريضة تريدك يا آنسة … إدخلي إليها وتحدثي معها ولكن لا تطيلي الحديث من فضلك ..”
كفكفت غالية دموعها بسرعة وهي تردد :-
” حسنا …”
ثم همت بالدخول عندما أوقفتها الممرضة بحرص :-
” ملابس الوقاية يا انسة …”
تمتمت غالية معتذرة :-
” آسفة حقا لكنني نسيت …”
ابتسمت لها الممرضة مرددة :-
” لا بأس .. تفضلي معي لترتدي ملابس الوقاية …”
سارت غالية خلف الممرضة حيث سارعت ترتدي ملابس الوقاية المخصصة للدخول الى غرفة العناية المشددة عندما دلفت أخيرًا الى داخل الغرفة لتشهق باكية لا إراديا ما إن رأت والدتها ممددة بتلك الطريقة فوق سرير المشفى والأجهزة الطبية تحيط بها وترتبط بجسدها …
بالكاد سيطرت على دموعها وهي تتجه بلهفة نحو والدتها تهمس لها :-
” ماما حبيبتي …”
فتحت صباح عينيها ما إن سمعت نبرة إبنتها فتمتمت بصوت ضعيف :-
” غالية …”
غمغمت غالية من بين دموعها :-
” ستصبحين بخير يا ماما … ستعودين إلينا سالمة بإذن الله ….”
همست صباح بصوتها الضعيف وهي تبعد غطاء الأوكسجين عن وجهها :-
” لا يهم … ما يهم أن أرحل وقلبي مطمئن عليكما …”
كتمت غالية شهقة باكية كادت تصدر منها وهي تهتف بسرعة :-
” لا تفعلي يا ماما … انت ستصبحين بخير … انا متأكدة من ذلك …”
أكملت وهي تقبض على كفها :-
” سامحيني … لقد أحزنتك كثيرا … أنا آسفة يا ماما …”
غمغمت صباح بأنفاس متعبة :-
” بل أنت من يجب أن تسامحيني يا غالية … وكذلك شقيقك …”
أخذت نفسا طويلا ثم أضافت بترجي :-
” سامحيني ودعيه يسامحني إذا رحلت قبل رؤيته …”
هتفت غالية بجزع :-
” كلا لن ترحلي .. انت ستصبحين بخير باذن الله …”
همست صباح رغم تعبها :-
” اسمعيني يا غالية … انا تسببت بالأذى لجميع من حولي ….”
ترقرقت الدموع داخل عينيها :-
” وخاصة ديانا … انا كنت سببا في إنتحارها … لقد دمرت سمعتها و …”
توقفت وهي تشعر بأنفاسها تتثاقل فهمست غالية ترجوها :-
” لا تتحدثي أكثر … الحديث يتعبك …”
لكن صباح عارضتها وهي تمنعها من إعادة غطاء الأوكسجين فوق وجهها :-
” دعيني أقول ما لدي يا غالية … ”
أضاف بنبرتها الضعيفة :-
” أنا أحببت والدك حقا … أحببته أكثر من أي شيء .. لكنه لم يحبني بل لم يراني يوما …”
عادت تأخذ نفسا طويلا ثم تضيف وهي تشعر بعدم قدرتها على الحديث بعد :-
” ما قاله عمار صحيح … انا تسببت بإنتحارها … ”
سقطت دمعة فوق وجنتها وهي تضيف :-
” ومنذ ذلك اليوم وأنا أدفع ثمن خطيئتي تلك …”
” ماما من فضلك …”
قالتها غالية بتوسل باكي لتهتف والدتها :-
” انا آسفة على كل شيء .. سامحيني ودعي شقيقك يسامحني …”
قالت غالية بدموع حارقة :-
” انت من سامحيني يا ماما .. سامحيني على كل شيء … لقد تعاملت معك بطريقة سيئة .. انا نادمة حقا .. نادمة اكثر مما تتصورين …”
قالت صباح بصدق :-
” لم أغضب منك كي أسامحك … انت ابنتي الوحيدة .. ابنة قلبي وقرة عيني …”
ثم اخذت تبحث عن كفها عندما قبضت عليه بعدما وجدته وهي تخبرها :-
” عديني أن تكوني قوية دائما كما عهدتك … وأن تكوني سعيدة …. ”
أضافت بنبرة ضعيفة باكية :-
” شقيقك يحتاجك يا غالية .. لا تتخلي عنه وتذكري دائما إنني أحبك وسامحيني ….”
” ماما ….”
قالتها غالية باكية لتضيف صباح وقد بدأت أنفاسها تشتد :-
” دعي نديم يسامحني .. دعيه يسامحني يا غالية .. أخبريه إنني أحبه كثيرا وإنني آسفة على ما أصابه كثيرا … أخبريه أيضا إنني أريده أن يعيش مرتاحا سعيدا وينسى الماضي بكل ما فيه ويسامحني … دعيه يسامحني بالله عليك …”
” سامحتك يا ماما وهو كذلك .. والله سامحتك …”
ابتسمت صباح بألم مرددة :-
” كنت أريد رؤيته للمرة الأخيرة … تمنيت أن أراه وأرى طفلته ….”
تساقطت دموعها بغزارة فأضافت وهي تلهث :-
” أخبريه إنه سيحيا سعيدا وسيعوضه الله خيرا عما جرى له وسيمنحه الذرية الصالحة بإذنه تعالى … وصيتي له أن يحيا سعيدا مطمئنا وينسى الماضي بكل ما فيه وأن يسمي إبنته القادمة شمس فأنا حلمت منذ يومين إن الله عز وجل رزقه بفتاة جميلة كالبدر في تمامه أسماها شمس …”
” ماما …”
هتفت بها غالية بتوسل عندما شعرت بيد والدتها ترتخي تدريجيا وأنفاسها تختفي حتى صدح صوت الجهاز يخبرها إن قلب والدتها توقف فصرخت بفزع وهي تحتضن جسد والدتها بقوة وتشبث عندما تقدمت الممرضة راكضة نحوها هي وطبيب شاب في المشفى فسارعوا يحاولون إبعادها عنها وهي تتشبث بها وترفض أن تتركها ..!
لا تعرف بعدها كيف غادرت الغرفة بل كيف إستطاعوا إبعادها عن والدتها …
خرجت منهارة بجوار الممرضة عندما رأت شقيقها يتقدم راكضا نحوها وخلفه زوجته ليتجمد مكانه وهو يراها لأول مرة بهذه الهيئة …
كانت هيئتها وحدها دليل على ما حدث …
ودون وعي ولأول مرة تجد نفسها بحاجة لأحدهم فركضت نحوه تتشبث به وهي تصرخ دون وعي :-
” ماما ماتت يا نديم … ماتت …”
بينما بقي نديم جامدا للحظات دون أن يرمش بعينيه حتى وشقيقته تتشبث به وكل ما يفكر به في تلك اللحظة إنه فقد والدته .. فقدها للأبد …!
………………………………………………….
رمت هاتفها جانبا بحنق شديد …
لا تعلم لماذا تصر على مراقبته بعدما تزوج …؟!
بينما هو ينشر صورا يومية له تارة له وحده وتارة مع زوجته …!!
ربما هو يتعمد ذلك … هكذا فكرت رغم إنه معتاد على التفاعل يوميا في حسابه الشخصي …!!
انكمشت على نفسها بملامح مظلمة والحقد والغيرة والتعاسة يسيطران كليا عليها …
سمعت صوت طرقات على باب غرفتها فخرج صوتها مقتضبا وهي تردد :-
” ادخل …”
دلفت ليلى الى غرفتها تتأملها وهي تجلس بتلك الطريقة المتحفزة وعينيها تشتغلان بنظرات حادة تسبب القلق …
” مريم …”
تمتمت بها ليلى مدهوشة وهي تتقدم نحوها عندما جلست جانبها تسألها بإهتمام :-
” ما بالك تجلسين هكذا وملامحك تنطق بالغضب …؟!”
تدفق الكلام من فم مريم دون وعي بعدما تحكم بها إنفعالها كليا :-
” الخائن .. ينشر صوره يوميا مع الحمقاء التي تزوجها … كاذب ولعين …”
تنهدت ليلى وهي تستمع لحديثها عن خطيبها السابق وابن عمهما فقالت بجدية :-
” لا تحزني يا مريم … لو كان خيرا لبقى …”
نهضت مريم من مكانها تتحدث بإنفعال :-
“انا لا أصدق إنه نساني بهذه السرعة .. تجاوز حبي بل وتزوج أخرى غيري … وكأنني لم أكن شيئا يذكر …”
رغما عنها ابتسمت ليلى بتهكم فرفعت مريم حاجبها بإستفهام لتأخذ ليلى نفسا عميقا ثم تردد :-
” آسفة ولكن ما الغريب فيما تقولينه …؟! في النهاية هو رجل .. مثله مثل جميع الرجال … قلوبهم تنسى بسرعة خرافية تستحق الإعجاب … هذا إذا كانوا يمتلكون قلوبا تحب بصدق من الأساس …”
هزت مريم رأسها بعنف تنفي حديث شقيقتها :-
” كلا يا ليلى … أكرم كان يحبني بحق … انتظرني لسنوات طويلة … تحملني كثيرا وتقبل صفاتي المنفرة لكثير من الشباب غيره ….”
” هذا ليس مقياس يا مريم …”
قالتها ليلى بثبات لتسأل مريم بحيرة :-
” ما المقياس إذا يا ليلى ..؟!”
هزت ليلى كتفيها تجيب بجهل حقيقي :-
” لا أعلم ولا أعتقد إنني سأفعل….”
اتجهت مريم نحوها وجلست جانبها تهمس بضعف نادرا ما يظهر عليها :-
” انت تعلمين إنني أحببته حقا وإنني خططت لحياتي كاملة معه …”
هزت ليلى رأسها وهي تخبرها بشفقة صادقة :-
” أعلم يا مريم لكنه ليس نصيبك …”
قاطعتها مريم بوجع :-
” لو أخبرني فقط … لو لم يفعل بي هذا … عندما تحدثنا لآخر مرة كان طبيعيا للغاية و …”
كتمت دموعها بصعوبة وهي تردد :-
” كيف فاجئني هكذا ..؟! كيف تزوج فجأة بعد بضعة أيام ..؟! لماذا فعل بي هذا ..؟! انا لا أفهم حقا …”
سألتها ليلى بتردد وعي تتذكر تلك الصور من جديد :-
” هل أنت متأكدة إنه لم يحدث شيء جعله يتصرف كذلك ..؟!”
عقدت مريم حاجبيها تردد بتعجب :-
” شيء مثل ماذا ..؟! لا يوجد اي شيء اساسا …”
ابتلعت ليلى بقية حديثها داخل حلقها وهي تربت على كف شقيقتها تخبرها :-
” لا بأس يا مريم … هو الخاسر بالتأكيد …”
أضافت وعيناها أظلمتا كليا :-
” هذا الواقع للأسف … نحن في حياة الرجال لسنا سوى محطات لا بد أن تنتهي يوما ما وتأتي محطة جديدة في الحياة بدلا عنا …”
نظرت لها مريم مرددة بحيرة :-
” لا أصدق إنك من تقولين هذا .. منذ متى وأنت تمتلكين هذه النظرة …؟! ”
أضافت بخيبة :-
” لا سامحك الله يا نديم … هو من تسبب بذلك …”
ابتسمت ليلى بسخرية مريرة فقط :-
” نديم وغيره أيضا …”
نظرت لها مريم بتأهب بينما ليلى تضيف بببوح مخنوق :-
” نديم وبعده والدك العزيز وغيرهما … هل تصدقين إن صدمتي بوالدي تحديدا لا توازيها صدمة ..؟!”
نظرت مريم بأسى لها فأكملت ليلى بخفوت :-
” انا عايشت قصة حبه مع والدتي طوال سنوات عمري السبعة والعشرين … عايشت قصة حبهما لحظة بلحظة … كنت أرى العشق الجارف في عينيه والإهتمام وكل شيء … عشقه لها كان ظاهرا للجميع دون مواراة لدرجة إنني كنت أسأل نفسي مرارا إذا ما سيكون نديم مثل والدي ويحبني بنفس الطريقة حتى بعد عشرين عاما من زواجنا واكثر … ”
تشكلت إبتسامة مريرة فوق ثغرها وهي تهمس :-
” وفي النهاية لا نديم ولا والدي نفسه بقيا على مشاعرهما …”
سألتها مريم بتردد :-
” وكنان ..؟! ما وضعه معك ..؟! لماذا قبلت الزواج منه وهذا رأيك بالحب والرجال عموما ..؟!”
ردت ليلى ببساطة :-
” لإنني إخترت بناء على عقلي …”
أكملت تشرح لها :-
” علاقتي مع كنان بعيدة عن الحب والمشاعر عموما .. ليست علاقة عاطفية … علاقتي به مختلفة … إرتباط عقلاني بحت … انا لا أحبه ولا أمتلك مشاعر خاصة نحوي وهذا يكفيني تماما ويحميني من أي خذلان مستقبلا … ”
نظرت لها مريم بدهشة لتضيف ليلى وهي تبتسم بثقة :-
” أعتقد إن راحة الأنسان الحقيقة عندما يحمي قلبه من التعلق بأحدهم … عندما يحافظ على توازن مشاعره دائما .. مشاعري ناحية كنان حيادية وهو يعلم ذلك ولا يعترض لإنه هو الآخر مشاعره حيادية نحوي …لكنه في نفس الوقت رجل جذاب وثري وذو مكانة محترمة ويمكنني الإعتماد عليه دائما .. يعني هو يصلح ليكون زوجي وأب لأطفالي وفي نفس الوقت لن أحزن إذا ما خانني يوما او خذلني بأي طريقة كانت .. علاقة مريحة تماما ونتاجها عائلة وأطفال أحتاجهم في حياتي …”
سألت مريم بجدية :-
” هل أنت متأكدة من حيادية مشاعره نحوك ..؟!”
هزت ليلى رأسها بإيجاب وهي ترد :-
” بالطبع .. كنان ليس رجلا عاطفيا أبدا … هو أرادني زوجة لإنني أناسبه وأشبه ما يريده في زوجة المستقبل …”
تنحنت مريم تردد :-
” برأيي ألا تتعجلي في قرار زواجك منه … ”
نظرت لها ليلى بإستنكار فأضافت مريم بجدية :-
” أنت إمرأة عاطفية يا ليلى .. عاطفية بالفطرة وهذا شيء لا يعيبك بالمناسبة …. إرتباطك بهذه الطريقة التي لا تشبهك هي نتيجة تجربتك السابقة وما تعرضت له وهذا خطأ كبيرلإنك مهما حاولت أن تغيري من نفسك وطريقة تفكيرك ووجهات نظرك سيأتي يوم وتحتاجين الى الحب الذي تتجاهلينه حاليا عن عمد … لا بد أن تغلبك عاطفتك يوما يا ليلى مهما حاولت ترويضها … وعندما يحدث هذا ستشعرين بالورطة لإنك تزوجت بتلك الطريقة من رجل لا تحملين أي عاطفة نحوه … ”
تغضن جبين ليلى للحظات لكن سرعان ما ابتسمت وهي تخبر مريم بتهكم :-
” منذ متى وأنت تتحلين بكل هذا العقل يا مريم …؟!”
فهمت مريم رغبتها بالهروب من الحديث فضحكت مشاغبة رغم الألم الذي ما زال يسيطر عليها :-
” انت لم ترِ شيء بعد …”
ابتسمت ليلى وهي تربت على كتفها عندما رن هاتفها لتخبرها بجدية وهي تنظر نحو الهاتف المضيء بإسم خطيبها :-
” كنان وصل .. يجب أن أغادر الآن ..”
سألتها مريم وهي تنهض من فوق سريرها معها :-
” ستذهبين الى قصره …”
أجابت ليلى :-
” نعم ، سأراه لإننا غالبا سنعيش فيه بعد الزواج ..”
رفعت مريم حاجبها تردد مستهجنة :-
” وشروطك عن منزل قريب من هنا ..”
ابتسمت ليلى مرددة بخفة :-
” كان نوع من الاختبار ليس الا …”
غمغمت مريم بمكر :-
” اختبار أم محاولة لإفشال الخطبة ..؟!”
تجاهلت ليلى حديثها وهي تقبلها من وجنتها وتخبرها :-
” إعتني بنفسك ولا تحزني لأجل أي شخص … حسنا …”
احتضنتها مريم بحب قبل أن تتابعها وهي تغادر غرفتها فتتنهد بصوت مسموع وهي تعاود الجلوس فوق سريرها بملل لا يخلو من الكآبة ..
………………………………………………..
بعد حوالي نصف ساعة هبطت ليلى من سيارته بعدما فتح لها الباب لتتأمل بوابة القصر الفخمة بإعجاب لحظي سرعان ما إختفى وهي تتذكر إنها لم تسأله إذا ما كان يعيش لوحده هنا أم هناك خدم في المكان غير الحرس في الخارج ..
ورغم كونها باتت زوجته لكنها لن تدخل الى الفيلا معه لوحدها مهما حدث ورغم تأكيد وجود خدم في القصر الضخم فهو لا يمكن أن يعيش لوحده لكن هواجسها سيطرت عليها فقررت السؤال رغما عنها بسبب شكوكها الغبية ..!!
” هل تعيش لوحدك ..؟!”
سألته بتعجب ليجيب وهو يفسح لها المجال لتسير أمامه :-
” نعم …”
تراجعت الى الخلف للحظة ترمقه بملامح أباحت بما فكرت به عندما أدركت إنه يعيش وحيدا في هذا القصر الشاسع ليبتسم بخفة مضيفا :-
” يوجد في الداخل مدبرة منزل وأكثر من خادمة …”
أضاف متأملا إحراجها :-
” إطمئني يا ليلى .. أعرف جيدا إنك لن تدخلي هذا القصر لو لم يكن فيه أحد سواي انا وانتِ ..”
حدقت به بصمت للحظات قبل أن تشمخ برأسها وتسير الى الداخل مرددة :-
” جيد إنك تعلم ذلك …”
إستقبلتها مدبرة المنزل بإبتسامة واسعة عندما أشار كنان نحو ليلى يعرفها عليها قبل أن يعرفها على مدبرة منزله والتي كانت تمتلك وجها هادئا لطيفا للغاية بسنوات عمرها التي تجاوزت الأربعين :-
” صوفيا … مدبرة القصر والمسؤولة عن كل شيء …”
إبتسمت ليلى بود مماثل وهي تحييها عندما سارت جانبه تتأمل القصر شديد الفخامة بغرفه الواسعة وأثاثه الراقي الذي تم إنتقاؤه بحرص شديد ..
لم تستطع منع فضولها من سؤاله :-
” لماذا لا تعيش مع عائلتك ..؟!”
رد بإعتيادية وهو يقف جانبها في صالة الجلوس الواسعة جدا :-
” لا يمكنني التأقلم تماما مع عادات شريفة هانم نصار ..”
معه حق ..
هكذا فكرت وهي تتذكر تلك المرأة كبيرة السن بكل قوتها وصلابتها وتسلطها …!!
مرة واحدة رآتها فيها كانت كافية لتدرك طبيعتها وتعنتها وفوقيتها المبالغ فيها وإعتدادها بنفسها وأصولها العريقة لتشعر بمدى صعوبة التفاهم مع شخص مثلها ..!!
أفاقت من شرودها وهي تسمعه يخبرها :-
” لنذهب الى الحديقة الخلفية .. ستعجبك كثيرا…”
خرجت من خلال الشرفة المطلة على الحديقة الخلفية لتتأمل الحديقة الواسعة بأشجارها الكثيفة وزهورها الخلابة بل إن كل شيء بها خلاب و رائع ….
سار بها نحو ذلك المنزل الصغير الخاص بكلبه الضخم والذي قفز من مكانه ما إن رأى صاحبه يتقدم نحوه ..
تأملت الكلب الضخم بمظهره الذي بدا مخيفا للوهلة الأولى عندما هبط كنان هو بجواره يمرر يده فوق رأسه مرددا وهو يعرفها عليه بفخر :-
” هذا روكَي .. ”
أشار الى الكلب الذي مال نحوه يلعقه وجهه بفرحة لقدومه :-
” وهذه ليلى يا روگي ..”
نظر روگي نحوها لا إراديا مستمعا لحديث صاحبه عندما أشار له يخبره والأخير يفهم عليه وكأنه صديقه :-
” سلم على ليلى يا روگي ..”
لكن الكلب تجاهل وجودها ولم يفعل ما إعتاد أن يفعله مع البقية وكأنه شعر بخطر وجودها حول صاحبه وإستحواذها على جزء أساسي من حياته وربما قلبه ..
كرر كنان حديثه بنبرة جادة :-
” سلّم عليها يا روگي …”
منحها روگي نظرة تظهر عدم رغبته بوجودها فكتمت ضحكتها بصعوبة عندما هدر كنان بنبرة حازمة قوية :-
” هيا يا روگي ..”
وأخيرا إستسلم روگي لأمر صاحبه ووقف أمامها يمد قدمه نحوها فإنحنت ليلى تبتسم برقة وهي تلتقط قدمه وتردد بينما عينا كنان تتأملها بقوة :-
” أهلا روگي ..”
ثم مسحت فوق رأسه ليستسلم الكلب لها على مضض عندما هتف كنان وهو يمسح فوق رأسه :-
” سيحبك .. هو فقط يحتاج الى فترة حتى يعتاد على الغرباء …”
هزت رأسها بتفهم وهو تردد كاذبة :-
” انه لطيف …”
قال بجدية :-
” هو ليس كذلك … ”
نظرت له بدهشة ليبتسم بمكر وهو يضيف :-
” روگي تحديدا لا تليق به كلمة لطيف أبدا .. هو شرس جدا ومشاكس جدا ومزعج في أغلب الأحيان …”
هزت رأسها بصمت عندما أضاف :-
” لكنه إذا أحب شخصا ما يتحول تماما … يفديه بروحه إذا إقتضى الأمر .”
أنهى حديثه بإقرار :-
” سيحبك وترين ذلك عندها …”
” ربما لن يحبني ..”
قالتها وهي تهز كتفيها ببساطة ليهتف مبتسما بغموض :-
” لا أحد يستطيع ألا يحبك …”
كسا الوجوم ملامحها وعاد الإضطراب يغزوها عندما أضاف وعيناه كانتا تحتضنانها كليا هذه المرة :-
” لا أحد يعرفك دون أن يُغرم بك …”
يوترها … وجوده يوترها .. حديثه يوترها .. كل شيء به يعبث بروحها دون رحمة …
منحته نظرة جاهدت لجعلها عادية وهي تهتف :-
” شكرا على هذه المجاملة اللطيفة …”
تمتم بهدوء :-
” انا لا أجامل .. لا أجيد المجاملة أساسا ..”
أضاف بقوة :-
” انا فقط أقول الحقيقة …”
” آية حقيقة ..؟!”
سألته بتلعثم جديد عليها ليمنحها إبتسامة شديدة الجاذبية وهو يهتف :-
” إنك رائعة .. جميلة و مثالية لدرجة تبدين وكأنك آتية من الخيال البعيد ولستِ واقعا حقيقيا…”
أخذ نفسا عميقا مضيفا بكلماته التي تعبث على أوتار أنوثتها رغما عنها :-
” أنت أميرة .. أميرة بحق .. محظوظ من يمتلكها وينال قلبها وروحها …”
قالت بحزم وعيناها تنظران له بتحدي :-
” أخبرتك إن هذا مستحيل .. لا تبني آمالا كاذبة … لا وجود للمشاعر بيننا و ..”
قاطعها ببرود :-
” انتِ قلتِ كلمتكِ وأنا إحترمتها … تفهمت هذا … إستوعبته … أنت قلتِ ما عندك أما القادم فهو عندي … انت لا تهتمي ولا تفكري … فقط إتركي نفسك للتيار وهو سيأخذك الى المكان الذي سيستقر به قلبك ويجد مرساه …”
أغاظتها كلماته بل وثقته المفرطة بنفسه فتمتمت ببرود متعمد يشابه بروده المغيظ :-
” أعتقد إننا تحدثنا عن هذا مسبقا وانت تعرف بعدم وجود العواطف بيننا أو من ناحيتي على الأقل … ”
ابتسم بهدوء رتيب متمتم :-
” أخبرتك إنني أعلم ذلك وأحترمه جدا ولكن …”
توقف قليلا وهو ينظر في عينيها بهدوء أربكها فأكمل ونفس الإبتسامة الهادئة ترتسم فوق ثغره :-
” ما زلنا في البداية وما زال طريقنا طويل .. انا لا أطلب منك العاطفة وأنت تعرفين ذلك لكن من حقي أن أسعى للحصول عليها يوما وهذا لن يضرك بشيء …”
ردت بإقتضاب :-
” لن تحصل على شيء كهذا مني وانت تعلم ..”
سألها بجدية :-
” لإنك لا تريدين ذلك …؟! أليس كذلك ..؟!”
تبادلا النظرات ليضيف :-
” لإنك ترفضين الحب أو لأكن أكثر دقة فأنت تخشينه … وأنا لا ألومك …”
احتقنت ملامحها بينما يضيف :-
” تجربتك الأولى في الحب كانت صعبة ومؤلمة لذا لا يمكنني لومك ولكنني أعدك إنك ستتجاوزين آلام الماضي بكل ما فيها وستجدين حبا جديدا ومختلفا معي … حبا صادقا ومريحا وقويا يصمد في وجه أي شيء مهما بلغت صعوبته …”
ابتلعت ريقها وهي تسأل بسخرية تخفي بها توترها :-
” ما كل هذه الثقة …؟! انت تتحدث بثقة غريبة ..”
” ثقتي في محلها وستعرفين هذا قريبا ..”
قالها وهو يبتسم بهدوء لترفع حاجبها مرددة بإستخفاف متعمد وغزوه مشاعرها بتلك الطريقة تزعجها :-
” انت تحلم بالتأكيد …”
تقدمت بخطوتين نحوه وهي تضيف :-
” لم أكن أعلم إنك تسعى لإمتلاك قلبي في هذ الزيجة .. لم يكن هذا منطوق حديثك قبل الخطبة …”
هتف ببساطة :-
” أليس من الطبيعي أن أسعى لإمتلاك قلب زوجتي يا ليلى …؟! ما الغريب في حديثي …؟!”
تمتمت بإرتباك :-
” انت قلت …”
لكنه قاطعها ببرود :-
” انا لم أقل شيئا بخصوص هذا الأمر حسب ما أتذكر …”
همست بجمود :-
” دعنا نغادر ….”
أوقفها وهو يقبض على كفها يمنعها من التحرك :-
” توقفي لحظة …”
أضاف وهو يلتقط نظراتها الرافضة لما يحدث :-
“يجب أن تري القصر كاملا …”
أزاحت خصلة من شعرها خلف اذنها وهي ترد :-
” لا داعي لذلك … أعجبني أساسًا وهو مناسبا حقا لنسكن فيه بعد الزواج …”
كتمت شهقتها وهي تراه يجذبها نحوه وينحني نحوها مرددا بثبات :-
” انت شجاعة يا ليلى بل محاربة … الهرب لا يليق بك …. ”
تلعثمت وهي تنطق :-
” ماذا تقصد ..؟!”
ابتسم بهدوء وكفه تحرر كفها بينما تتحرك فوق خصلاتها الشقراء :-
” لا تهربين مني يا ليلى .. انا زوجك وقريبا سنكون سويا … لا الهروب حاليا حل ولا محاولة نأي قلبك عني هو الحل .. أخبرتك أن تتركي كل شيء كما هو .. لا تضغطي على نفسك ولا تتصرفي بطريقة لا تشبهك والأهم لا تهربي لإنك قوية بما يكفي لتجابهي أي شيء بثبات ….”
أنهى كلماته وهو يتأمل الخوف والرهبة في عينيها فمال أكثر نحوها يلتقط قبلة خفيفة من ثغرها ثم يبتعد عنها مجددا لترمش بعينيها بعدم إستيعاب ويغزو الإحمرار وجهها الذي توهج كليا بشكل أشعل الرغبة فيها داخله بقوة لكنه تجاهلها بثبات يحسد عليه وهو يطلب منها ان تتحرك معه ليريها غرف القصر …
……………………………..:…………….
دلف سيف الى جناحها بعدما سمحت له جيلان بالدخول فنهضت من مكانها فورا وهي تراه يبتسم لها بهدوء قبل أن يلقي التحية :-
” صباح الخير يا جيلان …”
ردت جيلان بخفوت :-
” صباح النور …”
تنهد بصوت منخفض ثم تقدم نحوه يلقي نظرة عابرة على بطنها المنتفخة قليلا قبل أن يقول :-
” إنظري يا جيلان .. سبق وعدتك إنني لن أعيدك الى عائلتك حتى تريدين ذلك … ”
إرتبكت كليا وهي تحرك رأسها بإيماءة بطيئة ليضيف وهو يصل لها مرددا :-
” وأنا سألتزم بوعدي ولن أتراجع عنه مهما حدث …”
شكرته بصوت متردد :-
” شكرا ….”
ابتسم برحابة وهو يضيف بعدها :-
” عائلتك في الاسفل يا جيلان …”
جحظت عينيها برعب حقيقي فقبض على كفها يخبرها بصدق :-
” لن يأخذونك حتى تريدين أنت ذلك … لقد وعدتك يا جيلان .. ”
أخذ نفسا عميقا وهو يكمل :-
” لكن دعيهم يرونك اولا .. هم يبحثون عنك منذ هروبك دون توقف … دعيهم يرونك ويتحدثون معك ثم سيكون القرار لك بكل الأحوال …”
ظهر التردد ممزوجا بالخوف في عينيها …
الخوف من رؤية عمها وراغب والبقية بعد هروبها بتلك الطريقة …
” لكنني أغضبتهم بعدما فعلته وربما يعاقبونني ….”
هتف يطمأنها :-
” لن يفعلوا ذلك ابدا يا جيلان …”
اكمل بجدية :-
” هم يحبونك للغاية ويخافون عليك كثيرا ولا يريدون سوى رؤيتك سالمة …”
أضاف وهو يشد من عزيمتها :-
” وكي تطمئني فأنا سأكون معك وسأظل اتابع وضعك حتى إذا قررت المغادرة معهم … ”
بللت شفتيها بارتباك فسألها مجددا :-
” هل توافقين على رؤيتهم إذا ..؟!”
هزت رأسها ببطأ رغم الخوف البديهي داخلها فعاد يبتسم لها بحنو وهو يطلب منها أن تتبعه …
سارت خلفه بخطوات بطيئة مترددة عندما هبطت درجات السلم ومنه الى صالة الجلوس حيث يجلس كلا من عمها عابد وولديه راغب وراجي مع كمال والد سيف الذي بدوره إستقبلهما بترحيب شديد وهو الذي يعرفهم جيدا فقد سبق وتعاون معهم في عدة صفقات وما زالت هناك علاقات معرفة أقرب للصداقة بين العائلتين …!
نهض عابد من مكانه بسرعة ما إن رأى جيلان تتقدم خلف سيف نحوهم ليهتف بسعادة :-
” جيلان حبيبتي … وأخيرا رأيتك بخير …”
ثم سار نحوها وهي التي توقفت قباله برهبة ليحتضنها بحنو خالص وهو يتمتم بالحمد والشكر لله …
ابعدها من بين احضانه يردد معاتبا :-
” كيف تفعلين بي هذا يا جيلان ..؟! كدت سأموت من قلقي علي يا حبيبتي … لو تعلمين ما حدث معي طوال الأيام السابقة …”
تمتمت والكلمات بالكاد تخرج من فمها :-
” أنا آسفة …”
قال عابد بصدق :-
” لا عليك يا صغيرتي .. المهم إنك بخير .. هذا كل ما يهم …”
تقدم راجي نحوها يبتسم لها بحنو مرددا :-
” الحمد لله على سلامتك يا صغيرة … أرعبتنا عليك حقا يا جيلان …”
ثم عانقها بمحبة خالصة فاستجابت له للحظات قبل أن تبتعد عنه وهي تبتسم بإرتعاش لترمش بعينيها وهي تنظر الى راغب بهيئته الرزينة الهادئة عندما سار نحوها هو الآخر ومنحها إبتسامة هادئة مرددا بصدق :-
” لم أكن لأسامح نفسي أبدا لو أصابك أي مكروه …”
ثم فتح لها ذراعيه لتنظر له بتردد قبل أن تعانقه بتحفظ فوجدته يطبع قبلة خافتة فوق جبينها مرددا :-
” الحمد لله على سلامتك يا صغيرة آل هاشمي ….”
ارتعش جسدها بقوة وهي تسمع تلك النبرة الحانية لأول مرة منه وهو الذي كان دائما صلبا قويا وشامخا …
ابتعد راغب عنها وهو يبتسم لها بينما قال عابد بجدية :-
” تعالي وإجلسي جانبي يا جيلان .. يجب أن نتحدث …”
أطاعته جيلان وهي تجلس بحذر على الكنبة فيجاورها عمها بينما يجلس كلا من راغب وراجي على الكرسيين جانبها اما كمال وسيف فجلسا على الكنبة المقابلة لها هي وعمها ..
ابتسم عابد مجددا وهو يخبرها :-
” صغيرتي جيلان ، انا لن أعاتبك على هروبك أبدا … أتفهم سبب تصرفك ولكن عديني ألا تكرريها …”
نظرت له بصمت فأضاف بتروي :-
” انا عمك يا جيلان يعني بمثابة والدك … أخبرتك سابقا وسأخبرك مجددا … انا دائما معك وبجانبك .. ثقي بي يا صغيرتي … كان عليك أن تلجئي إلي بدلا من الهروب …”
تمتمت بخجل :-
” أنا آسفة يا عمي …”
” لا داعي للاعتذار يا صغيرتي … الجميع يخطئ وانت لك عذرك …”
قال راجي بدوره :-
” نحن جميعنا معك يا جيلان … سنفعل لك ما تريدنه … انت ابنة عمنا الصغيرة يعني بمثابة شقيقتنا لذا كوني على ثقة إننا دائما معك ندعمك وسندا لك في كل خطوة تخطيها …”
تحدث كمال بدوره وهو ينظر لها :-
” انت لديك عائلة كبيرة ورائعة يا إبنتي … تمسكي بعائلتك فهم سندك وعكازك في هذه الحياة .. ربما الآن لا تدركين ذلك لكن عندما تكبرين ستفهمين مدى أهمية العائلة … عندما تحتاجين شيء ما وتجدينهم دائما خلفك وفي ظهرك حالما تحتاجينهم … عندما يكونون هم السند الذي تحتمين به من اي شيء … حينها ستدركين مدى اهمية وجودهم في حياتك….”
سألتها عابد بجدية :-
” هل توافقين على العودة معنا يا صغيرتي …؟!”
نظرت له بصمت للحظات قبل أن تهز رأسها موافقا فابتسم عمها وهو يعانقها متمتما :-
” حفظك الله لي يا ابنتي وبارك لي فيكِ …”
نهض بعدها الجميع حيث ابتسم كمال لجيلان عندما تحدث عابد :-
” أشكرك حقا يا كمال بك على إستضافتكم ابنتنا عندكم .. ليس غريبا عليكم شيء كهذا .. دائما ما كنتم أصحاب كرم ونخوة ..”
صافحه كمال مرددا :-
” لا داعي للشكر يا بك … لم نقم سوى بواجبنا .. ”
ربت عابد على كفه قبل أن يتقدم نحو سيف وجواره جيلان بينما اخذ كمال يودع راغب وراجي …
أشار عابد لسيف :-
” جميلك لن أنساه أبدًا يا ولدي … أنت حافظت على ابنة أخي حتى عادت إلينا سالمة …”
قال سيف بجدية :-
” لا شكر على واجب يا عماه .. جيلان بمثابة شقيقتي الصغيرة وانا تصرفت بما يمليه علي الواجب …”
أكمل بجدية ونبرة خافتة :-
” انا سعيد بعودتهما معكم وأتمنى حقا أن تراعوها فهي صغيرة وتحتاج للكثير من الرعاية والإهتمام …”
ربت عابد على ذراعه مرددا :-
” لا تقلق يا سيف .. جيلان في عيني … إنها صغيرتنا التي سنحرص دائما على العناية بها ….”
استدار نحو جيلان التي تتابعهما بصمت حتى نظرت الى سيف وابتسمت برقة مرددة :-
” أشكرك كثيرا .. انت ساعدتني وأنقذتني من بقائي وحيدة في الشوارع ..”
هتف سيف مبتسما :-
” على الرحب والسعى يا صغيرة .. اعتني بنفسك جيدا … ”
ثم همس لها دون ان يسمع اخذ :-
” ومتى ما إحتجتني ستجديني معك رغم إن لديك ماشاءالله بدل ابن العم الواحد اربعة …”
ضحكت بخجل فقال وهو يربت على ذراعها :-
” أعتني بنفسك يا جيلان ولا تفعليها وتهربي مجددا..”
هزت رأسها بصمت عندما ودع سيف البقية وهو يسير معهم خارج القصر حتى غادرت جيلان مع عمها وولديه القصر فتنهد براحة بعدما إكتملت مهمته على خير وأعاد الصغيرة الى احضان عائلتها ..
………………………………………………..
” أنت هنا يا مهند …”
قالتها توليب وهي تتقدم نحو شقيقها الذي يجلس في الحديقة الخلفية للقصر داخل تلك الغرفة التي أُعدت للجلوس فيها بشكل عائلي بين الحين والآخر …
رفع مهند عينيه نحوها مرددا :-
” نعم يا توليب .. انا هنا …”
اتجهت تجلس جانبه وهي تتأمل ملامحه الهادئة تماما فمازحته :-
” تبدو شاردا في أمر مهم جدا …”
ابتسم مرددا بسخرية :-
” ولم سأفعل وحياتي والحمد لله مثالية وخالية من أية مشاكل او تعقيدات ..؟!”
هتفت توليب بتروي :-
” لا تفعل يا مهند .. لقد وجدوا جيلان والحمد لله …”
تنهد بصوت مسموع وقال :-
” وهل هذا يكفي من وجهة نظرك ..؟!”
ردت بصدق :-
” كلا ولكن سنرتاح قليلا بعدما كنا نموت خوفا بسبب غيابها …”
تمتم مهند :-
” ما عداي بالطبع … فأنا لم أدرك غيابها الا بعد أيام وما إن أدركته حتى علمنا بمكانها …”
ابتسمت تشاغبه :-
” هذا دليل على إن وجهك خير علينا يا مهند …”
ابتسم بتهكم قائلا :-
” على العكس تماما … كيف سيكون وجهي خير وأنا لا أتسبب سوى بالأذى لجميع من حولي …”
نظرت له بشفقة وهي تقول :-
” لا تقل هذا من فضلك …”
” أليست هذه الحقيقة يا توليب ..؟! أنا السيء دائما … الشرير الذي يؤذي جميع من حوله … انا الذي يتسبب دائما بالفوضى والمشاكل دون توقف …”
قالها بإنفعال مكتوم فهمست تخبره :-
” لا تفعل هذا .. انت تحمل نفسك فوق طاقاتها …”
غمغم بتعب :-
” هذه الحقيقة يا توليب …”
هتفت معترضة :-
” كلا ليست الحقيقة .. صحيح أنت عصبي ومتهور وحانق دائما … لكنك طيب وقلبك أبيض والجميع يدرك هذا ….”
تأملها للحظات .. شقيقته الجميلة الدافئة … ذات الكلمات الرقيقة المحببة … دائما ما تفعل هكذا … تحب الجميع وتدعمهم ..
هاهو رغم كل ما فعله وتدركه جيدا وما زالت تحاول التخفيف عنه …
لطالما كانت توليب هكذا .. حانية ودافئة … تحاول أن تحتوي الجميع وتساندهم … دائما ما وقفت جانبه ولم تتخلَ عنه في عز أزماته وفي أسوء تصرفاته الحمقاء …!!
ابتسم لها مرغما وهو يردد :-
” انت جميلة جدا يا توليب … محظوظ من ينالك …”
ابتسمت مرددة برقة :-
” وانت كذلك يا مهند .. ”
هزأ من حديثها :-
” توقفي عن المجاملة بالله عليك … انت كما يقولون تعرفين البير وغطاه ..”
هدرت بحنق تعترض على حديثه :-
” بل انت من لا تدرك ميزاتك يا مهند .. انت شاب وسيم وثري ومن عائلة محترمة يحلم الجميع بمصاهرتها ..مهندس متخرج من اعرق الجامعات في العالم … ”
قاطعها :-
” ولكنني أحمق … مستهتر وغبي … لا توجد فتاة تستطيع تحمل طبعي … ”
قاطعها بدورها :-
” ليس تماما … أنت فقط لم تجد الفتاة التي تستطيع لجم تمردك وترويض أعصابك الهائجة دائما … ”
” حقا ..؟! من المستحيل أن أجد فتاة كهذه أساسا …”
قالها ببرود لترد بحالمية :-
” انت مخطئ يا مهند … لا بد أن يأتي يوم وتجد الفتاة التي تغير حياتك بل تغيرك كليا .. انت لم تجرب الحب بعد .. عندما تعشق إحداهن يوما ستتغير لأجلها وهي ستنجح في تغييرك لإنها تحبك ولإنها تستحق ذلك أيضا …”
رفع حاجيه يتأملها بتهكم لننتبه على نظراته فتحمر وجنتيها وهي تردد بتململ :-
” المهم ..انا لا أريدك أن تفكر بهذه الطريقة …”
أكملت وهي تنهض من مكانها :-
” هيا تعال معي الى الداخل … جيلان ستصل بعد قليل …”
رد وهو يعود بظهره الى الخلف :-
” دعيني هنا .. من الافضل ألا تراني فور عودتها …”
عادت تجلس جانبه تردد برفض :-
” خطأ يا مهند … ما تفعله ليس حلا … جيلان أم طفلك او طفلتك القادمة … عليك أن تستوعب هذا …”
قال بصدق :-
” ولكنني إستوعبت هذا فعليا … مثلما إستوعبت إنه لا ذنب لها فيما حدث ولا يحق لي تدمير حياتها كلها نتيجة خطأ انا المسؤول الوحيد عنه …”
سألته توليب بحيرة :-
” مالذي تريده يا مهند ..؟! علام تنوي بالضبط ..؟!”
رد بجدية :-
” جيلان من حقها أن تعيش الحياة التي تناسب عمرها وأحلامها … من حقها أن تعيش المستقبل الذي يناسبها … لذا سأتصرف بما يقوله المنطق … سأنتظر ولادتها كي أخذ الطفل منها وأتحمل مسؤوليته كاملة لوحدي وهي ستعيش حياتها كما تريد وإذا أرادت ألا تعترف به ولدا فهي حرة …”
” مالذي تقوله انت ..؟!”
سألته توليب مصعوقة ليرد مهند ببساطة :-
” جيلان لا تريد الطفل يا توليب وانا لا ألومها على ذلك .. من الأفضل أن يعيش الطفل معي ولا تنسي إنها صغيرة جدا .. ستكبر فيما بعد ويصبح لها حياتها وربما ستتعرف على احدهم عندما تكبر وتحبه وحينها سيكون هذا الطفل عقبة في طريقها وهذا ما لا أريده … أريدها أن تمضي في حياتها قدما وتنسى هذا الطفل … لا أريد ذنبا جديدا فوق كاهلي وأنا أراها تعاني بسبب أمومتها لطفل في هذا العمر الصغير إجبارا عنها …”
صمتت توليب ولم تعلق فشعر مهند بعدم رضاها عما يقوله وأكد ذلك حديثها وهي تخبره :-
” والطفل ..؟! ألم تفكر به ..؟! كيف سيعيش دون أمه ..؟!”
رد مهند بجدية :-
” سأعتبره يتيم ..”
نظرت إليه توليب بإستنكار فقال بجدية :-
” نعم يا توليب .. سأفعل ذلك وانا سأوفر له ما يحتاجه وسأكون معه دائما …”
” مهما وفرت له فلن تستطيع تعويضه عن والدته يا مهند …”
قالتها توليب بحنق ليردد مهند بأسى :-
” هذا قدره يا توليب وعليه أن يرضى به ..”
……………………………………….
عادت ليلى الى منزلها بعدما أوصلها كنان لتفتح الخادمة لها الباب مرحبة بها …
ابتسمت ليلى بود لها وهي ترد تحيتها قبلما تهم بالتوجه الى الطابق العلوي لكنها توقفت وهي تسمع صوت والدها الغاضب يرتفع بطريقة أشبه للصياح …
تحركت بقلق نحو صالة الجلوس حيث يأتي صوت والدها عندما سمعته يهب بأحدهم :-
” كيف هربت ..؟! بأي حق تفعل ذلك ..؟! هناك إتفاق بيننا …”
دلفت ليلى بسرعة نحو صالة الجلوس تهمس بخوف :-
” بابا .. ماذا حدث ..؟!”
أغلق أحمد الهاتف وهو يردد بعصبية :-
” الحقيرة سهام …”
سألته ليلى بخوف :-
” ماذا فعلت سهام يا بابًا ..؟!”
أجاب بأعصاب متشنجة :-
” هربت يا ليلى … أخذت عبد الرحمن والطفل الآخر وهربت بهما …”
اتسعت عينا ليلى وهي تردد بعدم تصديق :-
” كيف يعني هربت … أليس هناك اتفاق بيننا ..؟! هي حتى لم تأخذ باقي الاموال ..”
أضافت :-
” وكيف أخذت عبد الرحمن .. ؟! انا لا افهم شيئا …”
جلس أحمد بتعب على الكرسي خلفه مرددا :-
” لقد إتصلت بي صباحا وأخبرتني عن رغبتها برؤية عبد الرحمن قبل ولادتها التي ستكون اليوم ظهرا .. رفضت ذلك وأخبرتها إن هناك اتفاق بيننا لأتفاجئ بعبد الرحمن يرجوني أن يراها بعدما اتصلت به عن طريق المربية الحقيرة .. لم أستطع الرفض أمام دموع الطفل وتوسلاته فسمحت للمربية أن تأخذه مع السائق كي تراه مبدئيا ثم ألحق بهما قبل موعد الولادة كي أستلم الطفل وأمنح بقية الاموال لسهام بعدما تتعهد ب تنازلها رسميا عن الطفل الآخر لأصدم بهروبها مع الطفلين بمساعدة المربية ..”
صاحت ليلى عدم تصديق :-
” كيف تفعل هذا يا بابًا .. كيف ترسل عبد الرحمن لها ..؟! كيف تثق بتلك المربية ..؟! كيف ..!”
اغمض احمد عينيه مرددا بتعب :-
” لا أعلم يا ليلى .. كنت متعبًا ومتوترا بعدما علمت بخبر ولادتها وما زاد من وضعي السيء حديثي مع والدتك والجدال الذي حدث بيننا لذا لم أطق صبرا على دموع الصغير المتشبث برؤية والدته فأخبرت المربية بسرعة أن تأخذه ..”
ضغطت ليلى على شفتيها تمنع نفسها من قول شيء آخر وتأنيبه وهي تلاحظ مدى تعب والدها وهو على ما يبدو يلوم نفسه على تصرفه الخاطئ الأقرب للساذج ..
هتفت بخفوت :-
” ولكنها لم تأخذ بقية الأموال بعد …؟! أم إنها إكتفت بذلك المبلغ وستربي الطفلين بهما وتنتقم منك بأن تحرمك منهما…”
غمغم احمد بتهكم :-
” سهام تتنازل عن الاموال لأجل ولديها .. على ما يبدو إنك لم تعرفيها جيدا بعد رغم كل ما فعلته …”
أضاف بغضب :-
” الهانم هربت بعدما أرسلت لي رسالة تخبرني عن هروبها بالطفلين وإنها لن تعيدهما إلي حتى أمنحها مبلغ مقداره عشرون مليون دولار كحق مشروع لها ولطفليها …”
هتفت ليلى مصعوقة :-
” انا لا أصدق … هذه لا يمكن أن تكون انسانية طبيعية … إنها ..”
توقفت وهي تبتلع كلمة غير لائقة كادت أن تصدر منها عندما همس والدها بضعف :-
” ماذا أفعل يا ليلى ..؟! لقد أخذت ولدي .. ”
أكمل يتسائل بأنفاس مضطربة :-
” خسرت ولدي يا ليلى .. أضعتهما ولن أستطيع رؤيتهما فيما بعد …”
هتفت بتوسل :-
” إهدأ يا بابا من فضلك ….”
امتدت يد أحمد نحو يسار يصده يدلكه ببطأ فسألته ليلى بقلق :-
” هل تشعر بألم في صدرك ..؟! ماذا يحدث معك ..؟!”
تمتم بصوت خافت :-
” أريد ماء يا ليلى .. بسرعة …”
صاحت ليلى على الخادمة قبل أن تركض بسرعة كي تجلب الماء لولدها ..
عادت وهي تحمل قدح الماء تقدمه نحو والدها الذي لم يستطع حمل القدح بكفه المرتعشة لتنظر ليلى له بهلع وأنفاسه تتثاقل تدريجيا …
حملت القدح نحو فمه تحاول أن تجعله يشرب القليل من الماء لكن سرعان ما اندفع القدح من يدها وتحطم أرضا وسقط والدها معه وهو يحاول التنفس دون فائدة …
………………………………………
في المشفى …
وقفت ليلى تبكي ووالدتها تجلس جانبها بملامح جامد تماما تنتظر خروج أي شخص يطمئنها على حالة والدها …
سمعت والدتها تهمس بصوت خافت :-
” انا السبب …”
نظرت لها ليلى بتأهب لتكمل فاتن بدموع :-
” تشاجرت معه وتحدثت معه بقسوة .. تناسيت إنه مريض بالقلب و …”
جلست ليلى بجانبها تخبرها :-
” انت لا دخل لك يا ماما .. سهام السبب … ”
نظرت لها فاتن تسألها بعدم فهم :-
” ما علاقة سهام ..؟! ماذا فعلت ..؟!”
همست ليلى تجيبها :-
” خطفت عبد الرحمن والطفل الآخر وهربت …”
شهقت والدتها بينما تساقطت دموع ليلى وهي تضيف :-
” لم يتحمل بابا ما عرف فسقط فورا …”
” كيف يعني هربت ..؟! كيف حدث هذا ..؟! ألم يكن هناك إتفاق بينهما ..؟!”
تمتمت ليلى من بين أسنانها :-
” الحقيرة … تريد عشرين مليون دولار من بابا كي تتركهما …”
أضافت ودموعها تتساقط فوق وجنتيها بحرارة :-
” هذه ليست أم … من الظلم أن تحمل لقب أم …”
غمغمت فاتن بشروده:-
” سامحك الله يا احمد .. ألم تجد غيرها لتتزوج بها ..؟! كان عليك على الأقل أن تختر أما جيدة لأبنائك …”
همست ليلى من بين بكائها :-
” كل ما أراده الولد وتجاهل أي شيء آخر وهذه النتيجة ..! ما ذنب الطفلين المسكينين ليكون لديهما أم كهذه …”
ثم أخذت تبكي بصمت عندما جذبت والدتها نحوها تحاول تهدئتها رغم وجعها الشديد هي الأخرى ..
سألتها والدتها بعدما هدئت قليلا :-
” ألن تخبري مريم ..؟!”
ردت ليلى وهي تمسح دموعها :-
” أنتظر خروج الطبيب أولا والإطمئنان عليه …”
ثم سألت والدتها بأمل :-
” سيكون بخير ، أليس كذلك …؟!”
ارتعشت ابتسامة والدتها وهي تحاول طمأنتها فعادت ليلى تبكي بإنهيار بين احضان والدتها عندما خرج الطبيب بعد دقائق فنهضت ليلى بسرعة تسأله على والدها ليجيب :-
” ذبحة صدرية .. لن أخفي عليكم وضعه خطير جدا … نسبة النجاة ضعيفة…”
شهقت ليلى باكية بينما تراجعت فاتن وهي تستند على الحائط خلفها عندما تحرك الطبيب بعدها لتأتي طبيبة أخرى صغيرة تعمل تحت إشرافه وهي تخبرهم إنه سيبقى حاليا في نفس الغرفة حتى ينتظرون تحسن وضعه رغم صعوبة ذلك …
حاولت أن تطمئن ليلى وتشد من أزرها خاصة عندما رأتها وحيدة مع والدتها ….
حاولت ليلى التماسك بعدها واتجهت نحو والدتها الساهمة بصدمة حقيقةً فربتت على كتفها بدعم لتسألها فاتن بذعر حقيقي :-
” هل سيموت والدك يا ليلى ..؟!”
ارتعش جسد ليلى بخوف عندما أضافت فاتن بعينين باكيتين :-
” لا أريده ان يموت … لا يمكنني تحمل ذلك ..”
تساقطت دموع ليلى بغزارة وهي تندس بين احضان والتها تحتمي بها من الفكرة نفسها …
نهضت بعدها بقليل وهي تهم بالاتصال بشقيقتها لكنها توقفت وهي تسمع صوت صفارة الجهاز فأخذت تصرخ وتنادي على الاطباء غافلة عن تلك الطبيبة الموجودة في الداخل معه وبدأت الإجرائات اللازمة محاولة إنعاش قلبه الذي توقف عندما جاء طبيين ومعهما ممرضة وسارعوا الى الداخل فبقيت ليلى تتابع ما يحدث بعينين جاحظتين وقلب يكاد يخرج من مكانه وهي ترى الاطباء يحاولون إنعاش قلبه والدها الذي يرفض الإستجابة لمحاولاتهم ..
مرة .. مرتين … ثلاثة …
مع كل محاولة كانت تشعر بروحها تسحب تدريجيا والأمل يتضائل بينما جلست والدتها مجددا وقد فقدت قدرتها على رؤية ما يحدث مع زوجها وحبيبها وهي تبكي بنحيب صامت …
صرخت ليلى حالما رأت النبض يعود مجددا بينما انتفضت والدتها من مكانها تركض نحو الزجاج تلمسه وهي تبكي وترجو الله عز وجل أن يعيده لها سالما ..
خرج الطبيب بعدها وهو يتمتم :-
” إدعوا له … وضعه حرج للغاية ..”
ثم غادر بعدما أعطى وصاياه الطبيبة الصغيرة بينما ابتعدت ليلى قليلا عن المكان تاركة والدتها لوحدها فأخذت تبكي دون توقف والخوف من خسارة والدها ينهش روحها دون رحمة …
نظرت الى هاتفها بعد لحظات بتردد وهي تشعر بحاجة ملحة لوجود شخص ما جانبها …
إنها المرة الأولى التي تشعر بها بهذا الكم من الضعف والوحدة .
وفي الواقع لم يكن أمامها سواه لتتصل به …
ولا تعرف لماذا ترددت وهناك رفض بديهي داخلها رغم كونه بات زوجها ..
رغم التردد … رغم رفضها البديهي لم تستطع إلا أن تتصل به وهي تهمس بتلقائية :-
” أحتاجك …”
أكملت وهي تتشبث به دون وعي :-
” بابا …!”
ثم ختمت حديثها بأنفاس مرتعبة :-
” بابا يموت …”
شعرت بإنتفضاته من مكانه وهو يسألها :-
” أين أنتم الآن ..؟!”
أخبرته بإسم المشفى وأغلقت الهاتف بعدها تبكي مجددا والخواء يملأ روحها ..
بعد اقل من عشر دقائق وجدته أمامه يتقدم نحوها بلهفة لترتمي بين ذراعيه منهارة فإحتضنها بسرعة محاولا التخفيف عنها …
جذبها بعدها وأجلسها على الكرسي خلفها ثم أخفض جسده أرضا جالسا أمامه كالقرفصاء يسألها محاولا تهدئتها :-
” اهدئي وأخبريني ماذا حدث …”
همست بدموع غزيرة :-
” أصابته ذبحة صدرية .. وضعه خطير جدا حتى منذ قليل توقف قلبه … لقد عاد النبض لقلبه بعد عدة محاولات والطبيب يقول إن وضعه حرج ….”
انها كلماتها وهي تبكي مجددا فقال بجدية :-
” حسنا اهدئي من فضلك … ”
أكمل يسألها :
” من معك هنا ..؟!”
ردت :-
” ماما ولكنني تركتها لوحدها و …”
انتفضت من مكانها تردد :-
” يجب أن أذهب لها …”
نهض بدوره مرددا :-
” تعالي معي … ”
ثم قادها حيث تجلس والدتها فوجدتها ليلى تجلس في نفس المكان بوجه باكي فسارعت تجلس جانبها وهي تقبلها من كتفها …
وقف كنان انام فانت يشير لها :-
” سيصبح بخير ان شاءالله … ”
اكمل مشيرا لزوجته :-
” سأتحدث مع الطبيب يا ليلى ثم أعود …”
همست ليلى :-
” انتظر لحظة …”
نظر لها بحيرة فوقفت أمامه تفرك يديها وهي تردد :-
” هناك مشكلة بل مصيبة ..”
سألتها بقلق :-
” مصيبة ماذا ..؟! تحدثي يا ليلى …”
أجابت بحزن :-
” زوجة والدي خطفت عبد الرحمن وطفلها الآخر والذي ولد اليوم ولا نعرف أين أخذتهما …”
اتسعت عينيه مرددا :-
” ماذا ..؟! كيف حدث هذا ..؟!”
اخذت تشرح له ما حدث وكيف إستطاعت الهرب بالطفلين وما طلبته مقابل عودتهما لتظلم عيني كنان وهو يردد من بين اسنانه :-
” يا لها من إمرأة عديمة الضمير والأخلاق …”
أكمل بجدية :-
” لا أريدك أن تقلقي … سأتصرف أنا …”
“حقا يا كنان ..؟!”
سألته بلهفة وهي تضيف :-
” هل تستطيع إعادتهما ..؟!”
رد بثقة :-
” إطمئني .. الطفلان ووالدتهما سيكونون عندكم غدا مساءا بالكثير …”
أخبرها بعدها :-
” أريد الاسم الكامل لزوجة والدك والمربية وعنوان المشفى وبعض المعلومات ..”
هزت ليلى رأسها ومنحته بعض المعلومات التي تعرفها عندما أخبرته عن جهلها بعنوان المشفى ليهتف ببساطة :-
” لا مشكلة .. سيبحث رجالي عن المشفى الذي ولدت به طفلها ويجدونه بسهولة …”
توقف عن حديثه وهو يستمع الى صوت رنين هاتف زوجته التي نظرت الى والدتها تهتف :-
” خالو جمال .. تحدثي انت معه …”
نهضت فاتن تهتف بقلق :-
” لماذا يتصل جمال بك يا ليلى ..؟!”
ثم حملت الهاتف وأجابت عليه لتتسع عيناها بينما هبط قلب ليلى أرضا وهي تسمع والدتها تصيح بإسم شقيقتها بأعلى صوتها …
…………………………………….
دلفت مريم الى النادي الليبى بصحبة زميلها في الجامعة والذي لطالما ما تودد إليها وحاول لفت انتباهها لكنها تصده في كل مرة وهي تخبره بتبجج إنها مرتبطة …
لكن اليوم عاد يتودد اليها وعلى ما يبدو كان لديه علم بأمر إنفصالها عن خطيبها فوجدت نفسها تستجيب له وتوافق على صحبته الى احد النوادي الليلة رغم إن الليل لم يأتِ بعد …
كان ضربا من الجنون أصابها بعدما ظلت طوال الصباح تفكر بأكرم حتى كادت أن تصرخ بجنون من أفكارها تلك وهي تسبه وتلعنه دون توقف …
أشارت نحو البار لتجلس عليه فيهتف الشاب بمكر :-
” الحماس واضح عليك اليوم …”
ابتسمت ساخرة وهي تردد :-
” لم يعد هناك ما يستحق التعقل لأجله ….”
وهي تقصد أكرم فهي لطالما لجمت رغباتها في تجربة الكثير من الأمور وروضت تمردها فقط لأجله ..
جلست جانبه امام البار عندما اشار لها يسألها :
” ماذا تشربين …؟! أم إنك لا تتناولين المشروبات الكحولية …”
نظرت له للحظات وشعرت بروح التمرد تتلبسها فأخبرته وهي تمط شفتيها :-
” لأجرب كأس واحد فقط …”
أشار الشاب للنادل الذي ابتسم بمكر وهو يقدم الكأس لها لتلتقطه وتشرب محتواه دفعة واحدة عندما تجهمت ملامحها وهي تردد بإمتعاض :-
” طعمه غريب …”
سألتها الشاب :-
” هل تريدين آخر …؟!”
رفضت بسرعة :-
” كلا لا اريد … انا اساسا أردت التجربة فقط فأنا في العادة لا أشرب الكحوليات …”
ابتسم الشاب مرددا :-
” لإنك لا تفهمين …”
نظرت له بحدة فقال وهو يضع كأسه أمامها :-
” هذه المشروبات تمنحك شعورا لذيذا وممتعا جدا … ”
أضاف وهو يضع الكأس أمامها :-
” صدقيني … جربي ولن تندمي ….”
نظرت الى الكأس للحظات قبل أن تبعده عنها وهي تردد برفض :-
” لا أريد العودة الى منزلي مخمورة …”
عاد يضع الكأس أمامها قبل أن يرفعه وهو يحاول إجبارها على شرب محتواه وهي ترفض عندما فوجئ بيد تقبض على الكأس بينما صاحبها يردد :
” أخبرتك إنها لا تريد … ألم تسمع …؟!”
نظرت مريم له بعدم تصديق وهي تتسائل :-
” ماذا تفعل هنا يا عمار ..؟!”
بينما نهض الشاب يسأله :-
” من أنت وما علاقتك بنا ..؟!”
رد عمار بعدما إرتشف الكأس دفعة واحدة :-
” لقد ذكرت إسمي منذ ثواني أم إنك لم تسمعه أيضا …؟!”
ثم أشار الى مريم :-
” هيا بنا يا مريم…”
أوقفه الشاب يخبره بغلظة :-
” لا شأن لك بها ..مريم اتت معي وستغادر معي … ”
ابتسم عمار ببرود لثواني قبل أن يلكم الشاب على وجهه وأسقطه لتضحك مريم بصوت عالي فمنحها نظرات حادة وهو يقبض على ذراعها يجرها خلفه مرددا :-
” هيا …”
ثم خرج بها من البار متجها نحو سيارته حيث فتح باب السيارة وألقى بها داخلها لتصيح وهي تفرك ذراعها :-
” آلمتني أيها المتخلف …”
تجاهلها وهو يتجه نحو الجانب خاضته حيث ركب السيارة وشغلها ثم قادها مبتعدا عن مكان البار حتى توقف بعد حوالي عشر دقائق قرب البحر فوجدها تنظر له بتركيز ليرفع حاجبه متسائلا :-
” ما بالك تنظرين إلي هكذا …؟!”
سألته بنبرة غريبة قليلا ويبدو إن الكأس الوحيد الذي شربته بدأ يظهر مفعوله عليها :-
” كيف عرفت مكاني ..؟! انت تراقبني …”
رد بإيجاز :-
” تقريبا …”
ابتسمت ساخرة ليسألها بعصبية :-
” كيف تأتين الى هنا يا مريم …؟! منذ متى وأنت ترتادين البارات الليلة …؟!”
ردت ببرود :-
” منذ اليوم وكل يوم بعد الآن…”
ابتسم بتهكم وقال :-
” ماشاءالله … تقولينها بكل ثقة وكأنني سأسمح لك بذلك …”
هتفت بعناد :-
” انت لست ولي أمري … ليس من شأنك ما أفعله كما إنه ليس من حقك أن تراقبني ..”
شهقت عندما قبض على ذراعها يجذبها نحوه مرددا بعينين ناريتين :-
” بل من حقي .. حقي انا فقط … أنتِ كلك حقي يا مريم … وعليك أن تفهمي هذا جيدا …”
” وإذا لم أفعل ..؟!”
سألته ببرود ليرد بصلابة :-
” سأجبرك أن تفعلي …”
تأملته بصمت …
تأملت تلك النيران المشتعلة داخل عينيه …
رأت فيهما ما لم تصدقه رغم إقراره به مرارا ..
رأت العشق … الشغف … اللهفة ..
4
” أنت تحبني يا عمار …”
همست بها وهي تبتسم بجاذبية فتكت بقلبه …
تنهيدته الحارة كانت كفيلة لتوضيح ما يحمله داخله نحوها …
هو لا يحبها .. بل يهيم عشقا بها ….
في كل مرة يتأكد من شعوره ذلك ..
فلا يجد إجابة محددة ..
هو فقط يعشقها ..
هكذا بكل بساطة ..
دون قيد … دون تردد .. ودون أمل …
مال نحوها وزرقة عينيها تتشبثان به دون إدراك …
غرق في زرقة عينيها وشردت هي في خيالها وصورة مختلفة تتجسد أمامها دون يدرك فمالت نحو تطالبه بقبلة صريحة وهو لبى ندائها دون تردد…
نال قبلة من شفتيها تمناها طويلا وغرقت هي معه في قبلته …
تجاوبت بشكل آثار جنونه دون أن يعي إنها في تلك اللحظة لم تكن تراه هو بل كانت ترى أخرا نال هو قلبها بدلا منه وغدر بها ..
الحقيقة كانت عمار والخيال كان أكرم وبين كليهما تاهت هي ..
تبعثرت وفقدت ثباتها وإنهارت حصونها كليا …

google-playkhamsatmostaqltradent